التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

تَسْلِيماً)(١) ، وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال : تقولون : اللهمّ صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم ـ معاشر الناس ـ في هذا خلاف؟» فقالوا : لا.

قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه أصلا ، وعليه إجماع الأمة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «نعم ، أخبروني عن قول الله عزوجل : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢) فمن عنى بقوله : (يس)؟ قال العلماء : (يس) : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يشكّ فيه أحد. قال أبو الحسن عليه‌السلام : «فإن الله عزوجل أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله ، وذلك أن الله عزوجل لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء (صلوات الله عليهم) ، فقال تبارك وتعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(٣) وقال : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ)(٤) ، وقال : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ)(٥) ، ولم يقل سلام على آل نوح ، ولا على آل موسى ، ولا على آل إبراهيم ، وقال عزوجل : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) يعني آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٦).

وقال علي عليه‌السلام : «يس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن آل يس» (٧).

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

(٢) يس : ١ ـ ٤.

(٣) الصافات : ٧٩.

(٤) الصافات : ١٠٩.

(٥) الصافات : ١٢٠.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٣٦ ، ح ١ ، تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٠٠ ، ح ١٨.

(٧) معاني الأخبار : ص ١٢٢ ، ح ١.

٢٨١

٢ ـ أقول : قوله تعالى : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). الإحسان هنا شمل معنى واسعا وهو العمل بكل السنن والأوامر ، ومن ثم الجهاد ضد كافة أشكال الشرك والانحراف والذنوب والفساد.

أما المرحلة القادمة فتطرح الإيمان كأمر أساسي يجب أن يتوفر في الأنبياء الذين استعرضتهم هذه السورة المباركة فتقول الآية هنا : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ). فالإيمان والعبودية لله هما مصدر الإحسان ، والإحسان يؤدي إلى انضمام المحسن لصفوف المخلصين الذين يشملهم سلام الله.

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٣٨) [سورة الصافات : ١٣٣ ـ ١٣٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم عطف سبحانه على ما تقدم خبر لوط فقال : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي : رسولا من جملة من أرسله الله إلى خلقه داعيا لهم إلى طاعته ، ومنتها لهم على وحدانيته : (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) إذ يتعلق بمحذوف ، وكأنه قيل : أذكر يا محمد إذ نجيناه أي : خلصناه ومن آمن به من قومه من عذاب الاستئصال : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) أي : في الباقين الذين أهلكوا. استثنى من جملة قومه امرأته ، فقال : (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي : أهلكناهم (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) هذا خطاب لمشركي العرب أي : تمرون في ذهابكم ومجيئكم إلى الشام على منازلهم وقراهم ، بالنهار وبالليل. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتعتبرون بهم ومن كثر مروره بموضع العبر ، كان ألوم ممن قل ذلك عنه. والمعنى : أفلا تتفكرون فيما نزل بهم لتجتنبوا ما كانوا يفعلونه من الكفر والضلال. والوجه

٢٨٢

في ذكر قصص الأنبياء وتكريرها التشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الخلال ، وصرف الخلق عما كان عليه الكفار من مساوىء الخصال ومقابح الأفعال (١).

وقال أبو الربيع الشاميّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : قوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟ قال : «تمرون عليهم في القرآن إذا قرأتم القرآن ، تقرأ ما قصّ الله عزوجل عليكم من خبرهم» (٢).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(١٤٨) [سورة الصافات : ١٣٩ ـ ١٤٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس ، وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك فهمّ أن يدعو عليهم ، وكان فيهم رجلان : عابد ، وعالم ، وكان اسم أحدهما مليخا ، واسم الآخر روبيل ، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ، ويقول : لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك ، ولا يحب هلاك عباده. فقبل قول العابد ، ولم يقبل من العالم ، فدعا عليهم ، فأوحى الله عزوجل إليه : يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا ، في شهر كذا وكذا ، وفي يوم كذا وكذا.

فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد ، وبقي العالم فيها ، فلما كان ذلك اليوم نزل العذاب ، فقال لهم العالم : يا قوم ، افزعوا إلى الله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٩ ، ح ٣٤٩.

