التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

في أبيه قبل إسلامه (١).

وقال الطبرسي في (مجمع البيان) : قيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر (٢).

قال : وقيل : الآية عامة في كل كافر عاق لوالديه ؛ عن الحسن وقتادة والزجاج ، قالوا : ويدل عليه أنه قال عقيبها : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ)(٣).

وقال الطوسي : ثم قال تعالى مخبرا عن حالهم (إِنَّهُمْ) يعني الذين وصفهم «كانوا قوما خاسرين في أمورهم ، لأنهم خسروا الثواب الدائم وحصل لهم العقاب المؤبد (٤).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٩) [سورة الأحقاف : ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي لكل مطيع درجات ثواب ، وإن تفاضلوا في مقاديرها. وقوله (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) من قرأ بالياء معناه ليوفيهم الله. ومن قرأ بالنون فعلى وجه الأخبار من الله عن نفسه أنه يوفيهم ثواب أعمالهم من الطاعات (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي من غير أن ينقص منه شيئا (٥).

__________________

(١) نهج البيان : ج ٣ ، ص ٢٦٤ «مخطوط.

(٢) هنالك زيادة : قال له أبواه أسلم وألحّا عليه ، فقال : أحيوا لي عبد الله بن جدعان ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٢.

(٤) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧٨.

(٥) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧٨.

١٤١

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) (٢٠) [سورة الأحقاف : ٢٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) قال : أكلتم وشربتم ولبستم وركبتم ، وهي في بني فلان : (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) ، قال : العطش (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)(١).

وقال محمد الباقر عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أتى بخبيص (٢) ، فأبى أن يأكل ، فقالوا له : أتحرّمه؟ قال : لا ، ولكني أخشى أن تتوق إليه نفسي فأطلبه ثم تلا هذه الآية : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها)(٣).

وقال الأحنف بن قيس : دخلت على معاوية ، فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه ، ثم قدم لونا ما أدري ما هو ، فقلت : ما هذا؟ فقال : مصارين البط محشوّة بالمخ ، قد قلي بدهن الفستق ، وذر عليه الطبرزد (٤) ، فبكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : ذكرت عليا عليه‌السلام ، بينا أنا عنده ، فحضر وقت إفطار فسألني المقام ، إذ دعا بجراب مختوم ، فقلت : ما

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨.

(٢) الخبيص : الحلواء المخبوصة من التمر والسّمن. «المعجم الوسيط ـ خبص ـ ج ١ ، ص ٢١٦.

(٣) أمالي المفيد : ص ١٣٤ ، ح ٢.

(٤) الطبرزد : السكر الأبيض ، فارسية. «أقرب الموارد : ج ١ ، ص ٦٩٦.

١٤٢

هذا الجراب؟ قال : «سويق الشعير ، فقلت : خفت عليه أن يؤخذ ، أو بخلت به؟ قال : «لا ولا أحدهما ، لكني خفت أن يلينه الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت : محرم هو؟ قال : «لا ، ولكن يجب على أئمة الحق أن يقتدوا بالقسم من ضعفة الناس كيلا يطغى بالفقير فقره ، فقال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله (١).

وقال الطبرسي : في الحديث أن عمر بن الخطاب قال : استأذنت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت عليه في مشربة (٢) أم إبراهيم ، وإنه لمضطجع على خصفة (٣) ، وأن بعضه على التراب ، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا ، فسلمت عليه ثم جلست ، فقلت : يا رسول الله ، أنت نبي الله وصفوته وخيرته من خلقه ، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أولئك قوم عجلت طيباتهم ، وهي وشيكة الانقطاع ، وإنما أخرت لنا طيباتنا (٤).

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام في بعض خطبه : «والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد قال لي قائل : ألا تنبذها؟ فقلت : اعزب عني ، فعند الصباح يحمد القوم السرى (٥) (٦).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «والله إن كان علي عليه‌السلام ليأكل أكلة العبد ، ويجلس جلسة العبد ، وإنه كان ليشتري القميصين فيخيّر غلامه

__________________

(١) ... حلية الأبرار : ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٢) المشربة : الغرفة. «أقرب الموارد ـ شرب ـ ج ١ ، ص ٥٨٠.

(٣) الخصفة : الجلة تعمل من الخوص للتمر ، و : الثوب الغليظ جدّا. «أقرب الموارد ـ خصف ـ ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٤) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٣.

(٥) مثل يضرب لمن يحتمل المشقّة رجاء الراحة ، ويضرب أيضا في الحثّ على مزاولة الأمر والصبر وتوطين النفس حتى تحمد عاقبته.

