التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

رأسه ، فقال له علي عليه‌السلام : «يا عمرو ، أما كفاك أني بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير؟!» فالتفت عمرو إلى خلفه ، فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام مسرعا على ساقيه ، فقطعهما جميعا ، وارتفعت بينهما عجاجة ، فقال المنافقون : قتل علي بن أبي طالب. ثم انكشفت العجاجة ، فنظروا ، فإذا أمير المؤمنين عليه‌السلام على صدره ، قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ، فذبحه ثم أخذ رأسه ، وأقبل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو ، وسيفه يقطر منه الدم ، وهو يقول ، والرأس بيده :

«أنا علي وابن عبد المطلب

الموت خير للفتى من الهرب»

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليّ ، ما كرته؟» قال : «نعم ـ يا رسول الله ـ الحرب خديعة».

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزبير إلى هبيرة بن وهب ، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطاب أن يبراز ضرار بن الخطاب ، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما ، فقال له ضرار : ويحك ـ يا بن صهّاك ـ أترمي في مبارزة؟ والله لئن رميتني لا تركت عدويّا بمكة إلا قتلته. فانهزم عند ذلك عمر ، ومر نحوه ضرار ، وضربه على رأسه بالقناة ، ثم قال : احفظها ـ يا عمر ـ فإني آليت ألا أقتل قرشيا ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي ، فولّاه.

فبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما ، فقال أبو سفيان لحيي بن أخطب : ويلك ـ يا يهودي ـ أين قومك؟ فصار حيي بن أخطب إليهم ، فقال : ويلكم ، أخرجوا ، فقد نابذكم محمد الحرب ، فلا أنتم مع محمد ، ولا أنتم مع قريش. فقال كعب : لسنا خارجين ، حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في حصننا ، إنهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا عهدنا وعقدنا ، فإنا لا نأمن أن تفر قريش

٨١

ونبقى نحن في عقر دارنا ، ويغزونا محمد ، فيقتل رجالنا ، ويسبي نساءنا وذرارينا ، وإن لم نخرج لعله يردّ علينا عهدنا.

فقال له حيي بن أخطب : تطمع في غير مطمع ، قد نابذت العرب محمدا الحرب ، فلا أنتم مع محمد ، ولا أنتم مع قريش.

فقال كعب : هذا من شؤمك ، إنما أنت طائر تطير مع قريش غدا وتتركنا في عقر دارنا ، ويغزونا محمد.

فقال له حييّ : لك عهد الله علي وعهد موسى إن لم تظفر قريش بمحمد أني أرجع معك إلى حصنك ، يصيبني ما يصيبك.

فقال كعب : هو الذي قد قلته لك ، إن أعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا ، وإلا لم نخرج. فرجع حيي بن أخطب إلى قريش فأخبرهم ، فلما قال : يسألون الرّهن. قال أبو سفيان : هذا ـ والله ـ أوّل الغدر ، قد صدق نعيم بن مسعود ، لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير.

فلما طال على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر ، اشتد عليهم الحصار ، وكانوا في وقت برد شديد ، وأصابتهم مجاعة ، وخافوا من اليهود خوفا شديدا ، وتكلم المنافقون بما حكى الله عنهم ، ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا نافق ، إلا القليل. وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر أصحابه : «أن العرب تتحزب ، ويجيئونا من فوق ، وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل ، وأنه ليصيبهم جهد شديد ، ولكن تكون العاقبة لي عليهم». فلما جاءت قريش ، وغدرت اليهود ، قال المنافقون : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وكان قوم منهم لهم دور في أطراف المدينة ، فقالوا : يا رسول الله ، تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة ، وهي عورة ، ونخاف اليهود أن يغيروا عليها؟ وقال قوم : هلموا فنهرب ونصير في البادية ، ونستجير بالأعراب ، فإن

٨٢

الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام على العسكر كلّه بالليل يحرسهم ، فإن تحرّك أحد من قريش بارزهم ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجوز الخندق ، ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم ، فلا يزال الليل كلّه قائما وحده يصلي ، فإذا أصبح رجع إلى مركزه ، ومسجد أمير المؤمنين عليه‌السلام هناك معروف ، يأتيه من يعرفه فيصلي فيه ، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة (١) النشاب.

فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح ، وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم ، وناجاه فيما وعده ، وكان مما دعاه أن قال : «يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف الكرب العظيم ، أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين ، اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا ، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوّتك ، وحولك ، وقدرتك». فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : «يا محمد ، إن الله قد سمع مقالتك ، وأجاب دعوتك ، وأمر الدّبور ـ وهي الريح ـ مع الملائكة أن تهزم قريشا والأحزاب».

وبعث الله على قريش الدّبور ، فانهزموا ، وقلعت أخبيتهم ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام ، فأخبره بذلك ، فنادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة بن اليمان ، وكان قريبا منه ، فلم يجبه ، ثم ناداه ثانيا فلم يجبه ، ثم ناداه الثالثة ، فقال : لبيك يا رسول الله. قال : «أدعوك فلا تجيبني؟» قال : يا رسول الله ـ بأبي أنت وأمي ـ من الخوف ، والبرد ، والجوع. فقال : «ادخل في القوم ، وائتني بأخبارهم ، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إليّ ، فإن الله قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على

__________________

(١) الغلوة : قدر رمية بسهم. «لسان العرب ـ غلا ـ ج ١٥ ، ص ١٣٢».

٨٣

قريش ، وهزمهم».

قال حذيفة : فمضيت وأنا انتفض من البرد ، فو الله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في حمام ، فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد ، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدة البرد ، ويقول : يا معشر قريش ، إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء ، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم ، ثم قال : لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا. قال حذيفة : فبادرت أنا ، فقلت للذي عن يميني : من أنت؟ فقال : أنا عمرو بن العاص. ثم قلت للذي عن يساري : من أنت؟ قال : أنا معاوية ، وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد منهم من أنت.

ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة ، ولو لا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي» لقدرت أن أقتله ، ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد : يا أبا سليمان ، لا بدّ من أن أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس. ثم قال لأصحابه : ارتحلوا ، إنا مرتحلون ، ففروا منهزمين ، فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لأصحابه : «لا تبرحوا». فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة ، وبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر يسير.

وكان ابن فرقد الكناني رمى سعد بن معاذ (رحمه‌الله) بسهم في الخندق فقطع أكحله (١) فنزفه الدم ، فقبض سعد على أكحله بيده ، ثم قال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، فلا أحد أحبّ إليّ من محاربة قوم حادّوا الله ورسوله ، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين قريش فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني

__________________

(١) الأكحل : عرق في اليد. «لسان العرب ـ كحل ـ ج ١١ ، ص ٥٨٦».

٨٤

قريظة. فأمسك الدم ، وتورّمت يده ، وضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد خيمة ، وكان يتعاهده بنفسه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) يعني بني قريظة حين غدروا ، وخافهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) إلى قوله : (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) ، وهم الذين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تأذن لنا أن نرجع إلى منازلنا ، فإنها في أطراف المدينة ، ونخاف اليهود عليها ، فأنزل الله فيهم : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)(١).

وقال الطبرسيّ : في معنى قوله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل هي رفيعة السّمك (٢) ، حصينة. عن الصادق عليه‌السلام. (إِنْ يُرِيدُونَ) أي ما يريدون (إِلَّا فِراراً)(٣).

وفي رواية علي بن إبراهيم : نزلت هذه الآية في الثاني لما قال لعبد الرحمن بن عوف : هلمّ ندفع محمدا إلى قريش ونلحق نحن بقومنا : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً)(٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧٦ ، ونحوه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ، ص ٦٢ ، والفصول المهمة : ص ٦٠ ، ومناقب الخوارزمي : ص ١٠٤.

