التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

علمت أن عليا عليه‌السلام أحد الوالدين اللذين قال الله عزوجل : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ)؟.

قال زرارة : فكنت لا أدري أي آية هي ، التي في بني إسرائيل ، أو التي في لقمان ـ قال ـ فقضي لي أن حججت ، فدخلت على أبي جعفر عليه‌السلام ، فخلوت به ، فقلت : جعلت فداك ، حديث جاء به عبد الواحد. قال : «نعم». قلت : أي آية هي ، التي في لقمان ، أو التي في بني إسرائيل؟ فقال : «التي في لقمان» (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (١٦) [سورة لقمان : ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم عطف على خبر لقمان وقصّته ، فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) قال : من الرّزق يأتيك به الله (٢).

وقال أبو بصير ، سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا ، لا يقول أحدكم : أذنب وأستغفر ، إن الله عزوجل يقول : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(٣) ، وقال عزوجل : (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)(٤)».

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٦ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦٥.

(٣) يس : ١٢.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٠.

٢١

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٧) [سورة لقمان : ١٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم حكى ما قاله لقمان لابنه أيضا قال له (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أي دم عليها وأقم حدودها وشرائطها (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) والمعروف هو الطاعات (وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهي القبائح سواء كانت قبائح عقلية أو شرعية (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المشقة والأذى وفي ذلك دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه بعض المشقة. ثم قال (إِنَّ ذلِكَ) أي ما ذكره من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) من العقد الصحيح على فعل الحسن بدلا من القبيح ، والعزم والعقد على الأمر لتوطين النفس على فعله وهي الإرادة المتقدمة للفعل بأكثر من وقت ، لأن التلون في الرأي يناقض العزم. قال الله تعالى (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (١٨) [سورة لقمان : ١٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في هذه الآية : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، قال : «ليكن الناس في العلم سواء عندك» (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٢٧٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢ ، ح ٢.

٢٢

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية ، أي لا تذلّ للناس طمعا فيما عندهم (١).

وقال الطبرسيّ : أي لا تمل وجهك عن الناس تكبرا ، ولا تعرض عمن يكلمك استخفافا به. قال : وهو معنى قول ابن عباس ، وأبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وقال الشيخ الطوسي : قوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي مشي مختال متكبر (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) فالاختيال مشية البطر ، قال مجاهد : المختال المتكبر ، والفخر ذكر المناقب للتطاول بها على السامع (٣).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي فرحا (٤). ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أي بالعظمة» (٥).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩) [سورة لقمان : ١٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي لا تعجل (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي لا ترفعه (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). قال علي بن إبراهيم : وروي فيه غير هذا أيضا (٦).

وقال الشيخ الطبرسيّ ، في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، قال : سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما معنى هذه الحمير؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الله أكرم من أن يخلق شيئا ثم ينكره ،

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٦٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٠٠.

(٣) التبيان : ج ٨ ، ص ٢٧٩.

(٤) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٥.

(٥) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٥.

(٦) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٥.

٢٣

إنما هو زريق وصاحبه ، في تابوت من نار ، في صورة حمارين ، إذا شهقا في النار انزعج أهل النار من شدّة صراخهما» (١).

وقال أبو بكر الحضرمي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، قال : «العطسة المرتفعة القبيحة» (٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٢١) [سورة لقمان : ٢٠ ـ ٢١]؟!

الجواب / وردت روايات عديد في معنى الآية الأولى عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها :

قال جابر : قرأ رجل عند أبي جعفر عليه‌السلام : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) ، قال : «أما النعمة الظاهرة فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جاء به من معرفة الله عزوجل وتوحيده ، وأما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت ، وعقد مودتنا ، فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة ، واعتقدها قوم ظاهرة ، ولم يعتقدوها باطنة ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)(٣) ، ففرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند نزولها ، إذ لم يتقبّل الله تعالى إيمانهم إلا بعقد ولايتنا ومحبتنا» (٤).

وقال أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي : سألت سيدي موسى بن

__________________

(١) مشارق أنوار اليقين : ص ٨٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٠٠.

(٣) المائدة : ٤١.

(٤) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٥.

٢٤

جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) فقال عليه‌السلام : «النعمة الظاهرة : الإمام الظاهر ، والباطنة : الإمام الغائب».

