التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

تفسير

سورة الصافّات

رقم السورة ـ ٣٧ ـ

٢٤١
٢٤٢

سورة الصافّات

* س ١ : ما هو فضل سورة الصافات؟!

الجواب / قال سليمان الجعفري : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لابنه القاسم : «قم ـ يا بني ـ فاقرأ عند رأس أخيك (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) حتى تستتمها» فقرأ ، فلما بلغ : (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا)(١) قضى الفتى ، فلما سجّي وخرجوا ، أقبل عليه يعقوب ابن جعفر ، فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال : «يا بني ، لم تقرأ عند مكروب من موت قطّ إلا عجل الله راحته» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الصافات في كل جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة ، مدفوعا عنه كل بلية في الحياة الدنيا ، مرزوقا في الدنيا في أوسع ما يكون من الرزق ، ولم يصبه في ماله وولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم ، ولا من جبار عنيد ، وإن مات في يومه ، أو في ليلته بعثه الله شهيدا ، وأماته شهيدا ، وأدخله الجنّة مع الشهداء في أعلى درجة من الجنّة» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في إناء زجاج ضيق الرأس ، وجعلها في منزله رأى الجن في منزله يذهبون ويأتون أفواجا أفواجا ، ولا يضرون أحدا

__________________

(١) الصافات : ١١.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ١٢٦ ، ح ٥ ، التهذيب : ج ١ ، ص ٤٢٧ ، ح ١٣٥٨.

(٣) ثواب الأعمال : ص ١١٢.

٢٤٣

بشيء ، ويستحمّ بمائها الولهان والرجفان ليسكن ما به ، إن شاء الله تعالى» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (١١) [سورة الصافات : ١ ـ ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال : الملائكة ، والأنبياء ، ومن صفّ لله وعبده (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) الذين يزجرون الناس (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) الذين يقرءون الكتاب من الناس ، فهو قسم ، وجوابه (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ)(٢).

أقول ـ بالطبع وردت احتمالات أخرى في تفسير الآيات المذكورة أعلاه ، منها ما يشير إلى صفوف جند الإسلام في ساحات الجهاد ، الذين يصرخون بالأعداء ويزجرونهم عن الاعتداء على حرمة الإسلام والقرآن ، والذين يتلون كتاب الله دائما ومن دون أي انقطاع ، وينورون قلوبهم وأرواحهم بنور تلاوته ، وهذا الاحتمال ورد أيضا في أن بعض هذه الأوصاف الثلاثة ، إنما هو إشارة إلى ملائكة اصطفت بصفوف منظمة ، والبعض الآخر يشير إلى آيات القرآن التي تنهى الناس عن ارتكاب القبائح ، والقسم الثالث يشير إلى

__________________

(١) البرهان : ج ٨ ، ص ٢٠٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٨.

٢٤٤

المؤمنين الذين يتلون القرآن في أوقات الصلاة وفي غيرها من الأوقات. ويستبعد الفصل بين هذه الأوصاف لأنها معطوفة على بعضها البعض بحرف (الفاء) ، وهذا يوضح أنها أوصاف لطائفة واحدة.

وقد ذكر العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان هذا الاحتمال ، في أن الأوصاف الثلاثة هي تطلق على ملائكة مكلفة بتبليغ الوحي الإلهي ، والاصطفاف في طريق الوحي لتوديعه ، وزجر الشياطين التي تقف في طريقه ، وفي النهاية تلاوة آيات الله على الأنبياء ـ.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لهذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض ، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور ، طول ذلك العمود في السماء مسيرة مائتين وخمسين سنة».

قوله : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) قال : المارد : الخبيث ، (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً) يعني الكواكب التي يرمون بها (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) أي واجب ، وقوله : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) يعني يسمعون الكلمة فيحفظونها (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) ، وهو ما يرمون به فيحترقون (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (عَذابٌ واصِبٌ) أي دائم موجع ، قد خلص إلى قلوبهم ، وقوله : (شِهابٌ ثاقِبٌ) أي مضيء ، إذا أضاء فهو ثقوبه (٢)» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ وذكر حديث معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فصعد جبرئيل ، وصعدت معه إلى السماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١٨.

(٢) وقيل : إذا أصابهم نفوا به.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢١.

٢٤٥

الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كل ملك سبعون ألف ملك» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) يعني يلصق باليد (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله عزوجل خلق المؤمن من طينة الجنة ، وخلق الكافر من طينة النار».

وقال : «إذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا طيب روحه جسده ، فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ، ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره».

