التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، كنا في سرادق العرش نسبح الله ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله آدم عليه‌السلام بألفي عام. فلما خلق الله عزوجل آدم عليه‌السلام ، أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يؤمروا بالسجود إلا لأجلنا ، فسجدت الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد. فقال الله تبارك وتعالى : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) قال : من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، بنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبّنا أحبه الله ، وأسكنه جنته ، ومن أبغضنا أبغضه الله ، وأسكنه ناره ، ولا يحبّنا إلا من طاب مولده» (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٧٨) [سورة ص : ٧٨ ـ ٧٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن إبليس قاس نفسه بآدم ، فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، فلو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم عليه‌السلام بالنار ، كان ذلك أكثر نورا وسنا من النار» (٢).

وقال عيسى بن عبد الله القرشي : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : «يا أبا حنيفة ، بلغني أنك تقيس»؟ قال : نعم. قال : «لا تقس ، فإن أول من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، فقاس ما بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنورية النار ، عرف فضل ما بين النّورين ، وصفاء أحدهما على الآخر» (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٠٨ ، ح ١١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٤٧ ، ح ١٨.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٧ ، ح ٢٠.

٣٢١

وقال إسحاق بن جرير : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أي شيء يقول أصحابك في قول إبليس : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). قلت : جعلت فداك ، قد قال ذلك ، وذكره الله في كتابه. فقال : «كذب إبليس (لعنه الله). يا إسحاق ، ما خلقه الله إلا من طين».

ثم قال : «قال الله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)(١) خلقه الله من تلك النار ، والنار من تلك الشجرة ، والشجرة أصلها من طين» (٢).

وقال عبد العظيم بن عبد الله الحسني : سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام يقول : «معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن ، مطرود من مواضع الخير ، لا يذكره مؤمن إلا لعنه ، وإن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم عليه‌السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن» (٣).

أقول : ثم أضاف البارىء عزوجل : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) وستخرج من رحمتي إلى الأبد.

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٨١) [سورة ص : ٧٩ ـ ٨١]؟!

الجواب / قال وهب بن جميع : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس وقوله : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أي يوم هو؟

__________________

(١) يس : ٨٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٤.

(٣) معاني الأخبار : ص ١٣٩ ، ح ١.

٣٢٢

قال : «يا وهب ، أتحسب أنه يوم يبعث الله الناس؟ لا ، ولكنّ الله عزوجل أنظره إلى يوم يبعث قائمنا ، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه ، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام في رواية أخرى : «يوم الوقت المعلوم ، يوم يذبحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده الشريفة على الصّخرة التي في بيت المقدس» (٢).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٨٥) [سورة ص : ٨٢ ـ ٨٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم قال لإبليس (لعنه الله) لما قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). فقال الله : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) أي إنك تفعل ذلك ، والحق أقول : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)(٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (٨٨) [سورة ص : ٨٦ ـ ٨٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والإنكار (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) يقول متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله ، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض : أما يكفي

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٠٩ ، ح ١٢.

(٢) تحفة الإخوان : ص ٧٧ ، «مخطوط».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٥.

٣٢٣

محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا! فقالوا : ما أنزل الله هذا ، وما هو إلا شيء يتقوله ، يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا ، ولئن قتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته ، ثم لا نعيدها فيهم أبدا ، وأراد الله عزوجل أن يعلم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أخفوا في صدورهم وأسروا به ، فقال في كتابه عزوجل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ)(١). يقول : لو شئت حبست عنك الوحي فلم تتكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودّتهم» (٢).

وقال ابن عباس في قوله تعالى (قُلْ) يا محمد (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي على ما أدعوكم إليه من مال تعطونيه (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) يريد ما أتكلّف هذا من عندي (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) يريد موعظة (لِلْعالَمِينَ) يريد الخلق أجمعين (وَلَتَعْلَمُنَ) يا معشر المشركين (نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) يريد عند الموت ، وبعد الموت يوم القيامة (٣). وقيل : «عند خروج القائم عليه‌السلام» (٤) وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) قال : «أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٥).

