مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

طبقات ثلاث إلى حين فنائهم ، لا يخلون منها ، ولا منصرف لهم عنها.

أما الأولى منها : فطبقة التربية.

وأما (١) الثانية : فطبقة اعتمال الأغذية.

والثالثة : فاكتساب الحسنة والسيئة.

فهم في أولى طبقاتهم مكتفون بالآباء ، وفي الثانية مستغنون عنهم بالاكتفاء ، مؤدبون على (٢) المعرفة بحد الأغذية والبذور ، والفرق بين الضارّ والنافع فيها من الأمور. والثالثة فمحتاجون ما كانوا فيها ، وعند أول مصيرهم إليها ، إلى مرشد ودليل ، ذي عقاب وتنكيل ؛ ليكون (٣) ما أريد بهم من البقاء ، وخلقوا له من عمارة الدنيا ، وذلك عند بلوغ قوة الاحتلام ، وحركة شهوة ملامسة الإلمام ، لما بني عليه الناس من شهوة النساء ، لما في ذلك من زيادة النسل والنماء.

وكل ذلك من اعتمال الأغذية ، وما خصّ به الإنسان من الشهوة في البنية ، فلا بد فيه ، وفي الدلالة عليه ، من مرشد معرّف ، ومحدّد موقّف ؛ لأنه لو ترك الناس في الغذاء ، وما ركّبوا عليه من شهوة النساء ، بغير حد معروف ، ولا فرض عزم موصوف ، لم يكن أحد بمعتمله ، وما ملّكه الله من أهله ، أولى عند المكابرة من أحد ، إذا ولما فرّق بين سيّد وعبد ، ولو كان ذلك كذلك ، لصير به إلى الفناء والمهالك ، ولما أنسل ولا اغتذى ضعيف مع قوي ، ولا سلم رشيد من الخلق مع غوي ، ولبطلت الأشياء ، وفسدت الدنيا ، ولكنه جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه ، جعل للناس في البديّ والدا ، وحد لهم به في الأشياء حدا ، أدّبهم جميعا عليه ، ونهاهم عن المخالفة له فيه.

__________________

(١) سقط من (ب) : أما.

(٢) في (أ) و (ج) : بالأكفياء. ويبدو أنها مصحفة. وفي (ب) : في المعرفة.

(٣) في (ب) و (د) : لكون.

١٤١

[حكمة التشريع]

ثم جعل للمتأدبين فيه بأدبه ثوابا ، وعلى المخالفين إلى ما نهاهم (١) عنه عقابا ، فكان كل إنسان أولى بمعتمله (٢) ، وأحق بما ملكه الله من أهله ، ولو تركوا فيه بغير إبانة دليل ، أو كانوا (٣) خلّوا في خلاف له من التنكيل ، لوثب بعضهم فيه على بعض ، ولفني أكثر من في الأرض ، لما يقع في ذلك من الحروب ، واغتصاب النساء والنهوب ، ولكان في ذلك لو كان من الفساد ، في معرفة الرحم والأولاد ، ما يقطع تعاطف الرحمة ، وما جعله الله سببا للنسل والتربية ، إذ لا يعرف والد ولدا ، ولكنه وضع للنكاح في ذلك حدا ، بيّن كنهه ومداه ، ونهى كل امرؤ أن يتعداه ؛ ليعرف كل إنسان ولده فيغذوه ، وتعطفه رأفة الأبوة عليه فلا يجفوه ولا يعدوه ، وكذلك ليتم ما أريد بالناس من التناسل والبقاء ، إلى غاية ما قدر لهم ودبّر (٤) من الانتهاء.

وإذا كان ـ الناس على ما ذكرنا مأمورين في الغذاء ، ومحدودة (٥) لهم وعليهم الحدود في مناكحة النساء ـ لم يكن لهم أن يتناولوا (٦) من ذلك شيا ، رفيعا كان منه أو دنيّا ، إلا على ما جعل الله لهم ، وقدّر بحكمه (٧) بينهم. وإذا كان ذلك كذلك ، وحكم الله فيه بما حكم به من ذلك ، لم ينل طالب منهم مطلوبه ، ولم يدرك محب فيه محبوبه ، إلا بشديد معاناة ، وعسير مقاساة ، من العلاج (٨) والاعتمال ، وحركة كسب الأموال ، التي بها يوصل إلى مطلوب الغذاء ، ويوجد السبيل إلى محبوب مناكحة النساء. ثم ليس

__________________

(١) في (ب) : إلى ما نهاهم. مصحفة. وفي (د) : إلى ما نهى عنه.

(٢) في (ب) و (د) : بمتعلمه. مصحفة.

(٣) في (أ) : وكانوا.

(٤) سقط من (ب) : ودبّر.

(٥) في (ب) : محدوده.

(٦) في (ب) : ينالوا.

(٧) في (أ) و (ج) و (د) : حكمه.

(٨) العلاج : المحاولة.

١٤٢

لهم تناول معتمل ، ولا حركة في عمل ، حرم تناوله عليهم ، أو حكم بخلافه فيهم.

ثم إذا صاروا إلى النكاح على ما أمروا به إلى الحد ، لم يلبثوا أن يصيروا إلى عيال وولد ، يحتاجون لهم إلى أقوات (١) التغذية ، وأنواع ضروب متاع التربية ، مع حاجتهم للأولاد والأنفس ، إلى ما يحصنهم من الحر والبرد من الملبس ، وما يستر عورات الرجال والنسوان (٢) ، وما يظلهم من سواتر الأكنان ، وما يحتاجون إليه من اتخاذ الأبنية ، وما لا بدّ لهم منه (٣) من أمتعة الأفنية ، وكل ذلك من حوائج الإنس ، يدخل فيه منهم (٤) أشد التنافس ، لما يعم جميعهم من الحاجة إليه ، ولظاهر ما لهم من المنافع فيه ، فلا بد في كله ، وجميع ضروب معتمله ، من أن يقاموا فيه على حد معلوم ، وأن يلزمهم فيه فرض حكم معزوم ، وإلا اقتتلوا عليه وتواثبوا ، وتناهبوا فيه واغتصبوا ، وفنوا (٥) فلم يبقوا ، وصاروا إلى خلاف ما له خلقوا.

