الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

«مبشّرين ومنذرين» : حالان من «النبيين».

«بغيا بينهم» : مفعول من أجله.

٢١٤ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ

وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)

«أن تدخلوا الجنة» : أن ، فى موضع المفعولين ل «حسب».

«حتى» : كتبت بالياء ، لأنها أشبهت «سكرى» ، وقد أمالها نصير عن الكسائي ، ولا تكتب إلا بالياء ، ولا تكتب «أما» بالياء قياسا على «حتى» ؛ لأنها «أن» ضمت إليها «ما».

«يقول الرسول» : من رفع «يقول» فلأنه فعل قد ذهب وانقضى ، وإنما نخبر عن الحال التي كان عليها الرسول فيما مضى ، فالفعل دال على الحال التي كانوا عليها فيما مضى ، ف «حتى» داخلة على جملة فى المعنى ، وهى لا تعمل فى الجمل.

ويجوز فى الكلام أن ترفع وتخبر عن الحال التي هى الآن ، وذلك مثل قولك : مرض حتى لا يرجونه ؛ أي :

مرض فيما مضى حتى هو الآن لا يرجى ، فتحكى الحال التي هو عليها ، فلا سبيل للنصب فى هذا المعنى ، ولو انتصبت لانقلب المعنى وصرت تخبر عن فعلين قد مضيا وذهبا ، ولست تحكى حالا كان عليها ، وتقديره : أن تحكى حالا كان النبي عليها ؛ فتقديره : وزلزلوا حتى قال الرسول ، كما تقول : سرت حتى أدخلها : أي : كنت سرت فدخلت ، فصارت «حتى» داخلة على جملة ، وهى لا تعمل فى الجمل ، فارتفع الفعل بعدها ، ولم تعمل فيه.

فأما وجه من نصب ، فإنه جعل «حتى» غاية ، بمعنى : «إلى أن» ، فنصب بإضمار «أن» : وجعل قول الرسول غاية لخوف أصحابه ؛ لأن «زلزلوا» معناه : خوفوا ، فمعناه : وزلزلوا إلى أن قال الرسول ؛ فالفعلان قد نصبا.

«ألا إن نصر الله قريب» : قريب ، خبر «إن» ، ويجوز «قريبا» تجعله نعتا لظرف محذوف ؛ أي : مكانا قريبا ، ولا يثنى ولا يجمع فى هذا المعنى ولا يؤنث ؛ فإن قلت : هو قريب منى ، تريد المكان ، لم تثن ، ولم تجمع ، ولم تؤنث ، فإن أردت النسب ثنيت وجمعت وأنثت.

٢١٥ ـ (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى

وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)

«يسألونك ما ذا ينفقون» : ما ، استفهام ، ولذلك لم يعمل فيها «يسألونك» ، فهى فى موضع رفع بالابتداء. و «ذا» بمعنى «الذي» ، وهو الخبر ، والهاء ، محذوفة من «ينفقون» لطول الاسم ؛ لأنه صلة «الذي» ؛

٤١

تقديره : يسألونك أي شىء الذي ينفقونه. وإن شئت جعلت «ما» و «ذا» اسما واحد ، فتكون «ما» فى موضع نصب ب «ينفقون» ، ولا تقدرها محذوفة ، كأنك قلت : يسألونك أي شىء ينفقونه.

«ما أنفقتم» : ما ، شرط ، فى موضع نصب ب «أنفقتم» ، وكذلك «وما تفعلوا» ، والفاء ، جواب الشرط فيهما

٢١٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ

وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)

«قتال فيه» : بدل من «الشهر» ، وهو بدل الاشتمال.

وقال الكسائي : هو مخفوض على التكرير ، تقديره عنده : عن الشهر عن قتال.

وكذا قال الفراء ، وهو مخفوض بإضمار «عن».

وقال أبو عبيدة : هو مخفوض على الجوار.

«وصدّ عن سبيل الله» : ابتداء.

«وكفر ، وإخراج» عطف على «صد» ، و «أكبر عند الله» خبره.

وقال الفراء : وصد وكفر ، عطف على «كبير» : فيوجب ذلك أن يكون القتال فى الشهر الحرام كفرا ، وأيضا فإن بعده «وإخراج أهله منه أكبر عند الله» ، ومحال أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام عند الله أكبر من الكفر بالله.

وقيل : إن «الصد» مرفوع بالابتداء ، و «كفر» عطف عليه ، والخبر محذوف ؛ تقديره : كبيران عند الله ؛ لدلالة «كبير» الأول عليه ويجب على هذا القول أن يكون : إخراج أهل المسجد الحرام منه عند الله أكبر من الكفر ؛ وإخراجهم منه إنما هو بعض خلال الكفر.

«والمسجد الحرام» : عطف على «سبيل الله» ؛ أي : قتال فى الشهر الحرام كبير ، وهو صد عن سبيل الله ، وعن المسجد.

وقال الفراء : «والمسجد» معطوف على «الشهر الحرام» ؛ وفيه بعد ؛ لأن سؤالهم لم يكن عن المسجد الحرام ، إنما سألوه عن الشهر الحرام : هل يجوز فيه القتال؟ فقيل لهم : القتال فيه كبير الإثم ، ولكن الصد عن سبيل

٤٢

الله ، وعن المسجد الحرام ، والكفر بالله ، وإخراج أهل المسجد الحرام منه ، أكبر عند الله إثما من القتال فى الشهر الحرام. ثم قيل لهم : والفتنة أكبر من القتل ؛ أي : والكفر بالله الذي أنتم عليه أيها السائلون أعظم إثما من القتل فى الشهر الحرام الذي سألتم عنه وأنكرتموه فهذا التفسير يبين إعراب هذه الآية.