قال : وسمعته يقول : «الطينات ثلاث : طينة الأنبياء ، والمؤمن من تلك الطينة ، إلا أن الأنبياء هم من صفوتها ، هم الأصل ولهم فضلهم ، والمؤمنون الفرع من طين لازب ، كذلك لا يفرق الله عزوجل بينهم وبين شيعتهم». وقال : «طينة الناصب من حمأ مسنون ، وأما المستضعفون فمن تراب ، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ، ولا ناصب عن نصبه ، ولله المشيئة فيهم» (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢١) [سورة الصافات : ١٢ ـ ٢١]؟!

الجواب / علي بن إبراهيم : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) يعني قريشا. ثم حكى قول الدهرية من

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢١.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢ ، ح ٢.

٢٤٦

قريش ، فقال : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً) إلى قوله تعالى : (داخِرُونَ) أي مطروحون في النار (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) ، وقوله : (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) ، قال : يوم الحساب والمجازاة (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) : «يعني يوم الحساب» (٢).

وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : وهنا يوجه إليهم الخطاب من الباري عزوجل أو من ملائكته ، نعم اليوم هو يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ، يوم فصل الحق عن الباطل ، وفصل المجرمين عن المتقين ، ويوم المحكمة الإلهية الكبرى (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).

ومثل هذه العبارات وردت في آيات أخرى من آيات القرآن الكريم ، والتي تتناول يوم القيامة ، وتعتبره يوم الفصل ، إنها لعبارات عجيبة ورهيبة؟!

الملاحظ ، هو أن الكافرين يوم القيامة يطلقون على هذا اليوم اسم يوم الجزاء (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ). فيما يطلق عليه الباري عزوجل في كتابه الحكيم اسم يوم الفصل ... (٣).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)(٢٣) [سورة الصافات : ٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، وقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) ، قال : الذين ظلموا آل محمد حقهم ، وأزواجهم. قال : يعني أشباههم (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)(٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨.

(٣) الأمثل : ج ٢٣ ، ص ٢٧٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

٢٤٧

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) ، يقول : «ادعوهم إلى طريق الجحيم» (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) (٤٢) [سورة الصافات : ٢٤ ـ ٤٢]؟!

الجواب / قال الحسين بن علي عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أبا بكر مني لبمنزلة السمع ، وإن عمر مني لبمنزلة البصر ، وإن عثمان مني لبمنزلة الفؤاد. قال : فلما كان من الغد ، دخلت عليه وعنده أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فقلت له : يا أبت ، سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا ، فما هو؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، ثم أشار إليهم ، فقال : هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن ولاية وصيي هذا ، وأشار إلى علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) ، ثم قال : إن الله عزوجل يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

٢٤٨

كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعزّة ربي إن جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة ، ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قول الله عزوجل : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(٢).

وقال أبو سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى ملكين يقعدان على الصراط ، فلا يجوز أحد إلا ببراءة علي بن أبي طالب ، ومن لم تكن له براءة أمير المؤمنين أكبه الله (٣) على منخريه في النار ، وذلك قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ).

قلت : فداك أبي وأمي ـ يا رسول الله ـ ما معنى البراءة التي أعطاها عليّ؟ فقال : «مكتوب بالنور الساطع : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله» (٤).

وقال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النيران السبع ، وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية ، ويقول : يا ميكائيل ، مدّ الصراط على متن جهنم ويقول : يا جبرئيل ، انصب ميزان العدل تحت العرش ، وناد : يا محمد ، قرّب أمتك للحساب.

ثم يأمر الله تعالى أن يعقد على الصراط سبع قناطر ، طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام ، فيسألون هذه الأمة ، نساءهم ورجالهم ، على القنطرة الأولى : عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وحب أهل بيت محمد عليهم‌السلام ، فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٣١٣ ، ح ٨٦.

(٣) في رواية : له براءة ، أمر الله تعالى الملكين الموكلين على الجواز أن يوقفاه ويسألاه فلما عجز عن جوابهما فيكبّاه.

(٤) مائة منقبة : ص ٣٦ ، ح ١٦.

٢٤٩

الخاطف ، ومن لم يحب أهل بيت نبيه سقط على أم رأسه في قعر جهنم ، ولو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صديقا. وعلى القنطرة الثانية : يسألون عن الصلاة ، وعلى الثالثة : يسألون عن الزكاة وعلى الرابعة : عن الصيام ، وعلى الخامسة : عن الحجّ ، وعلى السادسة : عن الجهاد ، وعلى السابعة : عن العدل. فمن أتى بشيء من ذلك جاز على الصراط كالبرق الخاطف ، ومن لم يأت عذب ، وذلك قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) يعني معاشر الملائكة ، وقفوهم ـ يعني العباد ـ على القنطرة الأولى عن ولاية عليّ ، وحب أهل البيت عليهم‌السلام.

