التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣) [سورة سبأ : ١٢ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ، قال : كانت الريح تحمل كرسي سليمان ، فتسير به في الغداة مسيرة شهر ، وبالعشي مسيرة شهر.

وقوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي الصّفر (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ). وقوله : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) قال : في الشجر (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) ، فقال : «والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنها تماثيل الشجر وشبهه» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) أي جفنة كالحفرة (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات. ثم قال : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) قال : اعملوا ما تشكرون عليه (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٩.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٢٧ ، ح ٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٩.

١٤١

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) [سورة سبأ : ١٤]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «إن سليمان بن داود عليه‌السلام قال ذات يوم لأصحابه : إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، سخر لي الريح والإنس والجن والطير والوحوش ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شيء ، ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم سروري يوما إلى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي ، فلا تأذنوا لأحد عليّ لئلا يرد عليّ ما ينغص علي يومي. فقالوا : نعم.

فلما كان من الغد ، أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه ، مسرورا بما أوتي ، فرحا بما أعطي ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ، فلما أبصر به سليمان عليه‌السلام ، قال له : من أدخلك إلى هذا القصر ، وقد أردت أن أخلو فيه هذا اليوم ، وبإذن من دخلت؟ قال الشاب : أدخلني هذا القصر ربّه ، وبإذنه دخلت. فقال : ربّه أحق به مني ، فمن أنت؟ قال : أنا ملك الموت. قال : وفيم جئت؟ قال جئت لأقبض روحك. قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري ، وأبى الله عزوجل أن يكون لي سرور دون لقائه.

فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله ، والناس ينظرون إليه وهم يقدّرون أنه حي ، فافتتنوا فيه ، واختلفوا ، فمنهم من قال : إن سليمان قد بقي متكئا على عصاه

١٤٢

هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ، ولم ينم ، ولم يأكل ، ولم يشرب! إنه لربّنا الذي يجب علينا أن نعبده. وقال قوم : إن سليمان ساحر ، وإنه ليرينا أنه واقف متكئ على عصاه فيسحر أعيننا ، وليس كذلك. وقال المؤمنون : إن سليمان هو عبد الله ونبيه ، يدبّر الله أمره بما شاء.

فلما اختلفوا بعث الله عزوجل الأرضة فدبّت في عصا سليمان ، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا ، وخر سليمان من قصره على وجهه ، فشكرت الجنّ الأرضة على صنيعها ، فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين ، وذلك قول الله عزوجل : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) يعني عصاه (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).

ثم قال الصادق عليه‌السلام : «وما نزلت هذه الآية هكذا ، وإنما نزلت : فلمّا خرّ تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير ، فبينما هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجنّ كيف يعملون ، وهم ينظرون إليه ، إذ حانت منها التفاتة ، فإذا رجل معه في القبّة ، قال : من أنت؟ قال أنا الذي لا أقبل الرّشا ، ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة ، والجنّ ينظرون إليه ـ قال ـ فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عزوجل الأرضة ، فأكلت منسأته ، وهي العصا (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ).

__________________

(١) عين أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٦٥ ، ح ٢٤ ، علل الشرائع : ص ٧٣ ، ح ٢.

١٤٣

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ الجنّ يشكرون الأرضة ما صنعت بعصا سليمان عليه‌السلام ، فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (١٩) [سورة سبأ : ١٥ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : فإن بحرا كان من اليمن ، وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا له خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ، ففعلوا ذلك ، وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم ، وجعلوا للخليج مجاري ، فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه ، وكان لهم جنّتان عن يمين وشمال ، عن مسيرة عشرة أيام ، فيها يمرّ المارّ لا تقع عليه الشمس من التفافهما ، فلما عملوا بالمعاصي ، وعتوا عن أمر ربّهم ، ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا ، بعث الله على ذلك السد الجرذ ـ وهي الفأرة الكبيرة ـ فكانت تقتلع الصخرة التي لا يستقلعها الرجل ، وترمي بها ، فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال الجرذ يقلع الحجر حتى خرّبوا ذلك السد ، فلم يشعروا حتى غشيهم السّيل ،

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٧٤ ، ح ٣.

