التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

ثم قال علي بن إبراهيم : وحدثني أبي ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سبق العلم ، وجفّ القلم ، ومضى القضاء ، وتم القدر بتحقيق الكتاب ، وتصديق الرسل ، بالسعادة من الله لمن آمن واتّقى ، والشقاء لمن كذب وكفر بالولاية من الله للمؤمنين ، وبالبراءة منه للمشركين.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يقول : يا بن آدم ، بمشيّتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبقوّتي وعصمتي وعافيتي أديت إلي فرائضي ، وأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بذنبك مني ، الخير مني إليك واصل بما أوليتك ، والشرّ مني إليك بما جنيت جزاء ، وبكثير من تسليطي لك انطويت عن طاعتي ، وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء الحسن عندي بالإحسان ، ثم لم أدع تحذيرك بي ، ثم لم آخذك عند غرتك ، وهو قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) ، لم أكلفك فوق طاقتك ، ولم أحملك من الأمانة إلا ما أقررت بها على نفسك ، ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني ، ثم قال عزوجل : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً)(١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٠.

٢٠١
٢٠٢

تفسير

سورة يس

رقم السورة ـ ٣٦ ـ

٢٠٣
٢٠٤

سورة يس

* س ١ : ما هو فضل سورة (يس)؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن يس ، فمن قرأها قبل أن ينام ، أو في نهاره قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتى يمسي.

ومن قرأها في ليله قبل أن ينام وكّل الله به ألف ملك يحفظونه من شر كل شيطان رجيم ، ومن كل آفة ، وإن مات في يومه أدخله الله الجنّة ، وحضر غسله ثلاثون ألف ملك ، كلهم يستغفرون له ، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له. فإذا دخل في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون الله ، وثواب عبادتهم له ، وفسح له في قبره مد بصره ، وأؤمن من ضغطة القبر ، ولم يزل له في قبره نور ساطع إلى عنان السماء إلى أن يخرجه الله من قبره ، فإذا أخرجه لم تزل ملائكة الله يشيعونه ، ويحدثونه ، ويضحكون في وجهه ، ويبشرونه بكل خير حتى يجوزوا به على الصراط والميزان ، ويوقفونه من الله موقفا لا يكون عند الله خلق أقرب منه إلا ملائكة الله المقربون ، وأنبياؤه المرسلون ، وهو مع النبيين واقف بين يدي الله ، لا يحزن مع من يحزن ، ولا يهتمّ مع من يهتم ، ولا يجزع مع من يجزع.

ثم يقول له الرب تبارك وتعالى : اشفع ـ عبدي ـ أشفّعك في جميع ما تشفع ، وسلني أعطك ـ عبدي ـ جميع ما تسأل. فيسأل فيعطى ، ويشفع فيشفّع ، ولا يحاسب فمن يحاسب ، ولا يوقف مع من يوقف ، ولا يذلّ مع

٢٠٥

من يذلّ ، ولا يكتب بخطيئته ، ولا بشيء من سوء عمله ، ويعطى كتابا منشورا حتى يهبط من عند الله ، فيقول الناس بأجمعهم : سبحان الله ، ما كان لهذا العبد من خطيئة واحدة! ويكون من رفقاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام قال : «من قرأ سورة يس في عمره مرّة كتب الله له بكلّ خلق في الدنيا ، وبكل خلق في الآخرة ، وفي السماء ، وبكل واحد ألفي ألف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ، ولم يصبه فقر ، ولا غرم (٢) ، ولا هدم ، ولا نصب ، ولا جنون ، ولا جذام ، ولا وسواس ، ولا داء يضرّه ، وخفف الله عنه سكرات الموت وأهواله ، وولي قبض روحه ، وكان ممن يضمن الله له السعة في معيشته ، والفرج عند لقائه ، والرضا بالثواب في آخرته ، وقال الله تعالى لملائكته أجمعين ، من في السماوات ومن في الأرض : قد رضيت عن فلان ، فاستغفروا له» (٣).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة يريد بها الله عزوجل غفر الله له ، وأعطي من الأجر كأنّما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرّة ؛ وأيما مريض قرئت عليه عند موته نزل عليه بعدد كل آية عشرة أملاك ، يقومون بين يديه صفوفا ، ويستغفرون له ، ويشهدون موته ، ويتبعون جنازته ، ويصلون عليه ، ويشهدون دفنه.

