الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

ومن نصب «يعقوب» جعله فى موضع خفض على إضمار العطف على إسحاق ، لكنه لم ينصرف للتعريف والعجمة ، وهو مذهب الكسائي.

وهو ضعيف عند سيبويه والأخفش إلا بإعادة الخافض ، لأنك فرقت بين الجار والمجرور بالظرف ، وحق المجرور أن يكون ملاصقا للجار ، والواو قامت مقام حرف الجر ، ألا ترى أنك لو قلت : مررت بزيد فى الدار وعمرو ؛ وحق الكلام : مررت بزيد وعمرو فى الدار ، وبشرناها بإسحاق ويعقوب من ورائه.

وقيل : «يعقوب» : منصوب محمول على موضع «وإسحاق» ؛ وفيه بعد أيضا ، للفصل بين حرف الجر والمعطوف بقوله «ومن وراء إسحاق» ، كما كان فى الخفض ؛ و «يعقوب» فى هذين القولين داخل فى البشارة.

وقيل : هو منصوب بفعل مضمر دل عليه الكلام ؛ تقديره : من وراء إسحاق وهبنا لها يعقوب ، فلا يكون داخلا فى البشارة.

٧٢ ـ (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)

انتصب «شيخ» على الحال من المشار إليه ، فالعامل فى الحال الإشارة والتنبيه ، ولا تجوز هذا الحال إلا إذا كان المخاطب يعرف صاحب الحال ، فتكون فائدة الإخبار فى الحال الإشارة ، فإن كان لا يعرف صاحب الحال صارت فائدة الإخبار إنما هى فى معرفة صاحب الحال ، ولا يجوز أن تقع له الحال ، لأنه يصير المعنى : إنه فلان فى حال دون حال ، ولو قلت : هذا زيد قائما ، لمن لم يعرف زيدا ، لم يجز ؛ لأنك تخبر أن المشار إليه هو «زيد» فى حال قيامه ، فإن زال عن القيام لم يكن «زيدا».

وإذا كان المخاطب يعرف «زيدا» بعينه ، فإنما أفدته وقوع الحال منه ، وإذا لم يكن يعرف عينه ، فإنما أفدته معرفة عينه ، فلا يقع منه حال ، لما ذكرنا.

والرفع فى «شيخ» ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هذا بعلى هو شيخ ؛ أو «بعلى» بدل من المبتدأ ، و «شيخ» : خبر ؛ أو يكونا معا خبرين.

٧٤ ـ (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)

مذهب الأخفش والكسائي أن «يجادلنا» فى موضع «جادلنا» ، لأن جواب «لما» يجب أن يكون ماضيا ، فجعل المستقبل مكانه ، كما كان جواب الشرط أن يكون مستقبلا فيجعل فى موضعه الماضي.

وقيل : المعنى : أقبل يجادلنا ، فهو حال من إبراهيم عليه‌السلام.

٢٢١

٧٨ ـ (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي

هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)

«هنّ أطهر لكم» : ابتداء وخبر ، لا يجوز عند البصريين غيره.

وقد روى أن عيسى بن عمر قرأ «أطهر» ، نصب «أطهر» على الحال ، وجعل «هن» فاصلة ، وهو بعيد ضعيف.

«ضيفى» : أصله المصدر ، فلذلك لا يثنى ولا يجمع.

٨١ ـ (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ

وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ

أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)

«إلّا امرأتك» : قرأه ابن كثير وأبو عمرو : بالرفع ، على البدل من «أحد» ، وأنكر أبو عبيد الرفع على البدل ، وقال : يجب على هذا أن يرفع ب «يلتفت» ، ويجعل «لا» للنفى ؛ لأنه يصير المعنى ، إذا أبدلت «المرأة» من «أحد» ، وجزمت «يلتفت» على النهى : أن المرأة أباح لها الالتفات ؛ وذلك لا يجوز ولا يصح فيه البدل إلا برفع «يلتفت» ، ولم يقرأ به أحد.

وقال المبرد : مجاز هذه القراءة ، أن المراد بالنهى المخاطب ، ولفظه لغيره ، كما تقول لخادمك : لا يخرج فلان فقط ، النهى لفلان ، ومعناه للمخاطب ، فمعناه : لا تدعه يخرج ، فكذلك معنى النهى إنما هو ل «لوط» : أي : لا تدعهم يلتفتون إلا امرأتك ؛ وكذلك قولك : لا يقم أحد إلا زيد ؛ معناه : انههم عن القيام إلا زيدا.

فأما النصب فى «امرأتك» فعلى الاستثناء ، لأنه نهى وليس بنفي ، ويجوز أن يكون مستثنى من قوله «فأسر بأهلك إلا امرأتك» ، ولا يجوز فى «المرأة» على هذا إلا النصب ، إذا جعلتها مستثناة من «الأهل» ، وإنما حسن الاستثناء بعد النهى لأنه كلام تام ، كما أن قولك : جاءنى القوم ، كلام تام ؛ ثم تقول : إلا زيدا ، فتستثنى وتنصب.

٨٧ ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا

ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)

«أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء» : من قرأه بالنون فيهما ، عطفه على مفعول «نترك» ، وهو «ما» ؛ ولا يجوز عطفه على مفعول «تأمرنا» ، وهو «أن» ؛ لأن المعنى يتغير.

٢٢٢

ومن قرأ «ما تشاء» بالتاء ، كان «أو أن نفعل» معطوفا على مفعول «تأمرك» ، وهو «أن» ، بخلاف الوجه الأول.

