التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

اختلف في معناه فقيل : المعنى من كان يريد علم العزة ، وهي القدرة على القهر والغلبة ، لمن هي ، فإنها لله جميعا. وقيل : معناه من أراد العزة فليتعزز بطاعة الله ، فإن الله تعالى يعزه ، يعني : إن قوله (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) معناه : الدعاء إلى طاعة من له العزة ، كما يقال : من أراد المال فالمال لفلان : أي : فليطلبه من عنده ، يدل على صحة هذا ما رواه أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزوجل : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) : «ولايتنا أهل البيت ـ وأهوى بيده إلى صدره ـ فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا» (٢).

وقال الرضا عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) : «الكلم الطيب هو قول المؤمن : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، عليّ وليّ الله وخليفته حقّا ، وخلفاؤه خلفاء الله. والعمل الصالح يرفعه إليه ، فهو دليله ، وعمله : اعتقاده الذي في قلبه بأن هذا الكلام صحيح كما قلته بلساني» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ، قال : كلمة الإخلاص ، والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض ، والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله (٤).

ثم قال : وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «الكلم الطيب : قول المؤمن : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله وخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». وقال :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٤.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٦ ، ح ٨٥.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٩ ، ح ٤ ، تنبيه الخواطر : ج ٢ ، ص ١٠٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

١٨١

«العمل الصالح : الاعتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من ربّ العالمين» (١).

وقال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لكلّ قول مصداقا من عمل يصدّقه ، أو يكذّبه ، فإذا قال ابن آدم وصدّق قوله بعمل رفع قوله بعمله إلى الله ، وإذا قال وخالف عمله قوله ردّ قوله على عمله الخبيث ، وهوى في النار» (٢).

٣ ـ قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه من لا يوحد الله سبحانه فقال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) أي : يعملون السيئات .. وقيل : يمكرون أي يشركون بالله. وقيل : يعني الذين مكروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار الندوة ... وهو قوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في الآخرة. ثم أخبر سبحانه أن مكرهم يبطل فقال : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي : يفسد ويهلك ، ولا يكون شيئا ، ولا ينفذ فيما أرادوه (٣).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(١١) [سورة فاطر : ١١]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسيّ : ثم نسق سبحانه على ما تقدم من دلائل التوحيد. فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) بأن خلق أباكم آدم منه ، فإن الشيء يضاف إلى أصله. وقيل : أراد به آدم عليه‌السلام نفسه (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : ماء الرجل والمرأة (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي : ذكورا وإناثا. وقيل : ضروبا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٥.

١٨٢

وأصنافا (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي : وما تحصل من الإناث حاملة ولدها في بطنها ، إلا بعلم الله تعالى ، والمعنى : إلا وهو عالم بذلك (١).

٢ ـ وفي قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).

قال علي بن إبراهيم : يعني يكتب في كتاب ، وهو ردّ على من ينكر البداء (٢).

وقال الرضا عليه‌السلام : «يكون الرجل يصل رحمه ، فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيّرها الله ثلاثين سنة ، ويفعل الله ما يشاء» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة الرحم ، حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم ، فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة ، فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة ، ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرّحم ، فينقصه الله ثلاثين سنة ، ويجعل أجله إلى ثلاث سنين» (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرّزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع السوء ، وإتيانه مفروض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله تعالى» (٥).

عن محمد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، قال : سمعناه يقول : «من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه‌السلام أنقص الله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٢١ ، ح ٢.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٢٢ ، ح ١٧.

(٥) كامل الزيارات : ص ١٥٠ ، ح ١.