١٤٤

وخرب بلادهم ، وقلع أشجارهم ، وهو قوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) إلى قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) يعني العظيم الشديد (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) وهو أم غيلان (وَأَثْلٍ) قال : هو نوع من الطرفاء (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) إلى قوله تعالى : (بارَكْنا فِيها) قال : مكّة (١).

وقال سدير ، سأل رجل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).

فقال : «هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، وأنهار جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا بأنعم الله ، وغيروا ما بأنفسهم ، فأرسل الله عزوجل عليهم سيل العرم ، فغرّق قراهم ، وخرب ديارهم ، وأذهب أموالهم ، وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط (٢) ، وأثل ، وشيء من سدر قليل ، ثم قال الله عزوجل : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٣).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : قال أبو حمزة الثمالي : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فقال له : جعلني الله فداك ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ). قال له : «ما تقول الناس فيها قبلكم بالعراق؟». فقال : يقولون إنها مكة. فقال : «وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة؟».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٠.

(٢) الخمط : كل نبت قد أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله. «لسان العرب ـ خمط ـ ج ٧ ، ص ٢٩٦».

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٩٥ ، ح ٥٩٦.

١٤٥

قال : فما هو؟ قال : «إنما عنى الرجال». قال : وأين ذلك في كتاب الله؟ فقال : «أو ما تسمع إلى قوله عزوجل : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ)(١) ، وقال : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ)(٢) ، وقال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(٣) ، أفيسأل القرية ، والعير ، أو الرجال؟». قال : وتلا عليه آيات في هذا المعنى.

قال : جعلنا فداك ، فمن هم؟ قال : «نحن هم». وقوله : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) قال : «آمنين من الزيغ» (٤).

وعنه ، في (الاحتجاج) : عن أبي حمزة الثمالي ، قال : أتى الحسن البصري أبا جعفر عليه‌السلام ، قال : يا أبا جعفر ، ألا أسألك عن أشياء من كتاب الله؟ فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «ألست فقيه أهل البصرة؟» قال : قد يقال ذلك. فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟» قال : لا. قال : «فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟» قال : نعم.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «سبحان الله! لقد تقلّدت عظيما من الأمر ، بلغني عنك أمر فما أدري أكذلك أنت ، أم يكذب عليك؟». قال : ما هو؟ قال : «زعموا أنك تقول : إن الله خلق العباد وفوّض إليهم أمورهم». قال : فسكت الحسن فقال : «أرأيت من قال الله له في كتابه : إنك آمن ، هل عليه خوف بعد هذا القول؟» فقال الحسن : لا.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إني أعرض عليك آية ، وأنهي إليك خطابا ، ولا أحسبك إلا وقد فسرته على غير وجهه ، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت» فقال له : ما هو؟ فقال : «أرأيت الله حيث يقول : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ

__________________

(١) الطلاق : ٨.

(٢) الكهف : ٥٩.

(٣) يوسف : ٨٢.

(٤) الاحتجاج : ص ٣١٣.

١٤٦

وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) يا حسن ، بلغني أنك أفتيت الناس ، فقلت : هي مكة؟».

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «فهل يقطع على من حج مكة ، وهل يخاف أهل مكة ، وهل تذهب أموالهم؟». قال : بلى. قال : «فمتى يكونون آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن ، فنحن القرى التي بارك الله فيها ، وذلك قول الله عزوجل. فمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم الله أن يأتونا ، فقال : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها (قُرىً ظاهِرَةً) ، والقرى الظاهرة : الرسل ، والنقلة عنا إلى شيعتنا ، وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا.

وقوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) فالسير مثل للعلم (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً) ، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال ، والحرام ، والفرائض ، والأحكام (آمِنِينَ) فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه ، آمنين من الشكّ والضلال ، والنقلة من الحرام إلى الحلال لأنهم أخذوا العلم ممن وجبلهم أخذهم إياه عنهم بالمعرفة ، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا ، ذرية مصطفاة بعضها من بعض ، فلم ينته الاصطفاء إليكم ، بل إلينا انتهى ، ونحن تلك الذرية المصطفاة ، لا أنت ، ولا أشباهك ، يا حسن. فلو قلت لك حين ادّعيت ما ليس لك ، وليس إليك : يا جاهل أهل البصرة ، لم أقل فيك إلا ما علمته منك ، وظهر لي عنك ، وإياك أن تقول بالتفويض ، فإن الله عزوجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهنا منه وضعفا ، ولا أجبرهم على معاصيه ظلما» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث في معنى الآية : «يا أبا بكر (سِيرُوا

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٣٢٧.