٢٨٣

فلعله يرحمكم ، فيردّ العذاب عنكم. فقالوا : كيف نصنع؟ قال : اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة ، وفرّقوا بين النساء والأولاد ، وبين الإبل وأولادها ، وبين البقر وأولادها ، وبين الغنم وأولادها ، ثم ابكوا ، وادعوا. فذهبوا ، وفعلوا ذلك ، وضجّوا ، وبكوا ، فرحمهم‌الله ، وصرف عنهم العذاب ، وفرق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم.

فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله تعالى ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس. فقالوا له ، ولم يعرفوه : إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ، ونزل العذاب عليهم ، فاجتمعوا وبكوا ، ودعوا ، فرحمهم‌الله ، وصرف ذلك عنهم ، وفرّق العذاب على الجبال ، فهم إذن يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب يونس ، ومرّ على وجهه مغاضبا ـ كما حكى الله ـ حتى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة قد شحنت ، وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلما توسّطوا البحر ، بعث الله حوتا عظيما ، فحبس عليهم السفينة من قدّامها ، فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة ، فدار الحوت إليه وفتح فاه ، فخرج أهل السفينة ، فقالوا : فينا عاص ، فتساهموا ، فخرج سهم يونس ، وهو قول الله عزوجل : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) فأخرجوه ، فألقوه في البحر ، فالتقمه الحوت وهو مليم ، ومرّ به في الماء.

وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه‌السلام عن سجن طاف أقطار البحر بصاحبه ، فقال : يا يهودي ، أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه ، ودخل في بحر القلزم ، ثم خرج إلى بحر مصر ، ثم دخل في بحر طبرستان ، ثم دخل في دجلة العوراء (١) ، ثم مرت به

__________________

(١) في «ي ، ط» : دجلة الغور ، وفي طبعة أخرى : دجلة الغورا ، وهو تصحيف صحيحه ما أثبتناه ، ودجلة العوراء : اسم لدجلة البصرة ، علم لها. «مجمع البلدان : ج ٢ ، ص ٤٤٢».

٢٨٤

تحت الأرض حتى لحقت بقارون ، وكان قارون هلك في أيام موسى ، ووكّل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل ، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره ، فسمع قارون صوته ، فقال للملك الموكل به : أنظرني ، فإني أسمع كلام آدمي. فأوحى الله إلى الملك الموكّل به : أنظره ، فأنظره.

ثم قال قارون : من أنت؟ قال يونس : أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى. قال : فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال : هيهات ، هلك. قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال : هلك. قال : فما فعلت كلثم بنت عمران ، التي كانت سميت لي؟ قال : هيهات ، ما بقي من آل عمران أحد. قال قارون : وا أسفا على آل عمران. فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا ، فرفع عنه.

فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات : أن لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين. فاستجاب الله له ، وأمر الحوت أن يلفظه ، فلفظه على ساحل البحر ، وقد ذهب جلده ولحمه ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ـ وهي الدباء ـ فأظلته عن الشمس ، فشكر ، ثم أمر الله الشجرة فتنحّت عنه ، ووقعت الشمس عليه ، فجزع ، فأوحى الله إليه : يا يونس ، لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة! فقال : يا رب ، عفوك عفوك. فردّ الله عليه بدنه ، ورجع إلى قومه ، وآمنوا به ، وهو قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(١)» وقالوا : مكث يونس عليه‌السلام في بطن الحوت سبع ساعات (٢).

__________________

(١) يونس : ٩٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٧.

٢٨٥

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام ، ونادى في الظلمات الثلاث : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر : أن لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين. فاستجاب له ربه ، فأخرجه الحوت إلى الساحل ، ثم قذفه فألقاه بالساحل ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ـ وهو القرع ـ فكان يمصه ، ويستظل به وبورقه ، وكان تساقط شعره ، ورق جلده ، وكان يونس يسبح ويذكر الله في الليل والنهار. فلما أن قوي واشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع ، فذبلت القرعة ، ثم يبست ، فشق ذلك على يونس ، وظل حزينا ، فأوحى الله إليه : مالك حزينا ، يا يونس؟ قال : يا رب ، هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست. قال : يا يونس ، أحزنت لشجرة لم تزرعها ، ولم تسقها ، ولم تعي بها أن يبست حين استغنيت عنها ، ولم تحزن لأهل نينوى ، أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب! إن أهل نينوى قد آمنوا واتّقوا فارجع إليهم.