٢١٩ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما

وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)

«ما ذا ينفقون قل العفو» : هو مثل الأول ، إلا أنك إذا جعلت «ذا» بمعنى «الذي» رفعت المفعول ؛ لأن «ما» فى موضع رفع بالابتداء ، فجوابها مرفوع مثلها ، وأضمرت «الهاء» مع «ينفقون» تعود على الموصول ، وحذفتها لطول الاسم.

وإذا جعلت «ما» و «ذا» اسما واحدا ، فى موضع نصب ب «ينفقون» نصبت «العفو» ؛ لأنه جواب «ما». فوجب أن يكون إعرابه مثل إعرابها ، ثم تضمرها.

٢٢٠ ـ (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ

فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)

«فى الدنيا والآخرة» : فى ، متعلقة ب «يتفكرون» ، فهى ظرف للتفكر ؛ تقديره : يتفكرون فى أمور الدنيا والآخرة وعواقبها.

وقيل : فى ، متعلقة ب «يبين» الآية : ٢١٩ ؛ تقديره : كذلك يبين الله لكم الآيات فى أمور الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون. و «الكاف» من «كذلك» فى موضع نصب ، نعت لمصدر محذوف ؛ أي : تبيينا مثل ذلك يبين الله لكم الآيات.

«المفسد من المصلح» : اسمان شائعان ، ولم تدخل الألف واللام فيهما للتعريف ، إنما دخلت للجنس ، كما تقول : أهلك الناس الدينار والدرهم ، وكقوله تعالى (إن الإنسان لفى خسر) العصر : ٢ ، لم يرد دينارا بعينه ، ولا درهما بعينه ، ولا إنسانا بعينه ، إنما أراد هذا الجنس ، كذلك معنى قوله «المفسد من المصلح» ؛ أي : يعلم هذين الصنفين.

٢٢٤ ـ (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ

وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

«أن تبروا» : أن ، فى موضع نصب على معنى : فى أن تبروا ، فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل.

وقيل : كراهة أن.

وقيل : لئلا أن.

٤٣

وقال الكسائي : موضع «أن» خفض على إضمار الخافض ، ويجوز أن يكون موضعها رفعا بالابتداء ، والخبر محذوف ؛ تقديره : أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أولى وأمثل.

٢٢٩ ـ (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ

أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ)

«الطّلاق مرّتان» : ابتداء وخبر ؛ تقديره : عدة الطلاق الذي تجب بعده الرجعة مرتان.

«فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» : ابتداء ؛ والخبر محذوف ؛ تقديره : فعليكم إمساك ؛ ومثله : «أو تسريح بإحسان». ولو نصب فى غير القرآن لجاز.

«إلّا أن يخافا» : أن ، فى موضع نصب ، استثناء ليس من الأول.

«أن لا يقيما» : أن ، فى موضع نصب لعدم حرف الجر ؛ تقديره : من أن لا يقيما ، أو : بأن لا يقيما ، أو : على أن لا يقيما.

٢٣١ ـ (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا)

«ضرارا» : مفعول من أجله.

٢٣٢ ـ (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ)

«أن ينكحن» : أن ؛ فى موضع نصب ب «تعضلوهن» ؛ أي : لا تمنعوهن نكاح أزواجهن.

٢٣٣ ـ (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ؛ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ)

«لا تضارّ والدة» : مفعول لم يسم فاعله. و «تضار» بمعنى : تضر ؛ ويجوز «أن ترتفع بفعلها ؛ على أن يكون «تضار» بمعنى «تفاعل» وأصله : تضارر ، ويقدر مفعول محذوف ؛ تقديره : ولا تضار والدة بولدها أباه ، ولا يضار مولود له بولدها أمه.

«وعلى الوارث مثل ذلك» ؛ أي : على وارث المولود أن لا يضار أمه.

وقيل : معناه : وعلى الوارث الإنفاق على المولود.

٢٣٤ ـ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ

أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)

«والذين يتوفّون منكم». الذين ، مبتدا.

وفى تقدير خبر الابتداء اختلاف ، لعدم ما يعود على المبتدأ من خبره :

٤٤

قال الأخفش : «يتربصن» الخبر ، وفى الكلام حذف العائد على المبتدأ ؛ تقديره : يتربصن بأنفسهن بعدهم.

أو بعد موتهم ، ثم حذف ، إذ قد علم أن التربص إنما يكون بعد موت الأزواج.

وقال الكسائي : تقدير الخبر : يتربص أزواجهم.

وقال المبرد : التقدير : ويذر أزواجهم أزواجا يتربصن بأنفسهن.

وقيل : الحذف إنما هو فى أول الكلام ؛ تقديره : وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن بأنفسهن.

وقياس قول سيبويه : إن الخبر محذوف ، تقديره : وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون منكم ، مثل : (والسارق والسارقة) المائدة : ٣٨

٢٣٥ ـ (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ)

«ولكن لا تواعدوهنّ سرّا» ؛ أي : على سر ؛ أي : على نكاح.

فإن جعلته من السر ، الذي هو الإخفاء ، كان نصبه على الحال من المضمر فى «تواعدوهن» ، وتقديره : ولكن لا تواعدوهن النكاح متسارين ، لا مظهرين له.

«إلّا أن تقولوا قولا معروفا» : أن ، فى موضع نصب ، استثناء ليس من الأول.

«ولا تعزموا عقدة النّكاح» ؛ أي : على عقدة ، فلما حذف الحرف نصب ، كما تقول : ضرب زيد الظهر والبطن ؛ أي : على الظهر وعلى البطن.

وقيل : «عقدة» ، منصوب على المصدر ، و «تعزموا» بمعنى : تعقدوا.

٢٣٦ ـ (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)

«متاعا» : نصب على المصدر. وقيل : حال.

٢٣٧ ـ (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)

«فنصف ما فرضتم» : نصف ، مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ تقديره : فعليكم نصف ما فرضتم.

