تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]

تفسير الثمرات اليانعة - ج ٤

المؤلف:

يوسف بن أحمد بن عثمان [ الفقيه يوسف ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

١
٢

٣
٤

٥

تفسير

سورة يونس

٦

سورة يونس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠]

قيل : آخر كلام كل مجلس ، أو آخر كل ذكر ، هذا يدل على أن اختتام الذكر والدعاء بحمد الله تعالى له مزية.

قوله تعالى

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [يونس : ٢٢]

هذه الآية وأمثالها : احتج بها أهل المذهب على أن الحج يجب ، ولو لم يتمكن إلا بركوب البحر ؛ لأن الله تعالى أمتن علينا بذلك ، كما أمتن علينا بالسير في البر ، وهذا قول أبي حنيفة ، وقد ركب أعيان الصحابة البحر في هجرتهم إلى الحبشة ، كجعفر بن أبي طالب.

قال أبو طالب : وهذا مشروط بأن يغلب على الظن السلامة.

وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يجب الحج إذا لم يتمكن إلا بركوب البحر ؛ لأنه مظنة العطب.

قوله تعالى

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ

٧

وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) [يونس : ٣١]

دلت على جواز الحجاج في الدين.

قوله تعالى

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) [يونس : ٣٦]

قيل : يعني في عبادة الأوثان ، وأنها شفعاء لهم ، ليس معهم إلّا الظن والاقتداء بفعل آبائهم ، وقد استدل بهذه الآية على وجوب النظر في الإلهيات ، وعدم التقليد.

قوله تعالى

(أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس : ٤١]

قال الحاكم : دلت على وجوب البراءة من الكفار ، قيل : هذا إذا اتهم بمحبتهم لما هم عليه.

قوله تعالى

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٧ ، ٥٨]

دلت على عظم حال القرآن ، وأن من أدركه فتلك نعمة جليلة ، ينبغي الفرح بها ، وأنها أبلغ من الأموال ، فيلزم من هذا جواز تعليم اليتيم بعوض من ماله ، وهذا جلي في صور :

وذلك نحو أن يكون من أهل الفضل والعلم ، فأما لو كان ممن لا يعتاد تعليم القرآن فقد قيل ليس للولي إنفاق ماله على تعليمه ؛ لأنه غير مأذون بذلك في العادة ، ولا على الصبي تكليف.

٨

قوله تعالى

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس : ٥٩]

قيل : نزلت في مشركي العرب ، وما كانوا يتدينون به من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، ونحو ذلك ، وفي ذلك دلالة على تحريم ذلك ، وقد جعل الحاكم ، والزمخشري تحريم الحلال معصية ، وسيأتي ذلك إن شاء الله في سورة التحريم.

قوله تعالى

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) [يونس : ٨٠]

ثمرة ذلك : أنه يجوز أن يؤمر بالسحر ليظهر بطلانه ، وكذا يطلب إيراد الشبهة لحلها.

قوله تعالى

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس : ٨٣]

قيل : أن يفتنهم في دينهم ، أو على خوف من تعذيبه.

قال الحاكم : وفي ذلك دلالة على عظم حال من أظهر الإيمان والحق عند شدة الخوف ، وهذا المسألة وهي إظهار الإيمان مع حصول القتل ونحوه ، هي حالة الفضل ، ويجوز الكتم لأجل المخافة كحال مؤمن آل فرعون.

٩

قوله تعالى

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [يونس : ٨٥]

قال الحاكم : دلت على حسن السؤال بالنجاة من الظلمة.

قوله تعالى

(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس : ٨٧]

قيل : معناه مصلى ، وكانوا خائفين ، وفي ذلك دلالة على جواز كتم الصلاة عند الخوف.

قوله تعالى

(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨]

ظاهر الكلام أن موسى ـ صلوات الله عليه ـ دعا عليهم بأمرين :

أحدهما : طمس الأموال.

