الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

ولا يقع «أن» بعد «كاد» خبرا لها إلا فى ضرورة شعر ، وكذلك لا تحذف «أن» بعد «عسى» إلا فى ضرورة شعر.

١٢١ ـ (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ

لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)

«واديا» : جمعه : أودية ، ولم يأت «فاعل وأفعلة» إلا فى هذا الموضع وحده.

١٢٨ ـ (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ

رَؤُفٌ رَحِيمٌ)

«ما» : فى موضع رفع ب «عزيز» ، و «عزيز» : نعت ل «رسول». ويجوز أن يكون «ما» مبتدأ ، و «عزيز» خبره ؛ والجملة : نعت ل «رسول». ويجوز أن يكون «عزيز» ، مبتدأ ؛ و «ما» : فاعله ، تسد مسد الخبر ؛ والجملة : نعت ل «رسول».

ـ ١٠ ـ

سورة يونس

٢ ـ (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ)

اللام فى «للناس» متعلقة ب «عجب» ، ولا يتعلق ب «كان» ، لأنه فعل لا يدل على حدث ، إنما يدل على الزمان فقط ، فضعف فلا تتعلق به حروف الجر ؛ ومثله : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) ١٢ : ٤٣ ، اللام فى «للرؤيا» متعلقة بمحذوف يدل على المحذوف «تعبرون» ؛ وفيه اختلاف.

و «عجبا» : خبر «كان» ، و «أن أوحينا» : اسم «كان» ؛ تقديره : أكان عجبا للناس وحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس.

٤ ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا)

«مرجعكم» : ابتداء ، والخبر «إليه» ، و «جميعا» : انتصب على الحال من «الكاف والميم» فى «مرجعكم».

«وعد الله حقّا» : مصدران ، والعامل فى «وعد» : «مرجعكم» ؛ لأنه بمعنى : وعدكم وعدا.

٢٠١

وأجاز الفراء رفع «وعد» ، جعله خبرا ل «مرجعكم» ، وأجاز رفع «وعد» ، و «حق» على الابتداء والخبر ، وهو حسن ، ولم يقرأ به.

٥ ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)

«ضياء» : مفعول ثان ل «جعل» ؛ معناه : جعل الشمس ذات ضياء.

ومن قرأه بهمزتين ، وهى قراءة قنبل ، عن ابن كثير ، فهو على القلب ؛ قدّم الهمزة ، التي هى لام الفعل ، فى موضع الياء المنقلبة عن واو ، التي هى عن الفعل ؛ فصارت الياء بعد الألف والهمزة قبل الألف ، فأبدل من الياء همزة لوقوعها ، وهى أصلية ، بعد ألف زائدة ، كما قالوا : سقاء ، وأصله : سقاى ، لأنه من : سقى يسقى. ويجوز أن تكون الياء لما نقلت بعد الألف رجعت إلى الواو ، الذي هو أصلها ، فأبدل منها همزة ؛ كما قالوا : دعاء ؛ وأصله : دعاو ؛ لأنه من : دعا يدعو ؛ فيكون وزن «ضياء» ، على قراءة قنبل : فلاعا ؛ وأصلها : فعال.

٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ

تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)

أصل «هدى» أن يتعدى بحرف جر وبغير حرف ، كما قال الله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ) ١ : ٥ ، وقال :

(فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) ٣٧ : ٢٣

١١ ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ)

«استعجالهم» : مصدر ؛ تقديره : استعجالا مثل استعجالهم ، ثم أقام الصفة ، وهى : «مثل» مقام الموصوف ، وهو «الاستعجال» ، ثم أقام المضاف إليه ، وهو «استعجالهم» مقام المضاف ، وهو «مثل» ؛ هذا مذهب سيبويه.

وقيل : تقديره : فى استعجالهم ، فلما حذف حرف الجر نصب ، ويلزم من قدر حذف الجر منه أن يجيز : زيد الأسد ، ينصب «الأسد» على تقدير : كالأسد.

١٦ ـ (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ)

«ولا أدراكم» : روى أن الحسن قرأ بالهمز ، ولا أصل له فى الهمز ؛ لأنه إنما يقال : درأت ، إذا دفعت ، ودريت ، بمعنى : علمت ؛ وأدريت غيرى ؛ أي : أعلمته.

٢٠٢

٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا)

«وإذا أذقنا» : فيها معنى الشرط ، ولا تعمل ولا تحتاج إلى جواب مجزوم إلا فى شعر ، فإنه قد يقدر فى الجواب الجزم فى الشعر ، فيعطف على معناه ، فيجزم المعطوف على الجواب ، كما قال :

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها

خطانا إلى أعدائنا فنضارب

فجزم «فنضارب» عطفا على موضع جواب «إذا» ، وهو «كان» ؛ وجوابها عند البصريين فى هذه الآية قوله «إذا لهم مكر» ، ف «إذا» جواب «إذا» ؛ تقديره عندهم : «مكروا» ، ومعناه : استهزءوا وكذبوا.

٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ

عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

من رفع «متاع» جعله خبرا للبغى ، والظرف ملغى ، وهو «على أنفسكم» ، و «على» : متعلقة بالبغي ، ولا ضمير فى «على أنفسكم» ، لأنه ليس بخبر للابتداء.

ويجوز أن يرفع «متاع» على إضمار مبتدأ ؛ أي : ذلك متاع ، أو : هو متاع ، فيكون «على أنفسكم» خبر «بغيكم» ، ويكون فيه ضمير يعود على المبتدأ ، و «على» : متعلقة بالاستقرار وبالثبات ، أو نحوه ؛ تقديره : إنما بغيكم ثابت ، أو مستقر ، على أنفسكم ، هو متاع الحياة الدنيا.

فإذا جعلت «على أنفسكم» خبرا عن «البغي» كان معناه : إنما بغيكم راجع عليكم ؛ مثل قوله : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ١٧٢ : ٨

وإن جعلت «متاعا» خبرا ل «البغي» كان معناه : إنما بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا ؛ مثل قوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ٢٤ : ٦١

وقد قرأ حفص عن عاصم «متاع الحياة» ، بالنصب ، جعل على «أنفسكم» متعلقا ب «بغيكم» ، ورفع «البغي» بالابتداء ، والخبر محذوف ؛ تقديره : إنما بغيكم على أنفسكم لأجل متاع الحياة الدنيا مذموم ؛ أو منهى عنه ؛ أو مكروه ، ونحوه ، وحسن الحذف الطول الكلام.

