التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

كنت أرضى أعمالك ، وأنا أرضى لك أحسن الجزاء ، فإن أفضل جزاء عندي أن أسكنك الجنة. وهو قوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(١).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٦٤) [سورة المؤمن : ٦١ ـ ٦٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم ذكر سبحانه ما يدل على توحيده فقال : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) معاشر الخلق (اللَّيْلَ) وهو ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي : وغرضه في خلق الليل سكونكم ، واستراحتكم فيه من كد النهار وتعبه (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : وجعل لكم النهار ، وهو ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، مضيئا تبصرون فيه مواضع حاجاتكم. فجعل سبحانه النهار مبصرا ، لما كان يبصر فيه المبصرون. (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بهذه النعم من غير استحقاق منهم لذلك ، ولا تقدم طلب. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي : ومع هذا فإن أكثر الناس لا يعترفون بهذه النعم ، بل يجحدونها ويكفرون بها. ثم قال سبحانه مخاطبا لخلقه : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي : الذي أظهر هذه الدلالات ، وأنعم بهذه النعم ، هو الله خالقكم ومالككم (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) من السماوات والأرض ، وما بينهما (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا يستحق العبادة سواه (فَأَنَّى

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٩.

٤٢١

تُؤْفَكُونَ) أي : فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ، مع وضوح الدلالة على توحيده. ثم قال سبحانه : (كَذلِكَ) أي : مثل ما صرف ، وأفك هؤلاء (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) وهم من تقدمهم من الكفار ، صرفهم أكابرهم ورؤساؤهم. ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأدلة على توحيده فقال : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) أي : مستقرا تستقرون عليه (وَالسَّماءَ بِناءً) أي : وجعل السماء بناء مرتفعا فوقها ، ولو جعلها رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع بما بينهما. ثم قال : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لأن صورة ابن آدم أحسن صور الحيوان. وقال ابن عباس : خلق ابن آدم قائما معتدلا ، يأكل بيده ، ويتناول بيده ، وكل من خلقه الله يتناول بفيه. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) لأنه ليس شيء من الحيوان له طيبات المآكل والمشارب مثل ما خلق الله سبحانه لابن آدم ، فإن أنواع الطيبات واللذات التي خلقها الله تعالى لهم ، من الثمار ، وفنون النبات ، واللحوم ، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة. ثم قال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي : فاعل هذه الأشياء خالقكم (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : جل الله بأنه الدائم الثابت الذي لم يزل ولا يزال (١).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦٥) [سورة المؤمن : ٦٥]؟!

الجواب / جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام فسأله عن مسائل ، ثم عاد ليسأل عن مثلها ، فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعملون ، ولما عملتم بما علمتم ، فإن العالم إذا لم يعمل به ، لم يزدد بعلمه من الله إلا بعدا».

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

٤٢٢

ثم قال : «عليك بالقرآن ، فإن الله خلق الجنة بيده ، لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وجعل بلاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصاها اللؤلؤ ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ القرآن قال له : اقرأ وارق ، ومن دخل منهم الجنة لم يكن أحد في الجنة أعلى درجة منه ، ما خلا النبيّين والصديقين».

وقال له الرجل : فما الزهد؟ قال : «الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا ، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(١)».

فقال الرجل : لا إله إلا الله. وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «وأنا أقول لا إله إلا الله ، فإذا قال : أحدكم لا إله إلا الله ، فليقل : الحمد لله رب العالمين ، فإن الله يقول : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢).

وقال أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي : كنت مع الرضا عليه‌السلام لما دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء ، وقد خرج علماء نيسابور في استقباله ، فلما صار إلى المرتعة تعلقوا بلجام بغلته ، وقالوا : يا بن رسول الله ، حدثنا بحق آبائك الطاهرين ، حدثنا عن آبائك صلوات الله عليهم أجمعين. فأخرج رأسه من الهودج ، وعليه مطرف خزّ ، فقال : «حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين سيد شباب أهل الجنّة ، عن أبيه أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : أخبرني جبرئيل الروح الأمين ، عن الله تقدست أسماؤه ، وجل وجهه ، قال : إني أنا الله ، لا إله إلا أنا وحدي ، عبادي فاعبدوني ،

__________________

(١) الحديد : ٢٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٩.

٤٢٣

وليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله مخلصا بها ، أنه قد دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن عذابي».

