مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

وسلم : يا علي ويا فاطمة إن الله قد فصل الفتنة على الذين يقولون : إنا لنعلم الذين صدقوا في قولهم ، ونعلم الكاذبين في إيمانهم ، فهذا وعد واقع واجب.

ثم أنزلت : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٤) [العنكبوت : ٤] ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ويا فاطمة قد علم الرب أن أقواما من بعدي عند الفتنة سيعلمون السيئات ويحسبون أنهم سابقون.

فقال علي رحمة الله عليه : فكيف يحسبون أنهم يسبقون يا رسول الله ومن ورائهم الموت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي إنهم لم يسبقوا قضاء الله الذي قضى فيهم الموت.

ثم أنزل : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥) [العنكبوت : ٥] ، بحق (١) أن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجل الله ، وأن يكون تائبا تابعا لطاعته ، مجتنبا لخلاف الله ومعصيته ، وأن يعلم أن الله يعلم ما يعمل ، ويسمع ما يقول ، ولذلك قال الله سبحانه : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

ثم أنزل الله : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) [العنكبوت : ٦] ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد قضى الله على المؤمنين عند الفتنة بعدي الجهاد. فقال علي : يا رسول الله على ما يجاهد الذين يقولون آمنا؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تجاهدونهم (٢) على الإحداث في الدين. فقال علي : يا رسول الله إنك تقول تجاهدونهم كأني سأبقى بعدك إلى مجيء الفتنة ، فأعوذ بالله والرسول أن أؤخر بعدك ، فادع إلى ربك أن يتوفاني قبل ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه : ما كنت حقيقا أن تأمرني أن أدعو (٣) الله لك أن يقدم أجلك قبل ما أجّل الله وقضى! والله يقول سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران : ١٤٥].

__________________

(١) هنا كلمة مهملة (بحقين) وما أثبت اجتهاد.

(٢) في المخطوط : يجاهدون. ولعل ما أثبت هو الصواب وما بعده من سؤال الإمام يشهد بذلك.

(٣) في المخطوط : أدع. والصواب ما أثبت.

٦٤١

فقال علي رضي الله عنه : يا رسول الله فما هذه الأحداث التي نجاهدهم عليها؟ قال : ما خالف القرآن وخالف سنتي ، إذا عملوا في الدين بغير الدين ، وإنما الدين أمر الرب ونهيه.

قال علي : يا رسول الله فإنك قلت يوم أحد إذ استشهد من المؤمنين من استشهد فأخّرت عني الشهادة فرأيت وجدي وأسفي : إن الشهادة من ورائك. فقال رسول الله صلى الله عليه : فإن ذلك إن شاء الله كذلك. وكيف ترى صبرك إذا خضبت هذه من هذا وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه؟!

فقال علي رضي الله عنه : ليس ذلك يا رسول الله حينئذ من مواطن الصبر ، ولكنه من مواطن البشرى والشكر.

فقال رسول الله صلى الله عليه : فأعدد قبل خصومتك فإنك مخاصم. فقال عليعليه‌السلام: يا رسول الله أرشدني إلى الفلج عند الخصومة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه: آثر الهدى ، واعطفه على الهوى من بعدي ، إذا عطف قومك الهوى على الهدى وآثروه ، واعطف القرآن على الرأي ، إذا عطف قومك الرأي على القرآن ، وحرفوا الكلم عن مواضعه بالأهواء العارضة ، والآمال الطامحة ، والأفئدة الناكثة ، والغش المطوي ، والإفك المؤذي ، والغفلة عن ذكر الموت والمعاد ، فلا يكونن خصومك أولى بالقرآن منك ، فإن من الفلج في الدنيا أن يخالف خصمك سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن يخالف القرآن بعمله ، يقول الحق ويعمل بالباطل ، وعند ذلك يملأ لهم ليزدادوا إثما ، ويضلوا ضلالا كبيرا ، وعند ذلك لا يدين الناس بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يكون فيهم شهداء لله بالحق ، وعند ذلك يتفاخرون بأموالهم وأنسابهم ، ويزكون أنفسهم ، ويتمنون رحمة ربهم ، ويستحلون الحرام والمعاصي بالشبهات والأسماء الكاذبة ، ويستحلون الربا بالبيع ، والخمر بالنبيذ ، والنجس بالزكاة ، والسحت بالهدية ، ويظهرون الباطل ، ويتعاونون على أمرهم ، ويزينون الجهلاء ، ويفتنون العلماء من أولي الألباب ، ويتخذونهم سخريا.

فقال علي : يا رسول الله بمنزلة ردة هم إذا فعلوا ذلك ، أبمنزلة فتنة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل بمنزلة فتنة ، لو كانوا بمنزلة ردة أتاهم رسول من بعدي يدعوهم إلى الرجعة من بعد الردة ، ولكنها فتنة يستنقذهم الله منها إذا تأخرت آجال

٦٤٢

السعداء ، بأولياء من أولياء الله فيهديهم بهم ، ويهتدى بهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

فقال علي عليه‌السلام : من آل محمد الهداة أو من غيرهم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل بنا يختم الله كما فتح بنا ، وبنا ينقذون من الفتنة ، كما بنا أنقذوا من الشرك ، بعد عداوة الشرك فصاروا إخوانا في دينهم.

٢٦٢ ـ [وسئل :] عن من وطي امرأته في شهر رمضان ما عليه؟

فقال : قد قيل نصف قوته سنة ، إلا أنه يلزمه حق الله في غلته.

