التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

(لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) ، قال : «أي ستكون جاهلية أخرى» (١).

وقال عبد الله بن مسعود : قلت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، من يغسّلك إذا مت؟ قال : «يغسّل كل نبي وصيه». قلت : فمن وصيك ، يا رسول الله؟ قال : «علي بن أبي طالب».

قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال : «ثلاثين سنة ، فإن يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة ، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى عليه‌السلام ، فقالت : أنا أحق منك بالأمر. فقاتلها ، فقتل مقاتليها ، وأسرها فأحسن أسرها ، وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفا من أمتي ، فيقاتلها ، فيقتل مقاتليها ، ويأسرها فيحسن أسرها ، وفيها أنزل الله عزوجل : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) يعني صفراء بنت شعيب» (٢).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال : (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي : أدينها في أوقاتها بشرائطها (وَآتِينَ الزَّكاةَ) المفروضة في أموالكن ، (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمرانكن عنه (٣).

٣ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٤). قال : «نزلت في علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين عليهم‌السلام».

فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليا وأهل بيته عليهم‌السلام في كتاب الله عزوجل؟

قال : فقال : «قولوا لهم : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٣.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٢٧.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٥٥.

(٤) النساء : ٥٩.

١٠١

الله لهم ثلاثا ، ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما ، حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسر ذلك لهم ونزل الحجّ ولم يقل لهم طوفوا سبعا ، حتّى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم. ونزلت (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ونزلت في علي ، والحسن والحسين عليهم‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فإني سألت الله عزوجل أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما علي الحوض ، فأعطاني ذلك. وقال : لا تعلّموهم ، فهم أعلم منكم. وقال : إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة.

فلو سكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان ، وآل فلان ، ولكن الله عزوجل نزل في كتابه تصديقا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فكان علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة عليهم‌السلام فأدخلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الكساء ، في بيت أم سلمة ، ثم قال : اللهم ، إن لكل نبي أهلا وثقلا ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي. فقالت أم سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي.

فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان علي أولى الناس بالناس ، لكثرة ما بلغ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقامه للناس ، وأخذ بيده ، فلمّا مضى علي لم يكن يستطيع علي ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يدخل محمد بن علي ، ولا العباس بن علي ، ولا واحدا من ولده ، إذا لقال الحسن والحسين : إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك ، وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك ، وبلغ فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بلغ فيك ، وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك.

فلما مضى علي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان الحسن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بها لكبره ، فلما توفي لم

١٠٢

يستطع أن يدخل ولده ، ولم يكن ليفعل ذلك ، والله عزوجل يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١) فيجعلها في ولده ، إذن لقال الحسين عليه‌السلام : أمر الله تبارك وتعالى بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك ، وبلّغ فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما بلغ فيك وفي أبيك ، وأذهب الله عنّي الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك.

فلما صارت إلى الحسين عليه‌السلام لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه ، وعلى أبيه ، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ، ولم يكونا ليفعلا ، ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه‌السلام ، فجرى تأويل هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين عليه‌السلام ، ثم صارت من بعد علي بن الحسين عليه‌السلام إلى محمد بن علي عليه‌السلام. وقال : «الرجس : هو الشكّ ، والله لا نشك في ربّنا أبدا» (٢).

وقال الريان بن الصّلت : قال الرضا عليه‌السلام ـ في حديث المأمون والعلماء وسؤالهم للرضا عليه‌السلام ـ «فصارت الوراثة للعترة الطاهرة ، لا لغيرهم». فقال المأمون : من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «الذين وصفهم الله تعالى في كتابه ، فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وهم الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أيها الناس ، لا تعلّموهم ، فإنهم أعلم منكم».

وفي الحديث : قالت العلماء : فأخبرنا ، هل فسّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٢٢٦ ، ح ١.

١٠٣

فقال الرضا عليه‌السلام : «فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا وموطنا : فأوّل ذلك ، قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ورهطك المخلصين (١) ، هكذا في قراءة أبي بن كعب ، وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود ، وهذه منزلة رفيعة ، وفضل عظيم ، وشرف عال حين عنى الله عزوجل بذلك الآل ، فذكره لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذه واحدة ، والآية الثانية في الاصطفاء : قوله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد إلا معاند أصلا ، لأنه فضل بعد طهارة تنتظر ، فهذه الثانية» وساق الحديث بذكر الاثني عشر (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : «قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إن الله عزوجل فضّلنا أهل البيت ، كيف لا يكون كذلك ، والله عزوجل يقول في كتابه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)؟ فقد طهّرنا الله من الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، فنحن على منهاج الحق» (٣).

