مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

العباد) ، هذا جزاء من ترك (١) صلاته وأطال الرقاد ، هذا جزاء من كان للمسلمين كثير العناد ، (٢) (هذا جزاء من نافق وقسي منه الفؤاد) ، (٣) هذا جزاء من أضاع الصلاة ولم يهتم (٤) بها في الأوقات ، هذا جزاء من تركها (٥) واتبع الشهوات ، هذا جزاء من عصى الله (٦) في الخلوات.

قال الوافد : كيف يستريح في (٧) الدنيا من وعد بهذه المصائب؟

قال العالم : من ارتكب المحارم ، واكتسب المآثم ، دخل هذه الدار ، وخلد في عذاب النار.

يا من عصى الملك العلام ، وخلا (٨) بالمعاصي في الظلام ، يا من ذنوبه لا تحصى ، وعيوبه لا تنسى ، وذنبه لا يعفى ، وقد برح الخفاء وكثر الجفاء (٩) ؛ إخسأ فيها يا مطلوب يا مكروب ، يا كثير الذنوب ، أفسدت في الدنيا دينك ، وضيعت فيها حظك ، يا كثير القبائح ، يا عظيم الفضائح ، (١٠) يا كثير الرياء ، يا قليل الحياء ، (يا مغرور ، يا من عطل الأيام والشهور ، يا من ركب الشرور ، يا من جعل ليله لكسب الذنوب والأوزار ، يا من عصى الملك الجبار ، يا من بارز الخالق في وقت الأسحار ، يا من يصبح عاصيا ، ويمسي ناسيا ، ويصلي لاهيا ، أصبحت من رحمة الله قاصيا) ، (١١) يا مغبون يا

__________________

(١) سقط ما بين القوسين من (أ). وفي (أ) و (ب) : قلّت صلاته.

(٢) في (ب) : الفساد.

(٣) سقط ما بين القوسين من : (ب).

(٤) في (ب) : يقم.

(٥) في (أ) و (ب) : من لها. مصحفة.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : الله.

(٧) في (ب) و (ج) : بالدنيا.

(٨) في (ج) : واختلا.

(٩) سقط من (أ) و (ج) : وقد برح الخفاء وكثر الجفاء.

(١٠) سقط من (ج) : يا عظيم الفضائح.

(١١) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

٤٢١

مثبور ، يا من اطمأن بدار (١) الغرور ، يا من قدم غير معذور ، ما حجتك (٢) في يوم النشور؟ ما أتركك لصلاحك! (٣) ما أغفلك عن أخذ زادك! مهلا عن التفريط ، مهلا عن التخليط ، مهلا قبل البين والفراق ، يوم تلتف الساق بالساق ، قبل مجيء (٤) ما لا يطاق.

قال الوافد : يا عجبا من هذه الدنيا ما أمكرها! ما أخدعها ، ما أخورها ، (٥) ما أدبرها! ما أقل نفعها! ما أكثر ضرها! (تحلو وتمر ، ما للدنيا بقاء ، ما للدنيا وفاء ، الدنيا بلاء ، لا يجمعها ذو تقى ، ما أكثر تخليطي ، ما أكثر تفريطي) ، (٦) ما أغفلني عن أعمالي ، ما أقبح أفعالي ، إلى كم أغتر بآمالي ، كم أخوّف ولا أخاف ، كم أعرّف ولا أعرف ، كم أصر على الذنوب ولا أنصرف؟! كم يمهلني ربي ولا أعترف؟! إلى متى أقول : عسى وسوف؟! وأدخل الحرام الجوف ، أدخلت في قلبي الظلمة ، (٧) غفلت عن الطاعة ، (٨) وكفرت بالنعمة ، نسيت الجريمة ، واستعملت النميمة.

قال العالم : اعترف بذنبك ، وارجع إلى ربك ، واندم على (٩) فعلك ، ولا تستقل القليل ، ولا تنم الليل الطويل ، فإن أظلم الناس من ظلم نفسه ، وأضيع الناس من ضيع يومه وأمسه ، وأسرق الناس من سرق من صلاته ، وأبخل الناس من امتن بزكاته ، أذل (١٠) الناس من أساء عمله في خلواته ، أجلد الناس من غلب شهواته ، (١١) أغفل الناس من

__________________

(١) في (أ) و (ب) : إلى دار.

(٢) في (ب) : ما حيلتك يوم.

(٣) في (ب) : لصلاتك.

(٤) في (ب) : قبل التقاء الساق بالساق. وفي (ب) : محن. وفي (ج) : حمل.

(٥) في (ب) : وأخدعها. وفي (ج) : ما أجورها.

(٦) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٧) في (أ) و (ج) : إلى متى توبتي أسوّف.

(٨) لعله سقطت هنا جملة.

(٩) في (أ) : من.

(١٠) في (ب) : أنذل.

(١١) في (أ) و (ج) : شهوته.

٤٢٢

ضيع حياته ، أندم الناس من عطّل (١) ساعاته ، أقوى الناس من مات على التوبة ، رأس مالك في الدنيا الطاعة ، التقى أفضل بضاعة ، من أمّل الله أعطاه ، من سأل الله بلّغه سؤله ومناه ، أسلم الناس من خمل (٢) ذكره ، وكثر شكره ، من رضي بالقضاء ، سلا (٣) عما مضى ، كيف لا يهتم ولا يغتم؟! من لا يدري العمل (٤) بما يختم ، كيف يهنأه رقاده؟! كيف يتوسد وساده؟! كيف يسكن نفسه وفؤاده؟! وهو لا يدري أمن أهل الشقاوة أم من أهل السعادة؟! (كيف يسكن إلى الدار والجار؟! ويقر به القرار؟! ويأكل في الليل والنهار؟ من هو موعود بعذاب النار ، وغضب الجبار) (٥).