٢٦٣ ـ [وسئل :] أيحل له أخذ الزكاة والعشر ، إذا كان فيها دخل عليه من غلة أرضه ، أو يجب عليه بيع أرضه من الأصل كلها ، حتى لا يبقى له قليل ولا كثير؟

فقال : يحل له أخذ العشر والزكاة إذا احتاج إليها ، وإن كان له مال ، أو لم يكن له مال ، وليس له أن يبيع جميع ماله ، ويهلك نفسه.

٢٦٤ ـ وسئل : هل في الحيوان مثل البغال والحمير وغيرها من جميع الدواب شفعة؟

قال : نعم ، في كل ذلك شفعة ، لأن الشريك أحق بذلك إذا أراد من غيره ، لما له فيها من الشركة ، فالواجب على من باع أن يعرض على شريكه إذا عزم يبيعها.

٢٦٥ ـ وسئل : هل يجب للمرأة شرب الدواء لأن لا تلد ، ويسقي الرجل أمته لئلا تلد ، ويشرب الرجل ليقطع شهوته؟

فقال : لا يجوز لهم ذلك.

٢٦٦ ـ وسئل : عن من يقول بالتوحيد والعدل وامرأته لا تقول به؟

فقال : ينبغي له أن يدعو امرأته جاهدا إلى التوحيد لله والإقرار بعدله ، وليست المعاندة في ذلك كالجاهلة ، لأن المعاندة ، إباء وإلواء (١) ، والجاهلة غلط وخطأ ، وقد يتوب المخطئ من خطئه ، ويقبل من المهتدين من الهدى ما هو عليه من رأيه ، والمعاند

__________________

(١) إلواء : مصدر ألوى ، بمعنى مال وأعرض.

٦٤٣

الذي لا يقبل ما يلقى إليه من الحق في توحيد الله ، ليس كالجاهل الذي يتوب من جهله ، وينيب إلى الحق بعد ضلاله.

٢٦٧ ـ وسئل : عن رجل تزوج بامرأة وهما على غير ما ينبغي من الاستقامة ، من الجهل بمعرفة الله ، وغير ذلك مما لا يرضي الله ، ثم تابا ورجعا أيجب عليهما تجديد النكاح أم لا؟

قال : هما على نكاحهما الأول ثابتان ، لأن النكاح إنما يثبت بالأولياء ويصح ، والدليل على ذلك الواضح : أن رسول الله صلى الله عليه أقر جميع من أسلم من أصحابه ، وكل من دخل من العرب وغيرهم في دينه ، على نكاحهم الأول ، ولم يأمر بأن يغير ولا يحدث ولا يبدل ، وفي هذا ما كفى ، في ما سألت عنه وشفا.

٢٦٨ ـ وسئل : عن من ركب كبائر العصيان أيزول عنه اسم الايمان؟

فقال : من ركب كبائر العصيان ، زال عنه اسم الايمان.

٢٦٩ ـ وسئل : عن رجل أوصى إليه رجل أن يحج عنه من مال الموصي ، فلم يفعل الرجل حتى جاء السلطان الجائر فأخذ المال منه؟

فقال : قد أثم هذا الرجل ، وظلم نفسه في ترك إنفاذ وصية الموصي ، حتى أخذها واغتصبها الظالم العاصي ، فأسلم له فيما بينه وبين ربه أن يبدلها من ماله ، إذا كان أبطلها بتوانيه وتغافله.

٢٧٠ ـ وسئل : عن التهلكة؟

فقال : إن ذلك هو الاستسلام للعدو الظالم ، الذي لا يخاف الله في ارتكاب المظالم.

٢٧١ ـ وسئل : عن رجل سعى برجل إلى سلطان جائر : أن لفلان عليه كذا وكذا درهما ، حتى أخذه السلطان ثأرا (١) لما قال عليه الساعي ، وكانت سعايته بزور وكذب ، وأخذه لما قال عليه السعاة ظلما وعدوانا ، فغصبه ماله؟

__________________

(١) في المخطوط : ثأر. ولعل الصواب ما أثبت.

٦٤٤

فقال : السلطان الجائر هالك بمثل هذا الظلم للمسلمين ، وقبوله لقول شهود الزور ، وتلزم السعاة العقوبة الشديدة ، وأن لا يقبل لهم شهادة إلا أن يتوبوا ، وليس عليهم غير هذا.

٢٧٢ ـ وسئل : عن رجل حج حجة الإسلام ، وهو بمعرفة الله وتوحيده جاهل ، إلا أنه اعتقد أن يحج (١) عن نفسه ، ما أوجب الله من فرضه؟

فقال : هذا هو مجزي عنه إن شاء الله ، وإن جددها بأخرى بعد المعرفة فهو أحوط له.

٢٧٣ ـ وسئل : عن امرأة مؤمنة خطبها رجل مؤمن وليس لها ولي؟

فقال : يزوجها أقرب من يليها من عشيرتها ، وإن لم يكن لها قرابة فيتولى عقد نكاحها رجل من المؤمنين ، ويحضر الشهود لا بد في النكاح والطلاق من الشهود ، لخوف المظلمة والجحود.

٢٧٤ ـ وسئل : عن الشيخ الكبير يطلب رجلا يحج عنه ، إذا كان لا يستطيع السبيل إلى الركوب لضعفه؟

فقال : لا بأس بذلك ، أن يطلب رجلا يحج عنه ، إذا كان لا يستطيع السبيل لضعفه عن السفر.

٢٧٥ ـ وسئل : عن امرأة أسلمت مالها إلى بعض ولدها على أن يرزقها أيام حياتها ، ثم إنها هلكت في السنة الأخرى أو الثانية؟

فقال : المال لورثتها جميعا ، مع الابن الذي أفضت إليه.