فقلت له : ويكون في الأئمّة من يغيب؟ فقال : «نعم ، يغيب عن أبصار الناس شخصه ، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منّا ، ويسهّل الله له كل عسير ، ويذلل الله له كل صعب ، ويظهر له كلّ كنوز الأرض ، ويقرّب له كل بعيد ، ويبير (١) به كلّ جبار عنيد ، ويهلك على يده كل شيطان مريد ، ذلك ابن سيّدة الإماء ، الذي تخفى على الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته ، حتى يظهره الله عزوجل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما».

وقال ابن بابويه (قدس الله سره) : لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) بهمدان ، عند منصرفي من حجّ بيت الله الحرام ، وكان رجلا ثقة ديّنا فاضلا (رحمة الله ورضوانه عليه) (٢).

وقال علي عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) ، قال : «أما الظاهرة فالإسلام ، وما أفضل عليكم في الرزق ، وأما الباطنة فما ستر عليك من مساوىء عملك» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «حدثني عبد الله بن العباس ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ـ وكان بدريا أحديا شجريا وممن محض من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في مودة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ قالا : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده في رهط من أصحابه ، فيهم أبو بكر ، وأبو عبيدة ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن ، ورجلان من قراء الصحابة : من المهاجرين عبد الله بن أم عبد ، ومن

__________________

(١) أي يهلك.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٣٦٨ ، ح ٦.

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ١٠٤.

٢٥

الأنصار أبي بن كعب ، وكانا بدريين ، فقرأ عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان ، حتى أتى على هذه الآية : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) الآية ، وقرأ أبيّ من السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه‌السلام : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(١).

قالوا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّام الله : نعماؤه ، وبلاؤه ، ومثلاته سبحانه ، ثم أقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من شهده من أصحابه ، فقال : إني لأتخولكم (٢) بالموعظة تخوّلا مخافة السآمة (٣) عليكم ، وقد أوحى إلي ربي جل جلاله أن أذكركم بأنعمه ، وأنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه ، وتلا : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) الآية.

ثم قال لهم : قولوا الآن قولكم : ما أول نعمة رغبكم الله فيها ، وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا ، فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش ، والرّياش ، والذرية ، والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله عزوجل به من أنعمه الظاهرة ، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عليّ عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، قل ، فقد قال أصحابك. فقال : وكيف لي بالقول ـ فداك أبي وأمي ـ وإنما هدانا الله بك! قال : ومع ذلك فهات ، قل ، ما أول نعمة بلاك الله عزوجل ، وأنعم عليك بها؟ قال : أن خلقني ـ جلّ ثناؤه ـ ولم أك شيئا مذكورا. قال : صدقت ، فما الثانية؟ قال : أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا. قال : صدقت ، فما الثالثة؟ قال : أن أنشأني ـ فله الحمد ـ في أحسن صورة ، وأعدل تركيب. قال : صدقت ، فما الرابعة؟ قال : أن جعلني متفكرا راغبا ، لا بلهة ساهيا. قال : صدقت ، فما الخامسة؟ قال : أن

__________________

(١) إبراهيم : ٥.

(٢) يتخولنا بالموعظة : أي يتعهدنا. «النهاية : ج ٢ ، ص ٨٨».

(٣) السآمة : الملل والضجر. «النهاية : ج ٢ ، ص ٣٢٨».

٢٦

جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها ، وجعل لي سراجا منيرا. قال : صدقت ، فما السادسة؟ قال : أن هداني لدينه ، ولم يضلني عن سبيله. قال : صدقت ، فما السابعة؟ قال : أن جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها. قال : صدقت ، فما الثامنة؟ قال : أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا. قال : صدقت ، فما التاسعة؟ قال : أن سخّر لي سماءه وأرضه ، وما فيهما ، وما بينهما من خلقه. قال : صدقت ، فما العاشرة؟ قال : أن جعلنا سبحانه ذكرانا قوّاما على حلائلنا ، لا إناثا.

قال : صدقت ، فما بعد هذا؟ قال : كثرت نعم الله ـ يا نبي الله ـ فطابت ، وتلا : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها)(١) ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : ليهنئك الحكمة ، ليهنئك العلم ـ يا أبا الحسن ـ وأنت وارث علمي ، والمبيّن لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي ، من أحبّك لدينك ، وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقيم ، ومن رغب عن هداك ، وأبغضك ، لقي الله يوم القيامة لا خلاق له» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) : «فهو النّضر بن الحارث ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتبع ما أنزل إليك من ربك. قال : بل أتّبع ما وجدت عليه آبائي» (٣).

