التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ، وفي عنقه طوق من النار» (١).

وعن الطبرسي في (الاحتجاج) : في حديث طويل ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «قد زاد جلّ ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم‌السلام : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ، تعريفا للخليقة قربهم ، ألا ترى أنك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه؟ وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه ، وتلبيسهم ذلك على الأمّة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز ، وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدالّ على ما أحدثوه فيه» (٢).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩) [سورة الزمر : ٥٧ ـ ٥٩]؟!

الجواب / قال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : «الولاية لعليّ عليه‌السلام ، فردّ الله عليهم : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٣).

ثم قال : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) الآية ، فردّ الله تعالى عليهم ، فقال : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها) يعني بالآيات الأئمة عليهم‌السلام (وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [يعني] بالله (٤).

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٢٧٣.

(٢) الاحتجاج : ص ٢٥٢.

(٣) المناقب : ج ٣ ، ص ٩٨.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥١.

٣٦١

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (٦٠) [سورة الزمر : ٦٠]؟!

الجواب / قال سورة بن كليب : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) ، قال : «من قال إني إمام وليس بإمام».

قال : قلت : وإن كان علويّا؟ قال : «وإن كان علويا» ، قلت : وإن كان من ولد علي ابن أبي طالب عليه‌السلام؟ قال : «وإن كان» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر ، شكا إلى الله شدة حره ، وسأله أن يتنفس ، فأذن له فتنفس فأحرق جهنم» (٢).

وقال الحسين بن المختار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ)؟ قال : «من زعم أنه إمام وليس بإمام».

قلت : وإن كان علويا فاطميا؟ قال : «وإن كان علويا فاطميا» (٣).

قال خيثمة بن عبد الرحمن : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «من حدث عنا بحديث فنحن سائلوه عنه يوما ، فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله ، وإن كذب علينا فإنما يكذب على الله وعلى رسوله ، لأنا إذا حدثنا لا نقول : قال فلان وفلان ، وإنما نقول : قال الله وقال رسوله». ثم تلا هذه الآية : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) ثم أشار خيثمة إلى أذنيه فقال : صمتا إن لم أكن سمعته (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٤ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥١.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٤ ، ح ٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٨٧.

٣٦٢

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦١) [سورة الزمر : ٦١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما أخبر الله سبحانه عن حال الكفار ، عقبه بذكر حال الأتقياء الأبرار ، فقال : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) معاصيه خوفا من عقابه (بِمَفازَتِهِمْ) أي : بمنجاتهم من النار. وأصل المفازة المنجاة ، وبذلك سميت المفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها ، كما سموا اللديغ سليما. (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي : لا يصيبهم المكروه والشدة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما فاتهم من لذات الدنيا (١).

وجاء في (تحف العقول) : عن الحسن بن علي عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : «وأوصاكم بالتقوى» وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى باب كلّ توبة ، ورأس كلّ حكمة ، وشرف كلّ عمل ، بالتقوى فاز من فاز من المتقين ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً)(٢) ، وقال تعالى : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٣).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٦٢) [سورة الزمر : ٦٢]؟!

الجواب / قال ياسر الخادم : قلت للرضا عليه‌السلام : ما تقول في التفويض؟ فقال : «إن الله تعالى فوّض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر دينه ، فقال : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٤) ، فأمّا الخلق والرزق فلا». ثم قال عليه‌السلام : «إن الله تعالى يقول : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، ويقول تعالى : (اللهُ الَّذِي

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤١٣.

(٢) النبأ : ٣١.

(٣) تحف العقول : ص ٢٣٢.

(٤) الحشر : ٧.

٣٦٣

خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٣) [سورة الزمر : ٦٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يعني] مفاتيح السماوات والأرض (٢).

٢ ـ قال الطبرسي : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم يخسرون الجنة ونعيمها ، ويصلون النار وسعيرها (٣).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٦٤) [سورة الزمر : ٦٤]؟!

الجواب / قال زين العابدين عليه‌السلام : «أنّه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده ، فقالوا : نسألك عن ابن أخيك النصف منه. قال : وما النصف منه؟ قالوا : يكف عنا ونكف عنه ، فلا يكلمنا ولا نكلمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله ، ألا إن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ، وزرعت الشحناء ، وأنبتت البغضاء ، فقال : يا بن أخي ، أسمعت؟ قال : يا عم لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي ، إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى الحنيفية ملة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند الله الرضوان ، والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين. فقالوا : قل له

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ، ح ٣ ، والآية من سورة الروم : ٤٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥١.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤١٣.