٢٧٦ ـ وسئل : عن رجلين خرجا في طلب سلب الناس ، فسلب أحدهما رجلا فأعطى الشريك من السلب؟

فقال : الذي سلب ضامن غارم ، وهو الدافع إلى صاحبه السلب ، ولا يحل للمدفوع إليه أكل شيء مما أخذ ولا ينتفع به ، وإن كان الشريكان تعاونا على

__________________

(١) كذا في المخطوط.

٦٤٥

الظلامة ، لزمهما جميعا الغرامة.

٢٧٧ ـ وسئل : عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تحل الصدقة لغني ولا قوي ولا لذي مرّة سوي) (١)؟

فقال : اعلم أن قوله ذي مرة سوي ، والمرة هاهنا القوة ، والسوي هو الصحيح الذي ليس به مرض ولا علة ، فتمنعه من اكتساب المعيشة والبلغة.

٢٧٨ ـ وسئل : عن رجل قتل ابنه؟

فقال : لا يقتل والد بولده ، ولا سيد بعبده ، إلا أن يكون قتله ظلما ، وفسادا في الأرض واعتداء ، فيفعل في ذلك إمام المسلمين ما يرى ، وأى ابن قتل أباه ، فعلى الإمام في ذلك النظر بما يراه.

٢٧٩ ـ وسئل : هل للأب أخذ مال ابنه وهو غني عنه لا يحتاج إليه؟

فقال : الأمر فيه ما جاء عن النبي صلى الله عليه من قوله : (أنت ومالك لأبيك)(٢) ، وإنما الولد رحمك الله هو هبة وهبها الله للأب ، قال الله سبحانه : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٤٩) [الشورى : ٤٩] ، وقال سبحانه في آدم صلى الله عليه: (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩) [الأعراف : ١٨٩] ، فتفسير (آتَيْتَنا صالِحاً) يعنيان : لئن وهبت لنا وأعطيتنا صالحا ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، فدعواه كما ترى عطية وموهبة لهما من رب العالمين ، وكذلك قالت امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي) [آل عمران : ٣٥] ، ولا محررا إلا ما هو لها موهبة وعطية من الله وما له كما قال رسول الله

__________________

(١) أخرجه أبو داود ٢ / ١١٨ (١٦٣٤) ، والترمذي ٣ / ٤٢ (٦٥٢) ، والنسائي في المجتبى ٥ / ٩٩ (٢٥٩٨) ، وابن ماجة ١ / ٥٨٩ (١٨٣٩) ، والدارمي ١ / ٤٧٢ (١٦٣٩) ، وأحمد ٤ / ٢٢٤ (١٨٠٠١) ، وابن حبان ٨ / ٨٤ (٣٢٩٠) ، وغيرهم.

(٢) أخرجه أبو داود ٣ / ٢٨٨ (٣٥٢٨) ، والترمذي ٣ / ٦٣٩ (١٣٥٨) ، والنسائي في المجتبى ٧ / ٢٤٠ (٤٤٤٩) ، وابن ماجة ٢ / ٧٢٣ (٢١٣٧) ، وأحمد ٢ / ٢٠٤ (٦٩٠٢).

٦٤٦

صلى الله عليه : لأبيه (١) إلا أن يخرجه الأب بتزويج أو غيره من يده ، فيقع المواريث والحقوق ، فيأتي أمر مفروق.

٢٨٠ ـ وسئل : عن امرأة أرضعت جارية هل يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها؟

فقال : إن كانت المرضعة أرضعت الجارية بلبنها من زوجها ، فلا يجوز لولد زوجها من غيرها أن يتزوجها ، لأن الجارية أخت الغلام من جهة لبن أبيه ، وهو لبن الفحل المنهي عنه(٢).

٢٨١ ـ وسئل : عن المولى هل يجوز نكاحه للعربية؟

فقال : لا يعلم بين علماء آل الرسول في ذلك اختلاف ، إذا رضي الأولياء وكانوا أهل عدل وعفاف.

٢٨٢ ـ وسئل : عن القيام مع من ليس بإمام؟

فقال : لا يجوز شيء من ذلك إلا بإمام أو بولاية من إمام ، لما يكون في ذلك من الجمع والأحكام.

٢٨٣ ـ وسئل : عن أفضل الحج؟

فقال : ذلك ما فضله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو القدوة ، وقد جاء عن علي رحمة الله عليه أنه قال : من تمام حجك وعمرتك أن تحرم من دويرة أهلك ، ولا يقرن الحج والعمرة إلا من ساق بدنة (٣).

٢٨٤ ـ وسئل : متى يقطع التلبية في الحج والعمرة؟

__________________

(١) في المخطوط : موهبة وعطية من الله لها من طيبة الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا الولد وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه لأبيه إلا أن يخرجه ... وما حذفت زيادة سهو من النساخ. والله أعلم.

(٢) أخرجه البخاري ٢ / ٢٧٢ (١٩٥٦) ، ومسلم ٢ / ١٠٢٩ (١٤٤٥) ، وأبو داود ٢ / ٢٢٢ (٢٠٥٧) ، والترمذي ٢ / ٤١٧ (٥٣٧) وغيرهم.

(٣) أخرجه الإمام زيد في المسند ، وابن حزم في المحلي ٧ / ٧٥ ، والبيهقي ٥ / ٣٠ ، ٤ / ٣٤١ وغيرهم.

٦٤٧

فقال : إذا رميت جمرة العقبة ، لأن الذي لبى به من حجه حين أحرم وهو بعد فيه ، لم يحل له من الصيد والطيب ما حرم ، فإذا رمى جمرة العقبة حل له ما حرم الله عليه إلا النساء ، حتى يطوف بالبيت لإفاضته ، فإذا أفاض وطاف حل له ما كان حراما عليه من النساء قبل إطافته به.

