هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين - ج ١

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-470-069-4

الصفحات: ٧٣٥

الثاني : لزوم الدور ، تقريره : أنّ الحكم بعدم صحّة السلب موقوف على العلم بما وضع اللفظ له ، إذ الدالّ على الحقيقة والأمارة عليها هو خصوص ذلك ؛ ضرورة أنّ عدم صحّة سلب المعاني المجازيّة لا يفيد كون ما لا يصحّ سلبها عنه معنى حقيقيّا بل يفيد كونه مجازيّا والمفروض توقّف العلم بما وضع اللفظ له على الحكم بعدم صحّة السّلب لجعله أمارة عليه ، وهو دور مصرّح.

وببيان أوضح إن اريد بالمعنى الّذي لا يصحّ سلبه مطلق المعنى فمن البيّن حينئذ عدم كونه أمارة على الحقيقة ، وإن اريد به خصوص المعنى الحقيقي فلزوم الدور عليه واضح.

قال بعض الأفاضل : الحقّ أنّ الدور فيه مضمر ؛ لأنّ معرفة كون الإنسان مثلا حقيقة في البليد موقوف على عدم صحّة سلب المعاني الحقيقيّة للإنسان عنه ، وعدم صحّة سلب المعاني الحقيقيّة للإنسان عنه موقوف على عدم معنى حقيقيّ للإنسان يجوز سلبه عن البليد كالكامل في الإنسانيّة ، ومعرفة عدم هذا المعنى موقوف على معرفة كون الإنسان حقيقة في البليد.

أقول : من البيّن أنّ الحكم بعدم صحّة سلب معانيه الحقيقيّة في معنى الحكم بعدم معنى حقيقيّ للإنسان يجوز سلبه عن البليد ، فإنّ كلّا من معانيه الحقيقيّة إذا لم يصحّ سلبه عنه فليس هناك معنى يصحّ سلبه عن ذلك ، ضرورة امتناع اجتماع المتنافيين في المعنى المفروض ، فهذان مفهومان متقاربان متلازمان في مرتبة واحدة من الظهور ، والعلم بكلّ منهما علم بالآخر على سبيل الإجمال وإن لم يكن العالم به متفظّنا له بالعنوان الآخر.

فدعوى التوقّف المذكور بيّن الفساد ، وحينئذ فادّعاء إضمار الدور غير سديد ؛ إذ العلم بعدم صحّة سلب كلّ من المعاني الحقيقيّة عن المعنى المفروض متوقّف على العلم بكون اللفظ حقيقة فيه ، والمفروض أنّ العلم به يتوقّف على العلم بعدم صحّة السلب.

وأيضا فالمطلوب في علامة الحقيقة إثبات الوضع للمعنى المفروض أو

٢٤١

اندراجه في الموضوع له على ما يأتي تفصيله وهو حاصل بعدم صحّة السلب في الجملة ، فلا يعتبر فيه عدم صحّة سلب كلّ واحد من المعاني حسب ما ذكره.

ويظهر بذلك أيضا فساد ما ذكره من إضمار الدور من وجه (١) آخر ، وقد أشار الفاضل المذكور إلى ذلك ، إلّا أنّه طالب بالفرق بين ذلك والمجاز حيث اعتبروا فيه صحّة سلب كلّ من معانيه الحقيقيّة ، قال : نعم لو قلنا : إنّ عدم صحّة السلب علامة للحقيقة سالبة جزئيّة كما هو الظاهر فلا يحتاج إلى إضمار الدور ، لكنّه لا يثبت به إلّا الحقيقة في الجملة وبالنسبة ، وعلى هذا فلم لم يكتفوا في حدّ المجاز بالموجبة الجزئيّة ويقولوا : إنّ صحّة سلب بعض الحقائق علامة المجاز في الجملة وبالنسبة؟ قلت : الفرق بين الأمرين بيّن لا خفاء فيه ؛ إذ من الظاهر أنّ المطلوب في أمارة الحقيقة استكشاف الوضع له أو اندراجه فيما وضع له ، وفي المجاز عدم كونه كذلك ، وظاهر صدق الأوّل مع تحقّق الوضع له أو الاندراج في الجملة لصدق الموجبة بذلك ، وأمّا الثاني فلا يصدق إلّا مع انتفاء الوضع والاندراج رأسا.

وبتقرير آخر : المأخوذ في الحقيقة تحقّق الوضع للمعنى والمأخوذ في المجاز عدم تحقّق الوضع له ، فإطلاق كون اللفظ مجازا في المعنى إنّما يكون مع تعلّق الوضع به في الجملة ، لا انحصار الوضع فيه أو اندراجه في جميع المعاني الّتي وضع اللفظ بازائها ، إذ ذاك ممّا لم يعهد إعتباره في ذلك ، ولا يجري في معظم الألفاظ المشتركة ؛ لظهور صحّة سلب بعض معانيها عن بعض وعدم إندراج مصاديق البعض في الآخر غالبا ، ولذا يحكمون باندراج اللفظ في المشترك مع تعدّد الأوضاع ولا يجعلونه من الحقيقة والمجاز وإن كان اللفظ مجازا في كلّ منهما لو فرض استعماله فيه لا من جهة الوضع له بل من جهة مناسبته للمعنى الآخر.

والحاصل : أنّه إذا لوحظ اللفظ والمعنى فإن كان اللفظ موضوعا بإزائه كان

__________________

(١) فإنّ الحكم بعدم صحّة السلب عنه في الجملة متوقّف على العلم بالوضع له أو اندراجه في الموضوع له والعلم بذلك يتوقّف على الحكم بعدم صحّة السلب ، كما هو المفروض. (منه رحمه‌الله).

٢٤٢

حقيقة فيه ، وإلّا كان مجازا ولا واسطة بين الوجهين ، والمقصود في المقام هو بيان الأمارة على كلّ من الأمرين ، ولا يراد هنا بيان حال الاستعمال الخاصّ التابع لملاحظة المتكلّم.

نعم يمكن استعلام ذلك بعد بيان العلامتين ، فإنّه إذا لوحظ ذلك بالنسبة إلى المعنى الخاصّ من الجهة الملحوظة في نظر المتكلّم اتّضح الحال في ذلك الاستعمال أيضا.

ومع الغضّ عن جميع ما ذكرناه فإنّما يتمّ ما ذكره بالنسبة إلى ما تعذّر فيه المعنى مع عدم صحّة سلب شيء من معانيه المتعددة عن المصداق المفروض ، وهو إن ثبت في الألفاظ فليس إلّا في نادر منها ، فلا إضمار في الدور بالنسبة إلى غيره ، فكيف يقرّر ذلك على سبيل الإطلاق.

هذا ، ويمكن تقرير الدور مضمرا في المقام بوجه آخر ، وذلك بأن يقال : إنّ الحكم بعدم صحّة سلب المعنى المراد حال الإطلاق موقوف على فهم المعنى المراد منه حينئذ ، ضرورة توقّف الحكم على تصوّر المحمول ، وفهم المعنى منه حال الإطلاق موقوف على العلم بالوضع ، إذ المفروض انتفاء القرينة والعلم بالوضع أيضا موقوف على الحكم بعدم صحّة السلب ؛ إذ المفروض استعلامه به وكونه أمارة عليه.

