التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) (٤٤) [سورة سبأ : ٤٢ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : يقول الله سبحانه : (فَالْيَوْمَ) يعني في الآخرة (لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) يعني العابدين والمعبودين (نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أي : نفعا بالشفاعة ، ولا ضرا بالتعذيب (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) بأن عبدوا غير الله (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أي : تعترفون بها ، وتجحدونها. ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي : تقرأ عليهم حججنا (بَيِّناتٍ) أي : واضحات من القرآن الذي أنزلناه على نبينا. (قالُوا) عند ذلك (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ) أي : يمنعكم (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) فزعوا إلى تقليد الآباء لما أعوزتهم الحجة (وَقالُوا ما هذا) القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) أي : كذب (مُفْتَرىً) قد تخرصه وافتراه. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) أي : للقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا) أي : ليس هذا (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر. ثم أخبر سبحانه أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة ، فقال : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) أي : وما أعطينا مشركي قريش كتابا قط يدرسونه ، فيعلمون بدرسه أن ما جئت به حق أو باطل ، وإنما يكذبونك بهواهم من غير حجة (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي : رسول أمرهم بتكذيبك ، وأخبرهم ببطلان قولك ، يعني أنهم لا يرجعون في تكذيبك إلا إلى الجهل والعناد ، واتباع الهوى (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٤.

١٦١

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٥) [سورة سبأ : ٤٥]؟!

الجواب / قال هشام بن عمّار ، يرفعه ، في قوله : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، قال : «كذب الذين من قبلهم رسلهم ، وما بلغ ما آتينا رسلهم معشار ما آتينا محمّدا وآل محمد عليهم‌السلام» (١).

وقال الطبرسيّ : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : عقوبتي وتغييري حالهم ، وقيل : معناه أنظر في آثارهم كيف كان إنكاري عليهم بالهلاك ، والمراد : إنا كما أهلكنا أولئك حين كذبوا رسلنا ، فليحذر هؤلاء مثل ما نزل بهم من الهلاك والاستئصال (٢).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦) [سورة سبأ : ٤٦]؟!

الجواب / قال يعقوب بن يزيد ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) ، قال : «بالولاية».

قلت : وكيف ذاك؟

قال : «إنّه لمّا نصّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام للناس ، فقال : من

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٤.

١٦٢

كنت مولاه فعليّ مولاه ، اغتابه رجل ، وقال : إنّ محمدا ليدعو كلّ يوم إلى أمر جديد ، وقد بدأ بأهل بيته يملّكهم رقابنا.

فأنزل الله عزوجل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك قرآنا ، فقال له : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، فقد أديت إليكم ما افترض ربكم عليكم».

قلت : فما معنى قوله عزوجل : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى)؟ فقال : «أما مثنى : يعني طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطاعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأما قوله فرادى : فيعني طاعة الإمام من ذريتهما من بعدهما ، ولا والله ـ يا يعقوب ـ ما عنى غير ذلك» (١).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قوله : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، قال : «فإن الله جلّ ذكره أنزل عزائم الشرائع ، وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ولو شاء الله لخلقها في أقلّ من لمح البصر ، ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا لأمنائه ، وإيجابا لحججه على خلقه ، فكان أول ما قيدهم به : الإقرار له بالوحدانيّة والربوبيّة ، والشهادة بأن لا إله إلا الله ، فلما أقرّوا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، والشهادة له بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ، ثم الزكاة ، ثم الصوم ، ثم الحج ، ـ وقيل ثم الجهاد ـ ، ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفيء.

فقال المنافقون : هل بقي لربّك علينا بعد الذي فرض شيء آخر يفترضه ، فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره؟ فأنزل الله في ذلك : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) يعني الولاية ، وأنزل الله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٢) ، وليس بين الأمّة خلاف أنه

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٧ ، ح ١٠.

(٢) المائدة : ٥٥.

١٦٣

لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل واحد ، لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره ، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل معناه المحرّفون ، فيبلغ إليك وإلى أمثالك ، وعند ذلك قال الله عزوجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١)» (٢).