والعمرة فيقطع التلبية فيها إذا عاين البيت المعتمر أو رآه ، لأنه حينئذ قد بلغ غايته ومنتهاه ، وإذا لم ير البيت فهو بعد في أمره ، وأول ما هو فيه من التلبية كآخره.

٢٨٥ ـ [وسئل : عن تأجير من يحج عن الميت؟ (١)]

فقال : لا بأس به وأقل ما في ذلك فالأجر للميت على تزود الحاج عنه وبلغته ، وإعانته له على سفره ومئونته ونفقته.

٢٨٦ ـ [وسئل : عن] النوافل وأفضل ما في ذلك ، أدلّ دليل من قبل الله سبحانه مثل (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦١) [البقرة : ٢٦١]؟

فقال : أما (٢) أفضل النوافل من الصلاة فصلاة التسبيح ، وهي صلاة جعفر بن أبي طالب ، التي علمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ صار إليه بحنين ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا أهب لك ، ألا أعطيك ، ألا أنحلك؟ قال : حتى ظننت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيعطيني ما لم يعطه أحدا قبلي ، فعلمني صلاة التسبيح وهي فمعروفة عند أهل العلم ، فمن أراد تعملها (٣).

٢٨٧ ـ وسئل : عن أشياء تحرم بها الزوجة على زوجها من غير تكلم بطلاق؟

فقال : من ذلك أن يزني هو ، أو تزني ، أو تختلع منه ، أو تفتدي ، أو ترتد إلى الشرك

__________________

(١) أشار إلى بياض في المخطوط.

(٢) في المخطوط : ما أفضل.

(٣) أخرجه أبو داود ٢ / ٢٩ (١٢٩٧) ، وابن ماجة ١ / ٤٤٣ (١٣٨٧) ، وابن خزيمة ٢ / ٢٢٣ (١٢١٦) ، والحاكم ١ / ٤٦٣ (١١٩٢) ، والبيهقي في الكبرى ٣ / ٥١ (٤٦٩٥) ، والطبراني في الكبير ١١ / ٢٤٣ (١١٦٢٢).

٦٤٨

بعد الإسلام ، وفيما ذكرنا في ذلك من البيان ، ما يقول سبحانه : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ...) [النور : ٣] الآية ، وإذا كان ذلك فاسدا منفسخا محرما ، كان عقده منفسخا محرما ، وقد ذكر أن عليا صلوات الله عليه حد رجلا زنا من أهل القبلة ، وفرّق (١) ـ لما حدّ ـ بينه وبين زوجة له مؤمنة ، وفرّق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بين المتلاعنين ، ولم يصح زنا الزوجة ببينة ولا يقين ، وجرى ذلك في اللعان سنة ، فكيف إذا كانت زوجية أحدهما منتفية.

٢٨٨ ـ وسئل : عن رجل أوصى بوصية موقوفة على مسكنة أهل بيته ، ثم إن الله تبارك وتعالى أفاء عليهم واستغنوا؟

فقال : إذا استغنوا ردت في سبيل الخير ، مثل مواساة أولي الحاجة ، وذوي القربى ، إن احتاج منهم أحد بعد ذلك ، وبني السبيل من أهل الديانة.

٢٨٩ ـ وسئل : عن أكل ما لم يجر تحريمه في تنزيل من كتاب الله عزوجل من الطير والسباع؟

فقال : لا يؤكل من ذلك إلا ما أحلّه عزوجل ، وبيّنه في تنزيله في بهيمة الأنعام ، والأغنام وغير الأغنام ، وصيد البر والبحر ، وما خصه الله من ذلك ومثّله بالذكر.

٢٩٠ ـ وسألته : عن أكل الثمار إذا مرّ بها من غير أن يحمل؟

فقال : لا بأس إذا كان محتاجا إليه ، وليس له أن يفسد ولا يتلف فيه تلفا.

٢٩١ ـ [قال محمد بن القاسم] سألت أبي رحمة الله عليه ورضوانه ، عن قول الله سبحانه : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (٣) [الصافات: ١ ـ ٣]؟

فقال : الصافات صفا ـ فيما أرى والله أعلم ـ أنها الملائكة التي وصف الله بذكره وهي واقفة وقفا. (فَالزَّاجِراتِ) هن الذاكرات التي يعلنّ بالذكر ، ويزجرن فيه بالزجر ، والزجر : فهو الرفع للصوت والإعلان فيه بالرجات ، لأن الصوت الشديد ربما

__________________

(١) في المخطوط : وقذف. ولعل الصواب ما أثبت ، لأنه في سياق الحديث عن ما يوجب التفريق بين الزوجين من غير طلاق. وما بعده من تفريق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشهد لذلك.

٦٤٩

صدع من صخر الجبال ما صلب ، واسمع لذلك وفيه ، ومن الدلالة عليه ، ما يقول الله سبحانه في تسبيح الملائكة : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [الشورى : ٥] خبرا عن رفعهم للأصوات وتسبيحهم ، ويتفطرن فهو : يتصدعن ، وفوقهن فهو : ظهورهن وذراهن ، وهو ما يلي الملائكة صلوات الله عليهم من أعلاهن ، يدل على أن الملائكة عليهم‌السلام الصافات صفا ، وأنهم هم الموصوفون بما ذكر من هذه الصفة وصفا ، بقولهم صلوات الله عليهم : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١٦٦) [الصافات : ١٦٥ ـ ١٦٦].

٢٩٢ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥) [النازعات : ١ ـ ٥]؟

فقال : النازعات فيما أرى ـ والله أعلم ـ هي السحائب المنتزعات بالأمطار من البحار والأنهار ، وبما في الأرض من الندوة والبخار (١).

(وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) هو : الماتحات متحا ، وهي الناشطات الماتحات في نزعهن واطلاعهن ، والنشط هو : الإغراق وهو القوة القوية في جبذهن ، واطلاعهن لما يطلعن

__________________

(١) لقد سبق الإمام عليه‌السلام نظرية تكوّن الماء من البحار بعملية التبخر التي اكتشفت في القرن العشرين ، سبقها بأكثر من ألف سنة ، فالجديد جدا في القرن العشرين ، قديم جدا عند مفكري وفلاسفة الزيدية.

ولقد تحدث أيضا الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه البحر الزخار عن كروية الأرض ونظريات أخرى في غاية الأهمية.

قال الإمام المهدي عليه‌السلام : مسئلة : والأرض كروية. البحر الزخار ١ / ١٠٣.

وتحدث عن توسع الكون وتوالد النجوم والكواكب ، تلك النظرية التي لم تكشف إلا في أواخر القرن العشرين ، بعد بحوث فضائية مرهقة. فقال : وتقبل الكواكب النماء عندنا. البحر الزخار ١ / ١٠٤.

وتحدث عن نظرية أخرى من أعمق النظريات ، وهي : نظرية حركة أجزاء الذرّة ، النواة والإلكترون والبروتون ، فقال : وإذا تحرك جسم ففي كل جوهر منه حركة. البحر الزخار ١ / ١٠٤.

وعن حركة الكواكب المتعددة في وقت واحد ، كما أثبتها علم الفلك الحديث ، قال : مسئلة : ولا يصح على الكواكب حركتان مختلفتان في وقت واحد ، بل تتحرك نحو المشرق حركة بطيئة ، ويتحرك الفلك إلى المغرب حركة سريعة فيغلبها ، فهي كنملة على شفير رحى دائرة. المصدر السابق ١ / ١٠٤.

٦٥٠

في الهواء ، بما يترعن من الماء ، وهن السابحات في الهواء سبحا ، كما يسبح في الماء من كان سابحا ، يمينا ويسارا ، وإقبالا وإدبارا ، وهن أيضا السابقات برحمة الله وفضله ، من المطر والغيث غير المسبوقات بإمساك الله للمطر لو أمسكه عن الأرض وأهلها بعدله ، وقد تكون السابقات سبقا ، هي البروق لأن البرق أسرع شيء خفقا ، وأحثه اختطافا وسبقا.

والسحائب أيضا فهن المدبرات بما جعل الله من الغيث فيهن والأعاجيب ، لكل ذي حكمة أو نظر مصيب ، وغيرها إلى يوم يحشرون ، وكذلك البرزخ الذي جعله بين البحرين شارعا ، فهو المحبس الذي جعله الله حاجزا بينهما مانعا ، لكي لا يختلط البحر العذب السائغ للشاربين ، بالبحر المالح الأجاج الذي لا يطيق شربه أحد من الناس أجمعين ، رحمة منه جل ثناؤه للإنسان ، وغيره من بهائم الحيوان ، كما قال سبحانه : (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٤٩) [الفرقان : ٤٩] ، رأفة ورحمة في ذلك للإنسان وغيره ، وقدرة على إحكام أمره فيهما وتقديره.

٢٩٣ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) [الفجر : ١ ـ ٥]؟

والفجر : هو انفجار الليل عن صبحه ، وانفتاقه عن ضوء الصبح ووضوحه ، والليالي العشر وما ذكر الله من الليالي العشر ، هي ليالي ذي الحجة إلى آخرها يوم النحر ، والشفع والوتر من العدد ، فهو كل زوج أو فرد ، وفي ذلك لكل ذي حكمة أو لب ، أعجب ما يتعجب له من العجب ، والليل إذا يسري فهو الليل ، ويسري فهو السير ، والليل فهو يسري ويمضي ، حتى يطلع الفجر ويضيء ، والقسم فهو الحلف والإيلاء ، وذو الحجر فهو من جعل الله له عقلا ، والحجر فهو العقل والنّهى ، واللب والحجا.

٢٩٤ ـ وسألت : عن قول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [الحجرات : ١١]؟

فقال : الألقاب الأنباز التي يلقب بها بعضهم بعضا ، التي هي خلاف الأسماء التي سمت بها الآباء ، فحرم الله عليهم أن يسمي بعضهم بعضا بالألقاب ، وجعل ذلك حكما مفروضا في الكتاب.

٦٥١

٢٩٥ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) [آل عمران : ١١ ، الأنفال : ٥٤ ، ٥٢]؟

فقال : كمثل آل فرعون كحالهم.

٢٩٦ ـ وسألت : عن قول الله عزوجل : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩) [البقرة : ١٩]؟

فقال : الصيب المطر الذي فيه الظلمات والرعد والبرق ، والذين يجعلون أصابعهم منه في آذانهم خوفا من الهلكة على أنفسهم.

٢٩٧ ـ وسئل : عن قول الله سبحانه فيما يحكى عن يعقوب صلى الله عليه ، لجماعة بنيه ، (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) [يوسف : ٦٧]؟ هذا من يعقوب صلى الله عليه حين خرجوا عنه مسافرين ، فخاف عليهم من النفس وعيون الناظرين ، فأمرهم عند دخول القرية ، بأن لا يدخلوا جملة واحدة ، لما كانوا عليه من كمالهم ، وكثرتهم وجمالهم ، وكانوا أحد عشر رجلا ، لم ير مثلهم جمالا ولا كمالا ، فخاف عليهم وأشفق صلى الله عليه من أن يراهم أهل تلك البلدة ، مجتمعين جماعة واحدة ، على ما هم عليه من كمالهم ، وحسنهم وجمالهم ، فأمرهم أن يتفرقوا وأن يدخلوا من أبواب متفرقة ، شفقة عليهم من العين والنفس ، قال الله سبحانه : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) [يوسف : ٦٨] يخبر سبحانه أن الحذر للنفس والعيون لا ينفع إلا بدفاع الله وتوفيقه ، ولطفه وحفظه.