وقالت أم سلمة : نزلت هذه الآية في بيتي ، وفي البيت سبعة : جبرائيل ، وميكائيل ، ورسول الله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين). قالت : وكنت على الباب ، فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل البيت؟ قال : «إنك إلى خير ، إنك من أزواج النبي». وما قال إنّك من أهل البيت (٤).

٤ ـ وقال زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام : إن جهالا من الناس يزعمون أنما أراد بهذه الآية أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كذبوا وأثموا ، وأيم الله لو عنى بها

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) الأمالي : ص ٤٢١ ، ح ١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٥٨ ، ح ٢٢.

(٤) نفس المصدر : ج ٢ ، ص ٤٥٩ ، ح ٢٤.

١٠٤

أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقال : ليذهب عنكنّ الرجس ، ويطهركن تطهيرا. ولكان الكلام مؤنثا ، كما قال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ)(١) و (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : ثمّ انقطعت مخاطبة نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخاطب أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

ثم عطف على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً).

ثم عطف على آل محمد عليهم‌السلام ، فقال : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) إلى قوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(٣).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨) [سورة الأحزاب : ٣٦ ـ ٣٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي

__________________

(١) الأحزاب : ٣٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٣ ، والآية من سورة الأحزاب : ٣٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٣.

١٠٥

جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسدية ، من بني أسد بن خزيمة ، وهي بنت عمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، حتى أؤامر نفسي فأنظر. فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) فقالت : يا رسول الله ، أمري بيدك. فزوجها إياه ، فمكثت عند زيد ما شاء الله ، ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنظر إليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعجبته ، فقال زيد : يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبرا ، وإنها لتؤذيني بلسانها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اتق الله ، وأمسك عليك زوجك ، وأحسن إليها». ثم إن زيدا طلقها ، وانقضت عدتها ، فأنزل الله نكاحها على رسول الله ، فقال : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)(١).

وقال أبو الصلت الهروي : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام أهل المقالات ، من أهل الإسلام ، والديانات : من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته ، كأنه ألقم حجرا ، قام إليه علي بن محمد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال : «نعم». قال : فما تقول في قوله عزوجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)(٢)؟ وفي قوله عزوجل : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٣)؟ وفي قوله عزوجل في يوسف عليه‌السلام : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)(٤)؟ وقد ذكرت هذه الآيات في موضعها وما قاله الرضا عليه‌السلام في معناها ـ وقوله عزوجل في داود عليه‌السلام :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٤.

(٢) طه : ١٢١.

(٣) الأنبياء : ٨٧.

(٤) يوسف : ٢٤.

١٠٦

(وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ)(١)؟ ـ وستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى ، ومعناها عن الرضا عليه‌السلام ـ وقوله عزوجل في نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ)؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «ويحك ـ يا علي ـ اتّق الله ، ولا تنسب إلى الأنبياء الفواحش ، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك ، فإن الله تعالى يقول : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٢)». وذكر عليه‌السلام الجواب عن الآيات ، إلى أن قال : «وأما محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقول الله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) فإن الله تعالى عرّف نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء أزواجه في دار الدنيا ، وأسماء أزواجه في دار الآخرة ، وأنهن أمهات المؤمنين. وإحداهنّ ـ من سمى له ـ : زينب بنت جحش ، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة ، فأخفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمها في نفسه ، ولم يبده ، لكي لا يقول أحد من المنافقين إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين ، وخشي قول المنافقين ، فقال الله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) يعني في نفسك ، وإن الله عزوجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم عليه‌السلام ، وزينب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) الآية ، وفاطمة من علي عليه‌السلام».

قال : فبكى علي بن محمد بن الجهم ، وقال : يا بن رسول الله ، أنا تائب إلى الله تعالى من أن أنطق في أنبيائه عليهم‌السلام بعد يومي هذا إلا ما ذكرته (٣).

وفي رواية علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون ،

__________________

(١) سورة ص : ٢٤.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٩١ ، ح ١.