وسئل الباقر عليه‌السلام عن هذه الآية ، قال : «يقفون فيسألون : ما لكم لا تناصرون في الآخرة كما تعاونتم في الدنيا على علي عليه‌السلام؟ قال : يقول الله : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) يعني للعذاب ، ثم حكى الله عنهم قولهم : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) إلى قوله : (بِالْمُجْرِمِينَ)(١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ، قال : عن ولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. قوله تعالى : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) يعني للعذاب ، ثم حكى الله عزوجل عنهم قولهم : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) يعني فلانا وفلانا (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قوله : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) ، قال : العذاب (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ).

وقوله : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) إلى قوله : (يَسْتَكْبِرُونَ) فإنه محكم ، قوله : (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرد الله عليهم : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) يعني الذين كانوا

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ١٥٢.

٢٥٠

قبله ، ثم حكى ما أعد الله للمؤمنين ، فقال : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) يعني في الجنّة (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) ، قال : «يعلمه الخدام ، فيأتون به إلى أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه». وأما قوله عزوجل : (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) ، قال : «فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنّة إلا أكرموا به» (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)(٤٦) [سورة الصافات : ٤٣ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي : وهم مع ذلك في بساتين فيها أنواع النعيم يتنعمون بها (عَلى سُرُرٍ) وهي جمع سرير (مُتَقابِلِينَ) يستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض ، ولا يرى بعضهم قفا بعض. (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) وهو الإناء بما فيه من الشراب (مِنْ مَعِينٍ) أي : من خمر جارية في أنهار ظاهرة العيون ، وقيل : شديد الجري. ثم وصف الخمر فقال : (بَيْضاءَ) وصفها بالبياض لأنها في نهاية الرقة مع الصفاء واللطافة النورية التي لها. قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ، وذكر أن قراءة ابن مسعود صفراء ، فيحتمل أن يكون بيضاء الكأس ، صفراء اللون. (لَذَّةٍ) أي لذة (لِلشَّارِبِينَ) ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٥ ، ٦٩.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٠٥.

٢٥١

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٥٧) [سورة الصافات : ٤٧ ـ ٥٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (لا فِيها غَوْلٌ) يعني الفساد (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي لا يطردون منها ، قوله ؛ (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) يعني الحور العين ، يقصر الطرف عن النظر إليها من صفائها وحسنها (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) يعني مخزون (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) أي تصدق بما يقول لك : إنك إذا مت حييت. قال : فيقول لصاحبه : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) قال : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) فيقول له : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) يقول : «في وسط الجحيم» (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

٢٥٢

إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤) وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (٧٨) [سورة الصافات : ٥٨ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، جيء بالموت في صورة كبش حتى يوقف بين الجنة والنار. قال : ثم ينادي مناد يسمع أهل الدارين جميعا : يا أهل الجنة ، يا أهل النار. فإذا سمعوا الصوت أقبلوا : قال ، فيقال لهم : أتدرون ما هذا؟ هذا هو الموت الذي كنتم تخافون منه في الدنيا. قال : فيقول أهل الجنة : اللهم لا تدخل الموت علينا. قال : ويقول أهل النار : اللهم أدخل الموت علينا. قال : ثم يذبح كما تذبح الشاة».

قال : «ثم ينادي مناد : لا موت أبدا ، أيقنوا بالخلود. قال : فيفرح أهل الجنة فرحا لو كان أحد يومئذ يموت من فرح لماتوا ، قال : ثم قرأ هذه الآية : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) قال : ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهيق لماتوا ، وهو قول الله عزوجل : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)(١).

__________________

(١) الزهد : ص ١٠٠ ، ح ٢٧٣ ، والآية من سورة مريم : ٣٩.

٢٥٣

وقال أبو جعفر عليه‌السلام أيضا : «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ؛ جيء بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار ، ثم يقال لهم : خلود ، فلا موت أبدا. فيقول أهل الجنة : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ).

ثم قال عزوجل : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) يعني بالفتنة هاهنا العذاب (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فإنّه محكم.

قوله : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) يعني عذابا على عذاب. (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) أي يمرّون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) يعني الأنبياء (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) يعني الأمم الهالكة ، ثم ذكر عزوجل نداء الأنبياء ، فقال : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) إلى قوله تعالى : (فِي الْآخِرِينَ)(١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) ، يقول : «الحقّ ، والنبوة ، والكتاب ، والإيمان في عقبه ، وليس كل من في الأرض من بني آدم من ولد نوح ، قال الله في كتابه : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) منهم (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)(٢) ، وقال أيضا : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٣.

