تفسير الثمرات اليانعة - ج ١

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ١

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٥

وما يحتاجه المجتهد لاستنباط الأحكام الفقهية عن أدلتها التفصيلية ، واختلاف العلماء في تلك القواعد.

ثم هو بعد ذلك يورد الآية ، وأسباب النزول معتمدا في ذلك على المصادر المتعددة وأهمها التهذيب للحاكم الجشمي ، والكشاف.

يذكر القراءات وأوجه الاختلاف فيها ، والأحكام المستنبطة باعتبار اختلاف القراءة ، يذكر القراءة الشاذة ويعتبر ذلك بمنزلة توضيح ، أو كالأخبار الأحادية.

يذكر الثمرات المجتناة من كل آية ، ولهذا سمى كتابه الثمرات.

يستشهد بالشعر واللغة العربية كقاعدة أساسية ينبني عليها تفسير القرآن الكريم يوضح آراء المذاهب الإسلامية كأئمة أهل البيت ، والشافعية والحنفية وغيرهم وينسب الأقوال إلى أصحابها في أكثر الكتاب ، موضحا ومدللا وموجها لكل رأي.

يستدل بالسنة النبوية من دون تعرض لصحة الحديث أو ضعفه.

مصادره :

لقد اعتمد المؤلف على مصادر كثيرة ، ولعل أهمها :

التهذيب للحاكم الجشمي ، الكشاف للزمخشري ، الانتصار للإمام يحي بن حمزة ، شرح القاضي زيد بن محمد الكلاري ، وكلما ورد (الشرح) فالمراد به شرح القاضي زيد ، الروضة والغدير ، السفينة للحاكم الجشمي ، الوافي في فقه الحنفية ، البيان لابن مظفر ، التذكرة للفقيه حسن النحوي ، الحفيظ وشرحه ، الياقوته ، عيون المعاني ، مسالك الأبرار ، منتخب الإحياء ، اللمع ، الشفاء للأمير الحسين ، الجوهرة ، الكافي ، المهذب للإمام عبد الله بن حمزة ، المهذب للشافعي ، سنن أبي داود ، البخاري ، مسلم ، معالم السنن ، سنن الترمذي ، شمس الشريعة للسحامي ، المنهاج للإمام محمد بن المطهر.

٢١

وقفة أخيرة

لا بد من كلمة أخيره نوجهها عبر هذا الكتاب للكتاب والمحققين الذين لا يرعون للإسلام حرمة ، ولا لأهله عرضا ، ولا كرامة ، ونخص بالذكر أمثال أبي عبد الرحمن سيد العربي ـ ونسبته الضلال والانحراف إلى الزيدية في مقدمته على كتاب البحر الزخار (الطبعة الثانية دار الكتب العلمية) ـ الذين لا ينظرون للمسلمين إلا بمنظار أسود قاتم ، ولا يطيقون حرية الرأي والرأي الآخر ، يضللون الأمة ، ويهتكون الأعراض ، وينصبون أنفسهم قضاة وجلادين ، بل يوصلون من يوافقهم إلى أبواب الجنة ، ومن يخالفهم يحكمون عليه بالنار والضلال مخالفين كل القواعد التي بناها الإسلام.

وليت أنهم يعتمدون في ذلك على مصدر صحيح ، أو طريق علمي واضح ، من مصادر من يخالفونهم ، وإنما اعتمادا على كتّاب الفرق أمثال الشهرستاني ، وعبد القاهر البغدادي المجمع على عدم اعتمادهم والوثوق بهم في كتاباتهم.

ولقد استغفر الله وتاب إليه في آخر كلامه ، فنرجو أن يكون كذلك ، وإن لا يكون مصرا على معصيته ، وافتراءاته على هذه الأمة ، التي حل بها الهوان بسبب التفرق الذي ينشره أمثال سيد عربي ، ونقول له : اتق الله في هذه الأمة ، وحافظ على كرامتها ، وصون أعراضها. فالمسلون اليوم بحاجة إلى التوحد ، واحترام الآخرين أكثر من أي وقت

٢٢

مضى. وليكن هذا الكتاب درسا في احترام الآخرين ، وتقديم وجهة نظرهم بعيدا عن التعصب ، والتطرف ، والغلو. والله الهادي إلى سواء السبيل

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

محمد قاسم الهاشمي

عبد الله عبد الله الحوثي

٢٣

النسخ الخطية المعتمدة هي :

النسخة أ ، ويرجع تاريخ نسخها إلى الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثمان مائة. وهي أقدم النسخ التي وقفنا عليها.

