التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) الآية ، وأنزل الله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ، وأنزل تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(١).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٥٥) [سورة الأحزاب : ٥٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم رخص لقوم معروفين في الدخول عليهن بغير إذن ، فقال : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)(٢).

وقال معاوية بن عمار : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام نحوا من ثلاثين رجلا إذ دخل عليه أبي ، فرحّب به أبو عبد الله عليه‌السلام وأجلسه إلى جنبه ، فأقبل عليه طويلا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن لأبي معاوية حاجة ، فلو خففتم». فقمنا جميعا ، فقال لي أبي : ارجع ، يا معاوية. فرجعت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذا ابنك؟» فقال : نعم ، وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم ، قال : «وما هو؟» قلت : إن المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود ، وذراعها على عنقه.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا بني ، أما تقرأ القرآن» قلت : بلى. قال : «اقرأ هذه الآية : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) ـ حتى بلغ ـ (وَلا ما مَلَكَتْ

__________________

(١) الطرائف : ص ٤٩٢ ، والآية من سورة الأحزاب : ٥٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٦.

١٢١

أَيْمانُهُنَ) ـ ثم قال ـ يا بني ، لا بأس أن يرى المملوك الشعر ، والساق» (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) [سورة الأحزاب : ٥٦]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق الخاصة والعامة في معنى هذه الآية الشريفة ونحن نذكر عدد من الروايات التي صدرت عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام :

١ ـ قال أبو مريم الأنصاري : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف كانت الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : «لما غسله أمير المؤمنين عليه‌السلام وكفّنه ، سجاه ، ثم أدخل عليه عشرة ، فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام في وسطهم ، فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، فيقول القوم كما يقول ، حتى صلى عليه أهل المدينة ، وأهل العوالي» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّت عليه الملائكة ، والمهاجرون ، والأنصار ، فوجا فوجا».

قال : «وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في صحته وسلامته : إنما أنزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٣١ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٤ ، ح ٣٥ ، العوالي : قرى بظاهر المدينة.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٥ ، ح ٣٨.

١٢٢

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، قال : «الصلاة عليه ، والتسليم له في كل شيء جاء به» (١).

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «قال الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : من صلى على النبي وآله فمعناه : أني أنا على الميثاق والوفاء الذي قبلت حين قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٢)» (٣).

٣ ـ قال ابن أبي حمزة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، فقال : «الصلاة من الله عزوجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء ، وأما قوله عزوجل : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه».

قال : فقلت له : كيف تصلي على محمد وآل محمد؟ قال : «تقولون : صلوات الله ، وصلوات ملائكته ، وأنبيائه ، ورسله ، وجميع خلقه على محمد وآل محمد ، والسّلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته».

قال : قلت : فما ثواب من صلّى على النبيّ وآله بهذه الصلاة؟ قال : «الخروج من الذنوب ـ والله ـ كهيئته يوم ولدته أمّه» (٤).

٤ ـ قال الطبرسيّ في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ـ في هذه الآية ـ قال : «لهذه الآية ظاهر وباطن : فالظاهر : قوله (صَلُّوا عَلَيْهِ) والباطن : قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي سلموا لمن وصّاه واستخلفه وفضّله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسّه ،

__________________

(١) المحاسن : ص ٢٧١ ، ح ٣٦٣.

(٢) الأعراف : ١٧٢.

(٣) معاني الأخبار : ص ١١٥.

(٤) معاني الأخبار : ص ٣٦٧ ، ح ١.

١٢٣

وصفا ذهنه ، وصحّ تمييزه» (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(٥٨) [سورة الأحزاب : ٥٧ ـ ٥٨]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث جيشا ذات يوم لغزاة ، وأمّر عليهم عليا عليه‌السلام ـ وما بعث جيشا قط وفيهم عليّ عليه‌السلام إلا جعله أميرهم ـ فلما غنموا رغب علي عليه‌السلام في أن يشتري من جملة الغنائم جارية ، ويجعل ثمنها في جملة الغنائم ، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة ، وبريدة الأسلمي ، وزايداه ، فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك ، فلما رجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تواطئا على أن يقولا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوقف بريدة قدام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : يا رسول الله ، ألم تر إلى عليّ بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟ فأعرض عنه ، وجاء من خلفه ، فقالها ، فأعرض عنه ، ثم عاد إلى بين يديه ، فقالها ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضبا لم يغضب قبله ولا بعده غضبا مثله ، وتغيّر لونه ، وتربّد (٢) وانتفخت أوداجه ، وارتعدت أعضاؤه ، فقال : ما لك ـ يا بريدة ـ آذيت رسول الله منذ اليوم ، أما سمعت قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)؟.

