الموسوعة القرآنيّة - ج ١

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٤

الباب الأول

حياة الرّسول

صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١
٢

١ ـ الجزيرة العربية قبل مبعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

كان إلى الغرب والشمال من الجزيرة العربية المملكة البيزنطية «الروم» ، وفى يديها مصر والشام ، وإلى الشرق والجنوب منها مملكة الفرس وفى يديها العراق واليمن ، وكلتا المملكتين كانت طامعة فى السيطرة على الجزيرة العربية ، وكانت بينهما بسبب ذلك حروب طاحنة امتدت حقبة طويلة.

ولقد أظل الإسلام الجزيرة والحرب قائمة ، لم تخمد نارها إلا مع العام الثامن والثلاثين بعد الستمائة. وحين أخفق الروم فى بسط نفوذهم على الجزيرة حربا أخذوا ينفذون إليها سلما ، فمدوا أيديهم إلى الغساسنة فى شمالى الجزيرة يجعلون منهم أعوانهم على هذا الغزو السامى ، وكما فعل الرومان فعل الفرس ، فإذا هم الآخرون يمدون أيديهم إلى المناذرة ، ملوك الحيرة فى الشرق ، يجعلون منهم أعوانهم على الوقوف أمام الغزو الرومانى.

وإذ كان الروم نصارى لقن الغساسنة طرفا من النصرانية ، وإذ كان الفرس مجوسا أخذ المناذرة بطرف من المجوسية ، وإذا النصرانية تعرف طريقها إلى الجزيرة العربية عن طريق الشام ، كما التمست المجوسية طريقها إلى الجزيرة العربية عن طريق الحيرة ، وإذ الحرب التى كان يلتقى فيها السيف بالسيف ، تصبح وقد التقى فيها الرأى بالرأى ، يقف المجوس ، ومن ورائهم اليهود والنصارى ، ويقف النصارى للمجوس واليهود ، والجزيرة العربية تشهد هذا الصراع فى الرأى فتشارك فيه ، موزعة بين المجوسية واليهودية والنصرانية ، ويزيد البيئة العربية توزعا توزع اليهود إلى ربانيين وقراءين وسامريين ، وتوزع النصارى إلى يعاقبة ونساطرة وأريوسيين ، هذا إلى توزع الجزيرة العربية توزعا آخر بين عبادة الكواكب وعبادة الأصنام ، وإذ العرب أوزاع

٣

فى الرأى ، أشتات فى الفكر ، يمسك كل بما يحلو له ويطيب ، وإذا هم قد نبذوا الكثير مما توارثوه من شريعة إبراهيم وإسماعيل لا يستمسكون منه إلا ببقية قليلة ، كانت تتمثل فى تعظيم الكعبة ، والحج إلى مكة ، وإذا هم بعد هذا أمة أضلتها الضلالات ، واستهوتها الموبقات ، واستحوذت عليها الخرافات ، تذل للأصنام ، وتستنيم للكهان ، وتستولى الأزلام ، وإذا أخلاقها تراق وتهون على موائد الخمر والميسر ، وإذا عدلها يفوته عليها بغى الأقوياء ، وإذا أمنها ليس لها منه إلا هباء.

ويقال : إن أول ما كانت عبادة الحجارة فى بنى إسماعيل ، فكان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح فى البلاد ، إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما له ، فحيثما نزلوا وضعوه ، فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى خرج بهم ذلك إلى إن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة ، حتى نسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ، فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات.

وكان فيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بتعظيم البيت ، والطواف به ، والحج والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه.

وكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم :

هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، اتخذوا «سواعا» برهاط (١).

وكلب بن وبرة ، من قضاعة ، اتخذوا «ودّا» بدومة الجندل (٢).

وأنعم ، وطيئ ، وأهل جرش ، من مذحج ، اتخذوا «يغوث بجرش» (٣).

__________________

(١) من أرض ينبع.

(٢) من أعمال المدينة.

(٣) من مخاليف اليمن من جهة مكة.

٤

وخيوان ـ بطن عن همدان ـ اتخذوا «يعوق» بأرض همدان من أرض اليمن.

وذو الكلاع من حمير ، اتخذوا «نسرا» بأرض حمير.

وكان لخولان صنم يقال له : «عميانس» يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما.

وكان لبنى ملكان بن كنانة بن خزيمة صنم يقال له : «سعد» صخرة طويلة بفلاة من أرضهم.

