التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

وتستعمل كلمة «عبقري ككلمة مستقلّة بمعنى نادر الوجود ، وتأتي جمعا في بعض الأحيان ، كما في الآية مورد البحث.

و (حِسانٍ) جمع (حسن) على وزن «نسب بمعنى جيد ولطيف.

وللمرة الأخيرة وهي (الحادية والثلاثون) يسأل سبحانه جميع مخلوقاته من الجنّ والإنس هذا السؤال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

هل النعم المعنوية؟ أم النعم المادية؟ أم نعم هذا العالم؟ أم الموجودة في الجنّة؟ إن كل هذه النعم شملت وجودكم وغمرتكم ... إلا أنه ـ مع الأسف ـ قد أنساكم غروركم وغفلتكم هذه الألطاف العظيمة ، ومصدر عطائها وهو الله سبحانه الذي أنتم بحاجة مستمرة إلى نعمه في الحاضر والمستقبل ... فأيّا منها تنكرون وتكذبون؟.

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٧٨) [سورة الرحمن : ٧٨]؟!

الجواب / قال الباقر عليه‌السلام : «نحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا (١).

أقول : ومن الواضح أن أهل البيت عليهم‌السلام لا يدعون لغير الله ، ولا يأمرون بغير طاعته وهم هداة الطريق إليه ، وسفن النجاة في بحر الحياة المتلاطم. وبناء على هذا ، فإنهم يمثلون مصاديق جلال الله وإكرامه ، لأن الله تعالى قد شمل الناس بنعمة الهداية بواسطة أوليائه.

__________________

(١) الاختصاص : ص ٣٥١.

٣٨١
٣٨٢

تفسير

سورة الواقعة

رقم السورة ـ ٥٦ ـ

٣٨٣
٣٨٤

سورة الواقعة

* س ١ : ما هو فضل سورة الواقعة؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ في كل ليلة جمعة الواقعة ، أحبّه الله وأحبه إلى الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤسا أبدا ولا فقرا ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة ، لم يشركه فيها أحد (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ الواقعة كلّ ليلة قبل أن ينام ، لقي الله عزوجل ووجهه كالقمر ليلة البدر (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة لم يكتب من الغافلين ، وإن كتبت وجعلت في المنزل نما الخير فيه ، ومن أدمن على قراءتها زال عنه الفقر ، وفيها قبول وزيادة حفظ وتوفيق وسعة في المال (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «إن فيها من المنافع ما لا يحصى ، فمن ذلك إذا قرئت على الميت غفر الله له ، وإذا قرئت على من قرب أجله عند موته سهّل الله عليه خروج روحه بإذن الله تعالى (٤).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٧.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١١٧.

(٣) البرهان : ج ٩ ، ص ٢٣٦.

(٤) البرهان : ج ٩ ، ص ٢٣٦.

٣٨٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١٢) [سورة الواقعة : ١ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال الزهري : سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : «من لم يتعزّ بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ، والله ما الدنيا والآخرة إلا ككفتي الميزان ، فأيهما رجح ذهب بالآخر ثم تلا قوله عزوجل : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) «يعني القيامة (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ) خفضت والله أعداء الله إلى النار (رافِعَةٌ) رفعت والله أولياء الله إلى الجنّة (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) ، قال : [القيامة] هي حقّ ، قوله تعالى : (خافِضَةٌ) ، قال : لأعداء الله (رافِعَةٌ) ، قال : لأولياء الله (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) قال : يدق بعضها بعضا (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) ، قال ؛ قلعت الجبال قلعا (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) قال : الهباء : الذي يدخل في الكوة من شعاع الشمس.

قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) ، قال : يوم القيامة (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وهم المؤمنون من أصحاب التبعات يوقفون للحساب (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الذين قد سبقوا إلى الجنة بلا حساب (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : قال حذيفة بن اليمان : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل

__________________

(١) الخصال : ص ٦٤ ، ح ٩٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٦.