وإن قرأها المريض عند موته لم يقبض ملك الموت روحه حتى يؤتى بشراب من الجنة ويشربه ، وهو على فراشه ، فيقبض ملك الموت روحه وهو ريّان ، فيدخل قبره وهو ريان ، ويبعث وهو ريان ، ويدخل الجنة وهو ريان ؛

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٠.

(٢) الغرم : الدّين. «لسان العرب ـ غرم ـ ج ١٢ ، ص ٤٣٦».

(٣) ثواب الأعمال : ص ١١١.

٢٠٦

ومن كتبها وعلّقها عليه كانت حرزه من كلّ آفة ومرض» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها بماء ورد وزعفران سبع مرات ، وشربها سبع مرات متواليات ، كل يوم مرة ، حفظ كل ما سمعه ، وغلب على من يناظره ، وعظم في أعين الناس.

ومن كتبها وعلقها على جسده أمن على جسده من الحسد والعين ، ومن الجنّ والإنس ، والجنون والهوام ، والأعراض ، والأوجاع ، بإذن الله تعالى ، وإذا شربت ماءها امرأة درّ لبنها ، وكان فيه للمرضع غذاء جيدا بإذن الله تعالى» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢) [سورة يس : ١ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال سفيان بن سعيد الثوري : قلت للصادق عليه‌السلام : يا بن رسول الله ، ما معنى قول الله عزوجل : (يس)؟ قال : «اسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعناه : يا أيها السامع الوحي ، (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ

__________________

(١) نحوه في مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٤٦ ، جوامع الجامع : ص ٣٩٠.

(٢) خواص القرآن : ص ٦ «قطعة منه».

٢٠٧

الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «يس اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدليل على ذلك قوله : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ قال ـ على الطريق الواضح».

(تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) قال : القرآن

(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) يعني نزل بهم العذاب (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). قال : قوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) قال : قد رفعوا رؤوسهم (٢).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ).

قال : «لتنذر القوم الذين أنت فيهم كما أنذر آباؤهم فهم غافلون عن الله ، وعن رسوله ، وعن وعيده (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) ممن لا يقرون بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة من بعده (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بإمامة أمير المؤمنين والأوصياء من بعده ، فلما لم يقروا كانت عقوبتهم ما ذكر الله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) في نار جهنم ؛ ثم قال : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) عقوبة منه حيث أنكروا ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة من بعده ، هذا في الدنيا ، وفي الآخرة في نار جهنم مقمحون.

ثم قال : يا محمد : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بالله ، وبولاية علي ومن بعده ، ثم قال : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) يعني أمير

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢١١.

٢٠٨

المؤمنين عليه‌السلام (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ) يا محمد (بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)(١).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن موسى بن جعفر ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، في سؤال يهودي ، قال له اليهودي : فإن إبراهيم عليه‌السلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث.

قال علي عليه‌السلام : «لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجب عن من أراد قتله بحجب خمس ، ثلاثة بثلاثة ، واثنان فضل ، قال الله عزوجل وهو يصف أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) فهذا الحجاب الأول (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) فهذا الحجاب الثاني (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) فهذا الحجاب الثالث ، ثم قال : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً)(٢) فهذا الحجاب الرابع ، ثم قال : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) فهذه خمسة حجب» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ) ، يقول : «فأعميناهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الهدى ، أخذ الله بسمعهم ، وأبصارهم ، وقلوبهم ، فأعماهم عن الهدى ، نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام يصلي وقد حلف أبو جهل (لعنه الله) لئن رآه يصلي ليدمغنه ، فجاء ومعه حجر ، والنبي قائم يصلي ، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ، ولا يدور الحجر بيده ، فلما

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٩٠.

