تفسير الثمرات اليانعة - ج ٢

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٢

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

١
٢

٣

٤

قوله تعالى

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٢٨]

هذه الآية الكريمة يتعلق بها أربعة أحكام :

الأول : وجوب الاعتداد على المطلقات ، وهذا خبر ، والمراد به الأمر ، وفيه تأكيد للأمر من وجوه ثلاثة :

الأول : جعله خبرا ، والتقدير : ولتتربص المطلقات ، ووجه التأكيد بالخبر أن الله تعالى جعل ذلك كالواقع منهن ، لكونه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إليه ، فكأنه أخبر بوجوده ، ونظير ذلك قولهم في الدعاء : رحمكم الله ، جعل الرحمة كالموجودة ثقة بالإجابة (١).

الثاني : بناؤه على المبتدأ ، فإن في ذلك زيادة في التأكيد ، فهو آكد مما لو قال : «ويتربصن المطلقات (٢).

الثالث : قوله : (بِأَنْفُسِهِنَ) فإن في ذلك تهييجا لهن على التربص ؛ لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال ، فأمرن بقمع أنفسهن ، ولفظ المطلقات عام لكل مطلقة ، وهو يخرج من هذا غير المدخول بها ، فإنه لا

__________________

(١) وقد يقع موقع الإنشاء إما للتفاؤل نحو : وفقك الله ، أو لإظهار الحرص في وقوعه نحو : رزقني الله لقاءك ، ونحو ذلك. انظر التلخيص وشرحه.

(٢) وذلك لأن الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام ، والفعلية تدل على التجدد والحدوث ، فكانت الجملة الاسمية آكد.

٥

عدة عليها إذا طلقت ، لقوله تعالى في سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) [الأحزاب : ٤٩] فقيل : هذا تخصيص لعموم هذه الآية ، والعموم بعد تخصيصه يحتج به على تفصيل واختلاف.

واختلف الأصوليون : هل العموم يتناول الباقي حقيقة أو مجازا (١)؟

وقيل : نسخ وجوب العدة على غير المدخول بها الذي اقتضاه عموم هذه الآية بآية الأحزاب ، وقواه الحاكم قال : لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وهو يحتمل أن يقال : هذا تأخير البيان عن الخطاب (٢) ، وهو يجوز مع

الإشعار بالتخصيص على تفصيل للأصوليين (٣).

تكملة لهذا الحكم

وهو أن يقال : ما حكم المخلو بها في العدة إذا طلقت؟.

قلنا : اختلف العلماء في ذلك ، فقال الشافعي : لا عدة عليها ؛ لأنها غير مدخول بها ، فخرجت من عموم الآية كما خرجت التي لم يخل بها.

وقال أهل المذهب ، وأبو حنيفة ، وقول للشافعي : تجب عليها

__________________

(١) المذهب أنه مجاز ؛ لأنه قد يستعمل في غير ما وضع له ، وهذا حد المجاز ، خلافا لما في الكافل.

(٢) هذا هو القياس ، مع التأخر بمدة يمكن فيها العمل. وإنما لم يجز مع عدم الإشعار ؛ لأنه يكون كخطاب العربي بالزنجية ، وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم ، وأبي طالب ، والقاضي. (ح / ص).

(٣) قوله : (على تفصيل للأصوليين) وفي نسخة (على تفصيل الأصوليين) ـ في الكافل : ولا يجوز تأخير البيان ، ولا التخصيص عن وقت الحاجة إجماعا ، إذ يلزم التكليف بما لا يعلم ، فأما عن وقت الخطاب فالمختار جواز ذلك في الأمر والنهي ، وعلى السامع البحث ، ولا يجوز ذلك في الأخبار.

٦

العدة ، ويجعل التمكن من الوطىء كالوطىء ، كما جعل التمكن من الانتفاع في المستأجر كالانتفاع ، ولأن الخلوة لما أوجبت كمال المهر أوجبت العدة ، كالمتوفى عنها ، لكن وجوب المهر لا يسلمه الشافعي.

وأيضا هذا منتقض بالمجبوب المستأصل ، فإن أبا طالب أوجب في خلوته المهر دون العدة (١) ، وأيضا المعيبة إذا خلا بها وجبت العدة لا المهر ، نص على ذلك الهادي عليه‌السلام ، وقال أبو مضر : لا تجب.