والثاني : شدة القلوب ؛ لئلا يؤمنوا ، والدعاء أقسام :

الأول : أن يسأل الله تعالى النجاة من الظلمة والكفار ، وكفاية شرهم ، وهذا جائز ، بلا إشكال ، وقد دل عليه قوله تعالى : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وغير ذلك.

الثاني : الدعاء بالنصرة على الكفار ، وذلك جائز ، وقد دل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة : (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

والثالث : الدعاء بنزول المضرة الدنيوية ، كقوله تعالى في دعاء موسى عليه‌السلام : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) وهذا في حق الأنبياء جائز ؛ لأنه لا يكون إلا بإذن من الله تعالى.

١٠

وأما في حق غيرهم فقد قال النواوي في كتاب الأذكار : يجوز ذلك ، وبوب له بابا ، وقال : قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة ، وأفعال سلف الأمة وخلفهم ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم في مواضع كثيرة عن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ وقد روى البخاري ومسلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم الأحزاب : «ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى» ودعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الذين قتلوا القراء ، وأدام الدعاء عليهم شهرا يقول : «اللهم العن رعلا ، وذكوان ، وعصيّة» ودعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قريش فقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهمّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» وقد أكثر من الآثار بدعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعاء كثير من الصحابة.

وأما الشيخ أبو حامد الغزالي : فقد جعل الدعاء على الغير وإن كان ظالما من آفات اللسان ، وقال : يوكل أمر الظالم إلى الله.

قال : وفي الحديث : «إن المظلوم ليدعو على من ظلمه حتى يكافيه ، ثم يبقى للظالم فضل عنده يطالبه به يوم القيامة».

قال : وطول بعض الناس لسانه في الحجاج فقال بعض السلف : إن الله لينتقم للحجاج ممن تعرض له بلسانه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمهم» وهذا محتاج إلى التوجيه.

أما الفضل : فالعفو ، وقد تقدم ذكر هذا.

الرابع : من أقسام الدعاء : أن يدعو عليه بعدم الهداية ، وعدم التوفيق ، وأن يموت على غير توبة ، ونحو ذلك ، فهذا لا يجوز ، ذكر ذلك النواوي في الأذكار ، وقال : إذا قال مسلم لمسلم : اللهم اسلبه الإيمان عصى ، وفي وكفره وجهان : الصحيح أنه لا يكفر.

وقد تأول المفسرون قوله تعالى في هذا الآية : (فَلا يُؤْمِنُوا). قال الحاكم : هذا جار مجرى الإخبار ، كما تقول : انظر إلى الشمس تغرب ، كأنه أخبر أنهم لا يؤمنون أبدا.

١١

وقيل : هو عطف على قوله : (لِيُضِلُّوا) ، واللام في ليضلوا لام العاقبة ، كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) قال الشاعر :

 [له ملك ينادي كل يوم]

لدوا للموت وابنوا للخراب

وقال جار الله : لما علم موسى عليه‌السلام من حالهم بالتجربة وطول الصحبة أن إيمانهم كالمحال ، أو أعلمه الله تعالى ذلك اشتد غضبه عليهم فدعا عليهم بما علم أنه لا يكون غيره ، كما تقول : لعن الله إبليس ، وأخزى الله الكفرة ، مع علمك أنه لا يكون غير ذلك.

فحصل من كلام المفسرين أنه لا يجوز الدعاء بالضلال لمن لم يقطع بأنه من أهل النار ، وقد قال جار الله ـ رحمه‌الله ـ : من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر ؛ لأن الرضاء بالكفر كفر.

قوله تعالى

(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩]

قال جار الله : المراد إكراه القهر والإلجاء : يعني أن ما ذلك إلى الله تعالى لا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنه تعالى قال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني مشيئة إكراه وإلجاء ، فلا يكون في ذلك دلالة على أنه تعالى لا يريد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكره الكفار ، بل الله تعالى يريد منا إكراه الكفار على الإسلام ؛ لأنه تعالى قد أمرنا بجهادهم ، والتوعد لهم بالسيف إن لم يؤمنوا.