فانطلق يونس إلى قومه ، فلما دنا من نينوى استحى أن يدخل ، فقال لراع لقيه : ائت أهل نينوى ، فقل لهم : إن هذا يونس قد جاء. قال الراعي : أتكذب ، أما تستحي ، ويونس قد غرق في البحر وذهب؟! قال له يونس : اللهمّ إن هذه الشاة تشهد لك أني يونس. فنطقت الشاة له بأنه يونس ، فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم ، أخذوه وهموا بضربه ، فقال : إن لي بينة بما أقول. قالوا : من يشهد؟ قال : هذه الشاة تشهد ، فشهدت بأنه صادق ، وأن يونس قد رده الله إليهم. فخرجوا يطلبونه ، فوجدوه فجاءوا به وآمنوا ، وأحسنوا إيمانهم ، فمتّعهم الله إلى حين ، وهو الموت ، وأجارهم من ذلك العذاب» (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٩.

٢٨٦

وعلى أهل الأرض ، أقرّ بها من أقر ، وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقرّ بها» (١).

وقال أبو حمزة الثمالي : دخل عبد الله بن عمر على علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، وقال : يا بن الحسين ، أنت الذي تقول : إن يونس بن متى إنما لقي في الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها؟ قال : «بلى ، ثكلتك أمك». قال عبد الله بن عمر : فأرني برهان ذلك إن كنت من الصادقين.

قال : فأمر علي بن الحسين عليه‌السلام بشد عينيه بعصابة ، وعيني بعصابة ، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا ، فإذا نحن على شاطئ بحر تضرب أمواجه ، فقال ابن عمر : يا سيدي ، دمي في رقبتك ، الله الله في نفسي. فقال علي بن الحسين عليه‌السلام : «أردت البرهان؟». فقال عبد الله بن عمر : أرني إن كنت من الصادقين.

ثم قال علي بن الحسين : «يا أيتها الحوت». فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم ، وهو يقول : لبيك لبيك ، يا ولي الله. فقال : «من أنت؟» قال : أنا حوت يونس ، يا سيدي. قال : «حدثني بخبر يونس». قال : يا سيدي ، إن الله تعالى لم يبعث نبيا ـ من آدم إلى أن صار جدك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت ، فمن قبلها من الأنبياء ، سلم وتخلص ، ومن توقف عنها ، وتتعتع في حملها ، لقي ما لقي آدم من المعصية ، وما لقي نوح من الغرق ، وما لقي إبراهيم من النار ، وما لقي يوسف من الجب ، وما لقي أيوب من البلاء ، وما لقي داود من الخطيئة ، إلى أن بعث الله يونس ، فأوحى الله إليه : أن تول أمير المؤمنين عليا والأئمة الراشدين من صلبه ، في كلام له. قال

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ٩٥ ، ح ١.

٢٨٧

يونس : كيف أتولى من لم أره ولم أعرفه. وذهب مغاضبا. فأوحى الله تعالى إلي : «أن التقم يونس ولا توهن له عظما» فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ، ينادي : «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده». فلما آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر (١).

وقال علي بن إبراهيم القمي : ذكر يونس فقال : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ) يعني هرب (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ) أي ألقى السهام (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) أي من المغوصين (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) قال : الدبّاء (٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ

__________________

(١) المناقب : ج ٤ ، ص ١٣٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٧.