(٦) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٣.

١٤٣

خيرهما ، ثم يلبس الآخر ، فإذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه ، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ولا أورث بيضاء ولا حمراء ، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله يأكل خبز الشعير والزيت والخل ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله عزوجل رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه ، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يمينه ، تربت منه يداه وعرق فيه وجهه ، وما أطاق عمله أحد من الناس ، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده.

ثم إنه اشتهر في الرواية أنه عليه‌السلام ، لما دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده. قال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد لبس العباءة ، وتخلى من الدنيا. فقال عليه‌السلام : «عليّ به. فلما جاء ، قال : «يا عدي نفسه ، لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ، أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها! أنت أهون على الله من ذلك. قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك ، قال : «ويحك إني لست كأنت ، إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره (١) (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٢١) [سورة الأحقاف : ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : يقول الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَاذْكُرْ) يا

__________________

(١) أي يهيج به ويغلبه حتى يقهره.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٣.

١٤٤

محمد (أَخا عادٍ) يعني هودا عليه‌السلام (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ) أي خوفهم من الكفر بالله وحذرهم معاصيه ودعاهم إلى طاعته (بِالْأَحْقافِ) قال ابن عباس : هو واد بين عمان ومهوة ، وقال ابن اسحاق : الأحقاف الرمل في ما بين عمان إلى حضر موت. وقال قتادة : الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشجر من اليمن ، وقال الحسن : الأحقاف أرض خلالها رمال. وقال الضحاك : جبل بالشام يسمى بذلك ، قال العجاج : بات إلى أطات حقف أحقفا أي رمل مشرف ، وقال ابن زيد : الحقف الرمل يكون كهيئة الجبل. وقال المبرد : الحقف هو كثيب المكثر غير العظيم وفيه اعوجاج ، قال العجاج : سماوة الهلال حتى احقوقفا وهو انحناؤه. وقوله (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) أي مضت الرسل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) أي قدامه ووراءه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي أنذرهم وخوفهم بأن لا تعبدوا إلا الله. وقال لهم (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني عذاب يوم القيامة (١).

وقال علي بن إبراهيم القمي الأحقاف : بلاد عاد ، من الشقوق إلى الأجفر وهي أربعة منازل (٢).

وروي أن المعتصم أمر أن يحفر بالبطانية بئر ، فحفروا ثلاثمائة قامة ، فلم يظهر الماء ، فتركه ولم يحفره ، فلما ولي المتوكل أمر أن يحفر ذلك أبدا حتى يظهر الماء ، فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة ، حتى انتهوا إلى صخرة ، فضربوها بالمعول فانكسرت ، فخرج عليهم منها ريح باردة ، فمات من كان يقربها ، فأخبروا المتوكل بذلك ، فلم يعلم ما ذاك ، فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلك ، وهو أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام ، فكتب إليه يسأله عن ذلك ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «تلك بلاد الأحقاف ، وهم قوم

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨.

١٤٥

عاد ، الذين أهلكهم الله بالريح الصّرصر (١).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : روي عن علي بن يقطين ، أنه قال : لما أمر أبو جعفر الدوانيقي يقطين أن يحفر بئرا بقصر العبادي ، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ، ولم يستنبط منها الماء ، فأخبر المهدي بذلك ، فقال له : احفر أبدا حتى تستنبط الماء ، ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال.

قال : فوجه يقطين أخاه أبو موسى في حفرها ، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض ، فخرجت منه الريح ، قال : فهالهم ذلك ، فأخبروا أبا موسى ، فقال : أنزلوني ، وكان رأس البئر أربعين ذراعا [في أربعين ذراعا] فأجلس في شق محمل ودلي في البئر ، فلما صار في قعرها نظر إلى هول وسمع دوي الريح في أسفل ذلك ، فأمرهم أن يوسعوا ذلك الخرق ، فجعلوه شبه الباب العظيم ، ثم دلي فيه رجلان في شق محمل ، فقال : ائتوني بخبر هذا ما هو؟ قال : فنزلا في شقّ محمل ، فمكثا مليا ، ثم حركا الحبل فأصعدا ، فقال لهما : ما رأيتما؟ قالا : أمرا عظيما ، رجالا ونساء وبيوتا وآنية ومتاعا ، كلها ممسوخ من حجارة ، فأمّا الرجال والنساء فعليهم ثيابهم ، فمن بين قاعد ومضطجع ومتكىء ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشى شبه الهباء ، ومنازل قائمة.