١٤٧

فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) ـ فقال ـ مع قائمنا أهل البيت» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : في قول الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) : «صبّار على مودتنا ، وعلى ما نزل به من شدّة أو رخاء ، صبور على الأذى فينا ، شكور لله تعالى على ولايتنا أهل البيت» (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٠) [سورة سبأ : ٢٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي عليه‌السلام يوم الغدير ، صرخ إبليس في جنوده صرخة ، فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه ، فقالوا : يا سيدهم ومولاهم ، ماذا دهاك ، فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم : فعل هذا النبي فعلا إن تم لم يعص الله أبدا. فقالوا : يا سيدهم ، أنت كنت لآدم.

فلمّا قال المنافقون : إنه ينطق عن الهوى ، وقال أحدهما لصاحبه : أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون ، يعنون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صرخ إبليس صرخة بطرب ، فجمع أولياءه ، فقال : أما علمتم أني كنت لآدم من قبل؟ قالوا : نعم ، قال : آدم نقض العهد ، لم يكفر بالرب ، وهؤلاء نقضوا العهد ، وكفروا بالرسول.

فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقام الناس غير علي ، لبس إبليس تاج الملك ، ونصب منبرا ، وقعد في الوثبة (٣) ، وجمع خيله ورجله (٤) ، ثم قال

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٩١ ، ح ٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٣ ، ح ٤.

(٣) وقعد في الوثبة : أي الوسادة. «مرآة العقول : ج ٢٦ ، ص ٥٠٧».

(٤) رجله : أي رجالته.

١٤٨

لهم : اطربوا ، لا يطاع الله حتى يقوم الإمام». وتلا أبو جعفر عليه‌السلام : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال أبو جعفر عليه‌السلام : «كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والظنّ من إبليس ، حين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه ينطق عن الهوى ، فظن إبليس بهم ظنّا فصدقوا ظنه» (١).

ودخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه‌السلام ، وسأله عن قوله عزوجل : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال : «لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين عليه‌السلام للناس ، وهو قوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في علي (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)(٢) أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي عليه‌السلام يوم غدير خمّ ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، حثت الأبالسة التراب على رؤوسها ، فقال لهم إبليس الأكبر : ما لكم؟ قالوا : قد عقد هذا الرجل اليوم عقدة لا يحلها إنسي إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس : كلا ، إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة ، ولن يخلفوني فيها. فأنزل الله سبحانه هذه الآية : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٣).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٣) [سورة سبأ : ٢١ ـ ٢٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٤٤ ، ح ٥٤٢.

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٤ ، ح ٦.

١٤٩

سُلْطانٍ) كناية عن إبليس (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ).

ثم قال عزوجل احتجاجا منه على عبدة الأوثان : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما) كناية عن السماوات والأرض (مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) وقوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) قال : لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة ، والشفاعة له وللأئمّة من ولده ، ومن بعد ذلك للأنبياء عليهم‌السلام (١).

ودخل مولى لامرأة علي بن الحسين عليه‌السلام على أبي جعفر عليه‌السلام ، يقال له أبو أيمن ، فقال : يا أبا جعفر ، تغرّون الناس ، وتقولون : «شفاعة محمد ، شفاعة محمد»؟! فغضب أبو جعفر عليه‌السلام حتى تغيّر وجهه ، ثم قال : «ويحك ـ يا أبا أيمن ـ أغرّك أن عف بطنك وفرجك ، أما لو رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويلك فهل يشفع إلّا لمن وجبت له النار».

ثم قال : «ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة».

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشفاعة في أمّته ، ولنا الشفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم». ثم قال : «وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه ، يقول : يا ربّ ، حق خدمتي ، كان يقيني الحرّ والبرد» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠١.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٠٢.