ولمّا كانوا إلى ما ذكرنا مضطرين ، وفي أصل الفطرة عليه مفطورين ، تفرقوا في أنواع الصناعات ، واحتالوا للمكسب (٦) بضروب البياعات ، فلم يكن لهم عند ذلك بد في البديّ الأول من معلّم يقوم عليهم ، ويبين لهم أقدار مواقع مصالح ذلك فيهم ؛ ليتعاملوا بها وعليها ، ويصيروا إلى مصالحهم فيها ، وإلا فسدوا وفنوا (٧) ، وهلكوا ولم يبقوا.

[صفات المرشد ووجوب الثواب والعقاب]

ثم لا بدّ لمعلمهم ، ولولي (٨) أدب تعليمهم ، من أن يكون عالما بجهات منافع الأشياء،

__________________

(١) في (ب) : قوت.

(٢) في جميع المخطوطات : عورات النساء والرجال. وما أثبت اجتهاد لأنه أوفق لكلام الإمام.

(٣) سقط من (أ) و (ج) : منه.

(٤) في جميع المخطوطات : حوائج الإنسان. وما أثبت اجتهاد. وسقط من (ب) : منهم.

(٥) في (أ) : أو فنوا. وفي (ج) : أو فنيوا.

(٦) في (ب) و (د) : للمكتسب.

(٧) في (أ) و (ج) : وفنيوا.

(٨) في (ب) و (د) : وولي.

١٤٣

مأمونا عليهم في الدين والدنيا ، لأنه إذا (١) كان على غير ذلك كان مثلهم ، يسيء ويجهل في الأمور جهلهم ، ثم لا يكون مع هذا يجب عليهم اتباعه ، وقبول ما تقدم من أمره واستماعه ، مع ما يدعوهم إليه من الكف عن كثير مما يحبون ، ويأمرهم به من الدخول في كثير مما يكرهون ، إلا بأن يكون لهم في خلافه مخوفا بعقاب ، وفي الانتهاء إلى معهود أمره موجبا لثواب.

وذلك أنه لا يكون أن ينقادوا له ، حتى يؤدبهم ويقبلوا قوله ، إلا بافتراق درجة المطيع والعاصي ، وتباين مكان المحسن عنده والمسيء ، وذلك فما لا يدخله (٢) تفرّق ، ولا يفرق بينه مفرّق ، إلا من حيث قلنا ، وعلى ما مثلنا.

[معجزات الأنبياء]

ولا يكون مخوفا للعاصي بعقابه ، ولا داعيا للمطيعين إلى ثوابه ، إلا بدلائل أعلام بينة ، تفرّق بين المدعي منزلته وبينه ، ولا يجوز أن تكون أعلامه (٣) مما يقدر على مثلها ، فلا يؤمن على فعلها وممكن نيلها ، مدّعي منزلته ظلما وعدوانا ، وفسقا وطغيانا. ولا تكون الدلالة عليها ، وشاهد علم الإبانة فيها ، إلا من الله لا يحدث غير الله خلقها ، ولا يحسن سوى من هي عليه دلالة تخلّقها (٤) ، وكانت من الله كغيرها ، من دلائله في ضوء منيرها ، وإسفار نور مبينها ، وإبانتها من الأئمة بعينها ، وانقطاع عذر المعتلّين على الله في رفضها ، بعقد لو كان منهم لما نصب من علم دلائل فرضها.

وكذلك فعل الله بالرسل صلوات الله عليها وأوصيائها ، وإبانتهم (٥) من غيرهم بنور دلائله وضيائها.

__________________

(١) في (أ) و (ج) : إن.

(٢) في (ب) : مدخل له بفرق.

(٣) في (أ) : علامه. وفي (ج) : علامة.

(٤) في (ب) : بخلقها. وفي (أ) و (ج) : يخلقها.

(٥) في (ب) : وأبانهم بغيرهم.

١٤٤

ثم فرق جل ثناؤه بين الرسل والأوصياء ، ومن يحدث بعدهم من خلفاء الأنبياء ، في علم الدلائل والحجج ، بقدر ما لهم عند الله من الدرج ، فجعل دلائل المرسلين ، وشاهد أعلام النبيين ، أكبر (١) بيانا ، وأقوى سلطانا ، وأفلج في الحجة للمستكبرين ، وأقطع لأعاليل عذر المعتذرين.

فكان من ذلك عجائب موسى صلى الله عليه ، في فلق الله له ولمن كان معه (٢) البحر وممرهم فيه ، إلى ما كان من (٣) قبل ذلك من عجيب آياته ، وما أرى المصريين (٤) من فعلاته ، في الضفادع والقمل والدم ، وما يعظم قذر مبلغه على كل معظّم.

وعجائب عيسى عليه‌السلام (٥) ، التي كانت تضل في أصغرها الأحلام (٦) ، من إحيائه الموتى ، وإبرائه للكمه (٧) والبرصى ، وإنبائه لهم بما يأكلون وما يدخرون ، وإخباره لهم عن كثير مما يضمرون.

ثم آيات محمد صلى الله عليه ، وما نزّل من حكمة وحيه إليه ، التي لم يقو لمكافاته فيها من أضداده ضد ، ولم يكن لحكيم منصف عند سماعها من قبولها بد ، مع عجيب آياته ، في الشجر (٨) وإجابته ، (٩) وما كان من شأن الشاة المسمومة ، (١) وإنبائه بسرائر

__________________

(١) في (ب) : أكثر.

(٢) في (ب) : معه من البحر.

(٣) سقط من (ب) : من.

(٤) في (أ) و (ج) : المصرين.

(٥) في جميع المخطوطات : صلى الله عليه. وما أثبت اجتهاد.

(٦) الأحلام : العقول.

(٧) الكمه : جمع أكمه. وهو الذي يولد أعمى.

