الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

١
٢

الباب الثامن

وجوه الاعراب

فى

القرآن الكريم

٣
٤

ـ ١ ـ

الاستفتاح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كسرت الباء من «بسم الله» لتكون حركتها مشبهة لعملها ، وحذفت الألف خطا لكثرة الاستعمال ، أو تخففا ، ولا تحذف إلا فى «بسم» فقط ، فإن دخلت على «اسم» غير «الباء» لم يجز الحذف.

وموضع «بسم» رفع عند البصريين ، على إضمار مبتدأ ، تقديره : ابتدائى بسم الله ، فالباء على هذا متعلقة بالخبر الذي قامت «الباء» مقامه ، تقديره : ابتدائى ثابت ، أو مستقر ، بسم الله.

ولا يحسن تعلق الباء بالمصدر الذي هو مضمر ، لأنه يكون داخلا فى صلته ، فيبقى الابتداء بغير خبر.

وقال الكوفيون : «بسم الله» ، فى موضع نصب على إضمار فعل ، تقديره : ابتدأت بسم الله ، فالباء على هذا متعلقة بالفعل المحذوف.

«الله» ، أصله : «إله» ، ثم دخلت الألف واللام فصار : «الإلاه» ، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام الأولى ، ثم أدغمت الأولى فى الثانية.

وقيل : أصله «لاه» ، ثم دخلت الألف واللام عليه فلزمتا للتعظيم ، ووجب الإدغام لسكون الأول من المثلين

ـ ١ ـ

سورة الحمد

٢ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

«السورة» ، يحتمل أن يكون معناها : الرفعة ، من : سورة البناء ، فلا يجوز همزها ، ويحتمل أن يكون معناها : قطعة من القرآن ، من قولك : أسأرت فى الإناء ، أي : أبقيت فيه بقية ، فيجوز همزها على هذا. وقد أجمع القراء على ترك همزها ، فتحتمل الوجهين جميعا.

«الحمد لله» : الحمد ، رفع بالابتداء ، و «لله» الخبر. والابتداء عامل معنوى غير ملفوظ به. ويجوز نصبه على المصدر. وكسرت اللام فى «لله» كما كسرت «الباء» فى «بسم».

وقال سيبويه : أصل اللام أن تكون مفتوحة ، بدلالة انفتاحها مع المضمر ، والإضمار يرد الأشياء إلى أصولها ، وإنما كسرت مع الظاهر ، للفرق بينها وبين لام التأكيد ، وهى متعلقة بالخبر الذي قامت مقامه ، والتقدير : الحمد ثابت لله ، أو مستقر ، وشبهه.

٥

«رب العالمين» : يجوز نصبه على النداء ، أو على المدح ، ويجوز رفعه على تقدير : هو رب العالمين ، ولكن لا يقرأ إلا بما روى وصح عن الثقات المشهورين عن الصحابة والتابعين.

٤ ـ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)

«ملك يوم الدين» يجوز فيه ما جاز في «رب العالمين». و «يوم الدين» ، ظرف جعل مفعولا على لسعة ، فلذلك أضيف إليه «ملك» ، وكذلك فى قراءة من قرأ «مالك» بألف.

وأما من قرأ «ملك» ، فلا بد من تقدير مفعول محذوف ، تقديره : ملك يوم الدين الفصل ، أو القضاء ونحوه

٥ ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

«إياك نعبد» : إياك ، اسم مضمر أضيف إلى الكاف ، ولا يعلم اسم مضمر أضيف غيره.

وقيل : «الكاف» الاسم ، و «ايا» أتى بها لتعتمد الكاف عليها ، إذ لا تقوم بنفسها.

وقال المبرد : ايا ، اسم مبهم أضيف للتخصيص ، ولا يعرف اسم مبهم أضيف غيره.

وقال الكوفيون : إياك ، بكماله : اسم مضمر ، ولا يعرف اسم مضمر متغير آخره غير هذا ، فتقول : إياه ، وإياها ، وإياكم.

وهو منصوب ب «نعبد» ، مفعول مقدم ، ولو تأخر لم ينفصل ولصار «كافا» متصلة ، فقلت : نعبدك.

«نستعين» ، أصله : نستعون ، لأنه من «العون» ، فألقيت حركة الواو على العين ، فانكسرت العين وسكنت الواو ، فانقلبت ياء ، لانكسار ما قبلها.

٦ ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)

«اهدنا» : دعاء وطلب وسؤال ، ومجراه فى الإعراب مجرى الأمر ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، وهما هنا : والصراط ، ويجوز الاقتصار على أحدهما.

«المستقيم» : أصله : المستقوم ، فانتقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها ، فأصبحت الواو ساكنة بعد كسر ، فقلبت ياء.

٧ ـ (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ

عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

«صراط الّذين أنعمت عليهم» ، بدل من «الصراط» الأول ، و «الذين» اسم مبهم مبنى ناقص يحتاج إلى صلة وعائد ، وهو غير معرب فى الواحد والجمع ، ويعرب فى التثنية. و «أنعمت عليهم» صلة «الذين» ، و «الهاء والميم» عائد.

