مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

بدنك (١) على النار.

[عظة بالغة]

قال الوافد : كنا صبيانا فلعبنا ، فصرنا شبابا فسكرنا ، فصرنا كهولا فكسلنا ، فصرنا شيوخا فعجزنا وضعفنا ، فمتى نعبد الله ربنا ، عطلنا الشباب بالجهالة ، وأذهبنا العمر في البطالة ، فأين (٢) الحجة والدلالة؟

قال العالم : من غفل في وقت شبابه ، ندم في وقت خضابه ، الشباب (٣) لا يصبر على الصواب ، ويندم عند الخضاب ، ما أحسن الشاب في المحراب! إلى متى العصيان؟ إلى متى متابعة الشيطان؟ إلى متى الجرأة (٤) على الرحمن؟ ألا (٥) تحذر لباس القطران ، وتهدد مالك الغضبان ، وضرب الزبانية والأعوان ، ألا تفرّ من اليوم الفاني ، إلى اليوم الباقي ، ألا تتزود من هذا اليوم لذلك اليوم ، وتتخلص من الهوان واللوم.

أيها المغرور بشبابه ، والمسرور بأصحابه ، والمختال في أثوابه ، أما تحذر أليم (٦) عذابه ، وتخاف شديد عقابه ، كم من وجه صبيح ، وخد مليح ، وبدن صحيح ، ولسان فصيح ، أصبح في العذاب يصيح ، بين أطباق النار لا يستريح.

__________________

(١) في (ب) : تحرم بذلك.

(٢) في (أ) : وأين.

(٣) في (أ) : الشاب.

(٤) في (ج) : التجري.

(٥) في (أ) : ألا تحذر لباس القطران وتهدد مالك الغضبان ، وضرب الزبانية والأعوان ألا تزود من اليوم الباقي ، وتتخلص من الهوان واللوم. وفي (ب) : ألنا صبر على مقطعات النيران ، ومجاورة الحنشان ، ولباس القطران ، وتهدد مالك الغضبان ، وضرب الزبانية والأعوان ، إلا بالتزود لذلك اليوم من هذا اليوم ، ونتخلص من الهوان واللوم. وفي (ج) : إلى محصر لباس القطران ، وتهدد مالك الغضبان ، وضرب الزبانية والأعوان ، ألا تفر من يوم الفاني ، إلى يوم الباقي ، وتتخلص من الهوان واللوم. وقد لفقت النص من الجميع. والله أعلم بالصواب.

(٦) في (ج) : بأثوابه. وفي (ج) : تحذر يوم.

٤٠١

كم من شاب ينتظر المشيب ، عاجله الموت وأحل (١) به النحيب ، كم من مسرور بشبابه ، عاجله الموت من بين أحبابه ، إلى قبره وترابه.

أيها الشاب الجهول ، إنك في التراب منقول ، وعلى النعش محمول ، وعن أعمالك مسئول. ما لك لا ترجع؟! ما لك لا تفزع؟! ما لك لا تخضع؟! ما لك لا تخشع؟! (٢) آه من يوم يقول فيه المولى : عبدي شبابك فيم أبليته؟! وعمرك فيما أفنيته؟! فلا تنظر إلى الشباب وطراوته ، ولا تغتر بحسنه وملاحته ، ولكن انظر إلى صرعته وندامته.

ما أحسن الإياب بالشاب! (٣) وما أقبح الخضاب لمن (٤) قد شاب وما تاب! ما بقاء الشيخ في الدهر ، إلا كبقاء الشمس على القصر ، في وقت العصر. الشيب داعي الموت ، وناعي الفوت ، الشيب يؤذن بالفراق ، ويخبر بالتلاق ، الشيب ظاهره وقار ، وباطنه ازدجار ، الشيب يكدر المنى ، ويكثر العناء ، الشيب كسل في كسل ، وعلل في علل ، وملل في ملل ، وخلل في خلل ، وآخره كلل ، (٥) وتقريب الأجل ، وقطع الأمل (٦).

فلما بلغ كلام العالم والوافد إلى هذا الحد (٧) قال له العالم : ما أسوأ عبد يقرب (٨) منه الأجل ، وهو يسيء العمل! ما أسوأ عبد ظهر فيه الخلل ، وهو يكثر الزلل! (٩) من شابت ذوائبه ، جفته (١٠) حبائبه ، أين الاستعداد؟ أين تحصيل الزاد؟ وأنت للذنوب تعتاد ،

__________________

(١) في (أ) و (ج) : شباب. وفي (ج) : ينظر الحبيب. وفي (ب) : وحل به.

(٢) سقط من (ج) : ما لك لا تخشع.

(٣) في (أ) : الإنابة. وفي (ج) : الشباب.

(٤) في (ج) : بمن.

(٥) سقط من (ج) : كلل. وفي (أ) : حكل. وفي (ب) : مكل. والحكل : العجم من الطيور والبهائم.

والحكل في الفرس : امّساح نساه ورخاوة كعبه.

والمكل : اجتماع الماء في البئر. ولعل الكلمة مصحفة. وما أثبت اجتهاد ، والله أعلم بالصواب.

(٦) في (ب) : للأجل وقطع للأمل.

(٧) سقط من (ج) : العالم و. وفي (ب) : فلما انتهى الوافد إلى هذا الحد قال العالم.

(٨) في (أ) : قرب. وفي (ج) : أقرب.

(٩) في (أ) و (ج) : الخجل. وفي (ب) : من الزلل.

(١٠) في (ب) : جفا. وفي (ج) : خفت. مصحفة.