(٨) في (ب) : السحر. مصحفة.

(٩) عن ابن عمر قال كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم في سفر فأقبل أعرابيّ فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك في خير قال وما هو قال تشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله قال ومن يشهد على ما تقول قال هذه السّلمة فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخدّ الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنّه كما قال ثمّ رجعت إلى منبتها ـ

١٤٥

نجوى الغيوب المكتومة ، (٢) وإطعامه من قبضة كف ، لأكثر من ألف وألف (٣).

__________________

ـ ورجع الأعرابيّ إلى قومه وقال إن اتّبعوني أتيتك بهم وإلّا رجعت فكنت معك. أخرجه الدارمي برقم (١٦). وأخرج أيضا برقم (٢٤) عن ابن عبّاس قال أتى رجل من بني عامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول الله صلّى اللهم عليه وسلّم ألا أريك آية قال بلى قال فاذهب فادع تلك النّخلة فدعاها فجاءت تنقز بين يديه قال قل لها ترجع قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارجعي فرجعت حتّى عادت إلى مكانها فقال يا بني عامر ما رأيت رجلا كاليوم أسحر منه.

(١) في ما كان من خبر خيبر ومصالحته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لليهود ، فلما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية ـ مشوية ـ وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تناول الذراع فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، ثم دعا بها ، فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكا استرحت منه ، وإن كان نبيا فسيخبر. قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومات بشر من أكلته التي أكل. أخرجه الدارمي في السنن ١ / ٣٣.

(٢) مثل إخبار أمير المؤمنين أنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

(٣) عن جابر قال عملنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخندق وكانت عندي شويهة سمينة فقلنا والله لو صنعناها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمرت امرأتي فطحنت شيئا من شغير ، وصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة فشويناها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الانصراف عن الخندق ، وكنا نعمل فيه نهارا فإذا أمسينا رجعنا ، قال فقلت : يا رسول الله إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا ، وصنعنا شيئا من هذا الشعير خبزا ، فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، فلما قلت له ذلك قال : نعم. ثم أمر صارخا فصرخ أن ينصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلى بيت جابر ، قال : فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقبل الناس معه فجلس وأخرجناه إليه. قال : فبرّك وسمى وأكل ، وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا ، وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها وهم ثلاثة آلاف. أخرجه أبو طالب في الأمالي / ٢٠.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال لمّا حفر الخندق رأيت بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ـ

١٤٦

فبانت الرسل صلوات الله عليهم (١) ، من الأوصياء بما جعل الله من هذه الدلائل لهم وفيهم ، وبانت الأوصياء من الأئمة ، بما خصها (٢) الله به من التسمية ، وبما كان يعرف لها عند رسلها من المنزلة ، وما كانت الرسل تنبئها به من أقوال التفضيلية ، كنحو ما جاء في علي عليه‌السلام عن الرسول صلى الله عليه (٣) ، وما كان في أقواله المشهورة

__________________

ـ خمصا شديدا فانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإنّي رأيت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم خمصا شديدا فأخرجت إليّ جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت الشّعير ففرغت إلى فراغي وقطّعتها في برمتها ثمّ ولّيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم وبمن معه فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنّا صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا أهل الخندق إنّ جابرا قد صنع سورا فحيّ هلا بهلّكم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تنزلنّ برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتّى أجيء فجئت وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم يقدم النّاس حتّى جئت امرأتي فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الّذي قلت فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثمّ عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثمّ قال ادع خابزة فلتخبز معي واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتّى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي وإنّ عجيننا ليخبز كما هو. أخرجه البخاري برقم (٣٧٩٣) ، ومسلم في باب الأشربة برقم (٣٨٠٠).

(١) في (ب) و (د) : عليها.

(٢) في (ب) : جعل.

(٣) عن محمد بن موسى الطوسي قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام. أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٠٧. وقال في الاستيعاب ٢ / ٤٦٦ : وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وذكر ذلك ابن حجر في صواعقه / ٧٢ ، والعسقلاني أيضا في فتح الباري ٨ / ٧١ ، والشبلنجي في نور الأبصار ٧٣ ، وزادا على المذكورين ـ أي على أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق ، والنسائي ـ أبا علي النيسابوري. وقال في الإمامة والسياسة / ٩٣ : وذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية فسمع عمرا يقع في علي عليه‌السلام ، فقال له : يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو حق ، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له مناقب مثل ـ

١٤٧

المعلومة (١) فيه ، كقوله : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) (٢).

__________________

ـ مناقب علي ففزع الفتى.

(١) في (أ) : المعلومة المشهورة.

(٢) هذا الحديث يعرف بحديث الغدير ، وهو من أكثر الأحاديث شهرة ، فقد رواه مئات من المحدثين عن جمع من الصحابة منهم :

الإمام علي عليه‌السلام ، أخرجه عنه : الإمام أبو طالب في الأمالي ٣٣ ، والنسائي في الخصائص ١٥٦ ، وأحمد في المسند ١ / ١٥٢ ، وأبو يعلى ١ / ٤٢٨ (٥٦٧) ، والطبراني في الصغير ١ / ١١٩ ، والطيالسي ٢٣ (١٥٤) ، والطبري في ذخائر العقبى ٦٨ ، والرياض النضرة ٢ / ١٦١.

وعن ابن عباس ، أخرجه عنه : الحاكم ٣ / ١٣٢ ، وأحمد ١ / ٣٣ ، والنسائي في الخصائص ٤٥ رقم (٨١ و ٨٢) ، والخطيب البغدادي ١٢ / ٣٤٤ ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وعن زيد بن أرقم ، أخرجه عنه : أحمد ٤ / ٣٦٨ و ٣٧٠ ، ومسلم ٢ / ٣١٧ ، والحاكم ٢ / ١٠٩ ، والنسائي في الكبرى ٥ / ٤٥ (٨١٤٨) ، والطبراني في الأوسط ٢ / ٥٧٦ (١٩٨٧) ، والطبري في ذخائر العقبى / ١٥٥.

