الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

٧ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)

«وإذ يعدكم الله» : فى موضع نصب بفعل مضمر ؛ تقديره : واذكر يا محمد إذ يعدكم.

«أنّها لكم» : أن ، بدل من إحدى ، وهو بدل الاشتمال ؛ و «إحدى» ، مفعول ثان ل «يعد» ، وتقديره : وإذ يعدكم الله ملك إحدى الطائفتين ؛ وإنما قدرت حذف مضاف ؛ لأن الوعد لا يقع على الأعيان ، وإنما يقع على الأحداث.

٩ ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)

روى عن عاصم أنه قرأ : آلف ، جعله جمع «ألف» ، جمع فعلا ، على أفعل ، كفلس ، وأفلس. وتصديق هذه القراءة قوله (بِخَمْسَةِ آلافٍ) ٣ : ١٢٥ ، فآلاف جمع «ألف» ، لما دون العشرة ، فهى واقعة على خمسة آلاف المذكورة فى آل عمران.

«مردفين» : من فتح الدال جعله حالا من الكاف والميم فى «ممدكم» ، أو نعت ل «ألف» ؛ تقديره : متبعين بألف ؛ والهاء فى «جعله» تعود على «الألف» ؛ لأنه مذكر.

وقيل : تعود على «الإرداف» ؛ ودل عليه قوله «مردفين».

وقيل : تعود على الإمداد ، ودل عليه قوله «ممدكم».

وقيل : تعود على قبول الدعاء ؛ ودل عليه قوله «فاستجاب لكم».

وكذلك الهاء فى «به» يحتمل الوجوه كلها ، ويحتمل أن يعود على «البشرى» ؛ لأنها بمعنى الاستبشار.

ومن كسر الدال فى «مردفين» جعله صفة ل «ألف» ؛ معناه : أردفوا بعدد آخر خلفهم ، والمفعول محذوف ، وهو «عدد».

وقيل : معنى الصفة أنهم جاءوا بعد اليأس ؛ أردفوهم بعد استعانتهم.

حكى أبو عبيد : ردفنى ، وأردفنى ، بمعنى : تبعني ، وأكثر النحويين على أن «أردفه» : حمله خلفه ، و «ردفه» : تبعه ، وحكاه النحاس عن أبى عبيد أيضا ، فلا يحسن على هذا أن يكون صفة للملائكة ، إذ لا يعلم من صفتهم أنهم حملوا خلفهم أحدا من الناس.

١٨١

١١ ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ)

«أمنة» : مفعول من أجله.

١٢ ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي

فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)

«فوق الأعناق» ؛ أي : الرءوس ، و «فوق» ، عند الأخفش : زائدة ، والمعنى : اضربوا الأعناق قال المبرد : «فوق» : يدل على إباحة ضرب وجوههم ؛ لأنها فوق الأعناق.

«كلّ بنان» : يعنى : الأصابع وغيرها من الأعضاء.

١٣ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ

فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)

«ذلك بأنّهم» : ذلك ، فى موضع رفع على الابتداء ؛ أو على أنه خبر ابتداء ؛ تقديره : الأمر ذلك ؛ أو : ذلك الأمر.

«ومن يشاقق الله» : من ، شرط فى موضع رفع بالابتداء ، والخبر : «فإن الله شديد العقاب».

١٤ ـ (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ)

«أن» : فى موضع رفع ، عطف على «ذلكم» ، و «ذلكم» فى موضع رفع ، مثل «ذلك» المتقدم ، الآية : ١٣

وقال الفراء : «وأن للكافرين» : فى موضع نصب ، على تقدير حذف حرف الجر ، أي : وبأن للكافرين.

ويجوز أن يضمر : واعلم أن.

والهاء فى «فذوقوه» ترجع إلى «ذلكم» ، وذلكم : إشارة إلى القتل يوم بدر.

١٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ)

«زحفا» : مصدر ، فى موضع الحال.

١٦ ـ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ

باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

«متحرّفا ، أو متحيزا» : نصب على الحال من المضمر المرفوع فى «يولهم».

١٨٢

١٧ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى

وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

«منه بلاء» : الهاء فى «منه» : تعود على الظفر بالمشركين.

وقيل : على الرمي.

١٨ ـ (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ)

«وأنّ الله» : أن ، فى موضع نصب ، على تقدير : ولأن الله.

ويجوز الكسر على الاستئناف.

٢٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)

«وأنتم تسمعون» : ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من المضمر فى «تولوا» ، ومثله : «وهم معرضون» الآية : ٢٣

٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

«وتخونوا» : جزم على العطف على «لا تخونوا».

وإن شئت كان نصبا على جواب النهى بالواو.

٣٢ ـ (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً

مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)

«هو» : فاصلة ، تؤذن أن الخبر معرفة ، أو قارب المعرفة.

وقيل : دخلت لتؤذن أن «كان» ليست بمعنى : وقع وحدث ؛ وأن الخبر منتظر.

وقيل : دخلت لتؤذن أن ما بعدها خبر ، وليس بنعت لما قبلها.

وقال : الأخفش : «هو» : زائدة ، كما زيدت «ما».

وقال الكوفيون : «هو» : عماد.

٣٤ ـ (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

«لا يعذّبهم» : «أن» ، فى موضع نصب ؛ تقديره : من أن لا يعذبهم.