٤٠٢

وقد ناداك المناد ، أين الراجع إلى الله؟ أين المشتري نفسه من الله؟ [أين الخائف من] ربه؟ (١) أين النادم من ذنبه؟ أين الباكي على أمسه؟ أين المستعد لرمسه؟ أين الطالب للثواب؟ أين الخائف للعذاب؟

ألا ترجعون إلى الهدى! (٢) ألا تقبلون إلى الله! ألا تخافون من عذاب (٣) الله! ألا تطمعون في ثواب الله! ألا تقتدون بأولياء الله! ألا تتوبون من الذنوب! ألا ترجعون عن(٤) العيوب! ألا تندمون على ما أسلفتم! ألا تعترفون بما اقترفتم! ألا تستغفرون لما أجرمتم!!

أما آن للقلوب أن تخضع؟! أما آن للعيون أن تدمع؟! أما آن للصدور أن تجزع؟!أما آن للعاصي أن يفزع (٥) من الذنوب؟! أما آن (٦) للخاطئ أن يرجع عن العيوب؟! أما تعلم أيها العاصي أنه لا تخفى خافية على علام الغيوب؟! أما تعلم أنك مأخوذ مطلوب؟! ومتعتع في النار مسحوب؟! أما تعلم أنك مفارق لكل صديق ودمعك على خديك (٧) مسكوب؟! أما تخاف أن تصبح (٨) وأنت عن رحمة الله محجوب؟! وعلى حرّ وجهك في النار مكبوب؟! (٩) فيا له من جسد متعوب!! ودمع مسكوب!! وقلب مكروب!! وعقل مرعوب!!!

قال الوافد : كيف أحتال (١٠) في الخلاص؟

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : ربه. وما بين المركنين زيادة لإصلاح الكلام.

(٢) سقط من (ب) : ألا ترجعون إلى الهدى.

(٣) في (أ) : عقاب.

(٤) في (أ) و (ب) : من.

(٥) في (ب) : يتزعزع من العيوب.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : آن. في جميع المواضع.

(٧) في (ب) و (ج) : خدك.

(٨) سقط من (ج) : أن تصبح.

(٩) في (ب) : مسحوب.

(١٠) في (ج) : الاحتيال.

٤٠٣

قال العالم : أما تعتبر؟! (١) أما تزدجر؟! أما تستغفر؟! أما لك فيمن مضى عبرة؟! أما لك فيمن مثلك فكرة؟! (٢) إلى متى هذه الجفوة والفترة؟! إني أخاف عليك الشقوة (٣) والحسرة؟! فكم (٤) هذه الغفلة الغامرة؟! والقسوة الحاضرة ، أما تغتنم (٥) أيامك؟! أما تمحو آثامك؟! أما تكفّر أجرامك؟! أما تحذر ما قدامك؟! (٦) أنسيت ما أمامك؟! أما تنتبه من رقادك؟! أما تتأهب لمعادك؟! أنسيت اللحد وضيقه؟! أنسيت القبر وظلمته؟! (٧) أغفلت عن البعث والنشور؟! يوم يظهر كل مستور ، ويحصّل ما في الصدور (٨).

إلى متى تعلّل بالأماني الكاذبة؟! وتضيّع الحقوق الواجبة؟! دفنت الأحباء (٩) فلم تعتبر ، وغيبتهم في الثرى (١٠) فلم تزدجر ، ما للناس لا يرجعون؟! يوعظون فلا يتعظون ، ينهون (١١) فلا ينتهون ، ينادون فلا يسمعون (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) [المجادلة : ١٩]. (وغشي على قلوبهم الران فالقلوب مسودة متباعدة ، والأجسام منافقة متوادة) (١٢). يقولون ما لا يفعلون ، يأملون ما لا يبلغون ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (٤٨) [المرسلات : ٤٨]. وإذا (١٣) أمروا بالطاعة

__________________

(١) في (ب) : تعتذر. مصحفة.

(٢) في (ب) : في العواقب فكرة. وفي (ج) : أما في أحد مثلك.

(٣) في (أ) و (ج) : القسوة.

(٤) في (ب) : فكم هذه الغفلة ، وكم هذه الغرة إلى متى هذه الغفلة. وكأنها زيادة.

(٥) في (أ) : تغنم.

(٦) في (ب) : أما تحذر باريك.

(٧) سقط من (أ) و (ج) : أنسيت القبر وظلمته.

(٨) سقط من (ب) : ويحصل ما في الصدور.

(٩) في (أ) : فنيت الأحياء. وفي (ج) : أفنسيت الأحباء.

(١٠) في (أ) و (ج) : وغيبتهم المقابر.

(١١) في (ج) : يعقلون. وسقط من (ب) : ينهون.

(١٢) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين ، وأكمل الآية فيهما.

(١٣) في (أ) : إن.

٤٠٤

لا يطيعون ، ويجمعون ما لا يأكلون ولا (١) يلبسون ، بل هم (٢) يكذبون ويسرقون ، وينافقون ويحلفون ، ويعدون ويخلفون ، ويراءون ويبخلون ، (٣) فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون؟! ويجمعون ما لا يأكلون ، (٤) ويمنعون ما لا ينفقون ، ويبنون ما لا يسكنون ، ويقطعون ولا يصلون ، (٥) ينافقون ولا يخلصون ، لا من الله (٦) يخافون ، ولا منه (٧) عند المعاصي يستحيون ، ينامون نوم البهائم ، ثم نسوا (٨) يوما يؤخذ فيه بالجرائم ، لا الله يخافون ، ولا عقابه يحذرون ، يصبحون ، (٩) على خلاف ما يمسون ، هممهم دنية ، وأعمالهم ردية ، وأحوالهم غير مرضية.

[المؤمن بين الغافلين]

قال الوافد : كيف يصنع من أصبح مع هؤلاء؟

قال العالم : يرضى بالله (١٠) صاحبا ، ويعتزل عنهم (١١) جانبا ، ويل لمن له ذنب مستور (١٢) وثناء مشهور ، وهو عند الله مثبور ، ظاهره بالخير معروف ، وباطنه بحب

__________________

(١) في (أ) : وما.