ولو نصب فى الكلام جاز ، على معنى : فأدوا نصف ما فرضتم.

٢٤٠ ـ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ

مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)

«والّذين يتوفّون منكم» : الذين : رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ؛ تقديره : يوصون وصية.

٤٥

وإن رفعت «وصية» ، فتقديره : فعليهم وصية ، برفع «وصية» بالابتداء ، و «عليهم» المضمر ، خبرها ، والجملة خبر «الذين».

«متاعا» : مصدر ، عند الأخفش ؛ وحال ، عند المبرد ، على تقدير : ذوى متاع.

«غير إخراج» : نصب «غير» على المصدر ، عند الأخفش ؛ تقديره : لا إخراجا ، ثم جعل «غير» موضع «لا» ، فإعرابها بمثل إعراب ما أضيفت إليه ، وهو «الإخراج».

وقيل : «غير» ينصب بحذف الجار ، كأن تقديره : من غير إخراج ؛ فلما حذف «من» انتصب انتصاب المفعول به.

وقيل : انتصب على الحال من الموصين المتوفين ؛ تقديره : متاعا إلى الحول غير ذوى إخراج ؛ أي : غير مخرجين لهن.

٢٤١ ـ (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)

«حقّا على المتّقين» : حقا ، مصدر ، و «على» متعلقة بالفعل المضمر الناصب ل «حق».

٢٤٥ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ)

«من ذا الّذى يقرض الله» : من ، مبتدأ. و «ذا» خبر. و «الذي» نعت ل «ذا» ، أو بدل منه ، ومثله : «من ذا الذي يشفع عنده» الآية : ٢٥٥ ، ولا يحسن أن تكون «ذا» و «من» اسما واحدا ، كما كانت مع «ما» ؛ لأن «ما» مبهمة ، فزيدت «ذا» معها ، لأنها مبهمة مثلها ، وليس «من» كذلك فى الإبهام.

«قرضا» : اسم للمصدر.

«فيضاعفه له» : من رفعه عطفه على ما فى الصلة ، وهو «يقرض» ، ويجوز رفعه على القطع مما قبله.

ومن نصبه حمله على العطف بالفاء على المعنى دون اللفظ ، فتنصبه ؛ ووجه نصبه له أنه حمله على المعنى فأضمر بعد الفاء «أن» ليكون مع الفعل مصدرا ، فيعطف مصدرا على مصدر ، فلما أضمر «أن» نصبت الفعل.

ومعنى حمله على المعنى. أن معنى «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا» : من يكن منه قرض يبيعه أضعافا ، فلما كان معنى صدر الكلام المصدر ، جعل الباقي المعطوف بالفاء مصدرا ، ليعطف مصدرا على مصدر ، فاحتاج إلى إضمار «أن» ليكون مع الفعل مصدرا ، فنصبت الفعل ؛ فالفاء عاطفة للترتيب على أصلها فى باب العطف. ولا يحسن أن يجعل «فيضاعفه» ، فى قراءة من نصب ، جواب الاستفهام بالفاء ؛ لأن «القرض» ليس مستفهما عنه ، إنما الاستفهام عن فاعل ، ألا ترى أنك لو قلت : أزيد يقرضنى فأشكره؟ لم يجز النصب على جواب الاستفهام ، وجاز على الحمل على المعنى ، كما مر فى تفسير الآية ؛ لأن الاستفهام لم يقع على «القرض» إنما وقع

٤٦

على «زيد». ولو قلت : أيقرضني زيد فأشكره؟ جاز النصب على جواب الاستفهام ؛ لأن الاستفهام ، عن «القرض» وقع.

وقد قيل : إن النصب فى الآية على جواب الاستفهام محمول على المعنى ؛ لأن «من يقرض الله» و «من ذا الذي يقرض الله» سواء فى المعنى ، والأول عليه أهل التحقيق والنظر والقياس.

٢٤٦ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً

نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا

وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ)

«نقاتل» : جزم ؛ لأنه جواب الطلب ، ولو رفع فى الكلام لجاز ، على معنى : ونحن نقاتل. فأما ما روى عن الضحاك وابن أبى عبلة أنهما قرءا بالياء ، فالأحسن فيه الرفع ؛ لأنه نعت ل «ملك» ، وكذلك قرءا.

ولو جزم على الجواب لجاز ، فالجزم مع النون أجود ، والرفع يجوز ؛ والرفع مع الياء أجود ، والجزم يجوز.

«أن لا تقاتلوا» : أن ، فى موضع نصب خبر «عسى» ، فهى وما بعدها مصدر لا يحسن اللفظ به بعد «عسى» ؛ لأن المصدر لا يدل على زمان محصل ، و «عسى» تحتاج إلى أن يؤتى بعدها بلفظ المستقبل ، ولا تستعمل «عسى» إلا مع «أن» إلا فى شعر.

«وما لنا أن لا نقاتل» : أن ، فى موضع نصب على حذف الخافض ؛ تقديره : وما لنا فى أن لا تقاتل.

وقال الأخفش : «أن» ، زائدة.

٢٤٧ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً)

«ملكا» : نصب على الحال ، من «طالوت».

٢٤٨ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ

رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ).

«فيه سكينة من ربّكم» : ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من «التابوت» أيضا.

«تحمله الملائكة» : فى موضع الحال من «التابوت» أيضا.

٢٤٩ ـ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي

وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ

هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ

مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)

«إلّا من اغترف» : من ، فى موضع نصب على الاستثناء من المضمر فى «يطعمه».

٤٧

«كم من فئة قليلة غلبت» : كم ، فى موضع رفع بالابتداء ، و «غلبت» خبرها

٢٥١ ـ (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.)

«ببعض» : فى موضع المفعول.

٢٥٢ ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)

«نتلوها» : فى موضع الحال ، من «آيات الله».