[قال الوافد : ما أعمل كي أنجو من النار]؟

قال العالم : لا تقصر في عمل الأخيار ، ولا تسلك سبيل الفجار ، ولا تكسب الأوزار ، وأطع ربك في الليل والنهار ، (ولا تأمن فتغتبن ، ولا تجمع فتفتتن) ، تجوّع (٦) ولا تشبع ، وتورّع ولا تطمع ، وخف واحزن ، فمنزلك القبر وثوبك الكفن ، كيف يلهو بالملاهي؟! من بين يديه الدواهي ، كيف يكتسب (٧) الآثام؟! من وكّل به الملائكة الكرام ، وكيف يضحك ويفرح؟! من عليه غدا يصرخ؟! (٨) وللدود والهوام يطرح ، كيف يفرح ويستر؟! من يموت ويقبر.

__________________

(١) في (ج) : ضيع.

(٢) في (ب) : من أمل الله أعطاه الله مأموله ، من سأل الله بلغه مسئوله. وفي (ج) : أحب الناس. وفي (ج): من حمد.

(٣) في (ج) : من قنع بالعطاء ، تسلا.

(٤) في (ب) : أي عمل.

(٥) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٦) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج). وفي (أ) و (ج) : ولا تجوع.

(٧) في (ب) و (ج) : يكسب.

(٨) من الصراخ ويحتمل أن تكون من له غدا يفرح ، وهو أنسب لما بعده.

٤٢٣

[محاسبة النفس]

قال الوافد : ما لي لا أخفف حملي؟! (١) ما لي لا أخفف شغلي؟! (٢) ما لي لا أترك جهلي؟ ما لي لا أتبع عقلي؟! ما لي لا أجتهد؟! ما لي لا أجد؟! (٣) ما لي لا أخدم؟! (٤) ما لي لا أحزم؟! إلى متى الرقاد؟! إلى متى السهاد؟! (إلى متى أخالف ما أعلم؟ أما أعلم أني إلى الله أقدم؟! أين الحزم ، أين العزم؟ أين الجهد؟ أين القصد؟ ما هكذا يكون العبد) ، إلى متى أنقض (٥) العهد؟! (إلى متى أخلف (٦) الوعد)؟! إلى متى أقول غدا أو بعد غد؟! أما أعلم أن مسكني اللحد؟! ما أقسى فؤادي! أنسيت (٧) معادي؟! ما أقل زادي! قرب سفري! ركبت خطري.

الآن تخلق الجدّة ، الآن تنتهي المدة ، (٨) الآن ينزل الموت ، الآن يقع الفوت ، الآن يسمع (٩) الصوت ، الآن يغلق الباب ، الآن أفارق الأحباب ، الآن أنقل إلى التراب ، الآن أحضر إلى الحساب ، الآن أعاين البلاء ، ما لي لا أنتهي (١٠) عن الهوى؟! ما لي لا أتبع الهدى؟! لا بد من سفر ، لا بد من خطر ، (١١) لا بد من موت ، لا بد من فوت ، لا بد من العرض على (١٢) الملك الفرد ، لا بد من ...

__________________

(١) سقط من (أ) و (ب) : ما لي لا أخفف حملي.

(٢) في (ب) : لا أحقق شغلي. وفي (ج) : لا أخفف اشتغالي.

(٣) سقط من (أ) و (ب) : ما لي لا أجد.

(٤) سقط من (ج) : ما لي لا أخدم.

(٥) سقط ما بين القوسين من : (أ) و (ج). وفي (أ) و (ج) : نقض.

(٦) في (أ) : أخالف.

(٧) في (ب) و (ج) : نسيت.

(٨) سقط من (أ) و (ج) : الآن تخلق الجدة ، الآن تنتهي المدة. وهي في (ب) : تخلو الحدة. ولعلها مصحفة والصواب ما أثبت. وتخلق معناها : تبلى. والجدّة : نقيض البلى.

(٩) في (ج) : أسمع.

(١٠) في (أ) : لا أتخلى.

(١١) في (ب) : حضر.

(١٢) في (ج) : من عرض الملك.

٤٢٤

القبر (١) لا بد من الحشر ، لا بد من النشر ، لا بد من حسرة ، لا بد من عبرة ، (٢) لا بد من زوال ، لا بد من ارتحال ، لا بد من الجزاء على الأفعال (٣).

خنت بالعينين ، أصغيت بالأذنين ، أخذت الحرام باليدين ، مشيت (٤) إلى المعاصي بالرجلين ، حركت بالكذب الشفتين ، قطعت الرحم وعققت الوالدين ، أعرضت عن مولاي وتبعت (٥) هواي ، نسيت ما بين يدي ، (٦) غفلت عما أساق إليه ، لم أذكر من (٧) أعرض عليه ، (كأني وقد عدمت نظر العينين ، وسمع الأذنين ، وبطش اليدين ، ومشي الرجلين) ، (٨) كأني وقد منعت الخطاب بلساني ، وسلبت القوى من أركاني ، ونزع (٩) روحي وأدرجت في أكفاني ، فويلي (١٠) من ملائكة يشهدون عليّ بما صنعت ، ويحفظون ما ضيعت ، فيا كربتاه ، وا غمتاه ، ويا حزناه ، ويا غصتاه ، ويا شجناه ، ويا غبناه ، ويا سوء حالتاه. (١١)

وأنشد يقول : (١٢)

وصحيح (١٣) أضحى يعود سقيما (١٤)

وهو أدنى للموت ممن يعود (١٥)

__________________

(١) لعلها : اللحد.

(٢) في (ب) : عثرة.

(٣) في (ب) : الفعال.

(٤) في (ب) : سعيت.

(٥) في (ج) : واتبعت.

(٦) لعلها : يداي.

(٧) في (ب) : ما أعرض.

(٨) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٩) في (ب) : ونزعت.

(١٠) في (ج) : فويل لي.