قالوا : يا بن رسول الله ، وما إخلاص الشهادة لله؟ قال : «طاعة الله ورسوله ، وولاية أهل بيته عليهم‌السلام» (١).

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ)(٦٩) [سورة المؤمن : ٦٦ ـ ٦٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قُلْ) يا محمد لكفار قومك (إِنِّي نُهِيتُ) أي : نهاني الله (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : أوجه العبادة إلى من تدعونه من دون الله من الأصنام التي تجعلونها آلهة (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) أي : حين أتاني الحجج والبراهين من جهة الله تعالى ، دلتني على ذلك. (وَأُمِرْتُ) مع ذلك (أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي : أستسلم لأمر رب العالمين الذي يملك تدبير الخلائق أجمعين. ثم عاد إلى ذكر الأدلة فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) معاشر البشر (مِنْ تُرابٍ) أي : خلق أباكم آدم من تراب ، وأنتم نسله ، وإليه تنتمون (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : ثم أنشأ من ذلك الأصل الذي خلقه من تراب النطفة : وهي ماء الرجل والمرأة. (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) وهي قطعة من الدم (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ

__________________

(١) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٠١.

٤٢٤

طِفْلاً) أي : أطفالا واحدا واحدا ، فلذلك ذكره بالتوحيد. قال يونس : العرب تجعل الطفل للواحد والجماعة. قال الله تعالى (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) والمعنى : ثم يقلبكم أطوارا إلى أن يخرجكم من أرحام الأمهات أطفالا صغارا. (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) وهو حال استكمال القوة. وهذا يحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) لتنشأوا وتشبوا (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ). ويحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله (يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) والتقدير لطفوليتكم. ثم لتبلغوا أشدكم. (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) بعد ذلك (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل أن يصير شيخا ، ومن قبل أن يبلغ أشده (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) أي : وليبلغ كل واحد منكم ما سمي له من الأجل الذي يموت عنده. وقيل : هذا للقرن الذي تقوم عليهم القيامة. والأجل المسمى هو القيامة ... (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي : خلقكم لهذه الأغراض التي ذكرها ، ولكي تتفكروا في ذلك فتعقلوا ما أنعم الله به عليكم من أنواع النعم ، وأراده منكم من إخلاص العبادة. ثم قال : (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : من خلقكم من تراب على هذه الأوصاف التي ذكرها ، هو الذي يحييكم ، وهو الذي يميتكم. فأولكم من تراب ، وآخركم إلى تراب. (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ومعناه : إنه يفعل ذلك من غير أن يتعذر ويمتنع عليه ، فهو بمنزلة ما يقال له كن فيكون ، لأنه سبحانه يخاطب المعدوم بالتكون. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) يعني المشركين الذين يخاصمون في إبطال حجج الله ودفعها (أَنَّى يُصْرَفُونَ) أي : كيف ومن أين يقلبون عن الطريق المستقيم إلى الضلال ، ولو كانوا يخاصمون في آيات الله بالنظر في صحتها ، والفكر فيها ، لما ذمهم الله تعالى (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٥٤ ـ ٤٥٥.

٤٢٥

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) (٧٤) [سورة المؤمن : ٧٠ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) ـ إلى قوله تعالى ـ (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) فقد سماهم الله كافرين مشركين بأن كذبوا بالكتاب ، وقد أرسل الله رسله بالكتاب ، وبتأويل الكتاب ، فمن كذب بالكتاب ، أو كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب ، فهو مشرك (١).

وقال ضريس الكناسي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : إن الناس يذكرون أن فراتنا يخرج من الجنة ، فكيف هو ، وهو يقبل من المغرب ، وتصب فيه العيون والأودية؟

قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وأنا أسمع أن لله جنة خلقها في المغرب ، وماء فراتكم يخرج منها ، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كل مساء ، وتسقط على ثمارها ، وتأكل منها ، وتتنعم فيها ، وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة ، فكانت في الهواء فيما بين السماء والأرض ، تطير ذاهبة وجائية ، وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس ، وتتلاقى في الهواء وتتعارف».

قال : «وإن لله نارا في المشرق ، وخلقها ليسكنها أرواح الكفار ، ويأكلون

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

٤٢٦

من زقومها ، ويشربون من حميمها ليلهم ، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن ، يقال له : برهوت ، أشد حرا من نيران الدنيا ، كانوا فيها يتلاقون ويتعارفون ، فإذا كان المساء عادوا إلى النار ، فهم كذلك إلى يوم القيامة».