وهذا التقرير في إيراد الدور في المقام نظير ما مرّ في إيراده على التبادر ، إلّا أنّ وروده هناك على سبيل التصريح وهنا على نحو الإضمار.

وقد يقرّر هنا أيضا مصرّحا بأن يقال : إنّ الحكم بعدم صحّة سلب المعنى المفهوم منه حال الإطلاق متوقّف على العلم بما وضع اللفظ له لتوقّف تصوّره حينئذ على العلم بالوضع والعلم بما وضع اللفظ له موقوف على الحكم بعدم صحّة السلب.

لكنّك خبير بأنّ التوقّف الأوّل ليس توقّفا أوّليّا ، بل بواسطة توقّفه على فهم المعنى المراد حال الإطلاق المتوقّف على ذلك ، فيكون الدور مضمرا بحسب

٢٤٣

الحقيقة وإن قرّر مصرّحا في الصورة.

الثالث : النقض بجزء المعنى وخارجه المحمولين عليه من الكلّيات الذاتية والعرضيّة ، فإنّه لا يصحّ سلب شيء منها عنه ومع ذلك ليس شيء من تلك الألفاظ موضوعا بإزائه وليس استعمالها فيه حقيقة قطعا ، بل ربّما يخرج عن دائرة المجاز أيضا كاستعمال الموجود في مفهوم الحيوان الناطق ونحوه.

والجواب : أمّا عن الأوّل فيبتنى على تحقيق الكلام في الأمارتين المذكورتين وما يراد بهما ويستفاد منهما بعد إعمالهما ، فنقول : قد يكون الموضوع في تلك القضيّة عين المفهوم الّذي يراد معرفة وضع اللفظ بإزائه وعدمه ، وحينئذ فالمراد باللفظ الّذي يراد استعلام حاله الواقع في المحمول إمّا مفهوم المسمّى بذلك اللفظ وما بمعناه ، أو المعنى الّذي يفهم من إطلاق اللفظ عند العالم بالوضع على سبيل الإجمال ، فيكون الحمل الملحوظ فيه متعارفيّا في الأوّل وذاتيّا في الثاني ، وقد يكون الموضوع فيه خصوص المصداق مع العلم بعدم ثبوت الوضع له بخصوصه ، وحينئذ فقد يكون المراد باللفظ المفروض الواقع في المحمول هو المعنى المنساق منه حال الإطلاق عند العارفين بالوضع على سبيل الإجمال ، وقد يكون خصوص المعنى الّذي وضع اللفظ بإزائه المعلوم على سبيل التفصيل.

فهذه وجوه ثلاثة في العلامة المذكورة ، فعلى الأوّل يستكشف بها خصوص ما وضع اللفظ بإزائه ، لوضوح كون عدم صحّة سلب المسمّى بذلك اللفظ عنه شاهدا على كونه مسمّاه ، وكذا عدم صحّة سلب المفهوم من اللفظ حال الإطلاق عن ذلك المفهوم دليل على كونه عين ذلك المفهوم ، ضرورة صحّة سلب كلّ مفهوم عن المفهوم المغاير له ، ولمّا كان المفهوم من اللفظ حال الإطلاق هو معناه الحقيقي لما عرفت في التبادر ودلّ عدم صحّة السّلب على اتّحاد المعنيين ثبت كون المعنى المفروض هو الموضوع له.

والفرق حينئذ بينه وبين التبادر مع ما هو ظاهر من اختلاف الطريق وإن كان المناط فيهما واحدا أنّ المعنى المفهوم حال الإطلاق ملحوظ في التبادر على

٢٤٤

سبيل التفصيل وإنّما يقصد بملاحظة تبادره معرفة كونه موضوعا له ، بخلاف المقام فإنّه ملحوظ عنده على سبيل الإجمال ويستكشف التفصيل بملاحظة عدم صحّة سلبه عن ذلك المفهوم الملحوظ في جانب الموضوع.

وعلى الثاني فالمفهوم الّذي وضع اللفظ بإزائه مجهول أيضا ويراد بملاحظة عدم صحّة سلب المعنى المفهوم حال الإطلاق استعلام حال المصداق ، وكذا حال نفس الموضوع له من حيث كونه المعنى الشامل لذلك ، فيستعلم به أوّلا حال المصداق من حيث كونه من مصاديقه الحقيقيّة ، وحال الموضوع له في الجملة من جهة شموله لذلك وغدمه ، بل يمكن تعيينه بذلك أيضا إذا دار بين أمرين أو امور يتميّز أحدها بالشمول للمعنى المذكور وعدمه كما في الصعيد إذا قلنا بعدم صحّة سلبه عمّا عدا التراب الخالص من سائر وجه الأرض ، فإنّه يكون شاهدا على كونه موضوعا لمطلق وجه الأرض ، وحينئذ فيكون دليلا على تعيين نفس الموضوع له أيضا.

وعلى الثالث فالمعنى الموضوع له متعيّن معلوم ولا يراد بالعلامة المذكورة استعلام الوضع له ، بل المقصود منها استكشاف حال المصداق في الاندراج تحته فهي إذن علامة لمعرفة المصاديق الحقيقيّة ومميّزة بينها وبين المصاديق المجازيّة ، وذلك قريب في الثمرة من معرفة المعنى الحقيقي ، فيكون إطلاقه على الأوّل حقيقة في الغالب وعلى الثاني مجازا ؛ ولذا عدّ العلامة المذكورة من سائر أمارات الحقيقة مطلقا.

إذا عرفت ذلك فقد ظهر لك الوجه في اندفاع الإيراد المذكور أمّا بالنسبة إلى الأخيرين فظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الأوّل فعلى الوجه الأوّل المأخوذ فيه في جانب المحمول مفهوم المسمّى به وما في معناه فلا خفاء أيضا ، وعلى الوجه الثاني فلا حاجة هناك إلى تصحيح الحمل ؛ إذ المأخوذ علامة إنّما هو عدم صحّة السلب ومن البيّن حصوله لعدم صحّة سلب الشيء عن نفسه ، ولا يستلزم ذلك صحّة الحمل ليلزم

٢٤٥

حمل الشيء على نفسه ، لإمكان انتفاء الأمرين معا ، على أنّه لو اريد الحكم بصحّة الحمل أيضا فيمكن مراعاته باعتبار الحمل الذاتي دون المتعارف كما أشرنا إليه ، إلّا أنّه غير مأخوذ في العلامة المذكورة ، وأمّا بالنسبة إلى صحّة السلب المأخوذ علامة للمجاز فالأمر أظهر ؛ إذ المفروض هناك تغاير المفهومين فلا إشكال في صحّة السلب أصلا.

هذا ، وقد ظهر بما قرّرنا أنّ تخصيص الحمل في المقام بالحمل الذاتي كما يوجد في كلام بعضهم (١) في الجواب عن الإيراد الأخير ليس على ما ينبغي ، كيف! ومعظم موارد إعمال العلامتين المذكورتين ما يستعلم به الحال في المصاديق ولا معنى لأخذ الحمل هناك ذاتيّا ومن الغريب نصّه قبل ذلك بإعمال العلامة المذكورة في مقام تعرّف حال المصداق.

