التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

سريره اهتز سريره فرحا.

فإذا استقرت لولي الله منازله في الجنّة ، استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ، ليهنئه بكرامة الله إياه ، فيقول له خدّامه ووصفاؤه : مكانك ، فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته ، وزوجته الحوراء العيناء قد هيئت له ، فاصبر لوليّ الله حتى يفرغ من شغله ، قال : فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة ، وحولها وصفاؤها ، عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بمسك وعنبر ، وعلى رأسها تاج الكرامة ، وفي رجليها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت واللؤلؤ ، شراكهما ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي الله ، وهمّ أن يقوم إليها شوقا ، تقول له : يا وليّ الله ، ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم ، أنا لك وأنت لي ، فيعتنقان قدر خمس مائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله ، قال : فينظر إلى عنقها فإذا عليها قلادة من قصب ياقوت أحمر ، وسطها لوح مكتوب : أنت يا ولي الله حبيبي ، وأنا الحوراء حبيبتك ، إليك تناهت نفسي وإليّ تناهت نفسك.

ثم يبعث الله ألف ملك ، يهنئونه بالجنة ، ويزوّجونه الحوراء ، قال : فينتهون إلى أول باب من جنانه ، فيقولون للملك الموكل بأبواب الجنان : استأذن لنا على وليّ الله ، فإن الله بعثنا مهنئين. فيقول الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم ، قال : فيدخل الملك إلى الحاجب ، وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان ، حتى ينتهي إلى أول باب ، فيقول للحاجب : إن على باب العرصة ألف ملك ، أرسلهم ربّ العالمين ، يهنئون ولي الله ، وقد سألوا أن أستأذن لهم عليه. فيقول الحاجب : إنّه ليعظم عليّ أن استأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته. قال : وبين الحاجب وبين وليّ الله جنّتان ، فيدخل الحاجب على القيم ، فيقول له : إن على باب العرصة ألف ملك ، أرسلهم رب العالمين ، يهنئون ولي الله ، فاستأذن لهم. فيقوم القيّم إلى الخدام ، فيقول

٣٤١

لهم : أن رسل الجبار على باب العرصة ، وهم ألف ملك ، أرسلهم يهنئون ولي الله ، فأعلموه مكانهم ، قال : فيعلمه الخدام مكانهم. قال : فيأذن لهم فيدخلون على ولي الله ، وهو في الغرفة ، ولها ألف باب ، وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به ، فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله ، فتح كل ملك بابه الذي قد وكلّ به ، فيدخل كل ملك من باب من أبواب الغرفة ، فيبلّغونه رسالة الجبار ، وذلك قول الله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ)(١) يعني من أبواب الغرفة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(٢) ، وذلك قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً)(٣) يعني بذلك وليّ الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم ، وأنّ الملائكة من رسل الله الجبّار ليستأذنوا عليه فلا يدخلون إلا بإذنه ، فذلك الملك العظيم ، والأنهار تجري من تحتها» (٤).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١) [سورة الزمر : ٢١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) : «والينابيع : هي العيون والركايا ممّا أنزل الله من السماء فأسكنه في الأرض. (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ) بذلك حتّى يصفرّ (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) والحطام إذا يبست وتفتّتت» (٥).

__________________

(١) الرعد : ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) الرعد : ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) الإنسان : ٢٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٦.

(٥) نفس المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٢٤٨.

٣٤٢

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢) [سورة الزمر : ٢٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وقال ابن شهر آشوب : عن الواحديّ في (أسباب النزول) و (الوسيط) ، قال عطاء في قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) : نزلت في علي عليه‌السلام وحمزة (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) في أبي جهل وولده (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه‌السلام : يا موسى ، لا تفرح بكثرة المال ، ولا تدع ذكري على كلّ حال ، فإن كثرة المال تنسي الذنوب ، وإن ترك ذكري يقسي القلوب» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «القسوة والرقة من القلب ، وهو قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)(٤).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٨.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٨٠.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦٠ ، ح ٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٣٩.