قال : قلت : أصلحك الله ، فما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين المذنبين ، الذين يموتون وليس لهم إمام ، ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال : «أما هؤلاء فإنهم في حفرتهم لا يخرجون منها ، فمن كان له عمل صالح ، ولم تظهر منهم عداوة ، فإنه يخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب ، فيدخل عليه منها الروح إلى حفرته إلى يوم القيامة ، فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته ، فإما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، فهؤلاء موقوفون لأمر الله».

قال : «وكذلك يفعل الله بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم ، فأما النصاب من أهل القبلة ، فإنهم يخد لهم خد إلى النار التي خلقها الله في المشرق ، فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم مصيرهم إلى الجحيم في النار يسجرون. ثم قيل لهم : أين ما كنتم تدعون من دون الله؟ أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما؟» (١).

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٤٦ ، ح ١.

٤٢٧

أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (٨٠) [سورة المؤمن : ٧٥ ـ ٨٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (ذلِكُمْ) العذاب الذي نزل بكم (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) وبما كنتم تفرحون قيد الفرح ، وأطلق المرح لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه ، وقد يكون بالباطل فيذم عليه ، والمرح لا يكون إلا باطلا. ومعناه : إن ما فعل بكم جزاء بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي : بما كان يصيب أنبياء الله تعالى وأولياءه من المكاره ، (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ).

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنه يقال لهم : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) وهي سبعة أبواب (خالِدِينَ فِيها) أي : مؤبدين فيها ، لا انقطاع لكربكم فيها ، ولا نهاية لعقابكم. وقيل : إنما جعل لجهنم أبواب كما جعل لها دركات ، تشبيها بما يتصور الإنسان في الدنيا من المطابق والسجون والمطامير (١). فإن ذلك أهول ، وأعظم من الزجر (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي : بئس مقام الذين تكبروا عن عبادة الله تعالى ، وتجبروا عن الانقياد له. وإنما أطلق عليه اسم بئس ، وإن كان حسنا ، لأن الطبع ينفر عنه ، كما ينفر العقل عن القبيح. فحسن لهذه العلة اسم بئس عليه. ثم قال سبحانه لنبيه عليه‌السلام : (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى قومك لك ، وتكذيبهم إياك.

__________________

(١) المطابق جمع المطبق : السجن تحت الأرض ، والمطامير جمع المطمورة : الحفيرة تحت الأرض.

٤٢٨

ومعناه : أثبت على الحق ، فسماه صبرا للمشقة التي تلحق به ، كما تلحق بتجرع المر. ولذلك لا يوصف أهل الجنة بالصبر ، وإن وصفوا بالثبات على الحق ، وإن كان في الوصف به في الدنيا فضل ، ولكنهم يوصفون بالحلم ، لأنه مدح ليس فيه صفة نقص. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) معناه : إن ما وعد الله به المؤمنين على الصبر من الثواب في الجنة ، حق لا شك فيه ، بل هو كائن لا محالة. وقيل : إن وعد الله بالنصر لأنبيائه ، والانتقام من أعدائه ، حق وصدق ، لا خلف فيه. (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب في حياتك. وإنما قال (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) لأن المعجل من عذابهم في الدنيا ، هو بعض ما يستحقونه. (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن يحل بهم ذلك (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، فتفعل بهم ما يستحقونه من العقاب ، ولا يفوتوننا. ثم زاد سبحانه في تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) قصصهم وأخبارهم (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) أخبارهم. وقيل : معناه منهم من تلونا عليك ذكره ، ومنهم من لم نتل عليك ذكره. وروي عن علي عليه‌السلام أنه قال : بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته. واختلفت الأخبار في عدد الأنبياء ، فروي في بعضها أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. وفي بعضها أن عددهم ثمانية آلاف نبي ، أربعة آلاف من بني إسرائيل ، وأربعة آلاف من غيرهم.