ولا يحسن أن يكون «على أنفسكم» الخبر ؛ لأن «متاع الحياة» داخل فى الصلة ، فنفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء ، وذلك لا يجوز ، فلا بد من تقدير حرف الجر ، إلا أن تنصب «متاع الحياة» بإضمار فعل ، على تقدير : يمتعون متاع ؛ أو يبغون متاع ؛ فيجوز أن يكون «على أنفسكم» الخبر ، ثم نصب «متاع» ، جعله مفعولا من أجله تعدى إليه «البغي» ، واضمر الخبر على ما ذكرنا ؛ و «على» : متعلقة بالاستقرار ، أو نحوه ،

٢٠٣

إذا جعلت «على أنفسكم» الخبر ، وفى المجرور ضمير يعود على المبتدأ.

ويجوز نصب «متاع» على المصدر المطلق ؛ تقديره : يمتعون متاع الحياة ، أو على إضمار فعل دل عليه البغي ، أو يبغون متاع الحياة الدنيا.

٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ

مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها)

«وازينت» : أصله : تزينت ، ووزنه : تفعلت ، ثم أدغمت التاء فى الزاى ، فسكنت الأولى ، فدخلت ألف الوصل لأجل سكون أول الفعل ؛ وإنما سكن الأول عند الإدغام ؛ لأن كل حرف أدغمته فيما بعده فلا بد من إسكان الأول أبدا ، فلما أدغمت التاء فى الزاى سكنت التاء ، فاحتيج عند الابتداء إلى ألف وصل ؛ وله نظائر كثيرة فى القرآن.

وروى عن الحسن أنه قرأ : «وأزينت» ، على وزن «أفعلت» ، معناه : جاءت بالزينة ، لكنه كان يجب على مقاييس العربية أن يقال : وازانت ، فتقلب الياء ألفا ، لكن أتى به على الأصل ولم يعله ، كما أتى «استحوذ» على الأصل ، وكان القياس : استحاذ.

وقد قرئ : وازيانت ، مثل : احمارت ؛ وقرئ : وازاينت ، والأصل : تزاينت ، ثم أدغمت التاء فى الزاى ، على قياس ما تقدم ذكره فى قراءة الجماعة ، ودخلت ألف الوصل أيضا فيه فى الابتداء ، على قياس ما تقدم.

٢٧ ـ (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ

عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ

هُمْ فِيها خالِدُونَ)

«مظلما» : حال من «الليل» ولا يكون نعتا ل «قطع» ؛ لأنه يجب أن يقال : مظلمة. فأما على قراءة الكسائي وابن كثير : «قطعا» ، بإسكان الطاء ، فيجوز أن يكون «مظلما» نعتا ل «قطع» ، بإسكان الطاء ، وأن يكون حالا من «الليل».

٢٨ ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ

فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ)

«فزيلنا» : فعلنا ، من : زلت الشيء عن الشيء ، فأنا أزيله ، إذا تحيته ، والتشديد للتكثير. ولا يجوز أن يكون «فعلنا» من : زال يزال ؛ لأنه يلزم فيه الواو ، فيقال : زولنا.

وحكى عن الفراء أنه قرأ «فزايلنا» من قولهم : لا أزايل فلانا ، أي : لا أفارقه. فأما قوله ، لا أزاوله ، فمعناه : أخاتله ؛ ومعنى «زايلنا» و «زيلنا» واحد.

٢٠٤

٢٩ ـ (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ)

«شهيدا» : نصب على التمييز ، وهو عند أبى إسحاق : حال من «الله» جل ذكره ، و «بالله» فى قوله «كفى بالله» : فى موضع رفع ، وهو فاعل «كفى» ، تقديره : كفى الله شهيدا ، والباء زائدة ، معناها ملازمة الفعل لما بعده ، فالله لم يزل هو الكافي ، بمعنى : سيكفى ، لا يحول عن ذلك أبدا.

٣٠ ـ (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ

ما كانُوا يَفْتَرُونَ)

«مولاهم» : بدل من «الله» ، أو نعت ؛ و «الحق» : نعت أيضا له.

ويجوز نصبه على المصدر ، ولم يقرأ به.

٣٣ ـ (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

«أن» : فى موضع نصب ، تقديره : بأنهم ، أو لأنهم ؛ فلما حذف الحرف تعدى الفعل فنصب الموضع.

و «أن» المفتوحة أبدا ، مشددة أو مخففة ، هى حرف على انفرادها ، وهى اسم مع ما بعدها ، لأنها وما بعدها مصدر يحكم عليها بوجه الإعراب على قدر العامل الذي قبلها.

ويجوز أن يكون فى موضع خفض بحرف الجر المحذوف ، وهو مذهب الخليل ، لما كثر حذفه مع «أن» : إذ هو يعمل محذوفا عمله موجودا فى اللفظ.

وقيل : «أن» ، فى هذه الآية : فى موضع رفع على البدل من «كلمة» ، وهو قول حسن ، وهو بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.

٣٥ ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي

إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)

«أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع» : من ، رفع بالابتداء ، و «أحق» : الخبر ، وفى الكلام حذف تقديره : أحق ممن لا يهدى ، و «أن» : فى موضع نصب ، على تقدير حذف الخافض.

وإن شئت : جعلتها فى موضع رفع على البدل من «من» ، وهو بدل الاشتمال ؛ و «أحق» : الخبر.

وإن شئت جعلت «أن» مبتدأ ثانيا ، و «أحق» : خبرها. مقدم عليها ، والجملة خبر عن «من».

