الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١٠

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٥٩

١
٢

الباب الرابع عشر

تفسير

القرآن الكريم

٣
٤

(٩)

سورة التوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) :

(بَراءَةٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هذه براءة.

(مِنَ) لابتداء الغاية ، متعلق بمحذوف وليس بصلة : هذه براءة واصلة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم.

ويجوز أن تكون (بَراءَةٌ) مبتدأ لتخصيصها بصفتها ، والخبر (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ).

والمعنى : أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين ، وأنه منبوذ إليهم.

٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) :

(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) أي تنقلوا فى الأرض.

(أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) مدة الأمان ، وهى شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم.

وقيل هى عشرون من ذى الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشر من ربيع الآخر ، وكانت حرما ، لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم.

٣ ـ (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) :

(وَأَذانٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا أذان ، أو هو مبتدأ لتخصيصه بصفته ، والجملة معطوفة على مثلها.

٥

والأذان : الإيذان.

(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر ، لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ، من الطواف والنحر ، والحلق ، والرمي.

ووصف الحج بالأكبر ، لأن العمرة تسمى الحج الأصغر.

(أَنَ) بالفتح. وقرئ بالكسر ، لأن الأذان فى معنى القول.

(وَرَسُولِهِ) عطف على المنوي فى (بَرِيءٌ) ، أو على محل (إن) المكسورة واسمها.

وقرئ بالنصب ، عطف على اسم (أن) ، أو لأن الواو بمعنى (مع) ، أي برىء معه منهم.

وبالجر ، على الجوار ، وقيل : على القسم.

(فَإِنْ تُبْتُمْ) من الكفر والفتن.

(وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن التوبة.

(غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) غير سابقين الله تعالى ولو فائتين أخذه وعقابه.

٤ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) :

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) مستثنى من قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) ، ولأن الكلام خطاب للمسلمين ، ومعناه : براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا ، الا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم.

(ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) لم يقتلوا منكم أحدا ولم يضروكم قط.

وقرئ : لم ينقضوكم ، بالضاد معجمة ، أي لم ينقضوا عهدكم.

(وَلَمْ يُظاهِرُوا) ولم يعاونوا عليكم عدوا.

(فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) فأدوه إليهم.

٦

(إِلى مُدَّتِهِمْ) تاما كاملا.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي ان قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلين : الوفى والغادر ، فاتقوا الله فى ذلك.

٥ ـ (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) انقضت. والأشهر الحرم هى التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها.

(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) يعنى الذين نقضوكم وظاهروا عليكم.

(حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من حل أو حرم.

(وَخُذُوهُمْ) وأسروهم ، والأخيذ : الأسير.

(وَاحْصُرُوهُمْ) وقيدوهم وامنعوهم من التصرف فى البلاد.

(كُلَّ مَرْصَدٍ) كل ممر ومجتاز ترصدونهم به.

(فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) فأطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر ، أو فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم.

(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر.

٦ ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) :

(أَحَدٌ) مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر ، تقديره : وان استجارك أحد استجارك.

(فَأَجِرْهُ) أي ان جاء أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق ، فاستأمنك ليسمع ما تدعو اليه من التوحيد ويتبين ما بعثت به فأمنه.

(حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر.

٧

(ثُمَّ أَبْلِغْهُ) بعد ذلك وأره داره التي يأمن فيها ان لم يسلم ، ثم قاتله إن شئت من غير عذر ولا خيانة.

(ذلِكَ) أي ذلك الأمر ، يعنى بالإجارة فى قوله (فَأَجِرْهُ).

(بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم.

(قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) جهلة يجهلون ما الإسلام ، وما حقيقة ما تدعو اليه ، فلا بد من اعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.

٧ ـ (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) :

(كَيْفَ) استفهام فى معنى الاستنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا فى ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا فى قتلهم.

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) استدراك ، أي ولكن الذين عاهدتم منهم (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ولم يظهر منهم نكث.

(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) على العهد.

(فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) على مثله.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعنى أن التربص بهم من أعمال المتقين.

٨ ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) :

(كَيْفَ) تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل لكونه معلوما. أي : كيف يكون لهم عهد.

(وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) وحالهم أنهم ان يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ، لم ينظروا فى حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم.

(لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا) لا يراعون حقا ، وقيل : قرابة.

٨

(يُرْضُونَكُمْ) كلام مبتدأ فى وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن ، مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد ، وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان ، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل.

(وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) متمردون لا مروءة تزعهم ، ولا شمائل مرضية تردعهم.

٩ ـ (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(اشْتَرَوْا) استبدلوا.

(بِآياتِ اللهِ) بالقرآن والإسلام.

(ثَمَناً قَلِيلاً) وهو اتباع الأهواء والشهوات.

(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) فعدلوا عنه ، أو صرفوا غيرهم.

١٠ ـ (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) :

(هُمُ الْمُعْتَدُونَ) المجاوزون الغاية فى الظلم والشرارة.

١١ ـ (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) :

(فَإِنْ تابُوا) عن الكفر ونقض العهد.

(فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) فهم إخوانكم ، على حذف المبتدأ.

(وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) ونبينها ، وهذا اعتراض ، كأنه قيل : وان من تأمل تفصيلها فهو العالم بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين ، وعلى المحافظة عليها.

١٢ ـ (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) :

(وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) وثلبوه وعابوه.

(فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) فقاتلوهم ، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم.

٩

(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) أي لا اسلام لهم ، أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث ولا سبيل اليه.

١٣ ـ (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) :

(أَلا تُقاتِلُونَ) الهمزة لتقرير انتفاء المقاتلة ، والمعنى : الحض عليها على سبيل المبالغة.

(نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) التي حلفوها فى المعاهدة.

(وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) من مكة حين تشاوروا فى أمره فى دار الندوة.

(وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة.

(أَتَخْشَوْنَهُمْ) تقرير الخشية منهم وتوبيخ عليها.

(فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فتقاتلوا أعداءه.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى أن قضية الايمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالى بمن سواه.

١٤ ـ (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) :

(يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) قتلا.

(وَيُخْزِهِمْ) أسرا.

(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) طائفة من المؤمنين ، وهم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا ، فبعثوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يشكون اليه ، فقال : أبشروا فإن الفرج قريب.

١٥ ـ (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) :

١٠

(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) لما لقوا من المكروه.

(وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ابتداء كلام ، واخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان.

(حَكِيمٌ) لا يفعل الا ما اقتضته الحكمة.

١٦ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ):

(أَمْ) منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على وجود الحسبان. والمعنى : أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه ، حتى يتبين المخلص منكم ، وهم الذين جاهدوا فى سبيل الله لوجه الله.

(وَلَمَّا يَعْلَمِ) معناها التوقع ، وقد دلت على أن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن ، وأن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين. والمراد بنفي العلم نفى المعلوم.

(وَلَمْ يَتَّخِذُوا) معطوف على (جاهَدُوا) داخل فى خبر الصلة ، كأنه قيل : ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله.

(وَلِيجَةً) أي بطانة ، من الذين يضادون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمؤمنين.

١٧ ـ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) :

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) ما صح لهم وما استقام.

(أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) أي المسجد الحرام. وقيل : مساجد ، لأنه قبلة المساجد كلها وامامها ، فعامره كعامر جميع المساجد.

١١

وقيل : المراد جنس المساجد ، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها ، دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته.

(شاهِدِينَ) حال من الواو فى قوله (أَنْ يَعْمُرُوا). والمعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين ، عمارة متعبدات الله ، مع الكفر بالله وبعبادته.

ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر : ظهور كفرهم وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت ، وكانوا يطوفون عراة ، ويقولون : لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي.

١٨ ـ (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) :

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) أي انما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها. وعمارتها تناولها بما يلزم لها من صيانة وحفظ.

(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء.

١٩ ـ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) :

أي لا ينبغى أن تجعلوا القائمين بسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام من المشركين فى منزلة الذين آمنوا بما لله وحده ، وصدقوا بالبعث والجزاء ، وجاهدوا فى سبيل الله ، ذلك أنهم ليسوا بمنزلة واحدة عند الله ، والله لا يهدى إلى طريق الخير القوم المستمرين على ظلم أنفسهم بالكفر وظلم غيرهم بالأذى المستمر.