٣٤٣

وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٢٨) [سورة الزمر : ٢٣ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) يعني القرآن ، سماه الله حديثا ، لأنه كلام الله. والكلام سمي حديثا ، كما يسمى كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثا. ولأنه حديث التنزيل ، بعد ما تقدمه من الكتب المنزلة على الأنبياء ، وهو أحسن الحديث لفرط فصاحته ، ولإعجازه ، واشتماله على جميع ما يحتاج المكلف إليه من التنبيه على أدلة التوحيد والعدل وبيان أحكام الشرع ، وغير ذلك من المواعظ ، وقصص الأنبياء ، والترغيب والترهيب. (كِتاباً مُتَشابِهاً) يشبه بعضه بعضا ، ويصدق بعضه بعضا ، ليس فيه اختلاف ، ولا تناقض. وقيل : معناه أنه يشبه كتب الله المتقدمة ، وإن كان أعم وأجمع وأنفع. وقيل : متشابها في حسن النظم ، وجزالة اللفظ ، وجودة المعاني (مثاني) سمي بذلك لأنه يثنى فيه بعض القصص والأخبار والأحكام والمواعظ ، بتصريفها في ضروب البيان ، ويثنى أيضا في التلاوة ، فلا يمل لحسن مسموعه.

(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي : تأخذهم قشعريرة خوفا مما في القرآن من الوعيد (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) إذا سمعوا ما فيه من الوعد بالثواب والرحمة. والمعنى : إن قلوبهم تطمئن وتسكن إلى ذكر الله الجنة والثواب. فحذف مفعول الذكر للعلم به. وروي عن العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله ، تحاتت (١) عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها». وقال قتادة :

__________________

(١) أي : تتساقط.

٣٤٤

هذا نعت لأولياء الله ينعتهم بأن تقشعر جلودهم ، وتطمئن قلبهم إلى ذكر الله. ولم ينعتهم بذهاب عقولهم ، والغشيان عليهم ، إنما ذلك في أهل البدع ، وهو من الشيطان. [وقال جابر : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن ، أو حدثوا به ، صعق أحدهم حتى يرى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه ، لم يشعر بذلك؟ فقال : «سبحان الله! ذاك من الشيطان ما بهذا نعتوا ، إنما هو اللين الرقة والدمعة والوجل»](١). (ذلِكَ) يعني القرآن (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده بما نصب فيه من الأدلة ، وهم الذين آتاهم القرآن من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقيل : يهدي به من يشاء من الذين اهتدوا به ، إنما خصهم بذلك لأنهم المنتفعون بالهداية ، ومن لم يهتد لا يوصف بأنه هداه الله ، إذ ليس معه هداية. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن طريق الجنة (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : لا يقدر على هدايته أحد ... وقيل : معناه من ضل عن الله ورحمته ، فلا هادي له. يقال : أضللت بعيري : إذا ضل ... وقيل : معناه من يضلله عن زيادة الهدى والألطاف ، لأن الكافر لا لطف له. (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تقديره أفحال من يدفع عذاب الله بوجهه يوم القيامة ، كحال من يأتي آمنا لا تمسه النار؟ وإنما قال (بِوَجْهِهِ) لأن الوجه أعز أعضاء الإنسان وقيل : معناه أمن يلقى في النار منكوسا. فأول عضو منه مسته النار وجهه. ثم أخبر سبحانه عما يقوله خزنة النار للكفار بقوله : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي : جزاء ما كسبتموه من المعاصي. ثم أخبر سبحانه عن أمثال هؤلاء الكفار من الأمم الماضية ، فقال : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بآيات الله ، وجحدوا رسله (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) عاجلا (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي : وهم آمنون غافلون.

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥١ ، ح ١.

٣٤٥

ثم أخبر سبحانه عما فعله بالأمم المكذبة بأن قال : (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) أي : الذل والهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي : أعظم وأشد (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) سمى ذكر الأمم الماضية مثلا ، كما قال : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) والمعنى : إنا وصفنا وبينا للناس في هذا القرآن كلما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم. (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : لكي يتذكروا ، ويتدبروا فيعتبروا (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي : غير ذي ميل عن الحق ، بل هو مستقيم موصل إلى الحق (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي : لكي يتقوا معاصي الله (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٩) [سورة الزمر : ٢٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أما الذي فيه شركاء متشاكسون ، فلان الأول ، يجمع المتفرقون ولايته ، وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا ، ويبرأ بعضهم من بعض ، فأما رجل سلم لرجل فإنه الأول حقا وشيعته.

ثم قال : إن اليهود تفرقوا من بعد موسى عليه‌السلام على إحدى وسبعين فرقة ، منها فرقة في الجنة وسبعون في النار ، وتفرقت النصارى بعد عيسى عليه‌السلام على اثنتين وسبعين فرقة ، فرقة منها في الجنّة وإحدى وسبعون في النار ، وتفرّقت هذه الأمة بعد نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون فرقة في النار ، وفرقة في الجنة ، ومن الثلاث وسبعين فرقة ثلاث

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٩٤ ، بتصرف.

٣٤٦

عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودّتنا ، اثنتا عشرة فرقة منها في النار ، وفرقة في الجنّة ، وستون فرقة من سائر الناس [في النار]» (١).

وقال حمران : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً) ـ هو علي عليه‌السلام ـ (لِرَجُلٍ) هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي مختلفون ، وأصحاب علي عليه‌السلام مجتمعون على ولايته» (٢).

وقال علي عليه‌السلام : «أنا ذلك الرجل السالم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) فإنه مثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه‌السلام وشركائه الذين ظلموه وغصبوه حقّه وقوله تعالى : (مُتَشاكِسُونَ) أي متباغضون ، وقوله : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) أمير المؤمنين عليه‌السلام سلم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٤).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣) [سورة الزمر : ٣٠ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال يعقوب الأحمر : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام نعزيه بإسماعيل ، فترحم عليه ، ثم قال : «إن الله عزوجل نعى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ،

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٢٤ ، ح ٢٨٣.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٥ ، ح ١١.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٧٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٨.

٣٤٧

فقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(١) ـ ثم أنشأ يحدث ؛ فقال ـ : إنّه يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ، ثم يموت أهل السماوات حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل عليهم‌السلام ، فيجيء ملك الموت عليه‌السلام حتى يقوم بين يدي الله عزوجل ، فيقال له : من بقي؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول : يا رب ، لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل. فيقال له : قل لجبرئيل وميكائيل : فليموتا. فتقول الملائكة عند ذلك : يا رب ، رسوليك وأمينيك. فيقول : إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ، ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عزوجل فيقال له : من بقي؟ ـ وهو أعلم ـ فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش. فيقول : قل لحملة العرش : فليموتوا. قال : ثم يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال : من بقي؟ فيقول : يا رب ، لم يبق إلا ملك الموت. فيقال له : مت يا ملك الموت. فيموت ، ثم يؤخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه ، فيقول : أين الذين كانوا يدّعون معي شريكا؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلها [آخر]» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا نزلت هذه الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، قلت : يا رب أيموت الخلائق كلهم ويبقى الأنبياء؟ فنزلت (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ)(٣)» (٤).

وقال علي بن إبراهيم : ثم عزّى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن غصبه حقه ، ثم ذكر أيضا أعداء آل محمد ومن كذب على الله وعلى

__________________

(١) آل عمران : ١٨٥.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٦ ، ح ٢٥.

(٣) العنكبوت : ٥٧.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٣٢ ، ح ٥١.

٣٤٨

رسوله وادعى ما لم يكن له ، فقال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) يعني بما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحق وولاية أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومن طريق المخالفين : عن ابن مردويه ، بإسناد مرفوع إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، أنه قال : «الذي كذب بالصدق هو الذي رد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي عليه‌السلام» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الذي جاء بالصدق : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصدق به : علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٤).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٥) [سورة الزمر : ٣٤ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم من سبحانه بما أعد لهم من النعيم ، فقال : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) من الثواب والنعيم في الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ينالون من جهته (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) على إحسانهم الذي فعلوه في الدنيا ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٩ ، تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٦ ، ح ١٤.

