قبل فنائها ، وأخبرهم جل ثناؤه بقصر مدتها وبقائها ، فقلّل (١) بأحق الحقائق في أعينهم ما يستكثرونه من كثيرها ، وقصّر في كتابه الناطق عندهم ما يستطيلونه من تعميرها ، فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨) [النساء : ٧٧ ـ ٧٨]. وقال سبحانه : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤٦) [النازعات : ٤٥ ـ ٤٦]. وقال تبارك وتعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥) [يونس : ٤٥]. وقال سبحانه لرسوله صلى الله عليه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥) [الأحقاف : ٣٥].
[الدنيا الغرور]
فالدنيا أحق منزل بأن لا تملّ مكاسب غنمه ، ولا يغفل في حث ولا جدّ ولا اجتهاد عن تغنّمه ، (٢) ولا يذم سعي من عمل له ، واغتنم فيه مدته وأجله ، بل المستحق للذم فيها من أوطنها ، على يقين العلم بالنقلة منها ، (٣) وسعى للنيل فيها ، مع يقينه
__________________
(١) في (ب) و (د) : قتال (مصفحة).
(٢) في (ب) و (د) : في بغيته. وفي (ج) : تغبيه. وكلاهما مصحفتان.
(٣) في (ب) و (د) : منها عنها. (زيادة).