٢٠٥

«فما لكم» : ما ، فى موضع رفع بالابتداء ، وهى استفهام معناه التوبيخ والتنبيه ، «ولكم» : الخبر والكلام تام على «لكم» ؛ والمعنى : أي شىء لكم فى عبادة الأصنام؟

٣٧ ـ (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي

بَيْنَ يَدَيْهِ)

خبر «كان» مضمر ؛ تقديره : ولكن كان تصديق ، ففي «كان» اسمها. هذا مذهب الفراء والكسائي ، ويجوز عندهما الرفع على تقدير : ولكن هو تصديق.

٤٤ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

الاختيار عند جماعة من النحويين إذا أتت «لكن» مع الواو أن تشدد ، وإذا كانت بغير واو قبلها أن تخفف.

قال الفراء : لأنها إذا كانت بغير واو قبلها أشبهت «بل» فخففت ، فتكون مثلها فى الاستدراك ، وإذا أتت الواو قبلها خالفت فشددت.

وأجاز الكوفيون إدخال اللام فى خبرها «كأن».

ومنعه البصريون لمخالفة معناها معنى «أن» ، فمن شددها أعملها فيما بعدها فنصبه بها ؛ لأنها من أخوات «أن» ، ومن خففها رفع ما بعدها على الابتداء وما بعدها خبره.

٤٥ ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ)

الكاف ، فى «كان» وما بعدها : فى موضع نصب صفة ل «يوم» ؛ وفى الكلام حذف ضمير يعود على الموصوف ؛ تقديره : كأن لم يلبثوا قبله ، فحذف «قبله» فصارت الهاء متصلة ب «لبثوا» فحذفت لطول الاسم ، كما تحذف من الصلات.

ويجوز أن يكون الكاف من «كان» فى موضع نصب ، صفة لمصدر محذوف ، تقديره : ويوم يحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة.

ويجوز أن يكون ، «الكاف» فى موضع نصب على الحال من ، «الهاء والميم» ، فى «يحشرهم» ، والضمير فى «يلبثوا» راجع على صاحب الحال ، ولا حذف فى الكلام ؛ وتقديره : ويوم يحشرهم مشبهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة ، والناصب ل «يوم» : «اذكر» مضمرة.

٢٠٦

ويجوز أن يكون الناصب له : «يتعارفون».

٥٠ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)

«ما» : استفهام ، رفع بالابتداء ومعنى الاستفهام ، هنا : التهديد ، و «ذا» : خبر الابتداء ، بمعنى : الذي ، والهاء ، فى «منه» تعود على «العذاب».

وإن شئت جعلت «ما» و «ذا» اسما واحدا ، فى موضع رفع بالابتداء ، والخبر فى الجملة التي بعده. والهاء. فى «منه» تعود على «الله» جل ذكره ، و «ما» و «ذا» اسما واحدا ، كانت فى موضع نصب ب «يستعجل» والمعنى : أي شىء يستعجل المجرمون من الله؟

٥٣ ـ (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)

«أحق هو» : ابتداء وخبر ، فى موضع المفعول الثاني ل «يستنبئونك» ، إذا جعلته بمعنى : يستخبرونك. فإن جعلته بمعنى «يستعلمونك» كان «أحق» هو ابتداء وخبر فى موضع المفعولين له ؛ لأن «أنبأ» إذا كان بمعنى : أعلم ، تعدى إلى ثلاثة مفعولين ، يجوز الاكتفاء بواحد ولا يجوز الاكتفاء باثنين دون الثالث.

وإذا كانت «أنبأ» بمعنى : أخبر ، تعدت إلى مفعولين ، لا يجوز الاكتفاء بواحد دون الثاني.

ونبّأ ، وأنبأ ، فى التعدي ، سواء.

٦١ ـ (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا

عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ

فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)

«منه» : الهاء ، عند الفراء ، تعود على «الشأن» ، على تقدير حذف مضاف ، تقديره : وما تتلو من أجل الشأن ؛ أي : يحدث لك شأن فتتلو القرآن من أجله.

«ولا أصغر من ذلك ولا أكبر» : أصغر ، وأكبر ، فى قراءة من فتح ، فى موضع خفض ، عطف على لفظ «مثقال ذرة».

وقرأ حمزة بالرفع فيهما ، عطفهما على موضع «المثقال» ؛ لأنه فى موضع رفع ب «يعزب».

٦٣ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)

«الذين» : فى موضع نصب على البدل من اسم «إن» ، وهو «أولياء» الآية : ٦٢ ، أو على : «أعنى».

ويجوز الرفع على البدل من الموضع ، وعلى النعت من الموضع ، أو على إضمار مبتدأ ، أو على الابتداء.

٢٠٧

٦٤ ـ (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)

«لهم البشرى» : ابتداء وخبر ، فى موضع خبر «الذين» الآية : ٦٣

٦٦ ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ

مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)

انتصب «شركاء» ب «يدعون» ، ومفعول «يتبع» قام مقام «إن يتبعون إلا الظن» ؛ لأنه هو ولا ينتصب «الشركاء» ب «يتبع» ؛ لأنك تنفى عنهم ذلك ، والله قد أخبر به عنهم.

ولو جعلت «ما» استفهاما ، بمعنى : الإنكار والتوبيخ ، كانت «ما» ، و «ذا» فى موضع نصب ب «يتبع».

وعلى القول الأول تكون «ما» حرفا نافيا.

٧١ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي

وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ

أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)

«فأجمعوا» : كل القراء قرأ بالهمز وكسر الميم ، من قولهم : أجمعت على أمر كذا وكذا ، إذا ، عزمت عليه ، وأجمعت الأمر أيضا ، حسن بغير حرف جر ، كما قال الله جل ذكره : (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) ١٢ : ١٠٢ ، فيكون نصب «الشركاء» على العطف على المعنى ، وهو قول المبرد.

وقال الزجاج : هو مفعول معه.

وقيل : «الشركاء» : عطف على «الأمر» ؛ لأن تقديره : فأجمعوا ذوى الأمر ، بغير حذف.

وقيل : انتصب «الشركاء» على عامل محذوف ، تقديره : وأجمعوا شركاءكم ، ودل «أجمع» على : «جمع» ؛ لأنك تقول : جمعت الشركاء والقوم ، ولا تقول : أجمعت الشركاء ، إنما يقال : أجمعت ، فى الأمر خاصة ، فلذلك لم يحسن عطف «الشركاء» على «الأمر» إلا على المتقدم.