٨٩ ـ (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ

أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ)

«شقاقى» : معناه : مشاققتى ، وهو فى موضع رفع ب «يجرمنكم».

٩١ ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا

رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ)

«ضعيفا» : حال من الكاف فى «نراك» ، لأنه من رؤية العين.

٩٣ ـ (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ

يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)

«من يأتيه» : من ، فى موضع نصب ب «تعلمون» ، وهو فى المعنى مثل : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) ٢٢ : ٢٢٠ ؛ أي : يعلم هذين الجنسين ، كذلك المعنى فى الآية : فسوف تعلمون هذين الجنسين.

وأجاز الفراء أن يكون «من» استفهاما ، فيكون فى موضع رفع ؛ وكون «من» الثانية ، موصولة على البدل ، على أن الأولى موصولة أيضا ، وليست باستفهام.

«ما دامت السّماوات» : ما ، فى موضع نصب ؛ تقديره : وقت دوام السموات.

١٠٨ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ

إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)

«إلا ما شاء ربك» : ما ، فى موضع نصب ، استثناء ليس من الأول.

«وأما الّذين سعدوا» : قرأ حفص والكسائي وحمزة : بضم السين ، حملا على قولهم : مسعود ، وهى لغة قليلة شاذة ، وقولهم «مسعود» إنما جاء على حذف الزائد ، كأنه من ، «أسعده الله» ولا يقال : سعده الله ؛ فهو مثل قولهم : أجنه الله ، فهو مجنون ، فمجنون ، أتى على «جنة الله» ، وإن كان لا يقال ؛ وكذلك «مسعود» أتى على «سعده الله» ، وإنك ان لا يقال.

وضم السين فى «سعدوا» ، بعيد عند أكثر النحويين ، إلا على تقدير : حذف الزائد ، كأنه قال : وأما الذين أسعدوا.

٢٢٣

١١١ ـ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

«وإنّ كلّا لمّا» : من شدد «إن» أتى بها على أصلها وأعمالها فى كل ؛ واللام فى «لما» لام تأكيد ، دخلت على «ما» ، وهى خبر «إن» ، و «ليوفينهم» جواب القسم ؛ تقديره : وإن كلا لخلق أو لبشر ليوفينهم. ولا يحسن أن تكون «ما» زائدة ، فتصير اللام داخلة على «ليوفينهم» ، ودخولها على لام القسم لا يجوز.

وقد قيل : إن «ما» زائدة ، لكن دخلت لتفصيل بين اللامين اللتين تتلقيان القسم : وكلاهما مفتوح ، وتفصل بينهما ب «ما».

فأما من خفف «إن» فإنه خفف استثقالا للتضعيف ، وأعملها فى «كل» مثل عملها مشددة ، واللام مشددة ، واللام فى «لما» على حالها.

فأما تشديد «لما» فى قراءة عاصم وحمزة وابن عامر ؛ فإن الأصل فيها «لمن ما» ثم أدغم النون فى الميم ، فاجتمع ثلاث ميمات فى اللفظ ، فحذفت الميم المكسورة ؛ وتقديره : وإن كلا لمن خلق ليوفينهم ربك.

وقيل : التقدير : لمن ما ؛ فتح الميم فى «من» فتكون «ما» زائدة ، وتحذف إحدى الميمات لتكون الميم فى اللفظ على ما ذكرنا ؛ فالتقدير : لمن ليوفينهم.

وقد قيل : إن «لما» ، فى هذا الموضوع : مصدر «لمّ» ، أجرى فى الوصل مجراه فى الوقف ؛ وفيه بعد ؛ لأن إجراء الشيء فى الوصل مجراه فى الوقف إنما يجوز فى الشعر.

وقد حكى عن الكسائي أنه قال : لا أعرف وجه التثقيل فى «لما».

وقد قرأ الزهري «لما» ، مشددة منونة ، مصدر «لمّ».

ولو جعلت «إن» فى حال التخفيف بمعنى «ما» ، لرفعت «كلا» ، ولصار التشديد فى «لما» على معنى «إلا» ، كما قال : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها) ٨٦ : ٤ ، بمعنى : ما كل نفس إلا عليها ، على قراءة من شدد «لما» ، وفى حرف أبى : «وإن كل لنوفينهم» ، «إن» بمعنى : «ما».

وقرأ الأعمش : «وإن كل لما لنوفينهم» ، يجعل «إن» بمعنى «ما» ، و «لما» بمعنى : «إلا» ، ويرفع «كل» بالابتداء فى ذلك كله ، و «ليوفينهم» : الخبر.

وقد قيل : إن «ما» : زائدة ، فى قراءة من خفف ، و «لنوفينهم» : الخبر.

٢٢٤

١١٦ ـ (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ

فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ

وَكانُوا مُجْرِمِينَ)

«إلا قليلا ممّن أنجينا» : نصب على الاستثناء المنقطع.

وأجاز الفراء الرفع فيه على البدل من «أولوا» ، وهو عنده مثل قوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ١٠ : ٩٢ ، هو استثناء منقطع.

ويجوز فيه الرفع على البدل عنده ، كما قال :

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس

فرفع «اليعافير» على البدل من «أنيس» ، وحقه النصب ، لأنه استثناء منقطع.

ـ ١٢ ـ

سورة يوسف

٢ ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

«قرآنا» : حال من الهاء فى «أنزلناه» ، ومعناه : أنزلناه مجموعا ؛ و «عربيا» : حال أخرى.