وضابط ذلك : أن العدة تجب في الخلوة الصحيحة ، وأما الفاسدة فإن فسدت لمانع شرعي كالصوم والإحرام وجبت ، وإن كان عقليا كالمريضة والصغيرة لم تجب إلا المعيبة (٢) عند الهادي عليه‌السلام.

واستخراج وجوب العدة من وجوب المهر خفي ، ثم إنه غير مطرد ، فقد أوجبوا العدة مع سقوط المهر ، وذلك حيث تفسد الخلوة لمانع شرعي ، أو لعيب في المرأة ، وأوجبوا المهر دون العدة ، وذلك في خلوة المستأصل.

وقولهم : إن التمكن من الوطء كالوطء قياسا على الإجارة.

يقال فيه : فيلزم أن يكون التمكن من الوطء كالوطء في إثمار الرجعة ، وقد قال أبو جعفر : إبطال الرجعة على الأصل ، والعدة إثباتها استحسانا لا قياسا ، فلو تصادق هو والمعيبة على عدم الوطء فلا عدة (٣) ، ولزم نصف المهر.

__________________

(١) وهذا هو المذهب.

(٢) وهو المذهب ، حيث العيب غير الموانع العقلية ، وأما هي فلا عدة معها ، وأما المهر ففيه التفصيل المذكور في كتاب النكاح. في الأزهار.

(٣) وهو المذهب في العدة ، وأما المهر فليس على إطلاقه ، بل حيث الخلوة فاسدة ، والله أعلم.

٧

قالوا : الرجعة حق لها فيصدّقان في إبطال حقهما ، والعدة حق لله تعالى فلا يصدّقان على إبطالها.

قلنا : قد سلمتم أن الموجب للعدة الدخول ، وأن العدة إنما تجب في الظاهر ، وأما فيما بينها وبين الله تعالى فلا تجب ، وهذا قد ذكره بعض المفرعين للمذهب ، وإطلاق الهادي عليه‌السلام والحنفية الوجوب ، وإذا قلنا :

العلة للوجوب الوطء ، فيقال : لا يجب إلا أن تقرّ به ؛ لأن الأصل عدمه فحصل من هذا أن الدليل على إيجاب العدة مع الخلوة خفي ، ثم إنهم قالوا في التي لا تصلح للجماع : تستحب العدة ؛ لأن الزوج قد استحل بالخلوة ما هو محرم على غيره ، فأخذت شبها من التي تصلح. قال الأخوان : هذا الاستحباب إذا كانت ممن يشتهى مداناتها ، لا كبنت السنة والسنتين.

الحكم الثاني

يتعلق بقوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) واعلم أن هذا الحكم متعلق بلفظ المطلقات ، وهو عام ، وقد خرج من هذا العموم الحامل ، فإن عدتها بالوضع ؛ لأن قوله تعالى في سورة الطلاق (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤] مخصص لهذا العموم.

ويخرج من هذا العموم الآيسة للكبر ، واللاتي لم تحض لصغر ، فإن قوله تعالى في آية الطلاق : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] وهذا بيّن في من بلغت سن الأياس ، وفي من لم تبلغ سن الحيض.

ويتعلق بهذا الحكم فروع : الأول : إذا طلقت في سن لا تحيض فيه ، ومضى عليها بعض الشهور ثم حاضت ، فلا خلاف أنها تعتد بالحيض ؛ لأنها من ذوات الأقراء ، ولكن اختلف هل تحتسب ما اعتدت به من الشهور أم لا؟.

٨

فالمذهب يبطل اعتدادها بالشهور ، وتستأنف الحيض ، وهو قول أبي حنيفة ، وأحد وجهي أصحاب الشافعي ، وجه قولنا : التمسك بقوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) وهذه لم تتربص إن قلنا : تحتسب بالأشهر ، وأيضا فإن قوله تعالى : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فلم يجعل لها الاعتداد بالشهور إلا بشرط أن لا تحيض ، وهذه قد حاضت ، وأحد وجهي أصحاب الشافعي تعتد به ، وتبني عليه.