(٢) الإسراء : ٤٥.

(٣) الاحتجاج : ص ٢١٣.

٢٠٩

رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده ، ثم قام رجل آخر ، وهو من رهطه أيضا ، وقال : أنا أقتله ، فلما دنا منه فجعل يسمع قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرعب ، فرجع إلى أصحابه ، فقال : حال بيني وبينه كهيئة الفحل (١) ، يخطر بذنبه ، فخفت أن أتقدم».

وقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) قال : «فلم يؤمن من أولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة» (٢).

وقال علي بن إبراهيم القمي : أي في كتاب مبين (٣).

وذكر ابن عباس ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال : «أنا ـ والله ـ الإمام المبين ، أبين الحق من الباطل ، ورثته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحابه : ائتوا بحطب ، فقالوا : يا رسول الله ، نحن بأرض قرعاء ، ما بها من حطب. قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه ، فجاءوا به حتى رموا به بين يديه ، بعضه على بعض. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هكذا تجتمع الذنوب ، ثم قال : وإياكم والمحقرات من الذنوب ، فإن لكل شيء طالبا ، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(٥).

وفي رواية أخرى قال أبو جعفر عليه‌السلام : «... لا يقول أحدكم؟ أذنب وأستغفر ، إن الله عزوجل يقول : ـ وذكر الآية ـ» (٦).

__________________

(١) الفحل : الذكر القوي من كل حيوان. «المعجم الوسيط : ج ٢ ، ص ٦٧٦».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٢.

(٣) وفي طبعات أخرى زيادة : وهو محكم.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٢.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ح ٣.

(٦) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٠.

٢١٠

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي أسامة زيد بن الشحام : «اتّقوا المحقّرات من الذنوب ، فإنها لا تغتفر» قلت : وما المحقرات؟ قال : «الرجل يذنب الذنب ، فيقول : طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك» (١).

وقال الحسين بن علي عليه‌السلام : «لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) قام أبو بكر وعمر من مجلسيهما ، فقالا :

يا رسول الله ، هو التوراة؟ قال : لا. قالا : فهو الإنجيل؟ قال : لا. قالا : فهو القرآن؟ قال : لا ـ قال ـ فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو هذا ، إنّه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شيء» (٢).

* س ٣ : ما اسم القرية التي ذكرها الله في قوله :

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٧) [سورة يس : ١٧ ـ ١٣]؟!

وما هي قصة الرسل؟!

الجواب / القرية هي (أنطاكية) واحدة من أقدم مدن الشام التي بنيت ـ على قول البعض ـ بحدود ثلاثمائة سنة قبل الميلاد. وكانت تعدّ من أكبر ثلاث مدن رومية في ذلك الزمان من حيث الثروة والعلم والتجارة.

تبعد (أنطاكية) مائة كيلومتر عن مدينة حلب ، وستين كيلو مترا عن الإسكندرية.

فتحت من قبل (أبي عبيد الجراح) في زمن عمر ، وقبل أهلها دفع

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ح ١.

(٢) معاني الأخبار : ص ٩٥ ، ح ١.

٢١١

الجزية والبقاء على ديانتهم.

احتلها الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم بعد ذلك حينما أراد الفرنسيون ترك الشام ، ولرغبتهم في عدم وقوع الضرر على أهل أنطاكية بعد خروجهم لأنهم نصارى مثلهم ، ألحقوها إلى الأراضي التركية.

(أنطاكية) تعتبر بالنسبة إلى النصارى كالمدينة المنورة للمسلمين ، المدينة الثانية في الأهمية بعد بيت المقدس ، التي ابتدأ المسيح عليه‌السلام منها دعوته ، ثم هاجر بعض من آمن بالمسيح عليه‌السلام ـ بولس وبرنابا ـ إلى أنطاكية ودعوا الناس هناك إلى المسيحية ، وبذا انتشرت المسيحية هناك ، وبهذا اللحاظ أشار القرآن الكريم إلى هذه المدينة لأهميتها.