وأمّا (٢) عن الثاني فبأنّ ما يتوقّف عليه الحكم بعدم صحّة السلب هو ملاحظة

__________________

(١) ذكره في رسالة له في بيان جملة من المبادئ اللغوية. (منه رحمه‌الله).

(٢) قوله : «وأمّا عن الثاني ... إلخ» ..

لا يخفى أنّ إشكال الدور لا يختصّ بعدم صحّة السلب بل يجري في صحّة السلب أيضا ، ولم يتعرّض له المصنّف قدس‌سره بل اقتصر عند تقرير الدور على بيان ما يرد منه في عدم صحّة السلب. والأجوبة المذكورة في كلامه منطبقة على دفعه بالنسبة إلى عدم صحّة السلب ، إلّا أنّه صرّح في ذيل الجواب الثالث بجريانه بالنسبة إلى صحّة السلب أيضا فأشار بذلك إلى جريان الدور فيه أيضا ، وسيأتي منه عند الكلام في الأجوبة المذكورة في كلام القوم تقريره في صحّة السلب أيضا. لكن لا يخفى أنّ الّذي قرّره بالنسبة إلى عدم صحّة السلب يغاير ما يرد منه في صحّة السلب ولا يجري أيضا في جميع الوجوه المذكورة له بل يختصّ ببعضها ، وما يرد منه في صحّة السلب يجري في جميع وجوهها وفي عدم صحّة السلب بجميع وجوهه. وتوضيح المقام أنّ إشكال الدور يجري في عدم صحّة السلب من وجهين :

أحدهما : خاصّ به لا يجري في التبادر ولا في صحّة السلب ، وهو الدور المصرّح الّذي قرّره أوّلا فإنّه إنّما يتّجه من حيث أنّ العلامة عدم صحّة سلب المعنى الحقيقي المتوقّف معرفته على معرفة المعنى الحقيقي المتوقفة على معرفة عدم صحّة السلب المذكورة فمبنى التوقّف الأوّل على أنّ السلب المأخوذ في العلامة لا بدّ أن يعتبر مضافا إلى موصوف بكونه معنى حقيقيا ؛ إذ لو لا ذلك لم يدلّ على الحقيقة ، كما سبق التنبيه عليه في كلامه. وظاهر ـ

٢٤٦

__________________

ـ أنّ معرفة عدم صحّة السلب المعتبر على الوجه المذكور متوقفة على العلم باتصاف ما اضيف إليه بكونه معنى حقيقيّا ، والتوقّف الثاني هو مقتضى كونه علامة للحقيقة ، وهو ظاهر.

وبالتأمل فيما ذكرناه يعلم أنّه لا يرد في التبادر إذ العلامة هناك تبادر مطلق المعنى من نفس اللفظ دون المقيّد منه بكونه معنى حقيقيّا وإنّما تعلم الصفة المذكورة بملاحظة تبادره من نفس اللفظ ، وليس الاتصاف المذكور معتبرا في العلامة ليتوهّم توقف العلم بالوضع على العلم به ، وكذلك لا يرد في صحّة السلب فإنّه وإن كانت العلامة هناك صحّة سلب المعنى الحقيقي المشاركة لعدم صحّة السلب في الإضافة إلى المعنى الحقيقي الموجبة للتوقّف المذكور ، إلّا أنّ المتوقف على ذلك إنّما هو معرفة المعنى المجازي دون المعنى الحقيقي ليتوهّم لزوم الدور.

ثمّ الوجه المذكور من الدور لا يجري في جميع الوجوه المذكورة ، لعدم صحّة السلب بل يختصّ بالوجه الثاني منها وبالصورة الثانية من الوجه الأوّل ، ولا يجري في الصورة الاولى منه ولا في الوجه الثالث ، أمّا الأوّل فلأنّ العلامة في الصورة المذكورة إنّما هو عدم صحّة سلب مفهوم المسمّى وما بمعناه ولا ريب أنّ معرفته من الجهة المذكورة لا تتوقف إلّا على تصوّر المفهوم المذكور ، وظاهر أنّه لا محذور في ذلك أصلا ، وأمّا الثاني فلأنّ العلامة في الوجه المذكور عدم صحّة سلب الحقيقة الخاصّة والطبيعة المعلومة عن الفرد المذكور المبحوث عنه من غير اعتبار كونه معنى حقيقيا للّفظ ؛ إذ ليس المقصود بها إلّا العلم باندراج المبحوث عنه في تلك الطبيعة وكونه من أفرادها ، فليست الإضافة الى المعنى الحقيقي معتبرة في العلامة ليتوهّم لزوم الدور من جهته.

فظهر بما قرّرناه أنّ الدور بالتقرير المذكور إنّما يتّجه في موردين قد اعتبر فيهما عدم صحّة السلب مضافا الى مصداق المعنى الحقيقي ، فإنّه الذي يتوهم توقف العلم على العلم بكون المعنى حقيقيا ثانيهما ما هو نظير الدور الوارد على التبادر من توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحة السلب ـ كما هو مقتضى كونه علامة ـ وتوقف الحكم بعدم صحّة السلب على العلم بالوضع ؛ لوضوح أنّ الجاهل بالوضع مع احتماله لكون المعنى مجازيّا غير موضوع له اللفظ أو غير مندرج في المعنى الموضوع له لا يتأتّى منه الحكم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي بوجه من الوجوه المذكورة.

وهذا الدور يجري في صحة السلب في جميع الوجوه المذكورة ؛ لعدم صحة السلب حقّ فيما يرد عليه الدور السابق من الموردين المذكورين فيتّجه فيهما إشكال الدور من جهتين ، وهذا الدور كالدور السابق إنّما يرد على وجه التصريح دون الإضمار ، كما أنّ وروده في ـ

٢٤٧

__________________

ـ التبادر أيضا كذلك حسبما مرّ بيانه هناك في كلامه ولا تعرّض في كلامه هنا لهذا القسم عند تقرير إشكال الدور لكنّه سينبّه عليه عند نقل الأجوبة المذكورة في كلام القوم وردّها.

ويندفع هذا الدور في جميع موارده بالوجهين المذكورين في التبادر ، إلّا في الصورة الاولى من الوجه الأول فيتعيّن فيها الجواب بالرجوع الى العالم ، ولا يجري فيها الوجه الآخر من الفرق بين العلم بالشيء والعلم بالعلم به كما أشار إليه رفع مقامه ، والوجه فيه : أنّ كون المعنى موضوعا له وعدم صحة سلب مفهوم الموضوع له عنه مفهومان متلازمان في مرتبة واحدة ، ففرض عدم العلم بالعلم بالأوّل يوجب عدم العلم بالعلم بالثاني أيضا ، فلا يعقل الاستدلال بأحد العلمين على الآخر ، وهذا بخلاف عدم صحّة السلب في سائر الوجوه ضرورة حصول الاختلاف فيها بينه وبين الوضع بحسب المرتبة بالعلّية والمعلوليّة ، بل نقول : مرجع هذه العلامة على الوجه المذكور عند التحقيق الى التنصيص بالوضع ، ولا يعقل أن يكون التنصيص بالوضع علامة له بالنسبة الى من يصدر عنه ذلك التنصيص. وأمّا في غير الصورة المذكورة فالجواب عنه ما ذكر من الوجهين.