١٥٠

وقال علي بن إبراهيم (رحمه‌الله) : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «لا يقبل الله الشفاعة يوم القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتى يأذن له في الشفاعة إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة ، فالشفاعة له ، ولأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وللأئمّة من ولده عليهم‌السلام ، ثم من بعد ذلك للأنبياء (صلوات الله عليهم)» (١).

وقال سماعة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة قال : «يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، فيلجمهم العرق ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى أبينا آدم عليه‌السلام يشفع لنا. فيأتون آدم عليه‌السلام ، فيقولون له : اشفع لنا عند ربك. فيقول : إنّ لي ذنبا وخطيئة ، وإني أستحيي من ربي ، فعليكم بنوح. فيأتون نوحا ، فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كل نبي إلى من يليه من الأنبياء ، حتى ينتهوا إلى عيسى عليه‌السلام ، فيقول : عليكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فيأتون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرضون أنفسهم عليه ، ويسألونه أن يشفع لهم ، فيقول : انطلقوا بنا فينطلقون حتى يأتي باب الجنة ، فيستقبل وجه الرحمن سبحانه ، ويخر ساجدا ، فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله له : ارفع رأسك ـ يا محمد ـ واشفع تشفّع ، وسل تعط ، فيشفع فيهم» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) : «وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم عليه‌السلام إلى أن بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا بعث الله جبرئيل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا ، فصعق أهل السماوات ، فلما فرغ من الوحي انحدر

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٦ ، ح ٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٦ ، ح ٩.

١٥١

جبرئيل ، كلما مرّ بأهل سماء فزع عن قلوبهم. يقول : كشف عن قلوبهم ، فقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم؟ قالوا : الحق ، وهو العلي الكبير» (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٥) [سورة سبأ : ٢٤ ـ ٢٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنهم لا يمكنهم أن يقولوا ترزقنا آلهتنا التي نعبدها. ثم عند ذلك (قُلِ اللهُ) الذي يرزقكم (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إنما قال ذلك على وجه الإنصاف في الحجاج ، دون الشك ، كما يقول القائل لغيره : أحدنا كاذب ، وإن كان هو عالما بالكاذب. وعلى هذا يقول أبو الأسود الدؤلي ، يمدح أهل البيت عليهم‌السلام :

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليا (٢)

بنو عم النبي ، وأقربوه

أحب الناس كلهم إليا

فإن يك حبهم رشدا أصبه

ولست بمخطئ إن كان غيا

***

لم يقل هذا لكونه شاكا في محبتهم ، وقد أيقن أن محبتهم رشد وهدى. وقيل : إنه جمع بين الخبرين ، وفوض التمييز إلى العقول ، فكأنه قال : أنا على

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٢.

(٢) بنو قشير : قبيلة من القيس ، كان ينزل أبو الأسود فيهم ، وكانوا يخالفونه في المذهب ، لأن أبا الأسود كان شيعيا ، فكانوا يؤذونه. وأنشأ هذه الأبيات في قصة ذكرها الشريف المرتضى (قدس‌سره الشريف) في (الأمالي راجع ج ١ ، ص ٣٩٢ ـ ٢٩٣) وذكره في (الأغاني : ج ١١ ، ص ١٣٠) مع اختلاف في ترتيب الأبيات ، وبعض ألفاظها.

١٥٢

هدى ، وأنتم على ضلال ، كقول امرىء القيس : كأن قلوب الطير ، رطبا ، ويابسا ، لدى وكرها ، العناب ، والحشف البالي فجمع بين القلوب الرطبة واليابسة ، وجمع بين العناب والحشف البالي. وقيل : إنما قاله على وجه الاستعطاف والمداراة ، ليسمع الكلام. وهذا من أحسن ما ينسب به المحق نفسه إلى الهدى ، وخصمه إلى الضلال ، لأنه كلام من لا يكاشف خصمه بالتضليل ، بل ينسبه إليه على أحسن وجه ، ويحثه على النظر ، ولا يجب النظر إلا بعد التردد. (قُلْ) يا محمد إذا لم ينقادوا للحجة (لا تُسْئَلُونَ) أيها الكفار (عَمَّا أَجْرَمْنا) أي : اقترفنا من المعاصي (وَلا نُسْئَلُ) نحن (عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي : تعملونه أنتم بل كل إنسان يسأل عما يعمله ، ويجازي على فعله ، دون فعل غيره ، وفي هذا دلالة على أن أحدا لا يجوز أن يؤخذ بذنب غيره (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (٢٦) [سورة سبأ : ٢٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا) يقول : يقضي بيننا (بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) قال : القاضي العليم» (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧) [سورة سبأ : ٢٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله تعالى : (قُلْ) يا محمد (أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) إنما ذكر هذا سبحانه على وجه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢١٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٢.