__________________

(١) إبراهيم : ٣٤.

(٢) الأمالي : ج ٢ ، ص ١٠٥.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٦.

٢٧

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) (٢٢) [سورة لقمان : ٢٢]؟!

الجواب / قال الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكون بعدي فتنة مظلمة ، الناجي منها من تمسك بالعروة الوثقى.

فقيل : يا رسول الله ، وما العروة الوثقى؟ قال : ولاية سيد الوصيين.

قيل : يا رسول الله ، ومن سيد الوصيين. قال : أمير المؤمنين.

قيل : يا رسول الله ، ومن أمير المؤمنين؟ قال : مولى المسلمين وإمامهم بعدي.

قيل : يا رسول الله ، ومن مولى المسلمين وإمامهم بعدك؟ قال : أخي علي بن أبي طالب» (١).

وقال أنس بن مالك ، في قوله تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، قال : نزلت في عليّ عليه‌السلام ، قال : كان أول من أخلص وجهه لله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، أي مؤمن مطيع ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، قول : لا إله إلا الله ، (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) والله ما قتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلا عليها (٢).

والروايات في معنى العروة الوثقى زيادة على ما ها هنا تقدّمت في تفسير آية الكرسي (٣).

__________________

(١) مائة منقبة : ص ١٤٩ ، ح ٨١.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٧٦ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٤٤٤ ، ح ٦٠٩ ، ينابيع المودة : ص ١١١.

(٣) تقدمت في تفسير الآيتين (٢٥٦ ، ٢٥٧) من سورة البقرة.

٢٨

وقال موسى بن جعفر عليه‌السلام : «مودتنا أهل البيت» (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦) [سورة لقمان : ٢٣ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما أخبر سبحانه عمن جادل في الله بغير علم ، ولم يذكر النعمة ، زاد عقيبه في ذمهم ، فقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من القرآن ، وشرائع الإسلام. (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ذمهم على التقليد. ثم قال منكرا عليهم (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) إلى تقليد آبائهم ، واتباع ما يدعوهم (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) أدخل على واو العطف همزة الاستفهام على وجه الإنكار. وجواب لو محذوف ، تقديره : أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ، لاتبعوهم ، والمعنى : إن الشيطان يدعوهم إلى تقليد آبائهم ، وترك اتباع ما جاءت به الرسل ، وذلك موجب لهم عذاب النار ، فهو في الحقيقة يدعوهم إلى النار. ثم قال : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي : ومن يخلص دينه لله ، ويقصد في أفعاله التقرب إليه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) فيها ، فيفعلها على موجب العلم ، ومقتضى الشرع. وقيل : إن إسلام الوجه إلى الله تعالى ، هو الانقياد لله تعالى في أوامره ونواهيه ، وذلك يتضمن العلم والعمل. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي : فقد تعلق العروة الوثيقة التي لا يخشى انفصامها. والوثقى. تأنيث الأوثق.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٩ ، ح ١٠.

٢٩

(وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : وعند الله ثواب ما صنع ... والمعنى : وإلى الله ترجع أواخر الأمور على وجه لا يكون لأحد التصرف فيها بالأمر والنهي. (وَمَنْ كَفَرَ) من هؤلاء الناس (فَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (كُفْرُهُ) أي : لا يغمك ذلك (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي : نخبرهم بأعمالهم ، ونجازيهم بسوء أفعالهم. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما تضمره الصدور لا يخفى عليه شيء منه (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) أي : نعطيهم من متاع الدنيا ونعيمها ما يتمتعون به مدة قليل. (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : ثم نصيرهم مكرهين إلى عذاب يغلظ عليهم ، ويصعب. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَ) في جواب ذلك (اللهُ) خلقهما (قُلِ) يا محمد ، أو أيها السامع (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على هدايته لنا ، وتوفيقه إيانا لمعرفته. وقيل : معناه اشكر الله على دين يقر لك خصمك بصحته ، لوضوح دلالته. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما عليهم من الحجة (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧) [سورة لقمان : ٢٧]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : قرأ جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «والبحر مداده» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الروح ، فقال : «الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا». قالوا : نحن خاصّة ، قال : «بل الناس عامّة».

قالوا : فكيف يجتمع هذان ـ يا محمد ـ تزعم أنك لم تؤت من العلم إلا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٨٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٠٣.