وقال الطبرسي : في قوله تعالى : (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) معناه : أن يقوم الرجل منكم وحده ، أو مع غيره ، ثم تتساءلون هل جربنا على محمد كذبا ، أو هل رأينا به جنة. ففي ذلك دلالة على بطلان ما ذكرتم فيه ، وليس معنى القيام هنا القيام على الأرجل ، وإنما المراد به القصد للإصلاح والإقبال عليه مناظرا مع غيره ، ومتفكرا في نفسه ، لأن الحق إنما يتبين للإنسان بهما.

وقد تم الكلام عند قوله (تَتَفَكَّرُوا). وما للنفي ، قال قتادة : أي ليس بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنون ، وإن جعلت تمام الكلام آخر الآية ، فالمعنى : ثم تتفكروا أي شيء بصاحبكم من الجنون أي : هل رأيتم ، من منشئه إلى مبعثه ، وصمة تنافي النبوة ، من كذب ، أو ضعف في العقل ، أو اختلاف في القول والفعل ، فيدل ذلك على الجنون.

(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ) أي : مخوف من معاصي الله (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) : عذاب القيامة (٣).

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) الاحتجاج : ص ٢٥٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٥.

١٦٤

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(٤٧) [سورة سبأ : ٤٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً)(١) : «من تولى الأوصياء من آل محمد ، واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم عليه‌السلام ، وهو قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها)(٢) ، يدخله الجنة وهو قول الله عزوجل : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) ، يقول : أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم ، تهتدون به ، وتنجون من عذاب يوم القيامة» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) : «وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل قومه أن يوادوا أقاربه ولا يؤذوهم ، وأما قوله : (فَهُوَ لَكُمْ) يقول : ثوابه لكم» (٤).

وقال الطبرسيّ : (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي : ليس ثواب عملي إلا على الله ، فهو يثيبني عليه ، ولا يضيعه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : عليم به ، لم يغب عنه شيء فيعلم ما يلحقني من أذاكم (٥).

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) النمل : ٨٩.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٩ ، ح ٥٧٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٤.

(٥) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٦.

١٦٥

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (٥٠) [سورة سبأ : ٤٨ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : قوله (قُلْ) يا محمد (إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) ويلقيه إلى أنبيائه. (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) علم جميع الخفيات ، وما غاب عن خلقه في الأرضين ، والسنوات.

(قُلْ) يا محمد (جاءَ الْحَقُ) وهو أمر الله تعالى بالإسلام والتوحيد. وقيل : هو الجهاد بالسيف ، (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي : ذهب الباطل ذهابا لم يبق منه إبداء ، ولا إعادة ، ولا إقبال ، ولا إدبار ، لأن الحق إذا جاء لا يبقى للباطل بقية. وقيل : إن الباطل إبليس لا يبدىء الخلق ، ولا يعيدهم ، وقيل : معناه ما يبدىء الباطل لأهله خيرا في الدنيا ، ولا يعيد خيرا في الآخرة : ويجوز أن يكون ما استفهاما في موضع نصب على معنى : وأي شيء يبدىء الباطل ، وأي شيء يعيده. قال ابن مسعود : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود في يده ، ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ).

أقول وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «عليك بالمساكين فأشبعهم ، فإنّ الله عزوجل يقول : (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ)(١).

ثم قال الطبرسي : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ) عن الحق كما تدعون (فَإِنَّما أَضِلُ

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٩٩ ، ح ١٦.

١٦٦

عَلى نَفْسِي) أي : فإنما يرجع وبال ضلالي علي ، لأني مأخوذ به دون غيري (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ) إلى الحق (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي : بفضل ربي حيث أوحى إلي ، فله المنة بذلك علي ، دون خلقه (إِنَّهُ سَمِيعٌ) لأقوالنا (قَرِيبٌ) منا فلا يخفى عليه المحق والمبطل (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(٥٤) [سورة سبأ : ٥٤ ـ ٥١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والله لكأني أنظر إلى القائم عليه‌السلام وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : يا أيها الناس ، من يحاجّني في الله فأنا أولى بالله. أيها الناس ، من يحاجّني في آدم فأنا أولى بآدم. أيها الناس ، من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح. أيها الناس ، من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم. أيها الناس ، من يحاجني في موسى فأنا أولى بموسى. أيها الناس ، من يحاجني في عيسى فأنا أولى بعيسى. أيها الناس ، من يحاجني في رسول الله فأنا أولى برسول الله. أيها الناس ، من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله. ثم ينتهي إلى المقام ، فيصلي ركعتين ، وينشد الله حقه».

