التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠) [سورة الجاثية : ١٦ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما تقدم ذكر النعمة ، ومقابلتهم إياها بالكفر والطغيان ، بين عقيب ذلك ذكر ما كان من بني إسرائيل أيضا في مقابلة النعم من الكفران ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) يعني التوراة (وَالْحُكْمَ) يعني العلم بالدين. وقيل : العلم بالفصل بين الخصمين ، وبين المحق والمبطل (وَالنُّبُوَّةَ) أي وجعلنا فيهم النبوة حتى روي أنه كان فيهم ألف نبي. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي وأعطيناهم من أنواع الطيبات (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي عالمي زمانهم. وقيل : فضلناهم في كثرة الأنبياء منهم على سائر الأمم ، وإن كانت أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل منهم في كثرة المطيعين لله ، وكثرة العلماء منهم ، كما يقال : هذا أفضل في علم النحو ، وذاك في علم الفقه. فأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل في علو منزلة نبيها عند الله على سائر الأنبياء ، وكثرة المجتبين الأخيار من آله وأمته ، والفضل : الخير الزائد على غيره. فأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل بفضل محمد وآله. (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي أعطيناهم دلالات وبراهين واضحات من العلم بمبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما بين لهم من أمره وقيل : يريد بالأمر أحكام التوراة. (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي من بعد ما أنزل الله الكتب على أنبيائهم ، وأعلمهم بما فيها (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي طلبا للرئاسة ، وأنفة من الإذعان للحق. وقيل : بغيا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جحود ما في كتابهم من نبوته وصفته. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ظاهر المعنى. (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى

١٢١

شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي ثم جعلناك يا محمد على دين ومنهاج وطريقة. يعني : بعد موسى وقومه ، والشريعة : السنة التي من سلك طريقها أدته إلى البغية ، كالشريعة التي هي طريق إلى الماء ، فهي علامة منصوبة على الطريق من الأمر ، والنهي يؤدي إلى الجنة ، كما يؤدي ذلك إلى الوصول إلى الماء. (فَاتَّبِعْها) أي : اعمل بهذه الشريعة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الحق ، ولا يفصلون بينه وبين الباطل ، من أهل الكتاب الذين غيروا التوراة اتباعا لهواهم ، وحبا للرئاسة ، واستتباعا للعوام ، ولا المشركين الذين اتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لن يدفعوا عنك شيئا من عذاب الله إن اتبعت أهواءهم. (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني. إن الكفار بأجمعهم متفقون على معاداتك ، وبعضهم أنصار بعض عليك (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي ناصرهم وحافظهم ، فلا تشغل قلبك بتناصرهم وتعاونهم عليك ، فإن الله ينصرك عليهم ويحفظك (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ) أي هذا الذي أنزلته عليك من القرآن بصائر ، أي معالم في الدين ، وعظات وعبر للناس ، يبصرون بها من أمور دينهم (وَهُدىً) أي دلالة واضحة (وَرَحْمَةٌ) أي ونعمة من الله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بثواب الله وعقابه ، لأنهم هم المنتفعون به (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧.

١٢٢

مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (٢٤) [سورة الجاثية : ٢١ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال ابن عباس ، في قوله عزوجل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) ، الآية ، قال : إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، هم الذين آمنوا ، وفي ثلاثة من المشركين عتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وهم الذين اجترحوا السيئات (١).

ومن طريق المخالفين : عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، علي وحمزة وعبيدة (كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) ، عتبة وشيبة والوليد بن عتبة : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) ، هؤلاء علي وأصحابه (كَالْفُجَّارِ)(٢) عتبة وأصحابه ، وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، فالذين آمنوا : بنو هاشم ، وبنو عبد المطلب ، والذين اجترحوا السيّئات : بنو عبد شمس (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) ، إلى قوله تعالى : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، فإنه محكم. قال : قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، نزلت في قريش ، كلما هووا شيئا عبدوه (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) ، أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وجرى ذلك بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما فعلوه بعده بأهوائهم وآرائهم ، وأزالوا الخلافة والإمامة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أخذ الميثاق عليهم مرتين لأمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٧ ، ح ٦.

(٢) سورة ص : ٢٨.