٣٦٤

أن يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء. فنزل : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ)(١).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٦) [سورة الزمر : ٦٥ ـ ٦٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ، قال : «يعني إن أشركت في الولاية غيره (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) يعني بل الله فاعبد بالطاعة وكن من الشاكرين أن عضدتك بأخيك وابن عمك» (٢).

وقال أبو حمزة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، قال : «تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي عليه‌السلام من بعدك ليحبطنّ عملك ولتكونن من الخاسرين» (٣).

وقال أبو موسى المشرقاني : كنت عنده وحضره قوم من الكوفيين ، فسألوه عن قول الله عزوجل : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ، فقال : ليس حيث تذهبون ، إن الله عزوجل حيث أوحى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقيم عليّا عليه‌السلام للناس علما ، اندسّ إليه معاذ بن جبل ، فقال : أشرك في ولايته ـ أي الأول والثاني ـ حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك ، فلما أنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(٤) شكا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جبرئيل ، فقال : «إن الناس يكذبوني ولا يقبلون مني» ، فأنزل الله عزوجل :

__________________

(١) المناقب : ج ١ ، ص ٥٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥١.

(٤) المائدة : ٦٧.

٣٦٥

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).

وقال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، فقال له [المأمون] : يا بن رسول الله ، أليس من قولك : أن الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى».

قال له المأمون فيما سأله : يا أبا الحسن أخبرني عن قول الله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)(٢). قال : قال له الرضا عليه‌السلام : «هذا مما نزل بإياك عني واسمعي يا جارة ، خاطب الله تعالى بذلك نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأراد به أمته ، وكذلك قوله عزوجل : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) وقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)(٣)» قال : صدقت يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧) [سورة الزمر : ٦٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله لا يوصف ، وكيف يوصف وقد قال في كتابه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ، فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك» (٥).

وقال محمد بن عيسى بن عبيد : سألت أبا الحسن علي بن محمد

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٢٢ ، ح ٣٢.

(٢) التوبة : ٤٣.

(٣) الإسراء : ٧٤.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، ح ١.

(٥) الكافي : ج ١ ، ص ٨٠ ، ح ١١.

٣٦٦

العسكري عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ).

فقال : «ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ، ألا ترى أنه قال : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ومعناه إذ قالوا : إن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه؟ كما قال الله عزوجل : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)(١) ، ثم نزّه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٢).

وقال سليمان بن مهران : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ).

فقال : «يعني ملكه لا يملكه معه أحد ، والقبض من الله تعالى في موضع آخر : المنع ، والبسط منه : الإعطاء والتوسيع [كما قال عزوجل] : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٣) يعني يعطي ويمنع ، والقبض منه عزوجل في وجه آخر : الأخذ ، والأخذ في وجه القبول ، كما قال : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ)(٤) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها».

قلت : فقوله عزوجل : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)؟ قال : «اليمين : اليد ، واليد : القدرة والقوّة ، يقول عزوجل : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) أي بقدرته وقوته (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٥).

وقال الديلمي : بحذف الإسناد ، مرفوعا إلى سلمان الفارسي ، عن أمير

__________________

(١) الأنعام : ٩١.

(٢) التوحيد : ص ١٦٠ ، ح ١.

(٣) البقرة : ٢٤٥.

(٤) التوبة : ١٠٤.

(٥) التوحيد : ص ١٦١ ، ح ٢.

٣٦٧

المؤمنين عليه‌السلام في حديث له مع جاثليق ومعه مائة رجل من النصارى ، فكان فيما سأله عليه‌السلام أن قال له الجاثليق : فأخبرني عن قوله جل ثناؤه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(١) (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فإذا طويت السماوات ، وقبضت الأرض ، فأين تكون الجنة والنار فيهما؟

قال : فدعا بدواة وقرطاس ، ثم كتب فيه : الجنة والنار ، ثم درج القرطاس ودفعه إلى النصراني ، وقال [له] : «أليس قد طويت هذا القرطاس؟». قال : نعم ، قال : «فافتحه» قال : ففتحه ، فقال : «هل ترى آية النار وآية الجنة ، أمحاهما طيّ القرطاس؟». قال : لا ، قال : «فهكذا في قدرة الله إذا طويت السماوات وقبضت الأرض لم تبطل الجنّة والنار ، كما لم يبطل طيّ هذا الكتاب آية الجنّة وآية النار» (٢).