الفرع الثاني

إذا بلغت سنا يأتي فيه الحيض ولم تحض ، ثم طلقت ، فهل هي داخلة في ذوات الأقراء تتربص؟ أو داخلة في (اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فتعتد بالأشهر؟ فخرج أبو العباس للهادي عليه‌السلام ، وهو قول الكرخي : أنها تتربص ، ولا تعتد بالأشهر ؛ لأنها تشبه من انقطع حيضها لعارض.

وقال المؤيد بالله ، وأكثر الفقهاء : إن عدتها بالأشهر ، وإنها ليست من ذوات الأقراء ، بل هي من (اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) ، قالوا : ولأن العبرة بحال المرأة لا بالزمان ، بدليل أنها لو حاضت في سن لا يعتاد النساء بالحيض فيه ، فإنها من ذوات الأقراء ، اعتبارا بحالها لا بالزمان ، إذ لو اعتبر بالزمان اعتدت بالأشهر ، فإن وضعت ولم تر دما (١) ، فقال الاسفراييني : هي من (اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) ، فتعتد بالأشهر ، وأحد وجهي أصحاب الشافعي تعتد بالحيض ؛ لأنه لا يجوز أن تكون من أولات الأحمال ، ولا تكون من ذوات الأقراء (٢).

__________________

(١) أي : دم حيض ، قال في شرح الفتح : هو منطوق الأزهار ، ومفهوم الأثمار ، وصرح به في البحر. وفي حاشية أخرى (فلو رأت دم النفاس أيضا فلا حكم له ؛ إذ ليس بحيض فتدخل تحت قوله تعالى : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ).

(٢) هذا علة من يقول بالأشهر.

٩

الفرع الثالث

إذا طلقت وكانت ممن تحيض ولكن انقطع حيضها ما حكمها؟ ومن أين يستنبط؟ قلنا : إن انقطع حيضها لعارض معروف كالرضاع والمرض تربصت حتى يزول العارض ، فتعتد حينئذ بالحيض ، وهذا إجماع إلا في المريضة فجعل بعضهم حكمها كالتي لم تعرف العارض ، وأما إذا لم يعرف سبب الانقطاع فهذه المسألة فيها مذاهب :

الأول : مروي عن علي عليه‌السلام ، وابن مسعود ، وعثمان ، وزيد بن ثابت : أنها تربص إلى أن يعاودها الدم ، أو تبلغ حد الأياس ، وإلى هذا ذهب أهل المذهب ، وأبو حنيفة ، وأحد قولي الشافعي

ووجه هذا القول : عموم الآية في إيجاب التربص على المطلقات إلا ما خصته دلالة كالحامل ، والآيسة ، وقبل الدخول.

المذهب الثاني : محكي عن الصادق ، والباقر ، وأحد قولي الناصر ، وقول للشافعي : أن عدتها ثلاثة أشهر ، قيل : من وقت انقطاع الدم.

المذهب الثالث : قول عمر ، وابن عباس ، وإليه ذهب مالك ، وقول للشافعي : تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ، وقول للشافعي : تتربص أكثر مدة الحمل أربع سنين ، ثم تعتد بالأشهر ، واختار الإمام يحي عليه‌السلام أنها تتربص أربعة أشهر وعشرا ، ثم تعتد ثلاثة أشهر (١) ، ووجه هذه الأقاويل : أن العدة شرعت لبراءة الرحم من الولد ، فمن قال : تسعة أشهر. علل بأنه غالب مدة الحمل.

ومن قال : أربع سنين ، قال : إن التسعة الأشهر لا تفيد إلا الظن في براءة الرحم فأشبهت الحيضة الواحدة ، وبالأربع السنين يحصل اليقين.

__________________

(١) وقال المهدي لدين الله : تربص حتى يمضي عليها فصول السنة الأربعة اثنا عشر شهرا ، ثم تعتد بثلاثة أشهر ، تمت بيان ، قال فيه : وهو القوي.

١٠

ومن قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : لأنها المدة التي يتبين فيها الحمل.

ومن قال : تكون عدتها بالأشهر أدخلها في الآيسات ، وقوى هذا صاحب النهاية وحكاه عن إسماعيل المالكي ، وابن بكير (١) ، من أصحاب مالك ، قال : ـ ونعم ما قالا.