٢٩٨ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦]؟

فقال : الاستحياء من الله عزوجل ، ليس على طريق الخجل ، وإنما المعنى ـ والله أعلم ـ في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) ، إن الله تبارك وتعالى لا يرى ، أن في التمثيل للحق والصدق بما هو صحيح صادق من الأمثال عيبا ولا خطأ ، ولا مقالا بتخطئة لشيء من قول الله سبحانه لأحد من أهل الصلاة.

٢٩٩ ـ وسئل عن قول الله سبحانه : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١) [الضحى: ١١]؟

٦٥٢

فقال : هذا أمر من الله لنبيه ، صلى الله عليه وعلى آله بنشر نعمته عليه ، وذكر إحسانه إليه ، لأن الله تبارك وتعالى شاكر يحب الشاكرين ، ويرضى الشكر والثناء عليه بنعمه من المؤمنين ، ويريد أن يحدّث المؤمنون بعضهم بعضا بنعمه عليهم ، وإحسانه إليهم ، ليكونوا بذلك ذاكرين.

٣٠٠ ـ وسئل : عن قول الله سبحانه : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٣٢]؟

فقال : هذا نهي من الله سبحانه لعباده عن تزكية أنفسهم ، لأنه لا شريك له أعلم بسرهم وعلانيتهم ، والله تبارك وتعالى لا يخطئ علمه فيهم ولا يغلط ، ولا يسخط إلا في موضع السخط ، وقد يغلطون في أفعالهم ويخطئون فيظنون أنهم في بعض ما يعملون لله مرضون (١) ، وهم عنده في ذلك مسخطون ، ويقولون القول الذي يتوهمونه لله رضا ، وهو عند الله سخط ، ألا ترى كيف يقول سبحانه : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) [النجم : ٣٢] ، وكذلك الله سبحانه هو أعلم بهم من أنفسهم ، والمحيط بعلانيتهم وسرهم.

٣٠١ ـ وسئل : عن قوله سبحانه : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة: ٢٦٤]؟

فقال : هذا نهي من الله سبحانه للمؤمنين ، بأن يكونوا بالمن والأذى لمن تصدقوا عليه صدقاتهم مبطلين ، [بأذى] منهم لمن أحسنوا إليه ، وكثرة الامتنان بذلك الإحسان إليه.

٣٠٢ ـ وسألت : عن الإيمان؟

ونحن نقول : قول وعمل بمنزلة الروح من البدن ، العقد بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، قال الله تبارك وتعالى في صفة الإيمان : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) [التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥] ، وقال تعالى : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ

__________________

(١) في المخطوط : مرضين.

٦٥٣

يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) [البقرة : ١ ـ ٥] ، وقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٧١) [التوبة : ٧١] ، وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤) [الأنفال : ٢ ـ ٤] ، وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥) [الحجرات : ١٥] ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (٣) [الصف:٢ ـ ٣].

ولم يرض تبارك وتعالى بالقول دون الفعل ، بل ذكر أنه مقت من فعل المؤمنين القول بلا فعل ، وأن الإيمان بالله هو الطاعة. فأكمل الناس في طاعة الله أحبهم إلى الله ، وأشد الناس حبا أكثرهم إيمانا بالله.

وقال فيما شهد به للمؤمنين : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) [البقرة : ٣ ـ ٥] ، وقال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) ...) إلى قوله : (يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١) [المؤمنون : ١ ـ ١١] ، وهذا وصف الله تبارك وتعالى للمؤمنين وما شهد لهم به من وراثة الجنة والفردوس ، شهد الله للمؤمنين الموصوفين بهذه الصفات بالفلاح ، وشهد على من خالف هذه الصفات أنهم عادون ، وسلخهم من اسم الإيمان ، وقال : (الْمُنافِقُونَ

٦٥٤

وَالْمُنافِقاتُ ...) إلى قوله : (فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] (١) ، بقولهم : نسوا الله أن يطيعوه وأن يذكروه كما أمرهم فنسيهم من ثوابه ، والنسيان هاهنا : الترك. نسأل الله أن يجعلنا من المتقين المطيعين لله ولرسوله برحمته.

٣٠٣ ـ وسألت : عمن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، وعمن يقول : أنا مؤمن لا أشك في إيماني والصواب في ذلك؟

فالمؤمن : هو الذي لا يشك في إيمانه ، والمؤمن حقا الذي لا يفعل شيئا من معاصي الله. وإذا سئل الإنسان عن (٢) نفسه أهو مؤمن؟ فإن قال : مؤمن حقا زكّى نفسه ، وإن قال : أنا مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبجميع ما افترض الله على عباده. فقد صدق على نفسه ، إلا أن الإيمان قول وعمل ، فإذا وافق القول العمل بالطاعة لله فهو مؤمن حقا.

والإيمان على ثلاثة وجوه :

إيمان يلزم إذا قال العبد لا إله إلا الله محمد رسول الله فيلزم اسم الإيمان.

وإيمان بالله.

وإيمان عند الله.

فأما الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبجميع ما افترض على عباده ، فلا يجوز ذلك بالشك.

والإيمان عند الله أن يقول العبد : أنا مؤمن عند الله حقا ، لأن الله يقول : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣٢) [النجم : ٣٢].