قصة الرسل

قال أبو حمزة الثماليّ : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن تفسير هذه الآية. فقال : «بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية ، فجاءاهم بما لا يعرفون ، فغلظوا عليهما ، فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام ، فبعث الله الثالث ، فدخل المدينة ، فقال : أرشدوني إلى باب الملك. قال : فلما وقف على الباب ، قال : أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض ، وقد أحببت أن أعبد إله الملك. فأبلغوا كلامه الملك ، فقال : أدخلوه إلى بيت الآلهة. فأدخلوه ، فمكث سنة مع صاحبيه ، فقال لهما : بهذا ينقل قوم من دين إلى دين ، بالخرق (١) ، ألا رفقتما؟! ثم قال لهما : لا تقران بمعرفتي.

ثم أدخل على الملك ، فقال له الملك : بلغني أنك كنت تعبد إلهي ، فلم

__________________

(١) الخرق : نقيض الرّفق. «لسان العرب ـ خرق ـ ج ١٠ ، ص ٧٥».

٢١٢

أزل وأنت أخي ، فسلني حاجتك. قال : مالي من حاجة ـ أيها الملك ـ ولكني رأيت رجلين في بيت الآلهة ، فما بالهما؟ قال الملك : هذان رجلان أتياني يضلاني عن ديني ، ويدعواني إلى إله سماوي. فقال : أيها الملك ، مناظرة جميلة ، فإن يكن الحق لهما اتبعناهما ، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا ، فكان لهما مالنا ، وعليهما ما علينا».

قال : «فبعث الملك إليهما ، فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما : ما الذي جئتما به؟ قالا : جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض ، ويخلق في الأرحام ما يشاء ، ويصور كيف يشاء ، وأنبت الأشجار والثمار ، وأنزل القطر من السماء ـ قال ـ فقال لهما : إلهكما هذا الذي تدعوان إليه ، وإلى عبادته ، إن جئنا بأعمى يقدر أن يرده صحيحا؟ قالا : إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء. قال : أيها الملك ، عليّ بأعمى لم يبصر شيئا قط. فأتي به ، فقال : ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا ، فقاما ، وصليا ركعتين ، فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء. فقال : أيها الملك ، علي بأعمى آخر ، فأتي به ، فسجد سجدة ، ثم رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر بصير.

فقال : أيها الملك ، حجة بحجة ، علي بمقعد ، فأتي به ، فقال لهما مثل ذلك ، فصليا ، ودعوا الله ، فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه ، وقام يمشي. فقال : أيها الملك ، عليّ بمقعد آخر ، فأتي به ، فصنع به كما صنع أول مرة ، فانطلق المقعد ، فقال : أيها الملك ، قد أتيا بحجتين وأتينا بمثله ، ولكن بقي شيء واحد ، فإن هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ، ثم قال : أيها الملك ، بلغني أنه كان للملك ابن واحد ، ومات ، فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما ، فقال له الملك : وأنا أيضا معك.

ثم قال لهما : قد بقيت هذه الخصلة الواحدة : قد مات ابن الملك ، فادعوا إلهكما ليحييه. فوقعا إلى الأرض ساجدين لله ، وأطالا السجود ، ثم

٢١٣

رفعا رأسيهما ، وقالا للملك : ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره ، إن شاء الله ، قال : فخرج الناس ينظرون ، فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب.

