الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٤

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

٥٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ

أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

«والكفار» : من خفضه عطفه على «الذين» فى قوله «من الذين أوتوا» ، فيكونون موصوفين باللعب والهزء ، كما وصف به الذين أوتوا الكتاب ، لقوله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) ١٥ : ٩٥ ، يريد به : كفار قريش.

ومن نصبه عطفه على «الذين» فى قوله «لا تتخذوا الذين» ، ويخرجون من الوصف بالهزء واللعب.

٥٩ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما

أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)

«إلا أن آمنا» : أن ، فى موضع نصب ب «تنقمون».

«وأن أكثر» : عطف عليها.

٦٠ ـ (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ

وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ

عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)

«وعبد الطّاغوت» : من فتح الباء ، جعله فعلا ماضيا ، ونصب به «الطاغوت».

وفى «عبد» : ضمير «من» فى قوله «من لعنه الله» ، ولم يظهر ضمير جمع فى «عبد» حملا على لفظ «من» ، ومعناها : الجمع ؛ ولذلك قال «منهم».

ولو حمل على المعنى ، لقال : «وعبدوا».

و «من» فى قوله «من لعنه الله». فى موضع رفع ، على حذف المضاف ؛ تقديره : لعن من لعنه الله ؛ أي :

هو لعن ، فالابتداء والمضاف محذوفان.

وقيل : من ، فى موضع خفض على البدل من «شر» ، بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.

ومن ضم الباء من «عبد» ، جعله اسما على «فعل» مبنيا ، للمبالغة فى عبادة الطاغوت ، كقولهم : رجل يقظ ، أي تكثر منه الفطنة والتيقظ ، فالمعنى : وجعل منهم من يبالغ فى عبادة الطاغوت. وأصل هذا البناء للصفات

١٢١

و «عبد» أصله الصفة ؛ ولكنه استعمل فى هذا استعمال الأسماء ، وجرى فى بناء الصفات على أصله ، كما استعملوا الأبطح والأبرق استعمال الأسماء ، وكسرا تكسيرا الأسماء ، فقيل : الأباطح والأبارق ، ولم يصرفا ، كأحمر ، وأصلهما الصفة.

٦١ ـ (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ

بِما كانُوا يَكْتُمُونَ)

«وقد دخلوا بالكفر» : فى موضع الحال ، وكذلك : «به» ، والمعنى : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، لم يخبر عنهم أنهم دخلوا حاملين شيئا ، إنما أخبر عنهم أنهم دخلوا معتقدين كفرا.

٦٤ ـ (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ

الْعَداوَةَ ، وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ)

«ما أنزل» : ما ، فى موضع رفع بفعله ، وهو : ليزيدن ، و «كلما» ظرف ، والعامل فيه «أطفأها» ، أو فيه معنى الشرط ، «فلا بد له من جواب» ، وجوابه : «أطفأها»

٦٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ

الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

«والصّابئون» : مرفوع على العطف على موضع «إن» وما عملت فيه ، وخبر «إن» منوى قبل «الصابئين» ، فلذلك جاز العطف على الموضع ؛ والخبر هو «من آمن» ، فنوى به التقديم ، فحق : «والصائبون والنصارى» إن وقع بعد «يحزنون» ؛ وإنما احتيج إلى هذا التقدير ؛ لأن العطف فى «إن» على الموضع لا يجوز إلا بعد تمام الكلام وانقضاء اسم «إن» وخبرها ، فتعطف على موضع الجملة.

وقال الفراء : هو عطف على المضمر فى «هادوا» ، وهو غلط ؛ لأنه يوجب أن يكون الصابئين والنصارى : يهودا ؛ وأيضا فإن العطف على المضمر المرفوع قبل أن تؤكده ، أو تفصل بينهما بما يقوم مقام التأكيد ، قبيح عند بعض النحويين.

وقيل : «الصابئون» مرفوع على أصله قبل دخول «إن»

وقيل : إنما رفع «الصابئون» لأن «إن» لم يظهر لها عمل فى «الذين» ، فبقى المعطوف مرفوع على أصله قبل دخول «إن» على الجملة.

١٢٢

وقيل : إنما رفع ، لأنه جاء على لغة بلحارث ، الذين يقولون : رأيت الزيدان ، بالألف.

وقيل : «إن» ، بمعنى : نعم.

وقيل : إن خبر «إن» مضمر ، دل عليه الثاني ؛ فالعطف ب «الصابئين» إنما أتى بعد تمام الكلام وانقضاء اسم «إن» وخبرها ؛ وإليه يذهب الأخفض ، والمبرد.

ومذهب سيبويه : أن خبر الثاني هو المحذوف ، وخبر «إن» هو الذي فى آخر الكلام ، يراد به التقديم قبل : «الصابئين» ، فيصير العطف على الموضع بعد خبر «إن» فى المعنى.

٧١ ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا

وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)

«وحسبوا أن لا تكون فتنة» : من رفع «تكون» جعل «إن» مخففة من الثقيلة ، وأضمر معها الهاء ، و «تكون» خبر «أن» وجعل «حسبوا» بمعنى : أيقنوا ؛ لأن «أن» للتأكيد ، والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين ، فهو نظيره وعديله ، و «أن» فى موضع نصب ب «حسب» ، سدت مسد مفعولى «حسب» ؛ تقديره : أنه لا تكون فتنة.