وقال الكسائي والفراء : تقديره : وادعوا شركاءكم ، وكذلك فى حرف أبى : «وادعوا شركاءكم».

وقد روى الأصمعى ، عن نافع : «فاجمعوا أمركم» ، بوصل الألف وفتح الميم ، فيحسن على هذه القراءة : عطف «الشركاء» على «الأمر» ، ويحسن أن تكون الواو بمعنى «مع».

٢٠٨

وقد قرأ الحسن برفع «الشركاء» ، عطفا على المضمر المرفوع فى «فأجمعوا» ، وبه قرأ يعقوب الحضرمي وحسن ذلك للفصل الذي وقع بين المعطوف والمضمر ، كأنه قام مقام التأكيد ، وهو «أمركم».

٧٤ ـ (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا

بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ)

الضمير فى «كذبوا» يعود على قوم نوح ؛ أي : فما كان قوم الرسل الذين بعثوا بعد نوح ليؤمنوا بما كذب قوم نوح ، بل كذبوا مثل تكذيب قوم نوح.

٨١ ـ (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ

عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)

«ما جئتم به السحر» : ما ، مبتدأ ، بمعنى الذي ، و «جئتم به» : صلته ، و «السحر» : خبر الابتداء ، ويؤيد هذا أن فى حرف أبى : «ما جئتم به سحر» ، وكل ما ذكر من قراءة أبى وغيره ، مما يخالف المصحف ، فلا يقرأ به لمخالفة المصحف ، وإنما يذكر شاهدا لا ليقرأ به.

ويجوز أن يكون «ما» رفعا بالابتداء ، وهى استفهام ، و «جئتم به» : الخبر ، و «السحر» : خبر ابتداء محذوف ؛ أي : هو السحر.

ويجوز أن تكون «ما» فى موضع نصب على إضمار فعل بعد «ما» ؛ تقديره : أي شىء جئتم به ، و «السحر» : خبر ابتداء محذوف ، ولا يجوز أن تكون «ما» بمعنى «الذي» فى موضع نصب ؛ لأن «ما» بعدها صلتها ، والصلة لا نعمل فى الموصول ، ولا تكون تفسيرا للعامل فى الموصول.

وقد قرأ أبو عمرو : «الساحر» ، بالمد ، فعلى هذه القراءة تكون «ما» استفهاما ، مبتدأ ؛ و «جئتم به» : الخبر ، و «السحر» : خبر ابتداء ، محذوف ؛ أي : هو السحر.

ولا يجوز على هذه القراءة أن يكون «ما» بمعنى : الذي ، إذ لا خبر لها.

ولا يجوز أن يكون «ما» : فى موضع نصب ، على ما تقدم.

ويجوز أن يرفع «السحر» على البدل من «ما» ، وخبره خبر المبدل منه ، ولذلك جاء الاستفهام ، إذ هو بدل من استفهام ، ليستوى البدل والمبدل منه فى لفظ الاستفهام ، كما تقول : كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ فتجعل «أعشرون» بدلا من «كم» ، وتدخل ألف الاستفهام على «عشرين» ؛ لأن المبدل منه ، وهو «كم» ، استفهام.

ومعنى الاستفهام فى الآية التقرير والتوبيخ ، وليس هو باستخبار ، لأن موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد علم أنه سحر ، فإنما يخبرهم بما فعلوا ، ولم يستخبرهم عن شىء لم يعلمه.

٢٠٩

وفيه أيضا معنى التحقير لما جاءوا به.

وأجاز الفراء نصب «السحر» ، يجعل «ما» شرطا ، وينصب «السحر» على المصدر ، ويضمر الفاء مع «إن الله سيبطله» ويجعل الألف واللام فى «السحر» زائدتين ؛ وذلك كله بعيد.

وقد أجاز على بن سليمان : حذف الفاء من جواب الشرط فى الكلام ، واستدل على جوازه بقوله تعالى :

(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ٤٢ : ٣٠ ، ولم يجزه غيره إلا فى ضرورة شعر.

٨٣ ـ (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ

وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)

إنما جمع الضمير فى «ملئهم» ، لأنه إخبار عن جبار ، والجبار يخبر عنه بلفظ الجمع.

وقيل : لما ذكر فرعون علم أن معه غيره ، فرجع الضمير عليه وعلى من معه.

وقيل : الضمير راجع على آل فرعون ، وفى الكلام حذف ؛ والتقدير : على خوف من آل فرعون وملئهم ، فالضمير يعود على الأول.

وقال الأخفش : الضمير ، يعود على «الذرية» المتقدم ذكرها.

وقيل : الضمير ، يعود على «القوم» المتقدم ذكرهم.

«أن يفتنهم» : أن ، فى موضع خفض بدل من «فرعون» ، وهو بدل الاشتمال.

٨٨ ـ (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ

الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى

قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)

«فلا يؤمنوا» : عطف على «ليضلوا» ، فى موضع نصب ، عند المبرد والزجاج.

وقال الأخفش ، والفراء : هو منصوب ، جواب للدعاء.

وقال الكسائي ، وأبو عبيدة : هو فى موضع جزم ، لأنه دعاء عليهم.

٩٢ ـ (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)

«ننجّيك» : قيل : هو من النجاء : أي : نخلصك من البحر ميتا ليراك بنو إسرائيل.

وقيل : معناه : نلقيك على نجوة من الأرض.

٢١٠

وقوله «ببدنك» ؛ أي : بدرعك التي تعرف بها ليراك بنو إسرائيل.

وقيل : معناه : بجثتك لا روح فيك ، ليراك بنو إسرائيل.

٩٨ ـ (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ)

انتصب «قوم» على الاستثناء ، الذي هو غير منقطع ، على أن يضمر فى أول الكلام حذف مضاف ؛ تقديره :

فلو لا كان أهل قرية آمنوا.

