مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله في أبي بكر ، وكما أدى أبو بكر في عمر؟!

فإن قالوا : لا. صيّروا لعمر دينا على حدة. وإن قالوا : لله على عمر أن يؤدي فريضة الإمامة على مثل ما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قيل لهم : فلم جعلها عمر شورى بين ستة؟! وإنما كان فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أبي بكر ، كما زعمتم أنه سماه باسمه ونصبه بعينه! وكذلك فعل أبي بكر في عمر ، كما زعمتم.

فإن قالوا : لأن الخلاف في هذه الفريضة جائز.

قيل لهم : فقد نقضتم قولكم ، حيث زعمتم أن فرائض الله لا يجوز تحويلها عن جهاتها.

ونحن نراكم تقولون في أوكد الفرائض إنه يجوز أن يخالف فيها الله ورسوله!!

ويسألون ما تقولون ، هل جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الإمامة شورى بين ستة؟

فإن قالوا : نعم. كذّبتهم الأمة! وإن قالوا : لم يجعل فيها شورى.

قيل لهم : فهل جعلها عمر شورى بين ستة؟

فإن قالوا : لا.

قيل لهم : فقد خالف عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأن النبي جعلها شورى ، (١) ولم يجعلها عمر شورى. وتكذبهم الأمة أيضا أن عمر لم يجعلها شورى ، وكفى بتكذيب الأمة حجة عليهم.

وإن قالوا : نعم قد جعلها عمر شورى بين ستة.

قيل لهم : فمن كان أوثق في فعله (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم عمر؟!

فإن قالوا : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أوثق في فعله.

قيل لهم : فلم خالف عمر الفرض في الإمامة أن يتبعوا فعل النبي صلى الله عليه

__________________

(١) على زعمهم الأول أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلها شورى.

(٢) على القول الثاني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجعلها شورى.

٢٠١

وآله وسلم ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧]؟! فإن قالوا : كل صواب وتوفيق. شبّهوا فعل عمر بفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعطوه من التوفيق مثل ما أعطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنه خالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فريضة الإمامة ، وكان خلافه فيما أمر الله به صوابا وتوفيقا.

ويقال لهم : أخبرونا لو أنّ عمر عمد إلى صلاة الظهر فجعلها خمسا كان ذلك جائزا؟!

فإن قالوا : لا.

قيل لهم : ولم؟!

فإن قالوا : لأن الفرائض لا تغيّر ، ولا يجوز أن يصيّر ما جعل الله أربعا خمسا.

قيل لهم : كيف جاز لعمر في فريضة الإمامة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ أبا بكر ، وأن أبا بكر نص عمر ، وأن خالفهما جميعا فجعلها شورى بين ستة ، فهذا خلاف فريضة الله ورسوله. وعمل بخلاف ما فعلاه.

وإن قالوا : إن ذلك جائز في الإمامة ولا يجوز في غيرها. نقضوا قولهم في أول المسألة إنه لا تغيّر فرائض الله. وصاروا إلى أن فرائض الله يجوز تغييرها. ويلزمهم في ذلك إن جاز في بعضها ، جاز في كلها ، حتى لا يبقى دين إلا غيّر!! وهذا فاسد منكسر على من قال بهذه المقالة في فرض الإمامة أنه نص أبا بكر!!

ويسأل الذين قالوا : فرض الإمامة شورى بين المسلمين ، ما تقولون : كيف فرض الإمامة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

فإن قالوا : جعلها شورى بين المسلمين.

قيل لهم : وما الدليل على ذلك؟

فإن قالوا : قول الله تبارك وتعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [الشورى : ٣٨]. فلذلك فعلوا في أبي بكر ما فعلوا ، حيث أقاموا ثلاثة أيام يتشاورون فيه حتى أقاموا أفضلهم ، يقال لهم : فهل يجوز لأحد أن يحوّل هذه الفرضة فيجعلها على خلاف ما فرضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٠٢

فإن قالوا : نعم. نقضوا قولهم ، وفارقوا الإجماع في أنه لا تحوّل فرائض الله. ولو جاز ذلك لجاز (١) أن يجعل الظهر خمسا والعصر ستا ، والمغرب ركعتين ، وكذلك الفرائض. وهذا نقض لدين محمد عليه‌السلام.