٣٠٤ ـ وسألت : متى يكون العبد مؤمنا مستوجبا للجنة؟

فذلك إذا أدى ما افترض الله عليه ، واجتنب ما نهى الله عنه ، فلا يقول : إني مستوجب الجنة جزما ، لأنه لا يدري بأي شيء يختم عمله ، ولكن يقول : إن مت على

__________________

(١) الآية (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

(٢) في المخطوط : من. ولعل الصواب ما أثبت.

٦٥٥

ذلك فأنا مؤمن مستحق للجنة.

قال القاسم عليه‌السلام : حدثنا محمد بن منصور ، قال : حدثنا إسماعيل بن صهران ، عن سليمان بن جعفر ، عن القاسم بن فضيل ، عن أبيه ، عن جعفر ، قال : (خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض غزواته فبينما هو يسير إذ استقبله قوم فقال : من القوم؟ فقالوا : مؤمنون(١) يا رسول الله. قال : وما حقيقة إيمانكم؟ قالوا : الصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء ، إن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون) (٢).

وأما من قال : أنا مؤمن حقا فشرطها شديد. روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه : (لقي رجلا فقال : كيف أصبحت يا حار؟ فقال : أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لكل إيمان حقيقة ، فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأظمأت نهاري ، وأسهرت ليلي ، وكأني بعرش ربي بارزا ، وكأني بأهل الجنة في الجنة يتزاورون ، وكأنني بأهل النار في النار يعذبون ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عرفت يا حار فالزم) (٣).

٣٠٥ ـ وسألت : عن الإسلام؟

والإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ، وولاية علي بن أبي طالب صلى الله عليه ، والبراءة من عدوه ، والعمل بما دل القرآن على حلاله وحرامه كما الإسلام والإيمان ، ومن لم يعتقد بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إمامة علي بن أبي طالب لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة ولا حجا ولا صوما ولا شيئا من أعمال البر ، ثم من بعده الحسن والحسين ، ومن لم

__________________

(١) في المخطوط : مؤمنين.

(٢) أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي / ١٢٩.

(٣) أخرجه الطبراني في الكبير ٣ / ٢٦٦ (٣٣٦٧) ، والقضاعي في مسند الشهاب ٢ / ١٢٧ (١٠٢٨) ، وعبد بن حميد في المسند / ١٦٥ (٤٤٥) ، بلفظ : يا حارث ... النار يتضاغون فيها.

٦٥٦

يؤمن بأن الإمام كان (١) بعد النبي عليّ ، كأن يؤمن بالنبي ، والقرآن ، والصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، لم ينفعه شيء من عمله إلا عجمي ، أو صبي ، أو امرأة ، أو جاهل لم يقرأ القرآن ، ولم يعلم العلم ، فإن جملة الإسلام تكفيهم.

٣٠٦ ـ وسئل : عن قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]؟

ف [قال] صلاة الله لا شريك له هي : البركة والثناء ، وكذلك صلاة الملائكة والمؤمنين فهي أيضا : البركة والثناء ، والدعاء من الثناء ، ومثل ذلك قول الله لا شريك له : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٠٣) [التوبة : ١٠٣] ، وصلاته عليهم صلى الله عليه : هي (٢) دعاؤه لهم وثناؤه عليهم.

٣٠٧ ـ وسألته : عن قول الله : (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢) [الطلاق : ١٢] قال ما الاحاطة؟

فقال : الاحاطة بالشيء : العلم به على حقيقة العلم وصدقه. ومن ذلك قول الله سبحانه : (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤) [فصلت : ٥٤] ، يريد سبحانه : علما وقدرة وملكا (٣). ومثل ذلك في العلم قوله سبحانه : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة : ٢٥٥].

٣٠٨ ـ وسئل : عن تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله؟

فقال : هذا لا حول من مكان إلى مكان ولا حيلة في شيء من الاحتيال ، إلا بتقوية الله عن الزوال والانتقال. قوة إلا بالله : يقول بما جعل الله ، للأقوياء المطيقين ، والعقلاء المحتالين.

٣٠٩ ـ وسئل : عن تأويل سبحان الله ، وتعالى الله؟

__________________

(١) كان هذه هي التامة ، وإلا لقال في خبرها : عليا.

(٢) في المخطوط : هو. وما أثبت اجتهاد.

(٣) في المخطوط : ومالكا. وما أثبت اجتهاد.

٦٥٧

وتعاليه : هو ارتفاعه وكبره. وسبحان الله معناها في اللغة : أن يريد تبارك وتعالى أنه بعيد مما قال فيه ، من جهل جلاله وافترى عليه.

٣١٠ ـ وسئل : عن تأويل : سمع الله لمن حمده؟

قال : هو قبل الله ممن شكره له ، ومن شكر الله ما أمر الله به من الصلوات ، وغير ذلك من وجوه الخيرات.

٣١١ ـ وسئل : عن تأويل السلام عليكم؟ (١)

٣١٢ ـ وسئل عن قول الله سبحانه : (كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢) [الانفطار : ١١ ـ ١٢]؟

فقال : ليس من الآدميين أحد إلا ومعه حافظان من الملائكة يحفظان عليه الصالح والطالح من قوله وأعماله ، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، كما قال الله عزوجل : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨) [ق : ١٧ ـ ١٨].

٣١٣ ـ وسئل : عن الرقيب؟

فقال : هو الحفيظ. والعتيد فهو : المتهيّئ.

والرصيد : هو الذي يرصد الشيء.

٣١٤ ـ [وسئل : عن الدنيا؟

فقال :] قال رسول الله صلى الله وعلى آله : (تعس عبد الدنيا ، تعس عبد الدينار والدرهم ، تعس عبد الحلة والخميصة ، تعس ثم انتكس [وإذا شيك] فلا انتقش) (٢).