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ ، ص ٢٥٣.

(٢) تربد : احمر وجهه حمرة فيها سواد عند الغضب. «لسان العرب ـ ربد ـ ج ٣ ، ص ١٧٠».

١٢٤

فقال بريدة : يا رسول الله ما علمت أني قد قصدتك بأذى.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو تظن ـ يا بريدة ـ أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي ، أما علمت أن عليا مني وأنا منه ، وأن من آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فحقّ على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم؟ يا بريدة ، أنت أعلم ، أم الله عزوجل؟ أنت أعلم ، أم قراء اللوح المحفوظ؟ أنت أعلم ، أم ملك الأرحام؟ فقال بريدة : بل الله أعلم ، وقراء اللوح المحفوظ ، وملك الأرحام أعلم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بريدة ، أنت أعلم أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال : بل حفظة علي بن أبي طالب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكيف تخطئه ، تلومه ، وتوبّخه ، وتشنّع عليه في فعله ، وهذا جبرئيل عليه‌السلام أخبرني عن حفظة علي أنهم ما كتبوا عليه قط خطيئة منذ ولد؟ وهذا ملك الأرحام حدثني أنه كتب قبل أن يولد ، حين استحكم في بطن أمه : أنه لا يكون منه خطيئة أبدا ، وهؤلاء قراء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي إلى السماء أنه وجدوا في اللوح المحفوظ مكتوبا : علي معصوم من كل خطأ وزلل. فكيف تخطئه أنت ـ يا بريدة ـ وقد صوّبه رب العالمين ، والملائكة المقرّبون؟! يا بريدة ، لا تتعرض لعلي بخلاف الحسن الجميل ، فإنه أمير المؤمنين ، وسيد الوصيّين ، وسيد الصالحين ، وفارس المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وقسيم الجنة والنار ، يقول يوم القيامة للنار : هذا لي ، وهذا لك.

ثم قال : يا بريدة ، أترى ليس لعلي من الحق عليكم ـ معاشر المسلمين ـ ألا تكايدوه ، ولا تعاندوه ، ولا تزايدوه؟ هيهات هيهات ، إن قدر علي عند الله تعالى أعظم من قدره ندكم ، ألا أخبركم؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله سبحانه وتعالى يبعث يوم القيامة أقواما تمتلئ من جهة

١٢٥

السيئات موازينهم ، فيقال لهم : هذه السيئات ، فأين الحسنات ، وإلا فقد عطبتم؟ فيقولون : يا ربنا ، ما نعرف لنا حسنات. فإذا النداء من قبل الله عزوجل : إن لم تعرفوا لأنفسكم حسنات ، فإني أعرفها لكم ، وأوفرها عليكم. ثم تأتي الريح برقعة صغيرة وتطرحها في كفة حسناتهم فترجح بسيئاتهم بأكثر مما بين السماء والأرض ، فيقال لأحدهم : خذ بيد أبيك ، وأمك ، وإخوانك ، وأخواتك ، وخاصّتك ، وقراباتك ، وأخدانك ومعارفك فأدخلهم الجنة. فيقول أهل المحشر : يا ربنا ، أما الذنوب فقد عرفناها ، فما كانت حسناتهم؟ فيقول الله عزوجل : يا عبادي ، إن أحدهم مشى ببقية دين عليه لأخيه إلى أخيه ، فقال له : خذها ، فإني أحبك بحبك لعلي بن أبي طالب ، فقال له الآخر : قد تركتها لك بحبك لعلي بن أبي طالب ، ولك من مالي ما شئت. فشكر الله تعالى ذلك لهما ، فحط به خطاياهما ، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما ، وأوجب لهما ولوالديهما ولذريتهما الجنة.

ثم قال : يا بريدة ، إن من يدخل النار يبغض علي أكثر من حصى الخذف الذي يرمى بها عند الجمرات فإياك أن تكون منهم» (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً)(٦٠) [سورة الأحزاب : ٥٩ ـ ٦٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وأما قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) كان سبب نزولها : أن

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ١٣٦ ، ح ٧٠.