وكان روس صنم ، يقال له : «ذو الكفين».

واتخذت قريش صنما على بئر فى جوف الكعبة يقال له : «هبل».

واتخذوا «أسافا» و«نائلة» على موضع زمزم ، ينحرون عندهما.

واتخذ أهل كل دار فى دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره ، وإذا قدم من سفره تمسح به ، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله.

وكانت لبنى كنانة «العزى» بنخلة (١).

وكانت «اللات» لثقيف ، بالطائف.

وكانت «مناة» للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب.

وكان «ذو الخلصة» لدوس وخثعم ، وبجيلة.

وكانت «فلس» لطيئ.

وكان لحمير وأهل اليمن ببيت بصنعاء يقال له : «رثام».

وكانت «رضاء» بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد.

وكان «ذو الكعبات» لمكر وتغلب ، ابني وائل.

__________________

(١) عن يمين المصعد من العراق إلى مكة.

٥

٢ ـ الإرهاصات بمولد الرسول

تلك كانت حال الجزيرة العربية من توزع دينى جر إلى توزع اجتماعى ، فشخصت أبصار القلة الواعية من رجالات الجزيرة الراشدين إلى السماء تنشد العون وتستمطر الرحمة ، وجمعت البلبلة الفاشية بين أربعة من هذه القلة الواعية ، وهم : ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث ، وزيد ابن عمرو بن نقيل ، ينظرون لأنفسهم ولأمتهم ، فما انتهوا إلى رأى ، وإذا هم أشتات حين انفضوا كما كانوا أشتاتا حين اجتمعوا ، لأن الأمر كان أجل من أن يحمل عبأه غير رسول مؤيد من السماء.

وكانت الإرهاصات تشير إلى ميلاد هذا الرسول ، وإلى أن هذا الرسول اسمه محمد ، وأحمد ، وبهما كان يسمى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول تعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ). [الأعراف / ١٥٦] ، ويقول تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف ٦] ، ويقول تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) [الأنعام ٣٠] ، ويقول تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران ٩٣].

فمما لا شك فيه ولا تعترضه شبهة أنه لا يجوز للخصم المخالف أن يستشهد على خصمه بما فى كتابه ، وينتصر عليه بالتسمية من غير أصل ثابت عنده ، أو مرجع واضح لديه ، وهل الاستشهاد على هذا إلا بمنزلة الاستشهاد على المحسوس ، الذى لا يكاد يقع الاختلاف فيه؟

وعلى الرغم مما دخل إلى التوراة من تحريف وتبديل فثمة فيها ما يحمل هذه الإشارة إلى محمد ، ولقد جاء هذا التحريف والتبديل إلى التوراة بعد ما خرّب بختنصر بيت المقدس ، وأحرق التوراة ، وساق بنى إسرائيل إلى أرض بابل.

٦

ويقال إن عزيزا أملاها فى آخر عمره على واحد من تلامذته ، وكان هذا الإملاء لا شك عن حفظ فردى ، وعن هذه النسخة المملاة كانت النسخ المختلفة ، وكان هذا التحريف. ويستدلون على ذلك بما فى التوراة من أخبار عما كان من أمر موسى عليه‌السلام ، وكيف كان موته ، ووصيته إلى يوشع بن نون ، وحزن بنى إسرائيل وبكاؤهم عليه ، وهذا ونحوه لا يجوز عقلا إن يكون من كلام الله ولا من كلام موسى.

ثم إنه ثمة توراة فى أيدى السامرة تخالف تلك التى فى أيدى سائر اليهود فى التواريخ والأعياد وذكر الأنبياء ، كما أنه ثمة توراة فى اليونانية تخالف التوراة العبرانية فى السنين بما يربى على ألف وأربعمائة سنة ، وهذا التخالف محال إن يتصف به كتاب من عند الله.

وينقل صاحب البدء والتاريخ عن نسخة من التوراة لأبى عبد الله المازنى : يا داود ، قل لسليمان من بعدك إن الأرض لى أورثها محمدا ليست صلاتهم بالطنابير ، ولا يقدسونى بالأوتار. وفيها : إن الله عزوجل يظهر من صهيون إكليلا محمودا.