١٨٣

وذكر الأخفش أن «أن» زائدة ، وهو قد نصب بها ، وليس هذا حكم الزائد.

«وهم يصدّون» ، ابتداء وخبر ، فى موضع الحال من المضمر المنصوب فى «يعذبهم الله».

٣٥ ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)

«المكاء» : الصفير ، وهو مصدر كالدعاء ، والهمزة بدل من واو ، لقولهم : مكا يمكو ، إذا نفخ.

وقرأ الأعمش «وما كان صلاتهم» بالنصب ، و «إلا مكاء وتصدية» ، بالرفع ، وهذا لا يجوز إلا فى شعر عند ضرورة ، لأن اسم «كان» هو المعرفة وخبرها هو النكرة ، فى أصول الكلام والنظر والمعنى.

«وتصدية» : من صد يصد ، إذا ضج ، وأصله : تصدد ، فأبدلوا من إحدى الدالين ياء ، ومعناه : ضجا بالتصفيق.

وقيل : هو من : صد يصد ، إذا منع.

وقيل : هو من «الصدى» : المعارض لصوتك من جبل أو هواء ؛ فكان المصفق يعارض بتصفيقه من يريد فى صلاته ، فالياء أصلية على هذا.

٤١ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)

«أنّما غنمتم» : ما ، بمعنى ، الذين ، والهاء ، محذوفة من الصلة ؛ تقديره : غنمتموه ؛ والخبر «فأن لله خمسه». وعلة فتح «أن» فى هذا أنها خبر ابتداء محذوف ؛ تقديره : فحكمه أن لله خمسه.

وقيل : «أن» : مؤكد للأولى ، وهذا لا يجوز ، لأن «أن» الأولى تبقى بغير خبر ، ولأن الفاء تحول بين المؤكد وتأكيده ، ولا يحسن زيادتها فى مثل هذا الموضع.

٤٢ ـ (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ

وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ

مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)

«أسفل» : نعت لظرف محذوف ؛ تقديره : والركب مكانا أسفل.

وأجاز الأخفش والفراء ، والكسائي «أسفل» ، بالرفع ، على تقدير محذوف من أول الكلام ؛ تقديره : وموضع الركب أسفل منكم.

١٨٤

«من حىّ» : من أظهر الياءين جعل الماضي تبعا للمستقبل ، فلما لم يجز الإدغام فى المستقبل ، لأن حركته غير لازمة ، يتنقل من رفع إلى نصب أو إلى جزم ، أجرى الماضي مجراه ، وإن كانت حركة لامه لازمة ، على أن حركة لام الماضي قد تسكن أيضا لاتصالها بمضمر مرفوع ، فقد صارت هى مثل «لام» المستقبل ، فجرت فى الإظهار مجراه.

فأما من أدعم فللفرق بين ما تلزم لامه الحركة كالماضى ، وما تلزم لامه حركة تتنقل ، كالمستقبل فى قوله (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) ٢٢ : ٦ ، هذا لا يجوز إدغامه ، فأدغم الماضي لاجتماع المثلين ، وحسن الإدغام للزوم الحركة «لامه».

وقد انفرد الفراء بجواز الإدغام فى المستقبل ، ولم يجزه غيره.

٤٣ ـ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً)

«إذ يريكهم» : العامل فى «إذ» : فعل مضمر ؛ تقديره : واذكر يا محمد إذ يريكهم.

٤٤ ـ (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً)

«وإذ يريكموهم» : عطف على «إذ» الأولى ، ورجعت الواو مع ميم الجمع مع المضمر ؛ لأن المضمر يرد المحذوفات إلى أصولها.

وأجاز يونس حذف الواو مع المضمر ، أجاز «يريكهم» ، بإسكان الميم وبضمها من غير واو ؛ والإثبات أحسن وأفصح ، وبه أتى القرآن.

٤٧ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ)

«بطرا» : مصدر فى موضع الحال ؛ والبطر : أن يتقوى بنعم الله على المعاصي.

٤٨ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ

وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ)

«جار» : تجمع على : أجوار ، فى القليل ، وجيران ، فى الكثير ، وعلى : جيرة.

٥٠ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ

وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)

«يضربون» : فى موضع نصب على الحال من «الملائكة» ؛ ولو جعلته حالا من «الذين كفروا» لجاز. ولو كان فى موضع «يضربون» : ضاربين ، لم يجز ، حتى يظهر الضمير ؛ لأن اسم الفاعل إذا جرى صفة أو حالا أو خبرا أو عطف على غير ما هو له ، لم يجز أن يستتر فيه ضمير فاعله ، ولا بد من إظهاره ؛ لو قلت : رأيت معه امرأة ضاربها غدا والساعة ، فرفعت «ضاربها» على النعت للمرأة ، لم يجز حتى تقول : ضاربها هو ؛ لأن الفعل ليس لها ، فإن نصبت على النعت ل «رجل» جاز ؛ ولم تحتج إلى إظهار الضمير ؛ لأن الفعل له ، فإن كان فى موضع «ضاربها» : يضربها ، جاز على الوجهين.

١٨٥

٥١ ـ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)

«أن» : فى موضع خفض عطف على «ما» فى قوله «بما قدمت».

وإن شئت : فى موضع نصب على حذف الخافض ؛ تقديره : وبأن الله.