(١١) في (أ) و (ج) : بما ضيعت ، ويحفظون ما صنعت. وفي (ب) : ويا غماه. وسقط من (أ) و (ج) : ويا شجناه ، ويا غبناه. وفي (ب) : ويا غصصاه .... ويا سوء حالاه. وفي (ج) : وا غصتاه وآ سوء حالتاه.

(١٢) في (أ) و (ب) : ثم قال.

(١٣) في (ج) : والصحيح.

(١٤) في (ب) : مريضا.

(١٥) في (ج) : من الأمور البعيد. مصحفة. وفي (أ) و (ب) : أدنى إلى الموت. وفيه انزخاف. وما أثبت ـ

٤٢٥

وصبي من بعدهم لحقوهم

ضل عنهم نزولهم والصعود (١)

أين أهل الديار من قوم نوح

ثم عاد من بعدهم وثمود

بين ما هم على النمارق والديباج

أفضت إلى التراب الخدود

ثم لم ينقض الحديث ولكن

بعد ذاك (٢) الوعد ثم الوعيد

فأجابه العالم وهو يقول : (٣)

أفنيت عمرك إدبارا وإقبالا

تبغي البنين (٤) وتبغي الأهل والمالا

فالموت هول فكن ما عشت ملتمسا

من هوله حيلة إن كنت محتالا

فلست ترتاح من موت ومن نصب

حتى تعاين بعد الموت أهوالا (٥)

أملت بالجهل عمرا لست (٦) تدركه

والعمر لا بد أن يفنى وإن (٧) طالا

كم من ملوك مضى ريب الزمان بهم

قد أصبحوا (٨) عبرا فينا وأمثالا

__________________

ـ لإصلاح الوزن.

(١) سقط من (ب) : نزولهم والصعود. وفي (أ) :

واطبا بعدهم لحقوا هم

ضل عنهم سعودهم والبرود

ولم اهتد فيهما إلى معنى صحيح.

(٢) في (أ) : ذلك. وفي (ب) : هذا.

(٣) في (ب) : العالم يقول.

(٤) في (ج) : لا تتقي النفس تبغي .....

(٥) سقط البيت من (ج).

(٧) في (ج) : ولو.

(٨) في (ج) : فأصبحوا.

(٦) في (ج) : ليس.

٤٢٦

[الصلاة معراج المؤمن]

قال الوافد : حد لي (١) الصلاة يرحمك الله؟

قال العالم : الصلاة صلة بين العبد والرب ، وستر للعيب وكفارة للذنب ، الصلاة صلة بلا مسافة ، وطهارة كل خطيئة وآفة ، (٢) الصلاة مواصلة ومصافاة ، ومداناة ومناجاة ، المصلي يقرع باب الله ويطمع في ثوابه ، وهو على بساط الله عزوجل.

إذا كبر العبد تكبيرة الإحرام ، تساقط عنه الأوزار والآثام ، (٣) وإذا توجه العبد إلى القبلة ، فقد أبدى (٤) من نفسه الخضوع والذلة ، واتبع الشرع والملة ، إذا أخلص العبد في الصلاة بنيته ، كفر الله عنه ذنبه (٥) وخطيئته ، وأجزل له عطيته ، (٦) وإذا أخلص العبد القراءة والتلاوة ، سطع في (٧) قلبه النور والحلاوة ، وإذا قرأ الفاتحة ، أدرك الصفقة الرابحة ، وإذا (٨) أتبعها بالسورة ، كثر في الآخرة سروره ، وكفاه الله محذوره ، وإذا انحنى للركوع ، فقد أظهر لله الخضوع ، وإذا قام للاعتدال ، فقد نفى عنه الاشتغال ، وإذا هوى للسجود ، فقد خرج من الجحود ، واستحق من الله الجود ، وإذا تشهّد (٩) على التمام ، سلّمت عليه الملائكة الكرام ، وبشروه بدار السلام.

الصلاة شرح الصدور ، وفرج من جميع الأمور ، الصلاة نور في الفؤاد ، وسرور يوم المعاد ، الصلاة للقلوب منهاج ، وللأرواح معراج ، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ،

__________________

(١) في (ج) : جد في. مصحفة.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : وآفة.

(٣) في (ج) : تساقطت. وسقط من (ج) : الآثام.

(٤) في (أ) و (ج) : بدا من.

(٥) سقط من (أ) : ذنبه.

(٦) في (ج) : وإذا فرغ العبد من الصلاة كفر الله عنه سيئآته وخطيئته وأجزل عطيته.

(٧) في (أ) : من.

(٨) في (أ) : إذا.

(٩) في (أ) و (ج) : استشهد.

٤٢٧

وتؤمن (١) صاحبها من نكير ومنكر ، الصلاة تغني من (٢) الإفلاس ، وتلبس العبد الإيناس ، الصلاة (٣) قرة العين ، وجلاء الرّين ، المصلي على بساط المولى ، يناجي الملك الأعلى.

الصلاة ضياء في الصدور ، وفسحة في القبور ، وبهاء (٤) في الحشر والنشور ، الصلاة تجوّز (٥) على الصراط ، وتورث في قلب صاحبها النشاط ، الصلاة تنزع قساوة القلوب ، وتكفر (٦) الذنوب ، الصلاة تسهل العسير ، وتمحو الذنب الكبير ، الصلاة توسع الأرزاق ، وتطيب الأخلاق ، الصلاة تقرب العبد إلى المولى ، وتؤمنه (٧) من البلوى. من لزم المحراب قرع الباب ، ومن قرع الباب أتاه (٨) الجواب ، صحة الإرادة ، لزوم المساجد للعبادة.

الصلاة تخفف الأوزار ، وتؤمن (٩) من النار ، أقرب ما يكون (١٠) إلى ربه من سجد وقام ، (١١) وزكى وصام ، لو علم المصلي من (١٢) يناجي لما التفت في صلاته ، من سها في صلاته فقد ضيع أشرف أوقاته.

اخضع لربك في الصلاة ذليلا

واذكر وقوفك في الحساب طويلا

__________________

(١) في (أ) و (ج) : ويؤمن.