(٢) في (ب) : أمروا بالطاعة فقالوا ما يأكلون وما يلبسون ، يكذبون.

(٣) في (أ) : يتحيلون.

(٤) في (ب) : مالا يفرقون.

(٥) في (ب) : ويقطعون ما لا يلبسون. مصحفة.

(٦) في (أ) : لا لله. وفي (ب) : لا الله.

(٧) سقط من (أ) و (ج) : منه.

(٨) في (أ) : نسيوا. وفي (ب) : ينسون.

(٩) سقط من (أ) و (ج) : لا الله يخافون ، ولا عقابه يحذرون.

(١٠) سقط من (أ) و (ج) : بالله.

(١١) في (أ) و (ب) : منهم.

(١٢) سقط من (ج) : مستور.

٤٠٥

الدنيا مشغوف ، وهو عن آيات (١) الله مصروف ، وثيابه أبيض من الحليب ، وقلبه مثل قلب الذيب ، باطنه من التقوى خراب ، وهو يطمع في الثواب ، وهو في الدنيا سكران من غير شراب ، ظاهره فيه سيماء العابدين ، (٢) وباطنه فيه سيماء الجاحدين ، مقالتهم مقال (٣) الأبدال ، وفعلهم فعال (٤) الجهال ، (سيرته سيرة المغترين ، وأمله أمل المفتونين ، فهذا) (٥) من المطرودين ، عن باب رب العالمين.

(ما لي أرى الناس يركبون الشرور؟! ويدخلون في المحذور؟! ويضيعون الأيام والشهور؟! إلى متى) (٦) يسوفون التوبة ويلبسون ثياب الزاهدين؟! (٧) ويضمرون أسرار الظالمين؟!

ألا وإن (٨) أبعد الناس من الله عبد (٩) نظر إلى عيب أخيه المسلم ، (١٠) ولم ينظر إلى عيب نفسه ، إن رأى لأخيه (١١) المسلم حسنة سترها ، وإن رأى سيئة نشرها ، فذلك جزاؤه جهنم وبئس المصير. من لم يميز بين الحلال والحرام ، أسرعت إليه أسهم (١٢) الانتقام ، من أسف (١٣) على شيء من الدنيا يفوته ، كثر نزاعه (١٤) عند موته.

__________________

(١) في (ب) و (ج) : باب.

(٢) في (ج) : الصالحين.

(٣) في (ب) : مقالته مقالة.

(٤) في (ب) : وفعله فعل. وفي (ج) : وأفعالهم فعال.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٦) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج) ، وظنن عليه في (ب).

(٧) في (ب) : المهتدين.

(٨) سقط من (ب) : ألا و.

(٩) في (ب) : الله بعدا عبد. وفي (ج) : الله من.

(١٠) سقط من (أ) : المسلم.

(١١) في (ب) : ومن رأى من أخيه المسلم حسنة وسترها ، ورأى سيئة ونشرها ، كبه الله في النار على وجهه ، ولم يخفف عنه من عذابها شيئا. وفي (أ) : من أخيه.

(١٢) في (أ) و (ب) : سهام.

(١٣) في (ج) : تأسف.

(١٤) في (ج) : الدنيا لم تفته كثرة نزعته عند موته.

٤٠٦

[الهالك]

قال الوافد : صف لي الهالك المتأسف (١)؟

قال العالم : هو الذي يتأسف على رزق لم يأته ، وينتظر مالا وربما لم يستوفه ، يخاف(٢) شره ، ولا يرجى خيره ، يظهر حزنه ، ويكتم شره ، (٣) فهو مرتبط بالنفاق ، معاند بالشقاق ، سيئ الأخلاق ، قرين المحال ، قريب الخجال ، قليل النوال ، (٤) قد رضي بالقيل والقال ، ولا يسلك سبيل (٥) النجاة ، ولا يخاف المفاجاة ، ظاهره مع أهل الدين ، وباطنه مع المنافقين ، قد باين الفرقان ، وأغضب الرحمن ، فقلبه لا يخشع ، وعينه لا تدمع ، ونفسه لا تشبع ، قد آثر العمى على الهدى ، وبدّل الدين بالدنيا ، وفي ذلك أقول ، بعد الصلاة على الرسول : (٦)

مضى عمري وقد حصلت ذنوب

وعزّ عليّ أني لا أتوب

نطهر للجمال لنا ثيابا (٧)

وقد صدئت لقسوتها القلوب

وأعربنا الكلام فما لحنا

ونلحن في الفعال فلا نصيب

قال الوافد : أسأل الله تعالى سلوك طريق الأخيار ، ومجانبة طريق (٨) الفجار.

قال العالم : إن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لعباده طريق الهدى ، وحذرهم المخاوف

__________________

(١) في (ب) : المفتتن. وفي (ج) : المشق.

(٢) في (أ) و (ج) : لا يستوفيه. وفي (ب) : ويخاف.

(٣) في (ج) : خيره ويظهر. وفي (ج) : يظهر خيره ويكتم شره. وربما تكون يظهر شره ، ويكتم خيره. أو يظهر حزنه ، ويكتم فرحه. أو نحوها.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : قريب الخجال. وإذا صحت العبارة فالخجال مأخوذ من الخجل ، والخجل له في اللغة معاني غير المعنى المعروف ، فمن معانيه : البطر. والبرم. والفساد.

(٥) في (ج) : طريق.

(٦) في (أ) : وفي ذلك أقول. وفي (ب) : وقد قيل في ذلك شعرا.

(٧) في (ج) : يطهر للجمال لنا ثياب.

(٨) في (أ) و (ب) : طريقة. وفي (ب) و (ج) : طريقة.