ويجوز الرفع ، على أن يجعل «إلا» بمعنى : غير ، صفة للأهل المحذوفين فى المعنى ، ثم يعرب ما بعد «إلا» بمثل إعراب «غير» ، لو ظهرت فى موضعه.

وأجاز الفراء الرفع على البدل ، كما قال :

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس

فأبدل من «أنيس» ، والثاني من غير الجنس ، وهى لغة تميم ، يبدلون وإن كان الثاني ليس من جنس الأول.

وأهل الحجاز ينصبون إذا اختلف ، وإذا كان الكلام منفيا.

«يونس» : وقد روى عن الأعمش وعاصم أنهما قرآ بكسر النون والسين ، جعلاه فعلا مستقبلا ، من :

آنس ، سمى به ، فلم ينصرف للتعريف والوزن المختص به الفعل.

قال أبو حاتم : يجب أن يهمز ، ويترك الهمز جاء ؛ وهو حسن.

وقد حكى أبو زيد فتح النون والسين ، على أنه فعل مستقبل لم يسم فاعله ، سمى به أيضا.

ـ ١١ ـ

سورة هود

إذا جعلت «هودا» اسما للسورة ، فقلت : هذه هود ، لم ينصرف عند سيبويه والخليل ، كامرأة سميتها بزيد ، أو بعمر ؛ وأجاز عيسى صرفه لخفته ، كما تصرف «هند» اسم امرأة ، فإن قدرت حذف مضاف مع «هود» صرفته ، تريد : هذه سورة هود.

١١ ـ (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)

«الذين» : فى موضع نصب ، على الاستثناء المتصل.

قال الفراء : هو مستثنى من «الإنسان» ؛ لأنه بمعنى : الناس.

٢١١

وقال الأخفش : هو استثناء منقطع.

١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ

ما كانُوا يَعْمَلُونَ)

«باطل» : رفع بالابتداء ، وما بعده خبره.

وقيل : الأجود عكس هذا التقدير ، فيكون «باطل» : خبر ، و «ما كانوا» : مبتدأ.

وفى حرف أبى وابن مسعود : «وباطلا» ، بالنصب ، جعلا «ما» زائدة ، ونصبا «باطلا» ب «يعملون» ، مثل (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ٢٧ : ١٢ ، و (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ٦٩ : ٤١

١٧ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ

كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً)

«ويتلوه شاهد منه» : الهاء ، فى «يتلوه» : للقرآن ؛ فتكون الهاء على هذا القول فى «منه» : لله جل ذكره ، و «الشاهد» : الإنجيل ؛ أي : يتلو القرآن فى التقدم الإنجيل من عند الله ، فتكون «الهاء» فى «قبله» : للإنجيل أيضا.

وقيل : الهاء ، فى «يتلوه» : لمحمد عليه‌السلام ؛ فيكون «الشاهد» : لسانه ، والهاء ، فى «منه» : لمحمد أيضا.

وقيل : للقرآن ، وكذلك الهاء ، فى «قبله» : لمحمد.

وقيل : الشاهد : جبريل عليه‌السلام ؛ والهاء فى «منه» ، على هذا القول : لله ، وفى «من قبله» : لجبريل أيضا.

وقيل : الشاهد : إعجاز القرآن ، والهاء فى «منه» ، على هذا القول : لله ؛ والهاء فى «يؤمنون به» : لمحمد عليه‌السلام.

«إماما ورحمة» : نصب على الحال من «كتاب موسى».

٢٠ ـ (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ

يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ)

«ما كانوا يستطيعون السّمع» : ما ، ظرف ، فى موضع نصب ، معناها وما بعدها : أبدا :

وقيل : ما ، فى موضع نصب على حذف حرف الجر ؛ أي : بما كانوا ، كما يقال : جزيته ما فعل ، وبما فعل.

وقيل : ما ، نافية ؛ والمعنى : لا يستطيعون السمع لما قد سبق لهم.

٢١٢

وقيل : المعنى : لا يستطيعون أن يسمعوا من النبي ، لبغضهم له ولا يفقهوا حجة ، كما تقول : فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان ، إذا كان يثقل عليه ذلك.

٢٢ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)

«لا جرم» ، عند الخليل وسيبويه ، بمعنى : حقا ، فى موضع رفع بالابتداء. و «لا جرم» : كلمة واحدة بنيت على الفتح فى موضع رفع ؛ والخبر : «أنهم» ، ف «أن» فى موضع رفع عندهما.

وقيل ، عن الخليل : إنه قال : «أن» ، فى موضع رفع ب «جرم» بمعنى : بد ، فمعناه : لا بد ، ولا محالة.

قال الخليل : جىء ب «لا» ليعلم أن المخاطب لم يبتدئ كلامه ، وإنما خاطب من خاطبه.

وقال الزجاج : «لا» : نفى لما ظنوا أنه ينفعهم.

وأصل معنى «جرم» : كسب ، من قولهم. فلان جارم أهله ؛ أي : كاسبهم ؛ ومنه سمى الذنب : جرما ؛ لأنه اكتسب.

فكان المعنى عندهم : لا ينفعهم ذلك ؛ ثم ابتدأ فقال : جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون ؛ أي : كسب ذلك الفعل لهم الخسران فى الآخرة ، ف «أن» من «أنهم» ، على هذا القول : فى موضع نصب ب «جرم».

وقال الكسائي : معناه : لا صد ولا منع عن أنهم فى الآخرة ، ف «أن» فى موضع نصب على قوله أيضا ، بحذف حرف الجر.

٢٧ ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ

اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ

بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)

انتصب «بادى» على الظرف ؛ أي : فى بادى الرأى ، هذا على قراءة من لم يهمز.

ويجوز أن يكون مفعولا به حذف معه حرف الجر ، ومثله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) ٧ : ١٥٤

وإنما جاز أن يكون «فاعل» ظرفا ، كما جاز ذلك فى «فعيل» ، نحو : قريب ، و «فاعل» ، و «فعيل» يتعاقبان ، نحو : راحم ورحيم ، وعالم وعليم ؛ وحسن ذلك فى «فاعل» لإضافته إلى الرأى ، والرأى يضاف إليه المصدر ، وينتصب المصدر معه على الظرف ، والعامل فى الظرف «اتبعك» ، فهو من : بدا يبدو ، إذا ظهر.