٣٠

قليلا وقد أوتيت القرآن ، وأوتينا التوراة ، وقد قرأت (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ)(١) وهي التوراة (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(٢)؟ فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ، يقول : علم الله أكثر من ذلك ، وما أوتيتم كثير فيكم ، قليل عند الله (٣).

وقال الطبرسيّ في (الاحتجاج) : سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن العالم العسكري عليه‌السلام عن قوله تعالى : (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ما هي؟ فقال : «هي عين الكبريت ، وعين اليمن ، وعين البرهوت (٤) ، وعين الطبريّة ، وجمّة (٥) ما سيدان ، وجمّة إفريقية ، وعين باهوران (٦) ، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى» (٧).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ

__________________

(١) البقرة : ٢٦٩.

(٢) البقرة : ٢٦٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٦.

(٤) برهوت : واد باليمن ، وقيل في أقصى تيه حضرموت. «معجم ما استعجم : ج ١ ، ص ٢٤٦».

(٥) الجمّة : المكان الذي يجتمع فيه ماؤه. «الصحاح ـ جمم ـ ج ٥ ، ص ١٨٩». وفي «ط» نسخة بدل و «ج» : «حمّة» في الموضعين ، والحمّة : العين الحارّة. «الصحاح ـ حمم ـ ج ٥ ، ص ١٩٠٤».

(٦) في طبعة أخرى : «ماجروان» وفي «ج ، ي» باحوران ، ولعلّ الصّواب : باجروان : وهي بلدة كبيرة من بلاد الجزيرة على نهر ، ومنها إلى الرقّة ثلاثة فراسخ. «الروض المعطار : ص ٧٤».

(٧) الاحتجاج : ج ٢ وص ٤٥٤.

٣١

يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤) [سورة لقمان : ٢٨ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) : «بلغنا ـ والله أعلم ـ أنهم قالوا : يا محمد ، خلقنا أطوارا نطفا ، ثم علقا ، ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم ، وتزعم أنا نبعث في ساعة واحدة؟ فقال الله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، إنما يقول له : كن ؛ فيكون».

وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يقول : ما ينقص في الليل يدخل في النهار ، وما ينقص في النهار يدخل في الليل.

قوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يقول : كل واحد منهما يجري إلى منتهاه ، فلا يقصر عنه ولا يجاوزه (١).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٧.

٣٢

بِنِعْمَتِ اللهِ) قال : السّفن تجري في البحر بقدرة الله (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ، قال : هو الذي يصبر على الفقر والفاقة ، ويشكر الله على جميع أحواله.

وقوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) يعني في البحر (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، إلى قوله : (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) أي صالح (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ، قال : الختار : الخدّاع ، وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) إلى قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) ، قال : ذلك يوم القيامة (٢).

وقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، وهي من صفات الله عزوجل» (٣).

وقال ابن بابويه في (الفقيه) : مرسلا ، عن الصادق عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ، قال : «من قدم إلى قدم» (٤).

وقال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) : روى ابن ديزيل ، قال : لمّا خرج علي عليه‌السلام من الكوفة إلى الحروريّة ، قال له رجل : يا أمير

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٦.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ١٦٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٨٤ ، ح ٣٨٣.

٣٣

المؤمنين ، سر على ثلاث ساعات مضين من النهار ، فإنّك إن سرت الساعة أصابك وأصحابك أذى. فقال عليه‌السلام : «أفي بطن فرسي ذكر أم أنثى؟». قال : إن حسبت علمت. فقال عليه‌السلام : «من صدقك كذب القرآن ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) الآية». ثم قال : «إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدع علم ما ادّعيت ، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النّفع [من سار فيها] ، وتنهى عن الساعة التي يحيق السوء [بمن سار فيها]؟ فمن صدقك فقد استغنى عن الاستعانة بالله عزوجل ـ ثم قال ـ اللهم لا طير إلا طيرك ، ولا ضير إلا ضيرك ، ولا إله غيرك».

قال : وروى مسلم الضبّيّ ، عن حبة العرني ، قال : سار في الساعة التي نهاه عنها المنجّم ، فلما انتهينا إليهم رمونا ، فقلنا لعلي عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، قد رمونا. فقال : «كفّوا». ثمّ رمونا ، فقال : «كفوا». ثم الثالثة ، فقال : «الآن طاب لكم القتال ، احملوا عليهم» (١).

__________________

(١) شرح النهج : ج ٢ ، ص ٢٦٩.