والإكليل هو الرئاسة والإمامة ، والمحمود : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى التوراة العبرية ، من قول الله تعالى لإبراهيم : سمعت دعاءك فى إسماعيل ، هاه باركت إياه ، وكثرت عدده وأنميته جدّا جدّا حتى لا تعد كثرته اثنا عشر ملكا يولد ، وأظهره لأمه عظيمة.

وفيها : وجاء الرب من سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من فاران.

وساعير جبال فلسطين حيث ظهر عيسى ، وفاران : مكة ،

٧

وتجد فى التوراة العربية (سفر التثنية ، الإصحاح ١٨ ، الآية : ١٥) : يقيم لك الرب إلهك نبيّا من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون.

ولقد جاء بعد موسى عيسى ، وهو من بنى إسرائيل ، ومقتضى الآية أن يكون ثمة نبى مرتقب بعد عيسى ، ومحمد من ولد إسماعيل ، وإسماعيل أخو إسحاق ، وإسحاق جد بنى إسرائيل ، وإخوتهم هم بنو إسماعيل.

وتزكّى هذا الآية الثامنة عشرة من الإصحاح الخامس والعشرين ، من سفر التكوين حيث تقول : وسكنوا ـ أى أبناء إسماعيل ـ من حويلة إلى شور التى إمام مصر ، حينما تجىء نحو آشور أمام جميع إخوته نزل.

وكذا تزكيه الآية الثانية عشرة من الإصحاح السادس عشر ، من سفر التكوين : وأمام إخوته يسكن.

وفى إنجيل يوحنا (الإصحاح : ١٤ ، الآية : ١٥ ، الإصحاح : ١٦ ، الآية : ٦ ـ ٧ م) ما يشير إلى إتيان الفارقليط ، ومعنى الفارقليط : الكثير الحمد ، وهذا المعنى هو ما تعطيه كلمة أحمد ، التى هى من أسماء النبى.

غير أن النص العربى من الإنجيل ، جعل مكان الفارقليط فى الموضعين : المعزى. ففي الموضع الأول يقول الإنجيل : ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذى من عند الأب ينبثق فهو يشهد لى.

والنص فى غير النسخة العربية ، على لسان عيسى وهو يخاطب الحواريين : أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذى لا يتكلم من تلقاء نفسه وهو يشهد لى بما شهدت له ، وما جئتكم به سرّا يأتيكم به جهرا.

وفى الموضع الثانى يقول : وأما الآن فأنا ماض إلى الذى أرسلنى وليس

٨

أحد منكم يسألنى أين تمضى ...؟ لكنى أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتكم المعزى ، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.

والنص فى غير النسخ العربية : إن الفارقليط روح الحق الذى أرسله أبى باسمى هو الذى يعلمكم كل شىء. والفارقليط لا يحكم ما لم أذهب.

وفى سفر رؤيا يوحنا (الإصحاح : ١٩ ، الآية : ١١ ، ١٥) : «ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب».

ومحمد يدعى الأمين الصادق.

وفيه أيضا (١٩ : ١٥) «ومن فمه يخرج سيف ماض لكى يضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر».

والقرآن الكريم فى مضاء السيف أذعنت له الأمم ، ومحمد حرم الخمر وما حرمها عيسى.

* * *

٣ ـ نصب الرسول

والعرب كلها من ولد إسماعيل ، ومن عدنان تفرقت القبائل ، وهو عدنان ابن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت (نبت) ابن إسماعيل ، وأم إسماعيل : هاجر ، من أم العرب (١).

فولد عدنان رجلين : معد بن عدنان ، وعك بن عدنان.

وولد معد بن عدنان أربعة نفر : قضاعة بن معد ، وقنص بن معد ، ونزار ابن معد ، وإياد بن معد.

__________________

(١) أم العرب : قرية كانت أيام القرما من مصر.

٩

وكان قضاعة بكر معد الذى به يكنى ، فتيامن إلى حمير بن سبأ ، وكان اسم سبأ عبد شمس ، وإنما سمى سبأ ، لأنه أول من سبى فى العرب.

وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم. وكان منهم النعمان بن المنذر ، ملك الحيرة.

* * *

وولد نزار بن معد : مضر بن نزار ، وربيعة بن نزار ، وأنمار بن نزار ، وإياد بن نزار.

فولد مضر بن نزار رجلين : إلياس بن مضر ، وعيلان بن مضر.

فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر : مدركة بن إلياس وكان اسمه عامرا ، وطابخة بن إلياس ، وكان اسمه عمرا ، وقمعة بن إلياس ، وكان اسمه عميرا ، وأمهم خندف ، امرأة من اليمن.

فولد مدركة بن إلياس رجلين : خزيمة بن مدركة ، وهذيل بن مدركة.

فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر : كنانة بن خزيمة ، وأسد بن خزيمة ، وأسدة بن خزيمة ، والهون بن خزيمة.

فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر : النضر بن كنانة ، ومالك بن كنانة ، وعبد مناة بن كنانة ، وملكان بن كنانة.

فولد النضر بن كنانة رجلين : مالك بن النضر ، ويخلد بن النضر.

فولد مالك بن النضر : فهر بن مالك ، وهو قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشى ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى.

فولد فهر بن مالك أربعة نفر : غالب بن فهر : ومحارب بن فهر. والحارث بن فهر. وأسد بن فهر.

١٠

فولد غالب بن فهر رجلين : لؤى بن غالب ، وتيم بن غالب.

* * *

فولد لؤى بن غالب أربعة نفر : كعب بن لؤى ، وعامر بن لؤى ، وسامة ابن لؤى ، وعوف بن لؤى.

فأما سامة بن لؤى فخرج إلى عمان ، فبينما هو يسير على ناقته ، إذ وضعت رأسها ترتع ، فأخذت حية بمشفرها فهصرتها ، حتى وقعت الناقة لشقها ، ثم نهشت الحية «سامة» فقتلته.

وأما عوف بن لؤى فإنه خرج فى ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان آخاه ثعلبة بن سعد بن ذبيان ، فشاع نسبه فى بنى ذبيان.

* * *

وولد كعب بن لؤى ثلاثة نفر : مرة بن كعب. وعدى بن كعب ، وهصيص بن كعب.

فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر : كلاب بن مرة ، وتيم بن مرة ، ويقظة ابن مرة.

فولد كلاب بن مرة رجلين : قصى بن كلاب ، وزهرة بن كلاب.

فولد قصى بن كلاب أربعة نفر وامرأتين : عبد مناف بن قصى ، وعبد الدار بن قصى ، وعبد العزى بن قصى ، وعبد قصى بن قصى ، وتخمر بنت قصى ، وبرة بنت قصى.

فولد عبد مناف ـ واسمه المغيرة بن قصى ـ أربعة نفر : هاشم ابن عبد مناف ، وعبد شمس بن عبد مناف ، والمطلب بن عبد مناف ، ونوفل ابن عبد مناف.

١١

فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة : عبد المطلب بن هاشم ، وأسد بن هاشم ، وأبا صيفى بن هاشم ، ونضلة بن هاشم ، والشفاء ، وخالدة ، وضعيفة ، ورقية ، وحية.

فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة : العباس ، وحمزة ، وعبد الله وأبا طالب ، واسمه عبد مناف ـ والزبير ، والحارث ، وحجلا ، والمقوم ، وضرارا ، وأبا لهب ـ واسمه عبد العزى ـ وصفية ، وأم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، وبرة.

* * *

فولد عبد الله بن عبد المطلب ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سيد ولد آدم محمدا ، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (شيبة) بن هاشم (عمرو) ابن عبد مناف (المغيرة) بن قصى (زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (عامر) بن مضر بن معد بن عدنان.

وأمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

وأمها : برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

وأم برة : أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

وأم أم حبيب : برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب ابن لؤى بن غلب بن فهر بن مالك بن النضر.

١٢

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا ، من قبل أبيه وأمه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

٤ ـ ولاية البيت

ولما توفى إسماعيل بن إبراهيم ، ولى البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ، ثم ولى البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمى.

ونشر الله ولد إسماعيل بمكة ، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام ، لا ينازعهم ولد إسماعيل فى ذلك لخئولتهم وقرابتهم.

ثم إن جرهما بغوا بمكة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها. فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ، ذلك ، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة ، فآذنوهم بحرب فاقتتلوا فغلبهم بنو بكر وغبشان ، فنفوهم من مكة.

ثم إن غبشان ، من خزاعة ، وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة ، وكان الذى يليه عمرو بن الحارث الغبشانى ، وقريش إذ ذاك متفرقون فى قومهم من كنانة ، فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى.

* * *

ثم إن قصى بن كلاب خطب إلى حليل بن حبشية ابنته «حبى» ، فرغب فيه حليل فزوجه فولدت له عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبدا.