ويجوز فى قراءة من لم يهمز أن يكون من «الابتداء» ، ولكنه سهل الهمزة.

٢١٣

ومن قرأه بالهمز ، أو قدر فى الألف أنها بدل من همزة ، فهو أيضا نصب على الظرف ؛ والعامل فيه أيضا «اتبع» ؛ والتقدير : عند من جعله من «بدا يبدو» : وما اتبعك يا نوح إلا الأراذل فيما ظهر لنا من الرأى ؛ كأنهم قطعوا عليه فى أول ما ظهر لهم من رأيهم لم يتعقبون بنظر ، إنما قالوا بما ظهر لهم من غير يقين.

والتقدير ، عند من جعله من «الابتداء» فهمز : ما اتبعك يا نوح إلا أراذل فى أول الأمر ؛ أي : ما نراك فى أول الأمر اتبعك إلا الأراذل.

وجاز تأخر الظرف بعد «إلا» وما بعدها من الفاعل ثم صلته ، لأن الظروف يتسع فيها ما لا يتسع فى المفعولات ؛ فلو قلت فى الكلام : ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما ، فأوقعت اسمين مفعولين بعد «إلا» لم يجز ؛ لأن الفعل لا يصل ب «إلا» إلى اسمين ، إنما يصل إلى اسم واحد ، كسائر الحروف ؛ ألا ترى أنك لو قلت : مررت بزيد عمرو ، فتوصل الفعل إليهما بحرف واحد ، ولم يجز ، فأما قولهم : ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا ؛ فإنما جاز ؛ لأن «بعضهم» بدل من «القوم» ، فلم يصل الفعل بعد «إلا» إلا إلى اسم واحد.

٢٨ ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ

فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)

«فعمّيت عليكم» : من خففه من القراء حمله على معنى : فعميتم على الأخبار التي تأتيكم ، وهى الرحمة ، فلم تؤمنوا بها ، ولم تعم الأخبار نفسها عنهم ؛ إنما عموا هم عنها ، فهو من المقلوب ، كقولهم : أدخلت القلنسوة فى رأسى ، وأدخلت القبر زيدا ، فقلب جميع هذا فى ظاهر اللفظ ؛ لأن المعنى لا يشكل ؛ ومثله قوله تعالى (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) ١٤ : ٤٧

وقيل : معنى «فعميت» ، لمن قرأ بالتخفيف : فخفيت ؛ فيكون غير مقلوب على هذا ، وتكون الأخبار التي أنت من عند الله خفى فهمها عليهم ، لقلة مبالاتهم بها وكثرة إعراضهم عنها.

فأما معناه ، على قراءة حفص وحمزة والكسائي ، الذين قرءوا بالتشديد والضم على ما لم يسم فاعله : فليس فيه قلب ، ولكن الله عماها عليهم لما أراد بهم من الشقوة ، يفعل ما يشاء سبحانه ، وهى راجعة إلى القراءة الأولى ، لأنهم لم يعموا عنها حتى عماها الله عليهم.

وقد قرأ أبى ، وهى قراءة الأعمش : «فعماها عليكم» ؛ أي : عماها الله عليكم ، فهذا شاهد لمن ضم وشدد.

٢١٤

٣١ ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ

إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً)

«تزدرى أعينكم» : أصل «تزدرى» : تزترى ، فالدال مبدلة من تاء ؛ لأن الدال حرف مجهور. مقرن بالزاي ؛ لأنها مجهورة أيضا ، والتاء مهموسة فقاربت الزاى ، وحسن البدل لقرب المخرجين ؛ والتقدير : تزدريهم أعينكم ، ثم حذف «الإضمار» لطول الاسم.

٣٢ ـ (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا)

«نوح» : اسم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ انصرف ؛ لأنه أعجمى خفيف.

وقيل : هو عربى من : «ناح ينوح».

وقد قال بعض المفسرين : إنما سمى «نوحا» لكثرة نوحه على نفسه.

٣٦ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ

بِما كانُوا يَفْعَلُونَ)

«من» : فى موضع رفع ب «يؤمن».

٤٠ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ

اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)

«ومن آمن» : من ، فى موضع نصب على العطف على «اثنين» ، أو على «أهلك» ؛ و «من» فى قوله : «إلا من سبق» فى موضع نصب على الاستثناء من «الأهل».

٤١ ـ (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

«مجراها» : فى موضع رفع على الابتداء ، و «مرساها» : عطف عليه ، والخبر : «بسم الله» ؛ والتقدير : بسم الله إجراؤها وإرساؤها.

ويجوز أن يرتفعا بالظرف ؛ لأنه متعلق بما قبله ، وهو «اركبوا».

ويجوز أن يكون «مجراها» ، فى موضع نصب على الظرف ؛ على تقدير حذف ظرف مضاف إلى «مجراها» ، بمنزلة قولك : آتيك مقدم الحاج ؛ أي : وقت مقدم الحاج ؛ فيكون التقدير : بسم الله وقت إجرائها وإرسائها.

وقيل : تقديره فى النصب : بسم الله فى موضع إجرائها ، ثم حذف المضاف ، وفى التفسير ما يدل على نصبه على الظرف.

٢١٥

قال الضحاك : كأن يقول : وقت جريها : بسم الله ، فتجرى ، ووقت إرسائها : بسم الله ، فترسى.

والباء فى «بسم الله» متعلقة ب «اركبوا» ، والعامل فى «مجراها» ؛ إذا كان ظرفا ، معنى الظرف فى بسم الله ؛ ولا يعمل فيه «اركبوا» ؛ لأنه لم يرد : اركبوا فيها فى وقت الجري والرسو ؛ إنما المعنى : سموا اسم الله وقت الجري والرسو ؛ والتقدير : اركبوا الآن متبركين باسم الله فى وقت الجري والرسو.