وإن شئت : فى موضع رفع عطف على «ذلك» ، أو على : إضمار «ذلك».

٥٢ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ

بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)

«آل فرعون» : الكاف ف «كدأب» ، فى موضع نصب ، نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : فعلنا بهم ذلك فعلا مثل عادتنا فى آل فرعون إذ كفروا. والدأب : العادة ، ومثله الثاني (الآية : ٥٤) ، إلا أن الأول للعادة ، فى التعذيب ، والثاني للعادة فى التغيير ؛ وتقدير الثاني : غيرنا بهم لما غيروا تغييرا مثل عادتنا فى آل فرعون لما كذبوا.

٥٨ ـ (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ

لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)

«فانبذ إليهم» : المفعول محذوف ؛ تقديره : فانبذ إليهم العهد وقاتلهم على إعلامك لهم.

وفى صدر الآية حذف آخر ؛ تقديره : وإما تخافن من قوم ، بينك وبينهم عهد ، خيانة فانبذ إليهم ذلك العهد ؛ أي : رده عليهم إذا خفت نقضهم العهد ، وقاتلهم على إعلام منك لهم ، وهذا من لطيف معجز القرآن واختصاره ، إذ قد جمع المعاني الكثيرة الأوامر والأخبار فى اللفظ اليسير.

٥٩ ـ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ)

«يحسبنّ» : من قرأه بالتاء جعله خطابا للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لتقدم مخاطبته فى صدر الكلام و «الذين» مفعول أول ، و «سبقوا» فى موضع المفعول الثاني.

ومن قرأه بالياء جعله للكفار ، ففيه ضميرهم ، لتقدم ذكرهم فى قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الآية : ٥٥ ، وفى قوله (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) الآية : ٥٦ ، و (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الآية : ٥٧

١٨٦

وقوله «إليهم» الآية : ٥٨ ، فالمفعول الأول مضمر ، و «سبقوا» فى موضع الثاني ؛ تقديره : لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا.

وقيل : «أن» مضمرة مع «سبقوا» ، فسدت مسد المفعولين ، كما سدت فى قوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) الآية ٢٩ : ٢ ؛ تقديره : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا.

قال سيبويه فى قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) الآية ٢٩ : ٦٤ ؛ أن تقديره : أن أعبد ، ثم حذفت «أن» فرفع الفعل.

وقيل : الفاعل ، فى قراءة من قرأ بالياء ، هو النبي ـ عليه‌السلام ـ فيكون مثل قراءة التاء ، و «الذين كفروا» و «سبقوا» : مفعولا «حسب».

وقيل : فاعل «حسب» مضمر فيه ؛ تقديره : ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا ، ف «الذين كفروا» و «سبقوا» : مفعولا «حسب».

ومن فتح «أنهم لا يعجزون» جعل الكلام متعلقا بما قبله ؛ تقديره : سبقوا لأنهم ، ف «أن» فى موضع نصب بحذف حرف الجر ؛ معناه : ولا تحسبن الذين كفروا فاتوا الله ؛ لأنهم لا يفوتون الله.

ومن كسر «إن» فعلى الابتداء والقطع.

٦٠ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ

وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ)

«به» : الهاء ، تعود على «ما».

وقيل : على «الرباط».

وقيل : على الإعداد.

«والقوة» : هى الرمي ، وقيل : هى الحصون ، وقيل : ركوب الخيل.

و «رباط الخيل» ب : الإناث.

«وآخرين من دونهم» : منصوب : على «عدو الله».

٦٤ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

«من» : فى موضع نصب على العطف ، على معنى الكاف فى «حسبك» ؛ لأنها فى التأويل فى موضع نصب ؛ لأن معنى «حسبك الله» : يكفيك الله ، فعطفت «من» على المعنى.

١٨٧

وقيل : «من» ، فى موضع رفع ، عطف على اسم الله ـ عزوجل ـ أو على الابتداء ، وتضمر الخبر ؛ أي : ومن اتبعك من المؤمنين كذلك.

وقيل : فى موضع رفع عطف على «حسب» : لقبح عطفه على اسم الله ، لما جاء من الكراهة فى قول المرء : ما شاء الله وشئت ، ولو كان ب «الفاء» و «ثم» لحسن العطف على اسم الله ـ جل ذكره.

٦٨ ـ (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)

«كتاب» : رفع بالابتداء ، والخبر المحذوف ؛ تقديره : لو لا كتاب من الله تدارككم ، وهو ما تقدم فى اللوح المحفوظ من إباحة الغنائم لهذه الأمة.

وقيل : هو ما سبق أن الله لا يعذب إلا بعد إنذار.

وقيل : هو ما سبق أن الله يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر.

وقيل : هو ما سبق أن الله يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر «لمسّكم» : جواب «لو لا».

٦٩ ـ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

«حلالا طيّبا» : حال من المضمر فى «فكلوا مما».

٧١ ـ (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ

وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

«خيانة» : تجمع على : خياين ، وأصل «الياء» الأولى : الواو ؛ لأنه من : خان يخون ، إلا أنهم فرقوا بالياء بينه وبين جمع : خائنة وخوائن.

٧٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ

آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ ، بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ

مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا)

«من ولايتهم» : من فتح الواو ، جعله مصدر «الولي» ؛ يقال : هو الولي ، ومولى بين الولاية ، بالفتح.