٢٨٨

فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٩) [سورة الصافات : ١٤٩ ـ ١٧٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ثم خاطب الله نبيه ، فقال : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) ، قال : قالت قريش : الملائكة هم بنات الله ؛ فرد الله عليهم ، فقال : (فَاسْتَفْتِهِمْ) الآية. إلى قوله : (سُلْطانٌ مُبِينٌ) ، أي حجّة قوية على ما يزعمون. وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) يعني أنهم قالوا : إن الجن بنات الله. فرد الله عليهم ، فقال : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) يعني في النار (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) فهم كفار قريش ، كانوا يقولون : قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبياءهم ، أما والله لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ، يقول : (فَكَفَرُوا بِهِ) حين جاءهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول الله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فقال جبرئيل : «يا محمد (إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ).

قوله : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) يعني : العذاب إذا نزل ببني أمية وأشياعهم في آخر الزمان. قوله : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ، فذلك إذا أتاهم العذاب أبصروا حين لا ينفعهم النظر ، وهذه في أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ، قال : «نزلت

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٧.

٢٨٩

في الأئمة والأوصياء ، من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وقال شهاب بن عبد ربه : سمعت الصادق أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «يا شهاب ، نحن شجرة النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ونحن عهد الله وذمته ، ونحن ودائع الله وحجته ، كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح الله ، فتسبح الملائكة بتسبيحنا ، إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبّحنا فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا ، وإنا لنحن الصافون ، وإنا لنحن المسبحون ، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله عزوجل وذمته ، ومن خفر ذمتنا فقد خفر ذمة الله عزوجل وعهده» (٢).

وقال علي عليه‌السلام في بعض خطبه : «إنا آل محمد كنا أنوارا حول العرش ، فأمرنا الله بالتسبيح فسبّحنا ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، ثم أهبطنا إلى الأرض فأمرنا الله بالتسبيح فسبّحنا ، فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا ، وإنا لنحن الصافّون ، وإنا لنحن المسبّحون» (٣).

قال : وروي مرفوعا إلى محمد بن زياد ، قال : سأل ابن مهران عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) عن تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) ، فقال ابن عباس : إنا كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، فلما رآه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسّم في وجهه ، وقال : «مرحبا بمن خلقه الله قبل آدم بأربعين ألف عام» ، فقلت : يا رسول الله ، أكان الابن قبل الأب؟ قال : «نعم ، إن الله تعالى خلقني ، وخلق عليا قبل أن يخلق آدم بهذه المدة ، خلق نورا ، فقسمه نصفين ، فخلقني من نصفه ، وخلق عليا من النصف الآخر قبل الأشياء كلها ، ثم خلق الأشياء ، فكانت مظلمة ، فنوّرها من نوري ونور علي ، ثم جعلنا عن يمين العرش ، ثم خلق الملائكة ، فسبحنا فسبحت

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٨.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٠١ ، ح ١٩.

٢٩٠

الملائكة ، وهللنا فهلّلت الملائكة ، وكبرنا فكبرت الملائكة ، فكان ذلك من تعليمي وتعليم علي ، وكان ذلك في علم الله السابق أن لا يدخل النار محب لي ولعلي ، ولا يدخل الجنة مبغض لي ولعلي.

ألا وإن الله عزوجل خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين (١) ، مملوءة من ماء الحياة من الفردوس ، فما من أحد من شيعة علي إلا وهو طاهر الوالدين ، تقيّ ، نقي ، مؤمن ، موقن بالله ، فإذا أراد أبو أحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق من ماء الجنة ، فيرح من ذلك الماء في آنيته التي يشرب منها ، فيشرب من ذلك الماء ، فينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع ، فهم على بيّنة من ربهم ، ومن نبيهم ، ومن وصيه علي ، ومن ابنتي الزهراء ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين».

فقلت : يا رسول الله ، ومن هم الأئمة؟ قال : «أحد عشر مني ، وأبوهم علي بن أبي طالب».

ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحمد لله الذي جعل محبة علي والإيمان سببين يعني : سببا لدخول الجنة ، وسببا للنجاة من النار» (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) : أي بمكانهم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ)(٣).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢) [سورة الصافات : ١٨٠ ـ ١٨٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال محمد بن عطية : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام من

__________________

(١) اللجين : الفضة. «النهاية : ج ٤ ، ص ٢٣٥».

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٠١ ، ح ٢٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٨.