١٠٧

وعنده الرضا علي بن موسى عليه‌السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله ، أليس من قولك : «إن الأنبياء معصومون؟» قال : «بلى». فسأله المأمون عن آيات في الأنبياء ، وذكرناها في مواضعها ومعناها عن الرضا عليه‌السلام ، إلى أن قال المأمون : فأخبرني عن قول الله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ).

وقال الطبرسيّ ، قيل : الذي أخفاه في نفسه : أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه ، وأن زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد ، وقال : إني أريد أن أطلق زينب ، قال له : «أمسك عليك زوجك». فقال سبحانه : «لما قلت : أمسك عليك زوجك ، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟». قال : وروي ذلك عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وهذا التأويل مطابق لتلاوة الآية (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٣٩) [سورة الأحزاب : ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : وصف سبحانه الأنبياء الماضين ، وأثنى عليهم فقال : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) أي : يؤدونها إلى من بعثوا إليهم ، ولا يكتمونها (وَيَخْشَوْنَهُ) أي : ويخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم. (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء والتبليغ. وفي هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة. ومتى قيل : فكيف ما قال لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخشى الناس؟ فالقول. إنه لم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٦٥.

١٠٨

يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ ، وإنما خشي المقالة القبيحة فيه. والعاقل كما يتحرز عن المضار ، يتحرز من إساءة الظنون به ، والقول السيء فيه ، ولا يتعلق شيء من ذلك بالتكليف. (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي : حافظا لأعمال خلقه ، ومحاسبا مجازيا عليها (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠) [سورة الأحزاب : ٤٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هذه نزلت في شأن زيد بن حارثة ، قالت قريش : يعيرنا محمد أن يدعي بعضنا بعضا وقد ادعى هو زيدا! فقال الله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) يعني يومئذ أنه ليس بأبي زيد. قال : قوله : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) يعني لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) [سورة الأحزاب : ٤١ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال علي بن جعفر ، في (رسالته) : عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، سألته عن قول الله عزوجل : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) ، قال : قلت : من ذكر الله مائتي مرة ، كثير هو؟ قال : «نعم» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٦٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٤.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ص ١٤٣ ، ح ١٦٩.

١٠٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام من الذّكر الكثير الذي قال الله عزوجل : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً)(١).

وقال إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا إسحاق بن فروخ ، من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلّى الله وملائكته عليه مائة مرة ، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة مرة صلّى الله عليه وملائكته ألف مرة ، أما تسمع قول الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه ، فرض الله عزوجل الفرائض ، فمن أدّاهن فهو حدّهن ، وشهر رمضان ، فمن صامه فهو حدّه ، الحج فمن حجّ فهو حده ، إلا الذكر ، فإن الله عزوجل لم يرض منه بالقليل ، ولم يجعل له حدا ينتهي إليه». ثم تلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، فقال : «لم يجعل الله عزوجل له حدا ينتهي إليه».

قال : «وكان أبي عليه‌السلام كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله تعالى ، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله تعالى ، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله ، وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه ، يقول : لا إله إلا الله. وكان يجمعنا ويأمرنا بالذّكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر.

والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ، ويذكر الله عزوجل فيه تكثر بركته ، وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويضيء لأهل السماء كما يضيء

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦٢ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٥٨ ، ح ١٤.

١١٠

الكوكب الدري لأهل الأرض ، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ، ولا يذكر الله فيه تقل بركته ، وتهجره الملائكة ، وتحضره الشياطين.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم ، أرفعها في درجاتكم ، وأزكاها عند مليككم ، وخير لكم من الدينار والدرهم ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا : بلى. قال : ذكر الله عزوجل كثيرا».

ثم قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : من خير أهل المسجد؟ فقال : أكثرهم لله ذكرا. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة ، وقال في قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)(١) قال : لا تستكثر ما عملت من خير لله» (٢).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء ، وقف جبرئيل في مقامه ، وغبت عن تحية كل ملك وكلامه ، وصرت بمقام انقطعت عني فيه الأصوات ، وتساوى عندي الأحياء والأموات ، اضطرب قلبي ، وتضاعف كربي ، فسمعت مناديا ينادي بلغة علي بن أبي طالب : قف ـ يا محمد ـ فإن ربّك يصلّي. قلت : كيف يصلي وهو غني عن الصلاة لأحد ، وكيف بلغ عليّ هذا المقام؟ فقال الله تعالى : اقرأ ـ يا محمد ـ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) وصلاتي رحمة لك ولأمتك. فأما سماعك صوت عليّ ، فإن أخاك موسى بن عمران لما جاء جبل الطور ، وعاين ما عاين من عظيم الأمور أذهله ما رآه عما يلقى إليه ، فشغلته عن الهيبة بذكر أحب الأشياء إليه ، وهي العصا ، إذ قلت

__________________

(١) المدثر : ٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦١ ، ح ١.

١١١

له : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(١) ، ولما كان علي أحب الناس إليك ناديناك بلغته وكلامه ، ليسكن ما بقلبك من الرعب ، ولتفهم ما يلقى إليك».

وقال : (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى)(٢). بها ألف معجز ليس هذا موضعها (٣).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٤٨) [سورة الأحزاب : ٤٤ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) أي : يحيي بعضهم بعضا يوم يلقون ثواب الله ، بأن يقولوا السلامة لكم من جميع الآفات ، ولقاء الله سبحانه معناه لقاء ثوابه ، كما سبق القول فيه. وروي عن البراء بن عازب أنه قال : يوم يلقون ملك الموت ، لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. فعلى هذا يكون المعنى تحية المؤمنين من ملك الموت ، يوم يلقونه ، أن يسلم عليهم. وملك الموت مذكور في الملائكة. (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) أي : ثوابا جزيلا. ثم خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمتك فيما يفعلونه من طاعة أو معصية ، وإيمان أو كفر ، لتشهد لهم وعليهم يوم القيامة ، ونجازيهم بحسبه. (وَمُبَشِّراً) أي : ومبشرا لمن أطاعني وأطاعك بالجنة (وَنَذِيراً) لمن عصاني وعصاك بالنار. (وَداعِياً) أي : وبعثناك داعيا (إِلَى اللهِ) ، والإقرار بوحدانيته ، وامتثال أوامره

__________________

(١) طه : ١٧.

(٢) طه : ١٨.

(٣) تفسير البرهان : ج ٨ ، ص ٥٨.

١١٢

ونواهيه. (بِإِذْنِهِ) أي : بعلمه وأمره (وَسِراجاً مُنِيراً) يهتدى بك في الدين ، كما يهتدي بالسراج. والمنير : الذي يصدر النور من جهته ، إما بفعله ، وإما لأنه سبب له. فالقمر منير ، والسراج منير بهذا المعنى. والله منير السماوات والأرض. وقيل : عنى بالسراج المنير القرآن ، والتقدير : وبعثناك ذا سراج منير ، فحذف المضاف. (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) زيادة على ما يستحقونه من الثواب (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) هو مفسر في أول السورة في (دَعْ أَذاهُمْ) أي : وأعرض عن أذاهم ، فإني سأكفيك أمرهم إذا توكلت علي ، وعملت بطاعتي ، فإن جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة عبدي. وقيل : معناه كف عن أذاهن وقتالهم ، وذلك قبل أن يؤمر بالقتال. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : وأسند أمرك إلى الله ، ينصرك عليهم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي : كافيا ومتكفلا بما يسند إليه (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (٤٩) [سورة الأحزاب : ٤٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسي : ثم عاد سبحانه إلى ذكر النساء ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) أي : من قبل أن تدخلوا بهن. (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) أي ، تستوفونها بالعدد ، وتحصون عليها بالأقراء وبالأشهر ، أسقط الله سبحانه العدة عن المطلقة قبل المسيس ، لبراءة رحمها ، فإن شاءت تزوجت من يومها (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٦٩.

١١٣

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً).

قال : «متّعوهن : جمّلوهن (١) بما قدرتم عليه من معروف ، فإنهن يرجعن بكآبة وخشية وهم عظيم ، وشماتة من أعدائهنّ ، فإن الله كريم ، يستحيي ويحب أهل الحياء ، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائله» (٢).

* س ٢٠ : ما هو معنى ، وسبب نزول ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٥٢) [سورة الأحزاب : ٥٠ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال الحلبي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) قلت : كم أحلّ من النساء؟ قال : «ما شاء من شيء».

قلت : قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ

__________________

(١) في «ي ، ط» : حمّلوهن.

(٢) التهذيب : ج ٨ ، ص ١٤١ ، ح ٤٨٨.