فلما انتشر ولد قصى ، وكثر ماله ، وعظم شرفه ، هلك حليل ، فرأى قصى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ، وأن قريشا نخبة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده ، فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة ، فأجابوه. فكتب إلى أخيه

١٣

من أمه : رزاح بن ربيعة ، يدعوه إلى نصرته ، والقيام معه ، فخرج رزاح ومعه إخوته ، فيمن تبعهم من قضاعة ، وهم مجمعون لنصرة قصى.

* * *

وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلى الإفاضة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده ، وكان يقال له ولولده : صوفة ، وإنما ولّى ذلك الغوث بن مر لأن أمه كانت امرأة من جرهم ، وكانت لا تلد ، فنذرت إن هى ولدت رجلا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ويقوم عليها ، فولدت : الغوث ، فكان يقوم على الكعبة مع أخواله من جرهم ، وولده من بعده حتى انقرضوا.

* * *

وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة أو تجيز بهم إذا نفروا من منى. فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ، ورجل من صوفة يرمى للناس ، لا يرمون حتى يرمى.

فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له : قم فارم حتى نرمى معك. فيقول : لا والله ، حتى تميل الشمس. فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ، ويستعجلون بذلك ، ويقولون له : ويلك! قم ، فارم ، فيأبى عليهم ، حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ، ورمى الناس بعده.

فإذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النقر من «منى» أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا : أجيزى صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلى سبيل الناس ، فانطلقوا بعدهم.

* * *

١٤

فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل ، فأتاهم قصى بن كلاب بمن معه من قومه من قريش ، وكنانة وقضاعة عند العقبة ، فقال : لنحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ، ثم انهزمت صوفة ، وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم من ذلك ، وانصرف أخوه رزاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه.

* * *

٥ ـ ولاية قصى البيت

فولّى قصى البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى مكة ، وتملك على قومه وأهل مكه فملكوه ، إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام ، فهدم الله به ذلك كله.

* * *

وكان قصى أول بنى كعب بن لؤى أصاب ملكا ، فكانت إليه الحجابة ، والسقاية ، والرفادة (١) ، والندوة (٢) ، واللواء (٣).

فحاز قصى شرف مكة كلها ، وسمته قريش مجمعا ، لما جمع من أمرها ، وتيمنت بأمره ، فما تنكح امرأة ، ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون فى أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم ، إلا فى داره.

فكان أمره فى قومه من قريش فى حياته ، ومن بعد موته ، كالدين

__________________

(١) الرفادة : طعام كانت قريش تجمعه كل عام لأهل الموسم.

(٢) الندوة : الاجتماع للمشورة.

(٣) اللواء ، يعنى : الحرب

١٥

المتبع لا يعمل بغيره ، واتخذ لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريش تقضى أمورها.

* * *

فلما كبر قصى ورقّ عظمه ، وكان عبد الدار يكره ، وكان عبد مناف قد شرف فى زمان أبيه وذهب كل مذهب ، وكذلك عبد العزى ، وعبد قصى ، قال قصى لعبد الدار : أما والله يا بنى لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريشا أمرا من أمورها إلا فى دارك. فأعطاه دار الندوة ، التى لا تقضى قريش أمرا من أمورها إلا فيها ، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة.

فجعل قصى إليه كل ما كان بيده من أمر قومه ، وكان ، قصى لا يخالف ولا يرد عليه شىء صنعه.

* * *

٦ ـ ولاية هاشم بن عبد مناف الرفادة والسقاية

ثم إن قصى بن كلاب هلك ، فأقام أمره فى قومه وفى غيرهم بنوه من بعده ، وأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع.

ثم إن بنى عبد مناف بن قصى : عبد شمس ، وهاشما ، والمطلب ، ونوفلا ، أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدى بنى عبد الدار بن قصى ، مما كان قصى جعل إلى عبد الدار ، من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم فى قومهم ، فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بنى عبد مناف على رأيهم ، يرون أنهم أحق به من بنى عبد الدار

١٦

لمكانهم فى قومهم ، وكانت طائفة مع بنى عبد الدار ، يرون ألا ينزع منهم ما كان قصى جعل إليهم.

فكان صاحب أمر بنى عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان أسن بنى عبد مناف ، وكان صاحب أمر بنى عبد الدار عامر ابن هاشم بن عبد مناف.