٢٥٣ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ)

«تلك الرسل فضلنا» : ابتداء ، و «الرسل» عطف بيان ، و «فضلنا» ، وما بعده ، الخبر.

«منهم من كلم الله» : من ، ابتداء ، و «منهم» الخبر ، والهاء محذوفة من «كلم» ؛ أي : كلمه الله. و «تلك» : اسم مبهم ، والتاء ، هو الاسم ، واللام دخلت لتدل على بعد المشار إليه ، والكاف ، للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب.

«درجات» ؛ أي : إلى درجات ، فلما حذف «إلى» نصب.

٢٥٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ

وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

«لا بيع فيه ولا خلة ؛ ولا شفاعة» : كل هذه الجمل فى موضع النعت المذكور «ليوم» ؛ والفتح والرفع فى هذا بمنزلة «فلا رفث ولا فسوق» الآية : ١٩٧ ، إذ هو كله أصله الابتداء والخبر ، والجملة فى موضع النعت ل «يوم».

٢٥٥ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)

«الله لا إله إلا هو» : ابتداء وخبر ، وهو بدل من موضع «لا إله». وحقيقته أن «الله» مبتدأ ، و «لا إله» ابتداء ثان ، وخبره محذوف ؛ أي : الله لا إله معبود إلا هو ، و «إلا هو» بدل من موضع «لا إله» ، والجملة خبر عن «الله» ، وكذلك قوله «لا إله إلا الله» فى موضع رفع بالابتداء. والخبر محذوف ، و «إلا الله» بدل من موضع «لا إله» ، وصفة له على الموضع.

وإن شئت جعلت «إلا الله» خبر «لا إله» ، ويجوز النصب على الاستثناء.

«القيّوم» : هو «فيعول» من «قام» ؛ وأصله : «قيوم» ، فلما سبقت الياء الواو ، والأول ساكن ، أبدل من الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ، وكان الرجوع إلى الياء أخف من رجوع الياء إلى الواو.

وهو نعت ل «الله» ، أو خبر بعد خبر ، أو بدل من «هو» ، ورفع على إضمار مبتدأ ؛ ومثله «الحي».

٤٨

ولو نصب فى غير القرآن لجاز على المدح.

«سنة» : أصله : وسنة ، ثم حذفت الواو ، كما حذفت فى «يسن» ، ونقلت حركة الواو إلى السين «من ذا الذي يشفع» : مثل «من ذا الذي يقرض» الآية : ٢٤٥.

٢٥٦ ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

«الطّاغوت» : هو اسم ، يكون للواحد والجمع ، ويؤنث ويذكر ، وهو مشتق من «طغى» ، لكنه مقلوب ، وأصله : «طغيوت» مثل : «جبروت» ، ثم قلبت الياء فى موضع الغين ، فصار «طيغوتا» ، فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصار : طاغوتا فأصله «فعلوت» مقلوب إلى «فلعوت».

وقد يجوز أن يكون أصل لامه واوا ، فيكون أصله : «طغووت» ؛ لأنه يقال : طغى يطغو ، وطغيت وطغوت ومثله فى القلب والاعتلال والوزن : حانوت ؛ لأنه من : حنا يحنو ، فأصله : حنووت ، ثم قلب وأعل. ولا يجوز أن يكون من «حان يحين» لقولهم فى الجمع : حوانيت.

«لا انفصام لها» : يجوز أن يكون فى موضع نصب ، على الحال من «العروة الوثقى» ، وهى : لا إله إلا الله ، فى قول ابن عباس.

٢٥٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ)

«أن أتاه الله» : مفعول من أجله.

«إذ قال» : العامل فى «إذ» : «تر» ، والهاء فى «ربه» تعود على «الذي» ، وهو نمرود.

٢٥٩ ـ (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها

فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ

عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)

«أو كالّذى» : الكاف ، فى موضع نصب ، معطوفة على معنى الكلام ؛ تقديره ، عند الفراء والكسائي : هل رأيت كالذى حاج إبراهيم؟ أو كالذى مر على قرية؟

«كم لبثت» : كم ، فى موضع نصب على الظرف ، فهى هنا ظرف زمان.

«يتسنه» : يحتمل أن يكون معناه : لم تتغير ريحه أو طعمه ، من قولهم : سن الطعام ، إذا تغير ريحه أو طعمه ، فيكون أصله : يتسنن ، على «يتفعل» بثلاث نونات ، فأبدل من الثالثة ألفا ، لتكرر الأمثال ، فصار «يتسنى» ، فحذفت الألف للجزم ، فبقى : يتسن ، فجىء بالهاء لبيان حركة النون فى الوقف.

(م ٤ ـ الموسوعة القرآنية ج ٤)

٤٩

ويحتمل أن يكون معناه : لم تغيره السنون ، فتكون الهاء فيه أصلية ، لام الفعل ؛ لأن أصل سنة : سنهة ، ويكون سكونها للجزم ، فلا يجوز حذفها فى الوصل ولا الوقف.

٢٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي

قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ

يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

«وإذ قال إبراهيم» : العامل فى «إذ» فعل مضمر ؛ تقديره : واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم.

«كيف يحيي» : كيف ، فى موضع نصب ، وهى سؤال عن حال ؛ تقديره : رب أرنى بأى حال تحي الموتى؟

«ليطمئن قلبى» : اللام ، متعلقة بفعل مضمر ؛ تقديره : ولكن سألتك ليطمئن قلبى ، أو : ولكن أرنى ليطمئن قلبى.

«على كل جبل منهن جزءا» ؛ أي : على كل جبل من كل واحد جزءا ، وذلك أعظم فى القدرة.

«سعيا» : مصدر فى موضع الحال.

٢٦١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ

فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)

«مائة حبة» : ابتداء ، وما قبله خبره ، ويجوز فى الكلام «مائة» بالنصب ، على معنى : أنبتت مائة حبة.