وفي كتاب (فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام) : عن أبي هريرة وسلمان الفارسي ، في حديث طويل ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب سؤال جاثليق ، قال له الجاثليق : فأخبرني عن الجنة والنار أين هما؟ قال عليه‌السلام : «الجنّة تحت العرش في الآخرة ، والنار تحت الأرض السابعة السفلى».

فقال الجاثليق : صدقت ، فإذا طوى الله السماوات والأرض ، أين تكون الجنة والنار؟ فقال عليه‌السلام : «ائتوني بدواة وبياض». فكتب آية من الجنة وآية من النار ، ثمّ طوى الكتاب وناوله النصرانيّ ، فأخذه بيده ، قال له : «ترى شيئا؟» قال : لا ، قال : «فانشره». فقال : «ترى تحت آية الجنة آية النار ، وآية النار تحت آية الجنة؟». قال : نعم ، قال : «كذلك الجنة والنار في قدرة الرب عزوجل» قال : صدقت (٣).

__________________

(١) إبراهيم : ٤٨.

(٢) إرشاد القلوب : ص ٣١٠.

(٣) ... ، معالم الزلفى : ص ٣١٥.

٣٦٨

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)(٦٨) [سورة الزمر : ٦٨]؟!

الجواب / قال ثوير بن أبي فاختة : سأل علي بن الحسين عليهما‌السلام عن النفختين ، كم بينهما؟ قال : «ما شاء الله».

فقيل له : فأخبرني يابن رسول الله ، كيف ينفخ فيه؟ فقال : «أما النفخة الأولى ، فإن الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصّور ، وللصور رأس واحد وطرفان ، وبين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والأرض ، فإذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصّور ، قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة ، فإذا رأوه أهل الأرض ، قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض ، فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء ، فلا يبقى ذو روح في السماوات إلا صعق ومات إلا إسرافيل».

قال : «فيقول الله لإسرافيل : يا إسرافيل مت ؛ فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ، ثم يأمر الله السماوات فتمور ، ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً)(١) يعني تنبسط و (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(٢) يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات ، كما دحاها أوّل مرة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أول

__________________

(١) الطور : ٩ و ١٠.

(٢) إبراهيم : ٤٨.

٣٦٩

مرة ، مستقلا بعظمته وقدرته ـ قال ـ : فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله بصوت من قبله جهوريّ يسمع أقطار السماوات والأرضين : لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد ، فعند ذلك يجيب الجبار عزوجل مجيبا لنفسه : لله الواحد القهّار ؛ وأنا قهرت الخلائق كلّهم وأمتهم ، إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، لا شريك لي ولا وزير ، وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمّتهم بمشيّتي ، وأنا أحييهم بقدرتي ، قال : فينفخ الجبار نفخة في الصور ، فيخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات ، فلا يبقى أحد في السماوات إلا حيي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، وتعرض الجنة والنار ، وتحشر الخلائق للحساب». قال : فرأيت علي بن الحسين عليه‌السلام يبكي عند ذلك بكاء شديدا (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا ، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم وقد أتى جبرئيل عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع ، فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه ، فقال : قم بإذن الله ؛ فخرج منه رجل أبيض الرأس اللحية ، يمسح التراب عن وجهه ، وهو يقول : الحمد لله والله أكبر ، فقال جبرئيل : عد بإذن الله ، ثم انتهى به إلى قبر آخر ، فقال : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل مسود الوجه ، وهو يقول : وا حسرتاه واثبوراه ، ثم قال له جبرئيل : عد ، إلى ما كنت فيه [بإذن الله] ، فقال : يا محمد ، هكذا يحشرون يوم القيامة ، فالمؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ما ترى» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٣.

٣٧٠

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٩) [سورة الزمر : ٦٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) : «رب الأرض يعني إمام الأرض».

قال المفضل بن عمر ، قلت : فإذا خرج يكون ما ذا؟ قال : «إذن يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الإمام» (١).

وقال ثوير بن أبي فاختة ، سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يحدث في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «حدثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب عليه‌السلام يحدث الناس ، ويقول : إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى الناس من حفرهم غرلا بهما (٢) جردا مردا في صعيد واحد يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون دونها ، فيمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم ، وترتفع أصواتهم ، قال : وهو أول هول من أهوال يوم القيامة ، قال : فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٣.