١١٤

أَزْواجٍ) ، فقال : «لرسول الله عليه‌السلام أن ينكح ما شاء من بنات عمه ، وبنات عماته ، وبنات خاله ، وبنات خالاته ، وأزواجه اللاتي هاجرن معه ، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر ، وهي الهبة ، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا لغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ).

قلت : أرأيت قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) قال : «من آوى فقد نكح ، ومن أرجى فلم ينكح».

قلت : قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ)؟ قال : «إنما عنى به النساء اللاتي حرّم عليه في هذه الآية : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ)(١) ، ولو كان الأمر كما يقولون ، كان قد أحل لكم ما لم يحل له ، إن أحدكم يستبدل كلما أراد ، ولكن ليس الأمر كما يقولون ، إن الله عزوجل أحل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من النساء ، إلا ما حرّم عليه في هذه الآية التي في النساء» (٢).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ).

فقال : «أراكم وأنتم تزعمون أنه يحل لكم ما لم يحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! وقد أحل الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتزوج من النساء ما شاء ، إنما قال : لا يحل لك النساء من بعد الذي حرّم عليك قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ)(٣) إلى آخر الآية» (٤).

وفي رواية قال عليه‌السلام : «إنّما عنى به : لا يحل لك النساء التي حرم الله

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٨٧ ، ح ١.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٨٨ ، ح ٢.

١١٥

في هذه الآية : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ)(١) ، إلى آخرها ، ولو كان الأمر كما تقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له ، لأن أحدكم يستبدل كلما أراد ، ولكن الأمر ليس كما يقولون ، إن الله عزوجل أحل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينكح من النساء ما أراد ، إلا ما حرّم عليه في هذه الآية في سورة النساء» (٢).

وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : «تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهنّ ، وقبض عن تسع ، فأما اللتان لم يدخل بهما : فعمرة ، والشنباء ، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهنّ : فأوّلهنّ خديجة بنت خويلد ، ثم سودة بنت زمعة ، ثم أم سلمة ، واسمها : هند بنت أبي أميّة ، ثم أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر ، ثم حفصة بنت عمر ، ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين ، ثم زينب بنت جحش ، ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ، ثم ميمونة بنت الحارث ، ثم زينب بنت عميس ، ثم جويرية بنت الحارث ، ثم صفية بنت حيي بن أخطب ، والتي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خولة بنت حكيم السلمي ، وكانت له سريّتان (٣) يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة الخندفيّة.

والتسع اللاتي قبض عنهن : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، وأم حبيب بنت أبي سفيان ، وصفية بنت حيي بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة ، وأفضلهنّ : خديجة بنت خويلد ، ثم أم سلمة بنت أبي أميّة ، ثم جويرية بنت الحارث» (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٨٩ ، ح ٤.

(٣) السرية : الأمة التي أنزلتها بيتا. «أقرب الموارد ـ سرر ـ ج ١ ، ص ٥١١».

(٤) الخصال : ص ٤١٩ ، ح ١٣.

١١٦

وقال علي بن إبراهيم : أنه كان سبب نزولها : أن امرأة من الأنصار أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تهيّأت وتزينت ، فقالت : يا رسول الله ، هل لك فيّ حاجة ، فقد وهبت نفسي لك؟ فقالت لها عائشة : قبّحك الله ، ما أنهمك للرجال؟! فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مه ـ يا عائشة ـ فإنها رغبت في رسول الله إذ زهدت فيه». ثم قال : «رحمك الله ، ورحمكم يا معاشر الأنصار ، نصرني رجالكم ، ورغبت فيّ نساؤكم ، ارجعي ـ رحمك الله ـ فإني أنتظر أمر الله». فأنزل الله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ، فلا تحلّ الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٥٤) [سورة الأحزاب : ٥٣ ـ ٥٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج زينب بنت جحش ، فأولم ، وكانت وليمته الحيس (٢) ، وكان يدعو عشرة عشرة ، فكانوا إذا أصابوا طعام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استأنسوا إلى حديثه ، واستغنموا النظر إلى وجهه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتهي أن يخفّفوا عنه فيخلو له المنزل ، لأنه

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٥.

(٢) الحيس : هو الطعام المتخذ من التمر والدقيق والسمن. «النهاية : ج ١ ، ص ٤٦٧».