ومن كسر الواو ، جعله مصدر ل «وال» ، يقال : هو وال بين الولاية.

وقد قيل : هما لغتان فى مصدر «الولي».

١٨٨

٧٣ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ

وَفَسادٌ كَبِيرٌ)

«إلا تفعلوه» : الهاء ، تعود على : التناصر ، وقيل : تعود على : التوارث ؛ أي : إلا تفعلوا التوارث على القرابات ، كما تعبدكم الله ، وتتركوا التوارث بالهجرة ، يكن فى الأرض فتنة وفساد ، وإلا تفعلوا التناصر فى الدين تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير بالكفر.

ـ ٩ ـ

سورة التوبة

١ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

«براءة» : مصدر مرفوع بالابتداء ، و «من الله» : نعت ، ولذلك حسن الابتداء بالنكرة.

ولك أن ترفع «براءة» على إضمار مبتدأ ؛ أي : هذه براءة.

«من الله» : فتحت النون لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى بها لكثرة الاستعمال ، ولئلا تجتمع كسرتان.

وبعض العرب يكسر على القياس.

٣ ـ (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ

الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

«وأذان» : عطف على «براءة» ، وخبره : «إلى الناس» ، فهو عطف جملة على جملة.

وقيل : خبر الابتداء : «أن الله برىء» ، على تقدير : لأن الله.

«من الله» : نعت ل «أذان» ، ولذلك حسن الابتداء ، بالنكرة ، ومعنى «أذان من الله» : إعلام من الله.

«يوم الحج» : العامل فيه الصفة ، لا «أذان».

وقيل : العامل فيه «مخزى» الآية : ٢ ، ولا يحسن أن يعمل فيه «أذان» ؛ لأنك قد وصفته فخرج عن حكم الفعل.

١٨٩

«أنّ الله برىء» : أن ، فى موضع نصب ، على تقدير : اللام أو الباء ؛ لأنك إن جعلته خبرا ل «أذان» فليس هو هو ، فلا بد من تقدير حذف الجر على كل حال.

«ورسوله» : ارتفع على الابتداء ، والخبر محذوف ؛ أي : ورسوله برىء أيضا من المشركين ، فحذف لدلالة الأول عليه.

وقد أجاز قوم رفعه على العطف على موضع اسم الله قبل دخول «أن» ، وقالوا : «الأذان» بمعنى : القول ، فكأنه لم يغير معنى الكلام بدخوله.

ومنع ذلك جماعة ، لأن «أن» المفتوحة قد غيرت معنى الابتداء ، إذ هى وما بعدها مصدر ، فليست كالمكسورة التي لا تدل على غير التأكيد ، فلا يغير معنى الابتداء دخولها.

فأما عطف «ورسوله» على المضمر المرفوع فى «برىء» ، فهو قبيح عند كثير من النحويين حتى تؤكده ، لأن المجرور يقوم مقام التأكيد ، فعطفه على المضمر المرفوع فى «برىء» حسن جيد. وقد أتى العطف على المضمر المرفوع فى القرآن من غير تأكيد ، ولا ما يقوم مقام التأكيد ؛ قال الله جل ذكره : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) ٦ : ١٤٨ ، فعطف «الآباء» على المضمر المرفوع ، ولا حجة فى دخول «لا» ؛ لأنها إنما دخلت بعد واو العطف.

والذي يقوم مقامه التأكيد ، إنما يأتى قبل واو العطف فى موضع التأكيد ، والتأكيد لو أتى به لم يكن إلا قبل واو العطف ، نحو قوله : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) ٥ : ٢٧ ، ولكن جاز ذلك ، لأن الكلام قد طال بدخول «لا» ، فقام الطول مقام التأكيد.

وقرأ موسى بن عمر : «ورسوله» ، بالنصب ، عطفا على اللفظ.

٥ ـ (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ

وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)

«كلّ مرصد» : تقديره : على كل ، فلما حذف «على» نصب.

وقيل : هو ظرف

٦ ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ)

«وإن أحد» : ارتفع «أحد» بفعله ، تقديره ؛ وإن استجارك أحد ؛ لأن «إن» من حروف الجزاء ، فهى بالفعل أن يليها أولى.

١٩٠

٨ ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً)

«كيف وإن يظهروا» : المستفهم عنه محذوف ؛ تقديره : كيف لا تقتلونهم؟.

وقيل : التقدير : كيف يكون لهم عهد.

١٢ ـ (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)

وزن «أئمة» : أفعلة ؛ جمع : إمام ؛ فأصلها : أأممة ، ثم ألقيت حركة الميم الأولى على الهمزة الساكنة. وأدغمت فى الميم الثانية ، وأبدل من الهمزة المكسورة ياء مكسورة.

١٣ ـ (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ

أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

«فالله أحق أن تخشوه» : مبتدأ ، و «أن تخشوه» : ابتداء ثان ، و «أحق» : خبر ، والجملة خبر الأول.

ويجوز أن يكون «الله» : مبتدأ ، و «أحق» : خبره ، و «أن» : فى موضع نصب على حرف الجر ، ومثله :

(أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ٩ : ٦٢ ؛ و «أحق» ، فى الموضعين : أفعل ، معها تقدير حذف به يتم الكلام ، تقديره : «فالله أحق من عبده بالخشية» ؛ إن قدرت حرف الجر.