(٢) سمك البيت : سقفه. «الصحاح ـ سمك ـ ج ٤ ، ص ١٥٩٢».

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٤٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٨٨.

٨٥

وقال الطّبرسي في (الاحتجاج) : عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، مع بعض اليهود ، في حديث : «قال اليهودي : فإن هذا هودا قد انتصر الله له من أعدائه بالريح ، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟

قال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن الله عزوجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق ، إذ أرسل عليهم ريحا تذرّ الحصى وجنودا لم يروها ، فزاد الله تبارك وتعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هود بثمانية آلاف ملك ، وفضّله على هود بأن ريح عاد ريح سخط ، وريح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ريح رحمة ، قال الله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم وصف الله المؤمنين المصدّقين بما أخبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يصيبهم في الخندق من الجهد ، فقال : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ) يعني ذلك البلاء ، والجهد ، والخوف (إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً)(٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٤) [سورة الأحزاب : ٢٣ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : قال علي عليه‌السلام : «كنت عاهدت الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا ، وعمي حمزة ، وأخي جعفر ، وابن عمي عبيدة بن

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢١٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٨٨.

٨٦

الحارث على أمر وفينا به لله ولرسوله ، فتقدّمني أصحابي وخلّفت بعدهم لما أراد الله عزوجل ، فأنزل الله سبحانه فينا : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) حمزة ، وجعفر ، وعبيدة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). فأنا المنتظر ، وما بدّلت تبديلا» (١).

وقال عبد الله بن الحسن ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : وعاهد الله علي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب وعبيدة عليهم‌السلام أن لا يفرّوا في زحف أبدا. فتموا كلهم ، فأنزل الله عزوجل : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) حمزة استشهد يوم أحد ، وجعفر استشهد يوم مؤتة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يعني علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه). (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) يعني الذي عاهدوا الله عليه (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «المؤمن مؤمنان : فمؤمن صدّق بعهد الله ، ووفى بشرطه ، وذلك قول الله عزوجل : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ، ولا أهوال الآخرة ، وذلك ممّن يشفع ولا يشفع له ، ومؤمن كخامة (٣) الزرع ، تعوج أحيانا ، وتقوم أحيانا ، وذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا ، وأهوال الآخرة ، وذلك ممن يشفع له ولا يشفع» (٤).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٩ ، ح ٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٩ ، ح ٨.

(٣) الخامّة : الغضة الرطبة من النبات. «الصحاح ـ خوم ـ ج ٥ ، ص ١٩١٦».

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٩٣ ، ح ١.

٨٧

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (٢٥) [سورة الأحزاب : ٢٥]؟!

الجواب / قال زياد بن مطر : كان عبد الله بن مسعود يقرأ : «وكفى الله المؤمنين القتال بعلي».

وسبب نزول هذه الآية : أن المؤمنين كفوا القتال بعلي عليه‌السلام ، وإن المشركين تحزّبوا ، واجتمعوا في غزاة الخندق ـ والقصة مشهورة ، غير أنا نحكي طرفا منها ـ وهو : أن عمرو بن عبد ودكّان فارس قريش المشهور ، وكان يعد بألف فارس ، وكان قد شهد بدرا ، ولم يشهد أحدا ، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى الناس مقامه ، فلما رأى الخندق ، قال : مكيدة ، ولم نعرفها من قبل. وحمل فرسه عليه ، فعطفه ، ووقف بإزاء المسلمين ، ونادى : هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد ، فقام علي عليه‌السلام ، وقال : «أنا ، يا رسول الله». فقال له : «إنه عمرو ، اجلس» ، فنادى ثانية فلم يجبه أحد. فقام علي عليه‌السلام ، وقال : «أنا يا رسول الله» ، فقال له : «إنه عمرو أجلس» فنادى ثالثة فلم يجبه أحد. فقام عليّ عليه‌السلام ، وقال : «أنا يا رسول الله» فقال له : «إنّه عمرو». فقال : «وإن كان عمرا» فاستأذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في برازه ، فأذن له.

