التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٦) [سورة السجدة : ٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : «الغيب ما لم يكن ، والشهادة ما قد كان» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) [سورة السجدة : ٧ ـ ٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) ، قال : هو آدم عليه‌السلام (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أي ولده (مِنْ سُلالَةٍ) ، وهي الصفوة من الطعام والشراب (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) قال : النّطفة : المني (ثُمَّ سَوَّاهُ) أي استحاله من نطفة إلى علقة ، ومن علقة إلى مضغة ، حتى نفخ فيه الروح (٢).

وقال الطبرسي : ثم قال سبحانه مخاطبا لذريته : (وَجَعَلَ لَكُمُ) أيها الخلق (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) لتسمعوا المسموعات ، وتبصروا المبصرات (وَالْأَفْئِدَةَ) أي : وجعل لكم القلوب لتعقلوا بها (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي : تشكرون نعم الله قليلا من كثير. وما : مزيدة. ويجوز أن يكون (ما) مصدرية ، فيكون تقديره : قليلا شكركم لهذه النعم (٣).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٠٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٨.

٤١

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (١٠) [سورة السجدة : ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَقالُوا) يعني منكري البعث (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي : غبنا في الأرض ، وصرنا ترابا ، وكل شيء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه ، فقد ضل. وقيل : إن معنى ضللنا هلكنا. (إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : نبعث ونحيي ، فهو استفهام معناه الإنكار ، والمعنى : كيف نخلق خلقا جديدا ، ونعاد بعد أن هلكنا ، وتفرقت أجسامنا. ثم قال سبحانه : (بَلْ هُمْ) أي : هؤلاء الكفار (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) أي : ما وعد ربهم به من الثواب والعقاب (كافِرُونَ) أي : جاحدون ، فلهذا قالوا هذا القول (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١١) [سورة السجدة : ١١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا أسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح من نور ، لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه ، كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك الموت ، مشغول في قبض الأرواح. فقلت : أدنني منه ـ يا جبرئيل ـ لأكلّمه. فأدناني منه ، فقلت له : يا ملك الموت ، أكل من مات ، أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه؟ قال : نعم. قلت : وتحضرهم بنفسك؟

قال : نعم ، فما الدنيا كلها عندي ، فيما سخّرها الله لي ومكنني منها ، إلا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٠٢.

٤٢

كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء ، وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس مرات ، وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم : لا تبكوا عليه ، فإن لي إليكم عودة وعودة ، حتى لا يبقى منكم أحد.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفي بالموت طامّة ، يا جبرائيل ، فقال جبرائيل : ما بعد الموت أطمّ وأعظم من الموت» (١).

وفي بستان الواعظين : وفي بعض الأخبار : أن الدنيا كلها بين يدي ملك الموت كالمائدة بين يدي الرجل ، يمد يده إلى ما شاء منها فيتناوله ويأكل ، والدنيا ، مشرقها ومغربها ، برها وبحرها ، وكل ناحية منها ، أقرب إلى ملك الموت من الرجل إلى المائدة ، وأن معه أعوانا ، والله أعلم بعدتهم ، ليس منهم ملك إلا لو أذن له أن يلتقم السبع سماوات ، والأرضين السبع في لقمة واحدة لفعل ، وأن غصة من غصص الموت أشد من ألف ضربة بالسيف ، وكل ما خلق الله عزوجل يتركه إلى الأجل ، فإنه مؤقت لوفاء العدة وانقضاء المدة.

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٤) [سورة السجدة : ١٢ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) في الدنيا ولم نعمل به (فَارْجِعْنا)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٨.

٤٣

إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) ، قال : لو شئنا أن نجعلهم كلهم معصومين لقدرنا. قال : قوله : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ) أي تركناكم (١).