وعن البراء بن عازب ، أخرجه عنه : الحافظ محمد بن سليمان الكوفي في المناقب ٢ / ٣٦٨ (٨٤٤) ، وابن ماجة ١ / ٤٣ برقم (١١٦) ، والنسائي في الخصائص ١٦٢ ، والخطيب البغدادي ١٤ / ٢٣٦ ، والطبري في الذخائر ٦٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٨١.

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، أخرجه عنه : أحمد ١ / ١١٨ ، والنسائي في الخصائص ١٥٠ ، وابن حبان ١٥ / ٣٧٥ (٦٩٣١) ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٠٩ و ١١٠ و ٥٣٣ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٩٢٥ و ٥ / ٢١٧ ، والهيثمي في المجمع ٩ / ٤٢.

وعن سعد بن أبي وقاص ، أخرجه عنه : ابن ماجة ١ / ٤٢ برقم (١١٥) وص ٤٥ برقم (١٢١) ، والنسائي في الخصائص ١٧٦ برقم (٩٤ و ٩٥) وص ١٧٧ برقم (٩٦) ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١١٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٠٧.

وعن جرير بن عبد الله ، أخرجه عنه : الطبراني في الكبير ٢ / ٣٥٧ (٢٥٠٥).

وعن حبشي بن جنادة ، أخرجه عنه : الطبراني في الكبير ٤ / ١٦ (٣٥١٤).

وللحديث طرق كثيرة يطول الكلام عليها ، وفيما يلي سنذكر شيئا مما قيل عن الحديث :

قال ابن المغازلي الشافعي في (المناقب / ٢٧) : قال أبو القاسم الفضل بن محمد : هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روي عن نحو من مائة نفس منهم العشرة ، وهو حديث ثابت لا أعرف له علة.

١٤٨

__________________

قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في (الشافعي ١ / ١١٧) : لا يوجد قط نقل بطرق بقدر هذه الطرق ، فيجب أن يكون أصلا متبعا وطريقا مهيعا.

قال الإمام الحسن بن بدر الدين في (أنوار اليقين / مخطوط) : أما خبر الغدير فقد روي بطرق مختلفة وأسانيد كثيرة وألفاظ مختلفة مترادفة على معنى واحد ، وأجمع عليه أهل النقل ، وبلغ حد التواتر لا إشكال في تواتره.

وقال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري ٧ / ٦١) : وأما حديث : (من كنت مولاه فعلي مولاه).

أخرجه الترمذي والنسائي ، هو كثير الطرق جدا وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.

وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ ٢ / ٧١٣) : رأيت مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق.

وقال أيضا في (تذكرة الحفاظ ٣ / ٢٣١) : وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فله طرق جيدة وقد أفردت ذلك أيضا ـ يعني في كتاب.

وقال الحافظ : محمد بن إبراهيم الوزير : إن حديث الغدير يروى بمائة طريق وثلاث وخمسين طريقا.

وقال السيد الهادي بن إبراهيم الوزير في (نهاية التنويه / مخطوط) : من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة ، لأن العلم به كالعلم بمكة وشبهها ، فالمنكر سوفسطائي.

وقال ابن الجزري في (أسنى المطالب / ٤٣) : هو حديث متواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم.

وقال المقبلي في (الأبحاث المسددة / ٢٤٤) : فإن كان مثل هذا ـ يعني حديث الغدير ـ معلوما وإلا فما في الدنيا معلوم.

وقال ابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة / ٤٢) : حديث صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد ، وطرقه كثيرة من أسانيدها صحاح وحسان ، ولا التفات إلى من قدح في صحته.

وقال علي القاري في (المرقاة شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨) : هذا الحديث صحيح لا مرية فيه ، بل بعض الحفاظ عده متواترا.

وقال ابن الأمير الصنعاني في (الروضة الندية / ٦٧) : حديث الغدير تواتر عند أكثر أئمة الحديث.

وأورده السيوطي في (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة / ١) : عن ثمانية عشر صحابيا.

وأورده الكتاني في (نظم المتناثر في الحديث المتواتر).

وذكره الحناوي في كتاب (الصفوة) وصرح بتواتره.

وذكره الزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة / ٢٠٥) من اثنتين وعشرين طريقا. ـ

١٤٩

وكقوله : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (١). و (أنت قاضي ديني ومنجز وعدي) (٢).

مع ما يكون عند الأوصياء ، من علم حوادث الأشياء ، وما يلقون بعد الأنبياء ، من شدائد كل كيد ، ودول كل جبار عنيد ، خبرا خاصا من الأنبياء ، لمن يخلفهم بعدهم من الأوصياء ، كنحو ما ألقى الله تعالى إلى الرسول من شأن علي وإخباره ، وتناول المرادي (٣) له بما تناوله به من

__________________

وأورده الأميني في كتاب (الغدير ١ / ١٤ ـ ١٥١) عن مائة وعشرة من الصحابة. وأفرد قسما لطبقات رواته الذين بلغ عددهم عنده ثلاث مائة وستين عالما. من تخريج الأستاذ محمد عزان.