٢٤

٢٥

٢٦

النسخة ب ، ويرجع تاريخ نساختها إلى يوم الخميس سابع عشر شهر رجب الفرد الأصب عام خمسة وخمسين وألف سنة للهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام.

وقد اعتمدناها لكثرة الدراسة فيها على يدي علماء أجلاء لهم دورهم في الحياة الفكرية في اليمن.

٢٧

٢٨

٢٩
٣٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

الحمد لله المنعم على عباده بالتكليف ، الحكيم في تصويرهم بعجائب التآليف ، الواضع لأسرار مصالحهم برهانا محفوظا من التغيير والتحريف ، كتابا مكرما ناطقا بالتبشير والتخويف ، شاهدا مصدقا تقوم الملائكة له بالتعظيم والتشريف ، والصلوات على المشرف بالكرامات ، المؤيد بباهر المعجزات ، الخاتم باب النبؤات محمد وعلى آله الأنجم النيرات ، وعلى جميع إخوانه الحاملين للرسالات ، المؤدين لما استحفظوا من الأمانات ، المعصومين من كبائر الزلل والخطيئات ، الخاضعين بالضراعة لباري البريات ، صلاة متكررة في الأوقات ، متضاعفة على مرور الساعات

وبعد :

فإنه لما وقع في النفس جمع الأحكام الواردة في أشرف كتاب ، واقتطاف ثمراته من مدلول اللفظ وفحوى الخطاب ، لتكون هذه الأحكام كافلة لمحاسن العجب العجاب ، منورة لبصائر ذوي الأفهام والألباب ، وكفى بها فضلا إذ هي معلوم أشرف كتاب.

ولما رمت ذلك ، واستطار القلب شوقا لما هنالك (١) ـ أعملت الفكر ، وأجلت النظر في منار أهتديه ، وسبيل أقتفيه ، بعد أن طالعت عدة من كتب الفقه والتفسير ، فوقفت (٢) على ما وضعه الأمير الخطير في كتابه ،

__________________

(١) نسخة ب (إلى ما هنالك).

(٢) نسخة ب (فوقعت).

٣١

المسمى بكتاب الروضة والغدير ، وهو كما قال ـ رحمه‌الله ـ : إنه تصنيف لم يسبق إليه ، وتأليف لم يزاحم عليه ، وهو السيد عز الدين (١) بن محمد بن الهادي بن تاج الدين بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحي بن يحي. وكان ترتيبه لهذا الكتاب على ترتيب القرآن.

ثم إن بعض السادة الفضلاء من إخوانه (٢) رتبه على ترتيب الفقه. فلم أجد هذا الكتاب محيطا بآيات في الكتاب الكريم منطوية على الإيجاب والندب والتحريم. ولا كشف الأمير فيه بيان الوجوه التي تستخرج بها الأحكام ، ولا أشار الى الآلات (٣) التي تقطتف بها ثمرات الأكمام ، فحينئذ تتبعت كل آية من كتاب الملك العلام ، واستقريت ما برهنها به عيون علماء الإسلام ، فكملت في هذا الكتاب بتوفيق الله ما نقص من المرام.

وعلى الله سبحانه التوكل في الافتتاح والاختتام.