١٢

٢٠ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) :

(أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) من أهل السقاية والعمارة عندكم.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم.

٢١ ـ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) :

أي وهؤلاء يبشرهم الله تعالى برحمته الواسعة التي تشملهم ، ويخصهم برضاه وهو أكبر جزاء ، وسيدخلهم يوم القيامة جنات لهم فيها نعيم قائم ثابت دائم.

٢٢ ـ (خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) :

وهم خالدون فى الجنة لا يتحولون عنها وان الله عنده أجر عظيم وثواب جزيل.

٢٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) :

(أَوْلِياءَ) نصراء.

(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) يستنصر بهم.

٢٤ ـ (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) :

(فَتَرَبَّصُوا) وعيد.

(بِأَمْرِهِ) عقوبة عاجلة وآجلة.

٢٥ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ

١٣

كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) :

(فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) مواطن الحرب : مقاماتها ومواقفها. وكثيرة ، يعنى وقعات بدر ، وقريظة ، والنضير ، والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة.

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) أي وموطن يوم حنين.

(إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) وزل عنكم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود.

(بِما رَحُبَتْ) ما ، مصدرية. والباء بمعنى : مع ، أي مع رحبها.

(ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ثم انهزمتم.

٢٦ ـ (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) :

(سَكِينَتَهُ) رحمته التي سكنوا بها.

(وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الذين ثبتوا مع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وقع الهرب.

(وَأَنْزَلَ جُنُوداً) يعنى الملائكة.

(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر.

٢٧ ـ (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ) أي يسلم بعد ذلك ناس منهم.

٢٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) :

(نَجَسٌ) ذوو نجس ، لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة فى وصفهم بها.

(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون فى الجاهلية.

١٤

(بَعْدَ عامِهِمْ هذا) بعد حج عامهم هذا ، وهو عام تسع من الهجرة حين أمر أبو بكر على الموسم.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي فقرا بسبب منع المشركين من الحج.

(فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من عطائه ، أو من تفضله بوجه آخر.

(إِنْ شاءَ) ان أوجبت الحكمة إغناءكم ، وكان مصلحة لكم فى دينكم.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأحوالكم.

(حَكِيمٌ) لا يعطى ولا يمنع الا عن حكمة وصواب.

٢٩ ـ (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) :

(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان لقوله (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) مع ما فى حيزه.

(عَنْ يَدٍ) أي يد المعطى ، والمعنى : حتى يعطوها عن يد ، أي عن يد مواتية غير ممتنعة ، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده ، بخلاف المطيع المنقاد.

أو يد الآخذ ، ويكون المعنى : حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية ، أي عن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم.

(وَهُمْ صاغِرُونَ) أي تؤخذ منهم على الصغار والذل.

٣٠ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) :

(عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) مبتدأ وخبر.

١٥

(الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) مبتدأ وخبر.

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي قول لا يعضده برهان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به. وقد يراد بالقول المذهب ، كأنه قيل : ذلك دينهم ومذهبهم بأفواههم لا بقلوبهم لأنه لا حجة معه ولا شبهة حتى يؤثر فى القلوب.

(يُضاهِؤُنَ قَوْلَ) على حذف مضاف ، أي يضاهئ قولهم قولهم ، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف اليه مقامه ، فانقلب مرفوعا. والمعنى : أن الذين كانوا فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليهود والنصارى يضاهى قولهم قول قدمائهم. يعنى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث.

(قاتَلَهُمُ اللهُ) أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا ، تعجبا من شناعة قولهم.

(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن الحق؟

٣١ ـ (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) :

(أَرْباباً) أطاعوهم فى الأمر بالمعاصي وتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله.

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص فى الإنجيل.

(سُبْحانَهُ) تنزيه له عن الإشراك به واستبعاد له.

٣٢ ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) :

(نُورَ اللهِ) الإسلام.