ويجوز أن يكون «قرآنا» : توطئة للحال ؛ و «عربيا» ، هو الحال ؛ كما تقول : مررت بزيد رجلا صالحا ، ف «رجل» : توطئة للحال ، و «صالح» هو الحال.

٤ ـ (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ

وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)

«إذ قال يوسف» : العامل فى «إذ» قوله : «الغافلين» الآية : ٣.

وقرأ طلحة بن مصرف «يؤسف» ، بكسر السين والهمز ؛ يجعله عربيا على «يفعل» ، من «الأسف» ؛ لكنه لم ينصرف للتعريف ، ووزن الفعل.

وحكى أبو زيد «يؤسف» ، بفتح السين والهمز ، جعله «يفعل» ، من «الأسف» أيضا ؛ وهو عربى ، ولم ينصرف لما ذكرنا.

٢٢٥

ومن ضم السين جعله أعجميا لم ينصرف ، للتعريف والعجمة.

وليس فى كلام العرب «يفعل» ، فلذلك لم يكن عربيا على هذا الوزن.

«يا أبت» : التاء ، فى «يا أبت» ، إذا كسرتها فى الوصل ، فهى بدل من ياء الإضافة ، عند سيبويه ؛ ولا يجمع بين التاء ، وياء الإضافة عنده ؛ ولا يوقف على قوله «يأبه» إلا بالهاء ؛ إذ ليس ثم ياء مقدرة ، وبذلك وقف ابن كثير وابن عامر بفتح التاء ، قدرا أن «الياء» محذوفة ، على حذفها ، فى الترخيم ، ثم رداها ولم يعتدا بها ، ففتحاها كما كان الاسم قبل رجوعها مفتوحا ، كما قالوا : يا طلحة ، ويا أميمة ، بالفتح ؛ فقياس الوقف على هذا أن تقف بالهاء ، كما يوقف على : طلحة ، وأميمة.

وقيل : إنه أراد : «يا أبتاه» ، ثم حذف الألف ؛ لأن الفتحة تدل عليها ، فيجب على هذا أن تقف بالتاء ؛ لأن الألف مرادة مقدرة.

وقيل : إنه أراد : «يا أبتاه» ، ثم حذف ، وهذا ليس بموضع ندبة.

وأجاز النحاس ضم التاء على الشبه بتاء «طلحة» ، إذا لم يرخم. ومنه الزجاج.

«ساجدين» : حال من الهاء والميم فى «رأيتهم» ؛ لأنه من رؤية العين ، وإنما أخبر عن الكواكب بالياء ، والنون ، وهى لا تعقل ، لأنه لما أخبر عنها بالطاعة والسجود ، وهما من فعل من يعقل ، جرى «ساجدين» على الإخبار عمن يعقل ، إذ قد حكى عنها فعل من يعقل.

٦ ـ (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ

وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ

إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

«كما أتمّها» : الكاف ، فى موضع نصب ، نعتا لمصدر محذوف ؛ تقديره : إتماما كما أتمها.

٧ ـ (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ)

«آيات للسائلين» : فى وزن «آية» أربعة أقوال :

قال سيبويه : هى «فعلة» ، وأصله «أيية» ، ثم أبدلوا من الياء الساكنة ألفا ، هذا معنى قوله ؛ ومثله عنده : غاية ، وراية ؛ واعتلال هذا عنده شاذ ؛ لأنهم أعلوا العين وصححوا اللام ، والقياس إعلال اللام وتصحيح العين.

٢٢٦

وقال الكوفيون : إنه «فعلة» ، بفتح العين ، وأصلها : أيية ، فقلبت الياء الأولى ألفا ، إذ كان الأصل أن تعل الياء الثانية وتصحح الأولى ؛ فيقال : أياة.

وقال بعض الكوفيين : إنه «فعلة» ؛ وأصلها : «أيية» ، فقلبت الياء الأولى ألفا ، لانكسارها وتحرك ما قبلها ، وكانت الأولى أولى بالعلة من الثانية ، لثقل الكسرة عليها ؛ وهذا قول صالح جار على الأصول.

وقال ابن الأنبارى : إن وزنها : فاعلة ؛ وأصلها : آيية ، فأسكنت الياء الأولى استثقالا للكسرة على الياء ، وأدغموها فى الثانية ؛ فصارت : آية ، مثل لفظ «دابة» ووزنها ، ثم خففوا الياء ، كما قالوا : كينونة ، بتخفيف الياء ساكنة ، وأصلها : كينونة ، ثم خففوا فحذفوا الياء الأولى المتحركة استثقالا للياء المشددة مع طول الكلمة. وهذا قول بعيد من القياس ، إذ ليس فى «آية» طول يجب الحذف معه ، كما فى «كينونة».

٩ ـ (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا

مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ)

«أرضا» : ظرف ؛ وذكر النحاس أنه غير مبهم ، وكان حق الفعل ألا يتعدى إليه إلا بحرف ، لكن حذف الحرف.

١١ ـ (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ)

«تأمنا» أصلها : تأمننا ، ثم أدغمت النون الأولى فى الثانية ، وبقي الإشمام يدل على ضمة النون الأولى ، والإشمام : هو ضمك شفتيك من غير صوت يسمع ، فهو بعد الإدغام ، وقبل فتحة النون الثانية.

وابن كيسان يسمى «الإشمام» : الإشارة ، ويسمى «الروم» : إشماما ، والروم : صوت ضعيف يسمع خفيفا يكون فى المرفوع والمخفوض والمنصوب الذي لا تنوين فيه ، والإشمام ، لا يكون إلا فى المرفوع.

