التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

اللحن ، إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال على منبر الكوفة : إن من ورائكم فتنا مظلمة عمياء منكسفة ، لا ينجو منها إلا النومة ، قيل : يا أمير المؤمنين ، وما النومة؟ قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه. واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله عزوجل ، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله ، لساخت بأهلها ، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ، ثم تلا : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٣٥) [سورة يس : ٣١ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلم هؤلاء الكفار (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي : كم قرنا أهلكناهم مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) والمعنى : ألم يروا أن القرون التي أهلكناهم لا يرجعون إليهم أي : لا يعودون إلى الدنيا ، أفلا يعتبرون بهم. ووجه التذكير بكثرة المهلكين أي : إنكم ستصيرون إلى مثل حالهم ، فانظروا لأنفسكم ، واحذروا أن يأتيكم الهلاك. وأنتم في غفلة وغرة ، كما أتاهم. ويسمى أهل كل عصر قرنا ، لاقترانهم في

__________________

(١) غيبة النعماني : ص ١٤١ ، ح ٢.

٢٢١

الوجود. (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) معناه : إن الأمم يوم القيامة يحضرون فيقفون على ما عملوه في الدنيا ، أي : وكل الماضين والباقين مبعوثون للحساب والجزاء. ثم قال سبحان : (وَآيَةٌ لَهُمُ) أي : ودلالة وحجة قاطعة لهم على قدرتنا على البعث (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) أي : الأرض القحطة المجدبة التي لا تنبت ، أحييناها بالنبات (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) أي : كل حب يتقوتونه مثل الحنطة والشعير والأرز ، وغيرها من الحبوب. (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي : فمن الحب يأكلون (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) أي : بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ). وإنما خص النوعين لكثرة أنواعهما ، ومنافعهما (وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) أي : وفجرنا في تلك الأرض الميتة ، وفي تلك الجنات عيونا من الماء ، ليسقوا بها الكرم والنخيل. ثم بين سبحانه أنه إنما فعل ذلك (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي : من ثمر النخيل. رد الضمير إلى أحد المذكورين ، كما قال : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) والمعنى : غرضنا نفعهم بذلك ، وانتفاعهم بأكل ثمار الجنات (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي : ولم تعمل تلك الثمار أيديهم ، هذا إذا كان (ما) بمعنى النفي. قال الضحاك أي : وجدوها معمولة ، ولا صنع لهم فيها ، أراد أنه من صنع الخالق ، ولم يدخل في مقدورات الخلائق. وإذا كان بمعنى الذي فالتقدير : والذي عملته أيديهم من أنواع الأشياء المتخذة من النخل والعنب الكثيرة منافعها. وقيل : تقديره ومن ثمره ما عملته أيديهم يعني الغروس والزروع التي قاسوا حراثتها. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أي : ألا يشكرون الله تعالى على مثل هذه النعم ، وهذا تنبيه منه سبحانه لخلقه على شكر نعمائه ، وذكر جميل بلائه (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٧١ و ١٧٢.

٢٢٢

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)(٣٦) [سورة يس : ٣٦]؟!

الجواب / قال أبو الربيع : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) ، فقال : «إن النطفة ـ يعني الماء ـ تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمار والشجر ، فتأكل الناس منها ، والبهائم ، فتجري فيهم».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الإنسان خلق من أضعف ما يكون خلقا ، من نطفة قطرت ، ثم جعلت علقة ، ثم جعلت مضغة ، ثم جعلت عظاما غليظة ، ثم كسي العظام لحما ، فتبارك الله أحسن الخالقين» (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ)(٣٧) [سورة يس : ٣٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال الله عزوجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)(٢) ، قال : لو أني أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي ، فكان مثلكم كما قال الله عزوجل : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ)(٣) ، يقول : أضاءت الأرض بنور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تضيء الشمس ، فضرب الله مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشمس ، ومثل الوصي القمر ، وهو قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٤) ، وقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ، وقوله عزوجل : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ

__________________

(١) البرهان : ج ٨ ، ص ١٨٢.

(٢) الأنعام : ٥٨.

(٣) البقرة : ١٧.

(٤) يونس : ٥.

٢٢٣

الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)(١) يعني قبض محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فظهرت الظلمة ، فلم يبصروا فضل أهل البيت ، وهو قوله عزوجل : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(٢)» (٣).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩) [سورة يس : ٣٨ ـ ٣٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو ذر الغفاري (رحمه‌الله) : كنت آخذ بيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نتماشى جميعا ، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت ، فقلت : يا رسول الله ، أين تغيب؟

قال : «في السماء ، ثم ترفع من سماء إلى سماء ، حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش ، فتخرّ ساجدة ، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها ، ثم تقول : يا رب ، من أين تأمرني أن أطلع ، أمن مغربي ، أم من مطلعي؟ فذلك قول الله عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه ، العليم بخلقه».