وقال الشيخ الطبرسي : قوله (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الذي لا فناء له (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الكفر والمعاصي (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(١٥) [سورة السجدة : ١٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين فقال : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) أي : يصدق بالقرآن ، وسائر حججنا (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) تذكروا واتعظوا بمواعظها بأن (خَرُّوا سُجَّداً) أي : ساجدين شكرا لله سبحانه على أن هداهم بمعرفته ، وأنعم عليهم بفنون نعمته (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي : نزهوه عما لا يليق به من الصفات ، وعظموه وحمدوه (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته ، ولا يستنكفون من طاعته ، ولا يأنفون أن يعفروا وجوههم ، صاغرين له (٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧) [سورة السجدة : ١٦ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٠٥.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٠٥.

٤٤

يا رسول الله ، أخبرني عن الإسلام : أصله ، وفرعه ، وذروته ، وسنامه. فقال : أصله الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله تعالى.

قال : يا رسول الله ، أخبرني عن أبواب الخير. قال : الصيام جنة (١) ، والصدقة تذهب الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل يناجي ربه». ثمّ قال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي عبيدة الحدّاء في قول الله عزوجل : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) : «لعلك ترى أن القوم لم يكونوا ينامون؟» فقلت : الله ورسوله أعلم.

فقال : «لا بدّ لهذا البدن أن تريحه حتى يخرج نفسه ، فإذا خرج نفسه استراح البدن ، ورجعت الروح فيه ، وفيه قوة على العمل ، فإنما ذكرهم الله تعالى ، فقال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأتباعه من شيعتنا ، ينامون أول الليل ، فإذا ذهب ثلث الليل ، أو ما شاء الله ، فزعوا إلى ربهم راهبين راغبين طامعين فيما عنده ، فذكرهم الله عزوجل في كتابه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بما أعطاهم ، وأنه أسكنهم في جواره ، وأدخلهم جنّته ، وأمن خوفهم وسكن روعتهم».

قلت : جعلت فداك إذا أنا قمت آخر الليل ، أي شيء أقول إذا قمت؟ قال : «قل : الحمد لله ربّ العالمين ، وإله المرسلين ، الحمد لله الذي يحيي الموتى ، ويبعث من في القبور ، فإنك إذا قلتها ذهب عنك رجس الشيطان ووساوسه إن شاء الله تعالى» (٣).

__________________

(١) الجنة : الوقاية «النهاية : ج ١ ، ص ٣٠٨».

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٢٤٢ ، ح ٩٥٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٣٠٥ ، ح ١٣٩٤.

٤٥

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن ، إلا صلاة الليل ، فإن الله لم يبين ثوابها لعظم خطرها عنده ، فقال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) إلى قوله (يَعْمَلُونَ).

ثم قال : «إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة ، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلتان ، فينتهي إلى باب الجنة ، فيقول : استأذنوا لي على فلان. فيقال له : هذا رسول ربك على الباب. فيقول لأزواجه : أيّ شيء ترين عليّ أحسن؟ فيقلن : يا سيدنا ، والذي أباحك الجنة ، ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا ، قد بعث إليك ربك ، فيتّزر بواحدة ، ويتعطف (١) بالأخرى ، فلا يمرّ بشيء إلا أضاء له ، حتى ينتهي إلى الموعد ، فإذا اجتمعوا تجلى له الرب تبارك وتعالى ، فإذا نظروا إليه ، أي إلى رحمته ، خرّوا سجدا ، فيقول : عبادي ، ارفعوا رؤوسكم ، ليس هذا يوم سجود ولا عبادة ، قد رفعت عنكم المؤونة (٢). فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل مما أعطيتنا! أعطيتنا الجنة فيقول : لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا. فيرى المؤمن في كل جمعة سبعين ضعفا مثل ما في يديه ، وهو قوله : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ)(٣) وهو يوم الجمعة ، إنها ليلة عزاء ويوم أزهر ، فأكثروا فيها من التسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والثناء على الله ، والصلاة على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قال : «فيمرّ المؤمن فلا يمر بشيء إلا أضاء له ، حتى ينتهي إلى أزواجه ، فيقلن : والذي أباحك الجنة ـ يا سيدنا ـ ما رأيناك أحسن منك الساعة.

__________________

(١) تعطف بالرداء : ارتدى ، وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل. «لسان العرب ـ عطف ـ ج ٩ ، ص ٢٥١».