(٢) هود : ٤٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٣ ، والآية من سورة الإسراء : ٣.

٢٥٤

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «عاش نوح بعد نزوله من السفينة خمسين سنة ، ثم أتاه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال له : يا نوح ، قد انقضت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فانظر الاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام ، فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ، فيكون نجاة فيما بين قبض النبي ومبعث النبي الآخر ، ولم أكن أترك الناس بغير حجة ، وداع إلي ، وهاد إلى سبيلي ، وعارف بأمري ، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ، ويكون حجة على الأشقياء».

قال : «فدفع نوح عليه‌السلام الاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوة إلى ابنه سام ، وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به. قال : وبشرهم نوح بهود عليه‌السلام وأمرهم باتباعه ، وأن يفتحوا الوصية كل عام فينظروا فيها ، ويكون عيدا لهم ، كما أمرهم آدم عليه‌السلام ، فظهرت الجبرية في ولد حام ويافث ، فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم ، وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث ، وهو قول الله عزوجل : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) يقول : تركت على نوح دولة الجبارين ، ونصر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك».

قال : «وولد لحام : السند ، والهند ، والحبش ، وولد لسام : العرب ، والعجم ، وجرت عليهم الدولة ، وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم ، حتى بعث الله عزوجل هودا عليه‌السلام» (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٢) [سورة الصافات : ٧٩ ـ ٨٢]؟!

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٣٤ ، ح ٣.

٢٥٥

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : وذلك الذكر قوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) أي : تركنا عليه أن يصلي عليه إلى يوم القيامة فكأنه قال وتركنا عليه التسليم في الآخرين. ثم فسر التسليم بقوله (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ). قال الكلبي : معناه سلامة منا على نوح ، وهذا هو السّلام. والمراد بقوله : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ). (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : جزيناه ذلك الثناء الحسن في العالمين بإحسانه. وقيل : إن معناه مثل ما فعلنا بنوح نجزي كل من أحسن بأفعال الطاعات ، وتجنب المعاصي ، ونكافيهم بإحسانهم (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) يعني نوحا. وهذه الآية تتضمن مدح المؤمنين حيث خرج من بينهم مثل نوح (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) أي : من لم يؤمن به ، والمعنى : ثم أخبركم أني أغرقت الآخرين (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) (٨٣) [سورة الصافات : ٨٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي بصير : «ليهنكم الاسم». قال أبو بصير : قلت : وما هو ، جعلت فداك؟ قال «الشيعة». قيل : إن الناس يعيروننا بذلك! قال : أما تسمع قول الله : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) وقوله : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)(٢) فليهنئكم الاسم» (٣).

وقال شرف الدين النجفي : روي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : «قوله عزوجل : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) أي إن إبراهيم عليه‌السلام من شيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من شيعة عليّ عليه‌السلام ، وكل من كان من شيعة علي فهو من شيعة

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣١٣.

(٢) القصص : ١٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٣.

٢٥٦

النبي (صلّى الله عليهما وعلى ذريتهما الطيبين)» (١).

قال : ويؤيد هذا التأويل ـ أن إبراهيم عليه‌السلام من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ما رواه الشيخ محمد بن العباس ، عن محمد بن وهبان ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن رحيم ، عن العباس بن محمد ، قال : حدثني أبي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير يحيى بن أبي القاسم ، قال : سأل جابر بن يزيد الجعفي ، جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ).

فقال عليه‌السلام : «إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه‌السلام كشف له عن بصره ، فنظر ، فرأى نورا إلى جنب العرش ، فقال : إلهي ، ما هذا النور؟ فقيل له : هذا نور محمد صفوتي من خلقي. ورأى نورا إلى جنبه ، فقال : إلهي ، وما هذا النور؟ فقيل له : هذا نور علي بن أبي طالب ناصر ديني. ورأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار ، فقال : إلهي ، وما هذه الأنوار؟ فقيل له : هذا نور فاطمة ، فطمت محبيها من النار ، ونور ولديها : الحسن ، والحسين. ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم؟ فقال : إلهي ، وما هذه الأنوار التسعة؟ قيل : يا إبراهيم ، هؤلاء الأئمّة من ولد علي وفاطمة.

فقال إبراهيم : إلهي ، بحق هؤلاء الخمسة ، إلا ما عرفتني من التسعة. فقيل : يا إبراهيم ، أولهم علي بن الحسين ، وابنه محمد ، وابنه جعفر ، وابنه موسى ، وابنه علي ، وابنه محمد ، وابنه علي ، وابنه الحسن ، والحجّة القائم ابنه.