٤٠٧

والردى ، بعث إليهم رسولا ، وجعل القرآن لهم دليلا ، وركّب فيهم عقولا ، وأمرهم ونهاهم ، وخيّرهم ومكنهم ، وأعد (١) ثوابا ، وعقابا ، فمن أطاع وفّاه (٢) ثوابه ، ومن عصاه ضمّنه عقابه ، فإياك (٣) والظلم والعدوان ، والإقدام على الزور والبهتان ، وعليك بالعدل والإنصاف ، والبذل والإلطاف ، ولا تظلم أحدا فإن الظالم نادم ، والظلم (٤) يخرب الدار ، ويفرد الجار ، (ويثير الغبار ، ويسخط الملك الجبار) ، (٥) ومن أكبر المصائب والحسرات ، المأخوذ يوم القيامة بالتبعات ، (٦) يوم لا شفيع يشفع ، ولا دعاء يرفع ، ولا عمل ينفع ، يوم لا (٧) ينفع الظالم ندمه ، وقد زلت (٨) به قدمه ، وقد شهدت عليه جوارحه ، فيا حسرة الظالم ويا ويحه!!

[الاعتبار]

قال الوافد : كيف يكون الاعتبار؟

قال العالم : انظر إلى الذين جمعوا (٩) كثيرا ، وبنوا كثيرا ، وأملوا طويلا ، وعاشوا قليلا ، هل تسمع لهم حسا؟! أو ترى لهم (١٠) في القبور أنسا ، سكنوا في التراب ، واغتربوا عن الأصحاب ، (١١) ولم يسلموا من العقاب ، حملوا ثقيلا ، وعاينوا وبيلا ،

__________________

(١) في (ج) : وأعد لهم.

(٢) في (ج) : أوفاه.

(٣) في (أ) و (ج) : فله عقابه. وفي (أ) و (ج) : وإياك.

(٤) في (ج) : الظالم.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٦) في (أ) : يوم القيامة. وفي (ب) : وإن من أعظم المصائب وأكثر الحسرات في تلك الوقفات المأخوذ بالتبعات.

(٧) في (ب) : فكيف ينفع الظالم.

(٨) في (ج) : زل.

(٩) في (ب) : الذين يجمعون جمعوا.

(١٠) سقط من (أ) : لهم.

(١١) في (ج) : وتغايبوا عن الأحباب.

٤٠٨

وصارت النار لهم منزلا ومقيلا ، وعرضت (١) عليهم جهنم بكرة وأصيلا ، لا يطيقون قبيلا ، ولا يسمعون جميلا ، ولا يرجون تحويلا ، ولا يملّون عويلا.

أين الذين شيدوا العمران؟! وشرفوا البنيان؟! وعانقوا النسوان؟! وفرحوا بالولدان؟! وجمعوا الديوان؟! وتملكوا البلدان؟! (٢) وغلقوا الأبواب؟! وأقاموا الحجاب؟!

أما رأيت كيف دارت عليهم الدوائر؟! وخلت منهم المكاثر؟! (٣) وتعطلت منهم المنابر؟! وضمتهم المقابر؟! وغيبتهم الحفائر؟! (٤) وتمزقت جلودهم؟! وتفرقت جنودهم؟! ورجعت قصورهم خرابا؟! ودورهم يبابا؟! وأجسادهم ترابا؟! (٥) أين ملوكهم؟! أين ديارهم؟! أين أحبارهم ، (٦) أين مواكبهم؟! أين مراكبهم ، أين خيلهم ، أين مواليهم ، (٧) أين أنصارهم ، أين عددهم ، أين وزراؤهم ، أين ندماؤهم ، أين أمراؤهم ، (٨) أصبح غنيهم فقيرا ، وأميرهم حقيرا!!!

هل بقي الذكر إلا لمن أطاع مولاه ، ورفض في رضاء (٩) الله دنياه ، وخالف من (١٠)

__________________

(١) في (ج) : ومضت. مصحفة.

(٢) الديوان : فارسي معرب ، وهو مجتمع الصحف ، والدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء.

وفي (ج) : البلاد.

(٣) في (ب) : المآثر. وفي (ج) : المكاسر.

(٤) في (ب) : المحافر.

(٥) في (أ) : جلودهم ورجفت صدورهم خرابا. وفي (ج) : ورجفت قلوبهم ، صدورهم خراب ، وأجسادهم تراب.

(٦) الدير : موضع عبادة النصارى. والحبر : عالم اليهود.

(٧) في (أ) : أين أديارهم ، أين مراكبهم ، أين أنصارهم. وفي (ب) : أين ملوكهم ، أين أحبارهم ، أين مواكبهم ، أين مراكبهم ، أين أنصارهم. وفي (ج) : أين ملوكهم ، أين خيلهم ، أين مواليهم ، أين أنصارهم. وقد لفقت النص من الجميع. والله أعلم بالصواب.

(٨) في (ب) : أين من آواهم. مصفحة.

(٩) في (ب) : أطاع الله. وفي (ب) : ونبذ في رضاء ربه.

(١٠) في (أ) : في.

٤٠٩

خوف الله هواه؟ وقدم الخير لعقباه ، فدخل (١) دار السرور ، وكفاه الله (٢) كل محذور ، دار فيها الأمان ، والحور الحسان ، والأكاليل والتيجان ، والوصائف والغلمان ، والأنهار الجارية ، والأشجار الدانية ، والنعمة الوافية ، والسرر المصفوفة ، والموائد المعروفة ، والفرش المرفوعة ، (٣) والأكواب الموضوعة ، والخيام المضروبة ، والقصور المنصوبة ، تلك (٤) دار اليقين ، ومحل الصالحين ، ومأوى المؤمنين.