٢٩١

أهل الشام ، من علمائهم ، فقال : يا أبا جعفر ، جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر. فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «ما ذاك؟» قال : إني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما قالوا شيئا ، أخبرك أن الله تعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزّه ، وذلك قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١).

٢ ـ أقول : في الآية الثانية شمل الباري عزوجل كافة أنبيائه بلطفه غير المحدود ، وقال : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ). السّلام الذي يوضح السلامة والعافية من كل أنواع العذاب والجزاء في يوم القيامة ، السّلام الذي هو صمام الأمان أمام الهزائم ودليل للانتصار على الأعداء.

ومما يذكر أن الله سبحانه وتعالى أرسل في آيات هذه السورة سلاما إلى كثير من أنبيائه ، وصورة منفصلة ، قال تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وقال : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) ، وفي الآية (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) ، وفي الآية (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ).

وقد جمعها هنا في سلام واحد موجه لكل المرسلين ، قال تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ). وأخيرا ختمت السورة بآية تحمد الله (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٤ ، ح ٦٧.

٢٩٢

تفسير

سورة ص

رقم السورة ـ ٢٨ ـ

٢٩٣
٢٩٤

سورة ص

* س ١ : ما هو فضل سورة (ص)؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ سورة (ص) في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحد من الناس إلا نبيّ مرسل ، أو ملك مقرب ، وأدخله الله الجنة ، وكل من أحب من أهل بيته ، حتى خادمه الذي يخدمه وإن لم يكن في حد عياله ، ولا في حد من يشفع فيه» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «من قرأ هذه السورة كان له من الأجر وزن كلّ جبل سخره الله لداود عشر مرات ، وعصمه الله أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير (٢). ومن كتبها وجعلها تحت قاض أو وال لم يقف الأمر في يده أكثر من ثلاثة أيام ، وظهرت عيوبه ، وعزل ، وانفض من حوله» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى وسبب قوله تعالى :

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٢٣.

(٣) خواص القرآن : ص ٤٨ «مخطوط».

٢٩٥

الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) (١٦) [سورة ص : ١ ـ ١٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) قال : هو قسم ، وجوابه : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) يعني في كفر (١).

وقال سفيان بن سعيد الثوريّ : قلت : لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : يا بن رسول الله ، ما معنى قول الله عزوجل : (ص)؟

قال : («ص) عين تنبع من تحت العرش ، وهي التي توضأ منها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عرج به ، ويدخلها جبرئيل عليه‌السلام كل يوم دخلة ، فينغمس (٢) فيها ، ثم يخرج منها فينفض أجنحته ، فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ، ويقدسه ، ويكبّره ، ويحمده إلى يوم القيامة» (٣).

وقال إسحاق بن عمار : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ وذكر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج ـ إلى أن قال : قلت : جعلت فداك ، وما (ص)

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٢٨.

(٢) في طبعة : فيغتمس.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

٢٩٦

الذي أمر أن يغتسل منه؟ قال : «عين تنفجر من ركن من أركان العرش ، يقال له ماء الحياة ، وهو ما قال الله عزوجل : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إنما أمره أن يتوضأ ، ويقرأ ، ويصلي» (١).

أما سبب نزول هذه الآيات :

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش ، فدخلوا على أبي طالب. فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا ، وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكفّ عن آلهتنا ، ونكفّ عن إلهه. قال : فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاه ، فلما دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ير في البيت إلا مشركا ، فقال : السّلام على من اتّبع الهدى. ثم جلس ، فخبره أبو طالب بما جاءوا له ، فقال : فهل لهم في كلمة خير لهم من هذا ، يسودون بها العرب ويطؤون أعناقهم؟ فقال أبو جهل : نعم ، وما هذه الكلمة؟ فقال : تقولون : لا إله إلا الله. قال : فوضعوا أصابعهم في آذانهم ، وخرجوا هرابا ، وهم يقولون : ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة ، إن هذا إلا اختلاق.

فأنزل الله تعالى في قولهم : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إلى قوله : (إِلَّا اخْتِلاقٌ)(٢).