(١) أخرجه الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) في المجموع ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، والإمام الهادي (ع) في الأحكام ١ / ٣٨ ، والإمام أبو طالب في أماليه ٣٢ ، ٣٥ ، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب رقم (٤١٩) ، والمؤيد بالله في الأمالي الصغرى ١٠٤ (٢٠) ، والبخاري ٥ / ٩٩ و ٦ / ١٨ ، ومسلم ٤ / ١٨٧٠ (٢٤٠٤) ، والترمذي ٥ رقم (٣٧٣١) ، وابن ماجة ١ / ٤٢ رقم (١٧٥) و ١ / ٤٥ رقم (١٢١) ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٠٩ ، والبزار ٣ / ٢٧٦ رقم (١٠٦٥) ، والحميدي في مسنده ١ / ٣٨ رقم (٧١) ، وأحمد بن حنبل ١ / ١٧٧ و ١ / ١٧٩ ، وأبو يعلى في مسنده ٢ / ٨٦ رقم (٧٣٩) ، و ٦٦ رقم (٧٠٩) و (٦٩٨) ، أبو نعيم في حلية الأولياء ٧ / ١٩٦ ، والخطيب البغدادي ١ / ٣٢٥ ، والطبراني في الكبير ١ / ١٤٨ رقم (٣٣٧) ، وفي الصغير ٢ / ٢٢ ، وابن الأثير ٤ / ٢٦ ٢٧ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١ / ٢١٦ رقم (٣٤٩) (ترجمة الإمام علي عليه‌السلام) ، عن سعد بن أبي وقاص. وأخرجه الإمام المرشد بالله في الخميسية ١ / ١٣٤ ، والطبراني ٢ / ٢٤٧ (٢٠٣٥) عن جابر بن عبد الله.

وأورده السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة عن عشرين من الصحابة ، وتتبع ابن عساكر طرقه فبلغ عدد الصحابة نيفا وعشرين ، وقد استوعب طرقه ابن عساكر في نحو عشرين ورقة ، وأورده في لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ٣١. من تخريج الأستاذ محمد عزان. والطبري في ذخائر العقبى / ٦٣ ، وفي صفة الصفوة ١ / ١٢٠ ، وفي الإصابة ٢ / ٣١٥ ، وابن عدي ٦ / ٦٠٨٨ ، و ٢٢٢٢.

(٢) أخرجه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب ٢ / ٤٣٢ رقم (٣٣٦) ، ٢ / ٣٨٢ رقم (٣٠٠) ، ٢ / ٣٨٤ رقم (٣٠١) ، ٢ / ٣٩٧ رقم (٣٢١).

وأخرجه أحمد في مسنده ١ / ١١١ ، والطبري في الرياض النضرة ٢ / ١٦٨ ، وأبو نعيم في الحلية ١٠ / ٢١١ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٨٩. ورواه في كنز العمال ٦ / ٤٠٣ ، والهيثمي في المجمع ٩ / ١١٣ ، ٩ / ١٢١ ، ٩ / ١٣٨ ، وأخرجه النسائي في الخصائص / ٤ والمناوي في كنوز الحقائق / ٩٢. وقال أخرجه الديلمي.

(٣) في (ب) : وتنال. وعبد الرحمن بن ملجم المرادي الحميري من أشداء الفرسان أدرك الجاهلية ، وهاجر في خلافة عمر وكان من شيعة علي عليه‌السلام ، وشهد معه صفين ، ثم خرج عليه ، غدر بالإمام عليه‌السلام وضربه بالسيف قبل صلاة الفجر ليلة التاسع عشر من رمضان سنة (٤٠ ه‍) وتوفي ـ

١٥٠

ختله (١) واغتراره ، (٢).

__________________

ـ الإمام عليه‌السلام إثر الضربة في اليوم الحادي والعشرين من رمضان ، فقتل المرادي آخر ذلك اليوم وعجل بروحه إلى النار ، لعنة الله عليه.

(١) سقط من (أ) : به. والختل : الغدر.

(٢) وعن حبان الأسدي سمعت عليا عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الأمة ستعذر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه قال الحاكم : صحيح. المستدرك ٣ / ١٤٢.

وعن ابن أبي فضالة قال خرجت مع أبي إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام بينبع عائدا له وكان مريضا ثقيلا يخاف فقال له أبي : ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت؟ لم يلك إلا أعراب جهينة فاحتمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك ، وكان أبو فضالة ممن شهد بدرا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له علي عليه‌السلام : لست ميتا من وجعي هذا إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته. الاستيعاب ٢ / ٦٨١.

وعن زبيد بن وهب قال : جاء رأس من الخوارج إلى علي عليه‌السلام فقال : اتق الله فإنك ميت فقال : لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكني مقتول من ضربة من هذه تخضب هذه وأشار بيده إلى لحيته ، عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى. الطيالسي ١ / ٢٣.

وعن سكين ابن عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول : جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا عليه‌السلام فحمله ثم قال :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مرادي

أما إن هذا قاتلي ، قيل : فما يمنعك منه؟ قال : أنه لم يقتلني. رواه ابن عبد البر في استيعابه ٢ / ٤٧٠ ، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٢٤٥ ، وزاد في آخره : وقيل له : إن ابن ملجم يسم سيفه وقال : إنه سيقتلك به قتلة يتحدث بها العرب ، فبعث إليه وقال لم تسم سيفك؟ قال : لعدوي وعدوك. فخلى عنه ، وقال : ما قتلني بعد ، قال : أخرجه أبو عمرو.

قال : فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج يعني عليا عليه‌السلام والنظر إلى السماء وجعل يقول : والله ما كذبت ولا كذبت وأنها الليلة التي وعدت فلما خرج وقت السحر ، ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها ... الصواعق المحرقة / ٨٠.

وفي آخر حديث له قال فيه : ... ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذه ووضع يده على قرنه حتى يبل منها هذه ـ

١٥١

وخبره له عن طلحة (١) والزبير وعائشة ومعاوية (٢) ،

__________________

ـ وأخذ بلحيته. خصائص النسائي / ٣٩ ، ورواه أحمد بن حنبل ٤ / ٢٦٢ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٤٠ ، والطحاوي في مشكل الآثار ١ / ٣٥١ ، وابن جرير الطبري في تاريخه ٢ / ١٢٣ بطريقين ، والمتقي في كنز العمال ٦ / ٣٩٩ ، وقال : أخرجه البغوي والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار.

وعن سعيد بن المسيب قال : رأيت عليا عليه‌السلام على المنبر وهو يقول : لتخضبن هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما حبس أشقاها؟ فقلت : لقد ادعى علي عليه‌السلام علم الغيب ، فلما قتل علمت أنه قد كان عهد إليه. كنز العمال ٦ / ٤١٢ ، قال : أخرجه ابن عساكر.