وإن جعلت «إن» بدلا ، أو ابتداء ثانيا ؛ فالتقدير : فخشية الله أحق من خشية غيره.

وكذلك تقدير : «أحق أن يرضوه».

١٦ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ)

«أن تتركوا» : أن ، فى موضع نصب ب «حسب» ، ويسد مسد المفعولين ، ب «حسب» ، عند سيبويه.

وقال المبرد : هى مفعول أول ، والمفعول الثاني محذوف.

١٩ ـ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)

فى هذا الكلام حذف مضاف من أوله ، أو من آخره ؛ تقديره ، إن كان الحذف من أوله : أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وأصحاب عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله؟

وإن قدرت الحذف من آخره ، كان تقديره : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله؟

وإنما احتيج إلى هذا ليكون المبتدأ هو الخبر فى المعنى ، وبه يصح الكلام والفائدة.

١٩١

٢١ ـ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ)

«لهم فيها نعيم» : ابتداء وخبر فى موضع النعت ل «جنات» ، فالهاء فيها ل «جنات» ، وهو جمع بالألف والتاء يراد به الكثرة.

وقيل : هى ترجع على الرحمة ، وقيل : هى ترجع إلى البشرى ، ودل على ذلك قوله «يبشرهم».

٢٥ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ

تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)

«ويوم حنين» : نصب «يوما» على العطف على موضع فى «مواطن» ؛ تقديره : ونصركم يوم حنين.

«ثمّ ولّيتم مدبرين» : نصب «مدبرين» على الحال المؤكدة ، ولا يجوز أن يكون على الحال المطلقة ؛ لأن قوله «ثم وليتم» يدل على الابتداء ، والحال مؤكدة لما دل عليه صدر الكلام ، بمنزلة قوله تعالى (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) ٢ : ٩١ ، وقوله (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) ٦ : ١٥٣

٣٠ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ)

من نون «عزيرا» رفعه بالابتداء ، و «ابن» : خبره ، ويحسن حذف التنوين على هذا من «عزير» لالتقاء الساكنين ، ولا تحذف ألف «ابن» من الخط ، وتسكن النون لالتقاء الساكنين.

ومن لم ينون «عزيرا» جعله أيضا مبتدأ ، و «ابن» : صفة له ، فيحذف التنوين على هذا استخفافا ولالتقاء الساكنين ، ولأن الصفة والموصوف كاسم واحد ، وتحذف ألف «ابن» من الخط ، والخبر مضمر ؛ تقديره :

عزير بن الله صاحبنا ، أو نبينا ؛ أو يكون هذا المضمر هو المبتدأ ، «وعزير» : خبره.

ويجوز أن يكون «عزير» مبتدأ ، و «ابن» : خبره ، ويحذف التنوين لالتقاء الساكنين ، إذ هو شبيه بحروف المد واللين ، فثبتت ألف «ابن» فى الخط ، إذ جعلته خبرا.

وأجاز أبو حاتم أن يكون «عزيرا» اسما أعجميا لا ينصرف ، وهو بعيد مردود ؛ لأنه لو كان أعجميا لانصرف ، لأنه على ثلاثة أحرف ، وياء التصغير لا يعتد بها ، ولأنه عند كل النحويين «عزير» مشتق من قوله (وَتُعَزِّرُوهُ) ٤٨ : ٩

٣٢ ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ

نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)

«إلا أن يتم» : إنما دخلت «إلا» ؛ لأن «يأبى» فيه معنى المنع ، والمنع من باب النفي ، فدخلت «إلا»

١٩٢

«للإيجاب ؛ وفى الكلام حذف ؛ تقديره : ويأبى الله كل شىء يريدونه من كفر إلا أن يتم نوره ، ف «إن» فى موضع نصب على الاستثناء.

٣٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ

بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها

فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)

«ولا ينفقونها» : الهاء ، تعود على «الكنوز» ، ودل عليه قوله «يكنزون».

وقيل : تعود على «الأموال» ؛ لأن الذهب والفضة : أموال.

وقيل : تعود على «الفضة» ، وحذف ما يعود على الذهب لدلالة الثاني عليه.

وقيل : تعود على «الذهب» ؛ لأنه يؤنث ويذكر.

وقيل : تعود على «النفقة» ؛ ودل على ذلك «ينفقون».

وقيل : إنها تعود على الذهب والفضة ، بمعنى : «ولا ينفقونهما» ، ولكن اكتفى برجوعها على «الفضة» من رجوعها على «الذهب» ؛ كما تقول العرب : أخوك وأبوك رأيته ؛ يريدون : رأيتهما.

والهاء ان فى قوله : «عليها» ، و «بها» : تحتمل كل واحدة منهما الوجوه التي فى الهاء فى «ينفقونها» المذكورة.

٣٦ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ

وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا

الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

«كافة» : مصدر فى موضع الحال ، بمنزلة قولك : عافاك الله عافية ، ورأيتهم عامة وخاصة.