«غير المغضوب» : غير ، اسم مبهم ، إلا أنه أعرب للزومه الإضافة ، وخفض على البدل ب «الذين» ،

٦

أو على النعت لهم ، إذ لا يقصد قصد أشخاص بأعيانهم ، فجروا مجرى النكرة ، فجاز أن يكون «غير» نعتا لهم ، ومن أصل «غير» أنها نكرة وإن أضيفت إلى معرفة ، لأنها لا تدل على شىء معين.

وإن شئت خفضت «غير» على البدل من الهاء ، أو نصبتها على الحال من الهاء والميم فى «عليهم» ، أو من «الذين» إذ لفظهما لفظ المعرفة.

وإن شئت نصبته على الاستثناء المنقطع عند البصريين.

ومنعه الكوفيون لأجل دخول «لا».

وإن شئت نصبته على إضمار «أعنى».

«عليهم» ، فى موضع رفع ، مفعول لم يسم فاعله ل «المغضوب» ، لأنه بمعنى : الذين غضب عليهم ولا ضمير فيه ، إذ لا يتعدى إلا بحرف جر ، فلذلك لم يجمع.

«ولا الضّالين» : لا ، زائدة للتوكيد ، عند البصريين ، وبمعنى «غير» عند الكوفيين.

ومن العرب من يبدل من الحرف الساكن ، الذي قبل المشدد ، همزة ، فيقول : ولا الضألين ، وبه قرأ أيوب السختياني.

ـ ٢ ـ

سورة البقرة

١ ـ (الم)

«الم» : أحرف مقطعة محكية ، لا تعرب إلا أن يخبر عنها أو يعطف بعضها على بعض. وموضع «الم» نصب على معنى : اقرأ «الم».

ويجوز أن يكون موضعها رفعا على معنى : هذا آلم ، أو ذلك ، أو هو.

ويجوز أن يكون موضعها خفضا ، على قول من جعله قسما.

والفراء يجعل «الم» ابتداء ، و «ذلك» الخبر ، وأنكره الزجاج.

٢ ـ (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)

«ذلك» ، فى موضع رفع على إضمار مبتدأ ، أو على الابتداء وتضمر الخبر ، و «ذا» اسم مبهم مبنى. والاسم عند الكوفيين الذال ، والألف زيدت لبيان الحركة والتقوية. و «ذلك» ، بكماله ، هو الاسم عند البصريين ، وجمعه : أولاء.

٧

واللام فى «ذلك» ، لام التأكيد ، دخلت لتدل على بعد المشار إليه ، وقيل : دخلت لتدل على أن «ذا» ليس بمضاف إلى «الكاف» ، وكسرت اللام للفرق بينها وبين لام الملك ، وقيل : كسرت لسكونها وسكون الألف قبلها.

والكاف ، للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب ، لأنها لا تخلو أن تكون فى موضع رفع أو نصب أو خفض ، فلا يجوز أن تكون فى موضع رفع ، لأنه لا رافع قبلها ، وليست «الكاف» من علامات المضمر المرفوع ، ولا يجوز أن تكون فى موضع نصب ، إذ لا عامل قبلها ينصبها ، ولا يجوز أن تكون فى موضع خفض ، لأن ما قبلها لا يضاف ، وهو المبهم ، فلما بطلت الوجوه الثلاثة علم أنها للخطاب لا موضع لها فى الإعراب.

«الكتاب» ، بدل من «ذا» ، أو عطف بيان ، أو خبر «ذلك».

«لا ريب فيه» : لا مرية ، و «لا ريب» ، كاسم واحد ، ولذلك بنى «ريب» على الفتح ، لأنه مع «لا» كخمسة عشر ، وهو فى موضع رفع خبر «ذلك».

«هدى» : فى موضع نصب على الحال من «ذا» ، أو من «الكتاب» ، أو من المضمر المرفوع فى «فيه» ، والعامل فيه ، إذا كان حالا من «ذا» أو من «الكتاب» ، معنى الإشارة ، فإن كان حالا من المضمر المرفوع فى «فيه» ، فالعامل فيه معنى الاستقرار ، و «فيه» ، الخبر ، فتقف على هذا القول على «ريب».

ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ، أو على أنه خبر «ذلك» ، أو على أنه خبر بعد خبر.

«المتقين» ، وزنه : المفتعلين ، وأصله : الموتقين ، ثم أدغمت الواو فى الياء فصارت ياء مشددة ، وأسكنت الياء الأولى استثقالا للكسرة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون ياء الجمع بعدها.

٣ ـ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

«الذين يؤمنون بالغيب» : «الذين» فى موضع خفض نعت «للمتقين» ، أو بدل منهم ، أو فى موضع نصب على إضمار : «أعنى» ، أو فى موضع رفع ، أو فى موضع إضمار مبتدأ ، أو على الابتداء والخبر.

«يقيمون» : أصله : يقومون ، بعد حذف الهمزة ، ثم ألقيت حركة الواو على القاف ، وانكسرت وانقلبت الواو ياء ، لسكونها أو لانكسار ما قبلها ، ووزنه يفعلون ، مثل : يؤمنون.