(٣) تحفة الأبرار : ص ١١٥ «مخطوط.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

١٢٣

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، نزلت في قريش ، وجرت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه‌السلام واتخذوا إماما بأهوائهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ)(١) ، قال : من زعم أنه إمام وليس هو بإمام ، ومن اتخذ إماما ففضله على علي عليه‌السلام ، ثم عطف على الدهرية الذين قالوا : لا نحيا بعد الموت ، فقال : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) ، وهذا مقدم ومؤخر ، لأن الدهرية لم يقروا بالبعث والنشور بعد الموت ، وإنما قالوا : نحيا ونموت وما يهلكنا إلا الدهر ؛ إلى قوله تعالى : (يَظُنُّونَ) ، فهذا ظنّ شك ، ونزلت هذه الآية في الدّهرية وجرت في الذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمير المؤمنين وأهل بيته عليهم‌السلام ، وإنما كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السيف ، ورغبة في المال (٢).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إني لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم إلا لأحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر ، وصاحب هوى والفاسق المعلن (٣).

وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام : أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : «الهوى (٤).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ

__________________

(١) الأنبياء : ٢٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

(٣) بحار الأنوار : مجلد ٧٠ ، ص ٧٦.

(٤) بحار الأنوار : مجلد ٧٠ ، ص ٧٧.

١٢٤

أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩) [سورة الجاثية : ٢٥ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمّي : ثم حكى الله عزوجل قول الدهرية ، فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أي إنكم تبعثون بعد الموت ، فقال الله تعالى : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) ، الذين أبطلوا دين الله ، قال : قوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) ، أي على ركبها : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) ، قال : إلى ما يجب عليهم من أعمالهم ، ثم قال : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) ، الآيتان محكمتان (١).

وقال أبو بصير ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)؟ قال : «إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الناطق الكتاب ، قال الله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ). فقلت : إنا لا نقرأها هكذا؟ (٢). فقال : «هكذا والله نزل بها جبرائيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنه مما حرّف من كتاب الله (٣).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، قوله تعالى : (هذا كِتابُنا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٥.

(٢) قال المجلسي : الظاهر أنه قرأ (ينطق) على البناء للمفعول ، مرآة العقول : ص ٢٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٥.

١٢٥

يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)؟ قال : «إن الكتاب لا ينطق ، ولكن محمد وأهل بيته عليهم‌السلام ، هم الناطقون بالكتاب (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن لله ملائكة ينزلون كل يوم يكتبون فيه أعمال بني آدم.

ويقول الشيخ الطوسي في التبيان في ذيل الآية مورد البحث بعد نقل هذه الرواية : ومعنى نتنسخ نستكتب الحفظة ما يستحقونه من ثواب وعقاب ، ونلقي ما عداه مما أثبته الحفظة ، لأنهم يثبتونه جميعا.

وعن الحسين بن بشار ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال سألته : أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟

فقال : «إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال الله عزوجل : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقال لأهل النار : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٢) ، فقد علم الله عزوجل أنه لو ردوهم لعادوا لما نهوا عنه ، وقال للملائكة لما قالت : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣) ، فلم يزل الله عزوجل علمه سابقا للأشياء قديما قبل أن يخلقها ، تبارك الله ربنا وتعالى علوا كبيرا ، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك الله لم يزل ربا عالما سميعا بصيرا (٤).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «إذا ذكر العبد ربه في قلبه ، كتب الله له

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٧ ، ح ٧٠.

(٢) الأنعام : ٢٨.

(٣) البقرة : ٣٠.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١١٨ ، ح ٨.

١٢٦

ذلك في صحيفة ، ثم يعارض الملائكة يوم الخميس ، فيريهم الله ذكر عبده له بقلبه ، فيقول الملائكة : ربنا عمل هذا العبد قد أحصيناه ، أما هذا العمل فما نعرفه. فيقول الربّ : إن عبدي قد ذكرني بقلبه فأثبته في صحيفته ، فذلك قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٣) [سورة الجاثية : ٣٠ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أي جنته وثوابه (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي الفلاح الظاهر.

ثم عقب سبحانه الوعد بالوعيد فقال : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي فيقال لهم : أفلم تكن حججي وبيناتي ، تقرأ عليكم من كتابي (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) أي تعظمتم عن قبولها (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي كافرين كما قال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ). والفاء في قوله (أَفَلَمْ تَكُنْ) دالة على جواب أما المحذوف. (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي إن ما وعد الله به من الثواب والعقاب ، كائن لا محالة. (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) أي وإن القيامة لا شك في حصولها. (قُلْتُمْ) معاشر الكفار (ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) وأنكرتموها (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) ونشك فيه (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) في ذلك

__________________

(١) البرهان : ج ٩ ، ص ٤٢.