قال صاحب النهاية : لأن قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) معنى قوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي : في الحكم ، بأن شككتم بم تكون عدة الآيسة؟.

قال : والآيسة هي التي لا تقطع بانقطاع حيضها ، وقالا : المعنى بقوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي : في الحيض ، فإن اليائس في كلام العرب هو : من لا يحكم عليه بما يئس منه بالقطع ، ولو فسر اليأس بالقطع لزم أن تنتظر الدم ، ولو بلغت سن الأياس في العادة ، وإن فسر الأياس بما لا قطع فيه دخلت المنقطعة وإن لم تبلغ سن اليأس المقدر بل هي في سن من تحيض ، فيلزم أن تكون عدتها بالأشهر

قال صاحب النهاية : والقول الأول فيه عسر وحرج (٢) ، فصار التربص والاعتداد من وقت أن غلب على الظن انقطاع الدم ، ولهما (٣)

__________________

(١) هو يحي بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي بالولاء ، أبو زكرياء راوية للأخبار والتاريخ ، من حفاظ الحديث ، مصري ، ولد سنة ١٥٤ ه‍ وتوفي سنة ٢٣١.

(٢) يقال : بل اليأس : انقطاع الرجاء ، ولا ينقطع رجاء المرأة من الحيض إلا عند بلوغ المرأة سن اليأس ، ومع ذلك فقول علي عليه‌السلام حجة ، والعسر والحرج مع قيام الدليل لا يكون مبطلا للأحكام ، كما في نظير ذلك ، والله أعلم. (ح / ص).

(٣) أي : لأهل القولين وهما إن فسر بما قطع فيه ، وهو قول إسماعيل ، وابن بكير ، والثاني : وهو أن فسر بما فيه قطع ، وهو قول أهل المذهب ، والله أعلم. (ح / ص).

١١

تعلق بالآية ، وذلك في تفسير الأياس ، وسائر الأقوال مستخرجة من غير الآية ، ويجعلون المعتدات منقسمات ، ذوات أقراء فحكمهن من الآية. وآيسات ، وغير حائضات ، فحكمهن مأخوذ من الآية ، وقسم ثالث : وهي التي انقطع حيضها لا للكبر ، فحكمهن مأخوذ من غير الآية ، بل من باب اعتبار المعنى.

الفرع الرابع

في المستحاضة إذا طلقت وفي حكمها أقوال :

الأول : مذهبنا أنها تتحرى لعدد الأقراء ، كما تتحرى لترك الصلاة ، وتكون عدتها بالأقراء ، لعموم قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) فإن لم تحصل لها أمارة ، فقال الفقيه بدر الدين محمد بن سليمان بن أبي الرجال : تعمل بغالب العادة ، وتحكم على نفسها بأنها تحيض في كل شهر مرة ؛ لأنه الغالب من النساء.

وقال الفقيه عماد الدين يحي بن حسن [البحيبح] : هي من ذوات الحيض ، وقد أوجب الله تعالى عليها ثلاثة قروء فلا تبرأ منها إلا بيقين (١) ، أو ظن.

وفي النهاية عن أبي حنيفة ، والشافعي : ترجع إلى التمييز ، فإن التبس فقال أبو حنيفة : ثلاثة أشهر ، وقال الشافعي : بعدد (٢) أيام حيضها ، وقال مالك : تعتد سنة كالتي انقطع حيضها ، فتكون عدتها بالأشهر ؛ لأن الله تعالى جعل العدة بالشهور عند ارتفاع الحيض ، وخفاؤه كارتفاعه.

__________________

(١) وهو الذي قواه أهل المذهب.

(٢) في نسخة أ (تعتد أيام حيضها).

١٢

أما لو كانت المطلقة مجنونة ، فقد قال في التفريعات : عدتها بالأشهر (١) ، ويمكن أن يدرك ذلك من قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ) فهذا خطاب لمن هو مكلف ، قال في النهاية : والمسترابة التي تجد حسا في بطنها يظن أنه حمل ، تمكث أكثر مدة الحمل.

