التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) وهم الذين أقروا بالإسلام وأشركوا بالأعمال ، وهو قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(١) يعني بالأعمال إذا أمروا بأمر عملوا خلاف ما قال الله ، فسماهم الله مشركين ، ثم قال تعالى : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) يعني من لم يدفع الزكاة فهو كافر (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن أبان بن تغلب ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أبان أترى أن الله عزوجل طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ).

قلت له : كيف ذلك جعلت فداك ، فسّره لي؟ فقال : «وويل للمشركين الذين أشركوا بالإمام الأول ، وهم بالأئمة الآخرين كافرون ، يا أبان ، إنما دعا الله العباد إلى الإيمان به ، فإذا آمنوا بالله ورسوله افترض عليهم الفرائض» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ويل للمشركين الذين أشركوا مع الإمام الأول غيره ، ولم يردوا إلى الآخر ما قال فيه الأول ، وهم به كافرون».

قال شرف الدين النجفي عقيب هذا الحديث : فمعنى الزكاة ها هنا : زكاة الأنفس ، وهي طهارتها من الشرك المشار إليه ، وقد وصف الله سبحانه المشركين بالنجاسة ، يقول : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(٤) ، ومن أشرك بالإمام فقد أشرك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أشرك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أشرك بالله.

وقوله تعالى : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي أعمال الزكاة وهي ولاية

__________________

(١) يوسف : ١٠٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٢.

(٤) التوبة : ٢٨.

٤٤١

أهل البيت عليهم‌السلام ، لأن بها تزكى الأعمال يوم القيامة (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (١٤) [سورة فصّلت : ٨ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر الله عزوجل المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي بلا منّ من الله عليهم بما يأجرهم به ، ثم خاطب الله نبيه فقال : (قُلْ) ـ لهم يا محمد ـ (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ومعنى يومين أي وقتين : ابتداء الخلق وانقضاؤه (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أي لا يزول ولا يبقى (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) يعني في أربعة أوقات ، وهي التي يخرج الله فيها أقوات العالم ، من الناس والبهائم والطير وحشرات الأرض وما في البرّ والبحر من الخلق والثمار والنبات والشجر وما يكون فيه معاش الحيوان كله ، وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٤ ، ح ٣.

٤٤٢

ففي الشتاء يرسل الله الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء فيسقي الأرض والشجر ، وهو وقت بارد ، ثم يجيء بعده الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد ، فيخرج الشجر ثماره ، والأرض نباتها ، فيكون أخضر ضعيفا ثم يجيء من بعده وقت الصيف [وهو حار] ، فينضج الثمار ، ويصلب الحبوب التي هي أقوات العباد وجميع الحيوان ، ثم يجيء من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده ، ولو كان الوقت كله شيئا واحدا ، لم يخرج النبات من الأرض ، لأن الوقت لو كان كله ربيعا لم تنضج الثمار ولم تبلغ الحبوب ، ولو كان الوقت كله خريفا ، ولم يتقدمه شيء من هذه الأوقات ، لم يكن شيء يتقوّت به العالم ، فجعل الله هذه الأقوات في هذه الأربعة أوقات : في الشتاء والربيع والصيف والخريف ، وقام به العالم واستوى وبقي ، وسمى [الله] هذه الأوقات أياما سواء للسائلين. يعني المحتاجين ، لأن كل محتاج سائل ، وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير ، فهم سائلون ، وإن لم يسألوا.

وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي دبر وخلق وقد سئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الإنس ، فقال : «السماوات والأرض ، في قوله تعالى : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).

(فَقَضاهُنَ) أي خلقهن (سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) يعني في وقتين ابتداء وانقضاء (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) فهذا وحي تقدير وتدبير (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) يعني بالنّجوم (وَحِفْظاً) يعني من الشياطين أن تخرق السماء (١).

ثم قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يا محمد (فَقُلْ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٢.

٤٤٣

أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وهم قريش ، وهو معطوف على قوله تعالى : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(١) ، وقوله تعالى : (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يعني نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين ومن خلفهم أنت (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) لم يبعث بشرا مثلنا (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ)(٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (١٥) [سورة فصّلت : ١٥]؟!