وإذا رفعت «مجراها» بالابتداء وما قبله خبره ، كانت الجملة فى موضع الحال من الضمير فى «فيها» ؛ لأن فى الجملة عائدا يعود على الهاء ، فى «فيها» ، وهو الهاء ؛ لأنهما جميعا للسفينة ، ويكون العامل فى الجملة ، التي هى حال ، «ها» فى «فيها» ، ولا يجوز أن تتعلق الباء ب «اركبوا» ، مع كونها فى موضع الحال المقدرة : متبركين باسم الله ، مع كون مجراها ومرساها بسم الله.

والذي ذكره سهو ، لأن كل جار ومجرور وقع حالا إنما يتعلق بمحذوف ، كما أنهما كذلك إذا أوقعا صفة وخبرا ؛ قد يصح تعلق الباء فى «بسم الله» بنفس «اركبوا» ، كما ذكر ، لما يثبت من معنى الفعل ، ولا يحسن أن تكون هذه الجملة فى موضع الحال من المضمر فى «بسم الله» ، إن جعلته خبرا ل «مجراها» ، فإنما يعود على المبتدأ ، وهو «مجراها» ، وإن رفعت «مجراها» بالظرف لم يكن فيه ضمير ، والهاء فى «مجراها» إنما تعود على «الهاء» فى «فيها».

فإذا نصبت «مجراها» على الظرف عمل فيه «بسم الله» ، فكانت الجملة فى موضع الحال من المضمر فى «اركبوا» ، على تقدير قولك : خرج بثيابه ، وركب بسلاحه ؛ ومنه قوله : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ٥ : ٦١ ، فقولك : بثيابه ، وبسلاحه ، وبالكفر ، وبه ، كلها فى موضع الحال ؛ فكذلك «بسم الله مجراها» فى موضع الحال من المضمر فى «اركبوا» ، إذا نصبت «مجراها» على الظرف ؛ تقديره : اركبوا فيها متبركين باسم الله فى وقت الجري والرسو ؛ فيكون فى «بسم الله» ضمير يعود على المضمر فى «اركبوا» ، وهو ضمير المأمورين ، فتصح الحال منهم لأجل الضمير الذي يعود عليهم ، ولا يحسن على هذا التقدير أن تكون الجملة فى موضع نصب على الحال ، إنما هو ظرف ملغى ؛ وإذا كان ملغى لم يعتد بالضمير المتصل به ، وإنما يكون «مجراها» من جملة الحال ، لو رفعته بالابتداء.

ولو أنك جعلت الجملة فى موضع الحال من الهاء فى «فيها» ، على أن تنصب «مجراها» على الظرف ، لصار التقدير : اركبوا فيها متبركة باسم الله فى وقت الجري ، وليس المعنى على ذلك ؛ لأنه لا يدعى على السفينة بالتبرك ، إنما التبرك لركابها.

٢١٦

ولو جعلت «مجراها» و «مرساها» فى موضع اسم فاعل ، لكانت حالا مقدرة ، ولجاز ذلك ، ولجعلتها فى موضع نصب على الحال من «اسم الله» ، وإنما كانت ظرفا فيما تقدم من الكلام ، على أن تجعل «مجراها» فى موضع اسم فاعل.

فأما إن جعلت «مجراها» بمعنى : جارية ؛ و «مرساها» بمعنى : راسية ، فكونه حالا مقدرة حسنا.

فأما من فتح الميم وضمها فى «مجراها» :

فمن فتح ، أجرى الكلام على : جرت مجرى ، ومن ضم ، أجراه على : أجراها الله مجرى.

وقد قرأ عاصم الجحدري «مجريها ومرسيها» ، بالياء ، جعلهما نعتا لله جل ذكره.

ويجوز أن يكونا فى موضع رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هو مجريها ومرسيها.

٤٢ ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ

ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ)

«معزل» : من كسر الزاى ، جعله اسما للمكان ، ومن فتح فعلى المصدر.

«يا بنى» : الأصل فى «بنى» ثلاث ياءات : ياء التصغير ، وياء بعدها ، هى لام الفعل ، وياء بعد لام الفعل ، وهى ياء الإضافة ، فلذلك كسرت لام الفعل ؛ لأن حق ياء الإضافة فى المفردات أن يكسر ما قبلها أبدا ، فأدغمت ياء التصغير فى لام الفعل ؛ لأن حق ياء التصغير السكون ، والمثلان من غير حذف : المد واللين ، إذا اجتمعا ، وكان الأول ساكنا ، لم يكن بد من إدغامه فى الثاني ، وحذفت ياء الإضافة لأن الكسرة ، تدل عليها ، وحذفها فى النداء هو الأكثر فى كلام العرب ؛ لأنها حلت محل التنوين ، والتنوين فى المعارف لا يثبت فى النداء ، فوجب حذف ما هو مثل التنوين وما يقوم مقامه ، وهو ياء الإضافة ، وقوى حذفها فى مثل هذا اجتماع الأمثال المستقلة مع الكسر ، وهو ثقيل أيضا.

وقد قرأ عاصم بفتح الياء ، وذلك أنه أبدل من كسرة لام الفعل فتحة ، استثقالا لاجتماع الياءات مع الكسرة ، فانقلبت ياء الإضافة ألفا ، ثم حذفت الألف كما تحذف ياء ، فبقيت الفتحة على حالها ، وقوى حذف الألف لأنها عوض مما تحذف فى النداء ، وهو ياء الإضافة.

وقد قرأ ابن كثير فى غير هذا الموضع فى لقمان» ١٣ ، ١٦ ، ١٧ ، بإسكان الياء والتخفيف : وذلك أنه حذف ياء الإضافة للنداء ، فبقيت ياء مكسورة مشددة ، والكسرة كياء ، فاستثقل ذلك فحذف لام الفعل ، فبقيت ياء التصغير ساكنة.

٢١٧

٤٣ ـ (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ

إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)

العامل فى «اليوم» هو : «من أمر الله» ؛ تقديره : لا عاصم من أمر الله ، و «لا عاصم» : فى موضع رفع بالابتداء ، و «من أمر الله» : الخبر ، و «من» : متعلقة بمحذوف ؛ تقديره : لا عاصم مانع من أمر الله اليوم.