قال في ذلك شعرا : (٥)

تنام ولم تنم عنك المنايا

تنبه للمنية يا ظلوم

وحق الله إن الظلم شؤم

وما زال المسيء هو الملوم (٦)

إلى الديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

سل الأيام عن أمم تفانت

فتخبرك المنازل والرسوم

تروم الخلد في دار المنايا

وكم قد رام مثلك (٧) ما تروم

وقال في ذلك أيضا :

أعارك ما له لتقوم فيه

بطاعته وتعرف فضل حقه

فلم تشكر لنعمته ولكن

قويت على معاصيه برزقه

تبارزه بها يوما وليلا

وتستحيي بها من شر خلقه

__________________

(١) في (أ) : ودخل في.

(٢) في (ج) : وك كل.

(٣) في (ج) : المفروشة. مصحفة.

(٤) في (أ) : ذلك. وفي (ب) : هذه.

(٥) في (أ) : وقال في ذلك. وفي (ج) : وذلك شعر يقول.

(٦) في (أ) و (ب) : الظلوم.

(٧) في (أ) و (ج) : قبلك.

٤١٠

ثم قال : ما أسوأ حال من يصلي ويصوم! ويسهر ويقوم! ثم يحفر بئرا لأخيه! (١) لا يدري أنه يقع فيه.

قال الشاعر :

اغتنم ركعتين زلفى إلى الله

إذا كنت فارغا مستريحا

وإذا هممت بالزور والبا

طل فاجعل مكانه تسبيحا

[وقال :]

اغتنم ركعتين عند فراغ

فعسى أن يكون موتك بغتة

كم صحيح رأيت غير سقيم

ذهبت نفسه الصحيحة فلتة

[التواضع]

قال الوافد : كيف التواضع؟

قال العالم : يا عجبا ممن خلقه الله من نطفة!! ورزقه من غير كلفة!! كيف لا يلزم التواضع والعفة؟! وعجبا ممن خلق من ماء مهين! كيف يغتر بمال وبنين؟! وعجبا ممن أصله من التراب والطين! كيف لا يتواضع للفقراء والمساكين؟! كيف يضحك ويعجب؟! ويلهو ويطرب؟! ويفتخر ويلعب؟! والقبر منزله ، والتراب وساده ، (٢) لا يعتبر ، ولا يستغفر ، أليس (٣) بعد الغنى الفقر؟! وبعد العمارة القبر؟! كيف يتكبر (٤) من أوله من تراب؟ ووسطه (٥) ريح في جراب؟! وآخره ميتة في خراب؟! كيف يفرح

__________________

(١) في (أ) : لأخيه المسلم ، لا يدري. وفي (ب) : ثم يحفر لأخيه المسلم بئرا ، ولا يدري.

(٢) في (أ) و (ج) : وسادته.

(٣) سقط من (أ) : أليس.

(٤) في (أ) و (ج) : الخراب. وسقط من (ج) : يتكبر.

(٥) في (ج) : وأوسطه.

٤١١

بالمنى؟! من هو عرض للفناء؟! كيف يطمئن بالسرور؟! من تعجله (١) المنية للقبور؟! وكيف يفرح بمضاجعة النواهد؟! من يضاجع الدود غدا في الملاحد.

أيها المعجب بالدنيا وشبابه ، (٢) المختال في مراكبه وثيابه ، المفتخر بأهله وأصحابه ، انظر إلى المنقول من أترابه ، إلى ظلمة اللحد (٣) وترابه ، أيها المفتخر برجاله وأمواله ، المعجب بأحواله وأشغاله ، انظر المقبور وتفكر في حاله ، أيها المتطاول بعشائره وأحبابه ، المسرور بعلومه (٤) وآدابه ، انظر إلى المغافص (٥) في شبابه ، المختطف من بين أحبابه ، هل منع عنه حجابه ، أو تبعه (٦) أصحابه.

أيها الجامع أنواع العلوم ، هل تعلم ما سبق لك في (٧) المعلوم؟! أتدري أمقبول أنت أم محروم؟! أمحمود عند ربك أم مذموم؟!

يا صاحب العلم والإفادة ، أمعك خبر من الشقاوة والسعادة ، أيها الناظر في الدقائق ، ألك أمان من البوائق؟! هل علمت بالحقائق؟! حتى رضي عنك الخالق ، ما حيلتك إن هتك سترك غدا في مشهد الخلائق؟!

__________________

(١) في (أ) و (ج) : تعجلته.

(٢) في (أ) و (ج) : وأسبابه.

(٣) في (ب) : القبر.

(٤) في (ج) : بعلمه.

(٥) في (ب) : إلى من قصر. وفي (ج) : المنغص. مصحفتان. والمغافص : المأخوذ على غرة.

(٦) في (ب) : أو نفعه.

(٧) في (ب) : من.

٤١٢

[المكين]

قال الوافد : أخبرني من (١) المكين في ذلك اليوم؟

قال العالم : المكين في ذلك اليوم ، من أخذ من هذا اليوم لذلك اليوم العظيم ، المكين من أتى الله بقلب سليم ، المكين ، من عرف الحق المبين ، القوي الشجاع ، (٢) من عرف الملك المطاع.

[الحقير]

قال الوافد : فمن الحقير في ذلك اليوم؟

قال العالم : الحقير من هو من رحمة الله فقير ، (٣) الحقير من هو للذنوب أسير ، الخاسر البائس ، من هو من رحمة الله آيس ، السقيم ، من هو في النار مقيم ، الحزين ، من كان له في النار من الشياطين (٤) قرين ، الهالك ، من يسلّم إلى مالك.

يا صاحب الحسن والجمال ، والفخر والأموال ، (٥) عند انقطاع الآجال ، يبطل الحسن والجمال والأموال. (٦)

يا كثير الاشتغال ، كأني بك (٧) يقلبك الغسال ، كم ذا العجز والإذلال؟! (٨) كيف تطيق السلاسل والأغلال؟! ما أسوأ حالك! إذا (٩) لم تقدم مالك! لا تفقر نفسك وتغني عيالك.

__________________

(١) في (أ) و (ج) : عن.