وكان بنو أسد بن عبد العزى بن قصى ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ، مع بنى عبد مناف.

وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو عدى بن كعب ، مع بنى عبد الدار.

وخرجت عامر بن لؤى ، ومحارب بن فهر ، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين.

* * *

وعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على ألا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ، وأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعاهدوا وحلفاؤهم ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم وتوكيدا على أنفسهم ، فسموا : المطيبين.

وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسموا : الأحلاف.

(م ٢ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ١)

١٧

فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب ، إذ تداعوا إلى الصلح ، على أن يعطوا بنى عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار كما كانت ، ففعلوا ورضى كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناس عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك ، حتى جاء الله تعالى بالإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما كان من حلف فى الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة» ، يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق.

* * *

فولّى الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف ، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلّما يقيم بمكة ، وكان مقلا ذا ولد ، وكان هاشم موسرا ، فكان إذا حضر الحاج قام فى قريش فقال : يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإنه يأتيكم فى هذا الموسم زوّار الله وحجّاج بيته ، وهم ضيف الله ، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التى لا بد لهم من الإقامة بها ، فإنه والله لو كان مالى يسع لذلك ما كلفتكموه. فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم ، كل امرئ بقدر ما عنده ، فيصنع به للحجاج طعاما حتى يصدروا من مكة.

* * *

وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش رحلتى الشتاء والصيف ، وأول من أطعم الثريد بمكة ، وإنما كان اسمه عمرا ، فما سمى هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه.

* * *

ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولّى السقاية

١٨

والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم ، وكان ذا شرف فى قومه وفضل ، وكانت قريش إنما تسميه الفضل لسماحته وفضله.

* * *

٧ ـ ولاية المطلب ثم عبد المطلب ما كان يليه هاشم

وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة ، فتزوج سلمى بنت عمرو ، فولدت لهاشم : عبد المطلب ، فسمته شيبة. فتركه هاشم عندها حتى كان غلاما دون المراهقة أو فوق ذلك.

ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه ، فقالت له سلمى : لست بمرسلته معك ، فقال لها المطلب : إنى غير منصرف حتى أخرج به معى. أن ابن أخى قد بلغ ، وهو غريب فى غير قومه ، ونحن أهل بيت شرف فى قومنا ، نلى كثيرا من أمورهم ، وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة فى غيرهم. وقال شيبة : لست بمفارقها إلا أن تأذن لى ، فأذنت له ، ودفعته إليه.

فاحتمله المطلب ودخل به مكة مردفه معه على بعيره ، فقالت قريش : عبد المطلب ابتاعه ، فبها سمى شيبة : «عبد المطلب». فقال المطلب : ويحكم ، إنما هو ابن أخى هاشم ، قدمت به من المدينة.

* * *

ثم هلك المطلب بأرض اليمن ، فولى عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة ، بعد عمه المطلب ، فأقامها للناس ، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله

١٩

لقومهم من أمرهم ، وشرف فى قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه ، وأحبه قومه. وعظم خطره فيهم.

* * *

٨ ـ حفر زمزم

ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم فى الحجر إذ أمر بحفر زمزم ، فلما بين لعبد المطلب شأنها ، ودل على موضعها ، غدا بمعوله ، ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره ، وقام ليحفر حيث أمر ، فقامت إليه قريش حين رأوا جده ، فقالوا : والله لا نتركك تحفر عند وثنينا هذين اللذين فنحر عندهما إساف ونائلة. فقال عبد المطلب لابنه الحارث : ذد عنى حتى أحفر ، فو الله لأمضين لما أمرت به.

فلما عرفوا أنه غير نازع خلّوا بينه بين الحفر ، وكفّوا عنه. فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدائه الطى ، فكبر وعرف أنه قد صدق.

وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة :

حفر عبد شمس بن عبد مناف «الطوى» ، وهى البئر التى بأعلى مكة ، عند دار محمد بن يوسف الثقفى.

وحفر هاشم بن عبد مناف «بذر» ، وهى البئر التى على فم شعب أبى طالب.

وحفر أمية بن عبد شمس «الحفر» لنفسه.

وحفرت بنو أسد بن عبد العزى «سقية».

وحفرت بنو عبد الدار «أم أحراد».

٢٠