٣٨٦

إلى بلال ، فأمره أن ينادي بالصلاة قبل وقت كل يوم في رجب لثلاث عشرة خلت منه ، قال : فلما نادى بلال بالصلاة فزع الناس من ذلك فزعا شديدا وذعروا ، وقالوا : رسول الله بين أظهرنا ، لم يغب عنا ، ولم يمت! فاجتمعوا وحشدوا ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي حتى انتهى إلى باب من أبواب المسجد ، فأخذ بعضادتيه ، وفي المسجد مكان يسمّى السدة ، فسلم ثم قال : «هل تسمعون ، أهل السدة؟ فقالوا : سمعنا وأطعنا. فقال : «هل تبلّغون؟ قالوا : ضمنا ذلك لك يا رسول الله. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أخبركم أن الله خلق الخلق قسمين ، فجعلني في خيرهما قسما ، وذلك قوله : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ)(١) (وَأَصْحابُ الشِّمالِ)(٢) ، فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين ، ثم جعل القسمين أثلاثا ، فجعلني في خيرها ثلثا ، وذلك قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) ، فأنا من السابقين ، وأنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني في خيرها قبيلة ، وذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٣) ، فقبيلتي خير القبائل ، وأنا سيد ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ، ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلني في خيرها بيتا ، وذلك قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٤).

ألا وإن الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي ، وأنا سيد الثلاثة وأتقاهم [ولا فخر] لله ، اختارني وعليا وجعفرا أبني أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، كنا رقودا بالأبطح ، ليس منا إلا مسجى بثوبه على وجهه ، علي بن أبي طالب عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، فما نبهني عن

__________________

(١) الواقعة : ٢٧.

(٢) الواقعة : ٤١.

(٣) الحجرات : ١٣.

(٤) الأحزاب : ٣٣.

٣٨٧

رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة ، وبرد ذراع علي بن أبي طالب في صدري ، فانتبهت من رقدتي وجبرئيل في ثلاثة أملاك ، يقول له أحد الأملاك الثلاثة : يا جبرئيل إلى أي هؤلاء أرسلت ، فركضني برجله ، فقال : إلى هذا. قال : ومن هذا؟ يستفهمه ، فقال : هذا محمد سيد النبيين ، وهذا علي بن أبي طالب سيد الوصيين ، وهذا جعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة ، وهذا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء (١).

وقال الطبرسي : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «السابقون أربعة : ابن آدم المقتول ، وسابق أمّة موسى عليه‌السلام وهو مؤمن آل فرعون ، وسابق أمّة عيسى عليه‌السلام وهو حبيب النجّار ، والسابق في أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وقال جابر الجعفي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا جابر ، إنّ الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف ، وهو قوله عزوجل : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ، فالسابقون هم رسل الله عليهم‌السلام ، وخاصة الله من خلقه ، جعل فيهم خمسه أرواح ، أيدهم بروح القدس ، فبه عرفوا الأشياء ، وأيدهم بروح الإيمان ، فبه خافوا الله عزوجل ، وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج ، الذي به يذهب الناس ويجيئون ، وجعل في المؤمنين أصحاب الميمنة روح الإيمان ، فبه خافوا الله ، وجعل فيهم روح القوة ، قدروا على طاعة الله ، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزوجل ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٢٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٣ ، ح ١.

٣٨٨

وقال داود بن كثير الرقيّ : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام: جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ). قال : «نطق الله بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق ، قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة.

فقلت : فسّر لي ذلك؟ فقال : «إن الله عزوجل لما أراد أن يخلق الخلق من طين ، ورفع لهم نارا ، وقال لهم : ادخلوها ، فكان أول من دخلها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين وتسعة من الأئمّة إماما بعد إمام ، ثم أتبعهم شيعتهم ، فهم والله السابقون (١).

أقول : ثم يوضح ـ في جملة قصيرة ـ المقام العالي للمقرّبين حيث يقول سبحانه : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(٢).

التعبير ب (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يشمل أنواع النعم المادية والمعنوية ، ويمكن اعتبار هذا التعبير إشارة إلى أن بساتين الجنة هي وحدها مركز النعمة والراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد والتعب ، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة ، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأما مع المسؤوليات والطاعات في حين أن

مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط.

ومن البديهي أن المقصود من «القرب ليس «القرب المكاني لأن الله ليس له مكان ، وهو أقرب إلينا من أنفسنا ، والمقصود هنا هو «القرب المقامي.

__________________

(١) الغيبة للنعماني : ص ٩٠ ، ح ٢٠.

(٢) الجار والمجرور الموجود في الآية (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ممكن أن يكون متعلق بما قبله يعني (المقربين) ، أو مرتبطة بحال محذوف جاء للمقربين وتقديره (كائنين في جنات النعيم) ، أو يكون خبرا بعد خبر.