١٢ ـ (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)

«يرتع» : من كسر العين من القراء جعله من «رعا» ، فحذف «الياء» علم على الجر ، فهو «يفتعل» ، والياء زائدة ، من : رعى الغنم.

وقيل : هو من قولهم : رعاك الله ؛ أي : حرسك ، فمعناه على هذا : نتحارس.

٢٢٧

ومن قرأه بإسكان العين ، أسكنها للجرم ؛ وجعله من «رتع» ، فهو يفعل ، والياء أصلية.

١٣ ـ (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ

عَنْهُ غافِلُونَ)

«أن» ، الأولى : فى موضع رفع ب «يحزننى» ، و «أن» ، الثانية : فى موضع نصب ب «أخاف».

١٦ ـ (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ)

«عشاء» : نصب على الظرف ، وهو فى موضع الحال من المضمر فى «جاءوا».

١٧ ـ (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ

وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)

«ولو كنّا» : قال المبرد : «لو» : بمعنى «إن».

١٨ ـ (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ

وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)

«بدم كذب» ؛ أي : دم ذى كذب.

«فصبر» : رفع على إضمار مبتدأ ؛ تقديره : فأمرى صبر ؛ أو فشأنى صبر.

وقال قطرب : تقديره : فصبرى صبر ؛ و «جميل» : نعت ل «صبر».

ويجوز النصب. ولم يقرأ به على المصدر ، على تقدير : فأنا أصبر صبرا.

والرفع الاختيار فيه ، لأنه ليس بأمر ، ولو كان «أمرا» ، لكان الاختيار فيه النصب.

١٩ ـ (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ

وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ)

«يا بشرى» : قرأه ابن إسحاق وغيره : من غير ألف ، وعلة ذلك أن ياء الإضافة حقها أن ينكسر ما قبلها ، فلما لم يكن ذلك فى الألف قلبت ياء ، فأدغمت فى ياء الإضافة ، ومثله ؛ «هداى» ٢ : ٣٨ ؛ ٢٠ : ١٢٣.

وقد قرأه الكوفيون بغير ياء ؛ كأنهم جعلوا «بشرى» اسما للمنادى ، فيكون فى موضع ضم.

٢٢٨

وقيل : إنه إنما نادى «البشرى» ، كأنه قال : يا أيتها البشرى هذا زمانك ؛ وعلى هذا المعنى ، قرأ القراء : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) ٣٦ : ٣٠ ؛ كأنه نادى «الحسرة».

«وأسرّوه» : الهاء ، ليوسف عليه‌السلام ؛ والضمير لإخوته.

وقيل : الضمير للتجار ، و «بضاعة» : نصب على الحال من «يوسف» ؛ معناه : مبضوعا.

٢٠ ـ (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ)

«دراهم» : فى موضع خفض ، على البدل من «ثمن».

٢٣ ـ (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ

هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)

«هيت» : لفظة مبينة غير مهموزة ، يجوز فيها فتح الياء وكسرها وضمها ، والكسر فيه بعد ، لاستثقال الكسرة بعد الياء ؛ ومعناها : الاستجلاب ليوسف إلى نفسها ، بمعنى : هلم لك ؛ ومنه قولهم : هيت فلان ؛ إذا دعاه.

فأما من همزه ، فإنه جعله من : تهيأت لك ، وفيه بعد فى المعنى ؛ لأنها لم تخبره بحالها أنها تهيأت له ، إنما دعته إلى نفسها.

فأما من همز وضم التاء ، فهو حسن ؛ لأنه جعله من : تهيأت لك ؛ جعله فعلا ، أجراء على الإخبار به عن نفسها بحالها ؛ وهى تاء المتكلم.

ويبعد الهمز مع كسر التاء ، لأن يوسف عليه‌السلام لم يخاطبها ، فتكون التاء للخطاب لها ، إنما هى دعته وخاطبته ، فلا يحسن مع الهمز إلا ضم التاء ؛ ولو كان الخطاب من يوسف لقال : هيت لى ، على الإخبار عن نفسه ؛ وذلك لا يقرأ به.

فأما فتح الهاء وكسرها ، فلغتان ، وذلك فى «هيت لك» ؛ مثل : سقيا لك.

«معاذ الله» : نصب على المصدر ؛ تقول : معاذا ، ومعاذة ، وعياذا ، وعياذة.

«إنّه ربّى أحسن مثواى» : ربى ، موضع نصب على البدل من الهاء ؛ و «أحسن» : خبر «إن».

وإن شئت جعلت الهاء للحديث ، اسم «أن» ؛ و «ربى» : فى موضع رفع بالابتداء ؛ و «أحسن» : خبره ؛ والجملة فى موضع رفع خبر «إن».

٢٢٩

«إنّه لا يفلح» : الهاء ، للحديث ، وهى اسم «إن» ، وما بعدها الخبر.

٢٤ ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ

السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)

«لو لا أن رأى» : أن ، فى موضع رفع بالابتداء ؛ والخبر محذوف. وحكم «لو لا» تدخل على الأفعال لما فيها من معنى الشرط ؛ لأنها لا تغير معنى الماضي إلى الاستقبال ، كما تفعل حروف الشرط ، ومعناها امتناع الشيء لامتناع غيره ، فإن وقع بعدها الاسم ارتفع على إضمار فعل ؛ إلا «أن» ، فإنها يرتفع ما بعدها بالابتداء ، لأن الفعل الذي فى صلتها يغنى عن إضمار فعل قبلها ؛ فإن ردت معها لزال منها معنى الشرط ووقع بعدها الابتداء ؛ والخبر مضمر فى أكثر الكلام ؛ ولا بد لها من جواب مضمر أو مظهر ، ولا يليها إلا الأسماء ، ويصير معناها امتناع الشيء لوجود غيره ؛ فتقدير الآية : لو لا أن رأى برهان ربه فى ذلك الوقت لكان منه كذا وكذا ؛ فالخبر والجواب محذوفان ، فلو كانت «لو لا» بمعنى «هلا» وقع بعدها الفعل ؛ نحو قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ) ١٠ : ٩٨ ، وهو كثير. ومعناها فى هذا الموضع التخصيص على الشيء ، ولك أن تضمر الفعل بعدها ، فتقول : لو لا فعلت خيرا ؛ ونظيرها فى هذا المعنى : «لو ما».