ثم قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه : بحق أقول لكم إن حب الدنيا رأس كل

__________________

(١) سقط الجواب من المخطوط.

(٢) أخرجه البخاري ٣ / ١٠٥٧ (٢٧٣٠) ، بغير كلمة (الحلة). وابن ماجة ٢ / ١٣٨٥ (٤١٣٥) ، وابن حبان ٨ / ١٢ (٣٢١٨) ، والبيهقي في الكبرى ٩ / ١٥٩ (١٨٢٧٩).

٦٥٨

خطيئة (١).

٣١٥ ـ وسئل عن قول الله : (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [البقرة : ٢٧٥]؟

قال التخبط إنما يكون من خارج ليس من داخل ، وإنما هذا مثل مثّله الله لمن يعقل ، ومن يعقل يفهمه ، عن الله ـ إن شاء الله ـ ويعلمه ، قال عيسى بن مريم صلى الله عليه في الإنجيل : لا تطرحوا اللؤلؤ المنير ، بين غابات الخنازير (٢). قال : والغابات الجماعات (٣) ، والغابة الجماعة.

٣١٦ ـ وسئل : عن قول الله سبحانه : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها ... وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ...) [النور : ٣١] إلى آخر الآية؟

فقال : زينتهن فمحاسنهن مما يواري الثياب من صدورهن وسوقهن وأرجلهن ، وكل ما يستحسنه المستحسن منهن ، وما ظهر منهن من الوجه والكف ، فلا بأس أن يبدين ذلك (٤).

٣١٧ ـ وسئل : ما الصراط الذي يذكر أنه يوضع يوم القيامة فيحول الناس عليه؟

فقال : أما الصراط : فالطريق والسبيل ، الظاهر الذي ليس فيه ميل.

٣١٨ ـ وسئل : عن قول الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥]؟

فقال : الروح من أمر ربه كما قال لا يجاب فيه بغير ما قال الله في ذلك ، لأن الله سبحانه قد أبان ما هو وأي شيء هو.

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) نص الإنجيل هكذا : لا تعطوا القدس للكلاب ، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير ، لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم. إنجيل متى الإصحاح السابع الفصل السادس. والإمام صاغ كلام عيسى بلغته ، وأدرجه ضمن حديثه.

(٣) في المخطوط : الماعات. ولعلها تصحيف. قال في لسان العرب : الغابة الجمع من الناس. وقول الإمام : والغابة الجماعة ، تؤكد ما ذهبنا إليه.

(٤) تغطية الوجه ليس بواجب عند الإمام.

٦٥٩

٣١٩ ـ وسئل : عن الروح الذي يكون في الناس والحيوان؟

فقال : الروح هو : الروح المتحرك الذي به يحيى الحيوان ، ويذهب ويقبل ويدبر ، ويعرف وينكر ، وهو شيء لا يدرك بالعين ، وإنما يعرف بالدلائل واليقين.

٣٢٠ ـ وسئل : كيف يسلّم إذا مر رجل بمقابر العامة وكيف يدعو لهم؟

فقال : يسلّم ـ إن شاء الله ـ على المؤمنين والمؤمنات ، والصالحين من عباد الله والصالحات ، ففي سلامه لذلك عليهم ، ما كفى إن شاء الله فيهم.

٣٢١ ـ وسئل : كيف الصدقة على سؤّال العامة وأهل الخلاف منهم من يعرف ومن لا يعرف؟

فقال : لا بأس بالصدقة على كل سائل ـ إن شاء الله ـ من كان ، ولا أحسبك إلا قد سمعت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (اعطوا السائل ولو جاء على فرس) (١).

٣٢٢ ـ وسئل : عن صلاة الضحى؟

فقال : يصلي في ذلك من أراد ما أراد ، وقد ذكر كما سمعت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (صلى الضحى يوم فتح مكة) (٢) ، وجاء مع ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي أنه كان يقول : (والله ما صلى رسول الله الضحى قط) (٣).

__________________

(١) أخرجه أبو داود ٢ / ١٢٦ (١٦٦٥) ، وأحمد ١ / ٢٠١ (١٧٣٠) ، وابن خزيمة ٤ / ١٠٩ (٢٤٦٨) ، ومالك في الموطأ ٢ / ٩٩٦ (١٨٠٨) ، وأبو يعلى ١٢ / ١٥٤ (٦٧٨٤) ، والطبراني في الكبير ٣ / ١٣٠ (٢٨٩٣) ، ٢٢ / ٢٠٣ (٥٣٥) ، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق / ١١٩ (٣٩١) ، والقضاعي في مسند الشهاب ١ / ١٩١ (٢٨٥) كلهم بلفظ : للسائل حق وإن جاء على فرس.

(٢) أخرجه زيد بن علي في المسند / ١٣٢ عن علي عليه‌السلام. وأخرجه البخاري ١ / ٣٧٢ (١٠٥٢) ، ومسلم ١ / ٤٩٨ (٣٣٦) ، والطبراني في الكبير ٢٤ / ٤١٧ (١٠١٦) ، وأبو داود ٢ / ٢٨ (١٢٩٠) ، والترمذي ٢ / ٣٣٨ (٤٧٤) ، وغيرهم.

(٣) أخرج محمد في الأمالي عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر عن صلاة الضحى؟ فقال : إنما كان بدؤها أن النبي عليه الصلاة والسلام ، لما قدم المدينة ، قال : صلاة في مسجدي هذا أحب إلي من ألف صلاة فيما سواه إلا الكعبة. قال : فكانت الأنصار إذا رأت النبي عليه الصلاة والسلام ، أو جاء الرجل ـ

٦٦٠