٢٦٣ ـ (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ.)

«قول معروف» : ابتداء ونعته ، والخبر محذوف ؛ تقديره : قول معروف أولى بكم.

«ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى» : ابتداء وخبر ، و «يتبعها» نعت ل «صدقة» فى موضع خفض «أذى» : مقصور ، لا يظهر فيه الإعراب ، كهدى ، وموضعه رفع بفعله.

٢٦٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ

وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ)

«كالذى ينفق» : الكاف ، فى موضع نصب ، نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : إبطالا كالذى ؛ وكذلك : «رثاء» ، نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : إنفاقا رثاء.

ويجوز أن يكون «رثاء» مفعولا من أجله.

ويجوز أن يكون فى موضع الحال.

٥٠

«الصفوان» ، عند الكسائي : واحد ، وجمعه : صفى ، صفىّ ، وصفىّ.

وقيل : يجوز أن يكون جمعا وواحدا.

وقيل : صفوان ، بكسر الأول ، جمع : «صفى» ، كأخ وإخوان.

وقال الأخفش : صفوان ، بالفتح : جمع : صفوانة ، وإنما قال «عليه» ؛ لأن الجمع يذكر.

«عليه تراب» : ابتداء وخبر ، فى موضع خفض ، نعت ل «صفوان».

٢٦٥ ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ

أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ)

«ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا» : كلاهما مفعول من أجله.

«أصابها وابل» : فى موضع خفض على النعت ل «حبة» ، أو ل «ربوة» ؛ كما تقول : مررت بجارية دار اشتراها زيد.

٢٦٦ ـ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ

لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ)

«من نخيل وأعناب» : فى موضع رفع ، نعت ل «جنة».

«تجرى من تحتها» : نعت ثان ، أو فى موضع نصب على الحال من «جنة» ؛ لأنها قد نعتت.

ويجوز أن يكون خبر «كان».

٢٦٨ ـ (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ)

«الشّيطان يعدكم» : شيطان ، فيعال من : شيطن ، إذا بعد ، ولا يجوز أن يكون «فعلان» من تشيط ، وشاط ؛ لأن سيبويه حكى : شيطنه فتشيطن ، فلو كان من «شاط» ، لكان : شيطنته ، على وزن «فعلنته» ، وليس هذا البناء فى كلام العرب ، وهو إذا : فيعلته ، كبيطرته ، فالنون ، أصلية والياء زائدة ، فلا بد أن يكون النون لاما ، وأن يكون «شيطان» : فيعال ، من «شيطن» ، إذا بعد ، كأنه لما بعد من رحمة الله سمى بذلك.

٢٧٠ ـ (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ)

«وما أنفقتم» : فى موضع نصب ، بوقوع الفعل الذي بعده عليه ؛ وهو شرط.

«فإنّ الله يعلمه» : الهاء ، يعود على النذر ، أو : على الإنفاق.

٥١

٢٧١ ـ (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

«فنعمّا هى» : فى «نعم» أربع لغات : نعم ، مثل «علم» : ونعم ، بكسر النون والعين ؛ لأنه حرف حلق يتبعه ما قبله فى الحركة فى أكثر اللغات ؛ ونعم ، بترك النون مفتوحة على أصلها ، وتسكن العين استخفافا ، ونعم ، بكسر النون لكسرة العين ، ثم تسكن العين استخفافا.

فمن كسر النون والعين من القراء ، احتمل أن يكون كسر العين على لغة من كسرها وأتبع النون بها ، ويحتمل أن يكون على لغة من أسكن العين مع الإدغام. وهذا محال لا يجوز ، ولا يتمكن فى النطق.

ومن فتح النون وكسر العين ، جاز أن يكون قراءة على لغة من قال : نعم ، كعلم. ويجوز أن يكون ، أسكن العين استخفافا فلما ، اتصلت بالمدغم كسرها لالتقاء الساكنين.

و «ما» : فى موضع نصب ، على التفسير. وفى «نعم» مرفوع ، وهو ضمير الصدقات ، و «هى» مبتدأ ، وما قبلها الخبر ؛ تقديره : إن تبدوا الصدقات فهى نعم شيئا.

«ويكفر عنكم من سيئاتكم» : من جزمه عطفه على موضع «الفاء» فى قوله «فهو خير لكم» ؛ ومن رفع فعلى القطع ، ومن قرأ بالنون ورفع ، قدّره : ونحن نكفر ، ومن قرأ بالياء ورفع ، قدّره : والله يكفر عنكم.

٢٧٢ ـ (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ

فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ

وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)

«وما تنفقوا» : ما ، فى موضع نصب بوقوع الفعل الذي بعده عليه ، وهو شرط.

«وما تنفقون» : ما ، حرف ناف.

«وأنتم لا تظلمون» : ابتداء وخبر ، فى موضع نصب على الحال ، من الكاف والميم فى «إليكم».

٢٧٣ ـ (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ

الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)

«للفقراء» : اللام ، متعلقة بمحذوف ؛ تقديره : أعطوا للفقراء.

٥٢

«لا يستطيعون ضربا فى الأرض» : فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «أحصروا» ، و «يحسبهم» حال من «الفقراء» أيضا ، وكذلك «تعرفهم» ، وكذلك «لا يسألون الناس إلحافا». ويحسن أن يكون ذلك كله حالا من المضمر فى «أحصروا». ويحتمل أن يكون ذلك كله منقطعا مما قبله لا موضع له من الإعراب ، و «إلحاقا» : مصدر فى موضع الحال.

٢٧٤ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ

عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

«الذين ينفقون أموالهم» : ابتداء وخبر.

«سرا وعلانية» : حالان من المضمر ، فى «ينفقون».