وإن قالوا : لا يجوز في الإمامة تغيير ، ولا خلاف لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قيل لهم : فما بال أبي بكر لم يجعلها شورى بين المسلمين كما جعلها النبي عليه‌السلام؟!

فإن قالوا : لأن خلاف أبي بكر صواب.

قيل لهم : وكذلك خلاف عمر صواب ، وكل من يأتي بعدهما إلى يوم القيامة ، يخالفون رسول الله وأبا بكر وعمر ، وجميع الأئمة.

فإن قالوا : ذلك جائز.

قيل لهم : وكذلك جميع الفرائض!

فإن قالوا : لا.

قيل لهم : لم لا يجوز وقد جوزتم في بعض؟! ولا حجة لهم!

وإن قالوا : يجوز. لزمهم نقض الدين كله. فإذا اضطروا أنه لا يجوز إلا الشورى ، كما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله (٢) لزم أبا بكر أنه خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث استخلف عمر ونصبه بعينه ، ولم يجلها شورى بين المسلمين كما جعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[وخالف عمر رسول الله وأبا بكر] (٣) حيث جعلها شورى بين ستة ، فلا هو

__________________

(١) سقط من (ب) : لجاز.

(٢) أي : قول المجيز.

(٣) بيّض هنا في (أ) و (ب) ، وقال في (أ) : لعل هنا ساقطا. وما أثبتّ بين المعكوفين اجتهاد ليستقيم المعنى. وكانت هكذا في (أ) : عليه وآله وسلم في ...... أبي بكر. وفي (ب) : عليه ...... في أبي بكر.

٢٠٣

اقتدى برسول الله صلى الله عليه وجعلها شورى بين المسلمين ، ولا هو اقتدى بأبي بكر فنص بعده رجلا كما نصه أبو بكر بعينه واسمه. وهذه فريضة متناقضة. لأنا وجدنا أبا بكر لم يتبع فعل النبي عليه‌السلام في فريضة الإمامة ، إذا زعمتم أنه جعلها شورى بين المسلمين ، وكذلك عمر جعلها شورى بين ستة. فكل واحد منهما قد خالف صاحبه ، وخلافهما جميعا خلاف لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كان صوابا ما خالفا به رسول الله في الدين قاسوا أبا بكر وعمر برسول الله عليه‌السلام ، وزعموا أنه يجوز لكل واحد منهما خلاف صاحبه ، وأنه يجوز لهما أيضا خلاف رسول الله ، فإن قالوا : ذلك لا يجوز لهما. فقد ابتدعا في الاسلام ما لم يكن لهما.

ويسألون عن فعل أبي بكر وعمر في الإمامة ، كان أصوب أم فعل النبي؟!

فإن قالوا : فعلهما. كفروا!!

وإن قالوا : فعل النبي عليه‌السلام أصوب.

قيل لهم : فأيهما كان أولى بأبي بكر وعمر يقتديان بالنبي أم لا يقتديان به؟

فإن قالوا : يقتديان بالنبي خير لهما.

قيل لهم (١) : فحيث خالفا النبي عليه‌السلام في الإمامة اقتديا به أم لم يقتديا به؟!

فإن قالوا : لا. بل اقتديا. خالفوا أن تكون الشورى بين المسلمين مثل الشورى بين ستة ، وأن تسمية أبي بكر لعمر وحده هي شورى بين المسلمين. وهذا المحال من الكلام.

وإن قالوا : لم يقتديا بالنبي ولو اقتديا به كان خيرا لهما.

قيل لهم : أفيجوز لهما ما فعلا أم لا يجوز؟

فإن قالوا : نعم. هذا جائز لهما.

قيل لهم : أفصواب ذلك أم خطأ؟!

__________________

(١) سقط من (ب) : قيل لهم.