١٢٧

(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي ظهر لهم جزاء معاصيهم التي عملوها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي جزاء استهزائهم (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣٧) [سورة الجاثية : ٣٤ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) ، أي نترككم ، فهذا النسيان هو الترك (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) ، وهم الأئمة عليهم‌السلام ، أي كذبتموهم واستهزأتم بهم (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) ، يعني من النار (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، يعني لا يجلبون ، ولا يقبلهم الله (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) يعني القدرة (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٥.

١٢٨

تفسير

سورة الأحقاف

رقم السورة ـ ٤٦ ـ

١٢٩
١٣٠

سورة الأحقاف

* س ١ : ما هو فضل سورة الأحقاف؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ كل يوم أو كل جمعة سورة الأحقاف ، لم يصبه الله بروعة في الحياة الدنيا ، وآمنه من فزع يوم القيامة ، إن شاء الله تعالى (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كتبت له من الحسنات بعدد كل رجل مشت على الأرض عشر مرات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ومن كتبها وعلّقها عليه ، أو على طفل ، أو ما يرضع ، أو سقاه ماءها ، كان قويا في جسمه ، سالما مما يصيب الأطفال من الحوادث كلها ، قرير العين في مهده بإذن الله تعالى ومنّه عليه (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في صحيفة وغسلها بماء زمزم ، وشربها كان عند الناس محبوبا ، وكلمته مسموعة ، ولا يسمع شيئا إلّا وعاه ، وتصلح لجميع الأغراض ، تكتب وتمحى وتغسل بها الأمراض ، يسكن بها المرض بإذن الله تعالى (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٤.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٤٥.

(٣) خواص القرآن : ص ٥١.

١٣١

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤) [سورة الأحقاف : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قوله (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) مرّ تفسيرها سابقا في سورة الجاثية.

وقال علي بن إبراهيم : يعني قريشا عما دعاهم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معطوف على قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ) ، إلى قوله تعالى : (عادٍ وَثَمُودَ)(١) ، ثم احتجّ الله عليهم ، فقال : (قُلْ) لهم يا محمد : (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) ، إلى قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢).

وقال أبو عبيدة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن قوله تعالى : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، قال : «عنى بالكتاب التوراة والإنجيل ، وأثارة من علم ، فإنما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء (٣) عليهم‌السلام (٤).

__________________

(١) فصلت : ١٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٦.

(٣) في طبعة أخرى : علم الأنبياء والأوصياء.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٢.

١٣٢

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٨) [سورة الأحقاف : ٥ ـ ٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إلى قوله تعالى : (بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) ، قال : من عبد الشمس والقمر والكواكب والبهائم والشجر والحجر ، إذا حشر الناس كانت هذه الأشياء له أعداء ، وكانوا بعبادتهم كافرين.

قال الشيخ الطبرسي : ثم وصفهم أيضا فقال (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم «آياتنا أي أدلتنا التي أنزلناها من القرآن ونصبناها لهم. والآية الدلالة التي تدل على ما يتعجب منه ، قال الشاعر :

بآية يقدمون الخيل زورا

كأن على سنابكها مداما

ويروي مناكبها و (بينات) أي واضحات (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بوحدانية الله وجحدوا نعمه (لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يعني القرآن ، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي حيلة لطيفة ظاهرة ، ومن اعتقد أن السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف. ومن قال أنه معجزه كان كافرا ، لأنه لا يمكنه مع هذا القول أن يفرق بين النبي والمتنبي (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

١٣٣

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ) يا محمد (افْتَراهُ) يعني القرآن ، وضعه من عنده ف (قُلْ) لهم : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، إن أثابني أو عاقبني على ذلك (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أي تكذبون (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩) [سورة الأحقاف : ٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في حديث ـ : «قد كان الشيء ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعمل به زمانا ، ثمّ يؤمر بغيره فيأمر به أصحابه وأمّته ، قال أناس : يا رسول الله ، إن تأمرنا بالشيء حتى إذا اعتدناه وجرينا عليه ، أمرتنا بغيره؟ فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم ، فأنزل الله عليه : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٢).

وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : «[لمّا] نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، يعني في حروبه ، قالت قريش : فعلى ما نتّبعه ، وهو لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً). وقالا : «قوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) في علي ، هكذا نزلت (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (قُلْ) لهم يا محمد : (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) ، أي لم أكن واحدا من الرسل ، فقد كان قبلي أنبياء كثيرة (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٦.