«الصّلاة» : أصلها : صلوة ، دل عليه قولهم «صلوات» ، فوزنها فعلة.

٥ ـ (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

«أولئك» : خبر «الذين» ، أو مبتدأ ، إن لم يجعل «الذين» مبتدأ ، والخبر «على هدى».

٨

«هدى» ، مقصور منصرف ، وزنه «فعل» ، وأصله «هدى» ، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، والألف ساكنة والتنوين ساكن ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وصار التنوين تابعا لفتحة الدال ، فلا يتغير فى كل الوجوه ، وكذلك العلة فى جميع ما كان مثله.

«أولئك» : اسم مبهم للجماعة ، وهو مبنى على الكسر لا يتغير ، وبنى لمشابهة الحروف ، و «الكاف» للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، وواحد «أولئك» : ذاك ، وإن كان للمؤنث فواحده : «ذى» ، أو : «تى»

٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

«سواء عليهم» : ابتداء ، وما بعده من ذكر الإنذار خبره ، والجملة خبر «إن» ، و «الذين» اسم «إن» ، وصلته : «كفروا».

«أأنذرتهم» : الألف ألف تسوية ، لأنها أوجبت أن الإنذار لمن سبق له فى علم الله الشقاء ، أي : فسواء عليه الإنذار وتركه ، سواء عليهم لا يؤمنون أبدا ولفظه (أ) لفظ الاستفهام ، ولذلك أتت بعدها «أم».

ويجوز أن يكون «سواء» خبر ، وما بعده فى موضع رفع بفعله. هو «سواء». ويجوز أن يكون خبر «أن» : لا يؤمنون.

٧ ـ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ

غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

«وعلى سمعهم» : إنما وحد ولم يجمع كما جمعت «القلوب» ، و «الأبصار» لأنه مصدر.

وقيل : تقديره : وعلى مواضع سمعهم.

«غشاوة» رفع بالابتداء ، والخبر «وعلى أبصارهم» ، والوقف على «سمعهم» حسن. وقد قرأ عاصم بالنصب على إضمار فعل ، كأنه قال : وجعل على أبصارهم غشاوة ، والوقف على «سمعهم» يجوز فى هذه القراءة ، وليس كحسنه فى قراءة من رفع.

٨ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ

وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)

«ومن النّاس» : فتحت نون «من» للقائها الساكن ، وهو لام التعريف ، وكان الفتح أولى بها من الكسر لانكسار الميم مع كثرة الاستعمال. وأصل «الناس» ، عند سيبويه : الأناس ، ثم حذفت الهمزة ، كحذفها فى «إله» ، ودخلت لام التعريف.

وقيل : بل أصله : ناس ، لقول العرب فى التصغير : نويس.

قال الكسائي : هما لغتان.

«من يقول» : فى موضع رفع بالابتداء ، وما قبله خبره.

٩

و «يقول» وزنه : يفعل ، وأصله : «يقول» ، ثم ألقيت حركة الواو على القاف ، لأنها قد اعتلت فى «قال».

«آمن» : المدة أصلها همزة ساكنة ، وأصله أأمن ، ثم أبدلت من الهمزة الساكنة ألفا لانفتاح ما قبلها «الآخر» : المدة ، ألف زائدة ، لبناء «فاعل» ، وليس أصلها همزة.

«وما هم بمؤمنين» : هم ، اسم «ما» ، و «مؤمنين» الخبر ، و «الباء» زائدة ، دخلت عند البصريين لتأكيد النفي ، وهى عند الكوفيين دخلت جوابا لمن قال : إن زيدا لمنطلق.

٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)

«يخادعون الله» : يجوز أن يكون حالا من «من» ، فلا يوقف دونه ، ويجوز أن يكون لا موضع له من الإعراب فيوقف دونه.

١٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)

«فى قلوبهم مرض» : ابتداء وخبر.

«ولهم عذاب أليم» : ابتداء وخبر. و «أليم» ، فعيل بمعنى مفعول ، أي : مؤلم.

«بما كانوا يكذبون» : الباء ، متعلقة بالاستقرار ، أي : وعذاب مؤلم مستقر لهم بكونهم يكذبون بما أتى به نبيهم. و «ما» والفعل مصدر. و «يكذبون» خبر كان.

١١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)

«وإذا قيل لهم» : إذا ، ظرف ، فمن النحويين من أجاز أن يكون العامل فيه «قيل» ، ومنهم من منعه ، وقدر فعلا مضمرا ، يدل عليه الكلام ، يعمل فى «إذا» ؛ وكذلك قياس ما هو مثله.

ويجوز أن يكون العامل «قالوا» ، وهو جواب «إذا».

و «قيل» ، أصلها : قول ، على «فعل» ، ثم نقلت حركة الواو إلى القاف ، فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

«نحن مصلحون» : ابتداء وخبر ، و «ما» فى «إنما» كافة ل «إن» عن العمل و «نحن» اسم مضمر مبنى ، ويقع للاثنين والجماعة والمخبرين عن أنفسهم ، وللواحد الجليل القدر.