ويجوز أن يكون «من أمر الله» صفة ل «عاصم» ، ويعمل فى «اليوم» ، وتضمر خبرا ل «عاصم».

ولا يجوز أن يتعلق «من» ب «عاصم» ، ولا ينصب «اليوم» ب «عاصم» ، لأنه يلزم أن ينون «عاصما» ، ولا يبنى على الفتح ؛ لأنه يصير ما تعلق به وما عمل فيه من تمامه ، ونظيره : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ١٢ : ٩٢

«إلّا من رحم» : من ، فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، و «عاصم» على بابه ؛ تقديره : لا أحد يمنع من أمر الله لكن من رحم الله فإنه معصوم.

وقيل : «من» : فى موضع رفع ، على البدل من موضع «عاصم» ، وذلك على تقديرين :

أحدهما : أن يكون «عاصم» على بابه ؛ فيكون التقدير : لا يعصم اليوم من أمر الله إلا الله.

وقيل : إلا الراحم ، والراحم ، هو الله جل ذكره.

والتقدير الثاني : أن يكون «عاصم» بمعنى : معصوم ؛ فيكون التقدير : لا معصوم من أمر الله اليوم إلا المرحوم.

٤٦ ـ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ

بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)

«إنه عمل غير صالح» : الهاء ، تعود على «السؤال» ؛ أي : إن سؤالك إياى أن أنجى كافرا عمل غير صالح.

وقيل : هو من قول نوح لابنه ، وذلك أنه قال له «اركب معنا ولا تكن مع الكافرين» : إن كونك مع الكافرين عمل غير صالح ؛ فيكون هذا من قول نوح لابنه ، متصلا بما قبله.

وقيل : الهاء فى «أنه» تعود على ابن نوح ، وفى الكلام حذف مضاف ؛ تقديره : إن ابنك ذو عمل غير صالح.

٢١٨

فأما «الهاء» فى قراءة الكسائي ، فهى راجعة على «الابن» ، بلا اختلاف ؛ لأنه قرأ «عمل» بكسر الميم وفتح اللام ، ونصب «غيرا».

٥٠ ـ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ

إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ)

يجوز رفع «غيره» على النعت أو البدل ، من موضع «إله».

ويجوز الخفض على النعت أو البدل من لفظ «إله» ، وقد قرئ بهما.

ويجوز النصب على الاستثناء.

٥٢ ـ (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً)

«مدرارا» : حال من «السماء» ، وأصله الهاء ، والعرب تحذف الهاء من «مفعال» على طريق النسب.

٦٤ ـ (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً)

«آية» : نصب على الحال من «الناقة».

٦٦ ـ (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ

يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)

«يومئذ» : من فتح الميم من «يوم» ، فذلك لإضافته إلى غير متمكن ، وهو «إذ».

ومن كسر الميم أعرب وخفض لإضافته «الخزي» إلى «اليوم» ، فلم يبنه.

٦٧ ـ (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ)

إنما حذفت التاء من «أخذ» ؛ لأنه قد فرق بين المؤنث ، وهو الصيحة ، وبين فعله ، وهو «أخذ» بقوله الذين ظلموا» ، وهو مفعول «أخذ» ، فقامت التفرقة مقام التأنيث. وقد قال فى آخر السورة فى قصة شعيب وأخذت» الآية : ٨٤ ، فجرى التأنيث على الأصل ولم يعتد بالتفرقة.

وقيل : إنما حذفت التاء ، لأن تأنيث «الصيحة» غير حقيقى ، إذ ليس لها ذكر من لفظها.

وقيل : إنما حذف التاء ، لأنه حمل على معنى الصياح ، إذ الصيحة والصياح ، بمعنى واحد ، وكذلك العلة كل ما شابهه.

٢١٩

٦٩ ـ (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ

أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)

«سلاما» : انتصب على المصدر.

وقيل : هو منصوب ب «قالوا ، كما تقول : قلت خيرا ؛ لأنه لم يحك قولهم ، وإنما «السلام» بمعنى : قولهم فأعمل فيه ، كما تقول : قلت حقا ، لمن سمعته يقول : لا إله إلا الله ، فلم تذكر ما قال ، إنما جئت بلفظ تحقق قوله ، فأعملت فيه القول ، وكذلك «سلام» فى الآية ، إنما هو معنى ما قالوا ، ليس هو لفظهم بعينه فيحكى.

ولو رفع ، لكان محكيا ، وكان قولهم بعينه.

فالنصب أبدا فى هذا وشبهه مع «القول» إنما هو معنى ما قالوا لا قولهم بعينه ، والرفع على أنه قولهم بعينه حكاه عنهم.

«سلام» : رفعه على الحكاية «لقولهم» ، وهو خبر ابتداء محذوف ، أو مبتدأ ؛ تقديره : قال : هو سلام ، أو : أمرى سلام ، أو : عليكم سلام ، فنصبها جميعا يجوز على ما تقدم ، ورفعهما جميعا يجوز على الحكاية والإضمار.

«فما لبث أن» : أن ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف ؛ تقديره : فما لبث عن أن جاء.

وأجاز الفراء أن يكون فى موضع رفع ب «لبث» ، تقديره عنده : فما لبث مجيئه ؛ أي : ما أبطأ مجيئه بعجل ، ففي «لبث» ، على القول الأول ، ضمير إبراهيم ، ولا ضمير فيه على القول الثاني.

وقيل : «ما» بمعنى «الذي» ، وفى الكلام حذف مضاف ؛ تقديره : فالذى لبث إبراهيم قدر مجيئه بعجل ؛ أراد أن يبين فيه قدر إبطائه ؛ ففي «لبث» ضمير الفاعل ، وهو إبراهيم ايضا.

٧١ ـ (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)

ومن رفع «يعقوب» جعله مبتدأ ، وما قبله خبره ، والجملة ، فى موضع نصب على الحال المقدرة من المضمر المنصوب فى «بشرناها» ، فيكون «يعقوب» داخلا فى البشارة.

ويجوز رفع «يعقوب» على إضمار فعل ، تقديره : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب ؛ فيكون «يعقوب» على هذا القول غير داخل فى البشارة.

٢٢٠