(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) أي : بمعجزة ودلالة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) وأمره. والمعنى : إن الإتيان بالمعجزات ليس إلى الرسول ، ولكنه إلى الله تعالى ، يأتي بها على وجه المصلحة. (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) وهو القيامة (قُضِيَ بِالْحَقِ) بين المسلمين والكفار ، والأبرار والفجار. (وَخَسِرَ هُنالِكَ) عند ذلك (الْمُبْطِلُونَ) لأنهم يخسرون الجنة ، ويحصلون في النار ، بدلا منها ، وذلك هو الخسران المبين. والمبطل : صاحب الباطل. ثم عدد سبحانه نعمه

٤٢٩

على خلقه فقال : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) من الإبل والبقر والغنم (لِتَرْكَبُوا مِنْها) أي : لتنتفعوا بركوبها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) يعني أن بعضها للركوب والأكل كالإبل والبقر ، وبعضها للأكل كالأغنام. وقيل : المراد بالأنعام ههنا الإبل خاصة ، لأنها التي تركب ، ويحمل عليها في أكثر العادات. واللام في قوله (لِتَرْكَبُوا) لام الغرض ، وإذا كان الله تعالى خلق هذه الأنعام ، وأراد أن ينتفع خلقه بها ، وكان جل جلاله لا يريد القبيح ، ولا المباح ، فلا بد أن يكون أراد انتفاعهم بها على وجه القربة إليه ، والطاعة له. (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) يعني من جهة ألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها. (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) بأن تركبوها وتبلغوا المواضع التي تقصدونها بحوائجكم (وَعَلَيْها) أي : وعلى الأنام ، وهي الإبل هنا (وَعَلَى الْفُلْكِ) أي : وعلى السفن (تُحْمَلُونَ) يعني على الإبل في البر ، وعلى الفلك في البحر ، تحملون في الأسفار. علم الله سبحانه أنا نحتاج إلى أن نسافر في البر والبحر ، فخلق لنا مركبا للبر ، ومركبا للبحر (١).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨٣) [سورة المؤمن : ٨١ ـ ٨٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم قال سبحانه مخاطبا للكفار الذين جحدوا آيات الله ، وأنكروا أدلته الدالة على توحيده : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) أي :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٥٧ ـ ٤٥٩.

٤٣٠

ويعلمكم حججه ، ويعرفكم إياها ، ومنها إهلاك الأمم الماضية. ووجه الآية فيه أنهم بعد حصولهم في النعم ، صاروا إلى النقم بكفرهم وجحودهم. ومنها الآية في خلق الأنعام التي قدم ذكرها. ووجه الآية فيها تسخيرها لمنافع الخلق بالتصريف في الوجوه التي قد جعل لك شيء منها لما يصلح له ، وذلك يقتضي أن الجاعل لذلك قادر على تصريفه ، عالم بتدبيره. (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) هذا توبيخ لهم على الجحد وقد يكون الإنكار والجحد تارة بأن يجحد أصلا ، وتارة بأن يجحد كونها دالة على صحة ما هي دلالة عليه. والخلاف يكون في ثلاثة أوجه : أما في صحتها في نفسها ، وإما في كونها دلالة ، وإما فيهما جميعا. وإنما يجوز من الجهال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية ، وضعف الشبهة ، لأمور منها : اتباع الهوى ، ودخول الشبهة التي تغطي على الحجة ، حتى لا يكون لها في النفس منزلة ومنها : التقليد لمن ترك النظر في الأمور ومنها : السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمنع ذلك من توليد النظر للعلم. ثم نبههم سبحانه فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأن يمروا في جنباتها (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) عددا (وَأَشَدَّ قُوَّةً) أي : وأعظم قوة (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) بالأبنية العظيمة التي بنوها ، والقصور المشيدة التي شيدوها. وقيل : بمشيهم على أرجلهم على عظم خلقهم ... فلما عصوا الله سبحانه ، وكفروا به ، وكذبوا رسله ، أهلكهم الله ، واستأصلهم بالعذاب (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : لم يغن عنهم ما كسبوه من البنيان والأموال شيئا من عذاب الله تعالى وقيل : إن ما في قوله (فَما أَغْنى) بمعنى أي فالمعنى : فأي شيء أغنى عنهم كسبهم؟ فيكون موضع (فَما) الأولى نصبا ، وموضع (فَما) الثانية رفعا. ثم قال سبحانه : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : فلما أتى هؤلاء الكفار رسلهم الذين دعوهم إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، بالحجج والآيات. وفي الكلام