(٢) المؤونة : التعب والشدة. «الصحاح ـ مأن ـ ج ٦ ، ص ٢١٩٨».

(٣) سورة ق : ٣٥.

٤٦

فيقول : إني قد نظرت إلى نور ربي». ثم قال : «إن أزواجه لا يغرن ، ولا يحضن ، ولا يصلفن» (١).

قال : قلت : جعلت فداك ، إني أردت أن أسألك عن شيء أستحي منه ، قال : «سل».

قلت : جعلت فداك ، هل في الجنة غناء؟

قال : «إن في الجنة شجرة ، يأمر الله رياحها فتهب ، فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها حسنا». ثم قال : «هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من مخافة الله».

قال : قلت : جعلت فداك ، زدني.

فقال : «إن الله خلق الجنة بيده ، ولم ترها عين ، ولم يطلع عليها مخلوق ، يفتحها الربّ كل صباح ، فيقول لها : ازدادي ريحا ، ازدادي طيبا ، وهو قول الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢).

وعن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلي : يا علي ، إني لما أسري بي ، رأيت في الجنة نهرا أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأشد استقامة من السهم ، فيه أباريق عدد النجوم ، على شاطئه قباب الياقوت الأحمر والدر الأبيض ، فضرب جبرئيل عليه‌السلام بجناحيه إلى جانبه فإذا هو مسكة ذفرة.

ثم قال : والذي نفس محمد بيده ، إن في الجنة لشجرا يتصفّق بالتسبيح ، بصوت لم يسمع الأولون والآخرون مثله يثمر ثمرا كالرمان ، تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة ، والمؤمنون على كراسي من نور ، وهم الغر

__________________

(١) صلفت المرأة : إذا لم تحظ عند زوجها ، وأبغضها. «الصحاح ـ صلف ـ ج ٤ ، ص ١٣٨٧».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٨.

٤٧

المحجّلون ، أنت إمامهم يوم القيامة ، على الرجل منهم نعلان شراكهما من نور ، يضيء أمامهم حيث شاءوا من الجنّة ، فبيناهم كذلك إذ أشرفت عليه امرأة من فوقه ، تقول : سبحان الله ـ يا عبد الله ـ أما لنا منك دولة؟ فيقول : من أنت؟ فتقول : أنا من اللواتي قال الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). ثم قال : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليجيئه كل يوم سبعون ألف ملك يسمونه باسمه واسم أبيه» (١).

وفي كتاب (الجنّة والنار) : بالإسناد عن الصادق عليه‌السلام ـ في حديث يذكر فيه أهل الجنّة ـ قال عليه‌السلام : «وإنه لتشرف على وليّ الله المرأة ، ليست من نسائه ، من السجف (٢) ، فتملأ قصوره ومنازله ضوءا ونورا ، فيظن ولي الله أن ربه أشرف عليه ، أو ملك من الملائكة ، فيرفع رأسه فإذا هو بزوجة قد كادت يذهب نورها نور عينيه ـ قال ـ فتناديه : قد آن لنا أن تكون لنا منك دولة ـ قال ـ فيقول لها : ومن أنت؟ ـ قال ـ فتقول : أنا ممن ذكر الله في القرآن (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ)(٣) ، فيجامعها في قوّة مائة شابّ ، ويعانقها سبعين سنة من أعمار الأولين ، وما يدري أينظر إلى وجهها ، أم إلى خلفها ، أم إلى ساقها ، فما من شيء ينظر إليه منها إلا ويرى وجهه من ذلك المكان من شدة نورها وصفائها ، ثم تشرف عليه أخرى أحسن وجها ، وأطيب ريحا من الأولى ، فتناديه : قد آن لنا أن تكون لنا منك دولة ـ قال ـ فيقول لها : ومن أنت؟ فتقول : أنا ممن ذكر الله في القرآن : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٤).

__________________

(١) المحاسن : ص ١٨٠ ، ح ١٧٢.

(٢) السجف والسجف : الستر. «الصحاح ـ سجف ـ ج ٤ ، ص ١٣٧١».