الجواب / أقول : إن هؤلاء القوم كانوا يعيشون في أرض «الأحقاف» من (حضرموت) جنوب الجزيرة العربية ، وكانوا يتصفون بوضع استثنائي فريد من حيث القوّة الجسمانية والمالية والتمدّن المادي ، فكانوا يبنون القصور الجميلة والقلاع المحكمة ، خاصة في الأماكن المرتفعة حيث يرمز ذلك إلى قدرتهم ويكون وسيلة لاستعلائهم.

لقد كانوا رجالا مقاتلين أشدّاء ، فأصيبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهرية ومجدهم المادي ، حتى ظنّوا أنّهم أفضل من الجميع ، وأنّ قوّتهم لا تقهر ، ولذلك قاموا بتكذيب الرسل والإنكار عليهم ، وتكالبوا على نبيّهم «هود». لكن القرآن يرد على هؤلاء ودعواهم بالقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً).

أليس الذي خلقهم خلق السماوات والأرض؟

__________________

(١) فصلت : ٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٣.

٤٤٤

بل هل يمكن المقايسة بين هاتين القدرتين ، فأين القدرة المحدودة الفانية من القدرة المطلقة اللامتناهية الأزلية؟! ما للتراب وربّ الأرباب؟!

تضيف الآية في النهاية قوله تعالى : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ). نعم ، إنّ الإنسان الضعيف المحدود سوف يطغى بمجرّد أن يشعر بقليل من القدرة والقوة ، وأحيانا بدافع من جهله ، فيتوهم أنّه يصارع الله جلّ وعلا!!

وقال الصادق عليه‌السلام : «لمّا بعث الله عزوجل هودا ، أسلم له العقب من ولد سام ، وأمّا الآخرون فقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأهلكوا بالريح العقيم ، وأوصاهم هو وبشرهم بصالح عليه‌السلام» (١).

وقال علي عليه‌السلام : «واتعظوا فيها بالذين قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا ، وأنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيافا ، وجعل لهم من الصفيح أجنان ، ومن التراب أكفان ، ومن الرفات جيران» (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)(١٦) [سورة فصّلت : ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) : «والصرصر : الريح الباردة (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي أيام مياشيم» (٣).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله عزوجل : (عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ما هو؟ فقال : «وأي خزي أخزى ـ يا أبا بصير ـ من أن يكون الرجل في بيته ، وحجلته على خوانه وسط عياله ، إذ شق أهله

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٣٦ ، ح ٥.

(٢) نهج البلاغة : ص ١٦٦ ، الخطبة ١١١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٣.

٤٤٥

الجيوب عليه وصرخوا ، فيقول الناس : ما هذا؟ فيقال : مسخ فلان الساعة».

فقلت : قبل [قيام] القائم أو بعده؟ قال : «لا ، بل قبله» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٩) [سورة فصّلت : ١٧ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٢) ، قال : «حتى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه ، وقال تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)(٣) ، قال : بين لها ما تأتي وما تترك ، وقال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٤) ، قال : عرفناه إما آخذا وإما تاركا ، وقال تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ، قال : عرفناهم ، فاستحبوا العمى على الهدى ، وهم يعرفون». وفي رواية : «بينّا لهم» (٥).

وقال أبو الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليه‌السلام : «إن الهداية منه : التعريف ، كقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(٦).

__________________

(١) غيبة النعماني : ص ٢٦٩ ، ح ٤١.

(٢) التوبة : ١١٥.

(٣) الشمس : ٨.

(٤) الإنسان : ٣.

(٥) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٤ ، ح ٣ ، التوحيد : ص ٤١١ ، ح ٤.

(٦) الاحتجاج : ٤٥٣ ، تحف العقول : ص ٤٧٥.

٤٤٦

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)(١) ، قال : «ثمود رهط من الشيعة ، فإن الله سبحانه يقول : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) وهو السيف إذا قام القائم عليه‌السلام» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ، ولم يقل : استحب الله ، كما زعمت المجبرة أن الأعمال ـ وقيل الأفعال ـ أحدثها الله لنا (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يعني ما فعلوه. وقوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يجيئون من كل ناحية (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) [سورة فصّلت : ٢٠ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : أنها نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها ، فيقولون : ما عملنا منها شيئا ، فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم.

__________________

(١) الشمس : ١١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٨٠٤ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٤.

٤٤٧

قال : قال الصادق عليه‌السلام : «فيقولون لله : يا ربّ ، هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا ، وهو قول الله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ)(١) ، وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم ، وينطق جوارحهم ، فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله ، ويشهد البصر بما نظر إلى ما حرم الله ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله ، ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ، ثم أنطق الله ألسنتهم فيقولون : (لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أي من الله (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) والجلود : الفروج.

[وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث ـ : «ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية ، فقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) يعني [بالجلود] : الفروج والأفخاذ](٢).

(وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة ، إن الله تعالى يقول : (ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ) الآية». ثم قال : «إن الله عند ظن عبده به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر» (٤).

وقال عبد الرحمن بن الحجاج : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حديث يرويه الناس في من يؤمر به آخر الناس إلى النار ، فقال : «أما إنه ليس كما يقولون ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فإذا أمر به التفت ، فيقول

__________________

(١) المجادلة : ١٨.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٤.

(٤) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٤.

٤٤٨

الجبار : ردوه. فيردونه ، فيقول له : لم التفتّ إلي؟ فيقول : يا رب ، لم يكن ظني بك هذا. فيقول : وما كان ظنك بي؟ فيقول : يا رب ، كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي ، وتسكنني جنتك. قال : فيقول الجبار : يا ملائكتي ، لا وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع مكاني ، ما ظن بي عبدي هذا ساعة من خير قط ، ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار ، أجيزوا له كذبه ، وأدخلوه الجنة.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من عبد يظن بالله خيرا إلا كان عند ظنّه به ، وذلك قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من عبد ظن بالله خيرا إلا كان عند ظنه به ، ولا ظن به سوءا إلا كان عند ظنه به ، وذلك قوله تعالى : ـ (الآية السابقة)» ـ (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٢٨) [سورة فصّلت : ٢٤ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٤.

(٢) الزهد : ص ٩٧ ، ح ٢٦٢.

٤٤٩

لَهُمْ) أي يخسروا ويحشروا (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي لا يجابوا إلى ذلك ، قوله تعالى : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) يعني الشياطين من الجن والإنس الأردياء (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي ما كانوا يفعلون (وَما خَلْفَهُمْ) أي ما يقال لهم إنه يكون خلفكم كله باطل وكذب (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) والعذاب. وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي تصيّرونه سخرية ولغوا (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتركهم ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (عَذاباً شَدِيداً) في الدنيا (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) في الآخرة (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) والآيات : الأئمة عليهم‌السلام» (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢) [سورة فصّلت : ٢٩ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) ، قال : «هما ، وكان فلان شيطانا» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٤ ، ح ٤.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٣٤ ، ح ٥٢٣.

٤٥٠

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لسورة بن كليب : «يا سورة هما ، والله هما ـ ثلاثا ـ والله يا سورة ، إنا لخزان علم الله في السماء ، وإنا لخزان علم الله في الأرض» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل يصف فيه حال قنفذ وصاحبه يوم القيامة ـ : «فيؤتيان هو وصاحبه ، فيضربان بسياط من نار ، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رمادا ، فيضربان بها ، ثم يجثو أمير المؤمنين عليه‌السلام للخصومة بين يدي الله مع الرابع ، فيدخل الثلاثة في جب ، فيطبق عليهم ، لا يراهم أحد ولا يرون أحدا ، فيقول الذين كانوا في ولايتهم : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) ، قال الله عزوجل : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(٢)» (٣).

وقال الطبرسي ، في قوله تعالى : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) يعنون إبليس الأبالسة ، وقابيل بن آدم أول من أبدع المعصية ، روي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٤).

وقال العالم عليه‌السلام : «من الجن إبليس الذي دلّ على قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار الندوة ، وأضل الناس بالمعاصي ، وجاء بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فلان وبايعه ، ومن الإنس فلان (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ).

ثم ذكر المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) ، قال : على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام [وفي رواية

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٣٤ ، ح ٥٢٤.

(٢) الزخرف : ٤٣ ، ح ٣٩.

(٣) كامل الزيارات : ص ٣٣٢ ، ح ١١.

(٤) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧.