«فلهم أجرهم» : ابتداء وخبر أيضا ، ودخلت الفاء ، لما فى «الذين» من الإبهام ، فشابه بإبهامه الإبهام الذي فى الشرط ، فدلت الفاء فى جوابه على المشابهة بالشرط ، وإنما تشابه «الذي» الشرط إذا كان فى صلته فعل ، نحو : الذي يأتينى فله درهم ، ولو قلت : الذي زيد فى داره فله درهم ، صح دخول الفاء فى خبره ، إذ لا فعل فى صلته ، ولا يكون هذا فى «الذي» إلا إذا لم يدخل عليه عامل يغير معناه ، فإن دخل عليه ما يغير معناه لم يجز دخول الفاء فى خبره ، نحو : إن الذي يقوم زيد ، وليت الذي يخرج عمرو : فلا يجوز دخول الفاء فى خبره لتغير معناه بما دخل عليه.

٢٧٥ ـ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ

مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ

الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ)

«الذين يأكلون» : ابتداء ، وخبره : «لا يقومون» وما بعده.

«الرّبا» : من الواو ، وتثنيته : ربوان ، عند سيبويه ، بالألف. وقال الكوفيون : بالياء. ويثنى بالياء لأجل الكسرة التي فى أوله ، وكذلك يقولون فى ذوات الواو الثلاثية إذا انكسر الأول أو انضم ، نحو : ربا ، وضحى ؛ فإن انفتح الأول كتبوه بالألف وبنوه بالألف ، كما قال البصريون ، نحو : صفا.

«فمن جاءه موعظة» : ذكّر «جاءه» حمله على المعنى ؛ لأنه بمعنى : فمن جاءه وعظ.

وقيل : ذكر ؛ لأن تأنيث الموعظة غير حقيقى ، إذ لا ذكر لها من لفظها.

وقيل : ذكر ، لأنه فرق بين فعل المؤنث وبينه بالهاء.

٥٣

٢٨٠ ـ (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا

خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

«وإن كان ذو عسرة» : كان ، تامة لا تحتاج إلى خبر ؛ تقديره : إن وقع ذو عسرة فهو شائع فى كل الناس. ولو نصب «ذا» على خبر «كان» لصار مخصوصا فى قوم ناعتا لهم ، فلهذه العلة أجمع القراء المشهورون على رفع «ذو».

«فنظرة إلى ميسرة» : ابتداء وخبر ، وهو من التأخير.

«وأن تصدّقوا» : أن ، فى موضع رفع على الابتداء ، و «خير» خبره.

٢٨١ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)

«ترجعون فيه» : فى موضع نصب ، نعت ل «يوم».

٢٨٢ ـ (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ

الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا

أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى

أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ

جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ

كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ..)

«فرجل وامرأتان» : ابتداء ، والخبر محذوف ؛ تقديره : فرجل وامرأتان يقومان مقام الرجلين. وفى «يكون» ضمير «الشهيدين» ، وهو اسم «كان» ، و «رجلين» خبرها.

وقيل : التقدير : فرجل وامرأتان يشهدون. وهذا الخبر المحذوف هو العامل فى «أن تضل».

«أن تضلّ» : موضع نصب ، والعامل فيه الخبر المحذوف ، وهو «يشهدون» ، على تقدير : «لأن» ، كما تقول : أعددت الخشبة ليميل الحائط فأدعمه ؛ وكقول الشاعر :

فلموت ما تلد الوالدة

فأخير بعاقبة الأمر وسببه.

ومن كسر «أن» جعله شرطا ، وموضع الشرط وجوابه رفع ، نعت ل «امرأتين».

«ممّن ترضون من الشهداء» : فى موضع رفع ، صفة ل «رجل وامرأتين». ولا يدخل معهم فى الصفة

٥٤

«شهيدين» ، لاختلاف الإعراب فى الموضعين ، ولا يحسن أن يعمل فى «أن تضل» : «فاستشهدوا» ؛ لأنهم لم يؤمروا بالإشهاد لأن تضل إحدى المرأتين.

«صغيرا أو كبيرا» ، حالان من الهاء فى «تكتبوه» ، وهى عائدة على «الذين».

«ألا ترتابوا» : أن ، فى موضع نصب ؛ تقديره : وأدنى من أن لا ترتابوا.

«إلا أن تكون تجارة» : أن ، فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

ومن رفع «تجارة» جعل «كان» بمعنى : وقع وحدث ، و «تديرونها» : نعت للتجارة.

وقيل : هو خبر «كان».

ومن نصب «تجارة» أضمر فى «كان» اسمها ؛ وتقديره : إلا أن تكون التجارة تجارة مدارة بينكم.

«أن لا تكتبوها» : أن ، فى موضع نصب ؛ تقديره ، فليس عليكم جناح فى أن لا تكتبوها.

«ولا يضار كاتب ولا شهيد» : يجوز أن يكونا فاعلين ، ويكون «يضار» يفاعل.

ويجوز أن يكونا مفعولين لم يسم فاعلهما ، ويكون «يضار» يفاعل. والأحسن أن يكون «يفاعل» ، لأن بعده : «وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم» ، يخاطب الشهداء. والهاء فى «فإنه» تعود على «الذين» ؛ وقيل : بل تعود على المطلوب.

٢٨٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ

بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ

يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)

«فرهان مقبوضة» : فرهان ، مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ تقديره : فرهان مقبوضة تكفى من ذلك.

و «رهان» : جمع : رهن ، كبغل وبغال.

ومن قرأ «فرهن» ، فهو جمع : رهان ، ككتاب وكتب ، ومن أسكن الهاء فعلى الاستخفاف.

وقد قيل : إن «رهنا» ، جمع رهن ، كسقف وسقف.

«فليؤدّ الذي اؤتمن» : الياء التي فى اللفظ فى «الذي» ، فى قراءة ورش ، بدل من الهمزة الساكنة التي هى فاء الفعل فى «اؤتمن» ، وياء «الذي» ، حذفت لالتقاء الساكنين ، كما حذفت إذا خففت الهمزة.