وينبغي أن يعلم أنّ الوجهين المذكورين إنّما يجديان في رفع الدور على الوجه الثاني خاصّة ولا جدوى لها في رفع الدور على الوجه الأوّل ، لبقائه مع البناء على كل من الوجهين.

أمّا بقاؤه على الوجه الأوّل من رجوع الجاهل بالوضع الى حكم العالم به بعدم صحّة السلب فلأنّ العلامة حينئذ وإن كان حكم العالم بعدم صحّة سلب المعنى الحقيقي المتوقف على علمه بالمعنى الحقيقي لا على علم الجاهل المستدل لكن لا ريب أنّ المستدلّ بعلامة لا يتأتّى له الاستدلال بها والتوصل بها الى ذيها إلّا مع علمه بتحقّقها ، فإذا كانت العلامة حكم العالم بالوضع بعدم صحّة السلب المخصوص أي المضاف إلى ما يكون معنى حقيقيا للّفظ والمفروض أنّ الجاهل المستدلّ يجب أن يعلم بثبوتها وتحقّقها فلا جرم يتوقف علمه بالوضع على علمه بكون المعنى الذي يحكم العالم بعدم صحّة سلبه معنى حقيقيا تحقيقا لما هو العلامة للوضع وهو الدور المذكور.

وبالجملة : فالتوقف الموجب للدور المذكور إنّما ينشأ من إضافة السلب المعتبر في العلامة إلى ما يكون معنى حقيقيا الموجبة لتوقف العلم بالعلامة على العلم به ، ولا ريب في لزوم العلم بالعلامة للمستدلّ فيتوقف علمه بالوضع على علمه بالعلامة المتوقف على علمه بكون المعنى حقيقيا وإن كانت العلامة المعلومة حكم العالم بالوضع بعدم صحّة السلب لا حكم المستدلّ نفسه فظهر أنّ كون الحاكم بعدم صحّة السلب غير المستدلّ بالعلامة وهو الوجه الأوّل من الوجهين ممّا لا أثر له في دفع الدور المذكور. ـ

٢٤٨

__________________

ـ وأمّا بقاؤه على الوجه الثاني ـ وهو الفرق بين العلم بالشيء والعلم بالعلم به وانّ الأوّل قد يفارق الثاني والعلم بالعلامة إنّما يتوقف على الأوّل المتوقف على العلم بها إنّما هو الثاني فيختلف الطرفان ـ فلجريانه حينئذ بالنسبة الى العلم بالعلم ؛ وذلك لأنّ العلم بالوضع إذا كان علّة للعلم بعدم صحّة السلب فالاستدلال بثبوت الثاني على ثبوت الأوّل استنادا في إثبات العلّة إلى ثبوت المعلول يوجب توقّف العلم بالعلم بالوضع على العلم بالعلم بعدم صحّة السلب ، ضرورة أنّ مفاد الاستدلال ومحصّله تحصيل العلم بالمدلول بالعلم بالدليل الموصل إليه، ولا ريب أنّ العلم بالعلم بعدم صحّة سلب المعنى الحقيقي يتوقف على العلم بالعلم بكونه معنى حقيقيا لعين ما ذكر من توقّف العلم بالأوّل على العلم بالثاني وهو دور ظاهر ، غاية الأمر جريانه حينئذ بالنسبة إلى العلم بالعلم دون العلم نفسه.

فقد اتّضح مما قرّرناه أنّ الجوابين المذكورين لا يجديان في دفع الدور على الوجه الأوّل وإنّما يندفع بها الدور على الوجه الثاني ، والوجه فيه اختلاف جهة التوقف في المقامين فيختلف وجه التفصّي عنهما لا محالة.

وأمّا الجواب عن الدور الأوّل فقد ذكر المصنف ـ طاب مرقده ـ فيه وجهين والصحيح منهما الثاني ، وتوضيحه : أنّ العلم بعدم صحّة سلب المعنى الحقيقي إنّما يتوقف على العلم باتصاف المسلوب بكونه معنى حقيقيّا وإن كان ذلك المسلوب متصوّرا له على وجه الإجمال ، ويكفي فيه تصوّره بعنوان أنّه معنى حقيقي فيعلم من عدم صحّة سلب ذلك المعنى الملحوظ في المجهول على وجه الإجمال عن المعنى التفصيلي الملحوظ في الموضوع كونه عين ذلك المجمل على أحد الوجهين ومندرجا فيه على الوجه الآخر ، فيكون الحاصل من العلامة هو العلم بالموضوع له على سبيل التفصيل على أحد الوجهين مع حصول العلم به على وجه الإجمال ، بمعنى أنّ له معنى حقيقيا قبل ملاحظة العلامة وإعمالها ، وعلى الوجه الآخر العلم بالاندراج في الموضوع له المعلوم على سبيل الإجمال قبل ملاحظة العلامة بل وبعدها أيضا.

وأمّا الوجه الأوّل في الجواب فليس بشيء لأنّه إن اعتبر في العلامة علم المستدلّ بالملازمة بين المعنى الملحوظ ، أعني المفهوم من اللفظ حال الإطلاق وبين المعنى الحقيقي عاد الإشكال لتوقّف الحكم بعدم صحّة سلب المعنى المذكور على العلم بالمعنى الحقيقي ، وإن لم يعتبر فيها ذلك لم يدلّ الحكم بعدم صحّة السلب على الوجه المذكور على الحقيقة وإنّما مقتضاه كون المبحوث عنه مفهوما من اللفظ حال الإطلاق أو مندرجا في المفهوم منه كذلك ، فيكون العلامة المذكورة حينئذ طريقا لإثبات التبادر ولا يكون علامة اخرى مستقلّة ، كما هو المفروض. ـ

٢٤٩

__________________

ـ وأمّا الجواب الثالث المذكور أخيرا فجواب عن الدور الثاني ؛ لأنّ جهة التوقف المدّعى فيه أنّ عدم صحّة السلب معلول للوضع فيتوقف العلم به على العلم بالوضع توقف العلم بالمعلول على العلم بعلّته فيجاب بالمنع من ذلك ، وأنّه قد تحقّق العلم بالمعلول ولا يتحقق العلم بعلّته ؛ إذا لاحظه العقل ابتداءا وإن تحقق العلم بها بعد ملاحظة العلم بالمعلول ؛ فإنّ ذلك قضية كونه أمارة عليه الى آخر ما ذكره رفع مقامه ، ومن هنا صحّ اجرائه الجواب المذكور في صحّة السلب أيضا إذ قد عرفت جريان الدور المذكور فيه أيضا ، وحيث كان هذا جوابا ثالثا مغايرا للجوابين المذكورين في التبادر صحّ جوابا عن الدور واقعا له من غير التزام شيء من الوجهين المذكورين ، فيجاب به مع التزام توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحّة السلب دون العلم بالعلم خاصة والتزام رجوع المستدلّ إلى وجدان نفسه في الحكم المذكور دون غيره من العالمين بالوضع.