(٢) في (ب) : من عبد السيد المطاع.

(٣) في (أ) و (ج) : من كان من رحمة الله فقير. وفي (ب) : من هو في. ولفقت النص من الجميع.

(٤) في (أ) و (ج) : من كان له الشيطان قرين.

(٥) في (ج) : والذخائر. وسقط من (ب) : والأموال.

(٦) في (ب) : تبطل الجمال.

(٧) سقط من (ب) : بك.

(٨) في (ب) : ما ذا العجز. وفي (ج) : كم هذا العجز والضلال.

(٩) في (ب) : إن.

٤١٣

يا ذا (١) الأموال الكثيرة ، غدا نفسك إليها فقيرة ، يا ذا العز والمملكة ، (٢) كيف بك في دار الهلكة؟! يا ذا العساكر والجنود ، كيف تصنع (٣) بنار الوقود.

[الملك]

قال الوافد : من الملك (٤) في ذلك اليوم الهويل؟

قال العالم : (الملك ، من رضي عنه الملك ، النبيل ، من استقام على السبيل ، الخليل) ، (٥) من رضي عنه الجليل ، الشريف ، من هو عن الحرام عفيف ، (٦) العاقل ، من لم يكن عن الله غافل. (٧)

يستقبح من المؤمن كبره ، ومن الشيخ كفره ، (٨) ويستحسن من المؤمن فقره ، (٩) حقيق بالتواضع من يموت ، وبالبذل من يفوت ، المؤمن دنياه فوت ، (١٠) ومعاشه قوت.

وقال في ذلك :

صنيع مليكنا حسن جميل

فما أرزاقنا عنا تفوت

فيا هذا سترحل عن قريب (١١)

إلى قوم كلامهم السكوت

__________________

(١) في (ج) : يا صاحب.

(٢) في (أ) : الكثيرة ، نفسك إليها. وفي (ج) : كأني بك قد صرت فقيرا. وفي (ب) : والملكة.

(٣) في (ب) : كيف عيشك في نار الوقود.

(٤) في (ج) : المالك.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٦) في (أ) : الصريف من هو من الحرام خفيف. وفي (ب) : الشريف من هو من الأوزار خفيف. وفي (ج) : الطريف من هو من الحرام عفيف. ولفقت النص من الجميع. والله أعلم بالصواب.

(٧) له وجه في اللغة. وهو إرادة الوقف. وقد سبق له مثل ذلك.

(٨) في (أ) و (ج) : ومن الغني فقره.

(٩) سقط من (أ) : ويستحسن من المؤمن فقره. وهي في (ب) : ومن المغني فقره. مصحفة.

(١٠) في (ب) : ما لا يفوت. وفي (ج) : ما يفوت. وفي (ج) : والمؤمن من دنياه تفوت. مصحفة.

(١١) في (أ) و (ب) : قليل.

٤١٤

وقال غيره :

أيها الشامخ الذي لا يرام

نحن من طينة عليك السلام

إنما هذه الحياة متاع

ومع الموت تستوي الأقدام (١)

قال الوافد : كيف يهنأنا العيش (٢) في هذه الدنيا ، وهذه أفعالها في أهلها؟

قال العالم : بناؤنا للخراب ، وأعمارنا (٣) للذهاب ، ودهرنا إلى انقلاب ، والموت يبدد الأحباب ، ويفرق الأصحاب ، الموت ينزل الملوك من القصور والقباب ، إلى القبور والتراب ، كل ما عملنا معدود ، وعليه (٤) حفظة شهود ، أعمالنا محفوظة ، وأنفسنا مقبوضة ، وسيئاتنا علينا (٥) معروضة ، لنا من كأس الموت شراب ، ولنا من بعده سوء الحساب.

طوبى لمن له في الطاعة اكتساب ، حتى ينال في الآخرة الثواب ، والويل (٦) لمن له العقاب والحساب والعذاب ، والموت يدخل (٧) كل باب ، من أخرجه الموت من دار ، لم يكن له إليه (٨) إياب.

آه غفلنا (٩) من اكتساب الخيرات ، ولم نستعد للممات ، لا بد لنا من الحساب،(١٠)

__________________

(١) سقط من (ج) : البيتان.

(٢) في (ج) : هنأنا بالعيش.

(٣) في (ب) : إن بناءنا للخراب ، وإن أعمارنا إلى ذهاب.

(٤) في (ب) : وعلينا ، حفظة وشهود. وفي (ج) : عليه.

(٥) في (أ) و (ج) : على عقولنا معروضة.

(٦) في (ب) : الويل.

(٧) في (ج) : من كل.

(٨) في (ب) : منه داره. وفي (ج) : الموت فردا إذ لم. وسقط من (ب) و (ج) : إليه.

(٩) في (ج) : وا غفلتاه.

(١٠) في (ب) : ولا بد. وفي (أ) و (ج) : لا بد لنا من العقاب. ويبدو أنها زيادة. إذ كيف يقطع بالعقاب.

٤١٥

لا بد لنا من العرض على الملك الوهاب (١).

(ما أغفلنا عن الآخرة!! ما أغفلنا عن الورود في الساهرة!!) (٢) غفلنا عن الانتخاب ، غفلنا عن الاكتئاب ، غفلنا عن الآزفة ، غفلنا عن الواقعة ، غفلنا عن القارعة ، لم نكثر (٣) الندامة ، لم نذكر القيامة ، لم نخف الطامة.