وعدد ما ذكر من الآيات في كتاب الروضة والغدير في سورة البقرة

__________________

(١) عز الدين بن محمد هو : محمد بن الهادي بن تاج الدين أحمد بن بدر الدين محمد اليحيوي ، الحسني. أحد علماء الزيدية الكبار في القرن السابع وأوائل الثامن ، عاصر الإمام المطهر بن يحيى ، وكان أميرا كبيرا ، تولى عدة مناصب ، واشتغل بعلوم القرآن وغيرها من العلوم ، بعد أن أخذ عن شيوخ عصره ، ومنهم والده الأمير المقتدر الهادي ، وعن الأمير المؤيد بن أحمد ، ومن تلاميذه الإمام محمد بن المطهر ، وصنّف المصنفات ، مات في بلاد بني جماعة سنة ٧٢٠ ه‍ عن سبعين سنة فيكون مولده سنة ٦٥١ ه

(٢) هو أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن تاج الدين ، وهو صنو الامام إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحي بن يحي بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم.

(٣) الآلات : المراد بها هنا القواعد ، التى على مقتضاها تستخرج الاحكام.

٣٢

(٥٤) وفي آل عمران (١) ، وفي النساء (٢٩) وفي المائدة (١٣) وفي الأعراف (٣) وفي الأنفال (٦) وفي براءة (٦) وفي هود (١) وفي يوسف (١٥) وفي الرعد (١) وفي النحل (٦) وفي الإسراء (٣) وفي طه (٢) وفي الحج (٤) وفي النور (١٢) وفي الفرقان (٤) وفي النمل (١) وفي القصص (١) وفي محمد (٢) وفي الفتح (١) وفي الحجرات (٢) وفي النجم (١) وفي الواقعة (١) وفي الحديد (١) وفي المجادلة (١) وفي الحشر (٣) وفي الممتحنة (٣) وفي الجمعة (١) وفي المنافقين (١) وفي الطلاق (٤) وفي التحريم (١) وفي نوح (١) وفي المزمل (٣) وفي المدثر (٢) وفي القدر (١) وفي أرأيت (١) وفي الكوثر (١) (١).

وقد استحسنت ذكر نكتة أصوليه في كيفية اجتناء الأحكام ، واقتطاف الثمرات والأكمام ، ليحصل بذلك شفاء الأوام (٢) ، وهذه النكتة تتضمن فصلين.

الأول : في ذكر معان يعبر بها عن ألفاظ من كتاب الله تعالى.

الثاني : في كيفية دلالة الألفاظ على المراد ، وما تكون دلالته قطعية ، وما تكون ظنية.

__________________

(١) فجملة الآيات المذكورات ١٩٤ آية.

(٢) الأوام : العطش.

٣٣

الفصل الأول

فيه تسعة عشر معنى وهي :

الحقيقة والمجاز ، والمجمل والمبين ، والظاهر والمؤول ، والنص. والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمفرد والمشترك ، والمحكم والمتشابه ، والأمر والنهي ، والناسخ والمنسوخ (١).

ونحن نشير إلى تفسير هذه على وجه مختصر ، وتكملة كلّ مسألة في الكتب الأصولية.

أما الحقيقة والمجاز

فنذكر معناهما ، وقسمتهما ، والخلاف في المجاز.

أما الحقيقة : فحد الحقيقة (٢) : ما أفيد به ما وضعت له أولا في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب.

دخل في هذه اللغوية كالأسد ، والعرفية (٣) كالدابة ، والشرعية كالصلاة.

وحقيقة المجاز : (ما أفيد به معنى غير ما اصطلح عليه في أصل التخاطب لعلاقة بينهما ، ولم يتمكن من الإفادة كتمكنه.

__________________

(١) ولم يذكر القياس ، ولا أوجهه ، ولا الترجيح ولا وجوهه ، ولا الاجتهاد.

(٢) هي في الأصل فعيل بمعنى فاعل ، من حق الشيء إذا ثبت ، أو فعيل بمعنى مفعول ، من حققت الشيء إذا أثبته ، نقل إلى الكلمة الثابتة ، أو المثبتة في مكانها الأصلي ، والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الأصلية. (مطول)

(٣) والعرفية العامية ، وهي ما لا يتعين ناقلها. (فصول) قال في شرح العيون : معنى قولنا : عرفي. هو ما نقل عما وضع له إلى معنى آخر بالعرف ، ثم ساق كلاما جيدا ، قال : وحده ما أفاد ظاهره معنى غير ما وضع له لعرف طار عليه.