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هو والله المضطر في كتاب الله ، في قوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(٢) ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٢٦.

(٢) النمل : ٦٢.

١٦٧

فيكون أول من يبايعه جبرئيل ، ثم الثلاث مائة والثلاثة عشر رجلا ، فمن كان ابتلي بالمسير وافى ، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه ، وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : هم المفقودون عن فرشهم. وذلك قول الله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(١) ـ قال ـ الخيرات : الولاية ، وقال في موضع آخر : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(٢) ، وهم أصحاب القائم عليه‌السلام ، يجتمعون إليه في ساعة واحدة.

فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني ، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم ، وهو قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بالقائم من آل محمد عليهم‌السلام ، (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ـ إلى قوله ـ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) يعني أن لا يعذبوا (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا). قال : «من الصوت ، وذلك الصوت من السماء».

وفي قوله : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) قال : «من تحت أقدامهم خسف بهم» (٤).

وقال أبو حمزة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، قال : «إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال ، وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال» (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٤٨.

(٢) هود : ٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٥.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٦.

١٦٨

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يكون لصاحب هذا الأمر غيبه ـ وذكر حديثا طويلا يتضمّن غيبة صاحب الأمر عليه‌السلام وظهوره ، إلى أن قال عليه‌السلام ـ فيدعو الناس ـ يعني القائم عليه‌السلام ـ إلى كتاب الله ، وسنّة نبيه ، والولاية لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والبراءة من عدوّه ، ولا يسمّي أحدا ، حتى ينتهي إلى البيداء ، فيخرج إليه جيش السفيانيّ ، فيأمر الله الأرض فتأخذهم من تحت أقدامهم ، وهو قول الله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقائم آل محمّد (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) يعني بقائم آل محمد ـ إلى آخر السورة ـ فلا يبقى منهم إلا رجلان ، يقال لهما : وتر ، ووتير ، من مراد ، وجوههما في أقفيتهما ، يمشيان القهقرى ، يخبران الناس بما فعل بأصحابهما» (١).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٤٩.

١٦٩
١٧٠

تفسير

سورة فاطر

رقم السورة ـ ٣٥ ـ

١٧١
١٧٢

سورة فاطر

* س ١ : ما هو فضل سورة فاطر؟!

الجواب / روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة يريد بها ما عند الله تعالى نادته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنّة ، وكل باب يقول : هلم ادخل مني إلى الجنة ، فيدخل من أيها شاء ، ومن كتبها في قارورة ، وجعلها في حجر من شاء من الناس ، لم يقدر أن يقوم من مكانه حتى ينزعها من حجره ، بإذن الله تعالى» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في قارورة وأحرز ما عليها ، وجعلها مع من أراد ، لم يخرج من مكانه حتى يرفعها عنه ، وإن تركها في حجر رجل على غفلة ، لم يقدر أن يقوم من موضعه حتى يرفع عنه ، بإذن الله تعالى» (٢).

قال معاوية بن وهب : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام : فصدع ابن لرجل من أهل مرو وهو عنده جالس. قال : فشكا ذلك إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أدنه مني» قال : فمسح على رأسه ، ثم تلا : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أصابته زلزلة فليقرأ : يا من يمسك

__________________

(١) خواص القرآن : ص ٤٨ (مخطوط).

(٢) خواص القرآن : ص ٤٨ (مخطوط).

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٨٤ ، والآية من سورة فاطر : ٤١.

١٧٣

السماوات والأرض أن تزولا ، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ، صلّ على محمد وآل محمد ، وأمسك عني السوء إنك على كل شيء قدير». قال : «من قرأها عند النوم لم يسقط عليه البيت ، إن شاء الله تعالى» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) [سورة فاطر : ١]؟!

الجواب / قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الملائكة على ثلاثة أجزاء : جزء له جناحان ، وجزء له ثلاثة أجنحة ، وجزء له أربعة أجنحة» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ في الجنة نهرا يغتمس فيه جبرئيل عليه‌السلام كلّ غداة ، ثم يخرج منه فينتفض ، فيخلق الله عزوجل من كل قطرة تقطر منه ملكا» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «خلق الله الملائكة مختلفة ، وقد رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل له ستمائة جناح ، على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل ، وقد ملأ ما بين السماء والأرض».