١٢٦

النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ، ويصلّين خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان الليل خرجن إلى صلاة المغرب ، والعشاء الآخرة ، والغداة ، يقعد الشبان لهن في طريقهن فيؤذونهن ، ويتعرضون لهن ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

وقال : وأمّا قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) فإنها نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج في بعض غزواته ، يقولون : قتل ، وأسر ، فيغتم المسلمون لذلك ، ويشكون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله في ذلك : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شكّ (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) أي نأمرك بإخراجهم من المدينة (إِلَّا قَلِيلاً)(١).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(٦١) [سورة الأحزاب : ٦١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ملعونين ، فوجبت عليهم اللّعنة ، يقول الله بعد اللعنة : (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(٢).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٦.

(٢) نفس المصدر السابق ، ص ١٩٧.

١٢٧

إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٦٥) [سورة الأحزاب : ٦٢ ـ ٦٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) والسنة : الطريقة في تدبير الحكم. وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى ، فأضيفت إليه. ولا يقال سنته إذا فعلها مرة أو مرتين ، لأن السنة الطريقة الجارية. والمعنى : سن الله في الذين ينافقون الأنبياء ، ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا. (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي : تحويلا وتغييرا أي : لا يتهيأ لأحد تغييرها ، ولا قلبها من جهتها ، لأنه سبحانه القادر الذي لا يتهيأ لأحد منعه مما أراد فعله.

ثم قال سبحانه (يَسْئَلُكَ) يا محمد (النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) يعني القيامة (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) لا يعلمها غيره (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد أي : أي شيء يعلمك من أمر الساعة؟ ومتى يكون قيامها أي : أنت لا تعرفه. ثم قال : (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أي : قريبا مجيئها. ويجوز أن يكون أمره أن يجيب كل من يسأله عن الساعة بهذا ، فيقول : لعل ما تستبطئه قريب ، وما تنكره كائن. ويجوز أن يكون تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي : فاعلم أنه قريب ، فلا يضيقن صدرك باستهزائهم بإخفائها. (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) أي : نارا تستعر وتلتهب (خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي : وليا ينصرهم ، ونصيرا يدفع عنهم (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٨٢.

١٢٨

الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (٦٩) [سورة الأحزاب : ٦٦ ـ ٦٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، فإنها كناية عن الذين غصبوا آل محمد عليهم‌السلام حقهم (يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) يعني في أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) وهما الرجلان ، والسادة والكبراء ، هما أول من بدأ بظلمهم وغصبهم.

قال : قوله : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أي طريق الجنة ، والسبيل : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم يقولون : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً).

قال : وأما قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) أي ذا جاه (١).

وعن محمد بن مروان ، رفعه إليهم عليهم‌السلام ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لا تؤذوا رسول الله في علي والأئمة عليهم‌السلام كما (آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً)(٢).

وقال الصادق عليه‌السلام ، في حديث : «ألم ينسبوا موسى عليه‌السلام إلى أنه عنين ، وآذوه حتى برأه الله مما قالوا ، وكان عند الله وجيها؟» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٧.

(٣) الأمالي : ص ٩١ ، ح ٣.

١٢٩

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) (٧١) [سورة الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعباد بن كثير الصوفي البصري : «ويحك ـ يا عبّاد ـ غرّك أن عف بطنك وفرجك؟ إن الله عزوجل يقول في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) اعلم أنه لا يتقبل الله عزوجل منك شيئا حتى تقول قولا سديدا ـ وقيل عدلا ـ» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ومن يطع الله ورسوله في ولاية عليّ والأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما ، هكذا نزلت» (٢).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٧٣) [سورة الأحزاب : ٧٢ ـ ٧٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الأمانة : الولاية ، والإنسان : هو أب الشرور والمنافق» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد ، وعلي ، وفاطمة ،

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٠٧ ، ح ٨١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٢ ، ح ٨.

(٣) معاني الأخبار : ص ١١٠ ، ح ٢.

١٣٠

والحسن ، والحسين ، والأئمة بعدهم (صلوات الله عليهم) ، فعرضها على السماوات ، والأرض ، والجبال ، فغشيها نورهم.

فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبائي ، وأوليائي ، وحججي على خلقي ، وأئمة بريّتي ، ما خلقت خلقا أحب إلي منهم ، لهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادعى منزلتهم مني ، ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا أليما لا أعذبه أحدا من العالمين ، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري ، ومن أقر بولايتهم ، ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي ، وكان لهم فيها ما يشاءون عندي ، وأبحتهم كرامتي ، وأحللتهم جواري ، وشفّعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيكم يحملها بأثقالها ، ويدّعيها لنفسه دون خيرتي؟ فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، وأشفقن من ادعاء منزلتها ، وتمنّي محلها من عظمة ربها ، فلما أسكن الله عزوجل آدم وزوجته الجنّة ، وقال لهما : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(١) يعني شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٢).

فنظرا إلى منزلة محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمة بعدهم (صلوات الله عليهم) فوجداها أشرف منازل الجنة ، فقالا : يا ربنا ، لمن هذه المنزلة؟ فقال الله جل جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي. فرفعا رؤوسهما ، فوجدا اسم محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمة بعدهم (صلوات الله عليهم) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله ، فقالا : يا ربنا ، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك ، وما أحبهم إليك ، وما

__________________

(١) البقرة : ٣٥.

(٢) البقرة : ٣٥.

١٣١

أشرفهم لديك؟ فقال الله جل جلاله : لولاهم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علمي ، وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد ، وتتمنّيا منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي ، فتدخلا بذلك في نهبي وعصياني ، فتكونا من الظالمين. قالا : ربنا ، ومن الظالمون؟ قال : المدّعون منزلتهم بغير حق. قالا : ربنا ، فأرنا منازل ظالميهم في نارك ، حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك.

فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب ، وقال عزوجل : مكان الظالمين لهم ، المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وكلما نضجت جلودهم بدلوا سواها ليذوقوا العذاب. يا آدم ، ويا حواء ، لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما من جواري ، وأحل بكما هواني.

فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ، وقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ، أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ، فدلاهما بغرور ، وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد ، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ـ فأصل الحنطة كلها ما لم يأكلاه ، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ـ فلما أكلا من الشجرة طار الحليّ والحلل عن أجسادهما ، وبقيا عريانين (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قالَ اهْبِطُوا)(١) من جواري ، فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فاهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.

فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليه‌السلام ، فقال

__________________

(١) الأعراف : ٢٢ ـ ٢٤.

١٣٢

لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما ، فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه ، فاسألا ربكما بحقّ هذه الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش ، حتى يتوب عليكما. فقالا : اللهم ، إنا نسألك بحقّ الأكرمين عليك : محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمة عليهم‌السلام إلا تبت علينا ، ورحمتنا. فتاب الله عليهما ، إنه هو التواب الرحيم.

فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ، ويخبرون بها أوصياءهم ، والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ، ويشفقون من ادعائها ، وحملها الإنسان الذي قد عرف ، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول الله عزوجل : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(١).

وقال ابن شهر آشوب : عن أبي بكر الشيرازيّ في (نزول القرآن في شأن علي عليه‌السلام ، بالإسناد عن مقاتل ، عن محمد بن الحنفيّة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

قال : «عرض الله أمانتي على السماوات السبع بالثواب والعقاب ، فقلن : ربنا ، لا نحملها بالثواب والعقاب ، لكن نحملها بلا ثواب ولا عقاب. وإن الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور ، فأول من آمن بها : البزاة والقنابر ، وأول من جحدها من الطيور : البوم والعنقاء ، فلعنهما الله تعالى من بين الطيور ، فأمّا البوم فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطيور لها ، وأما العنقاء ، فغابت في البحار لا ترى.

وإن الله عرض أمانتي على الأرض ، فكل بقعة آمنت بولايتي وأمانتي

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٠٨ ، ح ١.

١٣٣

جعلها الله طيبة مباركة زكية ، وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا ، وجعل ماءها زلالا ، وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخة ، وجعل نباتها مرا علقما ، وجعل ثمرها العوسج والحنظل ، وجعل ماءها ملحا أجاجا».

ثم قال : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) يعني أمتك يا محمد ، ولاية أمير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) لنفسه (جَهُولاً) لأمر ربه ، من لم يؤدّها بحقها فهو ظلوم وغشوم.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق وولد حرام» (١).

وعن صاحب كتاب (الدرّ الثمين) يقول : قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) ، الأمانة : وهي إنكار ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام عرضت على ما ذكرنا ، فأبين أن يحملنها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) وهو الأول. لأي الأشياء! (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) فقد خابوا والله ، وفاز المؤمنون والمؤمنات (٢).