١٥٣

التعظيم والتعجيب أي. أروني الذي زعمتم أنهم شركاء لله ، تعبدونهم معه. وهذا كالتوبيخ لهم فيما اعتقدوه من الإشراك مع الله ، كما يقول القائل لمن أفسد عملا : أرني ما عملته ، توبيخا له بما أفسده. فإنهم سيفتضحون بذلك إذا أشاروا إلى الأصنام. ثم قال سبحانه : (كَلَّا) أي : ليس كما تزعمون. وقيل : معناه ارتدعوا عن هذا المقال ، وتنبهوا من الغي والضلال. (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) أي : القادر الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) في جميع أفاله ، فكيف يكون له شريك.

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٨) [سورة سبأ : ٢٨]؟!

الجواب / قال عبد الله بن بكر الأرّجاني : قال لي الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : «أخبرني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان أرسل عامّة للناس ، أليس قد قال الله في محكم كتابه : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) لأهل المشرق والمغرب ، وأهل السماء والأرض من الجنّ والإنس ، هل بلّغ رسالته إليهم كلّهم؟» قلت : لا أدري.

قال : «يا بن بكر ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخرج من المدينة ، فكيف أبلغ أهل المشرق والمغرب؟» قلت : لا أدري.

قال : «إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحيه ، ونصبها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت بين يديه مثل راحته في كفّه ، ينظر إلى أهل المشرق والمغرب ، ويخاطب كل قوم بألسنتهم ، ويدعوهم إلى الله تعالى وإلى نبوته بنفسه ، فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه» (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٢.

١٥٤

وقال عبد الله بن بكر الأرجاني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قلت له : جعلت فداك ، فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب؟

قال : «يا بن بكر ، فكيف يكون حجّة على ما بين قطريها وهو لا يراهم ، ولا يحكم فيهم؟ وكيف يكون حجّة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه؟ وكيف يكون مؤديا عن الله ، وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم؟ وكيف يكون حجّة عليهم وهو محجوب عنهم ، وقد حيل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربه فيهم ، والله يقول : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) يعني به من على الأرض ، والحجة من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة ، والآخذ بحقوق الناس» (١).

وقال الطبرسي : (بَشِيراً) لهم بالجنة (وَنَذِيراً) بالنار (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) رسالتك لإعراضهم عن النظر في معجزتك. وقيل : لا يعلمون ما لهم في الآخرة في اتباعك من الثواب والنعيم ، وما عليهم في مخالفتك من العذاب الأليم (٢).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠) [سورة سبأ : ٢٩ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم حكى سبحانه عن الكفار فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدوننا به (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تقولونه يا معشر المؤمنين. ثم أمر سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإجابتهم فقال : (قُلْ) يا محمد (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) أي : ميقات يوم ينزل بكم ما وعدتم به ، وهو يوم القيامة.

__________________

(١) كامل الزيارات : ص ٣٢٦ ، ح ٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢١٧.

١٥٥

وقيل : يوم وفاتهم ، وقبض أرواحهم. (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) أي : لا تتأخرون عن ذلك اليوم ، ولا تتقدمون عليه بأن يزاد في آجالكم ، أو ينقص منها (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣٣) [سورة سبأ : ٣١ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم حكى الله لنبيه قول الكفّار من قريش وغيرهم : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من كتب الأنبياء (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الرؤساء (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى) وهو البيان العظيم (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) ، ثم يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يعني مكرتم بالليل والنهار.