(٢) سقط من (ج) : من. وهو في (ب) : بعد.

(٣) في (ب) : في الصلاة.

(٤) في (ب) : ضياء في القبور وبهاء يوم الحشر ... وفي (ج) : ورفيقه في الحشر .....

(٥) في (ب) : يجوز صاحبها.

(٦) في (ج) : فساد. وفي (ب) : كبائر الذنوب.

(٧) في (ب) : ربه المولى. وفي (ب) و (ج) : ويؤمن.

(٨) في (ب) : جاءه.

(٩) في (ب) : الأوزار وتقرب المزار. وفي (ج) : وتوقي صاحبها من النار.

(١٠) في (ب) : أقرب ما يكون العباد إلى ربه إذا سجد.

(١١) إشارة إلى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا في الدعاء). أخرجه مسلم (٧٤٤) ، والنسائي (١١٢٥) ، وأبو داود (٧٤١) ، وأحمد (٩٠٨٣).

(١٢) في (ج) : لمن.

٤٢٨

لو علمت بين يدي من تقوم ، كنت تلازم بابه (١) وتدوم.

عجبا لمن يناجي القاهر! كيف يخطر في قلبه الخواطر ، ليس للمؤمن (٢) من صلاته إلا ما عقل ، ولا ترفع صلاته إذا غفل ، (٣) عفّر وجهك بالتراب ، فلعله يفتح لك الباب ، أحضر في الصلاة باطنك ، كما أحضرت (٤) ظاهرك ، طهّر قلبك ، كما تطهر ثيابك.

عجبا ممن (٥) يسأل الخلق! وباب مولاه مفتوح لكل سائل! عجبا ممن يتذلل للعبيد! وله عند سيده ما يريد ، من أطال لله القيام ، أزال عنه الأوزار والآثام ، من أخّر الصلاة عن الأوقات ، من غير علة من العلات ، حرم الخيرات والصالحات ، من ترك الصلاة إلى الليل ، جلّ به الذل والويل ، من حافظ على الصلوات ، تتابعت عليه (٦) الخيرات ، ورفعت له الدرجات ، وصرفت عنه النقمات.

من لم تكن الصلاة من باله وعزمه ، لم يبارك له (٧) في رزقه وتركه الله بهمّه ، من ضيّع صلاته لم تقبل حسناته ، وكثرت عند الموت سكراته ، من غفل عن الصلاة والذكر ، ضيق عليه في القبر ، الصلاة عمود الدين ، وتمامها صحة اليقين.

[قيام الليل]

قال الوافد : ما للذي يقوم الليل؟ صف لي ثوابه؟

قال العالم : من قام الليل وسهر ، نجاه الله من الأمر العسر ، من خاف البيات ، (٨) لم

__________________

(١) في (ج) : على بابه.

(٢) في (ب) : للمرء.

(٣) في (ج) : وترد إذا غفل.

(٤) في (ج) : تحضر.

(٥) في (أ) : لمن.

(٦) في (ج) : إليه.

(٧) في (أ) : يبارك الله.

(٨) في (ج) : البليات.

٤٢٩

تغلبه السيئات ، من حذر الحمام ، شرد عنه المنام ، من اغتنم الليالي والأيام ، لم يقطعها بالبطالة والمنام ، (من أطال الرقاد ، فقد طمس النور من الفؤاد ، من دام رقاده ، عدم مراده) ، (١) من ألف الوطاء والمهاد ، خرج إلى الآخرة بغير زاد ، من تعوّد الوسادة ، لم يؤد حق العبادة ، من خاف اللحد ، لم ينم على الخد ، من عصى مولاه ، كانت الجحيم مأواه ، من فزع من يوم القصاص ، تضرع إلى ربه بالإخلاص ، من تحقق أن الرب مطلع في المعصية عليه ، (٢) أسبل الدموع على خديه ، من علم أن إلى ربه مرجعه ، هجر في الليل نومه ومضجعه ، من تحقق أن إلى ربه الرجوع ، أكثر من السجود والركوع ، (٣) (من تفكر في قبيح الرجوع ، شرد عن عينيه الهجوع ، وأسبل من مقلتيه الدموع) ، (٤) من علم أنه مأخوذ مطلوب ، كان له في الليل تهجد وهبوب ، (من عرف عصيانه ، داوم أحزانه ، من داوم أحزانه ، لم تنطبق بالليل أجفانه) ، (٥) من غلب على قلبه الحزن ، منع من عينيه (٦) الوسن ، من تحقق الإفلاس ، شرد عنه النعاس ، من علم (٧) أن الله يدعوه ، لم يزل يخافه ويرجوه ، فإن الله تعالى (٨) يقول : (هل من داع فأجيب؟ هل من مطيع فأثيب؟ هل من متقرب فإني (٩) منه قريب؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأفضل عليه ، (١٠) هل من متوكل فأسوق الرزق (١١) إليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل

__________________

(١) في (أ) : سهاده. وسقط من (ج) : ما بين القوسين.

(٢) في (أ) : مطلع عليه في المعصية.

(٣) في (أ) : أكثر في الليل السجود والركوع.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٦) في (أ) : عينه.

(٧) في (أ) : من يقل. مصحفة.

(٨) سقط من (أ) : تعالى. وفي (ب) : عز من قائل.

(٩) في (ب) : فإن.

(١٠) سقط من (أ) و (ج) : هل من سائل فأفضل عليه.

(١١) في (ب) : عطاي.

٤٣٠

من مستعين فأعينه؟ هل من مستجير فأجيره) (١).