وحق «أن» أن تكتب منفصلة على هذا التقدير ، لأن الهاء المضمرة تحول بين «أن» ولام «لا» فى المعنى ، فيمتنع اتصالها باللام.

ومن نصب «تكون» جعل «أن» هى الناصبة للفعل ، وجعل «حسب» بمعنى : الشك ، لأنها لم يتبعها تأكيد ، لأن «أن» الخفيفة ليست للتأكيد إنما هى لأمر يقع وقد لا يقع ، فالشك نظير ذلك وعديله ، والمشددة إنما تدخل لتأكيد وقع وثبت ، فلذلك كان «حسب» ، مع «أن» المشددة لليقين ، ومع الخفيفة للشك ؛ ولو كان قبل «أن» فعل لا يصلح للشك لم يجز أن تكون إلا مخففة من الثقيلة ، لم يجز نصب الفعل بها ، قوله (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) ٢٠ : ٨٩ ، و (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) ٧٣ : ٢ ، و «لا» و «السين» عوض من حذف تشديد «أن».

ولو وقع قبل «أن» فعل لا يصلح إلا لغير الإثبات لم يجز فى الفعل إلا النصب ، نحو قولك : طمعت أن تقوم ، وأشفقت أن تقوم ، وأخشى أن تقوم ؛ هذا لا يجوز فيه إلا النصب بعد «أن» ، ولا تكون «أن» معه مخففة من الثقيلة.

فهذه ثلاثة أقسام :

١٢٣

١ ـ فعل ، بمعنى الثبات واليقين ، لا يكون معه إلا الرفع بعد «أن» ، ولا تكون «أن» إلا مخففة من الثقيلة.

٢ ـ وفعل ، بضد معنى الثبات واليقين ، لا يكون معه إلا النصب ، ولا تكون «أن» معه إلا غير مخففة من الثقيلة.

٣ ـ وفعل ثالث يحتمل الوجهين : فيجوز معه الوجهان.

هذه الأصول هى الاختيار عند أهل العلم ، وقد يجوز غيرها على مجاز وسعة.

«فعموا وصمّوا» : إنما جمع الضمير ، ردا على المذكورين.

«ثم عموا وصموا كثير منهم» : «كثير» ، بدل من الضمير.

وقيل : «كثير» : رفع على إضمار مبتدأ دل عليه «عموا وصموا» ، وإنما جمع الضمير ردا على المذكورين ، و «كثير» : بدل من الضمير.

وقيل : كثير ، وقع على إضمار مبتدأ دل عليه «عموا وصموا» ؛ تقديره : العمى والصم كثير منهم.

وقيل : التقدير : العمى والصم منهم كثير.

وقيل : جمع الضمير ، وهو متقدم ، على لغة من قال : أكلونى البراغيث ، و «كثير» رفع لما قبله.

ولو نصبت «كثيرا» فى الكلام ، لجاز ، تجعله نعتا لمصدر محذوف ؛ أي : عمّى وصمعا كثيرا.

٧٣ ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ

إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ)

«ثالث ثلاثة» لا يجوز تنوين «ثالث» ؛ لأنه بمعنى : أحد ثلاثة ؛ فلا معنى للفعل فيه ، وليس بمنزلة : هذا ثالث اثنين ، لأن فيه معنى الفعل ، إذ معناه : يصير اثنين ثلاثة بنفسه ، فالتنوين فيه جائز.

«وما من إله إلا إله واحد» : إله ؛ بدل من موضع «من إله» ؛ لأن «من» زائدة ، فهو مرفوع.

ويجوز فى الكلام النصب «إلا إلها واحدا» ؛ على الاستثناء.

وأجاز الكسائي الخفض على البدل من لفظ «إله» ، وهو بعيد ؛ لأن «من» لا يراد فى الواجب.

٧٩ ـ (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)

«لبئس ما كانوا يفعلون» : ما ، فى موضع نصب ، نكرة. أي : لبئس شيئا كانوا يفعلونه ، فما بعد «ما» صفة لها.

١٢٤

وقيل : «ما» بمعنى : الذي ، فى موضع رفع ب «بئس» ؛ أي : لبئس الشيء الذي كانوا يفعلونه. والهاء محذوفة من الصفة والصلة.

٨٠ ـ (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ

أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ)

«أن» : فى موضع رفع ، على إضمار مبتدأ ؛ تقديره : هو أن سخط الله.

وقيل : هو فى موضع رفع على البدل من «ما» فى «لبئس» ، على أن «ما» معرفة.

وقيل : فى موضع نصب على البدل من «ما» ، على أن «ما» نكرة.

وقيل : على حذف اللام ؛ أي : لأن سخط.

٨٢ ـ (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ

أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى)

«عداوة» : نصب على التفسير ؛ ومثله : «مودة».

٨٣ ـ (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)

«تفيض» : فى موضع نصب على الحال «من» أعينهم ؛ لأن «ترى» من رؤية العين.

٨٤ ـ (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ)

«لا نؤمن» : فى موضع نصب ، على الحال من المخبرين فى «لنا» ، كما تقول : فما لك قائما؟

٨٥ ـ (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ

فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ)

«تجرى من تحتها الأنهار» : فى موضع نصب على النعت ل «جنات».

«خالدين» : حال من الهاء والميم فى «فأثابهم».

٨٩ ـ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ)

«فصيام ثلاثة أيام» : رفع على الابتداء ، والخبر محذوف ؛ أي : فعليه صيام ثلاثة أيام.