الفرع الخامس

إذا طلق زوجته ثم رجعت إليه في العدة باسترجاعه بالقول ، ثم طلق قبل دخوله ، فقال أبو العباس ، والقاضي زيد للمذهب ، وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي ، ومروي عن علي عليه‌السلام : إنها تستأنف العدة ؛ لأن الرجعة أبطلت حكم الطلاق فصار كما لو طلق ابتداء ، فيدخل هذا في عموم قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

وقال مالك ، وأحد قولي الشافعي : تبني على العدة الأولى.

وقال داود : لا عدة عليها ؛ لأن الرجعة أبطلت العدة ، والطلاق الثاني قبل الدخول ، وأبطل ذلك بأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، قال في النهاية : كل رجعة تبطل العدة عند مالك.

أما لو كان الطلاق بائنا ، وعادت إليه بعقد ، ثم طلق قبل الدخول فإنه لا عدة للنكاح الآخر ؛ لأنه قبل الدخول ، وعدة الطلاق الأول باقية ، فتبني ، ذكر ذلك ابن أبي الفوارس ، وأبو جعفر ، وهو قول مالك ، والشافعي.

وقال أبو حنيفة : تستأنف العدة ؛ لأن العقد أبطلها ، وكأن الطلاق لم يكن.

__________________

(١) المذهب أن اعتدادها بالحيض.

١٣

وقال زفر ، والقاضي محمد بن حمزة (١) : لا عدة عليها ؛ لأن الأولى قد بطلت بالنكاح الثاني ، ثم طلق قبل الدخول.

قال القاضي (٢) : هذا إذا كانت قد حاضت حيضة بعد الطلاق ، ثم عقد بها ، وقد يقوي هذا القول ؛ لأن الرجعة إذا أبطلت العدة فالعقد يبطلها (٣) ، أما لو طلق ثانيا في أثناء العدة ، وقلنا : إن الطلاق يتبع الطلاق قال أبو جعفر : فإنها تبنى عند السادة وأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي ، وتستأنف في قوله الآخر.

فلو خالع ثم عقد في العدة ، ووطىء ثم طلق ، فعن مالك روايتان يتداخلان ؛ لأن براءة الرحم تحصل بذلك ، ولا يتداخلان ؛ لأنها كالعبادة ، فتعدد بتعدد

__________________

(١) هو محمد بن حمزة بن أبي النجم الهدوي ، الزيدي ، الصعدي ، العلامة ، أخذ عن القاضي جعفر بن أحمد وغيره ، وتولى القضاء بصعدة للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ، ومن مؤلفاته درر الأحاديث النبوية في الأسانيد اليحيوية ، جمع فيه أحاديث الأحكام للهادي ، وبوب أبوابا ، ولم يجد لأن الأصل في الفقه ، ولم يورد الأحاديث بألفاظها في الغالب ، وهذا بوب الكتاب على وضع كتب الحديث ، ورواها رواية اللفظ ، وأكثرها بالمعنى ، وكان القاضي محمد مطرفيا ، فرجع على يد القاضي جعفر ، وله كتاب الناسخ والمنسوخ ، كتاب لطيف مشهور ، توفي رحمه‌الله تعالى في السنة التي ادعى فيها الإمام أحمد بن الحسين ، ومات فيها الشيخ ابن الحاجب ..

(٢) هو ابن أبي النجم ، المذكور سابقا.

(٣) ولكن الفارق موجود ، وهو أن الرجعة إذا أبطلتها لأنها في الطلاق الرجعي في حكم الزوجة ، فلذلك استأنفت عدة أخرى ، ولا كذلك في الثاني ، فإن العقد وإن صيرها زوجة لكنه إذا طلقها قبل الدخول انكشف أن عدة الطلاق الأول لم تنقطع ، وإلا لزم أن يعقد عليها في الوقت الذي طلقها فيه ، ثم يطلق فتبطل عدتها ، وذلك خلاف النص.

١٤

الوطء ، ولعل التداخل أقرب (١) ؛ لأن المستحق واحد ، والعدة حق للزوج.