يا أهل الليل أبشروا بالسرور والجمال ، يا أهل الليل كفيتم جميع الأهوال ، (يا أهل الليل أمنتم الأفزاع والأشغال) ، (٢) يا أهل الليل تقر أعينكم عند انقضاء الآجال ، يا أهل الليل أكثروا التضرع والابتهال ، فقد اطلع عليكم الكبير المتعال ، يا أهل القرآن تهجدوا بالقرآن ، يا أهل القرآن معكم الدليل والبيان ، من سهر الليل (٣) وقام ، وتجوّع بالنهار وصام ، كان مقامه في الآخرة (٤) خير مقام.

يا أهل الليل قد أغلقت الملوك أبوابها ، وطاف (٥) عليها حجابها ، وطلبت كل صحبة أصحابها ، وأرخى أهل المعاصي أستارها ، وأنا الملك الجبار ، (العزيز الغفار الستار ، أعطي عبادي ، وأزيد أهل ودادي ، ومن يختار على مراده مرادي) (٦) ، أقول : يا عبادي ، يا أهل ودادي ، أبشروا بودادي ، والثواب في معادي.

قال الوافد : ما أجرأ العباد على المعاصي! فلم (٧) يخافوا الأخذ بالنواصي. كم تغفل وتنام ، وتظلم الأيتام ، كأني بك وقد عافصك (٨) الحمام ، وأنت غافل في ألذ منام ، (٩) يا

__________________

(١) إشارة إلى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قال في آخره : (ويبعث الله مناد ينادي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر كل ليلة إلى سماء الدنيا ، يا باغي الخير هلم ، يا باغي الشر أقصر ، هل من داع يستجاب له؟ هل من سائل يعط سؤله؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من تائب فيتاب عليه). أخرجه الإمام أبو طالب في أماليه / ٢٠٤. والبيهقي كما في الدر المنثور ١ / ٤٤٦. وأخرج نحوه أحمد برقم (١٦٥٨٨). والبخاري برقم (١٠٧٧) ، والترمذي (٤٠٨) ، وأبو داود (١١٢٠) ، وابن ماجة (١٣٥٦) ، ومالك (٤٤٧) ، والدارمي (١٤٤٣).

(٢) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٣) في (أ) : انقطاع الآجال. وفي (ب) : عليكم بالتضرع. وفي (ب) : تهجدوا بذكر الرحمن. وفي (ب) :

معكم النذير. وفي (ج) : التنزيل. وفي (أ) : بالليل. وفي (ج) : في.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : بالنهار. وفي (أ) : وجاع. وفي (ج) : بالقيامة.

(٥) في (أ) : غلقت. وفي (ب) : قد غلقت الملوك عليها. وفي (ب) : وقامت عليها.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٧) في (أ) و (ب) : لم.

(٨) في (ج) : عاجلك.

(٩) في (ج) : المنام.

٤٣١

من هو مقيم على القبائح والآثام ، أما تخاف انقطاع الأيام ، وحلول الحمام ، وشهادة الملائكة الكرام (١)؟!

قال العالم : في الليل يقرع باب الوهاب ، في الليل خلوة الأحباب ، (٢) في الليل تقبل توبة من تاب ، في الليل يستغفر من بهت واغتاب ، في الليل يعمر القلب الخراب ، في الليل يأتي (٣) الجواب ، الليل لأهل الصلاة والمحراب.

يا أهل الأسحار لكم الأنوار ، (يا أهل الليل خففت عنكم الأوزار ، يا أهل الليل أبشروا برضى الجبار ، ومرافقة الأبرار ، يا أهل الأسحار) ، أقبلوا (٤) على الاستغفار ، في صلاة الليل ، النجاة من الويل ، في المناجاة نجاة ، في الصلاة صلاة ، (٥) هلموا فهو ذو الإجابة ، أقبلوا فهو ذو الإنابة ، اعملوا بالصواب ، يفتح (٦) لكم الأبواب ، (أطيعوا فهو يضاعف لكم الثواب) (٧).

سلوا (٨) الأمان ، يا أهل الإيمان ، تضرعوا إلى الحبيب ، فهو من (٩) المتضرعين قريب ، ارجعوا إليه يكن لكم من كل خير نصيب ، السهر السهر ، يا من هو على سفر ، الإدلاج ، يا طالب (١٠) المنهاج ، البكور البكور ، يا من يريد السرور ، الأسحار الأسحار ، يا من أكثر (١١) الأوزار ، (الضراعة الضراعة ، يا من كثر منه الإضاعة) (١٢).

__________________

(١) في (ب) : الكرام عليهم‌السلام.

(٢) في (أ) : الأحباب بالأحباب. وفي (ج) : الأبواب. مصحفة.

(٣) في (ب) : يجيء.

(٤) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين. وفي (أ) و (ج) : فأقبلوا.

(٥) في (ب) : في الصلوات صلات. وسقط من (ج).

(٦) في (أ) : فهو يفتح لكم الأبواب. وفي (ب) و (ج) : يفتح لكم الباب.

(٧) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٨) في (ج) : اسألوا.

(٩) في (أ) و (ب) : إلى.

(١٠) في (أ) و (ج) : عليكم بالسهر ، فإنكم على سفر. وفي (أ) : يا طلاب. وفي (ج) : يا صاحب.

(١١) في (ب) : يا من كثرت منه.

(١٢) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

٤٣٢

[نصائح طبية]

قال الوافد : صف لي فضل الصيام ، والإقلال (١) من الطعام؟!

قال العالم : أكثر الصيام ، تسلم من الآثام ، أقل من الطعام تسبق (٢) إلى القيام ، من شبع من الطعام ، غلبه (٣) المنام ، ومن غلبه المنام ، قعد عن القيام ، الشبع يظلم الروح ، ويترك القلب مقروح (٤) ، الجائع عفيف خفيف ، والشابع (٥) عاكف على الكنيف ، من كان شابعا ، كان للشيطان متابعا ، الشبع يكسب الوجع ، (٦) ويذهب الورع ، ويكثر الطمع.