٢٠٤

فإن قالوا : بل خطأ. لزمهم أنه يجوز أن يخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وإن زعموا أنه صواب فقد زعموا أن خلاف النبي عليه‌السلام صواب. وهذا ما لا يقول به أحد من المصلين. وزعموا أن أبا بكر وعمر جائز لهما أن لا يقتديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهذا شر ما أضيف إليهما ترك الاقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال بعضهم : إذا كانت الشورى بين المسلمين فليس بمتناقض إنما هو ما رأى المسلمون ، إذا أجمعوا على أن يصيّروا رجلا بعينه ، وأن يجعلوه بين ستة فهو ما فعلوا ، فلهم ذلك ، وليس في هذه الفريضة تناقض ، إنما كان الأمر شورى.

فيقال لهم الشورى من الجميع أم (١) من بعض؟!

فإن قالوا : من الجميع. قيل لهم : فكيف جعل أبو بكر عمر بغير شورى بين المسلمين؟! وقد وجدناهم يقولون ننشدك الله أن تستعمل علينا عمر فإنه فظ غليظ. فقال : أتخوفونني بالله ، أقيموني فلما أقاموه ، قال اللهم إني إذا لقيتك قلت استعملت عليهم خير خلقك (٢). والدليل على أنها لم تكن شورى أنه ساعة مات أبو بكر كان الخليفة من بعده عمر. وقد أجمع الناس على هذا. وقد أقاموا بعد رسول الله ثلاثة أيام يشاورون في أبي بكر. إلا أن يكون عمر بان من الفضل بما لم يكن بان به أبو بكر عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!! فإذا انكسر هذا لم يكن يجوز لأبي بكر أن يقدم عمر إلا بشورى ، ولا يجوز له ذلك دون المسلمين جميعا.

وكذلك أيضا يلزمهم في ستة دون المسلمين. فيلزمهم إن كانت إصابة الإمامة لا تكون إلا بالشورى من الجميع ، أن الذي فعل أبو بكر خطأ ، وأن الذي فعل عمر خطأ ، وإن كانت الشورى بين ستة كما فعل عمر فقد أخطأ أبو بكر ، وإن كانت كما فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخطأ! جميعا!

ويسأل الذين زعموا أن فريضة الإمامة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر بالصفة والدلالة ، وأنهم إنما أقاموا أبا بكر بتلك الدلالة ، مثل قول النبي صلى الله

__________________

(١) في (أ) : أو.

(٢) انظر القصة في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٩

٢٠٥

عليه : (صل بالناس (١)) ...

__________________

(١) أخرجه البخاري : برقم (٦٢٤). ومسلم برقم (٦٢٩). والترمذي برقم (٣٦٠٥). وابن ماجة برقم (١٢٢٢) وأحمد برقم (٤٨٩٤). ومالك برقم (٣٧٤). والدارمي برقم (١٢٢٩).

[وقفة تأمل]

روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرض فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة : إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، فأمر ثانية فعادت ، فأمر ثالثة فصلى بالناس في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أخرجه البخاري فتح الباري ٢ / ١٣٠ ، ومسلم بشرح النووي ٤ / ١٤٠ ، وقالت عائشة : لقد راجعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا!!

أقول وهو يمكن أن تكره عائشة هذا الخير لأبي بكر؟!! ثم هل تجوز لها هذه المراجعة التي أغضبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنكن لصواحب يوسف. وما يقصد بصواحب يوسف؟! مع العلم أن صواحب يوسف هن اللائي راودنه بالفحشاء عن نفسه. ثم كيف تجوز المراجعة بذلك الشكل مع قول الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). وأيضا قالت مما حملها على المراجعة : كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي بكر. أقول : وهذه العلة تنقض العلة الأولى ، فهنالك كراهة محبة الناس له ، وهنا خوف تشاءم الناس به!! فأيهما أصح؟!!

وفي رواية أخرى أخرجها البخاري الفتح ٢ / ١٣٠ ، ومسلم بشرح النووي ٤ / ١٤١ ، أن عائشة قالت : إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر!! وطلبت من حفصة أن تقول له ذلك. فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت حفصة لعائشة : ما كنت لأصيب منك خيرا. هذا عند البخاري ، وعند مسلم ، قالت : فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض ، قالت : فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قم مكانك فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر ، قالت : فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. وهو عند البخاري ٢ / ١٣٢.