قال : فكتب بذلك أبو موسى إلى المهديّ ، فكتب المهديّ إلى المدينة ، إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام ، يسأله أن يقدم عليه ، فقدم عليه فأخبره ، فبكى بكاء شديدا ، وقال : «يا أمير المؤمنين ، هؤلاء بقيّة قوم عاد ، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الأحقاف. [قال] فقال له المهدي : يا أبا الحسن ، وما الأحقاف؟ قال : «الرمل (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨.

(٢) الاحتجاج : ص ٣٨٨.

١٤٦

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢) [سورة الأحقاف : ٢٢ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم حكى الله قوم عاد : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) ، أي تزيلنا بكذبك عما كان يعبد آباؤنا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) ، من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، وكان نبيهم هود عليه‌السلام ، وكانت بلادهم كثيرة الخير خصبة ، فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أجدبوا ، وذهب خيرهم من بلادهم ، وكان هود يقول لهم ما حكى الله في سورة هود : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ

١٤٧

قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)(١) فلم يؤمنوا ، وعتوا ، فأوحى الله إلى هود عليه‌السلام : أنه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) ، فلما كان ذلك الوقت ، نظروا إلى سحابة ، قد أقبلت ، ففرحوا وقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) الساعة بمطر ، فقال لهم هود : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ). في قوله تعالى : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) ، فلفظه عامّ ومعناه خاص ، لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها ، وإنما دمرت مالهم كله ، فكان كما قال الله تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) ، وكل هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ، أي قد أعطيناهم فكفروا ، فنزل بهم العذاب ، فاحذروا أن ينزل بكم ما نزل بهم. ثم خاطب الله تعالى قريشا : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) ، أي بينا ، وهي بلاد عاد وقوم صالح وقوم لوط ، ثم قال احتجاجا عليهم : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي بطلوا (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ).

قال : قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ، إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا قُضِيَ) ، أي فرغ (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا) إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، فهذا كله حكاية عن الجنّ ، وكان سبب نزولها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من مكة إلى سوق عكاظ ، ومعه زيد بن حارثة ، يدعو الناس إلى الإسلام ، فلم يجبه أحد ، ولم يجد من يقبله ، ثم رجع إلى مكة ، فلما بلغ موضعا [يقال] له : وادي مجنّة

__________________

(١) هود : ٥٢.

١٤٨

تهجد بالقرآن في جوف الليل ، فمرّ به نفر من الجنّ ، فلما سمعوا قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، استمعوا له ، فلما سمعوا قراءته ، قال بعضهم لبعض : (أَنْصِتُوا) ، يعني اسكتوا : (فَلَمَّا قُضِيَ) ، أي فرغ : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) ، إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، فجاءوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسلموا وآمنوا ، وعلمهم شرائع الإسلام ، فأنزل على نبيه :

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ)(١) ، السورة كلّها ، فحكى [الله] عزوجل قولهم وولى عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يعودون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل وقت ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعلمهم ويفقّههم ، فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون ، ويهود ونصارى ومجوس ، وهم ولد الجانّ (٢).

قال : وسئل العالم عليه‌السلام عن مؤمني الجنّ أيدخلون الجنّة؟ فقال : «لا ، ولكن لله حظائر بين الجنّة والنار ، ويكون فيها مؤمنو الجنّ وفساق الشيعة (٣).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد سأله يهوديّ ، قال اليهودي : فإنّ هذا سليمان سخّرت له الشياطين ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل.

قال له علي عليه‌السلام : «لقد كان كذلك. ولقد أعطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من هذا ، إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها ، وسخرت لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشياطين بالإيمان ، فأقبل إليه من الجنّ تسعة من أشرافهم ، واحد

__________________

(١) الجن : ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٠.

١٤٩

من جن نصيبين ، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجر ، منهم شضاه ، ومضاه ، والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاه ، وهاضب ، وعمرو ، وهم الذين يقول الله تبارك وتعالى اسمه فيهم : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ، وهم التسعة ، فأقبل إليه الجنّ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببطن النخل ، فاعتذروا بأنهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم ، فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحجّ والجهاد ونصح المسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا ، وهذا أفضل مما أعطي سليمان ، سبحان من سخّرها لنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن كانت تتمرّد وتزعم أن لله ولدا ، ولقد شمل مبعثه من الجنّ والإنس ما لا يحصى (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٤) [سورة الأحقاف : ٣٣ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال تعالى منبها لهم على قدرته على الإعادة والبعث (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وأنشأهما (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء ولا تعب (بِقادِرٍ) فالباء زائدة وموضعه رفع بأنه خبر (أَنَ) ودخول الباء في خبر (أَنَ) جائز إذا كان أول الكلام نفيا نحو ما ظننت أن زيدا بقائم ولو قلت : إن زيدا بقائم لا يجوز ، لأنه إثبات (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ثم قال (بَلى) هو قادر عليه (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم قال (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢٢٢.