١٢

تفسير

سورة هود

١٣
١٤

سورة هود عليه‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) [هود : ٣]

قيل : إن ثم هنا بمعنى الواو عن الفراء.

وقيل : إنها للتعقيب : والمعنى اطلبوا الغفران بالتوبة ، فالتوبة سبب.

وقيل : استغفروا من الذنوب الماضية ، وتوبوا مما يحدث في المستقبل.

وقيل : الاستغفار من الماضي والتوبة أن لا يعود.

ومن ثمرات هذه الآية : أن الذين يطلبون الاستسقاء يطلبون ذلك بالتوبة والاستغفار ؛ لأنهما سببان للمتاع الحسن.

قوله تعالى

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [هود : ١٠ ، ١١]

ظاهر الآية : يقضي بأن الفرح بالنعماء والفخر لها قبيح.

قال المفسرون : إن الفرح الذموم هو البطر ، والأشر ، والافتخار : هو التطاول على من دونه.

١٥

وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) فليسوا كذلك ، بل همتهم الشكر.

قال الحاكم : هذا هو الفرح والفخر المذموم.

قال الحاكم : فأما إذا فرح بما هو عليه من الدين ، وبتخلصه من المآثم وافتخر بذلك فغير مذموم ؛ ولهذا يحسن للمسلم أن يفخر بالنبي والكتاب.

قوله تعالى

(وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧]

يعني أصحاب الحرف الخسيسة الذين لا مال لهم ولا جاه.

والثمرة المقتطفة من ذلك : أن الفقر والمهن الدنيئة لا يكون ذلك نقصا في الدين.

وجه الاستدلال : أن الله تعالى حكى كلام الرؤساء من قوم نوح عليه‌السلام ، والمراد الذم لهم ؛ باعتقادهم لنقص من سموهم الأراذل ، وأنهم أخطئوا فيما اعتقدوه أن ذلك نقيصة في النبوة ، بل هو مما يليق بالأنبياء ؛ لأنهم بعثوا مرغبين في الآخرة ، ومزهدين في الدنيا.

وقد ذكر العلماء خلافا في أخذ الأجرة على الحجامة.

قال القاسم عليه‌السلام : إن ذلك مباح ، وكرهه الشافعي ، وحرمه بعض أهل الحديث ، ولعل هذا لأمر آخر لا لكونه نقص في الدين.

ويتفرع على هذا : المنع من الكفاءة بالمهن الدنيئة على قول ، ورد الشهادة على قول ، وهذا لا يدل أنه نقص في الدين ، كما أن الرق يمنع من ذلك على اختلاف العلماء ، وليس بنقص في الدين.

١٦

قوله تعالى

(وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) [هود : ٢٩]

ثمرة ذلك : وجوب تعظيم المؤمن ، وتحريم الاستخفاف به وإن كان فقيرا عادما للجاه ، متعلقا بالحرف الوضيعة ؛ لأنه تعالى حكى كلام نوح عليه‌السلام وتجهيله للرؤساء ـ لما طلبوه طرد من عدّوه من الأرذال ، وهي نظير قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ).

قوله تعالى

(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود : ٣٧]

قال الحاكم : في ذلك دلالة على أنه لا يجوز الدعاء بإخلاف الموعود.

قال أبو علي : ويدل على أنه لا يحسن الدعاء بما علم أن الله تعالى لا يفعله.

قوله تعالى

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١]

في ذلك وجوه للمفسرين :

الأول : أنه أمرهم بالركوب ، وبأن يسموا الله تعالى عند الإجراء والإرساء ، فيكون في ذلك دليل على أن التسمية مشروعة عند ابتداء الأفعال ، والإرساء أفعال تصدر منهم.

وقيل : إنهم كانوا إذا رأوا إجراءها قالوا : بسم الله جرت ، وإذا رأوا الإرساء قالوا : بسم الله أرست.

١٧

وقيل : المعنى (بِسْمِ اللهِ) أي : بقدرة الله.