١٨٣

من عمره حولا ، ولو قلت أن أحدكم يموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا ، وذلك لأنكم تتركون زيارته ، فلا تدعوا زيارته يمد الله في أعماركم ويزيد في أرزاقكم ، وإذا تركتم زيارته نقص الله من أعماركم وأرزاقكم ، فسابقوا في زيارته ، ولا تدعوا ذلك فإن الحسين بن علي عليه‌السلام شاهد لكم في ذلك عند الله ، وعند رسوله ، وعند علي وفاطمة عليهم‌السلام» (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١٢) [سورة فاطر : ١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) «فالأجاج : المرّ. قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) يقول : الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة» (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما

__________________

(١) كامل الزيارات : ص ١٥١ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

١٨٤

يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢٧) [سورة فاطر : ١٣ ـ ٢٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(١) يقول : ما ينقص في الليل يدخل في النهار ، وما ينقص من النهار يدخل في الليل. قوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى)(٢) يقول : كلّ واحد منهما يجري إلى منتهاه ، فلا يقصر عنه ولا يجاوزه» (٣).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) قال : الجلدة الرقيقة التي على ظهر نواة التمر. ثم احتجّ على عبدة الأصنام ، فقال : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) إلى قوله : (بِشِرْكِكُمْ) يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة. قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل آثمة إثم أخرى (٤).

٣ ـ قال الشيخ الطبرسيّ : قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ) المحتاجون (إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عن عبادتكم ، لا يحتاج إلى شيء.

__________________

(١) لقمان : ٢٩.

(٢) لقمان : ٢٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

١٨٥

(الْحَمِيدُ) : المستحق للحمد على جميع أفعاله ، فلا يفعل إلا ما يستحق به حمدا. ثم أخبر عن كمال قدرته ، فقال : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ويفنكم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) سواكم كما خلقكم ، ولم تكونوا شيئا (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي : ممتنع ، بل هو عليه هين يسير (١).

٤ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) يعني لا يحمل ذنب أحد على أحد ، إلا من يأمر به ، فيحمله الآمر والمأمور. قوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) مثل ضربه الله للمؤمن والكافر (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) فالظلّ للناس ، والحرور للبهائم (٢).

قوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ، قال : هؤلاء يسمعون منك ما لا يسمع من في القبور. قوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ، قال : لكل زمان إمام. ثم ذكر كبرياءه وعظمته ، فقال : (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) إلى قوله : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) أي الغربان (٣).

وروي من طريق المخالفين : عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : قوله عزوجل : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).

قال : الأعمى أبو جهل ، والبصير أمير المؤمنين عليه‌السلام. (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) فالظلمات أبو جهل ، والنور أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) ، الظل ظل لأمير المؤمنين عليه‌السلام في الجنّة ، والحرور يعني جهنم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٨.

(٢) وقيل : فالظل : الناس ، والحرور : البهائم.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٨.

١٨٦

لأبي جهل ، ثم جمعهم جميعا ، فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) فالأحياء : علي ، وحمزة ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة ، وخديجة عليهم‌السلام ، والأموات : كفّار مكّة (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(٢٨) [سورة فاطر : ٢٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسي : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ) أيضا (وَالدَّوَابِ) التي تدل على وجه الأرض (وَالْأَنْعامِ) كالإبل والغنم والبقر خلق (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) أي : كاختلاف الثمرات والجبال. وتم الكلام (٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، قال : «يعني بالعلماء من صدّق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن من العبادة شدة الخوف من الله عزوجل ، يقول الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، وقال جلّ ثناؤه : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(٤) ، وقال تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(٥)».

__________________

(١) شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ١٠١ ، ح ٧٨١ ، مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٨١ ، تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٨٠ ، ح ٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٤٢.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢٨ ، ح ٢.

(٤) المائدة : ٤٤.

(٥) الطلاق : ٢.

١٨٧

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ حب الشرف والذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب» (١).

وقال ابن عباس : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، قال : كان علي عليه‌السلام يخشى الله ويراقبه ، ويعمل بفرائضه ، ويجاهد في سبيله ، وكان إذا صفّ في القتال كأنه بنيان مرصوص ، يقول الله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(٢) ، يتبع في جميع أمره مرضاة الله ورسوله ، وما قتل المشركين قبله أحد (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)(٣١) [سورة فاطر : ٢٩ ـ ٣١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم وصف سبحانه العلماء ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أي : يقرأون القرآن في الصلاة وغيرها. أثنى سبحانه عليهم بقراءة القرآن.

(وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي : ملكناهم التصرف فيه (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي : في حال سرهم ، وفي حال علانيتهم. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي ، قال قام رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله! ما لي لا أحب الموت؟ قال : ألك مال؟ قال نعم. قال : فقدمه. قال : لا أستطيع. قال : «فإن قلب الرجل مع ماله ، إن قدمه أحب أن يلحق به ، وإن

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٧.

(٢) الصف : ٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٩.

١٨٨

أخره أحب أن يتأخر معه». (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أي : راجين بذلك تجارة لن تكسد ، ولن تفسد ، ولن تهلك (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) أي : قصدوا بأعمالهم الصالحة ، وفعلوها لأن يوفيهم الله أجورهم بالثواب ، (وَيَزِيدَهُمْ) على قدر استحقاقهم. (مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ) لذنوبهم (شَكُورٌ) لحسناتهم. وقال الفراء : خبر إن قوله (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ). وروى ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في قوله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) : هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا. قيل : يفسح لهم في قبورهم. وقيل : معنى شكور أنه يقبل اليسير ، ويثيب عليه الكثير. تقول العرب : أشكر من بروقة ، وتزعم أنها شجرة عارية من الورق ، تغيم السماء فوقها ، فتخضر وتورق من غير مطر.

ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد ، وأنزلناه. (مِنَ الْكِتابِ) وهو القرآن (هُوَ الْحَقُ) أي : الصحيح الذي لا يشوبه فساد ، والصدق الذي لا يمازجه كذب ، والعقل يدعو إلى الحق ، ويصرف عن الباطل. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي : لما قبله من الكتب ، لأنه جاء موافقا لما بشرت به تلك الكتب من حاله ، وحال من أتى به (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) أي : عالم (بَصِيرٌ) بأحوالهم (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٤٢.

١٨٩

حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥) [سورة فاطر : ٣٢ ـ ٣٥]؟!

الجواب / سئل الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) ، فقال : «الظالم يحوم (١) حوم نفسه ، والمقتصد يحوم حوم قلبه ، والسابق يحوم حوم ربه عزوجل» (٢).

وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «الظالم لنفسه : من لا يعرف حق الإمام ، والمقتصد : العارف بحق الإمام ، والسابق بالخيرات بإذن الله : هو الإمام ، (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) يعني السابق والمقتصد» (٣).

وقال أبو حمزة الثّمالي : كنت جالسا في المسجد الحرام مع أبي جعفر عليه‌السلام إذ أتاه رجلان من أهل البصرة ، فقالا له : يا بن رسول الله ، إنما نريد أن نسألك عن مسألة فقال لهما : «سلا عما شئتما». قالا : أخبرنا عن قول الله عزوجل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ، إلى آخر الآيتين ، قال : «نزلت فينا أهل البيت».

قال أبو حمزة الثمالي : فقلت : بأبي أنت وأمي ، فمن الظالم لنفسه منكم؟

قال : «من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت ، فهو الظالم لنفسه».

__________________

(١) حام : أي دار. «مجمع البحرين ـ حوم ـ ج ٦ ، ص ٥٣».

(٢) معاني الأخبار : ص ١٠٤ ، ح ١.

(٣) معاني الأخبار : ص ١٠٤ ، ح ٢.

١٩٠

فقلت : من المقتصد منكم؟

قال : «العابد لله في الحالين حتى يأتيه اليقين». فقلت : فمن السابق منكم بالخيرات؟

قال : «من دعا ـ والله ـ إلى سبيل ربّه ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ولم يكن للمضلّين عضدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يرض بحكم الفاسقين ، إلّا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا» (١).

وقال الريّان بن الصلت : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع إليه في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ، فقالت العلماء : أراد الله عزوجل بذلك الأمّة كلها.

فقال المأمون : ما تقول ، يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «لا أقول كما قالوا ، ولكن أقول : أراد الله عزوجل بذلك العترة الطاهرة». فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون الأمّة؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : «لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنّة لقول الله تبارك وتعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ، ثم جمعهم كلهم في الجنّة ، فقال عزوجل : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم».