ألا إن (٧) الصوم جنّة من النار ، ورضى للجبار ، من أطاع ضرسه ، أضاع نفسه ، التّجوّع في الفؤاد نور ، وفي المعاد سرور ، من استعمل القصد ، استغنى عن الفصد ، (٨) من قنع شبع ، ومن شبع طمع ، من أشفق على نفسه ، لم يتبع شهوة ضرسه ، من أطاع أسنانه ، هدم أركانه ، كم من طاعة ، نبعت من مجاعة ، وكم من قناعة ، أتت بخير بضاعة ، لا مجاعة مع القناعة.

[مراقبة الله]

قال الوافد : صف لي المراقبة؟

قال العالم : من راقب الله في الخلوات ، أجاب له الدعوات ، المراقبة ، تورث

__________________

(١) في (ج) : والقل.

(٢) في (ب) : أكثر من الصيام. وفي (ج) : من أكثر الصيام ، تقل عنه الآثام. وفي (ب) : قل من الطعام.

وفي (ج) : قل الطعام. وفي (أ) : تشتاق القيام. ولعلها تشتق.

(٣) في (ج) : غلب عليه المنام ومن غلب عليه ...

(٤) مقروح : مفعول ثان ليترك ، لكن له وجه في اللغة كما سبق ، على إرادة الوقوف.

(٥) في (ب) و (ج) : والشبعان.

(٦) في (ب) : من لم يزل شابعا ، لم يزل الشيطان له متابعا. وفي (ب) : يكسب الجزع.

(٧) سقط من (ب) : ألا إن.

(٨) الفصد : الحجامة.

٤٣٣

المحاسبة ، (١) راقب مولاك في الليل إذا دجاك ، وفي النهار إذا أضاك ، يعصمك من هواك ، اذكر نظر الله إليك ، ولا تنس اطلاعه عليك ، أما تعلم أن الرب إليك ناظر؟! وعليك في كل الأحوال قادر؟! أما (٢) تعلم أن مولاك يراك؟! ويسمع سرك (٣) ونجواك؟ ويعلم منقلبك (٤) ومثواك؟ أرخيت عليك الأستار ، وأخفيت ذنوبك عن الجار ، وبارزت الجبار(٥) بالمعاصي الكبار ، وجمعت الذنوب والأوزار ، وشهد عليك الليل والنهار ، والملائكة الحضّار.

أما تخاف عقوبة الجبار؟! (٦) والخلود في النار؟ إلى كم تستتر عن أعين الناظرين؟ وقد شاهدك أقدر القادرين؟ كم تخاف من المخلوق وتستخفي؟ (٧) ولا تخاف الخالق ولا تستحيي ، كم تنقض العهود؟ وتستخف بالشهود ، (٨) كم تجترئ على المعبود؟ ويعود عليك ولا تعود؟ (٩) كم رآك على المعاصي وستر ، واطلع منك على القبائح وما نشر ، وغطى عليك وما شهر ، أما تذكر قبائح أمرك؟ أنسيت فضائح سرك؟ (١٠) أما تخاف من ذنوبك؟ أما تزدجر عن (١١) عيوبك؟ أغفلت عن الداهية؟ ولم تخف الهاوية. أأمنت (١٢) من لا تخفى عليه خافية؟! وقد اطلع عليك مرارا ، وأسبل عليك أستارا ،

__________________

(١) في (ج) : بالمراقبة تؤثر.

(٢) في (أ) : عن. وفي (ج) : أكثر. مصحفة. وفي (ب) : طاعته. وفي (ج) : الطاعة. وفي (ج) : كل الأمور.

وفي (أ) : ألم.

(٣) في (ج) : نداك.

(٤) في (ب) : متقلبك.

(٥) في (أ) و (ج) : ذنوبك عن الجبار وبارزته بالمعاصي. مصحفة.

(٦) سقط من (أ) و (ج) : عقوبة الجبار.

(٧) في (أ) : ولا تستخفي. مصحفة.

(٨) في (أ) و (ج) : بالسجود.

(٩) سقط من (أ) و (ج) : ويعود عليك ولا تعود.

(١٠) في (ب) : قبائحك ، أنسيت فضائحك.

(١١) في (أ) و (ب) : من.

(١٢) في (ب) : ألم تخف. وفي (ب) : أنسيت من ...

٤٣٤

(وبارزته غير مرة فستر وعفى ، ونقضت ما عاهدته عليه ووفى) (١).

ولو شاء لأمطر عليك الحجارة من الهواء ، وسلب منك العطاء ، وكشف عنك الغطاء وشهرك (٢) لعباده ، وضيق عليك بلاده ، وبدل اسمك ، وغير جسمك ، هب أنه (٣) ستر عليك في الدنيا ، ما ذا تعتذر إليه في العقبى؟ (٤) هب أنه تجاوز وعفا ، وقد نقضت ما عاهدك عليه ووفى ، ألم (٥) تستح من خالق الأرض والسماء؟ ألم تستح من الحفظة الكرام؟! ألم تخف من لا ينام ولا يضام؟! يا حياه (٦) من قلة الحياء!!

وقال في ذلك :

يا من شكا حافظاه خلوته

حين خلا والعباد ما فطنوا

لم يهتك الستر إذ خلوت به

بر لطيف كفّا له المنن

[الانفاق والبخل]

قال الوافد : صف لي فضل الإنفاق وقبح البخل؟

قال العالم : ما لك (٧) من مالك إلا ما لبست فأبليت ، أو أكلت فأفنيت ، أو تصدقت فأبقيت ، وسوى ذلك وبال (٨) عليك ، من صان فلسه ، أهان نفسه ، من حبس

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : ما بين القوسين.

(٢) في (ب) : وأطلع عليك عباده.

(٣) في (ج) : لكنه ستر.

(٤) في (ب) : فما ذا. وفي (ج) : الآخرة.

(٥) في (ب) : أليس قد حيرت ووفى. مصحفة. وفي (ب) : ووفى أما.

(٦) في (ب) : من لا يضام ولا يرام. وفي (ب) : فيا حياك.