«كتاب» : مصدر عامل فى «يوم» ، ولا يجوز أن يكون «كتاب» هنا ، يعنى به الذكر ولا غيره من الكتب ، لأنه يمتنع حينئذ أن يعمل فى «يوم» ؛ لأن الأسماء التي تدل على الأعيان لا تعمل فى الظروف ؛ إذ ليس فيها من معنى الفعل شىء ، فأما «فى» فهى متعلقة بمحذوف هو صفة ل «اثنى عشر» ، الذي هو خبر ، كأنه قال : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا مثبتة فى كتاب الله يوم خلق ؛ ولا يحسن أن يتعلق «فى» ب «عدة» ، لأنك تفرق بين الصلة والموصول بالخبر ، وهو : اثنا عشر.

١٩٣

٤٠ ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ

إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ

بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ

هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

«ثانى اثنين» : ثانى ، نصب على الحال من الهاء فى «أخرجه» ، وهو يعود على النبي ـ عليه‌السلام ـ ؛ تقديره : إذ أخرجه الذين كفروا منفردا من جميع الناس إلا أبا بكر ، ومعناه : أحد اثنين.

وقيل : هو حال من مضمر محذوف ؛ تقديره : فخرج ثانى اثنين ، والهاء فى «عليه» : تعود على أبى بكر رضى الله عنه ؛ لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد علم أنه لا يضره شىء ، إذ كان خروجه بأمر الله ـ عزوجل ـ له.

وأما قوله «فأنزل الله سكينته على رسوله» ، والسكينة على الرسل نزلت يوم حنين ، لأنه خاف على المسلمين ولم يخف على نفسه ، فنزلت عليه السكينة من أجل المؤمنين ، لا من أجل خوفه على نفسه.

«وكلمة الله هى العليا» : كل القراء على رفع «كلمة» على الابتداء ، وهو وجه الكلام.

وقد قرأ الحسن ويعقوب الحضرمي بالنصب فى «كلمة» الثانية ب «جعل» ، وفيه بعد من المعنى ومن الإعراب.

أما المعنى : فإن «كلمة الله» لم تزل عالية ، فبعد نصبها ب «جعل» ، لما فى هذا من أنها صارت عليا وحدث ذلك فيها ، ولا يلزم ذلك فى «كلمة الذين كفروا» ؛ لأنها لم تزل مجعولة كذلك سفلى بكفرهم.

وأما امتناعه من الإعراب ، فإنه يلزم ألا يظهر الاسم ، وأن يقال : وكلمته هى العليا ، وإنما جاز إظهار الاسم فى مثل هذا فى الشعر ؛ وقد أجازه قوم فى الشعر وغيره ، وفيه نظر ، لقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) ٩٩ : ٢

٤١ ـ (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)

«خفافا وثقالا» : نصب على الحال من الضمير فى «انفروا» ؛ أي : انفروا رجالا وركبانا.

وقيل : معناه : شبابا وشيوخا.

٤٤ ـ (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا)

«أن يجاهدوا» : أن ، فى موضع نصب على حذف «فى» ؛ أي : فى أن يجاهدوا.

١٩٤

وقيل : تقديره : كراهية أن يجاهدوا.

٤٧ ـ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ

وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)

«يبغونكم» : فى موضع الحال من المضمر فى «ولأوضعوا» ، و «خلالكم» : نصب على الظرف.

٥١ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

«إلا ما كتب» : ما ، فى موضع رفع ب «يصيبنا».

٥٣ ـ (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ)

«طوعا أو كرها» : مصدران فى موضع الحال ؛ أي : طائعين أو كارهين.

٥٤ ـ (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ)

«أن تقبل» : أن ، فى موضع نصب ، و «أن» فى قوله «أنهم» فى موضع رفع ب «منع» لأنها فاعلة.

٦١ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ

وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ)

«قل أذن خير لكم» ؛ أي : هو مستمع ما يجب استماعه وقابل ما يجب قبوله. والمراد «بالأذن» : هو جملة صاحب الأذن ، وهو النبي عليه‌السلام ؛ أي : هو مستمع خير وصلاح ، لا مستمع شر وفساد.

«ورحمة» : من رفع عطفها على «أذن» ؛ أي : هو مستمع خير ، وهو رحمة للذين آمنوا ، فجعل النبي هو الرحمة ، لكثرة وقوعها به وعلى يديه.

وقيل : تقديره : هو ذو رحمة.

وقد قرأ حمزة بالخفض فى «رحمة» ، عطفها على «خير» ؛ أي : هو إذن رحمة ؛ أي : مستمع رحمة ، فكما أضاف «أذنا» إلى «الخير» أضافه إلى الرحمة ؛ لأن الرحمة من الخير ، والخير من الرحمة.

ولا يحسن عطف «رحمة» على «المؤمنين» ؛ لأن اللام فى «المؤمنين» زائدة ؛ وتقديره : ويؤمن للمؤمنين ؛ أي : يصدقهم.

ولا يحسن أن يصدق الرحمة ؛ إلا أن يجعل «الرحمة» هنا : القرآن ، فيجوز عطفها على «المؤمنين» وتنقطع مما قبلها.

١٩٥

والتفسير يدل على أنها متصلة ب «أذن خير لكم» ؛ لأن فى قراءة أبى وابن مسعود : «ورحمة لكم» بالخفض ، وكذلك قراءة الأعمش ، فهذا يدل على العطف على «الخير» ، وهو وجه الكلام.

٦٢ ـ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ)

مذهب سيبويه أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها ؛ تقديره عنده : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ؛ فحذف «أن يرضوه» الأول ، لدلالة الثاني عليه ، فالهاء على قوله فى «يرضوه» تعود على الرسول عليه‌السلام.