الفرع السادس

هل يلحق الفسوخ بالطلاق في حكم العدة أم لا؟

قيل الفقيه محمد بن سليمان : إن انفسخ بعد أن كان صحيحا كأن يرتد أحدهما ، أو يسلم ، أو يحصل رضاع ، أو نحو ذلك لحق ذلك بالطلاق ؛ لأنها بينونة (٢) حصلت بين الزوجين في نكاح صحيح ، فأشبهت الطلاق ؛ ولأن العدة وجبت في الأصل لتحصين ماء الزوج ، أما لو كان فاسدا من أصله ، ثم تفاسخا بعد الدخول فإنها تستبرىء بثلاث حيض ، فإن انقطع الحيض قال المؤيد بالله : فبأربعة أشهر وعشر ، أطلق ذلك في عدة الفسوخ.

الفرع السابع

أن الحر والعبد ، والحرة والأمة سواء في اعتبار العدة ، هذا مذهب الهدوية ، والمؤيد بالله أخذا بعموم قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ولم يخص حرا من عبد ، ولا حرة من أمة ، وهذا قول أهل الظاهر

وقال زيد بن علي ، والناصر ، والفقهاء : عدة الأمة حيضتان ، ويخصون عموم الآية بخبر رواه في الشرح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «طلاق الأمة

__________________

(١) المذهب تستأنف (مجد الدين المؤيدي).

(٢) أما إذا كان الفسخ بكون المرأة حربية أسلمت عن كافر ، فإنها لا تتربص إذا انقطع لعارض ، بل عيها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر ، وأما غيرها من المفسوخات من جهة فإن عدتها كعدة الطلاق ، ويثبت لعدتها ما يثبت للعدة الحقيقية من التربص وغيره ، ومن جملتها الذمية إذا أسلمت كما صرح به في الغيث والفتح ، فإنه جعل عدتها حقيقية. والله أعلم. (ح / ص).

١٥

تطليقتان ، وعدتها حيضتان» وبالقياس على حدّها ، وقد روي هذا في السنن ، وقال : ليس بمعمول عليه ، وقال : هو حديث مجهول ، والمروي عن عمر في عدة الأمة : أنها حيضتان

وإذا أثبتوا ذلك بالقياس ، فهذا مبني على أصل ، وهو : أن العموم هل يجوز تخصيصه بالقياس (١) ، فأبو علي يمنعه ، وقال أبو هاشم في قوله الأخير : يجوز ، وهو قول أبي طالب ، والمنصور بالله ، وأكثر الحنفية ، والشافعية ، ومالك ، وتخصيص الكتاب بخبر الآحاد جائز (٢) على قول أكثر الأصوليين.

الفرع الثامن

هل يكون الاعتداد من يوم وقوع الطلاق ، أو من يوم العلم به ، مذهب الهادي عليه‌السلام ، والناصر ، ورواية عن القاسم ، وهو مروي عن علي عليه‌السلام أن ذلك من يوم العلم (٣) ، كذلك روي عن الحسن ، وقتادة ،

__________________

(١) قال في الفصول : واختلف في تخصيص المعلوم بالآحادي ، فجوزه الفقهاء الأربعة وغيرهم مطلقا ، ابن أبان : إن سبق تخصيصه بقطعي متصل أو منفصل جاز ، وإلا امتنع ، ووافقه الكرخي في المنفصل ، الباقلاني : كل منهما قطعي من وجه فوجب الوقف أئمتنا والمعتزلة يجوز في العملي دون العلمي للقطع بمتنه وسنده وبمدلوله ؛ لأنه علمي ، فيمتنع إلا بقاطع.

(٢) لفظ الفصول : والثالث القياس ، واختلف في تخصيص العموم القطعي ، فجوزه أئمتنا والجمهور مطلقا ، ومنعه أبو علي ، وبعض الفقهاء مطلقا ، ابن أبان إن سبق تخصيصه بقطعي متصل أو منفصل جاز وإلا امتنع ، ووافقه الكرخي في المنفصل. ابن سريج يجوز إن كان القياس جليا. الإمام ب إلى محل اجتهاد ، وتوقف الجويني ، ومقتضى كلام أئمتنا والمعتزلة جوازه في العملي لا العلمي ، إلا بقياس قطعي ، فأما الظني فجواز تخصيصه به أظهر ، والمختار أن المسألة ونحوها ظنية ، خلافا للباقلاني.

(٣) في حق العاقلة الحايل ، ومن الوقوع لغيرها. (ح / ص).