قال حذيفة (رضي الله عنه) : فألبسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درعه [ذات] الفضول ، وأعطاه ذا الفقار ، وعمّمه عمامته السّحاب على رأسه تسعة أدوار ، وقال له : «تقدّم». فلما ولّى ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوق رأسه ، ومن تحت قدميه». فلما رآه عمرو ، قال له : من أنت؟ قال : «أنا علي». قال : ابن عبد مناف؟ قال : «أنا علي بن أبي طالب» فقال : غيرك ـ يا ابن أخي ـ من أعمامك أسنّ منك ، فإني أكره أن أهرق دمك. فقال له

٨٨

علي عليه‌السلام : «ولكنّي ـ والله ـ لا أكره أن أهرق دمك». قال : فغضب عمرو ، ونزل عن فرسه ، وعقرها ، سلّ سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي عليه‌السلام ، فاستقبله علي عليه‌السلام بدرقته ، فقدّها ، وأثبت فيها السّيف ، وأصاب رأسه فشجّه ، ثم إن عليّا عليه‌السلام ضربه على حبل عاتقه ، فسقط إلى الأرض ، وثارت بينهما عجاجة ، فسمعنا تكبير علي عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قتله ، والذي نفسي بيده». قال : وحزّ رأسه ، وأتى به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجهه يتهلّل ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أبشر ـ يا عليّ ـ فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم ، وذلك أنه لم يبق بيت من المشركين إلا ودخله وهن ، ولا بيت من المسلمين إلا ودخله عزّ».

قال : ولما قتل عمرو ، وخذل الأحزاب ، أرسل الله عليهم ريحا وجنودا من الملائكة ، فولّوا مدبرين بغير قتال ، وسببه قتل عمرو ، فمن ذلك قال سبحانه : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعلي عليه‌السلام (١).

وقال الصادق عليه‌السلام ، وابن مسعود ، في قوله : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقتله عمرو بن عبد ود (٢).

وقال ابن عباس : لما قتل علي عليه‌السلام عمرا ، ودخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيفه يقطر دما ، فلما رآه كبّر ، وكبّر المسلمون ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم أعط عليا فضيلة لم يعطها أحد قبله ، ولم يعطها أحد بعده». قال : فهبط جبرئيل عليه‌السلام ، ومعه من الجنة أترجّة ، فقال : «يا رسول الله ، إن الله عزوجل يقرأ عليك السّلام ، ويقول لك : حيّ بهذه علي بن أبي طالب». قال : فدفعها إلى علي عليه‌السلام ، فانفلقت في يده فلقتين ، فإذا فيها حريرة خضراء ، فيها مكتوب

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٥٠ ، ح ١١.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ١٣٤.

٨٩

سطران بخضرة : تحفة من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧) [سورة الأحزاب : ٢٦ ـ ٢٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ونزل في بني قريظة : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، واللواء معقود ، أراد أن يغتسل من الغبار ، فناداه جبرئيل : «عذيرك من محارب ، والله ما وضعت الملائكة لأمتها ، فكيف تضع لأمتك؟ إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة ، فإني متقدّمك ، ومزلزل بهم حصنهم ، إنا كنا في آثار القوم ، نزجرهم زجرا ، حتى بلغوا حمراء الأسد» (٢).

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستقبله حارثة بن النعمان ، فقال له : «ما الخبر ، يا حارثة؟». قال : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ هذا دحية الكلبي ينادي في الناس : ألا لا يصلينّ العصر أحد إلا في بني قريظة. فقال : «ذلك جبرئيل ، ادعوا لي عليا». فجاء علي عليه‌السلام ، فقال له : «ناد في الناس : لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة». فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فنادى فيهم ، فخرج الناس ، فبادروا إلى بني قريظة.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام بين يديه ، مع الراية

__________________

(١) المناقب (للخوارزمي) : ص ١٠٥.