٩٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ)

«بشيء من الصّيد» : من ، للتبعيض ؛ لأن المحرم صيد البحر خاصة ؛ لأن التحريم إنما وقع فى حال الإحرام خاصة.

١٢٥

وقيل : «من» لبيان الجنس ؛ فلما قال : ليبلونكم الله بشيء ، لم يعلم من أي جنس هو؟ فبين ، فقال : من الصيد ، كما تقول : لأعطينك شيئا من الذهب.

٩٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ

مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً

بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً

لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ)

«وأنتم حرم» : ابتداء وخبر ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «تقتلوا».

«متعمدا» : حال من المضمر المرفوع فى «قتله».

«فجزاء مثل ما قتل من النعم» : جزاء ، مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف ؛ أي : فعليه جزاء.

ومن نون «جزاء» جعل «مثل» صفة له ؛ و «من النعم» صفة أخرى ل «جزاء».

ويجوز أن يكون «مثل» بدل من «جزاء».

و «من» فى قوله «من النعم» لا تتعلق ب «جزاء» ، لأنها تصير فى صفته ، والصفة لا تدخل فى صلة الموصوف ، لأنها لا تكون إلا بعد تمام الموصوف بصلته.

ولو جعلت «من» متعلقة ب «جزاء» دخلت فى صلته ، وأنت قد قدمت مثل هذا ، وهو بدل أو صفة ، والبدل والصفة لا يأتيان إلا بعد تمام الموصول بصلته ، فيصير ذلك إلى التفرقة بين الصلة والموصول بالبدل أو النعت ، وليس هذا بمنزلة «جزاء سيئة بمثلها» ١٠ : ٢٧ ، فى جواز تعلق الباء ب «جزاء» ؛ لأنه لم يوصف ولا أبدل منه ، إنما أضيف ، والمضاف إليه داخل فى الصلة ، فذلك حسن جائز ، و «مثل» فى هذه القراءة ، بمعنى : مماثل ؛ والتقدير ، فجزاء مماثل لما قتل ، يعنى فى القيمة أو فى الخلقة ، على اختلاف العلماء فى ذلك.

ولو قدرت «مثلا» على لفظه لصار المعنى : فعليه جزاء مثل المقتول من الصيد ، وإنما يلزم جزاء المقتول عينه لا جزاء أمثاله ؛ لأنه إذا أدى جزاء من المقتول صار إنما يؤدى جزاء ما لم يقتل ؛ لأن مثل المقتول لم تقتله ، فصح أن المعنى : فعليه جزاء مماثل للمقتول يحكم به ذوا عدل ، ولذلك تعددت القراءة بالإضافة عند جماعة ؛ لأنها توجب أن يلزم القاتل جزاء مثل الصيد الذي قتل ، وإنما جازت الإضافة عندهم على معنى قول العرب : إنى لأكرم مثلك ، يريدون : أكرمك ، فعلى هذا أضاف الجزاء إلى مثل المقتول ، يراد به : المقتول

١٢٦

بعينه ؛ فكأنه فى التقدير : فعليه جزاء المقتول من الصيد ؛ وعلى هذا تأويل العلماء قول الله جل ثناؤه (كمن مثله فى الظلمات) ٦ : ١٢٢ ؛ معناه : كمن هو هو فى الظلمات ؛ ولو حمل على الظاهر لكان : مثل الكافر فى الظلمات لا الكافر ، والمثل والمثل واحد.

و «من النعم» ، فى قراءة من أضاف «الجزاء» «إلى» مثل ، صفة «جزاء» ، ويحسن أن يتعلق «من» بالمصدر فلا يكون صفة له ؛ وإنما المصدر معدى إلى «من النعم» ، فإذا جعلته صفة ، ف «من» متعلقة بالخبر المحذوف ، وهو : «فعليه» ، وإذا لم تجعلها صفة تعلقت ب «جزاء» ، كما تعلقت فى قوله له تعالى (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) ١٠ : ٢٧ ، لأن الجزاء لم يوصف ولا أبدل منه ، فلا تفرقة فيه بين الصلة والموصول ، فأما إذا نونت «جزاء» فلا يحسن تعلق «من» ب «جزاء» لما قدمنا.

«هديا» : انتصب على الحال من الهاء فى «به» ، ويجوز أن يكون انتصب على البيان ، أو على المصدر.

«بالغ» : نعت ل «هدى» ، والتنوين مقدر فيه ، فلذلك وقع نعتا لنكرة.

«أو كفارة» : عطف على «جزاء» ؛ أي : أو عليه كفارة.

«صياما» : نصب على البيان.

٩٦ ـ (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ

الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

«متاعا» : نصب على المصدر ؛ لأن قوله «أحل لكم» بمعنى : أمتعتم به إمتاعا ؛ بمنزلة : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ٤ : ٢٤ «حرما» : خبر «دام».

٩٧ ـ (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ

ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

«ذلك لتعلموا» : ذلك ، فى موضع رفع ، على معنى : الأمر ذلك ؛ ويجوز أن يكون فى موضع نصب ، على : فعل الله ذلك لتعلموا.