٣٨٩

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (١٩) [سورة الواقعة : ١٣ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمد عليهم‌السلام ، في قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ، قال : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) ابن آدم الذي قتله أخوه ، ومؤمن آل فرعون ، وحبيب النجّار صاحب يس : (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) : هم أتباع الأنبياء (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) هم أتباع النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) ، أي منصوبة.

[وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ أسرّتها من در وياقوت ، وذلك قول الله : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) ، يعني أوساط السّرر [من] قضبان الدّرّ والياقوت مضروبة عليها الحجال ، والحجال من درّ وياقوت ، أخفّ من الريش وألين من الحرير ، وعلى السرر من الفرش على قدر ستين غرفة من غرف الدنيا ، بعضها فوق بعض ، وذلك قول الله عزوجل : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) وقوله تعالى : (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ)(٢) يعني بالأرائك السّرر الموضونة عليها الحجال](٣).

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ، أي مسرورون (٤).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٤٣ ، ح ٧.

(٢) المطففين : ٢٣ ، ٣٥.

(٣) الاختصاص : ص ٣٥٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٨.

٣٩٠

وقال الطبرسي ، في معنى الولدان : عن علي عليه‌السلام : «أنهم أولاد أهل الدنيا ، لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيئات فيعاقبوا عليها ، فأنزلوا هذه المنزلة (١).

قال : وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل عن أطفال المشركين ، فقال : «هم خدّام أهل الجنّة (٢).

أقول : ويضيف القرآن أن هؤلاء الولدان يقدّمون لأصحاب الجنّة أقداح الخمر وكؤوس الشراب المأخوذ من أنهار الجنّة (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)(٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «حوضنا [مترع] فيه مثعبان (٤) ينصبان من الجنة : أحدهما من معنى ، والآخر من معين (٥).

أقول : وشرابهم هذا ليس من النوع الذي يأخذ لباب العقل والفكر ، حيث يقول تعالى : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ)(٦). إن الحالة التي

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٢٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٢٧.

(٣) أكواب جمع كوب بمعنى القدح أو الإناء الذي لا عروة له ، وأباريق جمع إبريق وهي في الأصل أخذت من الفارسية (أبريز) بمعنى الأواني ذات اليد من جهة ، ومن الأخرى ذات أنبوب لصبّ السائل ، وكلمة كأس تقال للإناء المملوء بالسائل لدرجة يفيض من جوانبه ، ومعين من مادّة (معن) على وزن (صحن) بمعنى الجاري.

(٤) المثعب : مجرى الماء من الحوض وغيره. «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٩٦.

(٥) الخصال : ص ٦٢٤ ، ح ١٠.

(٦) (يُصَدَّعُونَ) من مادّة (صداع) على وزن (حباب) ، بمعنى وجع الرأس ، وهذا المصطلح في الأصل من (صدع) بمعنى (الانفلاق) لأنّ الإنسان عند ما يصاب بوجع رأس شديد فكأنّ رأسه يريد أن ينفلق من شدّة الألم ، لذا فإن هذه الكلمة قد استعملت في هذا المعنى. (ويُنْزِفُونَ) من أصل (نزف) على وزن (حذف) بمعنى سحب جمع مياه البشر بصورة تدريجية ، وتستعمل أيضا حول (السكر) وفقدان العقل.

٣٩١

تنتابهم من النشوة الروحية حين تناولهم لهذا الشراب لا يمكن أن توصف ، إذ تغمر كل وجودهم بلذة ليس لها مثيل.

وقال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (وَلا يُنْزِفُونَ) ، أي يطردون (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢١) [سورة الواقعة : ٢٠ ـ ٢١]؟!

الجواب / أقول : ثمّ يشير سبحانه إلى رابع وخامس قسم من النعم المادية التي وهبها الله للمقربين في الجنّة ، حيث يقول سبحانه : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ).

وفاكهة ولحم كلاهما معطوف على أكواب وهذه الأشياء تهدى من قبل «الولدان المخلدون إلى المقرّبين.

وإن تقديم الفاكهة على اللحم بلحاظ كون الفاكهة أفضل من الناحية الغذائية بالإضافة إلى نكهتها الخاصّة عند أكلها قبل الطعام.

ويعتبر اللحم سيد الإدام في الدنيا والآخرة ، كما جاء في الرواية التالية :

قال عبد الله بن سنان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سيد الإدام في الدنيا والآخرة. فقال : «اللّحم ، أما سمعت قول الله عزوجل : (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)(٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٠٨ ، ح ١.