مثل حالهم فى طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتكذيب بحال

١٦

من يريد أن ينفخ فى نور عظيم منبث فى الآفاق ، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى فى الاشراق أو الاضاءة ، ليطفئه بنفخه أو يطمسه.

٣٣ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) :

(لِيُظْهِرَهُ) أي ليظهر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) على أهل الأديان كلهم ، أو ليظهر دين الحق على كل دين.

٣٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) :

(لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ) أي ليأخذون.

(وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) أي يضنون بها عن الانفاق فى سبيل الخير.

٣٥ ـ (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) :

(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها) أي تحمى النار عليها ، فلما حذفت النار ، قيل : يحمى عليها ، لانتقال الاسناد عن النار الى (عَلَيْها).

(هذا ما كَنَزْتُمْ) على إرادة القول.

(لِأَنْفُسِكُمْ) أي كنزتموه لتنتفع به نفوسكم.

(فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه ، أو وبال كونكم كافرين.

٣٦ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا

١٧

فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) :

(فِي كِتابِ اللهِ) فيما أثبته وأوجبه من حكمه.

(أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ثلاثة سرد ، وهى ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وواحد فرد ، وهو رجب.

(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) يعنى أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم ، دين إبراهيم وإسماعيل وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منها ، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها.

(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَ) فى الحرم.

(أَنْفُسَكُمْ) أي لا تجعلوا حرامها حلالا.

(كَافَّةً) حال من الفاعل ، أو المفعول.

(مَعَ الْمُتَّقِينَ) ناصر لهم.

٣٧ ـ (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) :

(إِنَّمَا النَّسِيءُ) تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر.

(لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي ليوافقوا العدة التي هى الأربعة ولا يخالفوها.

(فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها.

(زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة.

٣٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) :

١٨

(اثَّاقَلْتُمْ) تثاقلتم ، أي تباطأتم وتقاعستم.

(مِنَ الْآخِرَةِ) أي بدل الآخرة.

(فِي الْآخِرَةِ) فى جنب الآخرة.

٣٩ ـ (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) :

(إِلَّا تَنْفِرُوا) ان لم تستجيبوا للرسول فتخرجوا للجهاد فى سبيل الله.

(أَلِيماً) موجعا.

(وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) ويستبدل بكم قوما آخرين يستجيبون للرسول ولا يتخلفون عن الجهاد.

(وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) ولا تضرون الله بهذا التخلف شيئا.

٤٠ ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) :

(فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) أي إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه الا رجل واحد ، ولا أقل من الواحد ، أو أنه أوجب له النصر وجعله منصورا فى ذلك الوقت فلن يخذل من بعده.

(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أسند الإخراج الى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن له فى الخروج فكأنهم أخرجوه.

(ثانِيَ اثْنَيْنِ) أحد اثنين.

(إِذْ هُما) بدل من (إِذْ أَخْرَجَهُ).

(فِي الْغارِ) ثقب فى أعلى ثور ، وهو جبل فى يمين مكة على مسيرة ساعة.

١٩

(إِذْ يَقُولُ) بدل ثان.

(سَكِينَتَهُ) ما ألقى فى قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه.

(بِجُنُودٍ) الملائكة يوم بدر.

(كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا) دعوتهم الى الكفر.

(كَلِمَةُ اللهِ) دعوته الى الإسلام.

(هِيَ) فصل ، أو مبتدأ ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله فى العلو ، وأنها المختصة به دون سائر الكلم.

٤١ ـ (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) :

(خِفافاً وَثِقالاً) خفافا فى النفور لنشاطكم له ، وثقالا عنه لمشقته عليكم.

(وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) إيجاب للجهاد بهما ان أمكن ، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة.

٤٢ ـ (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) :

(عَرَضاً) العرض : ما عرض لك من منافع الدنيا.

(وَسَفَراً قاصِداً) وسطا مقاربا.

(الشُّقَّةُ) المسافة الشاطة الشاقة.

(يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بدل من (سَيَحْلِفُونَ) ، أو حال بمعنى : مهلكين. والمعنى : أنهم يوقعونها فى الهلاك بحلفهم الكاذب ، وما يحلفون عليه من التخلف.

٢٠