(١) يراجع فضائل الخمسة ٢ / ٣.

(٢) عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : تقاتل الناكثين والقاسطين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات. قال أبو أيوب : قلت : يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : مع علي بن أبي طالب. المستدرك ٣ / ١٣٩.

وعن علقمة والأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له : يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبمجيء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس ، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله ، فقال : يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله ، وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي عليه‌السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فأما الناكثون فقد قاتلناهم أهل الجمل طلحة والزبير ، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم ـ يعني معاوية وعمرا ـ وأما المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات ، والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله. قال : وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك ، يا عمار بن ياسر إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ، فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى ، يا عمار من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلد سيفا أعان به عدو عليّ عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار ، قلنا : يا هذا حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله. تاريخ بغداد ١٣ / ١٨٦ ، وذكره المتقي في كنز العمال / ١٥٥ ، وقال فيه : لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى ، (قال) : أخرجه الديلمي عن عمار بن ياسر وعن أبي أيوب.

وعن علي بن ربيعة قال : سمعت عليا عليه‌السلام على منبركم هذا يقول : عهد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. أسد الغابة ٤ / ٣٣.

وعن ابن مسعود قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة فجاء علي عليه‌السلام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ، قال : أخرجه الحاكم في الأربعين وابن عساكر. كنز العمال ٦ / ٣١٩ ، وذكره المحب ـ

١٥٢

وما كان علي (١) ينادي به في خطبه من دولة بني أمية ، (٢) وما كان يخبر به من عجيب

__________________

ـ الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٢٤٠ وقال : أخرجه الحاكم.

وعن أم سلمة قالت : ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة ، فقال : انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ... الحديث. المستدرك ٣ / ١١٩.

وعن قيس بن أبي حازم ، قال : لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت : أي ماء هذا؟ قالوا : الحوأب ، قالت : ما أظني إلا راجعة ، فقال الزبير : لا بعد ، تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم ، قالت : ما أظني إلا راجعة ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب. أخرجه ابن حبان ١٥ / ١٢٦ (٦٧٣٢) ، وإسحاق بن راهويه في المسند ٣ / ٨٩١ (١٥٦٩) ، وأحمد ٦ / ٥٢ (٢٤٢٩٩) ، ٦ / ٩٧ (٤٤٦٩٨) ، وابن عدي في الكامل ٤ / ٣٢٠ (١١٥٢) ، وأبو يعلى ٨ / ٢٨٢ (٤٨٦٨) ، وابن حجر في الإصابة ٧ / ٧٠٨ (١١٣١٩). قال العسقلاني في فتح الباري ١٣ / ٥٧ (٦٦٣١) ، أخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح. المستدرك ٣ / ١٢٠.

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت؟ قال ابن عبد البر : وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٤٥٠.

(١) سقط من (أ) و (ج) : علي.

(٢) قال الإمام علي عليه‌السلام (ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية ، فإنها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطتها ، وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها. وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي ، كالناب الضروس ، تعذم بفيها ، وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع درها ، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم ، وغير ضائر بهم ، ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه ، والصاحب من مستصحبه ، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية ، وقطعا جاهلية ، ليس فيها منار هدى ، ولا علم يرى) نهج البلاغة خطبة رقم (٩٣).

قال الإمام علي عليه‌السلام (والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه ، ولا عقدا إلا حلوه ، وحتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم ونبا به سوء رعيهم ، وحتى يقوم الباكيان يبكيان : باك يبكي لدينه ، وباك يبكي لدنياه ، وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده ، إذا شهد أطاعه ، وإذا غاب اغتابه ، وحتى يكون أعظمكم فيها عناء ، أحسنكم بالله ظنا) نهج البلاغة خطبة رقم (٩٨).

قال الإمام علي عليه‌السلام (راية ضلال قد قامت على قطبها ، وتفرقت بشعبها ، تكيلكم بصاعها ، ـ

١٥٣

الأنباء ، ويقص على الناس من قصص الأنبياء ، (١) وما كان به باينا ، ولغيره فيه مباينا ، من بأس الإقدام في القتال ، ومنازلة مساعير (٢) الابطال ، التي كان يقل عليها إقدام المقدمين ، ويهاب اصطلاء نارها كثير من خيار المسلمين ، (٣) مع تأول أوليائه فيه لكثير من آي القرآن ، (٤) مع التي لا يشك من (٥) سبقه إلى الله فيها بالإيمان ، (٦) والله يقول جل

__________________

ـ وتخبطكم بباعها ، قائدها خارج من الملة ، قائم على الضلة ، فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر ، أو نفاضة كنفاضة العكم ، تعرككم عرك الأديم ، وتدوسكم دوس الحصيد ، وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب) نهج البلاغة خطبة رقم (١٠٨).

(١) يرجع في هذا إلى نهج البلاغة.

(٢) المساعير : جمع مسعر. أي موقد الحرب.

(٣) ينظر في أخبار وأحداث بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وغيرها.

(٤) ما نزل في علي من القرآن :

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه ٦ / ٢٢١ ، عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي عليه‌السلام ثلاثمائة آية. وروى أيضا ابن حجر في الصواعق المحرقة / ١٢٧ ، والشبلنجي في نور الأبصار عن ابن عباس وقالا : أخرجه ابن عساكر. وقال ابن حجر أيضا / ١٢٧ : وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما أنزل الله : يا أيها الذين آمنوا ، إلا وعلي أميرها وشريفها.

وقال ابن حجر أيضا / ١٢٧ : وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي.

وراجع إن شئت المزيد شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ، وتفسير الحبري ، وتفسير فرات الكوفي ، ومناقب الكوفي ، ومناقب ابن المغازلي الشافعي ، وكفاية الطالب للكنجي ، والغدير للأميني وغيرها كثير كثير.

(٥) في (ب) : مع.

(٦) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال : أولكم ورودا علي الحوض ، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب.