١٥٠

كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أليس هذا الذي جزيتم به حق لا ظلم فيه لأنكم شاهدتموه الآن (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) فيحلفون على ذلك ، فيقال لهم عند ذلك «ذوقوا (الْعَذابَ) جزاء (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بما كنتم تجحدون من نعمه وتنكرون من وحدانيته (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥) [سورة الأحقاف : ٣٥]؟!

الجواب / قال سماعة بن مهران : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)؟ فقال : «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم).

قلت : كيف صاروا أولي العزم؟ قال : «لأنّ نوحا بعث بكتاب وشريعة ، وكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه ، حتى جاء إبراهيم عليه‌السلام بالصّحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به ، فكل نبي جاء بعد إبراهيم عليه‌السلام أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصّحف ، حتى جاء موسى بالتوراة وشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف ، فكل نبي جاء بعد موسى عليه‌السلام أخذ بالتوراة وبشريعته ومنهاجه ، حتى جاء المسيح عليه‌السلام بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه ، فكل نبي جاء بعد المسيح عليه‌السلام أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فهؤلاء أولو العزم من الرسل عليهم‌السلام (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٢٨٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤ ، ح ٢.

١٥١

وقال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «إنّما سمي أولو العزم أولي العزم ، لأنهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع ، وذلك أنّ كلّ نبي كان بعد نوح عليه‌السلام كان على شريعته ومنهاجه ، وتابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وكلّ نبيّ كان في أيام إبراهيم ، وبعده كان على شريعته ومنهاجه ، وتابعا لكتابه إلى زمن موسى عليه‌السلام ، وكلّ نبي كان في زمن موسى وبعده كان على شريعته ومنهاجه ، وتابعا لكتابه إلى أيام عيسى عليه‌السلام ، وكل نبي كان في زمن عيسى وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته ، وتابعا لكتابه إلى زمن نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهؤلاء الخمسة هم أفضل الأنبياء والرسل عليهم‌السلام ، وشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، [لا تنسخ] إلى يوم القيامة ، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة ، فمن ادعى بعده نبوة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم أدب الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر ، فقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ، وهم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعنى أولي العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله والإقرار بكل نبي كان قبلهم وبعدهم ، وعزموا على الصبر مع التكذيب لهم والأذى (٢).

وقال علي بن إبراهيم : ثم قال تعالى : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) ، يعني العذاب (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ، قال : يرون يوم القيامة أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار (بَلاغٌ) ، أي أبلغهم ذلك (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٣).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٨٠ ، ح ١٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٠.

١٥٢

تفسير

سورة محمد

رقم السورة ـ ٤٧ ـ

١٥٣
١٥٤

سورة محمد

* س ١ : ما هو فضل سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة (الَّذِينَ كَفَرُوا) لم يرتب أبدا ، ولم يدخله شك في دينه أبدا ، ولم يبتله الله بفقر أبدا ، ولا خوف من سلطان أبدا ، ولم يزل محفوظا من الشك والكفر أبدا حتى يموت ، فإذا مات وكّل الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره ، يكون ثواب صلاتهم له ، ويشيّعونه حتى يوقفوه موقف الأمن عند الله عزوجل ، ويكون في أمان الله وأمان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة لم يولّ وجهه جهة إلا رأى فيه وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج من قبره ، وكان حقّا على الله تعالى أن يسقيه من أنهار الجنّة ، ومن كتبها وعلّقها عليه ، أمن في نومه ويقظته من كلّ محذور ببركتها (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها وعلّقها عليه ، أمن في نومه ويقظته من كل محذور ، وكان محروسا من كلّ بلاء وداء (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلّقها عليه دفع عنه الجانّ ، وأمن في نومه ويقظته ؛ وإذا جعلها إنسان على رأسه كفي شر كل طارق بإذن الله تعالى (٤).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٤.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٦٩.

(٣) البرهان : ج ٩ ، ص ٧٠.

(٤) البرهان : ج ٩ ، ص ٧٠.