قال : «فيأتيها جبرئيل عليه‌السلام بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار ، على طوله في أيام الصيف ، أو قصره في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع ، قال : فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها».

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فكأني بها وقد حبست مقدار ثلاثة أيام ، ثم لا تكسى

__________________

(١) البقرة : ١٧.

(٢) الأعراف : ١٩٨.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٨٠ ، ٥٧٤.

٢٢٤

ضوءا ، وتؤمر أن تطلع من مغربها ، فذلك قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ)(١) ، والقمر كذلك ، من مطلعه ومجراه في أفق السماء ، ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة ، ويسجد تحت العرش ، ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي ، وذلك قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٢)». قال أبو ذرّ (رحمة الله عليه) : ثم اعتزلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلينا المغرب (٣).

٢ ـ دخل ابن أبي سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فقال له : أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟

فقال : «مالك ، أطفأ الله نورك ، وأدخل الفقر بيتك ، أما علمت أن الله تعالى أوحى إلى عمران : أني واهب لك ذكرا. فوهب له مريم ، ووهب لمريم عيسى عليه‌السلام ، فعيسى من مريم ، ومريم من عيسى ، وعيسى ومريم شيء واحد ، وأنا من أبي ، وأبي مني ، وأنا وأبي شيء واحد».

فقال له ابن أبي سعيد : أسألك عن مسألة. فقال : «لا أخالك تقبل مني ولست من غنمي ، ولكن هلمّها». فقال : رجل قال عند موته : كل مملوك لي قديم فهو حرّ لوجه الله؟

قال : «نعم ، إن الله عزوجل قال في كتابه : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) فما كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم ، وهو حرّ». قال : فخرج من عنده ، فعمي ، وافتقر ، حتى مات ولم يكن عنده مبيت ليلة (٤).

ورواه الشيخ في (التهذيب) (٥) ، وعلي بن إبراهيم في (تفسيره) ، عن

__________________

(١) التكوير : ١ و ٢.

(٢) يونس : ٥.

(٣) التوحيد : ص ٢٨٠ ، ح ٧.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ١٩٥ ، ح ٦.

(٥) التهذيب : ج ٨ ، ص ٢٣١ ، ح ٨٣٥.

٢٢٥

أبيه ، عن داود بن محمد النّهدي ، إلا أن في رواية علي بن إبراهيم : دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (١).

وقال علي بن إبراهيم في (تفسيره) : العرجون : طلع النخل ، وهو مثل الهلال في أول طلوعه (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ)(٤٢) [سورة يس : ٤٠ ـ ٤٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يقول : «الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل ، ولا يسبق الليل النهار ، يقول : لا يذهب الليل حتى يدركه النهار (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يقول : يجري وراء فلك الاستدارة» (٣).

وقال الأشعث بن حاتم : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه‌السلام ، والفضل بن سهل ، والمأمون في الإيوان بمرو ، فوضعت المائدة ، فقال الرضا عليه‌السلام : «إن رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة ، فقال : النهار خلق قبل ، أم الليل ، فما عندكم؟» قال : فأداروا الكلام ، فلم يكن عندهم في ذلك شيء ، فقال الفضل للرضا عليه‌السلام : أخبرنا بها ، أصلحك الله. قال : «نعم ، من القرآن ، أم من الحساب؟» قال الفضل : من جهة الحساب.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٤.

٢٢٦

فقال : «قد علمت ـ يا فضل ـ أن طالع الدنيا السرطان ، والكواكب في مواضع شرفها ، فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والشمس في الحمل ، والقمر في الثور ، فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط السماء ، فالنهار خلق قبل الليل» (١).

وورد نفس المعنى عن الإمام الباقر عليه‌السلام حين قال : «إن الله عزوجل خلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل الظلمة» (٢).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : قول : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ، قال : السفن المليئة (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) قال : يعني الدواب والأنعام (٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ)(٤٤) [سورة يس : ٤٣ ـ ٤٤]؟!

الجواب / أقول : الآية التالية ـ لأجل توضيح هذه النعمة العظيمة ـ تتعرض لذكر الحالة الناشئة من اضطراب هذه النعمة فتقول : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ).