«كذلك لنصرف» : الكاف ، فى موضع رفع على إضمار مبتدأ ؛ تقديره : أمر البراهين كذلك.

ويجوز أن تكون فى موضع نصب نعت لمصدر محذوف ؛ تقديره : أريناه البراهين رؤية كذلك.

٢٧ ـ (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ)

«وإن كان قميصه» : «إن» : للشرط ، وهى ترد جميع الأفعال الماضية إلى معنى الاستقبال ، إلا «كان». لقوة «كان» وكثرة تصرفها ، وذلك أنها يعبر بها عن جميع الأفعال.

٣١ ـ (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ

مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ

وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)

الأصل فى «حاش» أن تكون بالألف ، لكن وقعت فى المصحف بغير ألف ، اكتفاء بالفتحة من الألف ، كما حذفت النون فى «لم يك». و «حاش» : فعل ماض على «فاعل» ، مأخوذ من «الحشى» ، وهى الناحية. ولا يحسن أن يكون حرفا ، عند أهل النظر ، وأجاز ذلك سيبويه ومنعه الكوفيون ، فإنه لو كان حرف جر ما دخل

٢٣٠

على حرف جر ، لأن الحروف لا يحذف منها إلا إذا كان فيها تضعيف ، نحو : لعل ، ورب.

ومعنى «حاشى لله» : بعد يوسف عن هذا الذي رمى به لله ؛ أي : لخوفه الله ومراقبته.

وقال المبرد : يكون «حاشى» : حرفا ، ويكون فعلا ، واستدل على أنها تكون فعلا بقول النابغة :

ولا أحاشى من الأقوام من أحد

ف «من أحد» : فى موضع نصب ب «أحاشى».

وقال غيره : «حاشى» : حرف. و «أحاشى» : فعل ، أخذ من الحرف ، وهى من حروفه ؛ كما قالوا : لا إله إلا الله ، ثم اشتق من حروف هذه الجملة فعل ، فقالوا : أهلل فلان ، ومثله قولهم : بسمل فلان ، إذا قال : بسم الله ؛ وحوقل فلان : إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ وهو كثير.

وقال الزجاج : معنى «حاشى لله» : براءة لله تعالى ؛ فمعناه : قد تنحى يوسف من هذا الذي رمى به.

وحكى أهل اللغة : «حشى لله» ، بحذف الألف الأولى ، وهى لغة.

والنصب ب «حاشى» ، عند المبرد ، فى الاستثناء ، أحسن ؛ لأنها فعل فى أكثر أحوالها ، وسيبويه يرى الخفض بها ، لأنها حرف جر.

٣٥ ـ (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)

فاعل «بدا» ، عند سيبويه : محذوف ، قائم مقامه «ليسجننه».

وقال المبرد : فاعله المصدر الذي دل عليه «بدا».

وقيل : الفاعل محذوف لم يعوض منه شىء ؛ تقديره : ثم بدا لهم رأى.

٣٨ ـ (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا

أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ)

«أن» : اسم «كان» فى موضع رفع ، و «لنا» : خبر «كان» ، و «من شىء» : فى موضع نصب مفعول «نشرك» ، و «من» : زائدة ، مؤكدة للنفى.

٤٠ ـ (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ)

أصل «سمى» : أن يتعدى إلى مفعولين ، يجوز حذف أحدهما ، والثاني هنا محذوف ؛ تقدير : سميتموها آلهة. و «أنتم» : توكيد ل «التاء» ، فى «سميتموها» ، ليحسن العطف عليها.

٢٣١

٤١ ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً)

سقى ، وأسقى ، لغتان.

وقيل : سقى : معناه : ناول الماء ؛ وأسقى : جعل له سقاء ؛ ومنه قوله تعالى : (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ٧٧ : ٢٧ ؛ أي : جعلنا لكم ذلك.

٤٣ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ

وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ)

«سمان» : الخفض على النعت ل «بقرات» ؛ وكذلك : «خضر» خفضت على النعت ل «سنبلات».

ويجوز النصب فى «سمان» ، وفى «خضر» على النعت ل «سبع» ؛ كما قال تعالى : (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ٦٧ : ٣ ، على النعت ل «سبع».

ويجوز خفض «طباق» على النعت ل «سماوات» ، ولكن لا يقرأ إلا بما صحت روايته ووافق خط المصحف.

٤٧ ـ (قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً)

«دأبا» : نصب على المصدر ؛ لأن : «تزرعون» بدل على «تدأبون».

وقال أبو حاتم : من فتح الهمزة «دأبا» : وهى قراءة حفص عن عاصم ، جعله مصدر «دأب» ، ومن أسكن جعله مصدر «دأب» ، وفتح الهمزة فى الفعل هو المشهور عند أهل اللغة ، والفتح والإسكان فى المصدر لغتان ؛ كقولهم : النهر والنهر ، والسمع والسمع.