أقول : لقد تغيرت العلة التي حملت عائشة على المراجعة في هذه الرواية ، وهذا اضطراب واضح يضعف الرواية.

وفي رواية أخرجها البخاري الفتح ٢ / ١٣٧ ، ومسلم ٤ / ١٣٥. عن عائشة قالت : ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أصلى الناس؟ قلنا : لا ، هم ينتظرونك. قال : ضعوا لي ماء في ـ

٢٠٦

ومثل : يوم بدر أقعده معه في العريش (١) ، وكان مجلسه عن يمين رسول الله عليه‌السلام. قالوا بهذه الصفات اختاروا أبا بكر.

قيل لهم : فما بال أبي بكر لم يدل على عمر بالصفة حيث سماه لهم باسمه ونصبه بعينه ، وأقامه بعده ، كما دلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبي بكر؟! ولا يجدون إلى دفع ذلك سبيلا. وهذا خلاف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفرض فريضة بالدلالة ، ويجعلها أبو بكر بالنص وكذلك عمر أيضا جعلها شورى. وهذا ما لا يجوز ، أن يحوّل فريضة من فرائض الله عن جهتها ، وإن جاز أن يخالف رسول الله

__________________

ـ المخضب. قالت : ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق حتى أغمي عليه ثلاث مرات وهو يسأل أصلي الناس؟ ثم أرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي بكر ليصلي بالناس. فطلب أبو بكر من عمر أن يصلي بالناس فامتنع عمر. فصلى أبو بكر تلك الأيام ، ثم خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلي وأبو بكر يصلي بالناس فتأخر أبو بكر فأومأ إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يتأخر ، وجلس جنب أبي بكر وصلى به وأبو بكر يصلي بالناس.

وفي رواية للبخاري ٢ / ١٣٠ ، ومسلم ٤ / ١٤٢ ، أن أبا بكر كان يصلي بالناس في وجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستر الحجرة فنظر إليهم ، ونكص أبو بكر على عقبه فأشار إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتموا الصلاة وأرخى الستر وتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يومه.

وفي رواية للبخاري ٢ / ١٣١ ، ومسلم ٤ / ١٤٣. أنها أقيمت الصلاة فذهب أبو بكر ليتقدم فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجاب فرفعه فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجاب فلم نقدر عليه حتى مات.

أقول : ما هذا الاضطراب؟

في الرواية الأولى يكشف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجاب وهم يصلون فيتأخر أبو بكر فيومئ لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتموا؟؟ وهنا يكشف الحجاب وأبو بكر يذهب ليتقدم ثم يتراجع فيومئ له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتقدم.

أقول هذا من جهة المتن ، وأما من جهة السند فارجع إلى فتح الباري تجد الشارح يحاول جاهدا التوفيق والتلفيق ، فبعض الروايات مرسلة والأخرى موصولة ، وهناك أكثر من خلل. والمقام لا يتسع وإنما أردنا الإشارة وإلا فالموضوع بحاجة إلى دراسة وافية ، أرجو أن يتيسر لي ذلك لاحقا إن شاء الله تعالى.

(١) الكامل لابن الأثير ٢ / ٨٧.

٢٠٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله في فريضة واحدة ، جاز أن يخالف في سائر الفرائض ، حتى تعطل جميع فرائض الله ، وتحدث فرائض أخرى.

وإن قالوا : لا يجوز هذا إلا في فريضة الإمامة. سئلوا الدليل على ذلك؟

وكذلك أيضا إن قالوا : الإمامة سنة على مثل قياس الفريضة ، فإن جوزوا تبديل سنن الله وسنن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل صلاة الوتر بالنهار ، وزكاة الفطر في الأضحى ، وصلاة العصر في وقت المغرب ، وصلاة الصبح في وقت العتمة ، حتى تبطل جميع سنن الله.

فإن قالوا : لا يجوز تحويل السنة إلا في الإمامة. سئلوا الدليل على ذلك؟ ولا يجدون إلى ذلك سبيلا. ويلزمهم من ذلك مثل ما لزمت الحجة في مسألة الفريضة.