١٢٧

١٠١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)

«أشياء» : قال الخليل ، وسيبويه ، والمازني : أصلها : شيئاء : على وزن فعلاء ؛ فلما كثر استعمالها استثقلت همزتان بينهما ألف ، فنقلت الهمزة الأولى هى لام الفعل ، قبل فاء الفعل ، وهى الشين ، فصارت «أشياء». على «لفعاء» ، ومن أجل أن أصلها : فعلاء ، كحمراء ، امتنعت من الصرف ، وهى عندهم : اسم للجمع ، وليست بجمع «شىء».

«إن تبد لكم تسؤكم» : شرط وجوابه ، والجملة فى موضع خفض على النعت ل «أشياء».

١٠٣ ـ (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)

«من بحيرة» : من ، زائدة للتأكيد ، و «بحيرة» : فى موضع نصب ب «جعل».

١٠٤ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا

ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا)

«حسبنا» : ابتداء ، وخبره : «ما وجدنا».

١٠٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ

اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ

فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ

إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ

شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ)

«إذا حضر» : العامل في «إذا» : «شهادة» ، ولا تعمل فيها «الوصية» ؛ لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، وأيضا فإن «الوصية» مصدر ، فلا يقدم ما عمل فيه عليه ، والعامل فى «حين الوصية» : أسباب الموت ، كما قال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ٦ : ٦١ ، والقول لا يكون بعد الموت ، ولكن معناه : حتى إذا جاء أحدكم أسباب الموت.

وقيل : العامل فى «حين» : «حضر».

وقيل : هو بدل من «إذا» ، فيكون العامل فى «حين» : «الشهاد» أيضا.

«اثنان» : مرفوع ، على خبر «شهادة» ، على حذف مضاف ؛ تقديره : شهادة اثنين ؛ لأن الشهادة لا تكون هى الاثنان ، إذ العدد لا يكون خبرا عن المصادر ، فأضمرت مصدرا ليكون خبرا عن مصدر.

١٢٨

«وآخران» : عطف على «اثنان» ؛ على تقدير حذف مضاف أيضا ؛ تقديره : أو شهادة آخرين.

وقيل : «إذا حضر» ، هو خبر «شهادة» ، و «اثنان» ارتفعا بفعلهما ، وهو «شهادة».

«إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت» : اعتراض بين الموصوف وصفته ؛ واستغنى عن جواب «إن» ، التي هى للشرط ، بما تقدم فى الكلام ؛ لأن معنى : «اثنان ذوا عدل منكم وآخران من غيركم» : معنى الأمر بذلك ، لفظه لفظ الخبر ، واستغنى عن جواب «إذا» ، أيضا ، بما تقدم من الكلام ، وهو قوله «شهادة بينكم» ؛ لأن معناه : ينبغى أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت.

«تحبسونهما من بعد الصّلاة» : صفة ل «آخران» ، فى موضع رفع.

«فيقسمان بالله» : الفاء ، لعطف جملة على جملة ، ويجوز أن يكون جواب جزاء «إن» : «تحبسونهما» ، معناه : الأمر بذلك ، فهى جواب الأمر الذي دل عليه الكلام ، كأنه قال : إذا حبستموهما أقسما.

«لا نشترى» : جواب لقوله «فيقسمان» ؛ لأن «أقسم» يجاب بما يجاب به القسم.

«به» : الهاء : تعود على المعنى ، لأن التقدير : لا نشترى بتحريف شهادتنا ثمنا ؛ ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

وقيل : الهاء ، تعود على «الشهادة» ، لكن ذكّرت لأنها قول ، كما قال : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) ٤ : ٨ ، فرد الهاء على المقسوم ، لدلالة القسمة على ذلك.

«ثمنا» : معناه : ذا ثمن ؛ لأن الثمن لا يشترى ، إنما يشترى ذو الثمن ، وهو المثمن ، وهو كقوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً) ٩ : ٩ ؛ أي : ذا ثمن.

«ولو كان ذا قربى» : فى «كان» اسمها ؛ أي : ولو كان المشهود له ذا قربى من الشاهد.

«ولا نكتم شهادة الله» : إنما أضيفت الشهادة إلى الله ، لأنه هو أمر بأدائها ونهى عن كتمانها.

١٠٧ ـ (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ

اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا

إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)

«فآخران يقومان» : فآخران ، رفع بفعل مضمر ، أو بالابتداء ، و «يقومان» نعت لهما ، و «من الذين» : خبره.

«الأوليان». من رفعه وبناه جعله بدلا من «آخران» ، أو من المضمر فى «يقومان».

١٢٩

وقيل : هو مفعول لم يسم فاعله ل «استحق» ، على قراءة من ضم التاء ، على تقدير حذف مضاف ؛ تقديره : من الذين استحق عليهم إثم الأوليين ؛ ويكون «عليهم» بمعنى : فيهم.

ومن قرأه «الأولين» ، على أنه جمع «أول» ، فهو فى موضع خفض على البدل من «الذين» ، أو من الهاء والميم فى «عليهم».

«لشهادتنا» : اللام ، جواب القسم فى قوله «فيقسمان».

١٠٨ ـ (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها)

«أن يأتوا» : «أن» ، فى موضع نصب على حذف حرف الجر ؛ تقديره : لأن يأتوا.

١١٠ ـ (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً

بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ

بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ

هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)

«فتنفخ فيها» : الهاء ، تعود على «الهيئة» ؛ والهيئة ، مصدر فى موضع : المهيأ ؛ لأن النفخ لا يكون فى الهيئة إنما يكون فى المهيأ.