(٢) الغرل : جمع الأغرل ، وهو الأقلف ، والغرلة : القلفة ، والبهم : جمع بهيم ، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه ، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى والعور والعرج وغير ذلك ، وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار. وقال بعضهم في تمام الحديث : «قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء» ، يعني من أعراض الدنيا ، وهذا [لا] يخالف الأول من حيث المعنى. «النهاية : ج ١ ، ص ١٦٧ ، ح ٣ ، ص ٣٦٢».

٣٧١

الخلائق ، أنصتوا واسمعوا منادي الجبار. قال : فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم ، قال : فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع قلوبهم ـ وقيل أبصارهم ـ ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت ، مهطعين إلى الداعي ، قال : فعند ذلك يقول الكافر : هذا يوم عسر ، فيشرف الجبار عزّ ذكره الحكم العدل عليهم فيقول : أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور ، اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد ، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ، ولصاحب المظلمة بالمظلمة ، بالقصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا من لأحد عنده مظلمة ، إلا مظلمة يهبها صاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، فتلازموا أيها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهدكم عليها ، وكفى بي شهيدا. قال : فيتعارفون ويتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها.

قال : فيمكثون ما شاء الله ، فيشتدّ حالهم ، ويكثر عرقهم ، ويشتد غمّهم ، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، فيتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها ، قال : ويطّلع الله عزوجل على جهدهم ، فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى ، يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم ، يا معشر الخلائق ، أنصتوا لداعي الله تبارك وتعالى واسمعوا ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لكم : أنا الوهّاب ، إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا ، وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم ؛ قال : فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم ، وضيق مسلكهم وتزاحمهم ، قال : فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا مما هم فيه ، ويبقى بعضهم ، فيقول : يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها ؛ قال : فينادي مناد من تلقاء العرش : أين رضوان خازن الجنان ، جنان الفردوس ، قال : فيأمره عزوجل أن يطلع من الفردوس قصرا من فضّة بما فيه من الأبنية والخدم ، قال : فيطلعه

٣٧٢

عليهم في حفافة القصر (١) الوصائف والخدم ، قال : فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى : يا معشر الخلائق ، ارفعوا رؤوسكم ، فانظروا إلى هذا القصر ؛ قال : فيرفعون رؤوسهم ، فكلّهم يتمنّاه ، قال : فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى : يا معشر الخلائق ، هذا لكل من عفا عن مؤمن ، قال : فيعفون كلّهم إلا القليل ، قال : فيقول الله عزوجل : لا يجوز إلى جنّتي اليوم ظالم ، ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ولا من لأحد من المسلمين عنده مظلمة حتى آخذها منه عند الحساب ، أيها الخلائق استعدّوا للحساب.

قال : ثم يخلي سبيلهم ، فينطلقون إلى العقبة ، يكرد (٢) بعضهم بعضا حتى ينتهوا إلى العرصة ، والجبار تبارك وتعالى على العرش ، قد نشرت الدواوين ، ونصبت الموازين ، وأحضر النبيّون والشهداء ، وهم الأئمة بشهد كل إمام على أهل عالمه بأنّه قد قام فيهم بأمر الله عزوجل ، ودعاهم إلى سبيل الله».

قال : فقال له رجل من قريش : يا ابن رسول الله ، إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أي شيء يأخذ من الكافر ، وهو من أهل النار؟ قال : فقال له علي ابن الحسين عليه‌السلام : «يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر ، ويعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة».

قال : فقال له القرشيّ : فإذا كانت المظلمة لمسلم عند مسلم ، كيف تؤخذ مظلمته من مسلم؟ قال : «يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم ، فتزاد على حسنات المظلوم».

__________________

(١) أي جوانبه وأطرافه.

(٢) كردهم : ساقهم وطردهم. «لسان العرب ـ كرد ـ ج ٣ ، ص ٣٧٩».