وإن قالوا : إن الإمامة تطوع. لزمهم أن سنن الله وفرائضه لا تقوم إلا بالتطوع. وهذا ما لا نحب (١) لأحد أن يقوله.

ويسأل الذين يزعمون أن الإمامة لا تكون إلا بالشورى من جميع المسلمين ، يقال لهم: أخبرونا عن الشورى ، في الأمة جميعا أم في كل جنس ، أم في الفاضل أم لا تكون إلا في جنس واحد؟

فإن قالوا : لا تكون إلا في جنس واحد. نقضوا قولهم إن الشورى لا تكون إلا بالمسلمين جميعا.

وإن قالوا : لا تكون إلا من الأجناس جميعا.

قيل لهم : فما بال أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخلوا معهم في الشورى غيرهم؟ وما بال عمر لم يجعلها في الأجناس جميعا؟ وما باله لم يجعلها شورى بين المسلمين كلهم؟ وهذا متناقض لا يستقيم. فأي ذلك قال انكسر عليه حتى يرجع إلى أهل الحق!

واعلم أن أفرض الفرائض وآكدها فرض الإمامة ؛ لأن جميع الفرائض لا تقوم إلا بها.

__________________

(١) في (ب) : يحب. وفي (أ) : بغير نقط. وما أثبته اجتهاد. لأنه لا ينبغي أن تحمل على أنها (ما لا يجب) لأن لغة الإمام القاسم أعلى من ذلك. ولكان قال مثلا (ما لا يجوز).

٢٠٨

ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجه من الوجوه ، لأن فيها من الإفساد ما ليس في غيرها.

وإن سألوا فقالوا : ما تقولون في الإمامة فريضة هي ، أم سنة ، أم تطوع؟

قيل لهم : بل أفرض الفرائض ، وآكده في الفرض.

فإن قالوا : هل يجوز أن يخالف في هذه الفريضة (بوجه من الوجوه؟

قيل له : لا. لأنه لو جاز أن يخالف فريضة لجاز أن يخالف الفرائض) (١) كلها؟

فإن قالوا : فما وجه الإمامة عندكم؟

قيل : وجه الإمامة موضع الاختيار من الله معدن الرسالة ليكون الموضع معروفا. والدليل على ذلك أن الإمامة موضع حاجة الخلق ، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف ، إذا بطلت الحاجة وضاع المحتاجون ، وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين ، ودخل الوهن في الدين ؛ لأن الله تبارك وتعالى ، وضع الأشياء موضع الحاجة ، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم. ولو لا ذلك لفسد التدبير ، وهلك الخلق.

والدليل على ذلك أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق ، ليبين لهم ما فيه صلاحهم ، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا. فلذلك قلنا : لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروف لحاجة الخلق إليها ، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.

ومما يصدق قولنا أن الإمامة موضع حاجة الخلق ، وأنه لا غناء بالناس عنه ، قول الله تبارك وتعالى في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]. وقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣]. فأمر بطاعة معلوم غير مجهول ، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدة ، وهي طاعة الله عزوجل. وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من الإمام ، وإلا سفكوا الدماء وانتهكوا المحارم ، وغلب القويّ الضعيف ، وبطلت الأحكام والحدود ، وحقوق اليتامى والمساكين ، ورجع الدّين جاهلية. فلذلك قلنا إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف ، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم ، وإلا اختلفوا وهلكوا.

__________________

(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٢٠٩

فإن قالوا : بينوا لنا وجه الفريضة؟

قيل لهم : الوجه على مثال قياس الفرائض كلها ، يأتي الخبر من الله فيأمر نبيه عليه‌السلام أن ينص رجلا بعينه من موضع معروف ، ولا يكون ذلك الموضع إلا وهم به عارفون في النسب والتقى ، ليكون موضع القنوع حتى لا يقول أحد أنا أولى. كما لم يجز لأحد أن يدعي أنا أولى بالرسالة من الموضع الذي بعث الله منه نبيه. وكذلك الإمامة في أرفع المواضع ، وهو معدن الرسالة لقطع الحجة.