١٦

وعطاء ، وربيعة (١) ، والشعبي ، وأخذوا ذلك من قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ) وهذا خطاب وتكليف ، ولا يجوز أن يتوجه ذلك إلى من لا يعلم.

أما لو كانت صغيرة أو مجنونة فمن يوم الوقوع ؛ لأن الخطاب لا يتناولهما.

وقال المؤيد بالله ، ورواية عن القاسم ، وأبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي : إن ذلك من يوم الوقوع ؛ لأنه السبب ، فأشبه ذلك أجل الدين ، وقياسا على الصغيرة والمجنونة ، قيل : والكافرة (٢) كالصغيرة.

الفرع التاسع

في تفسير الأقراء هل هي الحيض؟ أو الأطهار؟ وقد اختلف ما المراد في الآية

فقال فريق من الصحابة ، وهم علي عليه‌السلام ، وابن مسعود ، وعمر ، وأبو موسى ، وفريق من الأئمة عليهم‌السلام ، وهم زيد بن علي ، والهادي ، والناصر ، وفريق من الفقهاء ، وهم أبو حنيفة (٣) ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح بن حي : إن المراد الحيض (٤).

__________________

(١) ربيعة هو : ربيعة بن عبد الرحمن التيمي ، مولاهم ، أبو عثمان المدني ، المعروف بربيعة الرأي ، سمع السائب ، وأنسا ، وغيرهما ، واسم أبيه فروخ ، قال ابن حجر : ثقة فقيه مشهور ، من الخامسة ، قال سوّار بن عبد الله : ما رأيت أحدا أعلم منه ، قيل : ولا الحسن؟ ولا ابن سيرين؟ قال : ولا هما ، توفي سنة ١٣٦ ه‍ ـ وقيل : غير ذلك ، وهو شيخ مالك.

(٢) ولعله يقول : على الخلاف هل هم مخاطبون أم لا. (ح / ص).

(٣) في بعض النسخ (وهم أبو حنيفة ، وأصحاب الشافعي) وفي بعض النسخ (وهم أبو حنيفة ، والشافعي) وقد ضرب على الشافعي في بعض النسخ ، لأن المشهور عن الشافعي هو القول الأخير ، فينظر في الأقوال وفي تفسير النيسابوري ، وسائر كتب أصحابنا ـ الغيث وغيره ـ أن الشافعي مع أهل القول الثاني.

(٤) وهو المختار.

١٧

وقال فريق آخر من الصحابة ، والأئمة عليهم‌السلام ، والفقهاء : إن المراد الأطهار ، فمن الصحابة : زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة ، ومن الأئمة : الصادق ، والباقر ، ومن الفقهاء : مالك ، والشافعي.

ومنشأ الخلاف أن القرء من أسماء الأضداد ، يطلق للحيض والطهر ، لكن المذهب أنه حقيقة في الحيض ، مجاز في الطهر ، وبعض أصحاب الشافعي عكس ، والأكثر منهم أنه مشترك (١) وقد ورد في كلام العرب للحيض ، قال الشاعر :

يا رب ذي ضغن وضب (٢)

له قروء كقروء الحائض

وجاء للطهر أيضا ، قال الشاعر : وهو الأعشى :

أفي كل عام أنت جاشم غزوة

تشد لأقصاها عزيم عرائكا

مورّثة مالا وفي الحي رفعة

لما ضاع فيها من قروء

يريد بالقروء هنا الأطهار ؛ لأنه خرج إلى الغزو ، وأضاع أطهار النساء.

وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعائشة «دعي الصلاة أيام أقرائك» يريد : أيام حيضك

قلنا : الدليل أن المراد بالقروء في الآية هي الحيض ـ أنه قد ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا التفسير ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «طلاق الأمة تطليقتان ، وعدتها حيضتان» ولأنه استعمال للاسم في حقيقته ، وحقيقته عندنا الحيض ؛ ولأنه قول الأكثر من الصحابة.

حكى في النهاية قال : حكى الشعبي أنه قول أحد عشر أو اثني عشر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنه يعضد بالقياس ، بأن يقال : قد وجدنا

__________________

(١) وهذا هو المختار عند أهل الأصول ، وفي البحر في العدة مثل كلام الفقيه يوسف أنه حقيقة في الحيض مجاز في الطهر.