١٢ ـ (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)

«هم المفسدون» : ابتداء وخبر «إن».

ويجوز أن تكون «هم» فاصلة لا موضع لها من الإعراب ، أو : تكون توكيدا للهاء والميم فى «إنهم» ، و «المفسدون» الخبر.

١٠

١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)

«كما آمن» : الكاف ، موضع نصب نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : قالوا أنؤمن إيمانا مثل ما آمن السفهاء وكذلك الكاف الأولى.

١٥ ـ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)

«يعمهون» : حال من المضمر المنصوب فى «يمدهم».

١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ

تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)

«اشتروا» : أصله «اشتريوا» ، فقلبت الياء ألفا. وقيل : أسكنت استخفافا. والأول أحسن ، وأجرى على الأصول ، ثم حذفت فى الوجهين ، لسكونها وسكون واو الجمع بعدها ، وحركت الواو فى «اشتروا» لالتقاء الساكنين. واختير لها الضم للفرق بين واو الجمع والواو الأصلية ، نحو : استقاموا.

وقال الفراء : حركت بمثل حركة الياء المحذوفة قبلها.

وقال ابن كيسان : الضمة فى الواو أخف من الكسر ، فلذلك اختيرت ، إذ هى من جنسها.

وقال الزجاج : اختير لها الضم إذ هى واو جمع ، فضمت كما ضمت النون فى «نحن» ، إذ هو جمع أيضا.

وقد قرئ بالكسر على الأصل.

وأجاز الكسائي همزها لانضمامها ، وفيه بعد.

وقد قرئت بفتح الواو ، استخفافا.

١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ

وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)

«أضاءت ما حوله» : ما ، فى موضع نصب ب «أضاءت». و «النار» فاعله ، وهى مضمرة فى «أضاءت».

«ولا يبصرون» : فى موضع الحال من الهاء والميم فى «تركهم».

١٨ ـ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)

«صمّ» : مرفوع على إضمار مبتدأ ، وكذلك ما بعده.

ويجوز نصب ذلك كله على الحال من المضمر فى «تركهم» ، وهى قراءة ابن مسعود وحفص.

ويجوز النصب أيضا على إضمار «أعنى».

«فهم لا يرجعون» ابتداء وخبر فى موضع الحال أيضا من المضمر فى «تركهم».

١٩ ـ (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ

مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)

«كصيّب» : أصله : صيوب ، على وزن «فيعل» ، ثم أدغمت الواو فى الياء ، ويجوز التخفيف فى الباء. وقال الكوفيون : هو فعيل ، أصله : صويب ، ثم أدغم. ويلزمهم الإدغام فى : طويل ، وعويل ؛ وذلك لا يجوز.

١١

«فيه ظلمات» ، ابتداء وخبر مقدم ، والجملة فى موضع النعت ل «الصيب» ، والكاف من «كصيب» فى موضع رفع عطف على الكاف فى قوله : «كمثل الذي» ، أو هى فى موضع رفع خبر لقوله «مثلهم» ؛ تقديره : مثلهم مثل الذي استوقد نارا ، أو مثل صيب.

وإن شئت أضمرت مبتدأ تكون الكاف خبره ؛ تقديره : أو مثلهم مثل صيب.

«يجعلون» : فى موضع الحال من المضمر فى «تركهم» ؛ أي : تركهم فى ظلمات غير مبصرين غير عاقلين جاعلين أصابعهم.

وإن شئت جعلت هذه الأحوال منقطعة عن الأول مستأنفة ، فلا يكون لها موضع من الإعراب.

وقد قيل : إن «يجعلون» حال من المضمر فى «فيه» ، وهو يعود على «الصيب» ؛ كأنه قال : جاعلين أصابعهم فى آذانهم من صواعقه ؛ يعنى : الصيب.

«حذر الموت» : مفعول من أجله.

«والله محيط» : ابتداء وخبر. وأصل : «محيط» : محيط ، ثم ألقيت حركة الياء على الحاء.

٢٠ ـ (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ

قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

«يكاد البرق» : يكاد ، فعل للمقاربة ، إذا لم يكن معه نفى قارب الوقوع ولم يقع ، نحو هذا ، وإذا صحبه نفى فهو واقع بعد إبطاء ، نحو قوله «فذبحوها وما كادوا يفعلون» الآية : ٧١ ؛ أي : فعلوا الذبح بعد إبطاء.

و «كاد» : الذي للمقاربة أصله : «كود» و «يكاد : يكود» ، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، كخاف يخاف.

«كلّما» : نصب على الظرف ل «مشوا». وإذا كانت «كلما» ظرفا فالعامل فيها الفعل الذي هو جواب لها ، وهو «مشوا» لأن فيها معنى الشرط ، فهى تحتاج إلى جواب ، ولا يعمل فيها «أضاء» ؛ لأنها فى صلة «ما».

٢١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ

وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

«يا أيّها النّاس» : أي ، منادى مفرد مضموم. و «الناس» نعت له. ولا يجوز نصب «الناس» عند أكثر النحويين ، لأنه نعت لا يجوز حذفه ، فهو المنادى فى المعنى ، كأنه قال : يا ناس.