والدليل على ما قلنا أن الإمامة إذا خرجت من أرفع المواضع وأقربها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ادعت كل فرقة من الأمة الإمامة ، ووقع الاختلاف ، وفي الاختلاف إبطال الدين.

فإن قالوا : إنك ادعيت أن الإمامة بخبر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينص رجلا بعينه ، فإذا قبض النبي انقطع الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد تغيرت الفريضة عن جهتها؟!

قيل لهم : من (١) هاهنا غلطتم. إن الفرائض كلها على مثل ما أخبرناكم ، تنزل الآية في الشيء بعينه حتى تؤدّى تلك الفريضة (في كل زمان على مثل الخبر الذي أنزل الله في الشيء بعينه ، حتى تؤدى تلك الفريضة) (٢) على تلك الجهة وإنما عبنا على من قال بخلافنا أنهم غيروا الفريضة عن جهتها ، فجعلوها مرة نصا في رجل بعينه ، ومرة شورى ، ومرة بين ستة. وإنا قلنا نحن : لا تكون إلا على هيئة واحدة. ألا ترى أن صلاة الظهر نزلت في يوم من الأيام جمعة أو سبتا أو أحدا أو غير ذلك من الأيام مسمى باسم ، ثم هي في الأيام كلها على هيئة واحدة لا تغيّر.

وكذلك قلنا في رجل بعينه في ذلك الزمان ثم في كل زمان في رجل واحد ، ولو كانت الأسماء مختلفة والقرابة والتقى والفضل واحد ، فهذا قياس ما قلنا ، فافهموا مغاليط أهل الخلاف. وكذلك على الناس أن يؤدوا جميع الفرائض على مثل هذا القياس. وكذلك الإمامة في أبرّ الخلق وأتقاهم ، وأن يؤدوا هذه الفريضة حيث أمرهم

__________________

(١) سقط من (ب) : من.

(٢) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٢١٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قالوا : فقد زعمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصه بعينه ، كذلك قلنا : نحن بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن لنا صفته. فوجدنا أبا بكر في تلك الصفة ، فلم عبتم علينا؟!

قلنا لهم : لأنا ادعينا أن الله تبارك وتعالى أنزل الآية والموصوف موجود. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بإقامته للناس باسمه وصفته. وقولنا : أولى من قولكم إن الناس كانوا أولى بأن يخرجوا الموصوف. وأنتم إن أبطلتم بألفاظكم هذا ، فقد يدل فعالكم عليه ، حيث زعمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسمه باسمه ، ولم ينصبه لهم ، إنهم حيث سموه وأقاموه بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن هذا توفيق من الله بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يبيّن لهم في حياته. ونحن قلنا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بأن يبين الاسم والصفة ؛ لأن البيان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالبيان من غيره. فمن هاهنا قلنا إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبه باسمه ونسبه.

فإن قالوا : إنا قد نراكم رجعتم إلى قولنا في الصفة والاسم بعد الأول أيضا بالصفة ، فما الفرق بيننا وبينكم؟

قيل لهم : إن اسم رجل بعينه لا يكون للناس كلهم ، ولكن يكون النسب والفضل واحد. وأنتم زعمتم أن الاسم والنسب مخالف. فهذا الفرق بيننا وبينكم في الدعوى.

فإن قالوا من أين ادعيتم أنه معدن واحد دون المعادن كلها؟

قيل لهم : لأنه لو كانت معادن مختلفة لم يجز أن يكون الأمر إلا بالشورى. ولا تجوز الشورى إلا في القبائل التي تجوز لهم الإمامة. فإذا ذهبوا إلى أن يجمعوا أهل الشورى من كل قبيلة ، لم يجز إلا أن يختاروا من أهل الاسلام جميعا ، وإذا كان ذلك لم يجز إلا جمعهم من الآفاق كلها جميعا ، مع أنه لا يكون ذلك إلا برضاهم جميعا ، ولو جاز اجتماعهم اختلفت هممهم أن يكون الأمر فيهم. وفي اختلاف هممهم ومشاورتهم منازعة ، لأن كل قوم يقولون : لهم فضل الإمامة ؛ لأن البنية على هذا. فإذا وقعت المنازعة وقعت الفتنة ، وإذا وقعت الفتنة وقع الحرب ، وإذا كان ذلك تفانوا. فإذا ما وقعوا فيه من الشر والفساد أعظم مما طلبوا من الصلاح في طلب الإمامة ، ولم يكن الله تبارك وتعالى يفرض عليهم فريضة يريد بها صلاح عباده ، فتكون تلك الفريضة عليهم