(٣) سورة ق : ٣٥.

(٤) الاختصاص : ص ٣٥٢.

٤٨

وقال الشيخ في (أماليه) : بإسناده : قال الصادق عليه‌السلام ، في قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً) ، قال : «كانوا لا ينامون حتّى يصلّوا العتمة» (١). وقال الصادق عليه‌السلام : أي ترتفع جنوبهم عن مواضع اضطجاعهم لصلاة الليل ، وهم المتهجدون بالليل ، الذين يقومون عن فرشهم للصلاة (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٠) [سورة السجدة : ١٨ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال أبو ذر (رضي الله عنه) ، في حديث احتجاج علي عليه‌السلام على أهل الشورى يذكر فضائله ، وما جاء فيه على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم يسلّمون له ما ذكره ، وأنه مختص بالفضائل دونهم ، إلى أن قال علي عليه‌السلام : «فهل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) إلى آخر ما اقتص الله تعالى من خبر المؤمنين ، غيري؟» قالوا : اللهم لا (٣).

وقال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ، قال : «وذلك أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط تشاجرا ، فقال الفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط : أنا ـ والله ـ أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ،

__________________

(١) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٠٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥١٧.

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ١٥٩.

٤٩

وأمثل منك جشوا في الكتيبة. قال علي عليه‌السلام : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فأنزل الله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)(١).

وقال أيضا علي بن إبراهيم ، في قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) ، قال : إن جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما ، فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنم ، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد ، فهذه حالهم (٢).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢١) [سورة السجدة : ٢١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) قال : عذاب الرجعة بالسيف ، ومعنى قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني فإنهم يرجعون في الرّجعة حتى يعذبوا (٣).

وقال جابر بن يزيد : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة ، إنه من قتل نشر حتى يموت ، ومن مات نشر حتى يقتل».

ثم تلوت على أبي جعفر عليه‌السلام هذه الآية : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٤) فقال : «ومنشورة» قلت : قولك : «ومنشورة» ما هو؟ قال : «هكذا أنزل بها جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل نفس ذائقة الموت ومنشورة» ثم قال : «ما

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧٠.

(٤) آل عمران : ١٨٥.

٥٠

في هذه الأمة أحد ، بر ولا فاجر ، إلا وينشر ، فأما المؤمنون فينشرون إلى قرة أعينهم ، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم ، ألم تسمع أن الله تعالى يقول : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ)؟(١).

وقال مفضل بن عمر : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) ، قال : «الأدنى : غلاء السعر (٢) ، الأكبر : المهدي عليه‌السلام بالسّيف» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «العذاب الأدنى : دابّة الأرض» (٤).

وقال الطبرسيّ : قيل : هو عذاب القبر ، عن مجاهد. قال : وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ثم قال : والأكثر في الرواية عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ العذاب الأدنى : الدابة ، والدجّال» (٥).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٣) [سورة السجدة : ٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) أي : لا أحد أظلم لنفسه ممن نبه على حجج الله التي توصله إلى معرفته ، ومعرفة ثوابه. (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) جانبا ، ولم ينظر فيها. (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) الذين يعصون الله تعالى بقطع طاعاته ، وتركها (مُنْتَقِمُونَ) بأن نحل العقاب بهم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ١٧.

(٢) في طبعة : عذاب السفر.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، ح ٦.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٤ ، ح ٧.

(٥) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٢٠.