وأجاز المازني نصبه على الموضع ، كما يجوز : يا زيد الظريف ، على الموضع.

٢٢ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)

«خليفة» : فعيلة بمعنى : فاعلة ، أي : يخلف بعضهم بعضا.

٢٣ ـ (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)

«وأعلم ما تبدون» : يجوز أن يكون «أعلم» فعلا ، ويجوز أن يكون اسما ، بمعنى : عالم ، فيكون «ما» فى موضع

١٢

خفض بإضافة «أعلم» إليها ، كما يضاف اسم الفاعل. ويجوز تقدير التنوين فى اسم الفاعل ، لكنه لا ينصرف ، فيكون «ما» فى موضع نصب. والكلام فى «أعلم» الثانية كالكلام فى «أعلم» الأولى ، كما تقول فى «هؤلاء حواج بيت الله» فينصب «بيتا» يقدر التنوين فى «حواج».

٣٢ ـ (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

«سبحانك» منصوب على المصدر. والتسبيح : التنزيه لله من السوء. فهو يؤدى معنى : «نسبحك تسبيحا» ؛ أي : ننزهك ونبرئك.

«إنّك أنت العليم الحكيم» : إن شئت جعلت «أنت» فى موضع نصب تأكيدا للكاف ، وإن شئت جعلتها مرفوعة ، مبتدأة ، و «العليم» خبرها ، وهى وخبرها خبر «إن». وإن شئت جعلتها فاصلة لا موضع لها من الإعراب ، و «الحكيم» نعت ل «العليم». وإن شئت جعلته خبرا بعد خبر «إن».

٣٤ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى)

«للملائكة» : هو جمع «ملك» ؛ وأصل «ملك» : مألك ، ثم قلبت الهمزة فردت فى موضع اللام فصارت : ملاك. فأصل وزنه «مفعل» ، مقلوب إلى «معفل». ثم ألقيت حركة الهمزة على اللام فصارت «ملك» ، فلما جمع رد إلى أصله بعد القلب. فلذلك وقعت الهمزة بعد اللام فى «ملائكة» ، ولو جمع على أصله قبل القلب لقيل : مآلك ، على مفاعل.

«إلّا إبليس» : إبليس ، نصب على الاستثناء المنقطع ، ولم ينصرف لأنه أعجمى معرفة.

وقال أبو عبيدة : هو عربى مشتق من «أبلس» ، إذا يئس من الخير ، لكنه لا نظير له فى الأسماء ، وهو معرفة فلم ينصرف لذلك.

٣٥ ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ

شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)

«آدم» : أفعل ، مشتق من الأدمة ، وهو اللون ، فلم ينصرف ؛ لأنه معرفة ، وأصله الصفة ، وهو على وزن الفعل.

وقيل : هو مشتق من أديم الأرض ، وهو وجهها ، وهذا بعيد ؛ لأنه يحتمل أن يكون وزنه فاعلا ، كطابق.

يجب صرفه ؛ إذ ليس فيه من معنى الصفة شىء ، و «أفعل» أصلها الصفة.

«رغدا» : نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : أكلا رغدا. وهو فى موضع الحال عند ابن كيسان. أعنى المصدر لمحذوف ، وحذفت النون من «فتكونا» لأنه منصوب ، جوابا للنهى.

ويجوز أن يكون حذف النون للجزم ، فهو عطف على : «ولا تقربا».

١٣

٣٦ ـ (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا

بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)

«بعضكم لبعض عدوّ» : ابتداء ، وخبر منقطع من الأول. وإن شئت فى موضع الحال من الضمير فى اهبطوا» وفى الكلام حذف «واو» استغنى عنها للضمير العائد على المضمر فى «اهبطوا» ، تقديره : قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ؛ أي : اهبطوا وهذه حالكم. وإثباتها فى الكلام حسن ، ولو لم يكن فى الكلام عائد لم يجز دف الواو. ولو قلت : لقيتك وزيد راكب ، لم يجز حذف الواو ؛ فإن قلت : راكب إليك ؛ جاز حذف الواو وإثباتها.

٣٧ ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

«إنه هو التّواب الرّحيم» : هو ، فى وجوهها بمنزلة «أنت» فى (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) الآية : ٣٢

٣٨ ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ)

«جميعا» ، حال من المضمر فى «اهبطوا».

«فإمّا يأتينكم» : إما ، حرف للشرط بجزم الأفعال ، وهى «إن» التي للشرط زيدت معها «ما» للتأكيد ، ودخلت النون المشددة للتأكيد أيضا فى «يأتينكم» ، لكن الفعل مع النون مبنى غير معرب.

«هدى» : فى موضع رفع بفعله «فمن تبع هداى» : من ، اسم تام للشرط ، مرفوع بالابتداء ، يجزم ما بعده من الأفعال المستقبلة وجوابها ، ويكون الماضي بعده فى موضع جزم.

٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

«هم فيها خالدون» : ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من «أصحاب» ، أو من «النار» ، تقول : زيد ملك الدار وهو جالس فيها ، فقولك «وهو جالس» حال من المضمر فى «ملك» ، أي : ملكها فى حال جلوسه فيها. وإن شئت جعلته حالا من «الدار» ؛ لأن فى الجملة ضميرين : أحدهما يعود على «زيد» ، الآخر يعود على «الدار» فحسن الحال منهما جميعا لأجل الضمير.

ولو قلت : زيد ملك الدار وهو جالس ، لم يكن إلا حالا من المضمر فى «ملك» لا غير ، إذ لا ضمير فى الجملة يعود على «الدار».

ولو قلت : ملك زيد الدار وهى مبنية ، لم تكن الجملة إلا فى موضع الحال من «الدار» ، إذ لا ضمير يعود على المضمر فى «ملك». فإن زدت «من ماله» ونحوه ، جاز أن يكون حالا من المضمر ومن «الدار» ، فكذلك الآية لما كان فى قوله «هم فيها خالدون» ضميران جاز أن يكون حالا منهما جميعا ، فقس عليها ما أشبهها ، فإنه أصل يتكرر فى القرآن كثيرا.

١٤

وقد منع بعض النحويين وقوع الحال من المضاف إليه ، لو قلت : رأيت غلام هند قائمة ، لم يجز عنده ، عامل يعمل فى الحال ، وأجازه بعضهم ؛ لأن لام الملك مقدرة مع المضاف إليه. فمعنى «الملك» هو العامل فى ، أو معنى الملازمة ، أو معنى المصاحبة ؛ فعلى قول من منع الحال من المضاف إليه لا يكون «هم فيها خالدون» من النار ، ومثله فى القياس : «أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون».

٤٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي

أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

«إسرائيل» : اسم معرفة أعجمى ، ولذلك لم ينصرف.

«وأوفوا» : أصله «أوفيوا» ، على «أفعلوا» ، فردت حركة الياء على الفاء ، وحذفت الياء لسكونها تكون الواو بعدها.

«أوف بعهدكم» : جزم ؛ لأنه جواب الأمر.

«وإيّاى فارهبون» : إيّاى ، منصوب بإضمار فعل ، وهو الاختيار ؛ لأنه أمر ، ويجوز : وأنا فارهبون ، على الابتداء والخبر ، وهو بمنزلة قولك : زيد فاضربه ؛ لأن الياء المحذوفة من «فارهبون» كالهاء فى «اضربه» ، لكن يقدر الفعل الناصب ل «إياى» بعده ؛ تقديره : وإياى ارهبوا فارهبون. ولو قدرته قبله لا تصل به ، فكنت تقول : فارهبون فارهبون.

٤١ ـ (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ)

«مصدقا» : حال من الهاء المحذوفة ، من «أنزلت» ؛ تقديره : أنزلته ؛ لأن «ما» بمعنى «الذي».

وإن شئت جعلته حالا من «ما» فى «بما».

«أول كافر» : أول اسم لم ينطق به بفعل عند سيبويه ، وزنه «أفعل» ، فاؤه واو وعينه واو ، ولذلك لم يستعمل منه فعل ، لاجتماع الواوات.

وقال الكوفيون : هو «أفعل» من «وأل» ، إذا لجأ ، فأصله : أوأل ، ثم خففت الهمزة الثانية بأن أبدل منها واو ، وأدغمت الأولى فيها. وانتصب «أول» على خبر «كان». و «كافر» نعت لمحذوف ؛ تقديره : أول فريق كافر ، ولذلك جاء بلفظ التوحيد ، والخطاب لجماعة. وقيل : تقديره : أول من كفر به.

٤٢ ـ (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

١٥

«وتكتموا الحق» : تكتموا ، منصوب ؛ لأنه جواب النهى. وحذف النون على النصب والجزم فيه ، فيما كان مثله. ويجوز أن يكون مجزوما عطفا على «تلبسوا».

«وأنتم تعلمون» ابتداء وخبر فى موضع الحال من المضمر فى «ولا تلبسوا».

٤٣ ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)

«وأقيموا» : وزنه «أفعلوا» ، وأصله : أقوموا ، فنقلت حركة الواو على الفاء فانكسرت ، وسكنت الواو فانقلبت ياء لانكسار ما قبلها. والمصدر منه : إقامة. وعلته كعلة «استعانة»

٤٥ ـ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)

«واستعينوا» : قياسه فى علته مثل «نستعين» ، والهاء فى قوله «وإنها لكبيرة» تعود على ، على الاستعانة. ودل على «الاستعانة» قوله «واستعينوا» ، وقيل : بل تعود على «الصلاة» ، وهذا أبين الأقوال لقربها منها.

٤٦ ـ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)

«إليه» الهاء ، تعود على الله جل ذكره. وقيل : بل تعود على «اللقاء» ، لقوله : «ملاقوا ربهم».