تنقلب سفنهم بموجة عظيمة مأمورة ، وتبتلعهم دوامة بحرية واحدة صدر لها الأمر الإلهي ببلعهم ، أو يتقاذفهم الطوفان بموجة في كل اتجاه بأمرنا وإذا أردنا فنستطيع بسلبنا خاصية الماء والمواخر ونظام هبوب الريح وهدوء البحر وغير ذلك ، أن نجعل الاضطراب صفة عامة تؤدي إلى تدمير كل شيء ، ولكننا نحفظ هذا النظام الموجود ، ليستفيدوا منه. وإذا وقعت بين الحين

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٦٤.

(٢) نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، ح ٥٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٥.

٢٢٧

والحين حوادث من هذا القبيل فإن ذلك لينتبهوا إلى أهمية هذه النعمة الغامرة.

(صَرِيخَ) من مادة «صرخ» بمعنى الصياح. و (يُنْقَذُونَ) من مادة «نقذ» بمعنى التخليص من ورطة.

وأخيرا تضيف الآية لتكمل الحديث فتقول : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ).

نعم فهم لا يستطيعون النجاة بأية وسيلة إلا برحمتنا ولطفنا بهم.

(حِينٍ) بمعنى «وقت» وهي في الآية أعلاه إشارة إلى نهاية حياة الإنسان وحلول أجله ، والبعض قال بأنها تعني نهاية العالم بأسره.

نعم ، فأولئك الذين ركبوا السفن أيّا كان نوعها ، يدركون عمق معنى هذه الآية ، فإن أعظم السفن في العالم تكون كالقشة حيال الأمواج البحرية الهائلة أو الطوفانات المفجعة للمحيطات ، ولو لا شمول الرحمة الإلهية فلا سبيل إلى نجاة أحد منهم على ظهرها.

يريد الله سبحانه وتعالى بذلك الخيط الرفيع بين الموت والحياة أن يظهر قدرته العظيمة للإنسان ، فلعل الضالين عن سبيل الحق يعودون إلى الحق ويتوجهون إلى الله في هذا الطريق.

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(٤٥) [سورة يس : ٤٥]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : روى الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «معناه : اتّقوا ما بين أيديكم من الذنوب ، وما خلقكم من العقوبة» (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٧٧.

٢٢٨

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٧) [سورة يس : ٤٦ ـ ٤٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي ، قوله : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي : أعرضوا عن الداعي ، وعن التفكر في الحجج ، وفي المعجزات ، و (مِنْ) في قوله (مِنْ آيَةٍ) : هي التي تزاد في النفي للاستغراق. و (مِنْ) الثانية. للتبعيض ، أي : ليس تأتيهم آية ، أية آية كانت ، إلا ذهبوا عنها ، وأعرضوا عن النظر فيها ، وذلك سبيل من ضل عن الهدى ، وخسر الدنيا والآخرة. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أيضا (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) في طاعته ، وأخرجوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم. (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) احتجوا في منع الحقوق بأن قالوا : كيف نطعم من يقدر الله على إطعامه ، ولو شاء الله إطعامه أطعمه ، فإذا لم يطعم دل على أنه لم يشأ إطعامه. وذهب عليهم أن الله سبحانه إنما تعبدهم بذلك لما لهم فيه من المصلحة. فأمر الغني بالإنفاق على الفقير ليكسب به الأجر والثواب. واختلف في هؤلاء الذين قالوا ذلك فقيل : هم اليهود حين أمروا بإطعام الفقراء. وقيل : هم مشركو قريش ، قال لهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أطعمونا من أموالكم ما زعمتم أنه لله ، وذلك قوله : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ). وقيل : هم الزنادقة الذين أنكروا الصانع ، تعلقوا بقوله (رَزَقَكُمُ اللهُ) فقالوا : إن كان هو الرزاق فلا فائدة في التماس الرزق منا ، وقد رزقنا وحرمكم ، فلم تأمرون بإعطاء من حرمه الله. (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هذا من قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام ، وقيل : إنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا بهذا الجواب (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٢٢٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ : «إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : تصدّقوا بالليل ، فإن الصدقة بالليل تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله : احسبوا كلامكم من أعمالكم ، يقلّ كلامكم إلا في خير ، أنفقوا مما رزقكم الله عزوجل ، فإن المنفق بمنزلة المجاهد في سبيل الله ، فمن أيقن بالخلف جاد وسخت نفسه بالنفقة» (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)(٥٠) [سورة يس : ٤٨ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال عليه‌السلام قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ).

قال : ذلك في آخر الزمان ، يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون ، فيموتون كلهم في مكانهم ، لا يرجع أحد منهم إلى منزله ، ولا يوصي بوصية ، وذلك قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)(٢).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥) [سورة يس : ٥١ ـ ٥٥]؟!

__________________

(١) اعتقادات الإمامية : ص ١٠٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٥.