٣٤

قلنا : ولم يتمكن من الإفادة ـ يعني ـ في المنقول إليه كتمكنه ـ يعني ـ المنقول منه ، وهذا احتراز من الحقيقة العرفية والشرعية ؛ لأن المنقول إليه فيها أشهر ، والمنقول إليه في المجاز أخفى ، ولذلك يحتاج إلى قرينة.

وأما قسمتهما : فالحقيقة تنقسم إلى مطلقة ، وهي ما لم تفتقر إلى شرط ، كقولنا : إنسان وحيوان.

وإلى مشروطة ، وهي ما افتقرت إلى الشرط (١) ، كقولنا : أبلق ؛ لأنه يفيد مجموع السواد والبياض بشرط أن يكون ذلك في الخيل.

وتنقسم الحقيقة أيضا إلى مفردة : وهي (٢) ما وضع لشيء واحد ، وإلى مشترك (٣) ، وهو ما وضع لشيئين فصاعدا كالقرء والجون.

وتنقسم أيضا إلى لغوية ، وعرفية ، وشرعية.

وأما المجاز : فينقسم إلى مجاز بالزيادة ، كقوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩].

ومجاز بالنقصان ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢].

أي : أهل القرية (٤) ، وأهل العير ، وقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] أي : أمر ربك (٥).

__________________

(١) في نخ ب (وهي ما افتقرت إلى شرط).

(٢) في نخ ب (وهو ما وضع لشيء).

(٣) في نخ ب (وإلى مشتركة).

(٤) وإن جعلت القرية مجازا عن أهلها ، فليس من هذا القبيل (شرح صغير) فهي من باب الاستعارة لا من باب المجاز.

(٥) في نسخة (أ) كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (وَجاءَ رَبُّكَ) أي : أهل القرية وأمر ربك.

٣٥

وينقسم [المجاز] أيضا إلى مجاز أقرب ، وهو ما كثر استعماله كالأسد للشجاع ، والبحر للكريم ، والحمار للبليد ، والكلب للخسيس.

وإلى مجاز أبعد وهو ما قل استعماله كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢].

وينقسم إلى مجاز بالتبديل لحرف بحرف ، كقوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] أي على جذوع النخل.

وإلى مجاز بالتشبيه ، كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤].

وأما الخلاف في وقوع المجاز فالجمهور على وقوعه ، بدليل إطلاق أهل اللغة الأسد على الشجاع ، وخالف الأستاذ أبو إسحاق (١) ، وقال : إنه يؤدي إلى مفسدة ، وهو أنه يخل بالتفاهم ؛ لأن الفهم يسبق إلى الحقيقة.

وأجيب ببطلان المفسدة مع القرينة ، وهو واقع في القرآن عند الجمهور ، بدليل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) [الكهف : ٧٧] ولا إرادة للجدار. (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠].

(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة : ١٩٤].

والقصاص ليس بسيئة ولا عدوان ، وقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء : ٢٤] ولا جناح للولد حقيقة.

__________________

(١) والفارسي مطلقا (فصول).

وأبو إسحاق هو : الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الاسفراييني ، الملقب بركن الدين ، الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي صاحب التصانيف الجليلة ، كان ثقة في الحديث ، ضليعا في قواعد اللغة ، توفي سنة ٤١٨ ه‍ (المزهر للسيوطي ١ / ٢٠ ، هامش وفيات الأعيان ١ / ٢٨).

٣٦

وقال أهل الظاهر : إنه غير واقع في القرآن ؛ لأنه ينفى فيصدق النفي فيلزم الكذب (١).

وأجيب بأنه إنما يلزم لو توارد النفي والإثبات على شيء واحد ، ولا يقال : إنه تعالى يكون متجوزا ؛ لأن إطلاق الأسماء عليه يتوقف على الإذن السمعي (٢).

واختلف هل الأكثر الحقيقة أو المجاز؟ فقيل : الحقيقة (٣) ، وقال أبو بكر (٤) بن جني : المجاز أكثر.