٤٨ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)

«واتقوا يوما» : يوما ، مفعول ل «اتقوا» ، و «لا تجزى» وما بعده ، من الجملة التي فى أولها «لا» ، كلها صفات ل «يوم» ، ومع كل جملة ضمير محذوف يعود على «يوم» ، ولو لا ذلك لم تجز الصفة ، تقديره : لا تجزى فيه ، ولا تقبل منها شفاعة فيه ، ولا يؤخذ منها عدل فيه ، ولا هم ينصرون فيه.

وقيل : التقدير : لا تجزيه نفس ، فجعل الظرف مفعولا على السعة ، ثم حذف الهاء من الصفة ، وحذف الهاء أحسن من حذف «فيه» ، ولو لا تقدير هذه الضمائر لأضفت «يوما» إلى «تجزى» ؛ كما قال (يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ٧٧ : ٣٥ ، و (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ) ٨٢ : ١٩ ، وهو كثير ، فإذا أضفته فلا يكون ما بعده صفة له ، ولا يحتاج إلى تقدير ضمير محذوف. وقد أجمع القراء على تنوينه.

٤٩ ـ (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)

«وإذ» : فى موضع نصب ، عطف على «نعمتى» الآية : ٤٧ ؛ أي : واذكروا إذ نجيناكم وكذلك قوله تعالى (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) الآية : ٥٠ : أي : اذكروا إذ فرقنا.

يعدد سبحانه عليهم نعمه المتقدمة على آبائهم

«آل فرعون» ، فرعون ، معرفة أعجمى ، فلذلك لا ينصرف. و «آل» أصله : أهل ، ثم أبدل من «الهاء» همزة ، فصارت : آل ، ثم أبدل من الهمزة ألفا ، لانفتاح ما قبلها وسكونها ، فإذا صغرته رددته إلى أصله ،

١٦

فقلت : أهيل. وحكى الكسائي : أويل ؛ وإذا جمعته قلت : أألون. فأما «الآل» الذي هو السراب ، فجمعه : أأوال ، على «أفعال».

«يسومونكم» : فى موضع الحال من «آل».

«يذبحون» : حال من «آل» أيضا. وإن شئت من المضمر فى «يسومون» ، وكذلك : «ويستحيون نساءكم».

٥١ ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ

وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)

«موسى» : «مفعل» ، من «أوسيت» ، وقيل : هو من : «ماس يميس» ، ويفتح السين فى الجمع السالم فى الوجهين ، عند البصريين ، لتدل على الألف المحذوفة.

وقال الكوفيون : إن جعلته «فعلى» ضممت «السين» فى الرفع وفى الجمع ، وكسرتها فى النصب والخفض ، كقاض.

«أربعين ليلة» : تقديره : تمام أربعين ، فهو مفعول ثان.

«ثم اتخذتم العجل من بعده» : المفعول الثاني ل «اتخذتم» محذوف ؛ تقديره : ثم اتخذتم العجل من بعده إلها.

«وأنتم ظالمون» : ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من المضمر فى «اتخذتم» ، وكذا : «وأنتم تنظرون» ١٢ : ٥٠ ، فى موضع الحال من المضمر فى «اتخذتم».

٥٣ ـ (وَإِذْ آتَيْنا)

(انظر الكلام على «إذ» فى الآية السابقة)

٥٤ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى)

(انظر الكلام على «إذ» فى الآية السابقة)

٥٥ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)

«جهرة» : مصدر ، فى موضع الحال من المضمر فى «قلتم».

٥٨ ـ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً

وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ.)

«رغدا» : مثل الأول (الآية : ٣٥).

«سجدا» : حال من المضمر ، فى «ادخلوا».

(م ٢ ـ الموسوعة القرآنية ج ٤)

١٧

«حطّة» : خبر ابتداء محذوف ؛ تقديره : سؤالنا حطة ، أو : رغبتنا ، ونحوه.

وقيل : هو حكاية أمروا بقولها ، مرفوعة ، فحكوها ، ولو أعلمت «القول» لنصبت.

«خطاياكم» : جمع : خطية. وسيبويه يرى أنه لا قلب فيه ، ولكنه أبدل من الهمزة الثانية ، التي هى لام الفعل ، ياء : ثم أبدل منها ألفا ، فوزنه ، عند سيبويه : فعائل ، محولة : من «فعايل».

وقال الفراء : «خطايا» : جمع : خطية ، بغير همز ، كهدية وهدايا.

٦١ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ

لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ

الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)

«يخرج لنا ممّا تنبت الأرض» : المفعول. محذوف ، تقديره : يخرج لنا مأكولا. وقيل : المفعول هو «ما» ، و «من» زائدة.

«من بقلها» : بدل من «مما» بإعادة الخافض ، ف «من» الأولى للتبعيض ، والثانية للتخصيص. فى قول ابن كيسان.

«الذي هو أدنى» : قيل : الألف ، بدل من همزة ، وهو من الدناءة ، فالألف على هذا فى «أدنى» بدل من همزة وقيل : هو من «الدون». وأصله : «أدون» ، ثم قلبت وقيل : هو من «الدنو» ؛ أي : أقرب ؛ فيكون من : دنا يدنو.

«مصرا» : إنما صرفت لأنها نكرة. وقيل : لأنها اسم للبلد ، فهو مذكر.