وقال : «إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة ، والأخرى في الأرض السابعة ، وإن لله ملائكة أنصافهم من برد ، وأنصافهم من نار ، يقولون : يا مؤلفا بين البرد والنار ، ثبّت قلوبنا على طاعتك».

وقال : «إن لله عزوجل ملكا بعد ما بين شحمة أذنيه إلى عينيه مسيرة

__________________

(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٩٤ ، ح ٨٩٢.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧٢ ، ح ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧٢ ، ح ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

١٧٤

خمسمائة عام بخفقان الطير».

وقال : «إن الملائكة لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا ينكحون ، وإنما يعيشون بنسيم العرش ، وإن لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة ، وإن لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من شيء مما خلق الله أكثر من الملائكة ، وإنه ليهبط في كل يوم ، أو في كل ليلة سبعون ألف ملك ، فيأتون البيت الحرام ، فيطوفون به ، ثم يأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يأتون أمير المؤمنين عليه‌السلام فيسلمون عليه ، ثم يأتون الحسين عليه‌السلام فيقيمون عنده ، فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ، ثم لا يعودون أبدا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله تعالى خلق جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل من سبحة (٢) واحدة ، جعل لهم السمع ، والبصر ، وجودة العقل ، وسرعة الفهم» (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خلق الملائكة : «وملائكة خلقتهم ، وأسكنتهم سماواتك ، ليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاء ، فأسكنتهم سماواتك ، وأكرمتهم بجوارك ، وائتمنتهم على وحيك ، وجنبتهم الآفات ، ووقيتهم البليات ، وطهرتهم من الذنوب.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٢٠٦.

(٢) السبحة (بضم السين) : الدعاء ، وبفتحها : المرّة.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٦.

١٧٥

ولو لا قوتك لم يقووا ، ولو لا تثبيتك لم يثبتوا ، ولو لا رحمتك لم يطيعوا ، ولو لا أنت لم يكونوا ، أما إنهم على مكاناتهم منك ، وطاعتهم إياك ، ومنزلتهم عندك ، وقلة غفلتهم عن أمرك ، لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ، ولزروا (١) على أنفسهم ، ولعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك ، سبحانك خالقا ومعبودا ، ما أحسن بلاءك عند خلقك» (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢) [سورة فاطر : ٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قول الله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) «والمتعة من ذلك» (٣).

وقال عليه‌السلام أيضا : «هي ما أجرى الله على لسان الإمام» (٤).

وقال الشيخ الطبرسي : ثم بين سبحانه إنعامه على خلقه فقال : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) أي. ما يأتيهم به من مطر ، أو عافية ، أو أي نعمة شاء ، فإن أحدا لا يقدر على إمساكه. (وَما يُمْسِكْ) من ذلك (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي : فإن أحدا لا يقدر على إرساله. وقيل. معناه ما يرسل الله من رسول إلى عباده في وقت دون وقت ، فلا مانع له ، لأن إرسال الرسول رحمة من الله ، كما قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) وما يمسكه في زمان الفترة ، أو عمن يقترحه من الكفار ، فلا مرسل له. واللفظ محتمل للجميع (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : القادر الذي لا يعجز (الْحَكِيمُ) في أفعاله ، إن أنعم ، وإن أمسك ، لأنه يفعل ما تقتضيه الحكمة (٥).

__________________

(١) زرى عليه : عابه.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٧.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٧٨ ، ح ١.

(٥) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٢.

١٧٦

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(٥) [سورة فاطر : ٣ ـ ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب المؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الظاهرة والباطنة التي من جملتها أنه خلقكم ، وأوجدكم ، وأحياكم ، وأقدركم ، وشهاكم (١) ، وخلق لكم أنواع الملاذ والمنافع (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) هذا استفهام تقرير لهم ، ومعناه النفي ، ليقروا بأنه لا خالق إلا الله ، يرزق من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات. وهل يجوز إطلاق لفظ الخالق على غير الله سبحانه؟ فيه وجهان أحدهما : إنه لا تطلق هذه اللفظة على أحد سواه ، وإنما يوصف به غيره على جهة التقييد ، وإن جاز إطلاق لفظ الصانع ، والفاعل ، ونحوهما على غيره والآخر. إن المعنى لا خالق يرزق ويخلق الرزق ، إلا الله تعالى. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا معبود يستحق العبادة سواه سبحانه. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي : كيف تصرفون عن طريق الحق إلى الضلال. وقيل : معناه أنى يعدل بكم عن هذه الأدلة التي أقمتها لكم على التوحيد ، مع وضوحها. ثم سلى سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تكذيب قومه إياه ، فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازي من كذب رسله ، وينصر من كذب من رسله ، ثم خاطب الخلق فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) من البعث والنشور ، والجنة والنار ، والجزاء والحساب. (حَقٌ