٣٤

تفسير

سورة السجدة

رقم السورة ـ ٣٢ ـ

٣٥
٣٦

سورة السجدة

* س ١ : ما هو فضل سورة السّجدة؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة السجدة في كلّ ليلة جمعة أعطاه الله تعالى كتابه بيمينه ، ولم يحاسبه بما كان منه ، وكان من رفقاء محمد وأهل بيته (عليهم الصلاة والسّلام)» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة فكأنما أحيا ليلة القدر ، ومن كتبها وجعلها عليه أمن الحمّى ، ووجع الرأس ، ووجع المفاصل» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلّقها عليه أمن من الحمى ، وإن شرب ماءها زال عنه الزّيغ والمثلثة (٣) بإذن الله تعالى» (٤).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣) [سورة السجدة : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٠.

(٢) البرهان : ج ٧ ، ص ٤٩١.

(٣) الحمى المثلثة : التي تأتي في اليوم الثالث. «مجمع البحرين ـ ثلث ـ ج ٢ ، ص ٢٤١».

(٤) البرهان : ج ٧ ، ص ٤٩١.

٣٧

شك فيه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، يعني قريشا ، يقولون : هذا كذب محمد ، فردّ الله عليهم ، فقال : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)(١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٤) [سورة السجدة : ٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال عبد الله بن سنان : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشر قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء ، وخلق السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة ، وذلك قول الله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(٢).

٢ ـ سأل زنديق أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)؟.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش ، بائن من خلقه. من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أن العرش حاو له ، ولا أن العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل العرش ، وممسك للعرش ونقول في ذلك ما قال : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٣) ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له ، وأن يكون عزوجل محتاجا إلى مكان ، أو إلى شيء مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٧.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٥ ، ح ١١٧.

(٣) البقرة : ٢٥٥.

٣٨

قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء ، وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، لكنه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لأنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل ، وهذا تجمع عليه فرق الأمة كلّها» (١).

٣ ـ قال الطبرسي : قوله : (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي : ليس لكم من دون عذابه ولي أي : قريب ينفعكم ، ويرد عذابه عنكم ، ولا شفيع يشفع لكم. وقيل : من ولي أي : من ناصر ينصركم من دون الله (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتفكرون فيما قلناه ، وتعتبرون به (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٥) [سورة السجدة : ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) :

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) أي : خلقهما وما بينهما في هذه المدة ، يدبر الأمور كلها ، ويقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض ، وينزله مع الملك إلى الأرض. (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) الملك أي : يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يصعد إليه (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أي : يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر ، خمس مائة عام نزوله ، وخمس مائة عام صعوده. وقوله (يَعْرُجُ إِلَيْهِ)

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٣٣٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٩٩.

٣٩

يعني : إلى الموضع الذي أمره بالعروج إليه ، كقول إبراهيم (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي : إلى أرض الشام التي أمرني ربي بالذهاب إليها. وقوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) يعني إلى المدينة ، ولم يكن الله سبحانه بالشام ، ولا بالمدينة ، ومعناه : إنه ينزل الملك بالتدبير أو الوحي ، ويصعد إلى السماء ، فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدونه أنتم ، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم. وقيل : معناه أنه يدبر الأمر سبحانه ، ويقضي أمر كل شيء ، لألف سنة في يوم واحد ، ثم يلقيه إلى ملائكته ، فإذا مضى الألف سنة ، قضى لألف سنة أخرى ، ثم كذلك أبدا. وقيل : معناه يدبر أمر الدنيا ، فينزل القضاء والتدبير من السماء إلى الأرض ، مدة أيام الدنيا ، ثم يرجع الأمر ، ويعود التدبير إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها ، حتى ينقطع أمر الأمراء ، وحكم الحكام ، وينفرد الله بالتدبير في يوم كان مقداره ألف سنة ، وهو يوم القيامة. فالمدة المذكورة مدة يوم القيامة إلى أن يستقر الخلق في الدارين. فأما قوله (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، فإنه أراد سبحانه على الكافر ، جعل الله ذلك اليوم مقدار خمسين ألف سنة ، فإن المقامات في يوم القيامة مختلفة. وقيل : إن المراد بالأول أن مسافة الصعود والنزول إلى السماء الدنيا في يوم واحد للملك ، مقدار مسيرة ألف سنة لغير الملك ، من بني آدم ، وإلى السماء السابعة مقدار مسيرة خمسين ألف سنة. وقيل : إن الألف سنة للنزول والعروج ، والخمسين ألف سنة لمدة القيامة (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٩٩ ـ ١٠٠.

٤٠