فقال المأمون : من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «الذين وصفهم الله في كتابه ، فقال عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢) ، وهم الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٠٥ ، ح ٣.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

١٩١

الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أيها الناس ، لا تعلّموهم ، فإنهم أعلم منكم».

قالت العلماء : أخبرنا ـ يا أبا الحسن ـ عن العترة : هم الآل ، أم غير الآل؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «هم الآل».

قالت العلماء : وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤثر عنه أنه قال : «أمتي آلي» وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : الآل أمته.

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «أخبروني : هل تحرم الصدقة على الآل؟». قالوا : نعم.

قال : «فتحرم على الأمة؟»

قالوا : لا.

قال : «هذا فرق بين الآل والأمّة. ويحكم ، أين يذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحا ، أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟!» قالوا : من أين ، يا أبا الحسن؟

قال : «من قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(١) ، فصارت وراثة [النبوّة و] الكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أنّ نوحا عليه‌السلام حين سأل ربّه عزوجل ، فقال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)(٢) وذلك أن الله عزوجل وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ

__________________

(١) الحديد : ٢٦.

(٢) هود : ٤٥.

١٩٢

تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(١)؟» (٢).

وقال أبو إسحاق السّبيعي : خرجت حاجا فلقيت محمد بن علي عليهما‌السلام ، فسألته عن هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ، فقال : «ما يقول فيها قومك ، يا أبا إسحاق؟» يعني أهل الكوفة. قال : قلت : يقولون إنها لهم. قال : «فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة؟».

قلت : فما تقول أنت ، جعلت فداك؟ قال : «هي لنا خاصّة ـ يا أبا إسحاق ـ أما السابقون بالخيرات : فعلي ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام ، والإمام منا ، والمقتصد : فصائم بالنهار ، وقائم بالليل ، والظالم لنفسه : ففيه ما في الناس ، وهو مغفور له. يا أبا إسحاق ، بنا يفكّ الله رقابكم ، وبنا يحل الله رباق (٣) الذل من أعناقكم ، وبنا يغفر الله ذنوبكم ، وبنا يفتح ، وبنا يختم ، ونحن كهفكم ككهف أصحاب الكهف ، ونحن فيكم كسفينة نوح ، ونحن باب حطّتكم كباب حطّة بني إسرائيل (٤).

وقال سورة بن كليب : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما معنى قوله عزوجل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الآية؟ قال : «الظالم لنفسه : الذي لا يعرف الإمام» قلت : فمن المقتصد؟ قال : «الذي يعرف الإمام» قلت : فمن السابق بالخيرات؟ قال : «الإمام» قلت : فما لشيعتكم؟ قال : «تكفّر ذنوبهم ، وتقضى ديونهم ، ونحن باب حطتهم ، وبنا يغفر الله لهم» (٥).

__________________

(١) هود : ٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٢٨ ، ح ١ ، أمالي الصدوق : ص ٤٢١ ، ح ١.

(٣) الرّباق جمع ربق : وهو حبل ذو عرى ، وحلقة لربط الدواب.

(٤) تأويل الأيات : ج ٢ ، ص ٤٨١ ، ح ٧.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٨١ ، ح ٨.

١٩٣

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا).

قال : فهم آل محمد صفوة الله ، فمنهم الظالم لنفسه ، وهو الهالك ، ومنهم المقتصد ، وهم الصالحون ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، فهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

يقول الله عزوجل : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يعني القرآن.

يقول الله عزوجل : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) يعني آل محمد يدخلون قصور جنات ، كل قصر من لؤلؤة واحدة ليس فيها صدع ، ولا وصل ، ولو اجتمع أهل الإسلام فيها ما كان ذلك القصر إلا سعة لهم ، له القباب من الزبرجد ، كل قبة لها مصراعان ، المصراع طوله اثنا عشر ميلا.

يقول الله عزوجل : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) ، قال : والحزن ما أصابهم في الدنيا من الخوف والشدّة» (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ذكر آل محمد ، فقال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) وهم الأئمة عليهم‌السلام ، ثمّ قال : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) من آل محمد غير الأئمة ، وهو الجاحد للإمام (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو المقرّ بالإمام (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) وهو الإمام.