«فإنه آثم قلبه» : آثم ، خبر «إن» ، و «قلبه» رفع بفعله ، وهو : أثم.

ويجوز أن يرفع «آثم» بالابتداء ، و «قلبه» بفعله ، ويسد مسد الخبر. والجملة خبر «إن».

٥٥

ويجوز أن يرفع «القلب» بالابتداء ، و «آثم» خبره ، والجملة خبر «إن».

أو أن يجعل «آثم» خبر «إن» ، و «وقلبه» بدل من الضمير فى «آثم» ، وهو بدل البعض من الكل.

وأجاز أبو حاتم نصب «قلبه» ب «آثم» ؛ فنصب على التفسير ؛ وهو بعيد ؛ لأنه معرفة.

٢٨٤ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ

بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

«فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء» : من جزم عطف على «يحاسبكم» ، الذي هو جواب الشرط.

وروى عن ابن عباس والأعرج أنهما قرءاه بالنصب ، على إضمار «أن» ، وهو عطف على المعنى كما قدمنا فى «فيضاعفه» ؛ فالفاء لعطف مصدر على مصدر حملا على المعنى الأول.

وقرأ عاصم وابن عامر : بالرفع ، على القطع من الأول.

٢٨٥ ـ (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ

وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.)

«كلّ آمن بالله» : ابتداء وخبر. ووحد «آمن» ، لأنه حمل على لفظ «كل» ، ولو حمل على المعنى لقال : كل آمنوا.

«سمعنا وأطعنا» : معناه : قبلنا ما أمرتنا به ، ومنه قول المصلى : سمع الله لمن حمده ؛ أي : قبل منه حمده. ولفظه لفظ الخبر ، ومعناه الدعاء والطلب ؛ مثل قولك : غفر الله لى ، معناه : اللهم اغفر لى.

٢٨٦ ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا

إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا

رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا

فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)

«لا تؤاخذنا ، ولا تحمل علينا ، ولا تحمّلنا» : لفظه كله لفظ النهى ، ومعناه : الطلب ، وهو مجزوم.

«ولا تؤاخذنا» : حكى الأخفش ، آخذه الله بذلك ، وواخذه ، لغتان.

«واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ، فانصرنا» : لفظه كله لفظ الأمر ، ومعناه : الطلب ، وهو مبنى على الوقف عند البصريين ، ومجزوم عند الكوفيين.

«ربّنا» : نداء مضاف.

٥٦

سورة آل عمران

١ ـ الم

«الم» : مثل : «الم ذلك» البقرة : ١ ، ٢ ، فأما فتحة الميم ، فيجوز أن تكون فتحت لسكونها وسكون اللام بعدها ، ويجوز أن تكون فتحت ، لأنه نوى عليها الوقف ، فألقيت عليها حركة ألف الوصل المبتدأ بها ، كما قال : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، فألقوا حركة همزة «أربعة» على الهاء من «ثلاثة» وتركوها على حالها ، ولم يقلبوها تاء عند تحركها ، إذ النية فيها الوقف.

وقال ابن كيسان : ألف «الله» ، وكل ألف مع لام التعريف ، ألف قطع ، بمنزلة «قد» ، وإنما وصلت لكثرة الاستعمال ، فمن حرك الميم ألقى عليها حركة الهمزة التي بمنزلة القاف من «قد» ، ففتحها بفتحة الهمزة.

وأجاز الأخفش كسر الميم لالتقاء الساكنين ؛ وهو غلط لا قياس له ، لنقله

٢ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

«الله لا إله إلا هو» : الله ، مبتدأ. وخبره «نزل عليك الكتاب» الآية : ٣.

«لا إله إلا هو» : لا إله ، فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف ، و «إلا» هو بدل من موضع «لا إله».

وقيل : هو ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من «الله».

وقيل : من المضمر فى «نزل» ؛ تقديره : الله نزل عليك الكتاب متوحد بالربوبية.

وقيل : هو بدل من موضع «لا إله».

«الحىّ القيوم» : نعتان لله. و «القيوم» فيعول ، من : قام بالأمر.

٣ ـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ)

«بالحق» : فى موضع الحال من «الكتاب» ، فالباء متعلقة بمحذوف ؛ تقديره : نزل عليك الكتاب ثابتا بالحق. ولا تتعلق الباء ب «نزل» ؛ لأنه قد تعدى إلى ثالث.

«مصدقا» : حال من المضمر فى «بالحق» ؛ تقديره : نزل عليك الكتاب محققا مصدقا لما بين يديه ؛ وهما حالان مؤكدان.

«التّوراة» : وزنها : فوعلة ، وأصلها : وورية ، مشتقة من : ورى الزند ، فالتاء بدل من واو ، ومن :

٥٧

ورى الزند ، ومن قوله : «تورون» الواقعة : ٧١ ، وقوله : فالموريات «قدحا» العاديات : ٢ ، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ هذا مذهب البصريين.

وقال الكوفيون : وزنها : تفعلة ، من : ورى الزند ، أيضا ، فالتاء غير منقلبة عندهم من واو ، أصلها عندهم : تورية ، وهذا قليل فى الكلام ، و «فوعلة» كثير فى الكلام ، فحمله على الأكثر أولى ، وأيضا فإن التاء لم تكثر زيادتها فى الكلام كما كثرت زيادة الواو ثانية.

٧ ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ

وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ

وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ

مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)

«ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله» : مفعولان من أجلهما.

«والرّاسخون فى العلم» : عطف على «الله» جل ذكره ، فهم يعلمون المتشابه ، ولذلك وصفهم الله بالرسوخ فى العلم ، ولو كانوا جهالا بمعرفة المتشابه ما وصفهم الله بالرسوخ فى العلم.