(٢) حمراء الأسد : موضع على ثمانية أميال من المدينة. «معجم البلدان : ج ٢ ، ص ٣٠١».

٩٠

العظمى ، وكان حيي بن أخطب لما انهزمت قريش ، جاء ودخل حصن بني قريظة ، فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام وأحاط بحصنهم ، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ، ويشتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمار ، فاستقبله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ لا تدن من الحصن». فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي ، لعلّهم شتموني؟ إنهم لو قد رأوني لأذلّهم الله». ثم دنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حصنهم ، فقال : «يا أخوة القردة والخنازير ، وعبدة الطاغوت ، أتشتموني؟! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم». فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن ، فقال : والله ـ يا أبا القاسم ـ ما كنت جهولا. فاستحيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سقط الرّداء عن ظهره حياء مما قال.

وكان حول الحصن نخل كثير ، فأشار إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، فتباعد عنه ، وتفرّق في المفازة ، وأنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العسكر حول حصنهم ، فحاصرهم ثلاثة أيام ، فلم يطلع منهم أحد رأسه ، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه عزال بن شمول ، فقال : يا محمد ، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النّضير؟ أحقن دماءنا ، ونخلي لك البلاد وما فيها ، ولا نكتمك شيئا. فقال : «لا ، أو تنزلون على حكمي». فرجع ، وبقوا أياما ، فبكت النساء والصبيان إليهم ، وجزعوا جزعا شديدا ، فلما اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرجال ، فكتّفوا ، كانوا سبع مائة ، وأمر بالنساء ، فعزلن.

وقامت الأوس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، حلفاؤنا وموالينا من دون الناس ، نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها ، وقد وهبت لعبد الله بن أبي سبع مائة دارع ، وثلاث مائة حاسر في صبيحة واحدة ، ولسنا نحن بأقل من عبد الله بن أبي. فلما أكثروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لهم : «أما

٩١

ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا : بلى ، فمن هو؟ قال : «سعد بن معاذ». قالوا : قد رضينا بحكمه ، فأتوا به في محفّة (١) ، واجتمعت الأوس حوله يقولون له : يا أبا عمرو ، اتّق الله ، وأحسن في حلفائك ومواليك ، فقد نصرونا ببعاث ، والحدائق (٢) ، والمواطن كلّها. فلما أكثروا عليه ، قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت الأوس : واقوماه ، ذهبت والله بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النّساء والصبيان إلى سعد ، فلما سكتوا ، قال لهم سعد : يا معشر اليهود ، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا : بلى ، قد رضينا بحكمك ، وقد رجونا نصفك ، ومعروفك ، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ، فقالوا : بلى ، يا أبا عمرو. فالتفت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجلالا له ، فقال : ما ترى ، بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله؟ قال : «احكم فيهم ـ يا سعد ـ فقد رضيت بحكمك فيهم». فقال : قد حكمت ـ يا رسول الله ـ أن تقتل رجالهم ، وتسبى نساؤهم وذراريهم ، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «قد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة (٣) ثم انفجر جرح سعد بن معاذ ، فما زال ينزف حتى قضى.

وساقوا الأسارى إلى المدينة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخدود ، فحفرت بالبقيع ، فلما أمسى ، أمر بإخراج رجل رجل ، فكان يضرب عنقه ، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد : ما ترى يصنع بهم؟ فقال له : ما يسوؤك ، أما ترى

__________________

(١) المحفة : مركب من مراكب النساء كالهودج ، إلا أنها لا تقبب. «الصحاح ـ حفف ـ ج ٤ ، ص ١٣٤٥».

(٢) بعاث والحدائق : موضعان عند المدينة ، كانت فيهما وقعتان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام ، انظر. «الكامل في التاريخ ج ١ ، ص ٦٧٦ و ٦٨٠».

(٣) يعني سبع سماوات ، وكل سماء يقال لها رقيع. «النهاية ـ رقع ـ ج ٢ ، ص ٢٥١».