بقي الكلام في الدور الذي يمكن إيراده في المقام على وجه الإضمار ، والحقّ أنّه ملفّق من القسمين ومركب من الجهتين ، ولذا يختصّ مورده بالموردين المتقدمين للدور الأوّل ، أعني ما اعتبر فيهما عدم صحّة السلب ، مضافا إلى مصداق يساوق المعنى الحقيقي ويلازمه كالمعنى المراد من اللفظ حال الإطلاق أو المفهوم منه عند الإطلاق ونحو ذلك ، والصحيح في تقريره : أن يقال : إنّ الحكم بعدم صحّة السلب المعنى المراد من اللفظ حال الإطلاق موقوف على العلم بكونه مرادا منه حال الإطلاق لعين ما ذكر في وجه التوقف في الدور الأوّل ، والعلم بكونه مرادا منه حال الإطلاق موقوف على العلم بالوضع لنحو ما ذكر في الدور الثاني فإذا توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحّة السلب المذكور ـ كما هو قضية جعله أمارة عليه ـ لزم الدور ، وحيث كان التوقف المدّعى فيه أوّلا هو التوقف المدّعى في الدور الأوّل وثانيا هو المدّعى في الثاني اتّجه اندفاع كلّ منهما بجوابه المختصّ به وإن اندفع بدفع أحدهما.

وأمّا تقرير الدور على الوجه الذي ذكره المصنف رحمه‌الله فليس على ما ينبغي لأنّه أشبه شيء بالمغالطات ، فإنّ الحكم بعدم صحّة سلب المعنى المراد حال الإطلاق إنّما يتوقف على فهم المعنى المراد منه حال الإطلاق بمعنى تصوّره كما يقتضيه التعليل على أن يكون الظرف متعلّقا بالمراد دون الفهم ولا توقف له على فهم المعنى المذكور من اللفظ ، والمتوقف على العلم بالوضع إنّما هو فهم المعنى من اللفظ على أن يكون الظرف متعلّقا بالفهم ، والحاصل أنّ الفهم الموقوف عليه في المقدّمة الاولى هو مطلق الفهم والتصوّر لا خصوص الحاصل من اللفظ دون مطلق الفهم. ـ

٢٥٠

المعنى الحقيقي بنفسه لا ملاحظته بعنوان كونه معنى حقيقيّا ، والمعلوم بالعلامة المفروضة هو الصفة المذكورة ، غاية الأمر أن يلاحظ مع نفس المعنى ما يتعيّن به كونه معنى حقيقيّا في الواقع حتّى لا يحتمل بحسب الواقع أن يكون المحكوم بعدم صحّة سلبه غير ذلك ، وذلك كان يعتبر فيما يحكم بعدم صحّة سلبه أن يكون هو المعنى المفهوم منه حال الإطلاق حسب ما أشرنا إليه ؛ إذ ليس ذلك إلّا معناه الموضوع له بحسب الواقع وإن لم يلاحظ بعنوان أنّه الموضوع له ، فلا دور بالتقرير المذكور. وأيضا المعنى الحقيقي الملحوظ في جانب المحمول إنّما هو الأمر الإجمالي فيعلم من عدم صحّة سلبه عن ذلك المعنى كونه عين ذلك ، فتعيّن ذلك الحمل حاصل بإعمال العلامة المذكورة وأمّا العلم بالموضوع له على جهة الإجمال حسب ما اعتبر في المحمول فهو حاصل قبل إعمال العلامة المذكورة فيكون اللازم توقّف معرفته التفصيلي على المعرفة به على نحو الإجمال ولا ضير فيه. هذا كلّه بالنسبة إلى الوجهين الأوّلين من الوجوه الثلاثة المذكورة عدا الصورة الاولى من الاحتمالين المذكورين في الوجه الأوّل ، فيتعيّن فيه الجواب بالرجوع إلى العالم.

وأمّا بالنسبة إلى الوجه الثالث فيندفع بما تقدّم من الوجهين في جواب الدور الوارد على التبادر ؛ لاتّحاد منشأ الإيراد في المقامين ، وكذا الحال فيما قرّرناه أخيرا في بيان الدور ، ويجري فيه أيضا ما حكيناه هناك عن بعض الأفاضل من الجواب بمنع كون فهم المعنى متفرّعا على العلم بالوضع مع ما يرد عليه ممّا مرّ

__________________

ـ ومما قرّرنا يظهر ما في كلامه قدس‌سره من أنّ هذا التقرير في إيراد الدور في المقام نظير ما مرّ في إيراده على التبادر مشيرا به إلى أنّ الجواب عنه أيضا نظير الجواب عنه ، كيف! ولزوم تحقق العلامة عند المستدل بها كما أشرنا إليه سابقا قاض بلزوم تصوّر المستدل لمعنى المراد المعتبر في المحمول سواء أراد الاستدلال بها على الوضع وعلى العلم به سواء كان الحاكم بعدم صحّة السلب المذكور هو المستدل أو غيره من العالمين بالوضع ، فلا الدور المذكور نظير الدور الوارد على التبادر ولا الجواب عنه بالوجهين المذكورين بمجد هنا كما اتضح الوجه في ذلك كلّه مما قرّرنا. للشيخ محمد.

أثبتناه من هامش المطبوع ـ ١.

٢٥١

الكلام فيه ، وهذا كلّه ظاهر بعد التأمل.

ويمكن الجواب هنا أيضا بوجه ثالث وهو أنّه قد يتحقّق العلم بالشيء على تقدير تصوّره بعنوان خاصّ مع عدم العلم به إذا تصوّر بعنوان آخر وإن كانا متلازمين بحسب الواقع، فحينئذ نقول : إنّه قد يحصل العلم بكون المعنى ممّا لا يصحّ سلب مدلول اللفظ عنه ولا يحصل العلم بكونه معنى حقيقيا أو مندرجا فيه من دون ملاحظة عدم صحّة السلب المفروض وإن كان الأوّل متفرّعا على الثاني تابعا له ، لإمكان العلم بالفرع مع الجهل بأصله المبتني عليه بحسب الواقع ، وحينئذ فالقول بكون الحكم بعدم صحّة السلب مبتنيا على العلم بكونه حقيقة فيه ممنوع ؛ لا مكان فرض الجهل به إذا لا حظه ابتداء مع العلم بالآخر وإن تحقق العلم به بعد ملاحظة علمه بالآخر ، فإنّ ذلك هو قضيّة كونه أمارة عليه ، وحينئذ فينتظم قياس بهذه الصورة : هذا مما لا يصحّ سلب مدلول اللفظ عنه على أحد الوجهين المذكورين وكلّما لا يصحّ سلبه عنه كذلك فهو معنى حقيقي له على أحدهما ومن مصاديق معناه الحقيقي على الآخر ، فينتج ما هو المدّعى ، وبمثله نقول بالنسبة إلى صحّة السلب أيضا.

والقول بأنّ الحكم بعدم صحّة سلب مدلول اللفظ موقوف على فهمه إنّما يتمّ لو قلنا بتوقف ذلك على تصوّره على سبيل التفصيل وليس كذلك للاكتفاء فيه بالإجمال.

هذا إذا اريد من ملاحظة العلامة المذكورة معرفة نفس الموضوع له في الجملة ، وأمّا إذا اريد معرفة المصداق فالكلام المذكور ساقط من أصله.

وممّا ذكرنا يعرف عدم جريان هذا الجواب في التبادر حيث إنّ الملحوظ هناك فهم المعنى على سبيل التفصيل وانسباقه إلى الذهن كذلك المتفرّع على العلم بوضعه له ، بخلاف المفروض في المقام.