قال : فأتي به إلى الملك ، فعرف أنه ابنه ، فقال له : ما حالك ، يا بني؟ قال : كنت ميتا فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني ، فأحياني. قال : يا بني تعرفهما إذا رأيتهما؟ قال : نعم. قال : فأخرج الناس جملة إلى الصحراء ، فكان يمرّ عليه رجل رجل ، فيقول له أبوه : انظر. فيقول : لا ، لا. ثم مرّوا عليه بأحدهما بعد جمع كثير ، فقال : هذا أحدهما. وأشار بيده إليه ، ثم مروا أيضا بقوم كثير ، حتى رأى صاحبه الآخر ، فقال : وهذا الآخر. فقال النبي صاحب الرجلين : أما أنا فقد آمنت بإلهكما ، وعلمت أن ما جئتما به هو الحق. قال : فقال الملك : وأنا أيضا آمنت بإلهكما. وآمن أهل مملكته كلهم» (١).

وقال الطبرسيّ : عن ابن عباس : أسماء الرسل : صادق ، وصدوق ، والثالث : سلوم (٢).

وقال الطبرسيّ : قال : وهب بن منبه ، بعث عيسى عليه‌السلام هذين الرسولين إلى أنطاكية ، فأتياها ولم يصلا إلى ملكها ، وطالت مدة مقامهما ، فخرج الملك ذات يوم ، فكبّرا ، وذكرا الله ، فغضب الملك وأمر بحبسهما ، وجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة ، فلما كذب الرسولان وضربا بعث عيسى عليه‌السلام شمعون الصفّا ـ رأس الحواريين ـ على أثرهما لينصرهما ، فدخل شمعون البلدة متفكّرا ، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به ، فرفعوا خبره إلى الملك ، فدعاه ، ورضي عشرته ، وأنس به وأكرمه.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٥٤.

٢١٤

ثم قال له ذات يوم : أيها الملك ، بلغني أنك حبست رجلين في السجن ، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك ، فهل سمعت قولهما؟ قال الملك : حال الغضب بيني وبين ذلك. قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى نطّلع ما عندهما. فدعاهما الملك ، فقال لهما شمعون ، من أرسلكما إلى ها هنا؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء ، لا شريك له. قال : وما آيتكما؟ قالا : ما تتمنّاه. فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين ، وموضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان الله حتى انشقّ موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه ، فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجّب الملك.

فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع صنعا مثل هذا ، فيكون حجة لك ، ولإلهك شرفا؟ فقال الملك : ليس لي عنك سرّ ، إن إلهنا الذي نعبده لا يضر ولا ينفع. ثم قال الملك للرسولين : إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنّا به وبكما. قالا : إلهنا قادر على كل شيء. فقال الملك : إن ها هنا ميتا مات منذ سبعة أيام ، لم ندفنه حتى يرجع أبوه ، وكان غائبا. فجاءوا بالميت ، وقد تغيّر وأروح ، فجعلا يدعوان ربهما علانية ، وجعل شمعون يدعو ربّه سرّا ، فقام الميت ، وقال لهم : إني قد متّ منذ سبعة أيام ، وأدخلت في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذّركم ما أنتم فيه ، فآمنوا بالله. فتعجّب الملك ، فلما علم شمعون أن قوله أثّر في الملك دعاه إلى الله ، فآمن ، وآمن من أهل مملكته قوم ، وكفر آخرون.

ثم قال الطبرسيّ : وقد روى مثل ذلك العياشيّ بإسناده عن الثمالي ، وغيره ، عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليه‌السلام ، إلا أن في بعض الروايات : بعث الله الرسولين إلى أنطاكية ، ثم بعث الثالث.

وفي بعضها : أن عيسى أوحى الله إليه أن يبعثهما ، ثم بعث وصيّه شمعون ليخلّصهما ، وأن الميت الذي أحياه الله تعالى بدعائهما كان ابن

٢١٥

الملك ، وذكر نحو ما تقدم بنوع من التغيير (١).

أقول : ولكن بمطالعة الآيات ، يبدو من المستبعد أن أهل تلك المدينة كانوا قد آمنوا ، لأن القرآن الكريم يقول : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ).