ويجوز أن يعود على الطير ، لأنه مؤنث.

ومن قرأ «طائرا» ، أجاز أن يكون «طائرا» جمعا ، فيؤنث الضمير فى «فيها» ، لأجل رجوعه على الجمع.

«إن هذا إلا سحر» : إن ، بمعنى «ما» ، و «هذا» : إشارة إلى ما جاء به عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويجوز أن يكون «هذا» : إشارة إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على تقدير حذف مضاف ؛ تقديره : إن هذا إلا ذو سحر.

فأما من قرأ «ساحر» ، بألف ، فهذا إشارة إلى النبي عيسى عليه‌السلام ، بغير حذف ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى الإنجيل ، فيكون اسم الفاعل فى موضع المصدر ؛ كما قالوا : عائذا بالله من شرها ؛ يريدون : عياذا بالله.

١٣٠

١١٦ ـ (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ

مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ

كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ

أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)

«أنت» : تأكيد للكاف ؛ أو مبتدأ ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب.

١١٧ ـ (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ

شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ

شَيْءٍ شَهِيدٌ)

«أن اعبدوا الله» : أن ، مفسرة ، لا موضع لها من الإعراب ؛ بمعنى : أي.

ويجوز أن تكون فى موضع نصب على البدل من «ما».

«ما دمت فيهم» : ما ، فى موضع نصب على الظرف ، والعامل «شهيدا».

١١٨ ـ (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

«أنت العزيز» : أنت ، تأكيد ل «الكاف» ، أو مبتدأ ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب.

١١٩ ـ (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

«ينفع» : من رفع «يوم» جعله خبرا ل «هذا» ، و «هذا» إشارة إلى يوم ، «والجملة» فى موضع نصب بالقول.

فأما من نصب «يوما» ، فإنه جعله ظرفا للقول ، و «هذا» إشارة إلى القصص والخبر الذي تقدم ؛ أي : يقول الله هذا الكلام فى يوم ينفع ، ف «هذا» إشارة إلى ما تقدم من القصص ، وهو قوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) الآية : ١١٦ ، إلى قوله (مِنْ دُونِ اللهِ) الآية : ١١٦ ، فأخبر الله عما لم يقع بلفظ الماضي ، لصحة كونه وحدوثه.

وجاز أن يقع «يوم» خبرا عن «هذا» ؛ لأنه إشارة إلى حدث ، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الحدث.

١٣١

ويجوز على قول الكوفيين أن يكون «يوم ينفع» مبنيا على الفتح ، لإضافته إلى الفعل ، فإذا كان كذلك احتمل موضعه النصب والرفع ، على ما تقدم من التفسير ، وإنما يقع البناء فى الظرف إذا أضيف إلى الفعل عند البصريين ، إذا كان الفعل مبنيا ، فأما إذا كان معربا فلا يبنى الظرف إذا أضيف إليه ، عندهم.

«خالدين» : حال من الهاء والميم فى «لهم» ، و «أبدا» : ظرف زمان.

«رضى» : الياء فيها ، بدل من واو ، لانكسار ما قبلها ؛ لأنه من «الرضوان».

ـ ٦ ـ

سورة الأنعام

٣ ـ (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ)

إن جعلت «وفى الأرض» متعلقا بما قبله وقفت على «وفى الأرض» ، ورفعت «يعلم» على الاستئناف ؛ أي : وهو المعبود فى السموات وفى الأرض.

وإن جعلت «فى الأرض» متعلقا ب «يعلم» وقفت على «فى السموات».

٦ ـ (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ

لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً)

«كم» : فى موضع نصب «أهلكنا» لا ب «يروا» ؛ لأن الاستفهام وما أجرى مجراه وضارعه لا يعمل فيه ما قبله.

«مدرارا» : نصب على الحال من «السماء».

١٠ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا

بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)

«ما» : فى موضع رفع ب «حاق» ؛ وتقديره : عقاب ما كانوا ؛ أي : عقاب استهزائهم.

١١ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

«عاقبة» : اسم كان ؛ و «كيف» خبر «كان».

ولم يقل «كانت» ؛ لأن عاقبتهم بمعنى : مسيرهم ، وإن تأنيث «العاقبة» غير حقيقى.

١٣٢

١٢ ـ (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ

إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

«ليجمعنّكم» : فى موضع نصب ، على البدل من «الرحمة» ، واللام لام القسم ، فهى جواب «كتب» ؛ لأنه بمعنى : أوجب ذلك على نفسه ؛ ففيه معنى القسم.

«الذين» : رفع بالابتداء ، و «فيهم لا يؤمنون» : ابتداء وخبر ، فى موضع خبر «الذين».

وأجاز الأخفش أن يكون «الذين» فى موضع نصب على البدل من الكاف والميم فى «ليجمعنكم» ، وهو بعيد ، لأن المخاطب لا يبدل منه غير مخاطب ، لا تقول : رأيتك زيدا ، على البدل.

١٦ ـ (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)

من فتح الياء وكسر الراء فى «يصرف» أضمر الفاعل ، وهو الله جل وعز ؛ وأضمر مفعولا محذوفا ؛ تقديره : من يصرف الله عنه العذاب يومئذ.

ومن ضم الياء وفتح الراء أضمر مفعولا لم يسم فاعله لا غير ؛ تقديره : من يصرف عنه العذاب يومئذ.