٣٧٣

قال : فقال له القرشي : فإن لم يكن للظالم حسنات؟ قال : «إن لم يكن للظالم حسنات ، فإنّ للمظلوم سيئات ، يؤخذ من سيئات المظلوم ، فتزاد على سيئات الظالم» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) قال : الشهداء : الأئمة عليهم‌السلام ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الحج : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا) ـ أنتم يا معشر الأئمة ـ (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)(٢).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(٧٢) [سورة الزمر : ٧٠ ـ ٧٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي : يعطي كل نفس عاملة بالطاعات ، جزاء ما عملته على الوفاء والكمال ، دون النقصان (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) أي : والله سبحانه أعلم من كل أحد بما يفعلونه من طاعة ، أو معصية ، ولم يأمر الملائكة بكتابة الأعمال لحاجة إلى ذلك ، بل لزيادة تأكيد ، وليعلموا أنه يجازيهم بحسب ما عملوا.

ثم أخبر سبحانه عن قسمة أحوال الخلائق في المحشر ، بعد فصل القضاء ، فقال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : يساقون سوقا في عنف (إِلى

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٠٤ ، ح ٧٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٣ ، والآية من سورة الحج : ٧٨.

٣٧٤

جَهَنَّمَ زُمَراً) أي : فوجا بعد فوج ، وزمرة بعد زمرة (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) أي : حتى إذا انتهوا إلى جهنم ، فتحت أبواب جهنم عند مجيئهم إليها ، وهي سبعة أبواب (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) الموكلون بها على وجه التهجين لفعلهم ، والإنكار عليهم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي : من أمثالكم من البشر. (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) يقرؤون عليكم حجج ربكم ، وما يدلكم على معرفته ، ووجوب عبادته. (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي : ويخوفونكم من مشاهدة هذا اليوم وعذابه.

(قالُوا) أي : قال الكفار لهم : (بَلى) قد جاءتنا رسل ربنا ، وخوفونا بآيات الله (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) أي : وجب العقاب على من كفر بالله تعالى ، لأنه أخبر بذلك ، وعلم من يكفر ، ويوافي بكفره ، فقطع على عقابه ، فلم يكن شيء يقع منه خلاف ما علمه ، وأخبر به ، فصار كوننا في جهنم موافقا لما أخبر به تعالى ، ولما علمه. (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) أي : فيقول عند ذلك خزنة جهنم ، وهم الملائكة الموكلون : ادخلوا أبواب جهنم مؤبدين ، لا آخر لعقابكم (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي : بئس موضع إقامة المتكبرين عن الحق وقبوله ، جهنم (١).

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٧٣) [سورة الزمر : ٧٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) أي جماعة (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤١٧ و ٤١٩.

٣٧٥

خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) أي طابت مواليدكم ، لأنه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد (فَادْخُلُوها خالِدِينَ)(١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن فلانا وفلانا وفلانا غصبونا حقّنا ، واشتروا به الإماء وتزوجوا به النساء ، ألا وإنا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حلّ لتطيب مواليدهم» (٢).

* س ٣٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٧٥) [سورة الزمر : ٧٤ ـ ٧٥]؟!

الجواب / ١ ـ في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) : «يعني أرض الجنّة» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : ثم قال الله عزوجل : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) أي محيطين حول العرش (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) كناية عن أهل الجنة والنار ، وهذا مما لفظه ماض أنه قد كان ، ومعناه مستقبل أنه يكون ، (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤).

وقال ابن شهر آشوب : من أحاديث علي بن الجعد ، عن شعبة ، عن قتادة في تفسير قوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) الآية ، قال أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لما كانت ليلة المعراج نظرت تحت العرش

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٤.

٣٧٦

أمامي ، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب قائم أمامي تحت العرش ، يسبح الله ويقدّسه ، قلت : يا جبرئيل سبقني علي بن أبي طالب؟ قال : لا ، لكني أخبرك يا محمد ، أن الله عزوجل يكثر من الثناء والصلاة على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فوق عرشه ، فاشتاق العرش إلى رؤية علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فخلق الله تعالى هذا الملك على صورة علي بن أبي طالب عليه‌السلام تحت عرشه ، لينظر إليه العرش ، فيسكن شوقه ، وجعل تسبيح هذا الملك وتقديسه وتحميده ثوابا لشيعة أهل بيتك ، يا محمد» ، الخبر (١).

وهذا من طريق المخالفين ، والروايات في خلق الله سبحانه ملكا على صورة علي بن أبي طالب عليه‌السلام متكثّرة من طريق الخاصة والعامّة ، ليس هذا موضع ذكرها.

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٢٣٣.

٣٧٧
٣٧٨

تفسير

سورة المؤمن

رقم السورة ـ ٤٠ ـ

٣٧٩
٣٨٠