(٧) في (ب) : ليس لك من.

(٨) في (ب) : وما سوى ذلك فوبل.

٤٣٥

درهمه ، جمع في القلب (١) همه ، البخل أدوأ الداء ، والكرم أنفع الدواء ، (٢) ما ثقل في الميزان ، مثل الإحسان إلى الإخوان ، والنجاة في قراءة القرآن ، (٣) ما أحبط العمل ، بمثل التغافل والنسيان (٤) والكسل ، من لزم السماحة ، لم يعدم الراحة ، البخيل في الدنيا مذموم ، وفي الآخرة من الخير محروم ، تملك البلاد بالفرسان ، وقلوب العباد (٥) بالإحسان ، من بذل ماله ، نال آماله ، (٦) من جاد بكسرته ، فقد بالغ (٧) في مروءته ، من أخرج فضل (٨) الأموال ، نجا في الآخرة من الأهوال.

[جهاد النفس]

قال الوافد : كيف أصنع بالنفس حتى ترجع عن شر عادتها؟

قال العالم : لا ترجع النفس عن عادتها أبدا ، وليس منها إقلاع ولا رجوع ، إلا بالقهر والغلبة والجهد والخوف ، وبالعلم والمعرفة والزهد تحبس النفس عن شر عادتها (٩) ، ولا يدرك ذلك منها إلا بصدق الإرادة ، والصبر والمعالجة ، وكثرة الخوف والعمل بالصواب ، فإذا ظفرت بها حتى تردها إلى طاعة الله ورضاه ، (١٠) ووفّقت لذلك فاشكر الله ، واعترف له بالطاعة إذ جعل ذلك بتوفيقه لك.

__________________

(١) في (ب) : وجمع على نفسه.

(٢) في (ب) : والجود أنفع دواء.

(٣) في (ب) : الإحسان في الله فليكثر الإخوان النجاة في القرآن.

(٤) في (ب) : بمثل التعاجل والنسيان. من. مصحفة.

(٥) في (أ) و (ج) : وتملك القلوب.

(٦) في (ب) : من بذل أمواله ، نال في الآخرة ما له.

(٧) في (ج) : بلغ.

(٨) في (ب) : فضلة.

(٩) في (ب) : حتى ترجع عن شهواتها.

(١٠) في (أ) و (ج) : ورضائه.

٤٣٦

فينبغي لك من بعد ذلك أن تقلع عن الهوى ، (١) وتصم أذنه ، وتخرج التخاليط والآفات من أماكن مزرعها ، (٢) وتغلب هواك وتحذر النسيان والغفلة ، ووسوسة الشيطان ، وسرعة العجلة وتأخير الخير ، وتحذر التواني والعجز (٣).

واعلم يقينا أنك لا تظفر بذلك من نفسك إلا بالقهر ، وتمنعها من الرغبة والحرص والكبر ، والرياء والحسد ، والرئاسة والبخل ، وطول الأمل ، والتقلب في طلب الشهوات ، ومحبة الدنيا ، والتصنع للناس والمحمدة منهم ، وترك الغش والخيانة ، وخوف الفقر ، والطلب لما في أيدي الناس ، ولا تنس الموت ، واترك الغفلة (٤) والشح والسفالة والسفاهة.

فإذا نصرت (٥) على ذلك وأنفيته عن نفسك ، فاشكر الله كثيرا فقد شكر سعيك ، فعند ذلك تصح أعمالك ، (٦) غير أن النفس لا تصلح حتى تكدها ، وتقهرها وتجهدها ، لأنها أمّارة بالسوء والفحشاء ، (٧) وبالشر والفتنة والآفات مولعة ، (٨) وهي خزانة إبليس ، منها خرج وإليها يعود ، وهي تزين لصاحبها تسعة وتسعين بابا من أبواب الطاعات والخير ، لتظفر به في كمال المائة ، فكيف يسد السبيل العريض من لا يعرف مجراه؟! وكيف يعرف ذلك من لا يعرف عدوه ودنياه؟ وكيف يعرف عدوه ودنياه من لا يختلف إلى العلماء؟ ولا يخالط الحكماء ، ولا يجالس الصالحين.

فإذا أردت النجاة فتعلم العلم من العلماء ، وخذ الحكمة من الحكماء ، ولا تشد

__________________

(١) في (ب) : أن تقطع عين الهوى.

(٢) في (أ) : أمكنة هذا رعيها. وفي (ج) : أمكنه أهد لها عنه. مصحفة.

(٣) سقط من (أ) و (ج) : وسرعة العجلة وتأخير الخير. وفي (ب) : التواني والفخر.

(٤) في (ب) : والسعي للطلب مما في أيد المخلوقين ، ونسيان الموت والغفلة عنه.

(٥) في (ج) : ظفرت.

(٦) في (ب) : فإذا نصرت على نفي ذلك ونفيت القلب عن آفات ما ذكرت لك شكر الله سعيك على ذلك غير.

(٧) سقط من (أ) و (ب) : أمارة بالسوء والفحشاء.

(٨) في (أ) : متولعة.

٤٣٧

على نفسك مرة وترخي أخرى ، (١) ولكن أقبل إليها بعزم صحيح ، وورع شحيح ، وصبر ثخين ، وأمر (٢) متين ، حتى تمنعها عن شهواتها ، وترجعها عن شر عاداتها (٣).

ثم اجمع أطرافك إلى وسطك ـ أعني إلى قلبك ـ وهو أن تحكم القلب على الجوارح ، (٤) ولا تحكّم الجوارح على القلب ، ولا يتم لك عمل ولا يخلص لك إلا بهذه الصفة.