وقيل : إنما حرك وأسكن ، لأجل حرف الحلق.

٦٤ ـ (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ

أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

انتصب «حافظا» على البيان ، لأنهم نسبوا إلى أنفسهم حفظ أخى يوسف ، فقالوا : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية : ١٢ ، فرد عليهم يعقوب ذلك فقال : الله خير حافظا من حفظكم. فأما من قرأه «حافظا» فنصبه على الحال ، عند النحاس ، حال من الله جل ثناؤه ، على أن يعقوب رد لفظهم بعينه إذ قالوا : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الآية : ١٢ ، فأخبرهم أن الله هو الحافظ ، فجرى اللفظان على سياق واحد.

٢٣٢

والإضافة فى هذه القراءة جائزة ، تقول : «الله خير حافظ» ، كما قال : (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الآية : ١٢ ؛ ولا تجوز الإضافة فى القراءة الأولى ، لا تقول : «الله خير حفظ» ، لأن الله ليس هو الحفظ ، وهو تعالى الحافظ.

وقال بعض أهل النظر : إن «حافظا» لا ينتصب على الحال ، لأن «أفعل» لا بد لها من بيان ، ولو جاز نصبه على الحال لجاز حذفه ، ولو حذف لنقص بيان الكلام ولصار اللفظ : فاللّه خير ، فلا ندري معنى الخير في أي نوع هو؟ وجواز الإضافة يدل على أنه ليس بحال ، ونصبه على البيان أحسن ، كنصب «حفظ» ، وهو قول الزجاج وغيره.

٦٥ ـ (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي ...)

«ما نبغي» : ما ، في موضع نصب ب «نبغي» ، وهي استفهام : ويجوز أن تكون نعتا فيحسن الوقف على «نبغي» ، ولا يحسن في الاستفهام الوقف على «نبغي» ؛ لأن الجملة التي بعده في موضع الحال.

٧٥ ـ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)

«جزاؤه» ، الأول : مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ تقديره : قال إخوة يوسف : جزاء السارق عندنا كجزائه عندكم.

وقيل : التقدير : جزاء السارق عندنا كجزائه عندكم ، فالهاء ، تعود على السارق ، أو على السرق ؛ ثم ارتفعت «من» بالابتداء ، وهي بمعنى «الذي» ، أو للشرط.

وقوله «فهو جزاؤه» : ابتداء وخبر ، في موضع خبر «من» ، «والغاء» جواب الشرط ، أو جواب الإبهام الذي في النهى ؛ والهاء في «فهو» : يعود على الاستعباد ، والهاء في «جزاؤه» يعود على السارق ، أو على السرق.

وقيل : إن «جزاؤه» الأول ابتداء ، و «من» : خبره ، على تقدير حذف مضاف ؛ تقديره : قال إخوة يوسف : جزاء السرق استعباد من وجد في رحله فهو جزاؤه ؛ أي : والاستعباد جزاء السرق ؛ فالهاءات تعود على «السرق» لا غير ، في هذا القول.

وقيل : إن «جزاؤه» ، الأول : مبتدأ ، و «من» : ابتداء ثان ، وهو شرط ، أو بمعنى : الذي ، و «فهو جزاؤه» : خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر عن الأول. و «جزاؤه» ، الثاني : يعود على المبتدأ الأول ، لأنه موضوع موضع المضمر ، كأنك قلت : فهو هو.

٢٣٣

«كذلك نجزى» : الكاف ، في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف ؛ أي : جزاء كذلك نجزى الظالمين.

٧٦ ـ (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ

ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ

دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)

«إلّا أن يشاء اللّه» : أن ، في موضع نصب ، على تقدير حذف حرف جر ، أي : إلا بأن يشاء اللّه.

«نرفع درجات من نشاء» : قرأه الكوفيون بتنوين «درجات» ، فيكون في موضع نصب ب «نرفع» ، وحرف الجر محذوف مع «درجات» ؛ تقديره : نرفع من نشاء إلى درجات.

ومن لم ينون «درجات» نصبها ب «نرفع» ، وأضافها إلى «من».

٧٧ ـ (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ

وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ)

«فقد سرق» : سرق ، فعل ماض محكى ؛ تقديره : فقد قيل سرق أخ له.

ولا يجوز أن يقطعوا بالسرق على يوسف ، لأن أنبياء اللّه أجل من ذلك ، إنما ذكروا أمرا قد قيل ولم يقطعوا بذلك.

«مكانا» : نصب على البيان.

٧٩ ـ (قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ ...)

«أن» : في موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ؛ أي : أعوذ باللّه من أن نأخذ.

٨٠ ـ (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ

عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ...)

«نجيّا» : نصب على الحال من المضمر في «خلصوا» ، وهو واحد يؤدى عن معنى الجمع.

«ومن قبل ما فرّطتم» : يجوز أن يكون «ما» : زائدة ، ويكون «من» : متعلقة ب «فرطتم» ؛ تقديره : وفرطتم من قبل في يوسف.

وفيه بعد ، للتفريق بين حرف العطف والمعطوف عليه.

٢٣٤

وقيل : مبنية ، فحذف ما أضيفت إليه ؛ تقديره : ومن قبل هذا الوقت فرطتم في يوسف.

فإن جعلت «ما» والفعل مصدرا ، لم يتعلق «من» ب «فرطتم» ؛ لأنك تقدم الصلة على الموصول ، لكن تتعلق بالاستقرار ، لأن المصدر مرفوع بالابتداء ، وما قبله خبره ؛ وفيه نظر.