٩٢

الداعي لا يقلع ، والذي يذهب لا يرجع؟ فعليكم بالصّبر ، والثبات على دينكم.

فأخرج كعب بن أسد ، مجموعة يديه إلى عنقه ، وكان جميلا وسيما ، فلما نظر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال له : «يا كعب ، أما نفعتك وصية ابن الحواس؟! الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام ، فقال : تركت الخمر والخنزير ، وجئت إلى البؤس والتمور ، لنبي يبعث ، مخرجه بمكة ، ومهاجرته في هذه البحيرة ، يجتزىء بالكسيرات والتميرات ، ويركب الحمار العري ، في عينيه حمرة ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقى منكم ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر؟». فقال : قد كان ذلك يا محمد ، ولو لا أن اليهود يعيّروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك ، وصدّقتك ، ولكني على دين اليهودية ، عليه أحيا ، وعليه أموت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قدّموه فاضربوا عنقه» فضربت عنقه.

ثم قدم حيي بن أخطب ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا فاسق ، كيف رأيت صنع الله بك؟» فقال : والله ـ يا محمد ـ ما ألوم نفسي في عداوتك ، ولقد قلقلت (١) كل مقلقل ، وجهدت كلّ الجهد ، ولكن من يخذل الله يخذل ، ثم قال حين قدّم للقتل :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

ولكنه من يخذل الله يخذل

فقدّم ، وضرب عنقه ؛ فقتلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البردين : بالغداة ، والعشيّ ، في ثلاثة أيام ، وكان يقول : «اسقوهم العذب ، وأطعموهم الطيب ، وأحسنوا إسارهم». حتى قتلهم كلّهم ، وأنزل الله على رسوله فيهم : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ) أي من حصونهم (وَقَذَفَ

__________________

(١) قلقل الشيء : حركه فتحرك واضطرب. «لسان العرب ـ قلل ـ ج ١١ ، ص ٥٦٦».

٩٣

فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) إلى قوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)(١).

وقال الطبرسيّ ، في (إعلام الورى) : قال أبان بن عثمان : حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التل الذي عليه مسجد الفتح ، في ليلة ظلماء ، ذات قرّة ، قال : من يذهب فيأتينا بخبرهم ، وله الجنّة؟ فلم يقم أحد. ثم عاد ثانية ، وثالثة ، فلم يقم أحد. وقام حذيفة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلق ، حتى نسمع كلامهم ، وتأتيني بخبرهم. فذهب ، فقال : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، حتى تردّه إليّ ، وقال : لا تحدث شيئا حتى تأتيني.

ولما توجه حذيفة ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ، ثم نادى بأشجى صوت : يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همّي ، وكربي ، فقد ترى حالي ، وحال من معي. فنزل جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا رسول الله ، إن الله عزوجل سمع مقالتك ، واستجاب دعوتك ، وكفاك هول من تحزّب عليك وناوأك. فجثا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ركبتيه ، وبسط يديه ، وأرسل بالدّمع عينيه ، ثمّ نادى : شكرا ، شكرا ، كما آويتني ، وآويت من معي. ثم قال جبرئيل عليه‌السلام : يا رسول الله ، إن الله قد نصرك ، وبعث عليهم ريحا من سماء الدنيا فيها الحصى ، وريحا من السماء الرابعة فيها الجنادل.

قال حذيفة : فخرجت ، فإذا أنا بنيران القوم قد طفئت ، وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل : ريح شديدة فيها الحصى ، فما ترك لهم نارا إلا أخمدها ، ولا خباء إلا طرحها ، ولا رمحا إلا ألقاها ، حتى جعلوا يتترّسون من الحصى ، وكنت أسمع وقع الحصى في التّرسة.

وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبو سفيان إلى راحلته ، ثم صاح في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٨٩.

٩٤

قريش : النجاء ، النجاء ، ثم فعل عيينة بن حصن مثلها ، وفعل الحارث بن عوف مثلها ، وذهب الأحزاب ، ورجع حذيفة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره الخبر ، وأنزل الله على رسوله : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(١) إلى ما شاء الله من السورة.

وأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمسلمين حتى دخل المدينة ، فضربت له ابنته فاطمة عليها‌السلام غسولا ، فهي تغسل رأسه إذ أتاه جبرئيل عليه‌السلام على بغلة ، معتجرا بعمامة بيضاء ، عليه قطيفة من استبرق ، معلّق عليها الدر والياقوت ، عليه الغبار ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمسح الغبار عن وجهه ، فقال له جبرئيل : رحمك الله ، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء؟ وما زلت أتّبعهم حتى بلغت الروحاء. ثم قال جبرئيل عليه‌السلام : انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فو الله لأدقّنّهم دق البيضة على الصخرة.

فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام فقال : قدّم راية المهاجرين إلى بني قريظة ، وقال : عزمت عليكم ألا تصلّوا العصر إلا في بني قريظة ؛ فأقل علي عليه‌السلام ، ومعه المهاجرون ، وبنو عبد الأشهل ، وبنو النجار كلها ، لم يتخلف عنه منهم أحد ، وجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسرّب إليه الرجال ، فما صلى بعضهم العصر إلا بعد العشاء ، فأشرفوا عليه ، وسبوه ، وقالوا : فعل الله بك ، وبابن عمك ، وهو واقف لا يجيبهم ، فلما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمسلمون حوله ، تلقّاه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقال : لا تأتهم ـ يا رسول الله ، جعلني الله فداك ـ فإن الله سيجزيهم. فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم قد شتموه ، فقال : أما إنهم لو رأوني ما قالوا شيئا مما سمعت ، وأقبل ، ثم قال : يا إخوة القردة ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، يا عباد الطواغيت ، اخسؤوا ، أخسأكم الله ،

__________________

(١) الأحزاب : ٩.

٩٥

فصاحوا يمينا وشمالا : يا أبا القاسم ، ما كنت فحّاشا ، فما بدا لك؟!».

قال الصادق عليه‌السلام : «فسقطت العنزة (١) من يده ، وسقط رداؤه من خلفه ، وجعل يمشي إلى وراءه ، حياء مما قال لهم.

فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، وقسمة الأموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.

فلمّا جيء بالأسارى ، حبسوا في دار ، وأمر بعشرة ، فأخرجوا ، فضرب أمير المؤمنين عليه‌السلام أعناقهم ، ثم أمر بعشرة ، فأخرجوا ، فضرب الزبير أعناقهم ، وكل رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قتل الرجل والرجلين». قال : «ثم انفجرت رمية سعد ، والدم ينضح حتى قضى ، ونزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رداءه ، فمشى في جنازته بغير رداء ، وبعث عبد الله بن عتيك إلى خيبر ، فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق» (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ

__________________

(١) العنزة : عصا في قدر نصف الرمح أو أكثر شيئا ، فيها سنان مثل سنان الرمح. «لسان العرب ـ عنز ـ ج ٥ ، ص ٣٨٤».

(٢) إعلام الورى : ص ٩٢.

٩٦

وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) (٣١) [سورة الأحزاب : ٢٨ ـ ٣١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أن زينب قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تعدل وأنت رسول الله؟! وقالت حفصة : إن طلّقنا وجدنا في قومنا أكفاءنا. فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرين يوما ـ قال ـ فأنف الله عزوجل لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) إلى قوله : (أَجْراً عَظِيماً) ـ قال ـ فاخترن الله ورسوله ، ولو اخترن أنفسهن لبنّ ، وإن اخترن الله ورسوله فليس بشيء» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن زينب بنت جحش قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تعدل وأنت نبيّ؟! فقال : تربت يداك ، إذا لم أعدل ، فمن يعدل؟».

فقالت : دعوت الله ـ يا رسول الله ـ ليقطع يديّ؟ فقال : «لا ، ولكن لتثربان».