ويمكن أن يكون هناك اشتباه في الرواية من جهة الراوي. وأيضا هناك سؤال : هل إن المرسلين هم رسل الله تعالى أم عيسى عليه‌السلام :

ومن الجدير بالملاحظة أيضا أن التعبير ب (الْمُرْسَلُونَ) في الآيات أعلاه يدلل على أنهما أنبياء مرسلون من الله تعالى علاوة على أن القرآن الكريم يقول : بأن أهالي تلك المدينة (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) ، ومثل هذه التعبيرات ترد في القرآن الكريم عادة فيما يخص الأنبياء ، وإن كان قد قيل بأن رسل الأنبياء هم رسل الله ولكن هذا التوجيه يبدو بعيدا.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٥٥.

٢١٦

عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (٢٩) [سورة يس : ١٨ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (قالُوا) أي : قال هؤلاء الكفار في جواب الرسل ، حين عجزوا عن إيراد شبهة ، وعدلوا عن النظر في المعجزة (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي : تشاءمنا بكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عما تدعونه من الرسالة ، (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجارة ، وقيل : معناه لنشتمنكم. (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قالُوا) يعني الرسل (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي : الشؤم كله معكم ، بإقامتكم على الكفر بالله تعالى. فأما الدعاء إلى التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، ففيه غاية البركة ، والخير ، واليمن ، ولا شيء فيه. وقيل : معنى طائركم حظكم ونصيبكم من الخير والشر ، (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) أي : إن ذكرتم قلتم هذا القول. وقيل : معناه إن ذكرناكم هددتمونا ، وهو مثل الأول. وقيل : معناه إن تدبرتم ، عرفتم صحة ما قلناه لكم. (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) معناه : ليس فينا ما يوجب التشاؤم بنا ، ولكنكم متجاوزون عن الحد في التكذيب للرسل والمعصية. والإسراف ، الإفساد ، ومجاوزة الحد. والسرف : الفساد قال طرفة :

إن امرءا سرف الفؤاد يرى

عسلا بماء سحابة شتمي (١)

أي : فاسد القلب (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) وكان اسمه حبيب النجار. وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية. وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة. فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل ، وهموا بقتلهم ، جاء يعدو ويشتد. (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) الذين أرسلهم الله إليكم ، وأقروا برسالتهم. قالوا : وإنما علم هو بنبوتهم ، لأنهم لما دعوه.

__________________

(١) يرى شتمي حلوا عذبا.

٢١٧

قال : أتأخذون على ذلك أجرا؟ قالوا : لا. وقيل : إنه كان به زمانة أو جذام ، فأبرأوه فآمن بهم (١).

أقول : قال ناجية : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن المغيرة يقول : إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ، ولا بالبرص ، ولا بكذا ، ولا بكذا؟

فقال : «إن كان لغافلا عن صاحب يس إنه كان مكنعا (٢) ثم ردت أصابعه. فقال : وكأنّي أنظر إلى تكنيعه ، أتاهم فأنذرهم ، ثمّ عاد إليهم من الغد ، فقتلوه ثم قال : إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بليّة ، ويموت بكل ميتة ، إلا أنه لا يقتل نفسه» (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل يس الذي يقول : اتّبعوا المرسلين ، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم» (٤).

وقال الشيخ الطبرسي : ثم ذكر سبحانه تمام الحكاية عن الرجل الذي جاءهم من أقصى المدينة ، فقال : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) أي : وقال لهم اتبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الأجر ، ولا يسألونكم أموالكم ، على ما جاءوكم به من الهدى (وَهُمْ) مع ذلك (مُهْتَدُونَ) إلى طريق الحق ، سالكون سبيله. قال : فلما قال هذا أخذوه ورفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ، فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أي : وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي الذي أنشأني ، وأنعم علي ، وهداني (وَإِلَيْهِ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٦٤.

(٢) كنعت أصابعه : أي تشنجت ويبست. «النهاية : ج ٤ ، ص ٢٠٤».