أخرجه الحاكم ٣ / ١٣٦ ، والخطيب في تاريخه ٢ / ٨١. وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٤٥٧.

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال لفاطمة عليها‌السلام : ما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما ، وأعلمهم علما. وهو في كنز العمال ٦ / ١٣.

وفي مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، والاستيعاب ٣ / ٣٦ ، والرياض النضرة ٢ / ١٤٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠١ ، وكنز العمال ٦ / ١٥٣ ، وقال أخرجه أحمد ، والطبراني ، والسيرة الحلبية ٢ / ١٩٤ ، وسيرة دحلان ١ /

١٥٤

ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه ، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١١) [الواقعة : ١٠ ـ ١١] (١). وكفى بهذه الآية لو لم يكن معها غيرها ، وبما بيّن عنه من وحي كتاب الله تنزيلها ، على الوصي دليلا ، وفي الدلالة عليه تنزيلا!! فكيف بكثير الدلائل عليه؟! ودواعي شواهد الوصية إليه ، من قوله جل ثناؤه : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٠) [الحديد : ١٠]. مع كثير آيات القرآن ، ودلائل وحي الفرقان ، من تفضيله له بمنازلة الأقران ، وسبقه إلى الله بكرامة الإيمان ، مع التي كان بها نسيج (٢) وحده ، وفيها (٣) مبائنا لجميع من كان في حده ، من جمة (٤) أغوار العلم ، (٥) ومعرفة أديان الأمم ، وفصل بيان اللسان ، ومعرفة

__________________

ـ ١٨٨ ، باختلاف يسير ، وأسد الغابة ٥ / ٥٢٠. وهو في تاريخ الطبري ٢ / ٧٥ ، وسنن البيهقي ٦ / ٢٠٦ وخصائص النسائي / ٣ ، والرياض النضرة ٢ / ١٥٧ ، والإصابة ١ / ١٦٧ ، وفيض القدير ٤ / ٣٥٨ ، وكنز العمال ٦ / ٣٩٣ ، بلفظ مختلف ومعنى واحد.

وانظر ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر.

(١) عن ابن عباس في قول الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ). قال : سبق يوشع بن نون إلى موسى ، وسبق صاحب يس إلى عيسى ، وسبق علي إلى محمد.

أخرجه ابن المغازلي في المناقب / ٣٢٠ ، وابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٢٣١. وفي تفسيره عند تفسير الآية. والذهبي في الميزان ١ / ٥٣٦ ، والخطيب الخوارزمي في المناقب / ٣٢. والبيهقي والهيتمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ ، وقال رواه الطبراني ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٢١٩ ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٣٧ ، في ترجمة الحسين الأشقر.

(٢) في (ب) و (د) : يسبح. مصحفة.

(٣) في (أ) : فيها. وفي (ب) : وبها.

(٤) في (أ) و (ج) : جده. والجم : الكثير من كل شيء.

(٥) حديث : (أنا مدينة العلم وعلي بابها). أخرجه الحاكم ٣ / ١٣٧ (٤٦٣٧) و (٤٦٣٨) ، ٣ / ١٣٨ (٤٦٣٩) ، والطبراني في الكبير ١١ / ٥٦ (١١٠٦١) ، والخطيب البغدادي ٤ / ٣٤٨ ، ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ٢٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ / ١٥٢ ، والمناوي فيض القدير ٣ / ٤٦ ، وقالا : أخرجه العقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم عن ابن عباس ، وابن عدي والحاكم عن جابر ، وزاد المناوي في الشرح فقال : وكذا أبو الشيخ في السنة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، وابن حجر في التهذيب ٦ / ٣٢٠ ، ٧ / ٤٢٧ ، والطبري في الرياض النضرة ٢ / ١٩٣ ، والمناوي في كنوز ـ

١٥٥

أسرار القرآن ، وهذه خاصة من حالاته ، أحد أعلام الإمام (١) بعده ودلالته ، التي لا توجد وإن جهد ملتمسها ، ولا يقتبس إلا من إمام مقتبسها ، فجعل الله جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه ، ما قدمنا ذكره ، وأثبتنا في الحجة أمره ، من خاص دلائل الأوصياء ، كرامة خصهم بها بعد الأنبياء ، وأبانهم بها من الأئمة ، واحتج بها لهم على الأمة.

[دليل الإمامة]

ثم أبان الأئمة من بعدهم ، ودل الأمة فيهم على رشدهم ، بدليلين مبينين ، وعلمين مضيئين ، لا يحتملان لبس تغليط ، ولا زيغ شبهة تخليط ، لا يطيق خلقهما متقن ، ولا يحسن تخلفهما محسن ، ولي ذلك منهما وفيهما ، ومظهر دلالة صنعه عليهما ، الله رب العالمين ، وخالق جميع المحدثين ، وهما ما (٢) لا يدفعه عن الله دافع ، ولا ينتحل صنعه مع الله صانع ، من القرابة بالرسول صلى الله عليه ، وما جعل من احتمال كمال الحكمة فيمن الإمامة فيه ، وحد الحكمة وحقيقة تأويلها ، درك حقائق الأحكام كلها ، فاسمع لقول الله جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه ، فيما ذكرنا من مكان قرابة المرسلين ، وما جعل من (٣) وراثة النبوة في أبناء النبيين ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً

__________________

ـ الحقائق / ٤٣ ، وقال : أخرجه الديلمي. ورواه ابن حجر في الصواعق / ٧٣ ، وقال : أخرجه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر ، والحاكم وابن عدي عن ابن عمر ، والترمذي والحاكم عن علي.

وأخرجه الترمذي ٢ / ٢٩٩ بلفظ : أنا دار الحكمة ، وأبو نعيم ١ / ٦٤ ، والبغدادي في تاريخه ١١ / ٢٠٤ ، والهندي في الكنز ٦ / ٤٠١.