٢٣٠

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، وقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) قال : من القبور (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : في قوله : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ، فإن القوم كانوا في القبور ، فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما ، قالوا : يا ولينا ، من بعثنا من مرقدنا؟ قالت الملائكة : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(٢).

وقال الحسن بن شاذان الواسطيّ : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أشكو جفاء أهل واسط ، وجهلهم علي ، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني ، فوقع بخطه : «إن الله تبارك وتعالى قد أخذ ميثاق أوليائه على الصبر في دولة الباطل ، فاصبر لحكم ربك ، فلو قد قام سيد الخلق ، لقالوا : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ويعني به سيد الخلق» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ذكر النفخة الثانية ، فقال : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) ، وقوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) قال : في افتضاض العذارى فاكهون ، قال : يفاكهون النساء ويلاعبونهن (٤).

وقال الطبرسي ، في قوله تعالى : (فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «معناه شغلوا بافتضاض العذارى» (٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٤٧ ، ح ٣٤٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٥) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٧٠.

٢٣١

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٦٤) [سورة يس : ٥٦ ـ ٦٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) قال : «الأرائك : السرر ، عليها الحجال (١)» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ، قال : السّلام منه تعالى هو الأمان. قوله : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ، قال : إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق ، فينادون : يا ربنا ، حاسبنا ، ولو إلى النار. قال : فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم ، وينادي مناد : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ، فيميّز بينهم ، فصار المجرمون إلى النار ، ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة.

أقول : قال الصادق عليه‌السلام : «من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبده) (٣).

__________________

(١) الحجلة : بيت كالقبة يستر بالثياب ، وتكون له أزرار كبار ، وتجمع على حجال. «النهاية : ج ١ ، ص ٣٤٦».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٣) اعتقادات الأمامية : ص ١٠٥ ، الشيخ الصدوق.

٢٣٢

وقوله : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) يعني خلقا كثيرا قد أهلك.

قوله : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). فإنه محكم (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (٧٥) [سورة يس : ٦٥ ـ ٧٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل : «وفرض الله على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عزوجل ، فقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً)(٢) ، وقال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(٣).

وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسها ، وعلى أربابها ، من

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٢) الإسراء : ٣٧.

(٣) لقمان : ١٩.

٢٣٣

تضييعها لما أمر الله عزوجل به ، وفرضه عليها : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، قال : إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه ، فينظرون فيه ، فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا ، فتشهد عليهم الملائكة ، فيقولون : يا ربّ ، ملائكتك يشهدون لك. ثم يحلفون أنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا ، وهو قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ)(٢) فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم ، وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.

قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) ، يقول : كيف يبصرون (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) يعني في الدنيا (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ). وقوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) ، فإنه ردّ على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ، ويقولون : إن الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء ، ودار عليه الفلك ، ومرّ عليه الليل والنهار ، فيتولد الإنسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار ؛ فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد ، فقال : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ).

قال : لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ، ما دامت الأشكال قائمة ، والليل والنهار قائمين ، والفلك يدور ، فكيف صار يرجع إلى النقصان ، كلما ازداد في الكبر ، إلى حد الطفولية ، ونقصان السمع ،

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ح ١.

(٢) المجادلة : ١٨.

٢٣٤

والبصر ، والقوة ، والعلم ، والمنطق حتى ينقص ، وينكس في الخلق؟ ولكن ذلك من خلق العزيز العليم ، وتقديره.

وقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) ، قال : كانت قريش تقول : إن هذا الذي يقول محمد شعرا. فرد الله عليهم ، فقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ولم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعرا قط.

وقوله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) يعني مؤمنا حي القلب.

وقوله : (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) يعني العذاب. وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) أي خلقناها بقوتنا. وقوله : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) يعني الإبل مع قوتها وعظمها يسوقها الطفل. وقوله : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) يعني ما يكسبون بها وما يركبون ، قوله : (وَمَشارِبُ) يعني ألبانها (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يقول : «لا تستطيع الآلهة لهم نصرا ، وهم للآلهة جند محضرون» (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٧.

٢٣٥

تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٣) [سورة يس : ٧٦ ـ ٨٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله نبيه ، فقال : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) قوله : (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) ، أي ناطق ، عالم ، بليغ. وقوله : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فقال الله : (قُلْ) يا محمد ، (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).

قال : فلو أن الإنسان تفكر في خلق نفسه لدله ذلك على خالقه ، لأنه يعلم كل إنسان أنه ليس بقديم ، لأنه يرى نفسه وغيره مخلوقا محدثا ، ويعلم أنه لم يخلق نفسه ، لأن كل خالق قبل خلقه ، ولو خلق نفسه لدفع عنها الآفات ، والأوجاع ، والأمراض ، والموت ، فثبت عند ذلك أن لها إلها ، خالقا ، مدبرا هو الله الواحد القهار (١).