وقال المبرد : لا حذف فى الكلام ، ولكن فيه تقديم وتأخير ؛ تقديره عنده : أحق أن يرضوه ورسوله ؛ فالهاء ، فى «يرضوه» ، على قول المبرد ، تعود على الله جل ذكره.

وقال الفراء : المعنى : ورسوله أحق أن يرضوه ؛ و «الله» : افتتاح كلام.

ويلزم المبرد من قوله أن يجوز : ما شاء الله وشئت ، بالواو ، لأنه يجعل الكلام جملة واحدة. ولا يلزم سيبويه ذلك ؛ لأنه يجعل الكلام جملتين ؛ فقول سيبويه هو المختار فى الآية. و «الله» مبتدأ ، و «أن يرضوه» : بدل ، و «أحق» : الخبر.

وإن شئت كان «الله» : مبتدأ ، و «أن يرضوه» : ابتداء ثان ، و «أحق» : خبره ، والجملة : خبر الأول.

ومثله (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) الآية : ١٣ ، وقد مضى شرحه بأبين من هذا.

٦٣ ـ (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ

الْخِزْيُ الْعَظِيمُ)

«فأنّ له نار جهنم» : مذهب سيبويه أن «أن» مبدلة من الأولى ، فى موضع نصب ب «تعلموا».

وقال الجرمي ، والمبرد : هى مؤكدة للأولى ، فى موضع نصب ب «تعلموا».

والفاء : زائدة ، على هذين القولين.

ويلزم فى القولين ، جواز البدل والتأكيد قبل تمام المؤكد ، فالقولان عند أهل النظر ناقصان ؛ لأن «أن» من قوله : «ألم يعلموا أنه» يتم الكلام قبل الفاء ، فكيف يبدل منها ويؤكد قبل تمامها ؛ وتمامها هو الشرط وجوابه ، لأن الشرط وجوابه خبر «أن» ، ولا يتم إلا بخبرها.

١٩٦

وقال الأخفش : هى فى موضع رفع ؛ لأن الفاء قطعت ما قبلها مما بعدها ؛ تقديره : فوجوب النار له.

وقال على بن سليمان : «أن» : خبر ابتداء محذوف ؛ تقديره : فالواجب أن له نار جهنم.

فالفاء فى هذين القولين : جواب الشرط ، والجملة خبر «أن».

وقال غيرهما : إن «أن» من ف «أن» مرفوعة بالاستقرار ، على إضمار مجرور بين الفاء و «أن» ؛ تقديره :

فله أن نار جهنم ؛ وهو قول الفارسي واختياره.

٦٤ ـ (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ)

«أن تنزّل» : أن ، فى موضع نصب ، على حذف حرف الجر ، تقديره : «من أن تنزل».

ويجوز على قياس قول الخليل وسيبويه ، أن يكون فى موضع خفض على زيادة «من» ؛ لأن حرف الجر قد كثر حذفه مع «أن» فعمل مضمرا ، ولا يجوز ذلك عندهما مع غير «أن» ، لكثرة حذفه مع «أن» خاصة

٦٩ ـ (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا

بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ)

«كالذين من قبلكم» : الكاف ، فى موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، تقديره : وعدا كما وعد الذين من قبلكم.

«كما استمتع» : الكاف ، فى موضع نصب ، نعت لمصدر محذوف ، تقديره : استمتاعا كاستمتاع الذين من قبلكم.

٧٩ ـ (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ

لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ)

«والذين لا يجدون» : الذين ، فى موضع خفض ، عطف على «المؤمنين» ، ولا يجوز عطفه على «المطوعين» ، لأنه لم يتم اسما بعد ، لأن «يسخرون» عطف على «يلمزون».

٨١ ـ (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ)

«خلاف رسول الله» : مفعول من أجله.

وقيل : هو مصدر.

٨٧ ـ (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)

«الخوالف» : النساء ، واحدتها : خالفة ، ولا يجمع «فاعل» على ، فواعل ، إلا فى شعر ، أو قليل من

١٩٧

الكلام ، قالوا : فارس وفوارس ؛ وهالك وهوالك. وقد قالوا للرجل : خالفة وخالف ، إذا كان غير نجيب.

٩٤ ـ (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ

قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ)

«نبأ» : بمعنى : أعلم ، وأصله أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولين ، ويجوز أن يقتصر على واحد ولا يقتصر به على اثنين دون الثالث ؛ وكذلك لا يجوز أن تقدر زيادة «من» فى قوله «أخباركم» ؛ لأنك لو قدرت زيادتها لصار «نبأ» قد تعدى إلى مفعولين دون ثالث ، وذلك لا يجوز ، فإنما تعدى إلى مفعول واحد ، وهو تام تعدى بحرف جر ، ولو أضمرت مفعولا ثالثا لحسن تقدير زيادة «من» على مذهب الأخفش ، لأنه قد أجاز زيادة «من» فى الواجب ، ويكون التقدير : قد نبأنا الله أخباركم مشروحة.

٩٨ ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ

الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

من فتح السين فى «دائرة السوء» ، فمعناه : الفساد ، ومن ضمها فمعناه : الهزيمة والبلاء والضرر والمكروه.