فهذا أقل إضمارا من الأول ، وكلما قل الإضمار عند سيبويه كان أحسن.

١٩ ـ (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا

الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى)

«شهادة» : نصب على البيان.

«ومن بلغ» : من ، فى موضع نصب ، عطف على الكاف والميم فى «لأنذركم» ؛ أي : وأنذر من بلغه القرآن.

وقيل : من بلغ الحلم.

٢٠ ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

«الذين آتيناهم» : الذين ، مبتدأ ، وخبره : «يعرفونه».

«الّذين خسروا» : رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هم الذين خسروا.

٢١ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)

«من» : فى موضع رفع بالابتداء ، وهى استفهام بمعنى التوبيخ ، متضمنة معنى النفي ؛ تقديره : لا أحد أظلم

١٣٣

ممن افترى على الله كذبا ، وأضمر خبر الابتداء ، إلا إنه يحتاج إلى تمام ؛ لأن «ممن افترى على الله كذبا» تمام «أظلم» ، وكذلك «أفعل من كذا» حيث وقع ، «من» وما بعدها ، من تمام «أفعل»

٢٣ ـ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)

من قرأ «تكن» ، بالتاء ، أنث لتأنيث لفظ «الفتنة» ، وجعل ، الفتنة ، اسم «كان».

وقيل : هى خبر «كان» ، و «أن» اسم «كان» ، وأنث «تكن» على المعنى ؛ لأن «أن» وما بعدها هو الفتنة فى المعنى ؛ لأن اسم «كان» هو الخبر فى المعنى ؛ إذ هى داخلة على الابتداء والخبر.

وجعل «أن» اسم «كان» هو الاختيار عند أهل النظر ؛ لأنها لا تكون إلا معرفة ، لأنها لا توصف ، فأشبهت المضمر ، والمضمر أعرف المعارف ، فكان الأعرف اسم «كان» أولى مما هو دونه فى التعريف ؛ إذ الفتنة إنما تعرفت بإضافتها إلى المضمر ، فهى دون تعريف «أن» بكثير.

ومن قرأ «يكن» ، بالياء ، ورفع «الفتنة» ، ذكّر ؛ لأن تأنيث الفتنة غير حقيقى ؛ لأن الفتنة يراد بها المعذرة ، والمعذرة والعذر سواء ، فحمله على المعنى ، فذكّر ؛ ولأن الفتنة ، هى القول فى المعنى ، فذكر حملا على المعنى.

٢٥ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ

وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ

الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)

«من» : مبتدأ ، وما قبلة خبره ، وهو «ومنهم». ووحد «يستمع» ؛ لأنه حمله على لفظ «من» ، ولو جمع فى الكلام على المعنى ، لحسن ؛ كما قال فى يونس «ومنهم من يستمعون إليك» الآية : ٤٢

«أساطير» : واحدها : أسطورة ؛ وقيل : إسطارة ؛ وقيل : هى جمع الجمع ، واحده : إسطار ، وإسطار : جمع : سطر ، ولكنه جمع قليل ، وأساطير : جمع كثير.

٢٧ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا

وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

«ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون» : من رفع الفعلين عطفهما على «نرد» ، وجعله كله مما تمناه الكفار يوم القيامة ، تمنوا ثلاثة أشياء : أن يردوا ، وأن لا يكونوا قد كذبوا بآيات الله فى الدنيا ، وتمنوا أن يكونوا من المؤمنين.

١٣٤

ويجوز أن يرفع «نكذب» و «نكون» على القطع ، فلا يدخلان فى التمني ؛ وتقديره : يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب ، ونحن نكون من المؤمنين ، رددنا أو لم نرد ، كما حكى سيبويه : دعنى ولا أعود ، بالرفع ؛ أي :

وأنا لا أعود ، تركتنى أو لم تتركنى.

فأما من نصب الفعلين ، فعلى جواب التمني ؛ لأن التمني غير واجب ، فيكون الفعلان داخلين فى التمني ، كالأول من وجهى الرفع والنصب ، بإضمار «أن» حملا على مصدر «نرد» ، فأضمرت «أن» لتكون مع الفعل مصدرا ، فتعطف الواو مصدرا على مصدر ؛ تقديره : يا ليت لنا ردا وانتفاء من التكذيب ، وكونا من المؤمنين.

فأما من رفع «نكذب» ونصب «ونكون» ، فإنه رفع «نكذب» على أحد الوجهين الأولين : إما أن يكون داخلا فى

التمني فيكون كمعنى النصب ، أو يكون وقع على الثبات والإيجاب كما تقدم ؛ أي : ولا نكذب ، رددنا أو لم نرد ، ونصب «يكون» على جواب التمني على ما تقدم ، فيكون داخلا فى التمني.

٢٨ ـ (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ

وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)

«وإنّهم لكاذبون» : دل على تكذيبهم أنهم إنما أخبروا عن أنفسهم بذلك ولم يتمنوه ؛ لأن التمني لا يقع جوابه التكذيب فى الخبر.

وقال بعض أهل النظر : الكذب لا يجوز وقوعه فى الآخرة ، إنما يجوز وقوعه فى الدنيا ، وتأويل قوله تعالى «وإنهم لكاذبون» ؛ أي : كاذبون فى الدنيا ، فى تكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث ، فيكون ذلك خطابه ، للحال التي كانوا عليها فى الدنيا.