(يا من بارز الله في السر والحجاب ، وغلق عليه الأبواب ، أتظن أن ذلك يخفى على الملك الوهاب ، إنك في دينك مصاب ، إن العاصي يسقى في النار من الحميم المذاب ، هل معك لمالك خازن النار جواب؟ أم لك عنده خطاب؟ أترجو من غير الطاعة الثواب؟ ما أسوأ حالك عند البعث والحساب! ما أغفلنا عن الرحلة) ، (٤) ما أغفلنا عن الزلزلة ، ما أغفلنا عن الصيحة ، (٥) ما أجرأنا على الخالق! ما أكفرنا بالرازق! يا ويل كل منافق! إنا راجعون ، (٦) إنا مسئولون ، إنا موقوفون ، إنا مهانون ، إنا على سفر ، بين أيدينا خطر ، ما لنا لا نحذر؟! هل لنا من مفر؟! لا ملجأ من الله ولا وزر ، إلى الله المستقر ، العاقل من ترك ما يهوى ، لما يخشى (٧). وفي ذلك يقول ، بعد الصلاة على الرسول :

سبحان ذي الملكوت أتت ليلة

محضت بوجه صباح يوم الموقف

لو أن عينا أوهمتها نفسها

أن المعاد (٨) مصور لم تطرف

حتم الفناء على البرية كلهم

والناس بين مقدم ومخلف

__________________

(١) في (ج) : الجبار.

(٢) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٣) في (أ) و (ج) : نذكر. مصحفة.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٥) سقط من (ج) : ما أغفلنا عن الصيحة. وهي في (أ) : ما أغفلنا عن الراحة. ولعله قد سقط هنا جملة.

(٦) في (ب) : راحلون.

(٧) في (أ) : مسئولون موقوفون ، فهل لنا من مقر ، فهل لنا من مستقر ، لا ملجأ لنا من الله ، لا مهرب لنا من الله ، العاقل يترك ما يهوى لما يخشى. وفي (ج) : كذلك. إلا أنه قال : العاقل يترك الهوى.

(٨) في (ب) : العذاب. وأشار في (ب) : إلى نسخة : ما في المعاد.

٤١٦

[الراغب]

قال الوافد : صف لي الراغب؟

قال العالم : قلّ الراغب ، وترك الواجب ، ما لله طالب ، ولا لعذابه راهب ، ولا في ثوابه راغب ، ولا عن الذنوب تائب ، (١) ولا فتى نفسه لله واهب ، بل مدعي كاذب ، تارك للحق مجانب ، مهمل للسنة والواجب ، معانق للخلاف (٢) مواظب ، مشغوف بالدنيا طالب ، (٣) إن البكاء على أمثالنا واجب ، قبل الوقوع في العذاب الواصب ، بين الحيات والعقارب ، نفس من (٤) الباب طريد ، وقلب من النشاط شديد ، وعمل من المريد بعيد ، كأن الفؤاد ، صخر (٥) أو حديد.

أيها القلب الشديد ، (٦) أما يكفيك الزجر والتهديد؟! أما سمعت الوعد والوعيد؟! ليلك عطالة ، ونهارك غفلة ، (٧) ودهرك مهلة. أليس لك من الجهل نقلة؟ (أيّ عذر لك غدا أو أي علة؟! إلى متى العمل والزلة؟! والمودة في غير الله والخلة؟!) ، (٨) أما تخاف موقف الذلة ، إذا عرفت عملك كله ، وعرضت على عالم التفصيل والجملة ، (٩) أي ليلة لك وأي يوم؟! وأي صلاة لك وأي صوم؟! إلى كم الغفلة والنوم؟ إلى كم تتبع عادات القوم؟! إلى كم تحوم في المعاصي حوم (١٠)؟! كأني بك وقد وقفت في موقف

__________________

(١) في (ب) : ولا إلى الله آئب.

(٢) في (ب) : للخلائق. وفي (ج) : الخلائق.

(٣) سقط من (أ) و (ج) : مشغوف بالدنيا طالب.

(٤) في (ج) : عن.

(٥) في (ب) : حجر.

(٦) في (ج) : الشريد.

(٧) في (ب) : نهارك عطلة. وليلك غبطة.

(٨) سقط ما بين القوسين من : (أ) و (ج).

(٩) في (أ) : عرفت فعلك كله ، أي ليل لك أو أي يوم ، أي صلاة لك أو صوم. وفي (ج) : أما عرفت فعلك كله ، أي ليلة لك ، أي يوم لك ، أي صلاة لك ، أي صوم لك.

(١٠) مفعول مطلق ولكن على لغة الوقف.

٤١٧

اللوم؟! على أي عهد لله أوفيت ، (١) على أي وعد لله (٢) قمت؟! على أي توبة نمت ، أي صلاح إليه (٣) رمت؟! هل صليت لله (٤) مخلصا أو صمت ، هل قعدت في رضى الله أو قمت.

كأني بك وقد ندمت على إضاعتك ، (أيّ معصية لله تركت ، أيّ طاعة لله سلكت ، أيّ هوى لنفسك لله خالفت ، أيّ ليلة سهرت لربك ، أيّ يوم صمت منه خوف ذنبك ، هل أعملت في جوف الليل فكرك ، قد أذنبت فهل اعتذرت ، قد أجرمت فهل ندمت ، (٥) وقد أضعت فهل أطعت ، قد هربت فهل طلبت؟ تقوّلت وتخرّفت ، (٦) وتوانيت وسوّفت ، وبارزت وخالفت ، وعصيت وجاهرت) ، (٧) وتأسفت على ترك طاعتك ، وبكيت عند هجوم ساعتك ، وخسرت في تجارتك وبضاعتك ، ولم تنتفع بفصاحتك وبراعتك ، وذهب ما كان من (٨) قوتك وشجاعتك.

[الرحمة]

قال الوافد : قد (٩) وعدنا الله بالرحمة في كتابه؟

قال العالم : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) [الأعراف : ٥٦]. إذا عملت بالرضى ، عفى عنك ما مضى ، وحرم لحمك على لظى ، (وإن لم تعمل

__________________

(١) في (ج) : الله. وفي (أ) : وفيت.

(٢) سقط من (أ) و (ب) : لله.