فقال إبراهيم : إلهي وسيدي ، أرى أنوارا قد أحدقوا بهم ، لا يحصي عددهم إلا أنت؟ قيل : يا إبراهيم ، هؤلاء شيعتهم ، شيعة أمير المؤمنين علي

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٩٥ ، ح ٨.

٢٥٧

بن أبي طالب. فقال إبراهيم : وبم تعرف شيعته؟ فقال : بصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، والتختّم في اليمين. فعند ذلك قال إبراهيم : اللهمّ ، اجعلني من شيعة أمير المؤمنين. قال : فأخبر الله في كتابه ، فقال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(١).

ثم قال شرف الدين : ومما يدل على أن إبراهيم عليه‌السلام وجميع الأنبياء والمرسلين من شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «ليس إلا الله ورسوله ، ونحن ، وشيعتنا ، والباقي في النار» (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٨٤) [سورة الصافات : ٨٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، قال : السليم من الشك (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بقلب سليم من كل ما سوى الله تعالى ، لم يتعلق بشيء غيره» (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : «القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه» (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام في رواية أخرى : «صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم ، لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النية لله في

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٩٦ ، ح ٩.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٤٩٧ ، ح ١٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٢٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٠١.

(٥) الكافي ، نقلا من كتاب الأمثل : ج ٢٣ ، ص ٣١٤.

٢٥٨

الأمور كلها» (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (٩٠) [سورة الصافات : ٨٥ ـ ٩٠]؟!

الجواب / أقول : نعم ، من هنا تبدأ قصة إبراهيم ذي القلب السليم ، والروح الطاهرة ، والإرادة الصلبة ، والعزم الراسخ ، مع قومه ، إذ كلف بالجهاد ضد عباد الأصنام ، وبدأ بأبيه وعشيرته (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ).

أليس من المؤسف على الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات ، وأعطاه العقل ، أن يعظم قطعة من الحجر والخشب العديم الفائدة؟ أين عقولكم؟

ثم يكمل العبارة السابقة التي كان فيها تحقير واضح للأصنام ، وبعبارة أخرى (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ)(٢).

استخدم كلمة «إفك» في هذه الآية ، والتي تعني الكذب العظيم أو القبيح ، توضح حزم وقاطعية كلام إبراهيم عليه‌السلام بشأن الأصنام.

واختتم كلامه في هذا المقطع عبارة عنيفة (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) إذ تأكلون ما يرزقكم به يوميا ، ونعمه تحيط بكم من كل جانب ، ورغم هذا

__________________

(١) الكافي ، نقلا من كتاب الأمثل : ج ٢٣ ، ص ٣١٤.

(٢) في تركيب هذه الجملة ذكر المفسرون احتمالين : الأول : أن (إِفْكاً) مفعول به لـ (تُرِيدُونَ) (وآلِهَةً) بدله ، والآخر : أن (آلِهَةً) مفعول به و (إِفْكاً) مفعول به (وإِفْكاً) مفعول لأجله تقدم للأهمية.

٢٥٩

تقصدون موجودات لا قيمة لها من دون الله ، فهل تتوقعون أنه سيرحمكم وسوف لا يعذبكم بأشد العذاب؟ كم هو خطأ كبير؟ وكم هو ضلال خطير؟

وعبارة (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) تشير إلى أن كل العالم يدور في ظل ربوبيته تبارك وتعالى ، وقد تركتموه واتجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الخيالية.

وقد جاء في كتب التأريخ والتفسير ، أن عبدة الأصنام في مدينة بابل كان لهم عيد يحتفلون به سنويا ، يهيئون فيه الطعام داخل معابدهم ، ثم يضعونه بين يدي آلهتهم لتباركه ، ثم يخرجون جميعا إلى خارج المدينة ، وفي آخر اليوم يعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب.

وبذلك خلت المدينة من سكانها ، فاستغل إبراهيم عليه‌السلام هذه الفرصة الجيدة لتحطيم الأصنام ، الفرصة التي كان إبراهيم عليه‌السلام ينتظرها منذ فترة طويلة ، ولم يكن راغبا في إضاعتها.

وحين دعاه قومه ليلا للمشاركة في مراسمهم نظر إلى النجوم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ).

وبهذا الشكل اعتذر عن مشاركتهم.

بعد اعتذاره تركوه وأسرعوا لتأدية مراسمهم (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) : «ما كان إبراهيم سقيما ، وما كذب ، إنما عنى سقيما في دينه مرتادا».

قال : وروي أنه عنى أني سقيم بما يفعل بالحسين عليه‌السلام (١).

وقال المفضل بن عمر : سألت الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام عن قول

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٠٩ ، ح ١.

٢٦٠