ويجوز أن تكون متعلقة ب «تعلموا» من قوله «ألم تعلموا» ، ويكون «ما» و «فرطتم» مصدرا في موضع نصب على العطف على «أن» ، والعامل «تعلموا» ؛ وفيه قبح ، للتفريق بين حرف العطف والمعطوف ب «من قبل» ، وهو حسن عند الكوفيين ، وقبيح عند البصريين.

٩٠ ـ (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

«من» : شرط رفع بالابتداء ، و «فإن اللّه» وما بعده : الخبر ، والجملة خبر «إن» الأولى ، والهاء ، للحديث ، و «يصبر» : عطف على «يتق».

وأما ما رواه قنبل عن ابن كثير ؛ أنه قرأ «يتقى» بياء ، فإن مجازه أنه جعل «من» بمعنى : «الذي» ، فرفع «يتقى» ؛ لأنه صلة ل «من» ، وعطف «ويصبر» على معنى الكلام ؛ لأن «من» ، وإن كانت بمعنى «الذي» ، ففيها معنى الشرط ، ولذلك تدخل الفاء في خبرها في أكثر المواضع ؛ فلما كان فيها معنى الشرط عطف «ويصبر» على ذلك المعنى فجزمه ؛ كما قال (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) ٦٣ : ١٩ ، فجزم «وأكن» ، حمله على معنى «فأصدق» ، لأنه بمعنى «أصدق» مجزوما ، لأنه جواب الشرط.

وقد قيل : إن «من» في هذه القراءة : للشرط ، والضمة مقدرة في «الياء» ـ من «يتقى» ، فحذفت للجزم ، كما قال الشاعر :

ألم يأتيك والأنباء تنمى

وفي هذا ضعف ؛ لأنه أكثر ما يجوز هذا التقدير في الشعر.

وقد قيل : إن «من» بمعنى : الذي ، و «يصبر» : مرفوع على العطف على «يتقى» ، لكن حذفت الضمة استخفافا ، وفيه بعد أيضا.

٩٢ ـ (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

لا يجوز أن يكون العامل في «اليوم» : «لا تثريب» ؛ لأنه يصبر من تمامه ، وقد بنى «تثريب» على الفتح ، ولا يجوز بناء الاسم قيل تمامه ، لكن ينصب «اليوم» على الظرف ، وتجعله خبرا ل «تثريب» ، و «عليكم» صفة

٢٣٥

ل «تثريب» ، و «على» : متعلقة بمضمر هو صفة ل «تثريب» على الأصل ؛ تقديره : لا تثريب ثابت عليكم اليوم ، فتنصب «اليوم» على الاستقرار.

ويجوز أن ينصب «اليوم» ب «عليكم» ، وتضمر خبرا ل «تثريب» ، لأن «عليكم» ، وما عملت فيه صفة ل «تثريب».

ويجوز أن يجعل «عليكم» : خبر «تثريب» ، وينصب «اليوم» ب «عليكم» ، والناصب ل «اليوم» في الأصل ، هو ما تعلقت به «على» المحذوفة.

٩٦ ـ (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ...)

«فارتدّ بصيرا» : نصب على الحال.

١٠٠ ـ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)

«سجّدا» : حال من المضمر في «خروا له» ، وهو حال مقدرة.

١٠٧ ـ (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)

«بغتة» : حال ؛ وأصله المصدر.

١٠٩ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ

يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ

لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ)

«والدار الآخرة» : هذا الكلام فيه حذف مضاف ؛ تقديره : ولدار الحال الآخرة.

وقد قال الفراء : إن هذا من إضافة الشيء إلى نفسه ؛ لأن الدار هي الآخرة.

وقيل : إنه من إضافة الموصوف إلى صفته ؛ لأن الدار وصفت بالآخرة ، كما قال في موضع آخر :(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ)٧ : ١٦٩ ، على الصفة.

١١١ ـ (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى

وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً

وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

انتصب «تصديق» على خبر «كان» مضمرة ؛ تقديره : ولكن كان ذلك تصديق الذي بين يديه.

ويجوز الرفع ؛ تقديره : ولكن هو تصديق.

ولم يقرأ به أحد.

٢٣٦

ـ ١٣ ـ

سورة الرعد

١ ـ (المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)

«الذي» : في موضع رفع على العطف على «آيات» ، أو على إضمار «هو» ؛ و «الحق» : نعت ل «الذي».

ويجوز أن يكون «الذي» في موضع خفض ، على العطف على «الكتاب ، ويكون «الحق» رفعا على إضمار مبتدأ.

٢ ـ (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)

يجوز أن تكون «ترونها» في موضع خفض على النعت ل «عمد» ، ويكون المعنى : أن ثم عمدا ولكن لا ترى.

ويجوز أن يكون «ترونها» في موضع نصب على الحال من «السماوات» ، والمعنى : أنه ليس ثم عمد البتة.

ويجوز أن تكون «ترونها» لا موضع له من الإعراب ، على معنى : وأنتم ترونها ، ولا يكون أيضا ثم عمد.

٥ ـ (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)

العامل في «أءذا» : فعل محذوف ، دل عليه الكلام ؛ تقديره : أنبعث إذا.

ومن قرأه على لفظ الخبر ، كان تقديره : لانبعث إذا كنا ؛ لأنهم أنكروا البعث ، فدل إنكارهم على هذا الحذف.

ولا يجوز أن يعمل «كنا» في «إذا» ؛ لأن القوم لم ينكروا كونهم ترابا ، إنما أنكروا البعث بعد كونهم ترابا ، فلا بد من إضمار يعمل في «إذا» به يتم المعنى.