فالعين تغمضها عن الحرام ، فإنها جاسوس القلب ، ثم الأذنان تمنعهما أن يوعيا (٥) الشر والخنا والنمائم والكذب ، ثم اللسان خاصة ، نزهه (٦) عن الكذب والغيبة والمجادلة والفضول والمقاولة والشبهات ، فإنه معدن قرارة النفس ، وهو ترجمان القلب. ثم البطن فاحفظه لا يدخله الحرام (٧) والسحت والشبهة والشهوات ، فإن نور (٨) القلب وصفاه من طيب طعمة البدن وخبثها. (٩) وأما الفرج فما دمت حابسا لبطنك من الامتلاء والشبع ، فأنت قادر على حفظه.

__________________

(١) في (ب) : وترضى مرة.

(٢) في (أ) و (ج) : وأثر.

(٣) في (ب) : متى تمنعها عادة شهواتها.

(٤) في (أ) و (ج) : يعني القلب. وفي (أ) و (ج) : فإن القلب يحكم على الجوارح.

(٥) في (ب) : فتغمض عينيك عن الحرام والشهوات ، فإن العين جاسوس القلب ، ثم الأذنان فلا تقرع فيهما الشر.

(٦) في (ب) : يجب أن تنزهه. وفي (ج) : تنزهه.

(٧) في (ب) و (ج) : فإنها. وفي (ب) : فمهما لم ترد الترجمة عن القلب يموت بمادة البدن. لعلها زيادة.

وفي (ب) : عن الحرام. وفي (ج) : فأحفظها أن يدخلها.

(٨) في (ب) : مورد. لعلها مصحفة.

(٩) في (أ) و (ج) : طيب ذلك.

٤٣٨

[المريد]

قال الوافد : كيف يكون المريد للعبادة؟

قال : يكون قلبه (١) يجول في الملكوت الأعلى ، ثم يمنع نفسه من الرجوع إلى شر عادتها وشهوتها ، فإن لم يكن كذلك فإنه (٢) مغرور فيما هو فيه ، وغير مستحق لما يدعي ، ومحال أن يطير الطائر في الهوى ، وهو مربوط بحجر ثقيل ، كذلك القلب محال أن يصعد في الملكوت الأعلى وهو مربوط بالآفات ، محفوف بالرغبة في الدنيا ، مشغول بالتزين والتنقل في الشهوات ، والغفلة عن الطاعات ، وقلة الخوف لما هو آت (٣).

[مقام الأولياء]

واعلم أن مقام أولياء الله ، (٤) لا يقوم به إلا من عمل عمل (٥) الصالحين ، وهو الاجتهاد في الطاعات ، والانتهاء عن الشبهات ، وترك (٦) الشهوات ، والتوكل والتفويض ، والزهد والتسليم ، والاعتبار والتفكر ، والورع والذكر ، والخوف والخلوة ، والقرب (٧) والمعرفة ، والحب والإخلاص واليقين ، والصدق والخشية والرجاء ، وجميع ذلك لا يكون إلا من القلب الطيب الصافي الرقيق ، التارك لحطام الدنيا وعنائها ، فإن الله يقبل على عبده بالجود والعطاء ، ما دام العبد مقبلا على صفاء عمله ، لا يولي إلى غيره.

__________________

(١) سقط من (أ) و (ج) : قلبه.

(٢) في (أ) و (ب) : فهو.

(٣) في (ب) : في حجر. وفي (أ) : القلب لن. وسقط من (ج) : محال. وفي (أ) و (ج) : مشغول بحبها وقلة.

وإلى هنا انتهت نسخة (ج) المطبوعة.

(٤) في (ب) : مقام الأولياء.

(٥) في (ب) : أعمال الصادقين وهي.

(٦) في (ب) : والترك للشهوات.

(٧) في (أ) : والهرب.

٤٣٩

فإذا خيّلت لك نفسك أنك من الصالحين ، فحقق ذلك بخمسة أشياء ، واختبر بها نفسك ، وهي :

ـ الأخذ والعطاء.

ـ والفقر والغناء.

ـ والعز والذل.

ـ والمدح والذم.

ـ والموت والحياة.

فإذا وجدت قلبك يميل إلى واحدة منهن دون الأخرى ، فاعلم أن الذي أنت تزعم باطل ، وهذا من تخيل النفس ، وأنت مغتر فيما تدعي ، لم تنل شيئا مما ناله البررة الصادقون.

واعلم أن لكل شيء حقيقة ، ولكل صدق علامة ، فحقيقة (١) المعرفة معرفة النفس ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه ، وحقيقة الصدق (٢) الانقطاع إلى الله ورفض الدنيا ، فمن عرف ربه عبده ، ومن عرف الدنيا زهد (٣) فيها ، فمن عرف الله أحبه ، (٤) ومن أحبه لم يعصه ، وعمل بما يرضيه ، وإن نعيم المحب العارف ساعة واحدة أكبر وأجلى وأطيب وأعلا من نعيم أهل الدنيا بنعيمهم ، من يوم خلقهم الله إلى (٥) أن يفنيهم ، وإن الله (٦) رفيع الدرجات ذو العرش له الدنيا والآخرة ، حبيبهم به يستأنسون ، وعلى بساط قربه يتقلبون ، وفي جزيل كرمه يتنعمون ، وبذكره يتلذذون ، وبالوصول إليه يفتخرون ، قد وعدهم من جزيل عطائه ، وسعة رحمته ، ومكنون فضله ، ما يعجز عنه الواصف ،

__________________

(١) في (أ) : وعلامة.

(٢) في (أ) : ومن عرف ربه عمل بحقيقة التصديق والانقطاع إلى الله وعرف.

(٣) سقط من (أ) : ربه عبده ومن عرف. وفي (أ) : الدنيا فيزهد.

(٤) سقط من (أ) : فمن عرف الله أحبه.

(٥) في (أ) : وإن من نعيم. وسقط من (ب) : العارف. وفي (ب) : أكثر. وفي (أ) : مهملة. فلعل الصواب أكبر. وسقط من (أ) : وأطيب. وفي (أ) : نعيم الدنيا وأهلها. وفي (ب) : إلى آخر ما.

(٦) سقط من (ب) : الله.

٤٤٠