٤٣١

حذف تقديره : لما جاءتهم رسلهم بالبينات فجحدوها ، وأنكروا دلالتها ، ووعد الله الرسل بإهلاك أممهم ، ونجاة قومهم. (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي : فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلك. وقيل : معناه فرح الكفار بما عندهم من العلم أي : بما كان عندهم أنه علم ، وهو جهل على الحقيقة ، لأنهم قالوا : نحن أعلم منهم ، لا نبعث ، ولا نعذب ، واعتقدوا أنه علم. فأطلق عليه لفظ العلم على اعتقادهم ، كما قال : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) وقال : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي : عند نفسك ، أو عند قومك ، وقيل : معناه فرحوا بالشرك الذي كانوا عليه ، وأعجبوا به ، وظنوا أنه علم ، وهو جهل وكفر وقيل : والمراد بالفرح شدة الإعجاب. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : حل بهم ، ونزل بهم ، جزاء استهزائهم برسلهم من العذاب والهلاك (١).

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٨٥) [سورة المؤمن : ٨٤ ـ ٨٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال إبراهيم بن محمد الهمداني : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : لأي علة أغرق الله عزوجل فرعون ، وقد آمن به وأقر بتوحيده؟ قال : «لأنه آمن عند رؤية البأس والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ، ذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٧٧ ، ح ٧.

٤٣٢

وقال جعفر بن رزق الله : قدّم إلى المتوكل رجل نصراني ، فجر بإمرأة مسلمة ، فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله ، وقال بعضهم : يضرب ثلاثة حدود ، وقال بعضهم : يفعل به كذا وكذا ، فأمر [المتوكل] بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (صلوات الله عليه) ، سؤاله عن ذلك ، فلما قرى الكتاب كتب : «يضرب حتى يموت». فأنكر يحيى بن أكثم ، وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، سل عن هذه ، فإنه شيء لم ينطق به كتاب ، ولم تجيء به سنة ، فكتب إليه : إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا ، وقالوا : لم تجئ به سنة ، ولم ينطق به كتاب ؛ فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) قال : فأمر به المتوكل فضرب حتى مات (١).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي : عند رؤيتهم بأس الله وعذابه ، لأنهم يصيرون عند ذلك ملجأين. وفعل الملجأ لا يستحق به المدح (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ) من قبل (فِي عِبادِهِ) نصب (سُنَّتَ اللهِ) على المصدر ، ومعناه : سن الله هذه السنة في الأمم الماضية كلها ، إذ لا ينفعم إيمانهم إذا رأوا العذاب. والمراد بالسنة هنا الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) بدخول النار ، واستحقاق النقمة ، وفوت الثواب والجنة ، وبالله التوفيق ، وحسبنا الله ، ونعم المولى ، ونعم النصير (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٢٣٨ ، ح ٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٦١.

٤٣٣
٤٣٤

تفسير

سورة فصّلت

ذرقم السورة ـ ٤١ ـ

٤٣٥
٤٣٦

سورة فصّلت

* س ١ : ما هو فضل سورة فصّلت؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ حم السجدة كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره وسرورا ، وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا» (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله بعدد حروفها عشر حسنات ؛ ومن كتبها في إناء وغسله ، وعجن به عجينا ثم سحقه ، وأسفه كل من به وجع الفؤاد ، زال عنه وبرىء بإذن الله تعالى» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في إناء ومحاها بماء المطر ، وسحق بذلك الماء كحلا وتكحل به من في عينيه بياض أو رمد ، زال عنه ذلك الوجع ، ولم يرمد بها أبدا ، وإن تعذّر الكحل فليغسل عينيه بذلك الماء ، يزول عنه الرمد بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) [سورة فصّلت : ١ ـ ٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال سفيان بن سعيد الثوري : قلت للصادق عليه‌السلام : أخبرني يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن (حم) و (حم عسق)(٤)؟ قال : «أمّا (حم)

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٣.

(٢) البرهان : ج ٨ ، ص ٤٥١.

(٣) خواص القرآن : ص ٤٩ (مخطوط).

(٤) الشورى : ١ و ٢.

٤٣٧

فمعناه الحميد المجيد ، وأما (حم عسق) فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القويّ» (١).

٢ ـ قال الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) ، قوله : (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : نزل به جبرائيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٧) [سورة فصّلت : ٣ ـ ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : أي بين خلالها وحرامها وأحكامها وسننها (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي يبشر المؤمنين ، وينذر الظالمين (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) يعني عن القرآن (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) ، قال : في غشاوة ، (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) أي تدعونا إلى ما لا نفهمه ولا نعقله فقال الله : (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) أي أجيبوه (وَاسْتَغْفِرُوهُ)(٣).