(٢) كشف الغمة : ج ١ ، ص ٣١٧ ، عن ابن مردويه.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٩.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٧ ، ح ١٨.

٣٤٩

وأعمالهم الصالحة (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) أي : أسقط الله عنهم عقاب الشرك والمعاصي التي فعلوها قبل ذلك بإيمانهم وإحسانهم ورجوعهم إلى الله تعالى (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) أي : ثوابهم (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : بالفرائض والنوافل ، فهي أحسن أعمالهم ، لأن المباح ، وإن كان حسنا ، فلا يستحق به ثواب ، ولا مدح (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٩) [سورة الزمر : ٣٦ ـ ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : المعنى : لما وعد الله سبحانه الصادق والمصدق ، عقبه بأنه يكفيهم ، وإن كانت الأعداء تقصدهم ، وتؤذيهم ، فقال : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) استفهام يراد به التقرير ، يعني به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكفيه عداوة من يعاديه ويناوئه (وَيُخَوِّفُونَكَ) يا محمد (بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) كانت الكفار تخوفه بالأوثان التي كانوا يعبدونها ، لأنهم قالوا له : إنا نخاف أن تهلكك آلهتنا. وقيل : إنه لما قصد خالد لكسر العزى بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : إياك يا خالد فبأسها شديد! فضرب خالد أنفها بالفأس وهشمها وقال : كفرانك

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٠.

٣٥٠

يا عزى لا سبحانك ، سبحان من أهانك ، إني رأيت الله قد أهانك [وقال علي بن إبراهيم : يعني يقولون لك : يا محمد : عفنا من علي ، ويخوّفونك أنهم يلحقون بالكفار](١). (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : من أضله الله عن طريق الجنة بكفره ومعاصيه ، فليس له هاد يهديه إليها. وقيل : معناه أن من وصفه بأنه ضال إذ ضل هو عن الحق ، فليس له من يسميه هاديا. وقيل : من يحرمه الله من زيادات الهدى ، فليس له زائد. (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) أي : من يهده الله إلى طريق الجنة ، فلا أحد يضله عنها. وقيل : من يهده الله فاهتدى ، فلا يقدر أحد على صرفه عنه. وقيل : من بلغ استحقاق زيادات الهدى ، فقد ارتفع عن تأثير الوسواس. (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) أي : قادر قاهر ، لا يقدر أحد على مغالبته (ذِي انْتِقامٍ) من أعدائه الجاحدين لنعمه. ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يا محمد (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وأوجدها وأنشأها بعد أن كانت معدومة (لَيَقُولُنَّ اللهُ) الفاعل لذلك لأنهم مع عبادتهم الأوثان ، يقرون بذلك.

[أقول : قال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)(٢) ، قال : «الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، قال : فطرهم على المعرفة به».

قال زرارة : وسألته عن قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٣) الآية ، قال : «أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر ، فعرفهم وأراهم نفسه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٤٩.

(٢) الحج : ٣١.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

٣٥١

وقال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل مولود يولد على الفطرة ، يعني المعرفة بأن الله عزوجل خالقه ، كذلك قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١)].

ثم احتج عليهم بأن ما يعبدونه من دون الله ، لا يملك كشف الضر والسوء عنهم ، فقال : (قُلْ) لهم. (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ) أي : بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) أي : هل يكشفن ضره (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) أي : بخير أو صحة (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) أي : هل يمسكن ويحبسن عني رحمته ، والمعنى : إن من عجز عن النفع والضر ، وكشف السوء والشر ، عمن يتقرب إليه ، كيف يحسن منه عبادته ، وإنما يحسن العبادة لمن يقدر على جميع ذلك ، ولا يلحقه العجز والمنع ، وهو الله تعالى. (قُلْ) يا محمد (حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) وبه يثق الواثقون ، ومن توكل على غيره ، توكل على غير كاف (قُلْ) لهم يا محمد (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي : على قدر جهدكم وطاقتكم في إهلاكي ، وتضعيف أمري (إِنِّي عامِلٌ) قدر جهدي وطاقتي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) قد مضى مفسرا. وفي هذا غاية الوعيد والتهديد.