__________________

(١) الشورى : ٢٤.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٩ ، ح ٥٧٤.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٤٥.

(٤) المناقب : ج ٣ ، ص ٩٧.

(٥) الكافي : ج ٨ ، ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.

٣٢٤

تفسير

سورة الزمر

رقم السورة ـ ٣٩ ـ

٣٢٥
٣٢٦

سورة الزمر

* س ١ : ما هو فضل سورة الزّمر؟!

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الزمر استخفاء من لسانه ، أعطاه الله شرف الدنيا والآخرة ، وأعزّه بلا مال ولا عشيرة حتى يهابه من يراه ، وحرّم جسده على النّار ، وبنى له في الجنّة ألف مدينة ، في كلّ مدينة ألف قصر ، في كلّ قصر مائة حوراء ، وله مع هذا عينان تجريان ، وعينان نضّاختان وجنتان مدهامتان ، وحور مقصورات في الخيام ، وذواتا أفنان ، ومن كل فاكهة زوجان» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة لم يبق نبي ولا صديق إلا صلوا واستغفروا له ، ومن كتبها وعلقها عليه ، أو تركها في فراشه ، كل من دخل عليه أو خرج ، أثنى عليه بخير وشكره ، ولا يزالون على شكره مقيمين أبدا تعطّفا من الله عزوجل» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٢.

(٢) البرهان : ج ٨ ، ص ٣٤٣.

٣٢٧

هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) (٣) [سورة الزمر : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله نبيه ، فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وهذا مما ذكرنا أنّ لفظه خبر ومعناه حكاية ، وذلك أن قريشا قالت : إنما نعبد الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنا لا نقدر أن نعبد الله حقّ عبادته. فحكى الله قولهم على لفظ الخبر ، ومعناه حكاية عنهم. فقال الله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)(١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكل شيء يعبد من دونه ، من شمس أو قمر أو غير ذلك ، ثم يسأل كل إنسان عمّا كان يعبد ، فيقول كل من عد غيره : ربّنا إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفى. قال : فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة : اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار ، ما خلا من استثنيت ، فإن أولئك عنها مبعدون» (٢).

وقال الزهري : أتى رجل أبا عبد الله عليه‌السلام فسأله عن شيء فلم يجبه ، فقال له الرجل : فإن كنت ابن أبيك فإنّك من أبناء عبدة الأصنام. فقال له : «كذبت إن الله أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكة ففعل ، فقال إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(٣) ، فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما قط ، ولكن العرب عبدت الأصنام ، وقالت بنو إسماعيل : هؤلاء شفعاؤنا عند الله فكفرت ، ولم تعبد الأصنام» (٤).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٤٥.

(٢) قرب الإسناد : ص ٤١.

(٣) إبراهيم : ٣٥.

(٤) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٣٠ ، ح ٣١.

٣٢٨

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٦) [سورة الزمر : ٤ ـ ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم رد الله تعالى على الذين : (قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً)(١) ، فقال الله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) إلى قوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) يعني يغطي ذا على ذا ، وذا على ذا. ثم خاطب الله تعالى الخلق فقال : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) يعني آدم وزوجته حواء (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) يعني خلق لكم (مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ)(٢) وهي التي فسّرناها في سورة الأنعام (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صنع نوح عليه‌السلام السفينة في مائة سنة ، ثم أمره أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين ، الأزواج الثمانية الحلال التي خرج بها آدم عليه‌السلام من الجنّة ليكون معيشة لعقب نوح عليه‌السلام في الأرض كما عاش عقب آدم ، فإنّ الأرض تغرق وما فيها إلا ما كان معه في السفينة ، قال :

__________________

(١) مريم : ٨٨ ، الأنبياء : ٢٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٣) تقدم تفسيرها في الآيتين (١٤٣ و ١٤٤) من سورة الأنعام.