١١٧

حديث عهد بعرس ، وكان يكره أذى المؤمنين له ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) ، فلما نزلت هذه الآية ، كان الناس إذا أصابوا طعام نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال : فلبث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة أيام بلياليهنّ عند زينب بنت جحش ، ثم تحول إلى بيت أم سلمة بنت أبي أميّة ، وكانت ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فلما تعالى النهار انتهى علي عليه‌السلام إلى الباب ، فدقّه دقا خفيفا له ، عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دقّه ، وأنكرته أم سلمة. فقال لها : «يا أم سلمة ، قومي فافتحي له الباب» فقالت : يا رسول الله ، من هذا الذي يبلغ من خطره أن أقوم له فافتح له الباب ، وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول الله عزوجل : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، فمن هذا الذي بلغ من خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟

قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة المغضب : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ)(١) ، قومي فافتحي له الباب ، فإن بالباب رجلا ليس بالخرق (٢) ، ولا بالنزق (٣) ، ولا بالعجول في أمره ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، وليس بفاتح الباب حتى يتوارى عنه الوطء». فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب ، غير أنها قد حفظت النعت والمدح ، فمشت نحو الباب وهي تقول : بخ ، بخ لرجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله. ففتحت له الباب ، فأمسك بعضادتي الباب ، ولم يزل قائما حتى خفي عنه الوطء.

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) الخرق : الجهل والحمق. «لسان العرب ـ خرق ـ ص ١٠ ، ح ٧٥».

(٣) النزق : الخفة والطيش. «لسان العرب ـ نزق ـ ص ١٠ ، ح ٣٥٢».

١١٨

ودخلت أم سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل ، فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول الله : «يا أم سلمة ، أتعرفينه؟». قالت : نعم ، وهنيئا له ، هذا علي ابن أبي طالب (صلوات الله عليه). فقال : «صدقت ـ يا أم سلمة ـ هذا علي بن أبي طالب ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. يا أم سلمة ، اسمعي ، وأشهدي : هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وهو عيبة علمي ، وبابي الذي أوتى منه ، وهو الوصي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من أمتي ، وأخي في الدنيا والآخرة ، وهو معي في السّنام الأعلى. اشهدي ـ يا أم سلمة ـ واحفظي : أنه يقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين» (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : فإنه كان سبب نزولها : أنه لما أنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)(٢) وحرّم الله نساء النبيّ على المسلمين غضب طلحة ، فقال : يحرّم علينا نساءه ويتزوج هو نساءنا! لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخل نسائه كما ركض بين خلاخل نسائنا. فأنزل الله : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٣).

وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج امرأة من بني عامر بن صعصعة ، يقال لها شنباء ، وكانت من أجمل أهل زمانها ، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة ، قالتا : لتغلبنا هذه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجمالها ، فقالتا لها : لا يرى منك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرصا. فلما دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تناولها بيده ، فقالت : أعوذ بالله ؛

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٦٥ ، ح ٣.

(٢) الأحزاب : ٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٥.

١١٩

فانقبضت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، فطلّقها وألحقها بأهلها.

وتزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة من كندة ، بنت أبي الجون ، فلمّا مات إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن مارية القبطية ، قالت : لو كان نبيا ما مات ابنه. فألحقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهلها قبل أن يدخل بها ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولي الناس أبو بكر ، أتته العامرية والكندية وقد خطبتا ، فاجتمع أبو بكر وعمر ، فقالا لهما : اختارا إن شئتما الحجاب ، وإن شئتما الباه ـ أي الجماع ـ فاختارتا الباه ، فتزوّجتا ، فجذم أحد الرجلين ، وجنّ الآخر.

قال عمر بن أذينة : فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل ، فرويا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : «ما نهى الله عزوجل عن شيء إلا وقد عصي فيه ، حتى لقد نكحوا أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده». وذكر هاتين : العامرية ، والكندية.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لو سألتهم عن رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها ، أتحل لابنه؟ لقالوا : لا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم حرمة من آبائهم» (١).

وقال ابن طاوس في (طرائفه) : ومن طرائف ما شهدوا به على عثمان وطلحة ما ذكره السدي في تفسيره للقرآن ، في تفسير سورة الأحزاب ، في تفسير قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً).

قال السديّ : لما توفي أبو سلمة ، وخنيس بن حذافة ، وتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بامرأتيهما : أم سلمة ، وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات! والله لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسّهام. وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد أم سلمة ، فأنزل الله تعالى :

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٤٢١ ، ح ٣.

١٢٠