هذا ، وقد اجيب أيضا عن الدور المذكور بوجوه :

منها : أنّ المراد بصحّة السلب هو صحّة سلب المعنى الملحوظ في الإثبات في

٢٥٢

نفس الأمر ، لا مطلق المعنى حتّى يلزم فساد الحكم بصحّة السلب في بعض صوره وعدم دلالته على المجاز في بعض آخر ، ولا خصوص المعنى الحقيقي ليلزم الدور مثلا أنّا نعلم أنّ في إطلاق «الحمار» على البليد قد لوحظ معنى الحيوان الناهق ، إذ إطلاقه عليه إنّما هو بهذا الوجه مع أنّه يصحّ سلب هذا المعنى بعينه عنه في نفس الأمر ، فيقال : البليد ليس بحمار ، أي ليس بحيوان ناهق في نفس الأمر ، فيكون مجازا ، وإذا تبيّن المراد في صحّة السلب فقس عليه الحال في عدم صحّة السلب.

ويشكل ذلك بأنّ المراد بالمعنى الملحوظ في الإثبات في نفس الأمر إمّا الملحوظ في الاستعمال ـ يعني خصوص ما استعمل اللفظ فيه ـ فهو مما لا يصحّ سلبه في المجاز ؛ لوضوح أنّ الحمار في إطلاقه على البليد مستعمل في الحيوان القليل الإدراك لا الحيوان الناهق ، ولذا كان مجازا لغويّا ، ومن البيّن عدم صحّة سلبه عن البليد ، فلا يتمّ ما ذكر من أنّ إطلاقه على البليد ليس إلّا من جهة كونه حيوانا ناهقا ، إلّا على قول من يجعل الاستعارة مبنيّا على المجاز العقلي باستعمال اللفظ في معناه الحقيقي وادعاء كون ما اطلق عليه من أفراده على أنّه لا يجري في غير الاستعارة من سائر أنواع المجاز كإطلاق النهر على الماء وإطلاق القرية على الأهل ونحوهما.

وإمّا المعنى الملحوظ في استعمال اللفظ في المعنى المفروض بارتباطه به وعلاقته له فالتجوّز في الاستعمال إذن ظاهر قبل ملاحظة العلامة المذكورة ؛ إذ مع فرض كون الاستعمال فيه من جهة ملاحظة علاقته لغيره لا مجال للشكّ في كونه مجازا حتى يفتقر إلى العلامة المذكورة ، ضرورة أنّه لا يكون ذلك في غير المجاز ، ولو قطع النظر عن ذلك وفرض عدم استفادة الحال من ذلك فصحّة سلب ذلك المعنى عنه لا تفيد كونه مجازا فيه ، إلّا بعد العلم بكونه حقيقة في ذلك المعنى ، فيكون صحّة سلبه عنه إذن موقوفا على العلم بكونه غير الموضوع له فالدور على حاله ، ونحوه الكلام في عدم صحّة السلب ، إلّا أنّه يجري نحو الكلام الأخير في الشقّ الأوّل ولا حاجة فيه إلى الباقي.

٢٥٣

ومنها : أنّ المراد بكون صحّة السلب علامة للمجاز أنّ صحّة سلب كل واحد من المعاني الحقيقية عن المبحوث عنه علامة لمجازيته بالنسبة إلى ذلك المعنى المسلوب ، فإن كان المسلوب الحقيقي واحدا في نفس الأمر كان ذلك المبحوث عنه مجازا مطلقا ، وإن تعدد كان مجازا بالنسبة إلى ما علم سلبه عنه لا مطلقا.

ومثله الكلام في عدم صحّة السلب ؛ فإنّ المراد عدم صحّة سلب المعنى الحقيقي في الجملة ، فيقال : إنّه علامة لكون ما لا يصحّ سلب المعنى الحقيقي عنه معنى حقيقيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه عنه وإن احتمل أن يكون لذلك اللفظ معنى آخر يصحّ سلبه عن المبحوث عنه فيكون مجازا بالنسبة إليه ، فلا يتوقّف معرفة كون المبحوث عنه حقيقة على العلم بكونه حقيقة حتى يلزم الدور.

والحاصل : أنّ معرفة كونه حقيقة في هذا المعنى الخاصّ موقوف على معرفة الحقيقة في الجملة ، وذلك لا يستلزم دورا.

وأنت خبير بما فيه ، إذ لا يفيد شيئا في دفع الدور ؛ فإنّه من البيّن أنّ صحّة سلب المعنى الحقيقي المفروض عن المبحوث عنه تتوقف على العلم بكونه مغايرا له مباينا إيّاه وهو معنى كونه مجازا بالنسبة إليه ، إذ ليس المجاز إلّا اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فالعلم بالمغايرة ـ أعني كونه مجازا بالنظر إليه ـ إن كان متوقفا على صحّة السلب ـ كما هو المدّعى ـ لزم الدور.

وكذا الحال في عدم صحّة السلب ، فإنّه إن كان المقصود من ملاحظة العلامة المذكورة معرفة كون المبحوث عنه موضوعا له اللفظ فإن كان المعنى المسلوب عنه معيّنا معلوما ـ كما هو الظاهر من الكلام المذكور ـ فكونه حقيقة فيه لا بدّ أن يكون معلوما قبل إعمال العلامة المذكورة كما هو المفروض ، فلو توقّف عليه كان دورا ، وإن اخذ معناه الحقيقي على سبيل الإجمال والإبهام واريد بالعلامة المذكورة تعيينه ومعرفته بخصوصه فمعلوم أيضا ، أنّ معرفة كون ذلك المجمل هذا المعيّن موقوف على الحكم بعدم صحّة السلب والحكم به موقوف على العلم باتّحادهما وهو دور.

٢٥٤

وإن اريد بها العلم بكون المبحوث عنه مصداقا حقيقيّا لمعناه الحقيقي لا موضوعا له اللفظ بخصوصه فهو يرجع إلى جوابه الآتي ولا يكون جوابا آخر وهو أيضا لا يدفع الدور ، كما سيجيء الإشارة إليه إن شاء الله.

ومنها : أنّ المراد بصحّة سلب المعنى وعدمها هو صحّة سلب المعنى الحقيقي وعدمها عمّا احتمل فرديّته له بأن يعلم للّفظ معنى حقيقي ذو أفراد ويشكّ في دخول المبحوث عنه فيها وعدمه ، فيكون الشك في كون ذلك مصداقا لما علم كونه موضوعا له ، لا في كونه موضوعا له بخصوصه ، فيختبر ذلك بصحّة السلب وعدمها ، وهذا أيضا لا يستلزم دورا ؛ لإختلاف الطرفين.

وأنت خبير بأنّ ذلك أيضا لا يفيد في دفع الدور شيئا ؛ إذ نقول حينئذ : إنّ معرفة كونه مصداقا لذلك المعنى يتوقّف على عدم صحّة سلبه عنه ، وعدم صحّة سلبه عنه يتوقّف على العلم بكونه مصداقا له ، وكذا الحال في صحّة السلب فيجيء هناك إختلاف في تقرير الدور ؛ نظرا الى تغيير ظاهر المدّعى حيث إنّ ظاهر جعلهما علامة للحقيقة والمجاز كونهما علامتين لمعرفة نفس الموضوع له وغيره فصرف ذلك في الجواب المذكور الى معرفة مصداق كلّ منهما ، والدور بحاله غير مندفع أصلا.