فقالت : إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاء. فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعا وعشرين ليلة». ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فأنف الله عزوجل لرسوله ، فأنزل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآيتين ، فاخترن الله ورسوله ، فلم يكن شيئا ، ولو اخترن أنفسهن لبنّ» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل إذا خيّر أهله؟ فقال : إنّما الخيرة لنا ، ليس لأحد ، وإنما خير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان عائشة ، فاخترن الله ورسوله ، ولم يكن لهنّ أن يخترن غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٨ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٩ ، ح ٥.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٩ ، ح ٦.

٩٧

وقال محمد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخيار ، فقال : «وما هو ، وما ذاك؟ إنما ذاك شيء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وقال زرارة : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إن الله عزوجل أنف لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مقالة قالتها بعض نسائه ، فأنزل الله آية التخيير ، فاعتزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه تسعا وعشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم ، ثم دعاهن ، فخيّرهن ، فاخترنه ، فلم يكن شيئا ، ولو اخترن أنفسهن كانت واحدة بائنة».

قال : وسألته عن مقالة المرأة ، ما هي؟ قال : فقال : «إنها قالت : يرى محمد أنه لو طلقنا أنه لا يأتينا الأكفاء من قومنا يتزوّجونا» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : سبب نزولها : أنه لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزاة خيبر ، وأصاب كنز آل أبي الحقيق ، قلن أزواجه : أعطنا ما أصبت. فقال لهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قسّمته بين المسلمين على ما أمر الله» فغضبن من ذلك ، وقلن : لعلك ترى أنك إن طلقتنا أنا لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا! فأنف الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يعتزلهن ، فاعتزلهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما ، حتى حضن وطهرن ، ثم أنزل الله هذه الآية ، وهي آية التخيير ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) الآية ، فقامت أم سلمة ، وهي أول من قامت ، فقالت : قد اخترت الله ورسوله. فقمن كلهن فعانقنه ، وقلن مثل ذلك ، فأنزل الله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)(٣) ، قال الصادق عليه‌السلام : «من آوى فقد نكح ، ومن أرجى فقد طلّق».

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٦ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣٧ ، ح ١.

(٣) الأحزاب : ٥١.

٩٨

وقوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) مع هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) وقد أخرت عنها في التأليف.

ثم خاطب الله عزوجل نساء نبيه ، فقال : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) إلى قوله تعالى : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً)(١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أجرها مرتين ، وعذابها ضعفين ، كل هذا في الآخرة ، حيث يكون الأجر ، يكون العذاب» (٢).

وقال حريز : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) ، قال : «الفاحشة : الخروج بالسيف» (٣).

وقال محمد بن مسلم : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لي : «أتدري ما الفاحشة المبينة؟» قلت : لا. قال : «قتال أمير المؤمنين عليه‌السلام يعني أهل الجمل (٤).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٣٢) [سورة الأحزاب : ٣٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : المعنى : ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النسوان بقوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) قال الزجاج : لم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٣.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٥٣ ، ح ١٣.

٩٩

يقل كواحدة من النساء ، لأن أحدا للنفي العام. وقال ابن عباس : معناه ليس قدركن عندي كقدر غيركن من النساء الصالحات ، أنتن أكرم علي ، فأنا بكن أرحم ، وثوابكن أعظم ، لمكانكن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) الله شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه أن فضيلتهن بالتقوى ، لا باتصالهن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي : لا ترققن القول ، ولا تلن الكلام للرجال ، ولا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدي إلى طمعهم ، فتكن كما تفعل المرأة التي تظهر الرغبة في الرجال. (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي : نفاق وفجور ، وقيل : من في قلبه شهوة للزنا. وقيل : إن المرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة ، لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة. (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي : مستقيما جميلا بريئا من التهمة ، بعيدا من الريبة ، موافقا للدين والإسلام (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٣٥) [سورة الأحزاب : ٣٣ ـ ٣٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، في هذه الآية :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٥٥.

١٠٠