٣٢٩

فحمل نوح عليه‌السلام في السفينة من الأزواج الثمانية التي قال الله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ، مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ)(١) ، (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)(٢) ، فكان زوجين من الضأن : زوج يربيها الناس ويقومون بأمرها ، وزوج من الضأن التي تكون في الجبال الوحشية ، أحلّ لهم صيدها ، ومن المعز اثنين يكون زوج يربيه الناس ، وزوج من الظباء ، سمي الزوج الثاني ، ومن البقر اثنين : زوج يربّيه الناس ، وزوج هو البقر الوحشي ، ومن الإبل زوجين : وهي البخاتي والعراب ، وكلّ طير وحشي أو إنسي ، ثم غرقت الأرض» (٣).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، مما تأويله غير تنزيله ، قال : «وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ، وقال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)(٤) ، فإنزال ذلك خلقه» (٥).

وقال علي بن إبراهيم : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ، قال : الظلمات الثلاث : البطن والرحم والمشيمة (٦).

وقال الطبرسي : عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة» (٧).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ

__________________

(١) الأنعام : ١٤٣.

(٢) الأنعام : ١٤٤.

(٣) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٤٧ ، ح ٢٦.

(٤) الحديد : ٢٥.

(٥) الاحتجاج : ٢٥٠.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٧) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٦٦.

٣٣٠

تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧) [سورة الزمر : ٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) فهذا كفر النعم (١).

وقال أحمد بن محمد بن خالد البرقي : عن بعض أصحابنا ، رفعه ، في قول الله تبارك وتعالى : (الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢) ، قال : «الشكر : المعرفة». وفي قوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) ، فقال : «الكفر هاهنا : الخلاف ، والشكر : الولاية والمعرفة» (٣).

٢ ـ قال الصادق عليه‌السلام ـ في حديث يصف به شرائع الدين ـ : «إنّ الله لا يكلّف نفسا إلا وسعها ، ولا يكلفها فوق طاقتها ، وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، والله خالق كل شيء ، ولا نقول بالجبر ولا بالتفويض ، ولا يأخذ الله عزوجل البري ، بالسّقيم ، ولا يعذب الله عزوجل الأبناء بذنوب الآباء فإنه قال في محكم كتابه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقال عزوجل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(٤). ولله عزوجل أن يعفو وأن يتفضل ، وليس له تعالى أن يظلم ، ولا يفرض الله تعالى على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ، ولا يختار لرسالته ، ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ، ولا يتخذ على عباده إلا معصوما» (٥).

٣ ـ أقول : قوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : تشير الآية إلى قضية المعاد. ولكون مسألة الحساب والعقاب لا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) المحاسن : ص ١٤٩ ، ح ٦٥.

(٤) النجم : ٣٩.

(٥) التوحيد : ص ٤٠٦ ، ح ٥ ، الخصال : ص ٦٠٣ ، ح ٩.

٣٣١

يمكن أن تتمّ ما لم يكن هناك إطلاع وعلم كاملين بالأسرار الخفية للإنسان ، تختتم الآية بالقول : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). بهذا الشكل ، ومن خلال جمل قصار ، استعرضت فلسفة التكليف وخصوصياته مسئولية الإنسان ومسألة العقاب والجزاء والثواب. وهذه الآية جواب قاطع لمن يتولى المذهب الجبري ، الذي انتشر ـ مما يؤسف له ـ في صفوف بعض الطوائف الإسلامية ، لأن الآيات الكريمة تقول وبصراحة : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ). ومن البديهي من لا يرتضي شيئا لا يأتي به ، وإرادة الله غير منفصلة عن رضاه.

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩) [سورة الزمر : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال عمّار الساباطي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ).

قال : «نزلت في أبي الفصيل. إنه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده ساحرا ، فكان إذا مسه الضر ، يعني السقم (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) يعني تائبا إليه ، من قوله في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) يعني العافية (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) يعني نسي التوبة إلى الله عزوجل مما كان يقول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه ساحر ، ولذلك قال الله عزوجل : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) يعني إمرتك على الناس بغير حق من الله عزوجل ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٣٢

قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ثم عطف القول من الله عزوجل في علي عليه‌السلام ، يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) قال : ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذا تأوله ، يا عمار» (١).