ثم ذكر ما أعد الله لهم عنده ، فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) قال : النصب : العناء ، واللّغوب : الكسل

__________________

(١) تأويل الآيات ج ٢ ، ص ٤٨٢ ، ح ١٠.

١٩٤

والضجر ، ودار المقامة : دار البقاء (١).

وقال أبو ذر (رحمه‌الله) : رأيت سلمان وبلالا يقبلان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [إذ انكب سلمان على قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّلها ، فزجره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] عن ذلك ، ثم قال له : «يا سلمان ، لا تصنع بي كما تصنع الأعاجم بملوكها ، إنما أنا عبد من عبيد الله ، آكل كما يأكل العبد ، وأقعد كما يقعد العبد».

فقال له سلمان : يا مولاي ، سألتك بالله إلا أخبرتني بفضل فاطمة عليها‌السلام يوم القيامة ، قال : فأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضاحكا مستبشرا ، ثم قال : «والذي نفسي بيده إنها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية الله ، وعيناها من نور الله ، وخطامها من جلال الله ، وعنقها من بهاء الله ، وسنامها من رضوان الله ، وذنبها من قدس الله ، وقوائمها من مجد الله ، إن مشت سبّحت ، وإن رغت قدّست. عليها هودج من نور فيه جارية إنسية حورية عزيزة ، جمعت فخلقت ، وصنعت فمثلت من ثلاثة أصناف : فأولها من مسك أذفر ، وأوسطها من العنبر الأشهب ، وآخرها من الزعفران الأحمر ، عجنت بماء الحيوان ، لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة لعذبت ، ولو أخرجت ظفر خنصرها إلى دار الدنيا لغشي الشمس والقمر.

جبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن شمالها ، وعلي أمامها ، والحسن والحسين وراءها ، والله يكلؤها ويحفظها ، فيجوزون في عرصة القيامة ، فإذا النداء من قبل الله جل جلاله : معاشر الخلائق ، غضّوا أبصاركم ، ونكسوا رؤوسكم ، هذه فاطمة بنت محمد نبيكم ، زوجة علي إمامكم ، أم الحسن والحسين. فتجوز الصراط وعليها ريطتان (٢) بيضاوان ، فإذا دخلت الجنة ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٩.

(٢) الريطة : الملاءة. «الصحاح ـ ريط ـ ج ٣ ، ص ١١٢٨».

١٩٥

ونظرت إلى ما أعد الله لها من الكرامة ، قرأت : بسم الله الرحمن الرحيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) ـ قال ـ فيوحي الله عزوجل إليها : يا فاطمة ، سليني أعطك ، وتمني علي أرضك ، فتقول : إلهي ، أنت المنى ، وفوق المنى ، أسألك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار ، فيوحي الله تعالى إليها : يا فاطمة ، وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذّب محبيك ، ومحبي عترتك بالنار» (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)(٣٧) [سورة فاطر : ٣٦ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر ما أعد الله لأعدائهم ـ يعني أعداء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ومن خالفهم وظلمهم ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) إلى قوله تعالى : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) أي يصيحون وينادون (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، فرد الله عليهم فقال : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي عمرتم حتى عرفتم الأمور كلها (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، ما بين من

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٨٣ ، ح ١٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٩.

١٩٦

يحبك وبين أن يرى ما تقر به عيناه إلا أن يعاين الموت ، ثم تلا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يعني أن أعداءه إذا دخلوا النار قالوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً) في ولاية علي عليه‌السلام (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) في عداوته ، فيقال لهم في الجواب : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ) لآل محمد (مِنْ نَصِيرٍ) ينصرهم ولا ينجيهم منه ولا يحجبهم عنه» (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً)(٤١) [سورة فاطر : ٣٨ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يخفى عليه شيء مما يغيب عن الخلائق علمه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : فلا تضمروا في أنفسكم ما يكرهه سبحانه ، فإنه عالم به. (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) أي : جعلكم معاشر الكفار أمة بعد أمة ، وقرن بعد قرن. وقيل : جعلكم خلائف القرون الماضية بأن أحدثكم بعدهم ، وأورثكم ما كان لهم. (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي : فعليه ضرر كفره ، وعقاب كفره. (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) أي : أشد البغض.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٨٥ ، ح ١٣.