٥١

الْكِتابَ) يعني التوراة (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) أي : في شك من لقائه أي من لقائك موسى ليلة الإسراء بك إلى السماء. وقد ورد في الحديث أنه قال : «رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران ، رجلا آدم طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنؤة ، ورأيت عيسى بن مريم ، رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس». فعلى هذا فقد وعد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ، وقيل : فلا تكن في مرية من لقاء موسى إياك في الآخرة. وقيل : معناه فلا تكن يا محمد في مرية من لقاء موسى الكتاب. وقيل : معناه فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى الأذى. فكأنه قال : فلا تك في مرية من أن تلقى كما لقي موسى. (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : وجعلنا موسى هاديا لهم. وقيل : وجعلنا الكتاب هاديا لهم (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢٤) [سورة السجدة : ٢٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : كان في علم الله أنهم يصبرون على ما يصيبهم ، فجعلهم أئمّة (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : قال الباقر عليه‌السلام : «الأئمة في كتاب الله إمامان : إمام عدل ، وإمام جور ، قال الله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) لا بأمر الناس ، يقدمون أمر الله قبل أمرهم ، وحكم الله قبل حكمهم ، قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)(٣) يقدمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلافا لما في كتاب الله» (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١١١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧٠.

(٣) القصص : ٤١.

(٤) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٧٠.

٥٢

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أحواله ، ثم بشّر بالأئمة من عترته ، ووصفوا بالصبر ، فقال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)(١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) (٢٦) [سورة السجدة : ٢٥ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يحكم بين المؤمن ، والكافر والفاسق. (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من التصديق برسل الله ، والإيمان بالبعث والنشور ، وغير ذلك من أعمالهم ، وأمور دينهم.

ثم نبه الله سبحانه خلقه على الاعتبار بمن تقدمهم من القرون ، فقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي : أو لم يبصرهم ، ويبين لهم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) الماضية جزاء على كفرهم بالله ، وارتكابهم لمعاصيه. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ، ويرون آثارهم. وقيل : معناه إنا أهلكناهم بغتة ، وهم مشاغيل بنفوسهم ، يمشون في منازلهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : في إهلاكنا لهم دلالات واضحات على الحق (أَفَلا يَسْمَعُونَ) أي : أفلا يسمع هؤلاء الكفار ما يوعظون به من المواعظ (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٩٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١١١ ـ ١١٣.

٥٣

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) [سورة السجدة : ٢٧ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) ، قال : الأرض الخراب ، وهو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه‌السلام ، فلما أخبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخبر الرجعة ، قالوا : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين؟ وهي معطوفة على قوله : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ)(١) ، فقالوا : (مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ فقال الله : (قُلْ) لهم ، يا محمد : (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) يا محمد (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)(٢).

وقال ابن درّاج : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).

قال : «يوم الفتح ، يوم تفتح الدنيا على القائم عليه‌السلام ، لا ينفع أحدا تقرّب بالإيمان ما لم يكن قبل مؤمنا ، وبهذا الفتح موقنا ، فذلك الذي ينفعه إيمانه ، ويعظم عند الله قدره وشأنه ، وتزخرف له يوم القيامة والبعث جنانه ، وتحجب عنه نيرانه ، وهذا أجر الموالين لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولذريته الطيبين عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) السجدة : ٢١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٥ ، ح ٩.

٥٤

تفسير

سورة الأحزاب

رقم السورة ـ ٣٣ ـ

٥٥
٥٦

سورة الأحزاب

* س ١ : ما هو فضل سورة الأحزاب؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعبد الله بن سنان : «من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه».

ثم قال : «سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم. يا بن سنان ، إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة ، ولكن نقّصوها ، وحرفوها» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة ، وعلّمها ما ملكت يمينه ، من زوجة وغيرها ، أعطي أمانا من عذاب القبر ؛ من كتبها في رقّ غزال ، وجعلها في حقّ (٢) في منزله كثرت إليه الخطاب ، وطلب منه التزويج لبناته ، وأخواته ، وسائر قراباته ، ورغب كل أحد إليه ، ولو كان صعلوكا فقيرا ، بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو سبب نزل ومعنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢)

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٠.

(٢) الحقّ : وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج ، وغيرهما. «المعجم الوسيط ـ حقق ـ ج ١ ، ص ١٨٨».

(٣) خواص القرآن : ص ٤٧ (مخطوط) ، قطعة منه.