٣٩٢

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤) [سورة الواقعة : ٢٢ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من أحد يدخل الجنة إلا كان له من الأزواج خمسمائة حوراء ، مع كل حوراء سبعون غلاما وسبعون جارية ، كأنهنّ اللؤلؤ المنثور ، وكأنهنّ اللؤلؤ المكنون ، وتفسير المكنون بمنزلة اللؤلؤ في الصّدف ، لم تمسّه الأيدي ولم تره الأعين ، وأمّا المنثور فيعني في الكثرة ، وله سبعة قصور ، في كلّ قصر سبعون بيتا وفي كل بيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون فراشا ، عليها زوجة من الحور العين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ)(١) أنهار من ماء غير آسن صاف ليس بالكدر (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) لم يخرج من ضروع المواشي (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) لم يخرج من بطون النحل (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)(٢) لم يعصره الرجال بأقدامهم ، فإذا اشتهوا الطعام جاءتهم طيور بيض يرفعن أجنحتهن ، فيأكلون من أي الألوان اشتهوا ، جلوسا إن شاءوا أو متكئين ، وإن اشتهوا الفاكهة سعت إليهم الأغصان ، فأكلوا من أيها اشتهوا ، قال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(٣) (٤).

أقول : وبعد الحديث عن هذه المنح ، والعطايا المادية الستّة ، يضيف سبحانه : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٥) كي لا يتصور أحد أن هذه النعم تعطى

__________________

(١) الأعراف : ٤٣.

(٢) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١٥.

(٣) الرعد : ٢٣ ، ٢٤.

(٤) الاختصاص : ص ٣٥٢.

(٥) يلاحظ بأن (يعملون) فعل مضارع يعطي معنى الاستمرار.

٣٩٣

جزافا ، بل إنّ الإيمان والعمل الصالح هو السبيل لنيلها والحصول عليها ، حيث يلزم للإنسان الخالص حتى تكون هذه الألطاف الإلهية من نصيبه.

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)(٢٩) [سورة الواقعة : ٢٥ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) ، قال : الفحش والكذب والغناء ، (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) ، قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) ، قال : اليمين : علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، وقوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) ، قال : شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه.

وقرأ أبو عبد الله عليه‌السلام : طلع منضود قال : «بعضه على بعض (١).

وقال يعقوب بن شعيب : قلت لأبي عبد الله : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)؟ قال : «لا ، وطلع منضود (٢).

وجاء في حديث : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم ، أقبل أعرابي يوما ، فقال : يا رسول الله لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما هي ، قال : السدر ، فإنّ لها شوكا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أليس يقول الله : في سدر مخضود ، يخضده الله من شوكه فيجعل مكان كلّ شوكة ثمرة ، إنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٣٠.

٣٩٤

وسبعين لونا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر (١).

أقول : في قوله تعالى : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) ، هل أن هذا السلام من قبل الله تعالى؟ أو أنه من قبل الملائكة؟ أو هو سلام متبادل بين أهل الجنّة ، أو كلّ هذه الأمور؟

الظاهر أن الرأي الأخير هو الأنسب ، كما أشارت الآيات القرآنية الأخرى إلى ذلك (٢).

نعم إنهم لا يسمعون شيئا إلا السلام ، سلام وتحيّة من الله ، ومن الملائكة المقربين ، وسلامهم وتحيّتهم لبعضهم البعض في تلك المجالس العامرة المملوءة بالصفاء والتي تفيض بالودّ والأخوّة والصدق.

إنّ محيطهم وأجواءهم المغمورة بالسلام والسلامة تسيطر على وجودهم ، وإن أحاديثهم وحواراتهم المختلفة تنتهي إلى السّلام والأخوة والصفاء ، وأساسا فإنّ الجنة هي دار السلام وبيت السلامة والأمن والأمان ، كما نقرأ في قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٣)(٤).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ)(٣٣) [سورة الواقعة : ٣٠ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال نصر بن قابوس : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ

__________________

(١) روح المعاني : ج ٢٧ ، ص ١٢٠ ، والدرّ المنثور : ج ٦ ، ص ١٥٦.

(٢) سورة يس : ٥٨ ، الرعد : ٢٤ ، يونس : ١٠.