وقال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) قال : «يعني صلاة الليل». قال : قلت له : (وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى)(٢)؟ قال : «يعني تطوع بالنهار» قال : قلت له : (وَإِدْبارَ النُّجُومِ)(٣)؟ قال : «ركعتان قبل الصبح». قلت : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ)(٤)؟ قال : «ركعتان بعد المغرب» (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنما نحن الذين يعلمون ، والذين لا يعلمون عدونا ، وشيعتنا أولو الألباب» (٦).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، ولا بعث الله نبيّا ولا رسولا حتى يستكمل العقل ، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمّته ، وما يضمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ،

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٠٤ ، ح ٢٤٦.

(٢) طه : ١٣٠.

(٣) الطور : ٤٩.

(٤) سورة ق : ٤٠.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٤٤ ، ح ١١.

(٦) الكافي : ج ١ ، ص ١٦٥ ، ح ١.

٣٣٣

وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، والعقلاء هم أولو الألباب الذين قال الله تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(١).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي شركاء ، قال : قوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) ، قال : نزلت في أبي فلان ، ثم قال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ) يا محمد (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) يعني أولي العقول (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠) [سورة الزمر : ١٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة ، يقوم عنق (٣) من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه ، فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل الصبر ، فيقال لهم : على ما صبرتم؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعة الله ، ونصبر عن المعاصي ، فيقول الله عزوجل : صدقوا أدخلوهم الجنة ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٤).

وقال الشيخ في (أماليه) : بإسناد تقدّم في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٠ و ١١ ، والآية سورة البقرة : ٢٦٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٣) العنق : الجماعة من الناس. «المعجم الوسيط : ج ٢ ، ص ٦٣٢».

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٦٠ / ٤.

٣٣٤

الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) من سورة يونس (١) ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في كتابه إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر ، قال عليه‌السلام : «قد قال الله تعالى : (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نشرت الدواوين ، ونصبت الموازين ، لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣).

* س ٧ : ما هو معنى الدنيا ، وكم إقليم هي؟

الجواب / أتى يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أسألك عن أشياء ، إن أنت أخبرتني بها أسلمت ، قال علي عليه‌السلام : «سلني يا يهودي عما بدا لك ، فإنك لا تصيب أحدا أعلم منا أهل البيت» وذكر مسائل اليهودي إلى أن قال اليهوديّ : ولم سميت الدنيا دنيا ، قال علي عليه‌السلام : «وإنما سمّيت الدنيا دنيا لأنها أدنى من كل شيء ، وسمّيت الآخرة آخرة لأن فيها الثواب والجزاء» (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : «الدنيا سبعة أقاليم : يأجوج ، ومأجوج ، والرّوم ، والصين ، والزنج ، وقوم موسى ، وأقاليم بابل» (٥).

__________________

(١) تقدم في الحديث من تفسير الآية (٢٦) من سورة يونس.

(٢) أمالي الطوسي : ج ١ ، ص ٢٥.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٦٧.

(٤) علل الشرائع : ج ١ ، ص ١.

(٥) الخصال : ص ٣٥٧ ، ح ٤٠.

٣٣٥

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (١٤) [سورة الزمر : ١١ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي موحدا له ، لا أعبد معه سواه. والعبادة الخالصة هي التي لا يشوبها شيء من المعاصي (وَأُمِرْتُ) أيضا (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) فيكون لي فضل السبق وثوابه. (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : عذاب يوم القيامة. (قُلِ) لهم (اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وطاعتي (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦) [سورة الزمر : ١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، يقول : «غبنوا أنفسهم (وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) يعني تظلل عليهم النار من فوقهم ومن تحتهم (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

٣٣٦

٢ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) : أقول : الآية مؤكدة وواعظة إياهم.

وإضافة كلمة «العباد» إلى لفظ الجلالة في هذه الآية ، ولعدّة مرات إشارة إلى أن تهديد البارىء عزوجل لعباده بالعذاب إنما هو لطف ورحمة منه ، وذلك كي لا يبتلى عباده بمثل هذا المصير المشؤوم ، ومن هنا يتضح أنّه لا حاجة لتفسير كلمة «العباد» هنا على أنها تخص المؤمنين ، فهي تشمل الجميع ، كي لا يأمن أحد من العذاب الإلهي.