النظم : اتصل قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) بقوله : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) والمعنى : أنه لا ينبغي أن يخوفوك بها مع اعترافهم بأن الخالق هو الله دون غيره (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠ ، ح ٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠١ ـ ٤٠٢.

٣٥٢

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٤٤) [سورة الزمر : ٤٠ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : المعنى : ثم بين سبحانه تحقيق وعيده بالعذاب المقيم بأن قال : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعني القرآن (لِلنَّاسِ) أي : لجميع الخلق. (بِالْحَقِ) أي : ليس فيه شيء من الباطل. وقيل : بالحق معناه بأنه الحق ، أو على أنه الحق الذي يجب النظر في موجبه ومقتضاه ، فما صححه وجب تصحيحه ، وما أفسده وجب إفساده ، وما رغب فيه وجب العمل به ، وما حذر منه وجب اجتنابه ، وما دعا إليه فهو الرشد ، وما صرف عنه فهو الغي. (فَمَنِ اهْتَدى) بما فيه من الأدلة (فَلِنَفْسِهِ) لأن النفع في عاقبته يعود إليه (وَمَنْ ضَلَ) عنه وحاد (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي : على نفسه ، لأن مضرة عاقبته من العقاب تعود عليه (وَما أَنْتَ) يا محمد (عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي : برقيب في إيصال الحق إلى قلوبهم ، وحفظه عليهم حتى لا يتركوه ، ولا ينصرفوا عنه إذ لا تقدر على إكراههم على الإسلام. وقيل : بكفيل يلزمك إيمانهم ، فإنما عليك البلاغ (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) أي : يقبضها إليه وقت موتها ، وانقضاء آجالها ، والمعنى : حين موت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف. (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أي : ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل

٣٥٣

والتمييز ، وهي التي تفارق النائم ، فلا يعقل ، والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة التي إذا زالت زال معها النفس ، والنائم يتنفس. فالفرق بين قبض النوم ، وقبض الموت : أن قبض النوم يضاد اليقظة ، وقبض الموت يضاد الحياة ، وقبض النوم يكون الروح معه في البدن ، وقبض الموت يخرج الروح معه من البدن. (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) إلى يوم القيامة ، لا تعود إلى الدنيا (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) يعني الأنفس الأخرى التي لم يقض على موتها يريد نفس النائم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قد سمي لموته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : دلالات واضحات على توحيد الله ، وكمال قدرته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في الأدلة إذ لا يقدر على قبض النفوس تارة بالنوم ، وتارة بالموت ، غير الله تعالى.

قال ابن عباس : في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فالنفس : التي بها العقل والتمييز ، والروح : التي بها النفس والتحرك. فإذا نام قبض الله نفسه ، ولم يقبض روحه. وإذا مات قبض الله نفسه وروحه. ويؤيده ما رواه العياشي بالإسناد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء ، وبقيت روحه في بدنه ، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس. فإن أذن الله في قبض الأرواح ، أجابت الروح النفس. وإذا أذن الله في رد الروح ، أجابت النفس الروح ، وهو قوله سبحانه (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية. فمهما رأت في ملكوت السماوات ، فهو مما له تأويل ، وما رأت فيما بين السماء والأرض ، فهو مما يخيله الشيطان ، ولا تأويل له. (أَمِ اتَّخَذُوا) أي : بل اتخذوا (مِنْ دُونِ اللهِ) آلهة (شُفَعاءَ قُلْ) يا محمد (أَوَلَوْ كانُوا) يعني الآلهة (لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً) من الشفاعة. (وَلا يَعْقِلُونَ) وجواب هذا الاستفهام محذوف تقديره : أو لو كانوا بهذه الصفة يتخذونهم شفعاء ، ويعبدونهم ، راجين شفاعتهم. ثم قال : (قُلْ) لهم (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ

٣٥٤

جَمِيعاً) أي : لا يشفع أحد إلا بإذنه. والمعنى : لا يملك أحد الشفاعة إلا بتمليكه كما قال : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). وفي إبطال الشفاعة لمن ادعيت له الشفاعة من الآلهة (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) مضى معناه (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) [سورة الزمر : ٤٥]؟!