(٢) المحاسن : ص ٢٩٩ ، ح ١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٨ ، ح ٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٦.

١٣٤

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠) [سورة الأحقاف : ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال (قُلْ) لهم يا محمد (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني هذا القرآن (وَكَفَرْتُمْ بِهِ) يعني بالقرآن (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وعون بن مالك الأشجعي صحابي ، وابن زيد : نزلت الآية في عبد الله بن سلام ، وهو الشاهد من بني إسرائيل ، فروي أن عبد الله بن سلام جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله سل اليهود عني فهم يقولون هو أعلمنا ، فإذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك وأن صفاتك فيها واضحة ، فلما سألهم عن ذلك ، قالوا ذلك ، فحينئذ أظهر ابن سلام إيمانه وأوقفهم على ذلك ، فقالوا هو شرنا وابن شرنا. وقال الفراء : هو رجل من اليهود ، وقال مسروق : الشاهد من بني إسرائيل هو موسى عليه‌السلام شهد على التوراة كما شهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على القرآن ، قال : لأن السورة مكية وابن سلام أسلم بالمدينة. وقوله (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان وجواب (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) محذوف. قال الزجاج : تقديره (فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) فلا تؤمنون. وقال غيره تقديره فآمن واستكبرتم إنما تهلكون. وقال الحسن : جوابه فمن أضل منكم. ثم أخبر تعالى فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ويحتمل أمرين : أحدهما ـ إنه لا يهديهم إلى الجنة لاستحقاقهم العقاب. والثاني ـ إنه لا يحكم بهداهم لكونهم ضلالا ظالمين. ولا يجوز أن يكون المراد لا يهديهم إلى طريق الحق ، لأنه تعالى هدى جميع المكلفين بأن نصب لهم الأدلة على الحق ودعاهم إلى اتباعه ، ورغبهم في فعله. وقد قال (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ

١٣٥

فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فبين أنه هداهم إلى الحق وإن اختاروا هم الضلال (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤) [سورة الأحقاف : ١١ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : أخبر الله تعالى عن الكفار الذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم قالوا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) وصدقوا رسوله (لَوْ كانَ) هذا الذي يدعوننا هؤلاء المسلمون إليه : محمد ومن اتبعه (خَيْراً) أي نفعا عاجلا أو آجلا يظهر لنا ذلك (ما سَبَقُونا) يعني الكفار الذين آمنوا به (إِلَيْهِ) أي إلى اتباعه لأنا كنا بذلك أولى وبه أجرى ، وحكى أن أسلم وغفار وجهينة ومزينة لما أسلموا قال بنو عامر ابن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع هذا القول ، فحكاه الله. والسبق المصير إلى الشيء قبل غيره ، وكذلك السابق إلى الخير والتابع فيه ، فقال الله تعالى (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) يعني هؤلاء الكفار بهذا القرآن ولا استبصروا به ولا حصل لهم العلم بأنه مرسل داع إلى الله (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي كذب متقدم حيث لم يهتدوا به ، وصفه بالقديم للمبالغة في التقدم أي ليس أول من ادعى الكذب في ذلك بل قد تقدم أشباهه. والقديم في عرف اللغة هو المتقدم الوجود ، وفي عرف المتكلمين

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧١ ـ ٢٧٢.

١٣٦

هو الموجود الذي لا أول لوجوده. ثم قال تعالى (وَمِنْ قَبْلِهِ) يعني من قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) يعني التوراة (إِماماً وَرَحْمَةً) أي جعلناه إماما ورحمة وأنزلناه إماما يهتدى به ورحمة أي نعمة على الخلق. ثم قال (وَهذا) يعني القرآن (كِتابٌ مُصَدِّقٌ) لذلك الكتاب (لِساناً عَرَبِيًّا) نصبه على الحال ، ويجوز أن يكون حالا من هذا الكتاب ويجوز أن يكون حالا لما في (مُصَدِّقٌ) من الضمير. وقوله (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ليخوفهم ، ويعلمهم استحقاق العقاب على المعاصي واستحقاق الثواب على الطاعات. فمن قرأ بالتاء جاز أن يكون خطابا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجوز أن يكون ردا على اللسان على ما قدمناه ، وهو مؤنث. ومن قرأ بالياء رده إلى الكتاب الذي هو القرآن. وقوله (بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) معناه أن يكون هذا القرآن بشارة لمن فعل الصالحات واختار الحسنات ، ويجوز في (بُشْرى) أن يكون رفعا عطفا على (مُصَدِّقٌ) ويجوز أن يكون نصبا لوقوعه موقع «وبشيرا فيكون حالا ، كما تقول : أتيتك لأزورك وكرامة لك وقضاء لحقك. ثم أخبر تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا) بلسانهم (رَبُّنَا اللهُ) واعتقدوا ذلك بقلوبهم (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على ذلك لم يعدلوا عنه (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العقاب في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) من أهوال القيامة. ثم أخبر عنهم فقال (أُولئِكَ) يعني من تقدم ذكرهم (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أي الملازمون لها (خالِدِينَ فِيها جَزاءً) لهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من الطاعات (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