قال : قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) قال : قال : «يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولي الله» فقيل : يا بن رسول الله ، وما يغنيهم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢١٧.

١٥٦

إسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال : «يكرهون شماتة الأعداء» (١). وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وقال الشيخ الطبرسيّ : (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال ابن عباس : غلوا بها في النيران (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها على قدر استحقاقهم (٢).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ)(٣٤) [سورة سبأ : ٣٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) أي : من نبي مخوف بالله تعالى (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي : جبابرتها وأغنياؤها المتنعمون فيها. (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وفي هذا بيان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أهل قريته جروا على منهاج الأولين ، وإشارة إلى أنه كان أتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء ، وأوساط الناس ، دون الأغنياء (٣).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٣٧) [سورة سبأ : ٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم افتخروا على الله بالغنى ، فقالوا :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢١٩.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٠.

١٥٧

(نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) فردّ الله عليهم ، فقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً)(١).

وقال أبو بصير : ذكرنا عند أبي جعفر عليه‌السلام من الأغنياء من الشيعة ، فكأنه كره ما سمع منا فيهم ، قال : «يا أبا محمد ، إذا كان المؤمن غنيا ، رحيما ، وصولا ، له معروف إلى أصحابه أعطاه الله أجر ما ينفق في البر أجره مرتين ضعفين ، لأن الله عزوجل يقول في كتابه : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ)(٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (٣٨) [سورة سبأ : ٣٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) أي : يجتهدون في إبطال آياتنا وتكذيبها (مُعاجِزِينَ) لأنبيائنا ، ومعاجزين أي : مثبطين غيرهم عن أفعال البر. (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ)(٣).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٣.

(٢) علل الشرائع : ص ٦٠٤ ، ح ٧٣.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٠.

١٥٨

أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (٤١) [سورة سبأ : ٣٩ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : قوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) مر تفسيره ، وإنما كرره سبحانه لاختلاف الفائدة ، فالأول : توبيخ للكافرين ، وهم المخاطبون به. والثاني : وعظ للمؤمنين ، فكأنه قال : ليس إغناء الكفار وإعطاؤهم بدلالة على كرامتهم وسعادتهم ، بل يزيدهم ذلك عقوبة. وإغناء المؤمنين يجوز أن يكون زيادة في سعادتهم بأن ينفقوها في سبيل الله ، ويدل على ذلك قوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)(١).

وعمن حدث عثمان بن عيسى ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آيتان في كتاب الله عزوجل ، أطلبهما فلا أجدهما. قال : «وما هما؟» قلت : قول الله عزوجل : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٢) فندعوه ، ولا نرى إجابة. قال : «أفترى الله عزوجل أخلف وعده؟» قلت : لا.

قال : «فممّ ذلك؟».

قلت : لا أدري.

قال : «لكني أخبرك ، من أطاع الله عزوجل فيما أمره ، ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه».

قلت : وما جهة الدعاء؟

قال : «تبدأ فتحمد الله ، وتذكر نعمه عندك ، ثم تشكره ، ثم تصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تذكر ذنوبك فتقرّ بها ، ثم تستعيذ منها ، فهذا جهة الدعاء».

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٢.

(٢) غافر : ٦٠.

١٥٩

ثم قال ؛ «وما الآية الأخرى؟» قلت : قول الله عزوجل : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، وإني أنفق ولا أرى خلفا؟

قال : «أفترى الله عزوجل أخلف وعده؟».

قلت : لا.

قال : «فممّ ذلك؟».

قلت : لا أدري.

قال : «لو أن أحدكم اكتسب المال من حلّه ، وأنفقه في حله ، ولم ينفق درهما إلا أخلف عليه» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الرب تبارك وتعالى ينزل أمره كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا من أول الليل ، وفي كلّ ليلة في الثلث الأخير ، وأمامه ملكان يناديان : هل من تائب يتاب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ اللهم أعط كل منفق خلفا ، وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر عاد أمر الربّ إلى عرشه ، فيقسم الأرزاق بين العباد».

ثم قال للفضيل بن يسار : «يا فضيل ، نصيبك من ذلك ، وهو قول الله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) فتقول الملائكة : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)(٢).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، ح ٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٤.

١٦٠