الجواب / قال زرارة : حدّثني أبو الخطّاب في أحسن ما يكون حالا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ، فقال : «إذا ذكر الله وحده بطاعة من أمر الله بطاعته من آل محمد عليهم‌السلام اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين لم يأمر الله بطاعتهم إذا هم يستبشرون» (٢).

وقال حبيب بن المعلى الخثعمي : ذكرت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما يقول أبو الخطاب؟ فقال : «احك لي ما يقول». قلت : يقول في قوله عزوجل : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) أنه أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) فلان وفلان! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قال هذا فهو مشرك بالله عزوجل ـ ثلاثا ـ أنا إلى الله منه بريء ـ ثلاثا ـ بل عنى الله بذلك نفسه».

قال : [وأخبرته] بالآية الأخرى التي في «حم» قول الله عزوجل : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ)(٣)؟ ثم قلت : زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قال هذا فهو مشرك بالله ـ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٣.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٠٤ ، ح ٤٧١.

(٣) غافر : ١٢.

٣٥٥

ثلاثا ـ أنا إلى الله منه بريء ـ ثلاثا ـ بل عنى الله بذلك نفسه ، بل عنى بذلك نفسه ـ ثلاثا ـ» (١).

وقال سدير قال : سمعت صامتا بياع الهروي ، وقد سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن المرجئة ، فقال : «صلّ معهم ، واشهد جنائزهم ، وعد مرضاهم ، ولا تستغفر لهم ، فإنا إذا ذكرنا عندهم اشمأزت قلوبهم ، وإذا ذكر الذين من دوننا إذا هم يستبشرون».

قلت : أبو الخطاب غلا في آخر عمره ، ولهذا قال ما قال ، والصحيح روايته الأولى التي رواها زرارة (٢).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) [سورة الزمر : ٤٦ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : المعنى : لما قدم سبحانه ذكر الأدلة ،

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٨٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٧ ، ح ١٩.

٣٥٦

فلم ينظروا فيها ، والمواعظ فلم يتعظوا بها ، أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحاكمهم إليه ليفعل بهم ما يستحقونه فقال : (قُلِ) يا محمد ادع بهذا الدعاء (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : يا خالقهما ومنشئهما (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ)(١) أي : يا عالم ما غاب علمه عن جميع الخلق ، وعالم ما شهدوه وعلموه (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) يوم القيامة (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم ، وتفصل بينهم بالحق في الحقوق والمظالم أي : فاحكم بيني وبين قومي بالحق. وفي هذا بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر ، لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا حالة. وعن سعيد بن المسيب أنه قال : إني لأعرف موضع آية لم يقرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه ، قوله (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. ثم أخبر سبحانه عن وقوع العقاب بالكفار بأن قال : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) زيادة عليه (لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقد مضى تفسيره. (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي : ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه ، ولا يظنونه واصلا إليهم ، ولم يكن في حسابهم. قال السدي : ظنوا أعمالهم حسنات ، فبدت لهم سيئات. وقيل : إن محمد بن المنكدر ، جزع عند الموت ، فقيل له : أتجزع؟ قال : أخذتني آية من كتاب الله ، عزوجل : (وَبَدا لَهُمْ) الآية. أخذتني أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب. (وَبَدا لَهُمْ) : أي وظهر لهم أيضا (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي : جزاء سيئات أعمالهم (وَحاقَ بِهِمْ) أي : نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو كل ما ينذرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما كانوا ينكرونه ، ويكذبون به. ثم أخبر عن شدة تقلب الإنسان من حال إلى حال ، فقال : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) من

__________________

(١) مرّ تفسيرها عن طريق روايات أهل البيت عليهم‌السلام في سورة الأنعام (٧٣) والسجدة (٦).