(٢) ضب ، أي : حقد. قارض : أي : قاطع.

١٨

الاستبراء في حق الإماء بالحيض ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبايا أوطاس : «لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة» ولأن العدة إنما شرعت لبراءة الرحم ، والبراءة هي بالحيض ؛ ولأن الله تعالى قال في الآيسات : (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) فجعل الأشهر بدلا من الحيض.

وحجة من قال : أراد بالقروء في الآية الأطهار وجوه منها : قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث ابن عمر ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ، فجعل العدة الأطهار ، وأجيب بأن المراد مستقبلات لعدتهن ، واحتج أيضا بأن قال : إن قروءا جمع للقرء الذي هو الطهر ، لا جمع للقرء الذي هو الحيض ، فإن جمعه أقراء ، وحكوا هذا عن ابن الأنباري ؛ لأن قرءا للحيض بالضم يجمع على أقراء ، وقرءا بالفتح يجمع على قروء.

وقد أجاب الزمخشري : بأن أحد الجمعين يستعمل في مكان الآخر (١) ، ولهذا قال تعالى (بِأَنْفُسِهِنَ) فجاء بجمع القلة مكان جمع الكثرة ، لكن يقال : ذلك خلاف الأصل (٢).

قالوا : لو أراد ثلاث حيض لقال : ثلاث قرؤء ، ولم يقل : (ثَلاثَةَ) لأنه يقال : ثلاث حيض ، وثلاثة أطهار. أجيب بأن التأنيث والتذكير يتبعان اللفظ دون المعنى ، والعكس (٣) ؛ ولهذا يقال : هذه ثلاثة أحجار ، وهذه

__________________

(١) إنما أراد الزمخشري أنه يستعمل جمع القلة مكان جمع الكثرة ، والعكس ، ولم يرد الفرق بين قرء بالضم ، وقرء بالفتح ، وقرء بالفتح ، فيحقق ، والله أعلم.

(٢) يعني استعمال أحد الجمعين مكان الآخر مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة.

(٣) في سورة الأنبياء قال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ٩١] فأنث مع أن الفرج مذكر ، وقد ورد في سورة التحريم مذكرا قال تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ـ [التحريم : ١٢].

١٩

ثلاث صخرات ، وقال تعالى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : ٩١] وفي موضع آخر : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] والمنفوخ فيه واحد ، فمن قال : إن العدة بالأطهار اتفقوا أنها تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة ، ومن قال : العدة بالحيض اختلفوا ، فقال زيد بن علي ، وابن شبرمة ، وهو محكي عن الأوزاعي : تنقضي العدة بانقطاع دم الحيضة الثالثة. وظاهر الآية معهما.

وقال الهادي عليه‌السلام : بغسلها من الحيضة الثالثة.

قال أبو طالب : بالغسل ، أو بخروج وقت صلاة ؛ لأن بذلك تيقن (١) وجوبها ، وهذا القول لا يدرك من الآية ، لكن حجتنا أن ذلك مروي عن علي عليه‌السلام ، وعن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم : أبو بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، لأنهم قالوا : هو أحق بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.

وجعل مضي الوقت كالغسل ؛ لأنه تيقن بذلك وجوب الغسل ، والتيمم عند عدم الماء كالغسل.

وقال الثوري ، وزفر : هو أحق بها ما لم تغتسل ، وإن طال الوقت.

قال في النهاية عن شريك : للزوج الرجعة أن فرطت في الغسل ، ولو إلى عشرين سنة. والحنفية قالوا : إن انقطع الدم لأكثر الحيض فبانقطاعه ، ولدون العشر فبالاغتسال ، أو بوقت صلاة كامل ، أو تيمم عند عدم الماء ، واختلفوا في اشتراط الصلاة بالتيمم ، قال في النهاية ، وقيل : تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة وهو شاذ.

__________________

(١) في نسخة أ (لأن بذلك تبين وجوبها) والضمير في وجوبها للطهارة ، لتقدم ذكرها حكما. قوله : (أو بخروج وقت صلاة) أي : الاضطراري.

٢٠