وقد أجاز أبو عمرو وغيره وقوع التكذيب لهم فى الآخرة ، لأنهم ادعوا أنهم لو ردوا لم يكذبوا بآيات الله ، وأنهم يؤمنون ، فعلم الله ما يكون لو كان كيف كان يكون ؛ وأنهم لو ردوا لم يؤمنوا وكذبوا بآيات الله ، فأكذبهم الله فى دعواهم.

٣١ ـ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى

ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)

«بغتة» : مصدر فى موضع الحال ، ولا يقاس عليه عند سيبويه ؛ لو قلت : جاء زيد إسراعا ، لم يجز.

«ما يزرون» : ما ، نكرة فى موضع نصب ب «ساء» ، وفى «ساء» ضمير مرفوع تفسيره ما بعده ، كنعم ، وبئس.

وقيل : «ما» : فى موضع رفع ب «ساء».

١٣٥

٣٢ ـ (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)

«الدار» : مبتدأ ، و «الآخرة» نعت ل «الدار» ، و «خير» هو خبر الابتداء.

وقد اتسع فى «الآخرة» فأقيمت مقام الموصوف ، وأصلها الصفة ؛ قال الله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ) الضحى : ٤

فأما من قرأ «ولدار» بلام واحدة ، وأضافها إلى «الآخرة» ، فإنه لم يجعل «الآخرة» صفة ل «دار» ، وإنما «الآخرة» صفة لموصوف محذوف ؛ تقديره : ولدار الساعة الآخرة ، ثم حذفت «الساعة» وأقيمت الصفة. مقام الموصوف ، فأضيفت «الدار» إليها.

فالآخرة والدنيا ، أصلهما الصفة ، لكن اتسع فيهما فاستعملتا استعمال الأسماء ، فأضيف إليهما.

٣٣ ـ (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ

بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)

«يكذّبونك» : من شدده حمله على معنى : ينسبونك إلى الكذب ؛ كما يقال : فسقت الرجل وخطأته ، إذا نسبته إلى الفسق والخطأ.

وأما من خففه ، فإنه حمله على معنى : لا يجدونك كاذبا ؛ كما يقال : أحمدت الرجل وأبخلته ، إذا أصبته بخيلا أو محمودا.

وقد يجوز أن يكون معنى التخفيف والتشديد سواء ، كما يقال : قللت وأقللت ؛ وكثرت وأكثرت ، بمعنى واحد.

٤٠ ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

«قل أرأيتكم» : الكاف والميم ، للخطاب ، لا موضع لها من الإعراب ، عند البصريين. وقال الفراء : لفظها منصوب ، ومعناها معنى مرفوع.

وهذا محال ، لأن الناهي الكاف فى «رأيتك» ، فكان يجب أن يظهر علامة جمع فى التاء ؛ وكان يجب أن يكون فاعلان لفعل واحد ، وهما لشىء واحد ؛ ويجب أن يكون قولك : رأيتك زيدا ما صنع؟ معناه : أرأيت نفسك زيدا ما صنع؟ لأن الكاف هو المخاطب ، وهذا الكلام محال فى المعنى ومناقض فى الإعراب والمعنى ؛ لأنك تستفهم عن نفسه فى صدر السؤال ، ثم ترد السؤال عن غيره فى آخر الكلام ، وتخاطب أولا ثم تأتى بغائب آخرا ، ولأنه يصير ثلاثة مفعولين ل «رأيت» ؛ وهذا كله لا يجوز ، لو قلت : رأيت عالما بزيد ، كانت الكاف فى موضع نصب ؛ لأن تقديره : رأيت نفسك عالما بزيد ، وهذا كلام صحيح ؛ قد تعدى «رأيت» إلى مفعولين لا غير.

١٣٦

٤٨ ـ (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

«إلّا مبشّرين ومنذرين» : حالان ، من «المرسلين».

«فمن آمن» : من ، مبتدأ ، والخبر : «فلا خوف عليهم».

٥٢ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ

مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)

«بالغداة» : إنما دخلت الألف واللام على «غداة» ، لأنها نكرة ، وأكثر العرب بجعل «غدوة» نكرة.

«من حسابهم من شىء» : «من» ، الأولى ، للتبعيض ، والثانية زائدة ؛ و «شيء» فى موضع رفع اسم «ما» ، ومثله : «وما من حسابك عليهم من شيء».

«فتطردهم» : نصب ، لأنه جواب النفي ، و «فتكون» ، جواب النهى فى قوله «ولا تطرد الذين».

٥٣ ـ (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ

بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)

«ليقولوا» : هذه لام «كي» ، وإنما دخلت على معنى : إن الله جل ذكره قد علم ما تقولون قبل أن تقولوا ، فصار : إنما فتنوا ليقولوا على ما تقدم فى علم الله ، فهو على سبيل الإنكار منهم ، وقيل : بل على سبيل الاستحياء ، وقالوا : أهؤلاء الذين من الله عليهم؟.

٥٤ ـ (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ

أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

إن من فتح «أن» فى الموضعين جعل الأولى بدلا من الرحمة ، بدل الشيء ، من الشيء ، وهو هو ، فهى فى موضع نصب ب «كتب» ، وأضمر الثانية خبرا ، وجعلها فى موضع رفع بالابتداء ، أو بالظرف ؛ تقديره : فله أن ربه غفور له ؛ أي : فله غفران ربه. ويجوز أن يضمر مبتدأ ، وبجعل «أن» خبره ، تقديره : فأمره أن ربه غفور له ، أي : فأمره غفران ربه ، ومثله فى التقدير والحذف والإعراب : (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) التوبة : ٦٣

وقد قيل : «أن» من : «فإنه» تكرير ، فتكون فى موضع نصب ردا على الأول ، كأنها بدل من الأول.