٥٧

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) [سورة الأحزاب : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / ١ ـ سبب النزول : قال الشيخ الطبرسي : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور السلمي ، قدموا المدينة ، ونزلوا على عبد الله بن أبي ، بعد غزوة أحد ، بأمان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكلموه ، فقاموا وقام معهم عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، فدخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا محمد! أرفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات ، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربك! فشق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر بن الخطاب : إئذن لنا يا رسول الله في قتلهم؟ فقال : إني أعطيتهم الأمان. وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخرجوا من المدينة ، ونزلت الآية : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكة. أبا سفيان ، وأبا الأعور ، وعكرمة ، (وَالْمُنافِقِينَ) ابن أبي ، وابن سعد ، وطعمة. وقيل : نزلت في ناس من ثقيف ، قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فطلبوا منه أن يمتعهم باللات والعزى سنة. قالوا : لتعلم قريش منزلتنا منك (١).

المعنى :

قال الشيخ الطبرسي : خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي : أثبت على تقوى الله ، ودم عليه. وقيل : معناه اتق الله في إجابة المشركين إلى ما التمسوه. وقيل : إن بعض المسلمين هموا بقتل أولئك الذين قدموا المدينة بأمان ، فقال : اتق الله في نقض العهد. (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) مر بيانه. وقيل : إنه عام ، وهو الوجه. والكافر هو الذي يظهر الكفر ويبطنه ، والمنافق هو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر. (إِنَّ اللهَ كانَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١١٦ ـ ١١٧.

٥٨

عَلِيماً) بما يكون قبل كونه (حَكِيماً) فيما يخلقه. ولما نهاه عن متابعة الكفار ، وأهل النفاق ، أمره باتباع أوامره ونواهيه على الإطلاق فقال : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) من القرآن ، والشرائع ، فبلغه ، واعمل به. (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي : لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجازيكم بحسبها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : فوض أمورك إلى الله حتى لا تخاف غيره ، ولا ترجو إلا خيره. (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي : قائما بتدبيرك ، حافظا لك ، ودافعا عنك (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥) [سورة الأحزاب : ٤ ـ ٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) : «قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ليس عبد من عبيد الله ، ممن امتحن الله قلبه للإيمان ، إلا ويجد مودتنا في قلبه ، فهو يودّنا ، وما من عبد من عبيد الله ممّن سخط الله عليه إلا ويجد بغضنا على قلبه ، فهو يبغضنا ، فأصبحنا نفرح بحبّ المحب لنا ، ونغتفر له ، ونبغض المبغض ، وأصبح محبنا ينتظر رحمة الله جلّ وعزّ ، فكأن أبواب الرحمة قد فتحت له ، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار من النار ، فكأن ذلك الشفا قد انهار به في

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١١٧.

٥٩

نار جهنم ، فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم ، وتعسا لأهل النار مثواهم ، إن الله عزوجل يقول : (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(١).

وإنه ليس عبد من عبيد الله يقصر في حبنا لخير جعله الله عنده ، إذ لا يستوي من يحبنا ومن يبغضنا ، ولا يجتمعان في قلب رجل أبدا ، إن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه ، يحب بهذا ، ويبغض بهذا ، أما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار ، لا كدر فيه ، ومبغضنا على تلك المنزلة ، ونحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وأنا وصي الأوصياء ، والفئة الباغية من حزب الشيطان ، والشيطان منهم ، فمن أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه ، فإن شارك في حبنا عدونا فليس منا ، ولسنا منه ، والله عدوّه ، وجبرئيل ، وميكائيل ، والله عدو للكافرين» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).

قال : «قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : لا يجتمع حبنا وحبّ عدونا في جوف إنسان ، إن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه ، فيحب بهذا ويبغض بهذا ، فأمّا محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار ، لا كدر فيه ، فمن أراد أن يعلم حبّنا فليمتحن قلبه ، فإن شارك في حبنا حبّ عدونا فليس منا ، ولسنا منه ، والله عدوّهم ، وجبرئيل ، وميكائيل ، والله عدو للكافرين» (٣).

وقال الطبرسي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، يحب بهذا قوما ، ويحب بهذا أعداءهم» (٤).

__________________

(١) النحل : ٢٩.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٤٦ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧١.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٢٧.

٦٠