وأما المجمل والمبين

فالمجمل له معنيان لغة واصطلاحا ، ففي اللغة المجمل : هو المجموع ، يقال : أجمل الحساب ، أي : جمعه بضابط كالعشرة والمائة ، وهو : اللفظ الواقع على أشياء تكون نسبته إلى أعيانها نسبة واحدة ، وبهذا المعنى يصح إطلاق المجمل على العام.

وأما في الإصطلاح فهو : ما لا تتضح دلالته ، هكذا حده ابن الحاجب (٥).

__________________

(١) وممن منعه في القرآن والحديث معا ابن داوود ، ذكره في منهاج البيضاوي ، وكذا منع أهل الظاهر في السنة أيضا ، وحملوا المجازات الواردة على الحقيقة ، ذكر معناه في الفصول.

(٢) والأولى أن يقال : إن متجوزا يوهم التساهل ، ولا يلزم وصفه تعالى بالتجوز لإيهام الخطأ ، أو عدم الأدب ؛ لأن المتجوز يطلق على متعاطي ما لا ينبغي والمتسع فيه (شرح غاية).

(٣) وهو الصحيح إذ لا يخل بالتفاهم. (معيار).

(٤) صوابه : أبو الفتح بن جني. وهو أبو الفتح عثمان بن جني ، من أئمة النحو ، من أشهر كتبيه الخصائص ، توفي سنة ٣٩٢ ه‍.

(٥) ويدخل فيه المتشابه. (الأولى ما لم تتضح دلالته ، كما هي عبارة المختصر ، وغيره ، والأصح عبارة ابن الإمام عليه‌السلام : ما دلالته غير واضحة ؛ لإفادتها إثبات ـ

٣٧

وقيل : ما أفاد شيئا من جملة أشياء ، وهو متعين في نفسه (١). واللفظ لا يعينه ، وذلك كلفظة القرء ؛ لأنه يفيد الطهر أو الحيض ، فهو متعين في نفسه ، واللفظ لا يعينه

وقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [الأنعام : ٧٢] يفيد وجوب فعل متعين في نفسه غير متعين بهذا اللفظ ، وقد يحد بقولنا : ما ينبيء (٢) عن الشيء على وجه الجملة ، دون التفصيل (٣). مثل قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤١] إذا حمل على الزكاة.

ومن قال : المراد الإحالة على ما يعتاد قبل ورود الشرع من مؤاساة الفقراء عند الحصاد ، فلا إجمال في [هذه] الآية.

والمجمل ينقسم إلى : إجمال في الأسماء ، وذلك ظاهر (٤). وإجمال في الأفعال ، كما لو قام عليه‌السلام عقب الركعة الثانية ، ولا يجلس للتشهد ، فإنه يحتمل أنه لسهو ، أو أنه تعمد ليدل على جواز ترك القعود للتشهد.

__________________

ـ الدلالة ، وسلب الوضوح فقط ، وأما هذه العبارة فهي تصدق بأن لا يكون له دلالة أصلا ، وليس بمراد كما لا يخفى ، والله ولي التوفيق (مجد الدين المؤيدي).

وابن الحاجب هو : عثمان بن عمرو ، المعروف بابن الحاجب ، الكردي الأستاني ، ثم المصري ، الأصولي النحوي ، علامة الدنيا ، كان مالكيا أشعريا ، صاحب المصنفات المستجادة ، كان والده صاحبا للأمير عز الدين الصلاحي ، مولده سنة ٧٥٠ ه‍ صنف في الأصول والنحو ، والصرف ، ومصنفاته ينتفع بها إلى آخر الدهر ، كالشافية ، والكافية ، وشرح المفصل ، ومختصر المنتهى ، والمنتهى ، والأمالي ، وغيرها ، تنقل في البلدان ، توفي بالاسكندرية سنة ٦٤٦ ه‍.

(١) بإرادة المتكلم.

(٢) فقوله ما ينبيء يعم كل محمل من لفظ أو فعل.

(٣) قيل : قوله دون التفصيل لإخراج المهمل ، وقيل : الأولى أن يقال : إنه بيان لقوله : لا يفهم ، أي : لا يشترط في الإجمال إلا عدم الفهم التفصيلي والإجمالي.

(٤) كقرء ، وكعسس لأقبل وأدبر.