وقال الكسائي : صرفت لخفتها.

«ما سألتم» : فى موضع نصب. اسم «إن».

٦٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ

وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ)

«من آمن» : من ، رفع بالابتداء ، وهى الشرط.

«فلهم» : جواب الشرط ، وهو خبر الابتداء ، والجملة خبر «إن».

ويجوز أن يجعل «من» بدلا من «الذي» ، فيبطل الشرط ؛ لأن الشرط لا يعمل فيه ما قبله ، ويكون الفاء فى «فلهم».

دخلت لجواب الإبهام ، كما تدخل مع «الذي» ، يقول : إن الذي يأتيك فله درهم ، وقال الله جل ذكره (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ٦٣ : ٨ ، فلا بد من محذوف يعود على «الذين» من خبرهم ، إذا جعلت «من» مبتدأة ، تقديره : من آمن منهم.

٦٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ)

«ما آتيناكم» : العائد على «ما» محذوف ، تقديره : ما آتيناكموه. و «ما» منصوبة ب «أخذوا» ، بمعنى : «الذي»

١٨

٦٤ ـ (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ

مِنَ الْخاسِرِينَ)

«فلو لا فضل الله» : فضل ، مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ؛ تقديره : فلو لا فضل الله عليكم تدارككم ولا يجوز إظهاره عند سيبويه ، استغنى عن إظهاره لدلالة الكلام عليه.

«لكنتم» : جواب «لو لا».

٦٥ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا

قِرَدَةً خاسِئِينَ)

«خاسئين» : خبر ثان ل «كان». وإن شئت جعلته نعتا ل «قردة». وقيل فى جعله نعتا لقردة عدولا عن الأصول ، إذ الصفة جمع لمن يعقل والموصوف لما لا يعقل. وإن شئت حالا من المضمر فى «كونوا».

٦٦ ـ (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)

«فجعلناها» : تعود «الهاء» على «القردة».

وقيل : بل تعود على «المسخة» التي دل عليها الخطاب. وقيل : بل تعود على «العقوبة» التي دل عليها الكلام. وكذلك الاختلاف فى الهاء فى «يديها» و «خلفها».

٦٨ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ

وَلا بِكْرٌ عَوانٌ)

«لا فارض» : يجوز رفعه على إضمار مبتدأ ؛ أي : لا هى فارض. ويجوز أن يكون نعتا للبقرة ، ومثله : «ولا بكر» ، ومثله : «لا ذلول» الآية : ٧١.

«عوان» : رفع على إضمار مبتدأ ، أي : هى عوان. ويجوز أن يكون نعتا للبقرة. وعلى إضمار مبتدأ ، أحسن.

٦٩ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها)

«ادع لنا ربّك» : لغة بنى عامر فى «ادع لنا» كسر العين ، لسكونها وسكون الدال قبلها ، كأنهم يقدرون أن العين لام الفعل فيجزمونها ، وهو فعل مجزوم عند الكوفيين ، ومبنى عند البصريين.

«يبين لنا ما لونها» : ما ، استفهام ، مرفوع بالابتداء. و «لونها» الخبر. ولم يعمل فيها «يبين» إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ولو جعلت «ما» زائدة نصبت «لونها» ، كما قال تعالى (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) ٢٨ : ٢٨ ، فخفضت «الأجلين» بإضافة «أي» إليهما. و «ما» زائدة.

١٩

٧٠ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ)

«إن البقر تشابه علينا «إن شاء الله» ، إن شرط ، وجوابها ، «إنّ» وما عملت فيه وقال المبرد : الجواب محذوف.

٧١ ـ (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ

مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)

«تثير : الأرض» : تثير ، فى موضع الحال من المضمر فى «ذلول».

«ولا تسقى الحرث» : فى موضع النعت للبقرة وإن شئت جعلته خبر ابتداء محذوف ؛ أي : وتسقى الحرث.

«مسلّمة» : خبر ابتداء ، محذوف ؛ أي : وهى مسلمة.

«لا شية فيها» : خبر ثان ل «هى» المضمرة.

وإن شئت جعلت «لا شية فيها» فى موضع النعت ل «بقرة» ، وكذلك «مسلمة».

وأصل «شية» : وشية ، ثم حذفت الواو ، كما حذفت فى «يشى» ، ونقلت كسرة الواو إلى الشين.

«الآن جئت بالحقّ» : الآن ، ظرف للزمان الذي أنت فيه ، وهو مبنى لمخالفته سائر ما فيه الألف وإذ دخلتا فيه لغير عهد ولا جنس.

وقيل : أصل «الآن». أوان ، ثم أبدلوا من الواو ألفا ، وحذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين.

٧٣ ـ (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى)

«كذلك يحيى الله الموتى» : الكاف ، فى موضع نصب ، نعت لمصدر محذوف.

٧٤ ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً

وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ

وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

«لما يتفجر ، لما يشقق ، لما يهبط» : ما ، فى ذلك كله ، فى موضع نصب ب «إن» ؛ واللامات ، لا مات والجار والمجرور خبر «إن».

٢٠