ورواه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ٢٢١ / ٥٨ ، وابن حجر في اللسان ٢ / ١٢٣ ، والذهبي في الميزان ١ / ٤١٥ (١٥٢٥) ، والسيوطي في الجامع الصغير ١ / ٣٧٤ ، والقندوزي في ينابيع المودة / ٧٣ ، وللعلامة المحدث الغماري الحضرمي كتاب بعنوان (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي) ، وللعلامة الأميني موسوعة الغدير ذكر للحديث أكثر من مائة مصدر.

(١) في (د) : إحدى. وفي (أ) : الإمامة.

(٢) سقط من (ب) : ما.

(٣) سقط من (ب) : من.

١٥٦

وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦) [الحديد : ٢٦].

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣٤) [آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤].

وقال سبحانه (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٦) [الجاثية : ١٦].

وقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٢) [الدخان : ٣٢].

وقال موسى صلوات الله عليه لبني إسرائيل : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) [المائدة : ٢٠].

وقال لإبراهيم (١) صلوات الله عليه : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وقال الله تعالى في نوح صلى الله عليه : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٧٧) [الصافات : ٧٥ ـ ٧٧].

وقال نوح صلوات الله عليه (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) (٢٨) [نوح : ٢٨]. فقدم في الدعوة الأبوين ، ثم ثنى بعدهما بالأهلين ، ثم دعا بعدهم للمؤمنين ، تفريقا منه صلى الله عليه للمفروق ، وتنزيلا لهم في التقديم والتأخير على أقدار الحقوق.

وقال سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٢٤) [السجدة : ٢٣ ـ ٢٤]. ثم قال تعالى لأبينا

__________________

(١) في (ب) و (د) : إبراهيم.

١٥٧

إبراهيم خاصة من دون المؤمنين : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٧٨) [الحج : ٧٨]. وذلك كقوله وقول إسماعيل صلوات الله عليهما ، عند رفعهما قواعد البيت فيما ذكر بأيديهما : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٢٨) [البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٨]. وقال صلى الله عليه : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧) [إبراهيم : ٣٧].

وقال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (١٣٢) [طه : ١٣٢]. وقال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣]. وقال تعالى لنوح : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤٠) [هود : ٤٠].

وقال تعالى : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) (١٣٥) [الصافات : ١٣٣ ـ ١٣٥]. وقال تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) (٣٥) [القمر : ٣٤ ـ ٣٥].

وقال في أيوب صلى الله عليه : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٣) [ص : ٤٣].

وقال يعقوب ليوسف صلى الله عليهما : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦) [يوسف : ٦].

وقال موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ

١٥٨

أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) (٣٥) [طه : ٢٩ ـ ٣٥].

وقال زكريا صلى الله عليه : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٦) [مريم : ٥ ـ ٦]. وقال تبارك وتعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (٨٦) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٦].

ثم قال تعالى : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨٧) [الأنعام : ٨٧].

وقال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧) [العنكبوت : ٢٧]. وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦) [الحديد : ٢٦].

وقال سبحانه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥٤) [النساء : ٥٤].

فأيّ ضياء أضوى ، أو حجة لمحتج أقوى؟ في (١) إثبات الصفوة والفضل ، لأبناء المنتجبين من الرسل ، مما تلونا تنزيلا مبانا ، أنزله الله في منزل وحيه قرآنا ، لا تعارضه شبهة لبس ، ولا يلتبس على ذي ارتياده (٢) ملبس ، ولكن اقتطع الناس دونه ، وحال بين العامة وبينه ، جور أكابرهم في الحكم ، واعتساف جبابرتهم فيه بالظلم ، فأعين العامة في

__________________

(١) في (أ) و (ج) : من.

(٢) في (ب) : ارتياد.

١٥٩

غطاء عن مذكوره ، وقلوبهم (١) ذات عمى عن نوره ، فمعروفه لديهم مجهول ، وداعيه فيهم مرذول ، إن لم يقتل عليه ، عظم تعنيفه فيه ، ولم يعدوا (٢) ـ من جهلهم بفرضه ، وما هم عليه (٣) من رفضه ـ سبيل ما هم عليه ، وما أمسوا وأصبحوا فيه ، من جهل غيره من الحقوق وتعطيلها ، ومحو أعلام الدين وتبديلها.

فالله المستعان في ذلك وغيره ، وإياه نسأل تبديل ذلك وتغييره ، والحمد لله الذي جعلنا لخاتم المرسلين ، وبقية من مضى من رسله الأولين ، عترة وبقية ، وآلا وذرية ، ابتداء لنا في ذلك بعظيم فضله ، ومنّا علينا فيه بولادة خاتم رسله ، من (٤) غير قوة منا ولا حول ، ولا صالح من عمل ولا قول ، فجعلنا راجين رجاء أبناء المرسلين بآبائهم ، وما كان من حفظ الله للنبيين في أبنائهم. فكفى بهذا في دلالة القرآن دليلا على الإمام ، وما ولي الله لرسله في ذلك وبه من الإكرام ، منظرا لمنصف معتبر ، ومعتبرا به لحكيم مفكر.

[صفات الإمام]

فاسمع لقول الله سبحانه في تفصيل الحكمة ، وما خص به من جعلها فيه من التقدمة، إذ يقول في داود صلى الله عليه : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠) [ص : ٢٠]. وقال فيه ، صلى الله عليه : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) [البقرة : ٢٥١]. فمتى ما وجد الملتمسون ، وأصاب عند الطلب الطالبون ـ من هاتان الخلتان فيه كاملتان ، وهذان الدليلان عليه مبنيان ـ حقت إمامته وصحت ، وبانت الحجة لأوليائه فيه ووضحت ، ولم يكن لطالب إمامة تعدّيه ، ولم توجد الكفاية أبدا إلا فيه ، والعلة التي (٥) بها ولها ،

__________________

(١) في (ب) : وعيونهم.

(٢) في (أ) و (ج) : يفروا. مصحفة. وفي (ب) : يغدوا. مصحفة.

(٣) في (ج) : عليه فيه من.

(٤) في (ب) : لا عن قوة. وفي (د) : عن غير قوة.

(٥) في (ب) : التي كانت بها.

١٦٠