ومنها : أنّ صحّة سلب بعض المعاني الحقيقيّة ، كافية في الدلالة على المجاز ، إذ لو كان حقيقة لزم الاشتراك المرجوح بالنسبة إلى المجاز ، وكأنّ الوجه في اندفاع الدور حينئذ : أنّ معرفة كونه مجازا مطلقا متوقّفة على صحّة سلب بعض المعاني الحقيقية ، وصحّة سلب بعض المعاني الحقيقية متوقّفة على كونه مجازا بالنسبة إلى ذلك المعنى الحقيقي فاختلف طرفا الدور. ولا يخفى وهنه.

أمّا أوّلا فلأنّ العلم بكونه مجازا مطلقا يندرج فيه العلم بالمجازية بالنسبة إلى المعنى المفروض ، فالدور بالنظر إليه على حاله.

وأمّا ثانيا فلأنّ معرفة كونه مجازا مطلقا لا يتوقّف على العلامة المذكورة ، بل عليها وعلى الأصل المذكور ، وإنّما يعرف من العلامة المفروضة كونه مجازا فيه

٢٥٥

بملاحظة المعنى المفروض ، ومن الأصل المذكور عدم ثبوت الوضع له بخصوصه أو لمعنى آخر لا يصحّ سلبه عنه فالدور أيضا بحاله.

وأمّا ثالثا فبعدم جريانه في عدم صحّة السلب ؛ إذ عدم صحّة سلب بعض المعاني الحقيقيّة عنه موقوف على العلم بكونه حقيقة فيه والمفروض توقف العلم بكونه حقيقة فيه على ذلك فالدور فيه على حاله.

وأمّا رابعا فلأنّ المفروض في الجواب المذكور إثبات كونه مجازا فيه بذلك وبالأصل فلا تكون العلامة المفروضة بنفسها أمارة للمجاز ، وهو خلاف المدّعى.

ومنها : أنّ المراد إنّا إذا علمنا المعنى الحقيقي للّفظ ومعناه المجازي ولم نعلم ما أراد القائل منه فإنّا نعلم بصحّة سلب المعنى الحقيقي عن المورد ، أنّ المراد هو المعنى المجازي ، وقد نصّ المجيب المذكور بعدم جريان الجواب في عدم صحّة السلب ؛ إذ لا يعرف من عدم صحّة سلب المعنى الحقيقي عن المورد كونه حقيقة فيه ، ضرورة عدم صحّة سلب الكلّي عن فرده ، مع أنّ استعماله فيه مجاز. واورد عليه بوجوه :

أحدها : أنّ العلائم المذكورة إنّما تلحظ في مقام الشكّ في الموضوع له والجهل بكون اللفظ حقيقة في المعنى المستعمل فيه أو مجازا وأمّا مع العلم بكون اللفظ حقيقة في معنى مجازا في آخر فلا حاجة إلى العلامة ؛ إذ مع إمكان حمله على الحقيقة يتعيّن الحمل عليها نظرا إلى أصالة الحمل على الحقيقة ، وبدونه يتعيّن الحمل على المجاز ويكون امتناع حمله على الحقيقة قرينة على ذلك وليس ذلك من العلامة في شيء.

ثانيها : أنّه لو صحّ ذلك لاقتضى أن يكون كلّ من صحّة السلب وعدمها علامة لكلّ من الحقيقة والمجاز فإنّ صحّة سلب المعنى الحقيقي علامة للمجاز وصحّة سلب المعنى المجازي علامة للحقيقة ، وعدم صحّة السلب بالعكس ، وهم لا يقولون به لجعلهم عدم صحّة السلب أمارة للحقيقة وصحّة السلب أمارة للمجاز.

ثالثها : أنّ استعمال الكلّي في الفرد ليس مجازا مطلقا وإنّما يكون مجازا إذا

٢٥٦

استعمل فيه بخصوصه ، ومع إرادة الخصوصيّة من اللفظ ، فلا ريب في صحّة سلب معناه الحقيقي عنه بهذا الاعتبار وإن لم يصحّ سلبه عنه بالاعتبار الأوّل ، فما ذكره في وجه عدم جريان ما ذكره في عدم صحّة السلب ليس بمتّجه.

قلت : يظهر ممّا ذكر في الإيراد حمل كلام المجيب على أنّه إذا لم يعلم المستعمل فيه أصلا واريد المعرفة به فبصحّة سلب المعنى الحقيقي عن المراد من جهة القرينة الدالّة على إرادة غيره يعلم إرادة المجازي ، ولذا ذكر في الإيراد عليه : أنّ ذلك ليس من العلامة في شيء ، والذي يظهر بالتأمّل في كلامه أنّ ذلك ليس من مقصود المجيب في شيء كيف! وفساد الكلام المذكور يشبه أن يكون ضروريا ولا داعي لحمل كلامه عليه مع ظهوره في خلافه ، بل الظاهر أنّ مراد المجيب أنّه إذا اطلق اللفظ على مصداق ـ كما إذا استعمل الحمار في البليد ـ وشككنا في كونه مصداقا لمعناه الحقيقي أو المجازي مع العلم بكلّ منهما فلم يعلم المستعمل فيه في المقام من جهة الشكّ المذكور فإنّه إن كان فردا للحيوان الناهق كان اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي إن اطلق على فرد منه لا من حيث الخصوصية ، وإن لم يكن فردا منه فهو من مصاديق معناه المجازي ، أعني الحيوان القليل الإدراك ويكون اللفظ إذن مستعملا فيه فيتعرّف إذن بصحّة سلب معناه الحقيقي عنه أنّه من أفراد المعنى المجازي وأنّ اللفظ مستعمل في معناه المجازي.

وقوله : «فإنّا نعلم بصحّة سلب المعنى الحقيقي عن المورد ... إلخ» كالصريح فيه ، فإنّه إذا لم يطلق اللفظ على مصداق معيّن فمن أين يتحقّق هناك مورد معلوم للاستعمال.

ثمّ إنّه مع الجهل بالمراد مطلقا كيف يعقل سلب المعنى الحقيقي عن المجهول المطلق؟ ويتعرّف بذلك كون المستعمل فيه مجازا. والحاصل : أنّ ما ذكرناه في كمال الظهور من الكلام المذكور.

ثمّ ما ذكره ثانيا من عدم جريان ذلك في عدم صحّة السلب معلّلا بما ذكره في غاية الظهور أيضا فيما قلناه.

٢٥٧

فظهر بما ذكرنا اندفاع الإيرادات المذكورة عنه ، أمّا الأوّل فظاهر.

وأمّا الثاني فبأنّهم إنّما اعتبروا صحّة السلب وعدمها بالنسبة إلى المعنى الحقيقي لتعيّنه وتميّزه وأمّا المعنى المجازي فلمّا لم يكن متعيّنا مضبوطا بل كان دائرا مدار حصول العلامة لم تفد صحّة سلب ما نعرفه من المعاني المجازيّة كونه مصداقا لمعناه الحقيقي ؛ لاحتمال كونه مندرجا في مجازي آخر غيرها ، ولا عدم صحّة سلبه عنه كونه فردا من المعنى المجازي ؛ لإمكان أن يكون معناه المجازي أعمّ من الحقيقي فلا يصحّ سلب شيء منهما عنه.