١٥٥

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(١) [سورة محمّد : ١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ارتدّوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغصبوا أهل بيته حقّهم ، وصدّوا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن ولايته ، (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجهاد والنّصرة (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد والناس مجتمعون بصوت عال : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، فقال له : ابن عباس : يا أبا الحسن ، لم قلت ما قلت؟ قال : قرأت شيئا من القرآن. قال : لقد قلته لأمر. قال : نعم إن الله تعالى يقول في كتابه : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢) ، أفتشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه استخلف أبا بكر؟ قال : ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى إلا إليك. قال فهلا بايعتني؟ قال : اجتمع الناس على أبي بكر ، فكنت منهم. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كما اجتمع أهل العجل على العجل ، هاهنا فتنتم ، ومثلكم : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٣) (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية فينا ، وآية في بني أميّة (٥).

وعن ابن شهر آشوب : عن جعفر ، وأبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٠.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) البقرة : ١٧ ، ١٨.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٢ ، ح ٢.

١٥٦

(الَّذِينَ كَفَرُوا) : «يعن بني أمية (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) (٦) [سورة محمّد : ٢ ـ ٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) في عليّ (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) ، هكذا نزلت (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم أيضا ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : نزلت في أبي ذرّ وسلمان وعمّار والمقداد ، ولم ينقضوا العهد (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) ، أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله : (وَهُوَ الْحَقُّ) ، يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام : (مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) أي حالهم.

ثم ذكر أعمالهم فقال : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام : (أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٧٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠١.

١٥٧

اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ)(١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «في سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية فينا وآية في عدوّنا ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) إلى قوله تعالى : (لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) ، فهذا السيف على مشركي العجم من الزنادقة ، ومن ليس معه كتاب من عبدة النيران والكواكب (٢).

وقال علي بن إبراهيم القمّي أيضا قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) فالمخاطبة للجماعة ، والمعنى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام من بعده (٣).

وقال أبو عبد الله (صلوات الله عليه) ـ في حديث الأسياف الخمسة ـ : «والسيف الثالث على مشركي العجم ، يعني التّرك والديلم والخزر ، قال الله عزوجل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقصّ قصتهم ، ثم قال : (فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) فأما قوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) يعني بعد السبي منهم (وَإِمَّا فِداءً) يعني المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام ، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام ، ولا يحل لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب (٤).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) أي وعدها إيّاهم ، وادّخرها لهم (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ، أي يختبر (٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

(٤) الكافي : ج ٥ ، ص ١١ ، ح ٢.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

١٥٨

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٧) [سورة محمّد : ٧]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن الجهاد باب فتحه الله لخاصة أوليائه ، وسوّغهم كرامة منه لهم ونعمة ادخرها ، والجهاد لباس التقوى ، ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة ، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله أثواب الذلة وشملة (١) البلاء ، وفارق الرخاء ، وضرب على قلبه بالإشباه (٢) ، وديث بالصغار (٣) والقماء ، وسيم الخسف ، ومنع النصف (٤) ، وأديل الحق بتضييع الجهاد ، وغضب الله عليه لتركه نصرته. وقد قال الله عزوجل في محكم كتابه : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)(٥).

وقال علي بن إبراهيم : خاطب الله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)(٦).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ)(٩) [سورة محمّد : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في نهج البلاغة : وشمله.

(٢) في نهج البلاغة : بالإسهاب ، أي ذهاب العقل وكثرة الكلام ، وفي نسخة بالأسداد أي الحجب.

(٣) ديّث بالصّغار : أي ذلّل. «النهاية : ج ٢ ، ص ١٤٧.

(٤) وسيم الخسف : أي كلّف وألزم ، والخسف : النقصان والهوان ، والنصف : العدل.

(٥) التهذيب : ج ٦ ، ص ١٢٣ ، ح ٢١٦ ، نهج البلاغة : ص ٦٩ ، الخطبة ٢٧.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

١٥٩

بهذه الآية هكذا : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) في عليّ (فَأَحْبَطَ) الله (أَعْمالَهُمْ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) في عليّ (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ)(٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٤) [سورة محمّد : ١٠ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي أو لم ينظروا في أخبار الأمم الماضية (٣).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(٤) ، قال : «معناه أو لم ينظروا في القرآن (٥).

ثم قال علي بن براهيم ، في قوله تعالى : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي أهلكهم وعذّبهم ، قوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ) يعني الذين كفروا وكرهوا ما أنزل الله في علي (أَمْثالُها) أي لهم مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب والهلاك.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٣ ، ح ٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

(٤) الروم : ٩.

(٥) الخصال : ص ٣٩٦ ، ح ١٠٢.

١٦٠