٣ ـ وقال علي بن إبراهيم : قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي ليس هو وقت مفرّ ، وقوله : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ، قال : نزلت بمكة ، لما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، إن ابن أخيك قد سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، فإن كان الذي يحمله

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٣٤ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٧٤ ، ح ٥.

٢٩٧

على ذلك العدم ؛ جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ، ونملكه علينا.

فأخبر أبو طالب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فقال : «لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ما أردته ، ولكن يعطونني كلمة يملكون بها العرب ، ويدين لهم بها العجم ، ويكونون ملوكا في الآخرة». فقال لهم أبو طالب ذلك ، فقالوا : نعم ، وعشر كلمات. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأنّي رسول الله». فقالوا : ندع ثلاث مائة وستين إلها ، ونعبد إلها واحدا؟! فأنزل الله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) إلى قوله : (إِلَّا اخْتِلاقٌ) ، أي تخليط (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) إلى قوله : (مِنَ الْأَحْزابِ) يعني الذين تحزّبوا يوم الخندق. ثم ذكر هلاك الأمم الماضية ، وقد ذكرنا خبرهم في سورة هود ، وغيرها (١).

قال : قوله : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) أي لا يفيقون من العذاب ، وقوله : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) أي نصيبنا ، وصكنا من العذاب» (٢).

وقال علي عليه‌السلام : «نصيبهم من العذاب» (٣).

أقول : تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذبت رسلها ، وبينت المصير الأليم الذي كان بانتظارها.

__________________

(١) انظر تفسير الآيات (٣٦ ـ ٤٩) و (٥٠ ـ ٥٣) من سورة هود ، والإحالة المذكورة هي لعلي بن إبراهيم القمّي.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٨.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢٥ ، ح ١.

٢٩٨

إذ تقول ، إن أقوام نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد كانت قد كذبت قبلهم بآيات الله ورسله (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ).

كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة ـ أي قوم شعيب ـ كانت هي الأخرى قد كذبت رسلهم (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ).

ـ عبارة (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) مبتدأ وخبر ، و (أُولئِكَ) إشارة إلى الأقوام الستة المذكورة في الآيات من رقم (١٢) و (١٣) ، و (الْأَحْزابُ) إشارة إلى الأحزاب التي وردت في الآيتين برقم (١٠ ـ ١١) اللتين اعتبرتا مشركي مكة مجموعة صغيرة من تلك المجموعات.

نعم ، هذه هي ستة مجاميع من أحزاب الجهل وعبادة الأصنام ، التي عملت ضد أنبياء الله ، ورفضت قبول ما جاءوا به من عند الله.

فقوم نوح واجهوا هذا النبي العظيم.

وقوم عاد واجهوا نبي الله هود.

وفرعون وقف ضد موسى وهارون.

وقوم ثمود وقفوا بوجه صالح.

وقوم لوط وقفوا بوجه نبي الله لوط.

وأصحاب الأيكة واجهوا نبي الله شعيب.

إذ كذبوا وآذوا أنبياء الله والمؤمنين بقصارى جهودهم ، ولكن في نهاية الأمر نزل عليهم العذاب الإلهي وجعلهم كعصف مأكول.

فقوم نوح أبيدوا بالطوفان وسيول الأمطار.

وقوم عاد أبيدوا بالأعاصير الشديدة.

وفرعون وأتباعه أغرقوا في نهر النيل.

وقوم ثمود أهلكوا بالخسف المرافق بمطر غزير من الحجارة السماوية.

٢٩٩

وقوم شعيب أبيدوا بالصواعق القاتلة التي نزلت عليهم من السحب الكثيفة التي غطت سماء منطقة قوم شعيب.

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (٢٦) [سورة ص : ١٧ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله عزوجل نبيه ، فقال : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي دعاء (١)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، قال الله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ). فقال : «اليد في كلام العرب : القوّة والنعمة». وتلا الآية (٣).

__________________

(١) الدعاء : الكثير الدعاء. «أقرب الموارد ـ دعو ـ ج ١ ، ص ٣٣٧».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٩.

(٣) التوحيد : ص ١٥٣ ، ح ١.

٣٠٠