(٣) يجب الانتباه إلى أن الاستثناء في الآية (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) هو استثناء منقطع ويفيد للتأكيد.

(٤) الأنعام : ١٢٧.

٣٩٥

وجلّ : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) قال : «يا نصر ، إنه والله ليس حيث يذهب الناس ، إنما هو العلم وما يخرج منه.

وسألته عن قول الله عزوجل : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)(١) ، قال : «البئر المعطلة : الإمام الصامت ، والقصر المشيد : الإمام الناطق (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [قال : ظل ممدود] وسط الجنة في عرض الجنة ، وعرض الجنة كعرض السماء والأرض ، يسير الراكب في ذلك الظل مائة عام فلا يقطعه (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «فإذا انتهى ـ يعني المؤمن ـ إلى باب الجنّة قيل له : هات الجواز ، قال : هذا جوازي مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا جواز جائز من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان من رب العالمين ، فينادي مناد يسمع أهل الجمع كلهم : ألا إن فلان بن فلان ، قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، قال : فيدخل فإذا هو بشجرة ذات ظل ممدود ، وماء مسكوب ، وثمار مهدلة تسمى رضوان ، يخرج من ساقها عينان تجريان ، فينطلق إلى إحداهما كلما مرّ بذلك ، فيغتسل منها ، فيخرج وعليه نضرة النعيم ، ثم يشرب من الأخرى ، فلا يكون في بطنه مغص ، ولا مرض ولا داء أبدا ، وذلك قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً)(٤).

ثم تستقبله الملائكة وتقول : طبت فادخلها مع الداخلين ؛ فيدخل فإذا هو بسماطين من شجر ، أغصانها اللؤلؤ ، وفروعها الحليّ والحلل ، ثمارها مثل ثدي الجواري الأبكار فتستقبله الملائكة معهم النوق والبراذين والحلي

__________________

(١) الحج : ٤٥.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٥٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٨.

(٤) الإنسان : ٢١.

٣٩٦

والحلل ، فيقولون : يا ولي الله ، اركب ما شئت ، [والبس ما شئت] وسل ما شئت ، قال : فيركب ما اشتهى ، ويلبس ما اشتهى وهو على ناقة أو برذون من نور ، وثيابه من نور وحليّه من نور ، يسير في دار النور معه ملائكة من نور ، وغلمان من نور ، ووصائف من نور حتى تهابه الملائكة ما يرون من النور ، فيقول بعضهم لبعض : تنحّوا فقد جاء وفد الحليم الغفور.

قال : فينظر إلى أول قصر له من فضة ، مشرفا بالدر والياقوت ، فتشرف عليه أزواجه ، فيقلن : مرحبا مرحبا ، انزل بنا ؛ فيهمّ أن ينزل بقصره ، قال : فتقول له الملائكة : سر ـ يا ولي الله ـ فإن هذا لك وغيره ؛ حتى ينتهي إلى قصر من ذهب ، مكلل بالدر والياقوت ، [فتشرف عليه أزواجه ، فيقلن : مرحبا مرحبا يا ولي الله ، انزل بنا] فيهم أن ينزل بقصره ، فتقول له الملائكة : سر يا ولي الله.

قال : ثم يأتي قصرا من ياقوت أحمر ، مكللا بالدر والياقوت ، فيهم بالنزول بقصره ، فتقول له الملائكة سر ـ يا ولي الله ـ فإن هذا لك وغيره ، قال : فيسير حتى يأتي تمام ألف قصر ، كل ذلك ينفذ فيه بصره ، ويسير في ملكه أسرع من طرفة العين ، فإذا انتهى إلى أقصاها قصرا نكّس رأسه ، فتقول الملائكة : ما لك يا ولي الله؟ قال : فيقول : والله لقد كاد بصري أن يختطف [فيقولون : يا ولي الله ، أبشر فإن الجنة] ليس فيها عمى ولا صمم.

فيأتي قصرا يرى ظاهره من باطنه ، وباطنه من ظاهره لبنة من فضة ، ولبنة من ذهب ولبنة من ياقوت ولبنة من در ، ملاطه المسك ، قد شرف بشرف من نور يتلألأ ويرى الرجل وجهه في الحائط ، وذلك قوله تعالى : (خِتامُهُ مِسْكٌ)(١) يعني ختام الشراب.

__________________

(١) المطففين : ٢٦.