وقيل : لا يعمل «كنا» في «إذا» ؛ لأن «إذا» مضافة إلى «كنا» ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ، ولا يجوز أن يعمل في «إذا» «مبعوثون» ؛ لأن ما بعد «أن» لا يعمل فيما قبلها.

٢٣٧

٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)

«هاد» : ابتداء ، وما قبله خبره ، وهو : «ولكل قوم» ، و «اللام» متعلقة بالاستقرار وبالثبات.

ويجوز أن يكون «هاد» عطف على «منذر» ، فتكون اللام متعلقة ، ب «منذر» ، أو ب «هاد» ؛ وتقديره : إنما أنت منذر وهاد لكل قوم.

٨ ـ (اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ)

«يعلم ما تحمل» : إن جعلت «ما» بمعنى «الذي» كانت في موضع نصب ب «يعلم» ، و «الهاء» محذوفة من «تحمل» ؛ تقديره : تحمله.

وإن جعلت «ما» استفهاما كانت في موضع رفع ، الابتداء ، و «تحمل» : خبره ، وبعدها «هاء» محذوفة ، والجملة في موضع نصب ب «يعلم».

وفيه بعد ، لحذف «الهاء» من الخبر ، وأكثر ما يكون في الشعر ، فالأحسن أن يكون «ما» : في موضع نصب ب «يحمل» ، وهي استفهام.

١٠ ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ)

«سواء منكم من أسر» : من ، رفع بالابتداء ، و «سواء» : خبر مقدم ؛ والتقدير : ذو سواء منكم من أسر.

ويجوز أن يكون «سواء» بمعنى : مستو ، فلا يحتاج إلى تقدير حذف «ذو».

١٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ)

«خوفا وطمعا» : مصدران.

١٧ ـ (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً

وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ

وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً)

«زبد مثله» : ابتداء وخبر.

٢٣٨

وقال الكسائي : «زبد» : مبتدأ ، و «مثله» : نعته ، والخبر : «ومما توقدون» ، الجملة.

وقيل : خبر «زبد» : قوله «في النار».

«جفاء» : نصب على الحال من المضمر في «فيذهب» ، وهو ضمير «الزبد».

٢٣ ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ)

«من» : في موضع نصب مفعول معه ، أو في موضع ، رفع ، على العطف على «أولئك» ، أو على العطف على المضمر المرفوع في «يدخلونها» ؛ وحسن العطف على المضمر المرفوع بغير تأكيد ، لأجل الضمير المنصوب الذي حال بينهما ، فقام مقام التأكيد.

٢٩ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)

«الذين آمنوا وعملوا الصالحات» : الذين ، ابتداء ، و «طوبى» : ابتداء ثان ؛ و «لهم» : خبر «طوبى» ؛ والجملة خبر عن «الذين».

ويجوز أن يكون «الذين» : في موضع نصب ، على البدل من «من» ، أو على إضمار : أعنى.

ويجوز أن يكون «طوبى» : في موضع نصب ، على إضمار : جعل لهم طوبى ؛ وبنصب «وحسن مآب» ؛ ولم يقرأ به أحد.

٣٥ ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)

«مثل» : ابتداء ، والخبر محذوف ، عند سيبويه ؛ تقديره : وفيما يتلى عليكم مثل الجنة ، أو فيما يقص عليكم مثل الجنة.

وقال الفراء : «تجرى من تحتها الأنهار» : الخبر ، ويقدر حذف «مثل» وزيادتها ، وأن الخبر إنما هو عما أضيف إليه «مثل» ، لا عن «مثل» نفسه ، فهو ملغى ، والخبر عما تقدره ، وكأنه قال : الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتها الأنهار ، كما يقال : حلية فلان أسمر ، على تقدير حذف «الحلية».

٤٣ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)

«كفى باللّه شهيدا» : ينتصب «شهيدا» على البيان ، و «باللّه» في موضع رفع.

«ومن عنده علم» : في موضع رفع ، عطف على موضع «باللّه» ، أو في موضع خفض على العطف على اللفظ.

٢٣٩

ـ ١٤ ـ

سورة إبراهيم

١ ـ (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)

«كتاب» : رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هذا كتاب. و «أنزلناه» في موضع النعت ل «كتاب».

٣ ـ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)

«عوجا» : مصدر ، في موضع الحال.

وقال علي بن سليمان : هو مفعول ب «يبغون» ، و «اللام» محذوفة من المفعول الأول ؛ تقديره : ويبغون لها عوجا.

٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ

وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

رفع «فيضل» ؛ لأنه مستأنف ، ويبعد عطفه على ما قبله ؛ لأنه يصير المعنى : إن الرسول إنما يرسله اللّه ليضل ، والرسول لم يرسل للضلال ؛ إنما الرسل للبيان.

وقد أجاز الزجاج نصبه على أن يحمله على مثل قوله تعالى(لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)٢٨ : ٨ ؛ لأنه لما كان أمرهم إلى الضلال ، مع بيان الرسول لهم ، صاروا كأنهم إنما أرسله بذلك.

٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ)

«أن» : في موضع نصب ؛ تقديره : بأن أخرج.

وقيل : هي لا موضع لها من الإعراب ، بمعنى «أي» التي تكون للتفسير.

٦ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)

«ويذبحون» : إنما زيدت «الواو» لتدل على أن الثاني غير الأول ، وحذف «الواو» في غير هذا الموضع إنما هو على البدل ، فالثاني بعض الأول.

٢٤٠