١٣٧

وفيه بعد ، لان «من» إن كانت موصولة بمعنى «الذي» وجعلت «فإنه» بدلا من «أن» الأولى بقي الابتداء ، وهو «من» بغير خبر ، وإن كانت «من» للشرط ، بقي الشرط بغير جواب ، مع أن ثبات الفاء يمنع من البدل ، لأن البدل لا يحول بينه وبين المبدل منه شىء غير الاعتراضات ، والفاء ليست من الاعتراضات ، فإن جعلت «الفاء» زائدة ، لا يجوز ، لأنه يبقى الشرط بغير جواب ؛ وإن جعلت «أن» الثانية بدلا من الأولى ، فأما الكسر فيهما فعلى الاستئناف ، أو على إضمار ، والكسر فيهما بعد الفاء أحسن ؛ لأن الفاء يبتدأ بما بعدها فى أكثر الكلام ، والكسر بعدها حسن.

٥٥ ـ (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)

«ولتستبين سبيل» : من قرأ بالتاء ونصب «السبيل» ، جعل التاء علامة خطاب واستقبال ، وأضمر اسم «النبي» فى الفعل.

ومن رأ بالتاء ورفع «السبيل» رفعه بفعله ؛ حكى سيبويه : استبان الشيء ، واستبنته أنا.

فأما من قرأ بالياء ورفع «السبيل» فإنه ذكّر «السبيل» ، لأنه يذكر ويؤنث ، ورفعه بفعله.

ومن قرأ بالياء ونصب «السبيل» أضمر اسم «النبي» فى الفعل ، وهو الفاعل ، ونصب «السبيل» ، لأنه مفعول به.

واللام فى «ولتستبين» متعلقة بفعل محذوف ؛ تقديره : ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها.

٥٦ ـ (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)

«أن» : فى موضع نصب على حذف الخافض ؛ تقديره : نهيت عن أن أعبد.

٥٧ ـ (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ)

«وكذّبتم به» : الهاء ، تعود على «البينة» ، وذكّرها لأنها بمعنى البيان.

٥٨ ـ (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ

أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)

«أن» : فى موضع رفع بفعله ، على إضمار فعل

١٣٨

٥٩ ـ (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما

تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا

يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)

«من ورقة» : من ، زائدة للتأكيد ، أفادت العموم ؛ و «ورقة» : فى موضع رفع ب «تسقط» ؛ وكذلك : «ولا حبة».

ويجوز رفع «حبة» على الابتداء ، وكذلك : «ولا رطب ولا يابس».

وقد قرأ الحسن ، وابن أبى إسحاق بالرفع فى «رطب ولا يابس» ، على الابتداء ، والخبر : «إلا فى كتاب مبين».

٦٢ ـ (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ)

«مولاهم» : بدل من اسم الله ، و «الحق» نعت ل «مولاهم».

وقرأ الحسن «الحق» ، بالنصب ، على المصدر ، أو على : «أعنى».

٦٣ ـ (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ

هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)

«تضرّعا» : مصدر ؛ وقيل : حال ، بمعنى : ذوى تضرع.

٦٥ ـ (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ

أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ

لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)

«شيعا» : مصدر ؛ وقيل : حال

٦٩ ـ (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)

«ولكن ذكرى» : فى موضع نصب على المصدر ، أو فى موضع رفع على الابتداء ، والخبر محذوف : تقديره : ولكن عليهم ذكرى.

١٣٩

٧٠ ـ (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ

تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ)

«أن تبسل» : أن ، فى موضع نصب مفعول من أجله ؛ أي : لئلا تبسل ، ومخافة أن تبسل.

٧١ ـ (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ

هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ

إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ

الْعالَمِينَ)

«حيران» : نصب على الحال ، ولكن لا ينصرف ، لأنه كغضبان.

٧٢ ـ (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

«أن» : فى موضع نصب ، بحذف حرف الجر ؛ تقديره : وبأن أقيموا.

وقيل : هو معطوف على معنى «لنسلم» الآية : ٧١ ، لأن تقديره : لأن نسلم.

وقيل : هو معطوف على معنى «ائتنا» الآية : ٧١ ، لأن معناه : أن ائتنا.

٧٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ

الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ

الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)

«يوم يقول» : انتصب «يوم» على العطف على الهاء فى «اتقوه» الآية : ٧٢ ؛ أي : واتقوا يوم يقول.

ويجوز أن يكون معطوفا على «السموات» ؛ أي : خلق السموات وخلق يوم يقول.

وقيل ، هو منصوب على : اذكر يا محمد يوم يقول.

«كن فيكون» ؛ أي : فهو يكون ، فلذلك رفعه ، وفى «يكون» اسمها ، وهى تامة لا تحتاج إلى خبر ، ومثلها : «كن» ، والضمير ، هو ضمير «الصور» الذي ذكره بعده ، يراد به التقديم قبل «فيكون».

وقيل : تقدير المضمر فى «فيكون» : فيكون جميع ما أراد.

وقيل : «قوله» هو اسم «فيكون» ، و «الحق» نعته.

١٤٠