١٩٧

(وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) أي : خسرانا وهلاكا. (قُلْ) يا محمد (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) معناه : أخبروني أيها المشركون عن الأوثان الذين أشركتموهم مع الله في العبادة ، أروني ما ذا خلقوا من الأرض أي : بأي شيء أوجبتم لهم شركا مع الله تعالى في العبادة ، أبشيء خلقوه من الأرض. (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي : شركة في خلقها. ثم ترك هذا النظم فقال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) أي : أم أنزلنا عليهم كتابا يصدق دعواهم فيما هم عليه من الشرك (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ) أي : فهم على دلالات واضحات (مِنْهُ) أي : من ذلك الكتاب. أراد فإن جميع ذلك محال لا يمكنهم إقامة حجة ، ولا شبهة ، على شيء منه. وقيل : أم آتيناهم كتابا بأن الله لا يعذبهم على كفرهم ، فهم واثقون به (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) معناه : ليس شيء من ذلك ، لكن ليس يعد بعض الظالمين بعضا إلى غرورا ، لا حقيقة له يغرونهم ، يقال : غره يغره غرورا : إذا أطعمه فيما لا يطمع فيه.

ثم أخبر سبحانه عن عظم قدرته ، وسعة مملكته ، فقال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) معناه أنه يمسك السماوات من غير علاقة فوقها ، ولا عماد تحتها ، ويمسك الأرض كذلك (أَنْ تَزُولا) أي : لئلا تزولا (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ) أي : وإن قدر أن تزولا عن مراكزهما ما أمسكهما أحد ، ولا يقدر على إمساكهما أحد (مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد الله تعالى. وقيل : من بعد زوالهما (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) أي : قادرا لا يعاجل بالعقوبة من استحقها (غَفُوراً) أي : ستارا للذنوب ، كثير الغفران (١).

وقال الصادق أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٤٩ و ٢٥٢.

١٩٨

وبين أربعين سنة ، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزوجل إلى ملائكته : أني قد عمرت عبدي عمرا ، فغلظا وشددا وتحفظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره ، وصغيره وكبيره».

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) فقال : «توبيخ لابن ثماني عشرة سنة» (١).

وروى ابن بابويه الحديث الأخير في (الفقيه) أيضا ، مرسلا عن الصادق عليه‌السلام (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (٤٥) [سورة فاطر : ٤٢ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ حكى الله عزوجل قول قريش ، فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) يعني الذين هلكوا (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما زادَهُمْ

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٤٠ ، ح ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ١١٨ ، ح ٥٦١.

١٩٩

إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١).

قال : وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة ، وعظم خطأ طلحة والزبير فقال : «وأيّ خطيئة أعظم مما أتيا! أخرجا زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيتها ، وكشفا عنها حجابا ستره الله عليها وصانا حلائلهما في بيوتهما! ما أنصفا لا لله ولا لرسوله من أنفسهما.

ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله : البغي ، والمكر ، والنكث ، قال الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ)(٢) ، وقال : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)(٣) ، وقال : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وقد بغيا علينا ، ونكثا بيعتي ، ومكرا بي» (٤).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) قال : أو لم ينظروا في القرآن ، وفي أخبار الأمم الهالكة؟! (٥).

وقال أبو الربيع الشاميّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ)(٦) ، فقال : «عنى بذلك : أي انظروا في القرآن ، فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم ، وما أخبركم عنه» (٧).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، قال : لا يؤاخذهم الله عند المعاصي ، وعند اغترارهم بالله (٨).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٠.

(٢) يونس : ٢٣.

(٣) الفتح : ١٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٠.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٠.

(٦) الروم : ٤٢.

(٧) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٤٨ ، ح ٣٤٩.

(٨) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٠.

٢٠٠