وأمّا الثالث فلأنّ الوجه المذكور إنّما يفيد تميّز مصداق معناه المجازي عن الحقيقي من دون إفادة لمعرفة نفس الموضوع له وغيره ، فيستفاد من ذلك كون المستعمل فيه مجازا إذا علم اندراج ذلك المصداق في معناه المجازي ويتعرّف به كون اللفظ مجازا في الاستعمال المفروض ، وأمّا إذا علم بعدم صحّة سلبه عنه اندراجه في معناه الحقيقي لم يفد ذلك كون اللفظ هناك حقيقة أو مجازا ؛ لاحتمال استعمال اللفظ فيه بخصوصه ، فيكون الاستعمال مجازا مع عدم صحّة سلبه عنه ، فما ذكر في الإيراد عليه من أنّه مع استعماله في الفرد بخصوصه يصحّ سلب ذلك المعنى عنه غير متّجه ؛ لوضوح عدم صحّة سلب الكلّي عن الفرد بالحمل الشائع وإن لوحظ الفرد بخصوصه.

فمرجع هذا الجواب إلى الجواب الثاني الذي حكيناه عن بعض الأفاضل ، إلّا أنّه جعل صحّة السلب أمارة لكون اللفظ مجازا في استعماله المفروض فلم يصحّ له جعل عدم صحّة السلب أمارة لكونه حقيقة كذلك ، وحينئذ فيرد عليه ما أوردناه عليه وأنّه لا حاجة إذن إلى جعله علامة لحال اللفظ بالنسبة إلى ما استعمل فيه حتّى لا يجري في عدم صحّة السلب ، بل ينبغي جعله أمارة لتميّز المصداق الحقيقي عن المجازي ليجري في المقامين حسب ما مرّ ، على أنّه قد يجعل أمارة بالنسبة إلى الأوّل أيضا بعد ملاحظة ما هو الغالب من عدم ملاحظة الخصوصية في إطلاق الكلّيات على أفرادها. فتأمل.

٢٥٨

ومنها : أنّ المراد صحّة سلب ما يستعمل فيه اللفظ المجرد عن القرينة في العرف فإنّه يصحّ عرفا أن يقال للبليد : إنّه ليس بحمار ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه ليس بإنسان ، فعلم بالأوّل كون الحمار مجازا فيه ، وبالثاني صدق الإنسان عليه على سبيل الحقيقة.

وهذا الجواب يرجع إلى أحد الجوابين المذكورين في الجواب عن الدور الوارد في التبادر، إذ قد عرفت ممّا مرّ جريان ذلك بالنسبة إلى ملاحظة صحّة السلب وعدمها مع الإطلاق في كلام العارفين باللسان غير المتكلم ، وكذا بالنسبة إلى نفسه لو كان من أهل اللسان كما هو الغالب ؛ نظرا إلى الفرق بين العلم بالشيء والعلم بالعلم به ، وحينئذ فالمتوقّف على إعمال العلامة هو الثاني والمتوقّف عليه هو الأوّل حسب ما عرفت.

هذا وقد أورد عليه بعض الأفاضل رحمهم‌الله بأنّ ذلك مجرّد تغيير عبارة لا يدفع السؤال ؛ فإنّ معرفة ما يفهم من اللفظ عرفا مجرّدا عن القرائن هو بعينه معرفة الحقائق سواء اتّحد المفهوم العرفي ففهم معيّنا أو تعدّد من جهة الاشتراك ففهم الكلّ إجمالا وبدون التعيين ، وذلك يتوقّف على معرفة كون المستعمل فيه ليس هو عين ما يفهم عرفا على التعيين أو من جملة ما يفهم عرفا على الإجمال فيبقى الدور بحاله.

وأنت بعد ملاحظة ما قرّرناه تعرف ما فيه كيف! والحاكم بصحّة السلب وعدمها بناء على الأوّل هو العرف ، وإنّما يتوقّف حكمهم بذلك على معرفتهم بمعنى اللفظ لا علم الملاحظ للأمارة المذكورة ، والحاصل بملاحظة العلامة المذكورة علم الملاحظ بالحال بعد الرجوع إليهم ، فمن أين يتوهّم لزوم الدور؟ وأمّا على الثاني فلا اتّحاد أيضا في طرفي الدور كما عرفت.

وأمّا الجواب عن الثالث فبما عرفت من اختلاف الحال في العلامة المذكورة ، فإن كان المراد معرفة حال المفهوم من حيث ثبوت الوضع له وعدمه فلا ريب في صحّة السلب في المقامات المفروضة ، ضرورة أنّ مفهوم الكلّ غير مفهوم الجزء

٢٥٩

واللازم ، وإن اريد به معرفة حال المصداق من حيث اندراجه حقيقة في المفهوم المفروض وعدمه فلا ريب إذن في إفادة عدم صحّة السلب الحاصل في المقام اندراجه فيه على سبيل الحقيقة وكونه من أفراده الحقيقيّة ، فلو اطلق ذلك اللفظ عليه لا من جهة اعتبار الخصوصيّة كان الاستعمال حقيقة وهو كذلك في الواقع ، فلا نقض من الجهة المذكورة أصلا.

وقد يجاب عنه بأنّ المعتبر من الحمل في صحّة السلب وعدمها هو الحمل الذاتي والحمل الصادق في الموارد المذكورة إنّما هو الحمل الشائع خاصّة. وفيه ما عرفت ممّا قرّرناه.

ثاني عشرها : الإطّراد وعدمه ، فالأوّل علامة الحقيقة ، والثاني أمارة المجاز ، والمراد به اطّراد استعمال اللفظ في المعنى المفروض بحسب المقامات بحيث لا يختصّ جوازه بمقام دون آخر أو مع خصوصية دون اخرى ويصحّ اطلاقه على مصاديق ذلك المعنى إذا كان كلّيا من غير اختصاص له ببعضها.

واختلفوا في كون الإطّراد على الوجه المفروض دليلا على كون اللفظ حقيقة في ذلك المعنى وعدمه على قولين :

أحدهما : دلالته على ذلك ، وحكي القول به عن جماعة منهم الغزالي والسيد العميدي والعلّامة في ظاهر التهذيب.

وثانيهما : عدمها ، ذهب إليه جماعة من العامّة والخاصّة منهم الآمدي في الإحكام والحاجبي والعضدي ، وشيخنا البهائي رحمه‌الله وهو ظاهر العلّامة رحمه‌الله في النهاية حيث ذكر الإيراد على دلالته على الحقيقة مقتصرا عليه ، واختاره الشريف الاستاذ قدس سرّه.

حجّة الأوّل أنّه مع تحقّق الوضع للمعنى لا ريب في جواز إطلاق اللفظ عليه بحسب الموارد والمقامات وكذا على كلّ من مصاديقه ، نظرا إلى تحقّق الطبيعة فيه وحصولها في ضمنه ، وأمّا مع عدم حصول الوضع فجواز الاستعمال فيه يتبع وجود العلاقة المصحّحة ، وقد تقرّر أنّه يعتبر في وجود العلاقة المجوّزة للتجوّز عدم إباء

٢٦٠