٣٩٧

ثم ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحور العين ، فقالت أم سلمة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أما لنا فضل عليهنّ؟ قال : بلى ، بصلاتكنّ وصيامكنّ وعبادتكنّ لله ؛ بمنزلة الظاهرة على الباطنة (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي مرشوش ، قوله تعالى : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي لا تقطع ، ولا يمنع أحد من أخذها (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن نخل الجنّة جذوعها ذهب أحمر ، وكرمها زبرجد أخضر ، وشماريخها در أبيض ، وسعفها حلل خضر ورطبها أشد بياضا من الفضة ، وأحلى من العسل ، وألين من الزّبد ، ليس فيه عجم ، طول العذق اثنا عشر ذراعا ، منضودة من أعلاه إلى أسفله ، لا يؤخذ منه شيء إلا أعاده الله كما كان ، وذلك قول الله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) ، وإن رطبها لأمثال القلال ، وموزها أمثال الدلي ، وأمشاطهم الذهب ، ومجامرهم (٣) الدر (٤).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) (٣٤) [سورة الواقعة : ٣٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال علي عليه‌السلام : يا رسول الله ، أخبرنا عن قول الله عزوجل : (غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ)(٥) ، بماذا بنيت يا رسول الله؟

__________________

(١) الاختصاص : ص ٣٥٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٨.

(٣) المجامر ، جمع مجمر : وهو ما يوضع فيه الجمر مع البخور.

(٤) الاختصاص : ص ٣٥٧.

(٥) الزمر : ٢٠.

٣٩٨

فقال : يا علي ، تلك غرف بناها الله عزوجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد ، سقوفها الزبرجد محبوكة بالفضة ، لكل غرفة ، منها ألف باب من ذهب على كل باب ملك موكل به ، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة ، حشوها المسك والكافور والعنبر ، وذلك قوله عزوجل : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ)(١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) (٣٨) [سورة الواقعة : ٣٥ ـ ٣٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) ، قال : الحور العين في الجنّة (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً) ، قال : يتكلمون بالعربية ، وقوله تعالى : (أَتْراباً) ، أي مستويات السّن (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وقال أبو بصير ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء ، وأربعة آلاف ثيب ، وزوجتين من الحور العين.

قلت : جعلت فداك ، ثمانمائة عذراء! قال : «نعم ، ما يفترش منهن شيئا إلا وجدها كذلك.

قلت : جعلت فداك ، من أي شيء خلقت الحور العين؟ قال : «من تربة الجنة النورانية ، ويرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة ، كبدها مرآته ، وكبده مرآتها.

قلت : جعلت فداك ، ألهن كلام يكلمن به أهل الجنة؟ قال : «نعم ، كلام

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٧ ، ح ٦٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٨.

٣٩٩

يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله وأعذب منه.

قلت : ما هو؟ قال : «يقلن بأصوات رخيمة : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نيأس ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن خلق لنا ، وطوبى لمن خلقنا له ، ونحن اللواتي لو أن شعر إحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره الأبصار (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو أن حوراء من الحور العين أشرفت على أهل الدنيا ، وأبدت ذؤابة من ذوائبها ، لأفتن أهل الدنيا ـ أو لأماتت أهل الدنيا ـ وإن المصلي ليصلي فإذا لم يسأل ربه أن يزوجه من الحور العين قلن : ما أزهد هذا فينا! (٢).

قال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن الصادق عليه‌السلام ـ في جوابه لسؤال زنديق ـ قال له : فمن أين قالوا : إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها ، فإذا أكلها عادت كهيئتها؟ قال عليه‌السلام : «نعم ، ذلك على قياس السراج ، يأتي القابس فيقتبس منه ، فلا ينقص من ضوئه شيء وقد امتلأت الدنيا منه سراجا.

قال : أليس يأكلون ويشربون ، وتزعم أنه لا تكون لهم الحاجة؟ قال عليه‌السلام : «بلى ، لأن غذائهم رقيق لا ثفل (٣) له ، بل يخرج من أجسادهم بالعرق.

قال : فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء؟ قال عليه‌السلام : «لأنها خلقت من الطيب ، لا تعتريها عاهة ، ولا تخالط جسمها آفة ، ولا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٢.

(٢) الزهد : ص ١٠٢ ، ح ٢٨٠.

(٣) الثفل : ما سفل من كل شيء. «لسان العرب : ص ١١ ، ح ٨٤.

٤٠٠