٣٨

وفي الحرف (١) كقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] فإن للوقف على قوله : (إِلَّا اللهُ) معنى يخالف الوقف على قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).

وكذلك قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) [الأنعام : ٣] فالوقف على قوله : (فِي السَّماواتِ) له معنى يخالف الوقف على قوله : (وَفِي الْأَرْضِ) (٢).

وينقسم المجمل أيضا إلى أن يكون في مفرد ، كالعين للذهب ، والشمس ، والميزان ، والعضو الناظر ، فهذا في معان مختلفة (٣) ، وقد يكون في متضادة كالقرء للحيض والطهر ، والناهل للعاطش والريان.

وكذا يقع فيما يعل (٤) كالمختار للفاعل والمفعول ، ويكون في

__________________

(١) كمن مترددة بين أنواعها التبيين والتبعيض ونحو ذلك.

(٢) وقد يقال : هذا لا يصلح مثالا للحرف ، وإنما المثال في مثل (من) هل بيانية ، أو تبعيضية ونحو ذلك ، نحو قوله تعالى (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) منع الوقف على لفظ (فِيهِ) والوقوف على لفظ (لا رَيْبَ).

والوقوف على (فِيهِ) المشهور ، وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على (لا رَيْبَ) والتقدير : لا ريب فيه فيه هدى. (كشاف).

(٣) قوله (غير مختلفة) هذا على غير رأي القاسمية والشافعي ؛ لأنهم يقولون في المشترك ليس بمجمل ، وهو المختار. (فصول) معنى ، ولفظه (ومنها المشترك وليس بمجمل عند جمهور أئمتنا وأبي علي والقاضي لحمله على جميع معانيه إلا عند قيام قرينة إرادة بعض ما وضع له من غير تعيينه وإجماله للمعاني المتنافية من غير قرينة تدل على أحدها ، أبو هاشم والكرخي ، وأبو عبد الله والامام ، والشيخ أبو الحسين بل إلا لقرينة.

(٤) الإعلال الصرفي. فالمختار للفاعل أصله مختير ، وللمفعول أصله مختير ، ثم أعل فقلبت التاء ألفا فصار لفظهما واحد.

٣٩

مركب كقوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٧] لأنه يحتمل الزوج والولي (١).

وينقسم المجمل أيضا إلى أن يكون الإجمال في الحق والمحل ، كقولك : لفلان في بعض مالي حق ، ويكون في الحق كقوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤١] فالحق مجمل ، ومحله مبين وهو الزرع ، وقد يكون الإجمال في المحل ، كقوله لنسائه : احداكن طالق ، وكذلك لعبيده : أحدكم حر ، وقد يكون الإجمال في المحكوم له ، وبه ، لا في المحكوم فيه كقوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣] فالمحكوم فيه القتل ؛ لا إجمال فيه ، والمحكوم له الولي مجمل ، وكذلك المحكوم به ، وهو السلطان مجمل.

ومن وجوه الإجمال أن يخص العام باستثناء مجهول ، كقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] أو بصفة مجهولة ، كقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ) (٢) [النساء : ٢٤] لأنه لو اقتصر على (ذلِكُمْ) (٣) لم يكن مجملا ، ولما قيد بالإحصان ، ولم يدر بم يكون كان مجملا.

والمجمل واقع في القرآن على قول أكثر العلماء ، بدليل الآيات

__________________

(١) في الكشاف (وقيل : الولي ، وقيل : الزوج ، وعفوه أن يسوق المهر إليها كاملا ، والأول قول الشافعي ، والثاني قول أبي حنيفة .. الخ

وقيل : الذي بيده النكاح هو الزوج عندنا والحنفية وقول للشافعي ، ويكون العفو عن نصف المهر الذي يرجع له بالطلاق قبل الدخول.

(٢) (غَيْرَ مُسافِحِينَ) لئلا تضيعوا أموالكم ، وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ، ولا مفسدة أعظم من الجمع بين الخسارتين ، والاحصان : العفة ، وتحصين النفس من الوقوع في الحرام (كشاف).

(٣) في نخ ب (ذلك) لم يكن مجملا ، فلما قيد بالاحصان. الخ.

٤٠