فأما ما روى عن ابن عباس أنه قرأ : «ويقول الراسخون فى العلم آمنا به» ، فهى قراءة تخالف المصحف ؛ وإن صحت فتأويلها : ما يعلمه إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به ، ثم أظهر الضمير الذي فى «يقولون» ، فقال : ويقول الراسخون. و «الهاء» فى «تأويله» تعود على «المتشابه» ؛ وقيل : تعود على «الكتاب» ، وهو القرآن كله.

١١ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا)

«كدأب آل فرعون» : الكاف ، فى موضع نصب ، على النعت لمصدر محذوف ؛ تقديره ، عن الفراء :

كفرت العرب كفرا ككفر آل فرعون ؛ وفى هذا القول إيهام للتفرقة بين الصلة والموصول.

١٣ ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ

يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)

«فئة» ؛ أي : إحداهما فئة.

«تقاتل». فى موضع النعت ل «فئة» ، ولو خفضت على البدل من «فئتين» لجاز ، وهى قراءة الحسن ومجاهد ، ويكون «أخرى» فى موضع خفض.

٥٨

«وأخرى» : فى موضع رفع على خبر الابتداء ، وهى صفة قامت مقام الموصوف ، وهو «فئة» ؛ تقديره : والأخرى فئة أخرى كافرة.

ويجوز النصب فيهما على الحال ؛ أي : التقتا مختلفتين.

«يرونهم» : من قرأ بالتاء ، فموضعه نصب على الحال من الكاف والميم فى «لكم» ، أو فى موضع رفع على النعت ل «أخرى» ، أو فى موضع خفض على النعت ل «أخرى» ، إن جعلتها فى موضع خفض على العطف على «فئة» ، فى قراءة من خفضها على البدل من «فئتين».

والخطاب فى «لكم» لليهود ؛ وقيل : للمسلمين.

وفى هذه الآية وجوه من الإعراب والمعاني على قدر الاختلاف فى رجوع الضمائر فى قوله «يرونهم مثليهم» وعلى اختلاف المعاني فى قراءة من قرأ بالتاء وبالياء فى «يرونهم».

«مثليهم» : نصب على الحال من الهاء والميم فى «يرونهم» ؛ لأنه من رؤية البصر ، بدلالة قوله «رأى العين» ، والمضمر المنصوب فى «يرونهم» يعود على الفئة الأخرى الكافرة ، والمرفوع ، فى قراءة من قرأ بالياء ، يعود على الفئة المقاتلة فى سبيل الله ؛ والهاء والميم فى «مثليهم» يعودان على الفئة المقاتلة فى سبيل الله.

هذا أبين الأقوال ، وفيها اختلاف كثير.

١٤ ـ (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)

«والله عنده حسن المآب» : الله ، مبتدأ ، و «حسن» ابتداء ثان : و «عنده» خبر «حسن» ، و «حسن» وخبره خبر عن «الله».

و «المآب» : وزنه : مفعل ، وأصله : مأوب ، ثم نقلت حركة الواو على الهمزة ، وأبدل من الواو ألف ، مثل :

مقال ، ومكال.

١٥ ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)

«جنّات» : ابتداء ، و «للذين» الخبر ، واللام متعلقة بالخبر المحذوف ، الذي قامت اللام مقامه ، بمنزلة قولك : لله الحمد.

ويجوز الخفض فى «جنات» على البدل من «بخير» ، على أن يجعل اللام فى «للذين» متعلقة ب «أؤنبئكم» ،

٥٩

أو تجعلها صفة ل «خير» ؛ ولو جعلت اللام متعلقة بمحذوف قامت مقامه لم يجز خفض «جنات» ؛ لأن حروف الجر والظروف إذا تعلقت بمحذوف تقوم مقامه صار فيها ضمير مقدر مرفوع ، واحتاجت إلى ابتداء يعود عليه ذلك الضمير ، كقولك : لزيد مال ، وفى الدار زيد ، وخلفك عمرو ؛ فلا بد من رفع «جنات» إذا تعلقت اللام بمحذوف.

ولو قدرت أن تتعلق اللام بمحذوف ، على أن لا ضمير فيها ، رفعت «جنات» بفعلها ؛ وهو مذهب الأخفش فى رفعه ما بعد الظروف وحروف الخفض بالاستقرار. وإنما يحسن ذلك عند حذاق النحويين إذا كانت الظروف ، أو حروف الخفض ، صفة لما قبلها ، فحينئذ يتمكن ويحسن رفع الاسم بالاستقرار ، وكذلك إن كانت أحوالا مما قبلها.

١٦ ـ (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ)

«الذين» ، فى موضع الخفض بدل من «للذين اتقوا» الآية : ١٥ ، وإن شئت : فى موضع رفع على تقدير «هم» ، وإن شئت : فى موضع نصب على المدح.

١٧ ـ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ)

«الصّابرين» : بدل من «الذين» ، على اختلاف الوجوه المذكورة.

١٨ ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)

«قائما بالقسط» : حال مؤكدة.

١٩ ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ

ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)

من فتح «إن» ، وهى قراءة الكسائي ، جعلها بدلا من «أن» الأولى فى قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الآية : ١٧ ، بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.

ويجوز أن يكون البدل بدل الاشتمال ، على تقدير اشتمال الثاني على الأول ؛ لأن الإسلام يشتمل على شرائع كثيرة ، منها التوحيد المتقدم ذكره ، وهو بمنزلة قولك : سلب زيد ثوبه.

ويجوز أن تكون «أن» فى موضع خفض بدلا من «القسط» ، بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.

«بغيا بينهم» ، مفعول من أجله ؛ وقيل : حال من «الذين».

«ومن يكفر بآيات الله» : من ، شرط ، فى موضع رفع بالابتداء ، و «فإنّ الله سريع الحساب» :

٦٠