والدوائر : هو ما يحيط بالإنسان حتى لا يكون له منه مخلص ، وأضيفت إلى «السوء» على وجه التأكيد والبيان ، بمنزلة قولهم : شمس النهار ، ولو لم يذكر ت النهار» لعلم المعنى ، كذا لو لم يذكر «السوء» لعلم المعنى بلفظ «الدائرة» فقط.

١٠١ ـ (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ)

«مردوا» : نعت لمبتدإ محذوف ؛ تقديره : ومن أهل المدينة قوم مردوا ، والمجرور خبر الابتداء ، و «لا تعلمهم» : نعت أيضا للمحذوف.

١٠٣ ـ (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)

«تطهّرهم وتزكيهم» : حال من المضمر فى «خذ» ، وهو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والتاء فى أول الفعلين للخطاب.

ويجوز أن تكون «تطهرهم» نعتا للصدقة ، و «تزكيهم» حالا من المضمر ، فى «خذ» ، والتاء فى «تطهرهم» لتأنيث الصدقة لا للخطاب ، و «تزكيهم» للخطاب.

١٩٨

١٠٦ ـ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ)

«مرجون» : من همزه جعله من : أرجأت الأمر ؛ أي : أخرته ، ومن لم يهمزه جعله من «الرجاء». هذا قول المبرد.

وقيل : هو أيضا من التأخير ، يقال : أرجأت الأمر ، وأرجيته ، بمعنى : أخرته ، لغتان.

١٠٧ ـ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا

إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)

«الذين» : رفع بالابتداء ؛ والخبر : «لا يزال بنيانهم» : الآية : ١١٠ «ضرارا وكفرا وتفريقا وإرصادا» : كلها انتصبت على المصدر.

ويجوز أن تكون مفعولات من أجلها.

١٠٩ ـ (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ

أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ)

الهاء فى «بنيانه» ، فى قراءة من ضم أو فتح : تعود على «من» ، الذي هو صاحب البنيان.

والبنيان : مصدر : بنى ، حكى أبو زيد : بنيت بنيانا ، وبناء ، وبنية.

وقيل : البنيان : جمع بنيانة ، كثمرة وثمر.

«هار» : أصله : هائر.

وقال أبو حاتم : أصله : هاور ، ثم قلب فى القولين جميعا ، فصارت الواو والياء آخرا ، فتحذفهما للتنوين ، كما حذفت الواو من : غاز ، ورام ، وذلك فى الرفع والخفض.

وحكى الكسائي : تهور ، وتهير.

وحكى الأخفش : هرت تهار ، كخفت تخاف.

وأجاز النحويون أن تجرى «هار» على الحذف ، ويقدر المحذوف ، لكثرة استعماله مقلوبا ، فيصير كالصحيح ، تعرب الراء بوجوه الإعراب ، ولا يرد المحذوف فى النصب ، كما يفعل بغاز ورام ؛ ومن هذا جعله على وزن «فعل» ، كما قالوا : راح ، فرفعوا ، وهو مقلوب من «رائح» ، لكنهم لما كثر استعمالهم له مقلوبا جعلوه «فعلا» وأعربوه بوجوه الإعراب.

١٩٩

ويجوز عندهم أن يجرى على القياس ، كغاز ورام ، فيكون وزنه «فاعلا» ، ومقلوبا إلى «فالع» ، ثم «فعل» ، لأجل استثقال الحركة على حرف العلة ودخول التنوين ، كما أعلوا قولهم : قاض وغاز ، فى الرفع والخفض ، وصححوه فى النصب لخفة الفتح.

١١١ ـ (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي

التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ)

«وعدا عليه حقا» : مصدران مؤكدان.

١١٢ ـ (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)

«التّائبون» : رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هم التائبون ، أو على الابتداء ، والخبر محذوف.

وقيل : الخبر قوله : «الآمرون» وما بعده.

١١٧ ـ (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ

فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ

عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)

«كاد» : فيها إضمار الحديث ، فلذلك ولى «كاد» : «يزيغ» ، و «القلوب» رفع ب «يزيغ».

وقيل : «القلوب» : رفع ب «كاد» ، و «يزيغ» ينوى به التأخير ، كما أجازوا ذلك فى «كان» فى مثل قوله (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ) ٧ : ١٢٦ ، وفى قوله (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) ٧٢ : ٤

وقال أبو حاتم : من قرأ «يزيغ» بالياء ، لم يرفع القلوب ب «كاد».

وقيل : إن فى «كاد» اسمها ، وهو ضمير الحرب ، أو الفريق ، أو القتيل ؛ لتقدم ذكر أصحاب النبي عليه‌السلام ؛ فيرتفع «القلوب» ب «يزيع».

والياء والتاء فى «يزيغ» سواء ؛ لأن : تذكير الجمع وتأنيثه ، جائز على معنى الجمع ، وعلى معنى الجماعة.

وإنما جاز الإضمار فى «كاد» ، وليست مما يدخل على الابتداء ، والخبر ؛ لأنها يلزم الإتيان لها بخبر أبدا ؛ فصارت كالداخل على الابتداء والخبر من الأفعال ، فجاز إضمار اسمها فيها ، وإضمار الحديث فيها ، ولا يجوز مثل ذلك فى «عسى» ؛ لأنها قد يستغنى عن الخبر إذا وقعت «أن» ، بعدها ، ولأن خبرها لا يكون إلا «أن» وما بعدها ؛

٢٠٠