١٣٧

نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥) [سورة الأحقاف : ١٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن جبرئيل عليه‌السلام نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : يا محمد ، إن الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل عليه‌السلام إلى السماء ، ثم هبط وقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل عليه‌السلام إلى السماء ، ثم هبط وقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصية ، فقال : قد رضيت.

ثم أرسل إلى فاطمة : أن الله بشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي. فأرسلت إليه : لا حاجة لي في مولود تقتله أمتك من بعدك. فأرسل إليها : إن الله قد جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فأرسلت إليه : إني قد رضيت ، فحملته : (كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) ، فلو أنّه قال : أصلح لي ذريتي ، لكان ذريته كلهم أئمة.

ولم يرضع الحسين عليه‌السلام من فاطمة عليها‌السلام ، ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيضع إبهامه في فيه ، فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين عليه‌السلام من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دمه ، ولم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم عليه‌السلام ، والحسين بن علي عليهما‌السلام(١).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٨٦ ، ح ٤.

١٣٨

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزوجل : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) : «الاحتلام. فقال «يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(١٦) [سورة الأحقاف : ١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : لما أخبر تعالى بما أوصى به الإنسان أن يعمله ويقوله عند بلوغ أشده أخبره بعده بما يستحقه من الثواب إذا فعل ما أمره به تعالى فقال (أُولئِكَ) يعني الذين فعلوا ما وصيناهم به من التائبين المسلمين هم (الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) من قرأ بالنون أضاف الفعل إلى الله وأنه أخبر عن نفسه بأنه يفعل بهم. ومن قرأ بالياء والضم فيهما لم يذكر الفاعل لأنه معلوم أن المراد به أن الله الذي يتقبل الطاعات ويجازي عليها. وقوله (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يعني ما يستحق به الثواب من الواجبات والمندوبات ، لأن المباحات وإن كانت حسنة لا يستحق بها الثواب ولا توصف بأنها متقبلة ، لأنه لا يتقبل إلا ما ذكرناه من واجب أو ندب. ثم قال (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها فلا نؤاخذهم بها إذا تابوا منها أو أردنا أن نتفضل عليهم بإسقاطها ، وقوله (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أي هم في أصحاب الجنة (وَعْدَ الصِّدْقِ) أي وعدهم وعد الصدق لا الكذب ... (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) به في دار الدنيا إذا أطاعوا الله (٢).

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ، ص ١٨٢ ، ح ٦.

(٢) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

١٣٩

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (١٨) [سورة الأحقاف : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) ، الآية قال : نزلت في عبد الرحمن ابن أبي بكر (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : حدثني العباس بن محمد ، قال : حدثني الحسن بن سهل ، بإسناد رفعه إلى جابر بن يزيد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أتبع جلّ ذكره مدح الحسين بن علي عليهما‌السلام بذمّ عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال جابر بن يزيد ، فذكرت هذا الحديث لأبي جعفر عليه‌السلام ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا جابر ، والله لو سبقت الدعوة من الحسين : وأصلح لي ذريتي ، كانوا ذريته كلهم أئمة طاهرين ولكن سبقت الدعوة : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)(٢) ، فمنهم الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا ، ثبت الله بهم حجّته (٣).

قال مؤلف الكتاب : أترى إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، لما عرض عليه جابر الحديث ، كيف انتقل إلى ذكر ما في الحسين عليه‌السلام ، ولم يذكر أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، بل أعرض عنه إلى ذكر الحسين عليه‌السلام.

وفي (كشف البيان) : الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقيل :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧.

(٢) الأحقاف : ١٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧.

١٤٠