٣٥٧

مرض ، أو شدة (دَعانا) واستغاث بنا مسلما مخلصا في كشفه عالما بأنه لا يقدر غيرنا عليه. (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أي : أعطيناه نعمة من الصحة في الجسم ، والسعة في الرزق ، أو غير ذلك من النعم (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) قيل فيه وجوه أحدها : قال إنما أوتيته بعلمي وجلدي وحيلتي ... فيكون هذا إشارة إلى جهلهم بمواضع المنافع. وثانيها : على علم على خبر علمه الله عندي ... وثالثها : على علم يرضاه عني. فلذلك أتاني ما أتاني من النعم. ثم قال : ليس الأمر على ما يقولونه (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي : بلية واختبار يبتليه الله بها ، فيظهر كيف شكره أو صبره في مقابلتها ، فيجازيه بحسبها. وقيل : معناه هذه النعمة فتنة أي : عذاب لهم إذا أضافوها إلى أنفسهم. وقيل : معناه هذه المقالة التي قالوها فتنة لهم ، لأنهم يعاقبون عليها. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) البلوى من النعمى. وقيل : لا يعلمون أن النعم كلها من الله ، وإن حصلت بأسباب من جهة العبد (قَدْ قالَهَا) أي : قد قال مثل هذه الكلمة ، وهذه المقالة (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) مثل قارون حيث قال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي. فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : فلم ينفعهم ما كانوا يجمعونه من الأموال ، بل صارت وبالا عليهم (١).

ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار ، فقال : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي : أصابهم عقاب سيئاتهم ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. وقيل : إنّما سمي عقاب سيئاتهم سيئة لازدواج الكلام كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها. وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي : من كفار قومك يا محمد (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أيضا (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي : لا يفوتون الله تعالى. وقيل : لا يعجزون الله بالخروج من قدرته (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٥.

٣٥٨

الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي : يوسع الرزق على من يشاء ، ويضيق على من يشاء ، بحسب ما يعلم من المصلحة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دلالات واضحات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يصدقون بتوحيد الله تعالى ، لأنهم المنتفعون بها (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) [سورة الزمر : ٥٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا يعذر الله يوم القيامة أحدا يقول : يا ربّ ، لم أعلم أن ولد فاطمة هم الولاة على الناس كافة ، وفي شيعة ولد فاطمة عليها‌السلام أنزل الله هذه الآية خاصّة (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) الآية» (٢).

وقال سليمان الديلمي : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه أبو بصير فقال له الإمام : «يا أبا بصير ، لقد ذكركم الله عزوجل في كتابه ، إذ يقول : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) والله ما أراد بذلك غيركم. يا أبا محمد ، فهل سررتك؟» قال : نعم (٣).

وقال أبو بصير : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ، فقال : «إن الله يغفر لكم جميعا الذنوب».

قال : فقلت : ليس هكذا نقرأ ، فقال : «يا أبا محمد ، فإذا غفر الله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٠.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٨ ، ح ٢٢ ، فضائل الشيعة : ص ٦٢ ، ح ١٨.

٣٥٩

الذنوب جميعا فلمن يعذّب؟ والله ما عنى من عباده غيرنا وغير شيعتنا ، وما نزلت إلا هكذا : إن الله يغفر لكم جميعا الذنوب» (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٥٦) [سورة الزمر : ٥٤ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) ، أي توبوا (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من القرآن وولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام ، والدليل على ذلك قول الله عزوجل : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) الآية ، قال في الإمام ، لقول الصادق عليه‌السلام : «نحن جنب الله» (٢).

وقال موسى بن جعفر عليه‌السلام : «جنب الله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن والله خلقنا من نور جنب الله تعالى ، وذلك قول الكافر إذا استقرّت به الدار : يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) يعني ولاية محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)» (٤).

وقال أبو ذر : في خبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا أبا ذرّ ، يؤتى بجاحد عليّ يوم القيامة أعمى أبكم ، يتكبكب في ظلمات القيامة ، ينادي (يا حَسْرَتى عَلى

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥١٩ ، ح ٢٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥٠.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١١٣ ، ح ٩.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٢٠ ، ح ٢٧.

٣٦٠