__________________

(١) شهاه : حمله على الشهوة.

١٧٧

صدق كائن لا محالة (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فتغترون بملاذها ونعيمها ، ولا يخدعنكم حب الرياسة ، وطول البقاء ، فإن ذلك عن قليل نافد بائد ، ويبقى الوبال والوزر (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الذي عادته أن يغر غيره ، والدنيا وزينتها بهذه الصفة ، لأن الخلق يغترون بها. وقيل : إن الغرور الشيطان الذي هو إبليس (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (٧) [سورة فاطر : ٧ ـ ٦]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «لا يتمكّن الشيطان بالوسوسة من العبد إلّا وقد أعرض عن ذكر الله تعالى ، واستهان وسكن إلى نهيه ، ونسي اطّلاعه على سرّه ، فالوسوسة ما تكون من خارج القلب بإشارة معرفة العقل ومجاورة الطبع ، وأمّا إذا تمكن في القلب فذلك غيّ وضلالة وكفر ، والله عزوجل دعا عباده بلطف دعوته وعرّفهم عداوة إبليس ، فقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)(٢).

وقال الشيخ الطبرسي : ثم إنه سبحانه حذرهم الشيطان فقال : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) يدعوكم إلى ما فيه الهلاك والخسر ، ويصرفكم عن أفعال الخير والبر ، ويدعوكم إلى الشر (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي : فعادوه ولا تتبعوه بأن تعملوا على وفق مراده ، وتذعنوا لانقياده (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أي : أتباعه ، وأولياءه ، وأصحابه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) أي : النار المسعرة. والمعنى : إنه لا سلطان له على المؤمنين ، ولكنه يدعو أتباعه إلى ما يستحقون به النار.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٢) مصباح الشريعة : ص ٧٩.

١٧٨

ثم بين سبحانه حال من أجابه ، وحال من خالفه فقال : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) جزاء على كفرهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أي : ثواب عظيم (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨) [سورة فاطر : ٨]؟!

الجواب / قال عليه‌السلام : «نزلت في زريق ، وحبتر» (٢).

وقال الطّبرسي ، في (الاحتجاج) : عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام ، في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض ـ وذكر الرسالة إلى أن قال عليه‌السلام : ـ «[فإن قالوا ما الحجة في قول الله تعالى :] (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(٣) ، وما أشبه ذلك؟ قلنا : فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين ، أحدهما : أنه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء وضلالة من يشاء ، ولو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب ، ولا عليهم عقاب ، على ما شرحناه. والمعنى الآخر : أنّ الهداية منه : التعريف ، كقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(٤). وليس كلّ آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها ، وهي قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ)(٥) الآية ، وقال :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٣٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٧.

(٣) إبراهيم : ٤.

(٤) فصلت : ١٧.

(٥) آل عمران : ٧.

١٧٩

(فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١)» (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) (٩) [سورة فاطر : ٩]؟!

الجواب / عن ابن العرزميّ ، رفعه ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسئل عن السحاب ، أين يكون؟ قال : «يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه ، فإذا أراد الله عزوجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته ، ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق ـ وهو البرق ـ فيرتفع». ثم قرأ هذه الآية : («وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) الآية ، والملك اسمه (الرّعد)» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : ثم احتج عزوجل على الزنادقة ، والدهرية ، فقال : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) ، وهو الذي لا نبات فيه (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، أي بالمطر ، ثم قال : (كَذلِكَ النُّشُورُ)(٤).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠) [سورة فاطر : ١٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسي : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)

__________________

(١) الزمر : ١٧ و ١٨.

(٢) الاحتجاج : ص ٤٥٣.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢١٨ ، ح ٢٦٨.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠٧.

١٨٠