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨) [سورة الزمر : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال أبو عبيدة الحذاء ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الاستطاعة وقول الناس؟ فقال وتلا هذه الآية (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)(١) : «يا أبا عبيدة ، الناس مختلفون في إصابة القول ، وكلهم هالك». قال : قلت قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)؟ قال : «هم شيعتنا ، ولرحمته خلقهم ، وهو قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول : لطاعة الإمام الرحمة التي يقول : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) يقول : علم الإمام ، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شيء ، هم شيعتنا.

ثم قال : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(٢) يعني ولاية غير الإمام [وطاعته] ، ثمّ قال : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) يعني

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٧٠.

(٢) الأعراف : ١٥٦.

٣٣٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والوصيّ ، والقائم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) إذا قام (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) والمنكر : من أنكر فضل الإمام ، وجحده (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أخذ العلم من أهله (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [والخبائث] قول من خالف (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) والأغلال : ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام ، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم إصرهم. والإصر : الذنب ، وهي الآصار.

ثم نسبهم فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) يعني بالإمام (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) يعني الذين اجتنبوا [الجبت و] الطاغوت أن يعبدوها ، والجبت والطاغوت : فلان وفلان وفلان ، والعبادة : طاعة الناس لهم ، ثم قال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)(٢) ثم جزاهم ، فقال : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)(٣) ، والإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره ، وبقتل أعدائهم ، وبالنجاة في الآخرة ، والورود على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصادقين على الحوض» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كل راية ترفع قبل قيام القائم عليه‌السلام فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزوجل» (٥).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) إلى آخر الآية ، قال : «هم المسلّمون

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) الزمر : ٥٤.

(٣) يونس : ٦٤.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ٨٣.

(٥) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٩٥ ، ح ٤٥٢.

٣٣٨

لآل محمد ، الذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ، ولم ينقصوا منه ، وجاءوا به كما سمعوه» (١) وفي رواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أنتم هم» (٢).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه‌السلام ، في رسالته إلى أهل الأهواز ، قال : «وليس كل آية مشتبهة في القرآن ، كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها ، وهي قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ)(٣) الآية ، وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩) [سورة الزمر : ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) اختلف في تقديره فقيل معناه : أفمن وجب عليه وعيد الله بالعقاب ، أفأنت تخلصه من النار؟ فاكتفى بذكر من في النار عن الضمير العائد إلى المبتدأ. وقيل : تقديره أفأنت تنقذ من في النار منهم؟ وأتى بالاستفها م مرتين توكيدا للتنبيه على المعنى. وقال ابن الأنباري : الوقف على قوله (كَلِمَةُ الْعَذابِ) ، والتقدير : كمن وجبت له الجنة. ثم يبتدىء (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) وأراد بكلمة العذاب قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ). وإنما

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢٢ ، ح ٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٧٠.

(٣) آل عمران : ٧.

(٤) الاحتجاج : ص ٤٥٣.

٣٣٩

قال ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحرصه على إسلام المشركين ، والمعنى : إنك لا تقدر على إدخال الإسلام في قلوبهم شاءوا أم أبوا ، فلا عليك إذا لم يؤمنوا ، «فإنما أتوا ذلك من قبل نفوسهم». وهذا كقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب ، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه» (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠) [سورة الزمر : ٢٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «سأل علي عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تفسير هذه الآية ، فقال : بماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله؟

فقال : يا علي تلك غرف بناها الله لأوليائه بالدّرّ والياقوت والزبرجد ، سقوفها الذهب ، محبوكة بالفضة ، لكلّ غرفة منها ألف باب من ذهب ، على كل باب منها ملك موكل به ، وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة ، وحشوها المسك والعنبر والكافور ، وذلك قول الله تعالى : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ)(٣) ، فإذا دخل المؤمن إلى منازله في الجنّة ، وضع على رأسه تاج الملك والكرامة ، وألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوما في الإكليل تحت التاج ، وألبس سبعين حلة بألوان مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر ، وذلك قوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ)(٤) ، فإذا جلس المؤمن على

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٩٢.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧ ، ح ١.

(٣) الواقة : ص ٣٤.

(٤) الحج : ٢٣ ، فاطر : ٣٣.

٣٤٠