وقيل : المراد الأمر لهم بذكر الله ، حيث تجري وحيث ترسي ، تبركا بذكره وشكرا لنعمته.

قوله تعالى

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥]

اختلف هل كان لصلبه أم لا؟

فقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعكرمة ، وميمون ابن مهران ، والأصم ، وأبو علي : إنه ابنه لصلبه ، وصححه الحاكم ، وقالوا : ما بغت امرأة نبي قط.

وعن الحسن ، ومجاهد ، وابن جريج : إنه لغير رشده ، ولد على فراشه وهو لا يعلم.

وقيل : هو ابن امرأته ، وروي هذا عن الباقر ، وإنما دعا له لأنه لم يعلم بكفره.

قيل : كان منافقا. وقيل : الدعاء للكافر إنما يمنع منه الشرع لا العقل.

وقد استدل بهذا : على أن رجلا لو نسب رجلا إلى زوج أمه لم يكن قاذفا ؛ لأنه يطلق عليه اسم الأب مجازا.

قوله تعالى

(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [هود : ٥٢]

دل : أن الاستغفار والتوبة مما يتأكد فعله لمن أراد أن الاستسقاء.

١٨

قوله تعالى

(هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) [هود : ٦١]

قيل : معناه أطال أعماركم فيها ، وقيل : أعاشكم فيها أعماركم من العمر.

وقيل : أمركم بعمارتها.

قال جار الله ـ رحمه‌الله تعالى ـ : والعمارة تنوع إلى واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه ، يقال : ومحظور ، قال : وكان ملوك فارس قد أكثروا حفر الأنهار ، وغرس الأشجار ، وعمّروا الأعمار الطوال ، مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل نبي من أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم؟ فأوحى الله إليه : أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي.

وعن معاوية : أنه أخذ في إحياء الأراضي في آخر عمره ، فقيل له؟ فقال : ما حملني عليه إلا قول القائل :

ليس الفتى بفتى لا يستضاء به

ولا يكون له في الأرض آثار

قوله تعالى

(فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [هود : ٦٥]

استثمر من هذا أمران :

الأول : أن الراضي بالكفر والفسق كالفاعل ؛ لأن الله تعالى أضاف العقر إليهم لما رضوا به والعاقر واحد.

والأمر الثاني : أن التأجيل في الشفعة ونحوها يقدر بثلاثة أيام ، وهذا وجه قول القاسم ، والمؤيد بالله ، والمنصور بالله معهما ، وكذا أجل المرتد ، وتأجيل من يدعي أن له شهودا غيّبا ، وقد منع المدعي من السفر ، وطلب الكفيل.

١٩

وقال الهادي : تجوز الزيادة في أجل الشفيع إلى العشر إن رآه الحاكم ؛ لأنه يندفع بذلك المضرة.

قوله تعالى

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : ٦٩]

لهذه الآية ثمرات وهي :

أن حصول الولد المختص بالفضل نعمة. وهلاك العاصي نعمة ؛ لأن البشرى قد فسرت بولادة إسحاق كما في آخر الآية ، وهي قوله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) وفسرت البشرى بهلاك قوم لوط.

ومنها : استحباب إنزال المسرة على المبشر ؛ لأن الملائكة ـ عليهم‌السلام ـ أرسلهم الله بذلك.

ومنها : أنه يستحب للمبشّر تلقي ذلك بالطاعة لله تعالى شكرا على ما بشر به.

وحكى الأصم : أنهم جاءوه في أرض له يعمل فيها ، فلما فرغ غرز مسحاته وصلى ركعتين.

ومنها : أن السلام مشروع ، وأنه ينبغي أن يكون الرد أفضل ؛ لأن سلام الملائكة بالنصب وسلام إبراهيم بالرفع ، وذلك يقتضي الدوام والثبوت.

ومنها : استحباب المبادرة إلى إكرام الضيف ؛ لأن إبراهيم عليه‌السلام بادر إلى ذلك.

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تشغلنكم النوافل عن إيناس الضيف».

٢٠