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٩٧ ، ح ١٢.

(٤) أمالي الصدوق : ص ٣٨٥ ، ح ١٨.

٢١٨

تُرْجَعُونَ) أي : تردون عند البعث ، فيجزيكم بكفركم. ثم أنكر اتخاذ الأصنام وعبادتهم ، فقال : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) اعبدهم (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) أي : إن أراد الله إهلاكي ، والإضرار بي (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أي : لا تدفع ، ولا تمنع شفاعتهم عني شيئا ، والمعنى لا شفاعة لهم فتغني (وَلا يُنْقِذُونِ) أي : ولا يخلصوني من ذلك الهلاك ، أو الضرر والمكروه (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : إني إن فعلت ذلك في عدول عن الحق واضح. والوجه في هذا الاحتجاج أن العبادة لا يستحقها إلا الله سبحانه المنعم بأصول النعم ، وبما لا توازيه نعمة منعم : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الذي خلقكم وأخرجكم من العدم إلى الوجود : (فَاسْمَعُونِ) أي : فاسمعوا قولي واقبلوه ، وقيل : إنه خاطب بذلك الرسل أي : فاسمعوا ذلك مني حتى تشهدوا لي به عند الله ، قال : ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه ، وطأوه بأرجلهم حتى مات ، فأدخله الله الجنة ، وهو حي فيها يرزق ، وهو قوله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) وقيل : رجموه حتى قتلوه. وقيل : إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه ، رفعه الله إليه ، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء الدنيا ، وهلاك الجنة ، وقال : إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها. وقيل : إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه ، وأدخله الجنة ، فلما دخلها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) تمنى أن يعلم قومه بما أعطاه الله تعالى من المغفرة ، وجزيل الثواب ، ليرغبوا في مثله ، وليؤمنوا لينالوا ذلك.

(وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) أي : من المدخلين الجنة. والإكرام هو إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التبجيل والإعظام. وفي هذا دلالة على نعيم القبر ، لأنه إنما قال ذلك وقومه أحياء ، وإذا جاز نعيم القبر جاز عذاب القبر ، فإن الخلاف فيهما واحد. وما : في قوله (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) مصدرية ، والمعنى بمغفرة الله لي. ويجوز أن يكون معناه : بالذي غفر لي به ربي ، فيكون اسما

٢١٩

موصولا. ويجوز أن يكون المعنى : بأي شيء غفر لي ربي ، فيكون استفهاما ، يقال : علمت بما صنعت هذا بإثبات الألف ، وبم صنعت هذا بحذفها ، إلا أن الحذف أجود في هذا المعنى. ثم حكى سبحانه ما أنزله بقوله من العذاب والاستئصال ، فقال : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد قتله ، أو من بعد رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) يعني الملائكة أي : لم ننتصر منهم بجند من السماء ، ولم ننزل لإهلاكهم بعد قتلهم الرسل ، جندا من السماء يقاتلونهم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي : وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم. وقيل : معناه وما أنزلنا على قومه من بعده ، رسالة من السماء. قطع الله عنهم الرسالة حين قتلوا رسله ، والمراد : أن الجند هم ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء. ثم بين سبحانه بأي شيء كان هلاكهم ، فقال : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي : كان إهلاكهم عن آخرهم ، بأيسر أمر ، صيحة واحدة ، حتى هلكوا بأجمعهم. (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي : ساكنون قد ماتوا. قيل : إنهم لما قتلوا حبيب بن مري النجار ، غضب الله عليهم ، فبعث جبرائيل حتى أخذ بعضادتي باب المدينة ، ثم صاح بهم صيحة ، فماتوا عن آخرهم ، لا يسمع لهم حس ، كالنار إذا طفئت (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٣٠) [سورة يس : ٣٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «خبر تدريه خير من عشر ترويه ، إن لكل حق حقيقة ، ولكل صواب نورا».

ثم قال : «إنا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

٢٢٠