وروي أن نفرا من قريش اعترضوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم ، عتبة بن ربيعة ، وأبي بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن سعيد ، فمشى إليه أبي بن خلف بعظم رميم ، ففتّه في يده ، ثم نفخه ، وقال : أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟! فأنزل الله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) إلى آخر السورة (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٧.

(٢) الأمالي : ج ١ ، ص ١٨.

٢٣٦

ورواه المفيد في (أماليه) بالسند والمتن (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ، ففتّه ، ثم قال : يا محمد ، إذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون ، من يحيي العظام وهي رميم؟ فنزلت : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(٢).

وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الصادق عليه‌السلام ـ في حديث يذكر فيه الجدال بالتي هي أحسن ، والأمر به ، والجدال بالتي هي غير أحسن والنهي عنه ، فقال ـ : وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت ، وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فقال الله في الرد عليه : (قُلْ) يا محمد ، (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) إلى آخر السورة. فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.

ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) أي إذا كان قد كمن النار الحارّة في الشجر الأخضر كالرطب ، ثم يستخرجها ، يعرفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر ، ثم قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) أي إذا كان خلق

__________________

(١) أمالي المفيد : ص ٢٤٦ ، ح ٢.

(٢) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٩٦ ، ح ٨٩.

٢٣٧

السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم ، والأصعب لديكم ، ولم تجوزوا ما هو سهل عندكم من إعادة البالي؟ وقال الصادق عليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لأن فيها انقطاع دعوى الكافرين ، وإزالة شبهتهم» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) وهو المرخ والعفار (٢) ، ويكون في ناحية بلاد المغرب ، فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ، ثم أخذوا عودا فحركوه فيه ، فيستوقدون منه النار (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قوام الإنسان وبقاؤه بأربعة : بالنار ، والنور ، والريح ، والماء. فبالنار يأكل ويشرب ، وبالنور يبصر ويعقب ، وبالريح يسمع ويشم ، وبالماء يجد لذة الطعام والشراب ، فلو لا النار في معدته لما هضمت الطعام ، ولو لا أن النور في بصره لما أبصر ولا عقل ، ولو لا الريح لما التهبت نار المعدة ، ولو لا الماء لم يجد لذة الطعام والشراب».

قال : وسألته عن النيران؟ فقال : «النيران أربعة : نار تأكل وتشرب ، ونار تأكل ولا تشرب ، ونار تشرب ولا تأكل ، ونار لا تأكل ولا تشرب. فالنار التي تأكل وتشرب فنار ابن آدم ، وجميع الحيوان ، والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود ، والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة ، والتي لا تأكل ولا تشرب فنار

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٢٧ ، ح ٣٢٢.

(٢) المرخ والعفار : شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر ، ويسوى من أغصانها الزناد فيقتدح بها. «لسان العرب ـ عفر ـ ج ٤ ، ص ٥٨٩».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٨.

٢٣٨

القداحة (١) ، والحباحب (٢)» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قال عزوجل : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) إلى قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) قال : خزائنه في كاف ونون (٤).

وقال صفوان بن يحيى : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة من الله ، ومن الخلق؟ قال : فقال : «الإرادة من الخلق : الضمير ، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل. وأما من الله تعالى فإرادته : إحداثه ، لا غير ذلك ، لأنه لا يروّي ، ولا يهم ، ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي صفات الخلق ، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن ، فيكون. بلا لفظ ، ولا نطق بلسان ، ولا همة ، ولا تفكر ، ولا كيف لذلك ، كما أنه لا كيف له ، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون» (٥).

وقال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «لما صعد موسى عليه‌السلام إلى الطور فناجى ربه عزوجل ، قال : رب ، أرني خزائنك ، فقال : يا موسى ، إنما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له : كن ، فيكون» (٦).

__________________

(١) القدّاحة : الحجر الذي يوري النار. «الصحاح ـ قدح ـ ج ١ ، ص ٣٩٤».

(٢) الحباحب : ذباب يطير بالليل ، كأنه نار ، له شعاع كالسّراج. «لسان العرب ـ حبحب ـ ج ١ ، ص ٢٩٧».

(٣) الخصال : ص ٢٢٧ ، ح ٦٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٨.

(٥) الكافي : ج ١ ، ص ٨٥ ، ح ٣.

(٦) التوحيد : ص ١٣٣ ، ح ١٧.

٢٣٩
٢٤٠