(٣) في (أ) و (ج) : على أي توبة وصلاح لله رميت.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : لله.

(٥) في المخطوط : جديت. لعلها مصحفة ، ولعل الصواب ما أثبت.

(٦) من الخرافة : الحديث المستملح من الكذب.

(٧) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٨) في (ج) : وذهبت منك.

(٩) سقط من (ب) و (ج) : قد.

٤١٨

بالرضى ، أخذك بما بقي وما مضى ، وأحرقك بنار لظى) ، إذا نظر ستر ، (١) وإذا رحم غفر ، عظيم فضله ، صادق قوله ، عليم ، رحيم ، بالكرم موصوف ، وبالرحمة معروف ، العبد ينشره ، والرب يستره ، يكافئ ، (٢) ويعافي ، ويشفي عبده ، ويوفي وعده ، كم قبيح فعلناه ستره ، وكم رزق لنا يسّره ، اقرع بابه ، تجد (٣) جوابه ، اقرأ كتابه ، يبن لك عتابه ، ارجع إليه يمن (٤) بالقبول ، واقرب إليه يحسن بالوصول ، (٥) ما ضاع من قصده ، وما جاع من عبده ، ولا خاب من أمّله ، ولا خسر من عمل له ، بابه لا يغلق ، وحكمه لا يسبق ، وجاره لا يفرق ، (٦) القلوب من خوفه تفرق ، (٧) والصدور من هيبته تفلق ، (٨) والرجاء بعفوه يعلق.

من ناجاه أنجاه ، ومن اتقاه وقاه ، (ومن أوفاه وفّاه ، ومن أطاعه أعطاه) ، (٩) من التجأ إليه نصره ، ومن استغنى به ستره ، ومن قصده قبله ، ومن وحّده أجلّه ، (١٠) ومن عبده فضّله ، من تاجره أربحه ، (١١) ومن أمّله فرّحه ، من سأله منحه ، ومن شكره [شكره ، ومن ذكره] ذكره ، من استهداه وفّقه ، ومن توكل عليه رزقه ، ومن أمّله صدقه ، (١٢) ومن تعزز به أعزه ، من استغنى به أغناه ، (١٣) ومن سأله أعطاه ، ومن تولاه

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين. وفي (ب) : وإذا عدل قبل. يبدو أنها زيادة.

(٢) في (أ) و (ج) : ويستر والعبد ينشره. وفي (ج) : يستر والعبد ينشر. وفي (أ) و (ب) : يكفي.

(٣) في (ج) : أفرغ تحت جوابه. مصحفة.

(٤) في (ج) : يبين لك جوابه. وسقط من : (ج). وفي (ب) : يمن عليك.

(٥) في (أ) : الوصول.

(٦) في (ب) و (ج) : يغرق. مصحفة.

(٧) في (ب) و (ج) : تبرق. مصحفة.

(٨) في (ج) : تقلق.

(٩) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين. وفي (ب) : ومن أطاعه أطاعه. وما أثبت هو الصواب. ولعل ذلك سهو من النساخ.

(١٠) في (ج) : ومن طلبه وجده.

(١١) في (أ) : رابحه. وفي (ب) : ربحه.

(١٢) سقط من (أ) و (ج) : ومن أمله صدقه.

(١٣) سقط من (أ) و (ج) : من استغنى به أغناه.

٤١٩

والاه ، ومن استأنس بذكره لم (١) يخب ، ومن تخلا (٢) لطاعته نال ما يحب ، إليه المفر ، وعنده المستقر ، من للفقير إلا الغني ، من للضعيف إلا القوي ، من للذليل إلا العزيز العلي ، من للعبد إلا سيده ، وأين يوجد إلا عنده.

قال الوافد : كأني بالقيامة وقد قامت!

قال العالم : كأني (٣) بالشاب المليح ، وهو في النار طريح ، ثاوي يصيح ، (٤) بمقامعها جريح ، (يطلب الراحة لا يستريح ، بين أطباق العذاب يصيح) ، كم من (٥) شيخ كبير ، في العذاب المستطير ، لم ترحم شيبته ، ولم تكشف كربته ، ولم تقبل معذرته ، قد أطعم الضريع ، وسقي الحميم ، وعري وجرّد ، وقرّب للعذاب ومدّد ، وضرب بالمقامع وتهدّد ، وغلّل بالسلاسل وقيّد ، (٦) ونزل في إدراك النار وأفرد ، وطرد من الرحمة وأبعد ، وبسط له في (٧) النار ومهّد ، وغلظ عليه العذاب وجدد ، (٨) (ومزق جلده بالسياط وبدد ، وصب عليه العذاب وخدد) (٩).

فالويل له من توابيت النيران ، وغضب مالك الغضبان ، يقول له : (١٠) هذا جزاء ما أذنبت وعصيت ، وأخطأت وتعديت ، وسوفت وتوانيت ، لم تنته من العيب ، ولم تتعظ بالشيب ، (بالمعاصي جاهرت ، وبنفسك خاطرت ، والصلاح أظهرت ، والفساد والنفاق أسررت) ، (١١) هذا جزاء من أظهر الصلاح وأضمر الفساد ، هذا (جزاء من أساء وظلم

__________________

(١) في (ب) : لم يخف ولم يخب.

(٢) في (أ) : خلا بطاعته.

(٣) في (ج) : نعم كأني.

(٤) سقط من (أ) : ثاوي. وفي (ج) : ثاوي ، وجريح.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين. وسقط من (أ) و (ج) : من.

(٦) في (أ) و (ج) : وجلد.

(٧) في (ب) : من.

(٨) في (أ) و (ب) : وقيد.

(٩) سقط ما بين القوسين من (ج).

(١٠) سقط من (أ) و (ج) : يقول له.

(١١) سقط من (ج) : ما بين القوسين.

٤٢٠