وقال شرف الدين النجفيّ : في تأويل (إِنَّا عَرَضْنَا) : أي عارضنا وقابلنا ، والأمانة هنا : الولاية. قال : وقوله : (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) فيه قولان : الأول : إن العرض على أهل السماوات والأرض من الملائكة ، والجن ، والإنس ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والثاني : قول ابن عباس : وهو أنه عرضت على نفس السماوات والأرض والجبال ، فامتنعت من حملها ، وأشفقن منها ، لأن نفس الأمانة قد حفظتها الملائكة والأنبياء والمؤمنون ، وقاموا بها (٣).

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٣١٤.

(٢) البرهان : ج ٨ ، ص ٩٤.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٦٩.

١٣٤

تفسير

سورة سبأ

رقم السورة ـ ٣٤ ـ

١٣٥
١٣٦

سورة سبأ

* س ١ : ما هو فضل سورة سبأ؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الحمدان جميعا : حمد سبأ ، وحمد فاطر ، من قرأهما في ليلة لم يزل في ليلته في حفظ الله وكلاءته ، ومن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه ، وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قرأ هذه السورة ، لم يبق شيء ، إلا كان له يوم القيامة رفيقا صالحا ، ومن كتبها وعلقها عليه لم تقربه دابة ولا هوام ؛ وإن شرب ماءها ، ورشّ عليه ، وكان يفرق من شيء ، أمن وسكن روعه ، ولا يفزع إن غسل وجهه بمائها».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها وعلقها عليه لا تقربه دابة ولا هوام ، ومن كتبها وشرب ماءها ، ورش على وجهه منها ، وكان خائفا ، أمن مما يخاف منه ، وسكن روعه».

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٠.

١٣٧

عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) [سورة سبأ : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) إلى قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ، قال : ما يدخل فيها (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) يعني المطر (وَما يَخْرُجُ مِنْها) ، قال : من النبات (وَما يَعْرُجُ فِيها) قال : من أعمال العباد. ثم حكى عزوجل قول الدهريّة ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أول ما خلق الله ، القلم ، فقال له : اكتب. فكتب ما كان ، وما هو كائن إلى يوم القيامة» (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (٥) [سورة سبأ : ٤ ـ ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : قال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين ، ليكافئهم بما يستحقونه من الثواب على صالح أعمالهم. (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم ، وستر لها (وَ) لهم مع ذلك (رِزْقٌ كَرِيمٌ) أي : هنئ لا تنغيص فيه ولا تكدير. وقيل :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٨.

١٣٨

هو الجنة ، (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي : والذين عملوا بجهدهم وجدهم في إبطال حججنا ، وفي تزهيد الناس عن قبولها ، مقدرين إعجاز ربهم ، وظانين أنهم يفوتونه. وقيل : معاجزين مسابقين ، ومعجزين ، ومثبطين ، وقد مضى تفسير هذه الآية في سورة الحج ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أي : سيء العذاب ، (أَلِيمٌ) أي ، مؤلم (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١) [سورة سبأ : ٦ ـ ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) ، قال : هو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنزل الله عليه. ثم حكى قول الزنادقة ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي متم وصرتم ترابا (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) تعجبوا أن يعيدهم الله خلقا جديدا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٩٢.

١٣٩

(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي مجنون؟ فرد الله عليهم ، فقال : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).

ثم ذكر ما أعطي داود عليه‌السلام ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أي سبحي لله (وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) قال : كان داود عليه‌السلام إذا مرّ في البراري فقرأ الزبور تسبح الجبال والطير والوحوش معه ، وألان الله له الحديد مثل الشمع ، حتى كان يتخذ منه ما أحب.

قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء ، فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه‌السلام» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) ، قال : الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ، قال : المسامير التي في الحلقة (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، قال : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : إنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال ، ولا تعمل بيدك. قال : فبكى داود عليه‌السلام أربعين صباحا ، فأوحى الله عزوجل إلى الحديد أن لن لعبدي داود. فألان الله عزوجل له الحديد ، فكان يعمل كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا ، واستغنى عن بيت المال» (٣).

وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر : سألنا الرضا عليه‌السلام : «هل من أصحابكم من يعالج السلاح؟». فقلت : رجل من أصحابنا زراد. فقال : «إنما هو سرّاد ، أما تقرأ كتاب الله عزوجل لداود : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) الحلقة بعد الحلقة» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩٩.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٧٤ ، ح ٥.

(٤) قرب الإسناد : ص ١٦٠.

١٤٠