وقال الشيخ الفاضل عمر بن إبراهيم الأوسي : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لما نزلت سورة الشعراء في آخرها آية الإنذار (وَأَنْذِرْ

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٦١.

٤٣٨

عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(١) أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : يا علي ، اطبخ ولو كراع شاة ، ولو صاعا من طعام وقعبا من لبن ، واعمد إلى قريش. قال : فدعوتهم واجتمعوا أربعين بطلا بزيادة ، وكان فيهم أبو طالب وحمزة والعباس ، فحضرت ما أمرني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معمولا ، فوضعته بين أيديهم ، فضحكوا باستهزاء ، فأدخل إصبعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأربعة جوانب الجفنة ، فقال : كلوا وقولوا : بسم الله الرحمن الرحيم. فقال أبو جهل : يا محمد ، ما نأكل ، وأحدنا يأكل الشاة مع أربعة أصوع من الطعام! فقال : كل وأرني أكلك. فأكلوا حتى تملؤوا ، وأيم الله ما يرى أثر أكل أحدهم ، ولا نقص الزاد ، فصاح بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلوا. فقالوا : ومن يقدر على أكثر من هذا؟ فقال : إرفعه يا علي. فرفعته ، فدنا منهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : يا قوم اعلموا أن الله ربي وربكم. فصاح أبو لهب ، وقال : قوموا إن محمدا سحركم. فقاموا ومضوا فاستعقبهم علي بن أبي طالب ، وأراد أن يبطش بهم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يا علي ، ادن مني ، فتركهم ودنا منه ، فقال له : أمرنا بالإنذار لا بذات الفقار ، لأن له وقتا ، ولكن اعمل لنا من الطعام مثل ما عملت ، وادع لي من دعيت ، فلما أتى غد ، فعلت ما بالأمس فعلت.

فلما اجتمعوا وأكلوا كما أكلوا. قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل ما جئتم به من أمر الدنيا والآخرة. قيل : فقال أبو جهل : قد شغلنا أمر محمد ، فلو قابلتموه برجل مثله يعرف السحر والكهانة ، لكنا استرحنا. فقطع كلامه عتبة بن ربيعة ، وقال : والله إني لبصير بما ذكرته. فقال : لم لا تباحثه؟ قال : حاشا أن كان به ما ذكرت ، فقال له : يا محمد ، أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

٤٣٩

أنت خير أم علي بن أبي طالب ، دامغ الجبابرة ، قاصم أصلاب أكبرهم؟ فلم تضلّ آبائنا وتشتم آلهتنا ، فإن كنت تريد الرئاسة عقدنا لك ألويتها ، وكن رئيسا لنا ما بقيت وإن كان بك الباه زوجناك عشرة نسوة من أكبرنا. وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك أنت وعقبك من بعدك ، فما تقول؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) إلى آخر الآية ، فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، فأمسك عتبة على فيه ، ورجع فناشده بالله اسكت ، فسكت ، وقام ومضى ، فقام من كان حاضرا خلفه فلم يلحقوه ، فدخل ولم يخرج أبدا ، فغدوه قريش ، فقال أبو جهل : قوموا بنا إليه. فدخلوا وجلسوا. فقال أبو جهل : يا عتبة ، محمد سحرك. فقام قائما على قدميه ، وقال : يا لكع الرجال ، والله لو لم تكن ببيتي لقتلتك شر قتلة ، يا ويلك. قلت : محمد ساحر كاهن شاعر ، سرنا إليه ، سمعناه تكلم بكلام من رب السماء ، فحلفته وأمسك ، وقد سميتموه الصادق الأمين ، هل رأيتم منه كذبة؟ ولكني لو تركته يتمم ما قرأ لحل بكم العذاب والذهاب» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لداود الرقي : «أيكم ينال السماء؟ فو الله إن أرواحنا وأرواح النبيين لتنال العرش كل ليلة جمعة. يا داود ، قرأ أبي محمد بن علي عليه‌السلام حم السجدة حتى بلغ (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ثم قال : نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن الإمام بعده علي عليه‌السلام ، ثم قرأ عليه‌السلام : (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) حتى بلغ (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) عن ولاية علي (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)(٢).

__________________

(١) البرهان : ج ٨ ، ص ٤٥٤.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٣٣ ، ح ١.

٤٤٠