٤٥١

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «استقاموا على الأئمة واحدا بعد واحد ...](١). قوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) ، قال : عند الموت : (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، قال : كنا نحرسكم من الشياطين (وَفِي الْآخِرَةِ) أي عند الموت. [وفي رواية قال أبو جعفر عليه‌السلام : «عند الموت ويوم القيامة»](٢) (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) يعني في الجنة (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما يموت موال لنا ، مبغض لأعدائنا ، إلا ويحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فيرونه ويبشرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوءه ، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لحارث الهمداني :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا» (٤)

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) : «هم الأئمة عليهم‌السلام وتجري فيمن استقام من شيعتنا ، وسلم لأمرنا ، وكتم حديثنا عن عدونا ، تستقبله الملائكة بالبشرى من الله بالجنة ، وقد والله مضى أقوام كانوا على مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا ، وسلموا لأمرنا ، وكتموا حديثنا ، ولم يذيعوه عند عدونا ، ولم يشكوا فيه كما شككتم ، واستقبلتهم الملائكة بالبشرى من الله بالجنة» (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) يقول : «استكملوا طاعة الله وطاعة رسوله وولاية آل محمد عليهم‌السلام : (ثُمَ

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٢ ، ح ٢.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٧ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

(٥) مختصر بصائر الدرجات : ص ٩٦.

٤٥٢

اسْتَقامُوا) [عليها] (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) يوم القيامة (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فأولئك الذين إذا فزعوا يوم القيامة حين يبعثون تتلقاهم الملائكة ويقولون لهم : لا تخافوا ولا تحزنوا نحن كنا معكم في الحياة الدنيا ، لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون» (١).

وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه ، وظهور ملك الموت له ، وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علته ، وعظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله وعياله ، وما هو عليه من اضطراب أحواله في معامليه وعياله ، وقد بقيت [في] نفسه حزازتها ، وانقطعت آماله فلم ينلها.

فيقول له ملك الموت : مالك تجرع غصصك؟ فيقول : لاضطراب أحوالي وانقطاعي دون آمالي ، فيقول له ملك الموت : وهل يجزع عاقل من فقد درهم زائف ، وقد اعتاض عنه بألف ألف ضعف الدنيا؟ [فيقول : لا] فيقول له ملك الموت : فانظر فوقك. فينظر ، فيرى درجات الجنان وقصورها التي تقصر دونها الأماني ، فيقول له ملك الموت : هذه منازلك ونعمك وأموالك وعيالك ومن كان من ذريتك صالحا فهو هناك معك ، أفترضى به بدلا مما ها هنا؟ فيقول : بلى والله.

ثم يقول ملك الموت : انظر. [فينظر] فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما في أعلى عليّين ، فيقول له : أو تراهم هؤلاء ساداتك وأئمتك ، هم هنا جلاسك وأناسك ، أفما ترضى بهم بدلا مما تفارق ها هنا؟ فيقول : بلى

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٦ ، ح ٨.

٤٥٣

وربي. فذلك ما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموه ، ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري والعيال والأموال ، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) هذه منازلكم وهؤلاء أناسكم وجلاسكم و (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣٣) [سورة فصّلت : ٣٣]؟!

الجواب / قال جابر : قلت لمحمد بن علي عليه‌السلام ، قول الله في كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا)(٢) قال : «هما ، والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة ، وكانوا سبعة عشر رجلا».

قال : «لما وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعمار بن ياسر (رحمه‌الله) إلى أهل مكة ، [قالوا : بعث هذا الصبي ، ولو بعث غيره ـ يا حذيفة ـ إلى أهل مكة]. وفي مكة صناديدها؟ وكانوا يسمون عليا عليه‌السلام الصبي ، لأنه كان اسمه في كتاب الله الصبي ، لقول الله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) وهو صبي (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣). وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أن عليا باب الهدى بعدي ، والداعي إلى ربي ، وهو صالح المؤمنين (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) الآية» (٤).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٣٩ ، ح ١١٧.

(٢) النساء : ١٣٧.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٧٩ ، ح ٢٨٦.

(٤) المناقب : ج ٣ ، ص ٧٧.

٤٥٤

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٣٥) [سورة فصّلت : ٣٤ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) : «الحسنة : التقية ، والسيئة : الإذاعة».

وقوله عزوجل : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)(١) قال : «التي هي أحسن : التقية (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمرت بالتقية ، فسارّ بها عشرا حتى أمر أن يصدع بما أمر ، وأمر بها علي ، فسار بها حتى أمر أن يصدع بها ، ثم أمر الأئمة بعضهم بعضا فساروا بها ، فإذا قام قائمنا سقطت التقية وجرد السيد ، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلا بالسيف» (٣).

وعن محمد بن فضيل ، عن العبد الصالح عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) ، فقال : «نحن الحسنة ، وبنو أمية السيئة» (٤).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «صافح عدوك وإن كره ، فإنه مما أمر الله عزّ

__________________

(١) المؤمنون : ٩٦ ، والآية في سورة فصلت بدون ذكر (السيئة) ولعله أراد بها هنا بيان المعنى.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٧٣ ، ح ٦ ، والمحاسن : ص ٢٥٧ ، ح ٢٩٧.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٩ د ح ١٣.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٤٠ ، ح ١٤.

٤٥٥

وجلّ به عباده ، يقول : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) السيئة (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ما تكافئ عدوك بشيء أشد من أن تطيع الله فيه ، وحسبك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي الله عزوجل في الدنيا» (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم أدب الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فقال : ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك ، حتى يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، ثم قال تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٢).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ

__________________

(١) ... ، الخصال : ص ٦٣٣ ، ح ١٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٦.

٤٥٦

هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤) [سورة فصّلت : ٣٦ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي إن عرض بقلبك نزغ من الشيطان فاستعذ بالله ، والمخاطبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعنى للناس. ثم احتج على الدهرية ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) أي ساكنة هامدة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) يعني ينكرون (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) ثم استفهم عزوجل على المجاز ، فقال تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) يعني بالقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ)(١).

وعن الطبرسي : عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) الآية : «معناه أنه ليس في إخباره عما مضى باطل ، ولا في إخباره عما يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلها موافقة لمخبراتها» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : ثم قال تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) يا محمد (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) ، قال : عذاب أليم ، ثم قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) قال : لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا : لو لا أنزل لنا بالعربية ، فقال الله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) أي تبيان

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٣.

٤٥٧

(وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي صمم (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) : «يعني القرآن (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ). قال : «لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ، ولا من قبل الإنجيل والزبور ، وأما (مِنْ خَلْفِهِ) لا يأتيه من بعده كتاب يبطله».

قوله تعالى : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) قال : «لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا : كيف نتعلمه ، ولساننا عربي ، وأتيتنا بقرآن أعجمي؟ فأحب [الله] أن ينزله بلسانهم ، وقد قال الله عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)(٢)» (٣).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ

__________________

(١) تفسير القمي : ص ٢٢٣ «حجرية».

(٢) إبراهيم : ٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٦.

٤٥٨

الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) [سورة فصّلت : ٤٥ ـ ٥١]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : «اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب ، وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم لما يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم ويضرب أعناقهم» (١).

٢ ـ قال إبراهيم بن أبي محمود : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الله تعالى : هل يجبر عباده على المعاصي؟. فقال : «بل يخيرهم ويمهلهم حتى يتوبوا». قلت : فهل يكلف عباده ما لا يطيقون؟ فقال : «وكيف يفعل ذلك؟ وهو يقول : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

ثم قال عليه‌السلام : «حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم‌السلام ، أنه قال : من زعم أن الله تعالى يجبر رعباده على المعاصي ، أو يكلفهم ما لا يطيقون ، فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا» (٢).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) فيقول : (أَيْنَ شُرَكائِي) يعني ما كانوا يعبدون من دون الله (قالُوا آذَنَّاكَ) أي أعلمناك (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي علموا أنه لا محيص لهم ولا ملجأ ولا مفر.

وقوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [أي] لا يمل ولا

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٤ ، ح ١٦.

٤٥٩

يعيى أن يدعو لنفسه بالخير (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) أي يائس من روح الله وفرجه.

وقال علي بن إبراهيم القمي : قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) : إذا أغنى الله العبد ثم افتقر أصابه اليأس والجزع والهلع ، وإذا كشف الله عنه ذلك فرح ، وقال : ذهب السيئات عني (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). ثم قال : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(١) قال : صبروا في الشدة ، وعملوا الصالحات في الرخاء (٢).

ثم قال تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أي يتجبّر ـ وروي يتبختر ـ ويتعظم ويستحقر من هو دونه (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) يعني الفقر والمرض والشدة (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي يكثر الدعاء (٣).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)(٥٤)

[سورة فصّلت : ٥٢ ـ ٥٤]؟!

الجواب / قال الطبرسي : (قُلْ) يا محمد (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقيل : إن كان هذا الإنعام من عند الله (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) وجحدتموه (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي في خلاف للحق ، وهو أنتم. والشقاق والمشاقة : الميل إلى شق العداوة أي : فلا أحد أضل منكم (٤).

__________________

(١) هود : ١١.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٢٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٦.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣.

٤٦٠