٢١١

وبالا وهلاكا وفسادا. مع ما يدخل من النقص في التوحيد والرسالة ، فمن قبل ذلك قلنا : لا يجوز إلا أن تكون في مكان معروف.

فإن قال قائل : إنما جعل الله الإمامة في قريش وهي معروفة ، فما دليلكم في الموضع الذي تدّعون؟

قيل لهم : لأنكم إذا ادعيتم أنها في قريش دون غيرها كانت الحجة لنا عليكم ، ولقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا غيرها. فإن كان ما قلتم حقا فنحن أولى بما ادعينا من القرابة ؛ لأنهم أقرب برسول الله من موضعكم الذي ادعيتم وأبين (١) فضلا.

واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثا مما لم يأت عن الله ولم يحكم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وراجعه فيه من هو أعلم منه بالله رجع عن حكمه واعتذر ، وكان قوله : (عليّ شيطان يعتريني ، فإذا رأيتم مني ذلك فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم) (٢) فهذا لا يصلح للإمامة ، ولا يجلس في مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولا من كان إذا حكم بحكم فقيل له أصبت يا أمير المؤمنين يعلوه بالدرة ، ويقول : (لا تزكونا في وجوهنا فو الله ما أدري أصبت أم أخطأت ، وما هو إلا رأي رأيته من نفسي)(٣). فيخبرهم أنه لا يدري أصاب أم أخطأ ، (٤) وهم يشهدون له أن (السكينة تنطق على لسانه) (٥). يخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه ، ويجعلون له من التوفيق ما يجعلون

__________________

(١) في (ب) : وأقرب.

(٢) هذا كلام أبي بكر من خطبة له بعد البيعة قال فيها : اعلموا أيها الناس أني لم أجعل لهذا المكان أن أكون خيركم ، ولوددت أن بعضكم كفانيه ، ولئن أخذتموني بما كان الله يقيم به رسوله من الوحي ما كان عندي ذلك ، وما أنا إلا كأحدكم ، فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني ، وإن زغت فقوموني ، واعلموا أن لي شيطانا يعتريني أحيانا ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم. الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٦.

(٣) هذا قول عمر بن الخطاب.

(٤) أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال : إن عمر لا يعلم أنه أصاب الحق لكنه لا يألو جهدا. المصنف رقم (١٩٠٤٥) ، ونحوه أيضا.

(٥) روى ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة قال : وأخرج ابن منيع في مسنده عن علي قال : كنا ـ

٢١٢

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإنما يصلح للإمامة ويخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته ، من كان إذا صعد المنبر يقول : (سلوني قبل أن تفقدوني ، فعندي علم المنايا والقضايا ، والحكمة والوصايا ، وفصل الخطاب ، والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض ، وما من آية نزلت في ليل ولا نهار ، ولا سهل ولا جبل إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفيما أنزلت ، ولقد أسرّ إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكنون علمه ألف باب يفتح لي كل باب منها ألف باب ، نحن النجباء ، وأبناء النجباء ، وأنا وصي الأوصياء ، وأنا من حزب الله وحزب رسوله ، والفئة الباغية من حزب الشيطان والشيطان منهم ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ولا يقوم أحد يسأل عن شيء إلا أخبرته به غير متريّث) (١) والله تعالى يقول : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ

__________________

ـ أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر. الصواعق المحرقة / ٩٧. وهو في الرياض النضرة ١ / ٢٩٩. وقال أخرجه ابن السمان في الموافقة والحافظ أبو الفرج في محبة الصحابة.

(١) هذا كلام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : عن أبي الطفيل قال شهدت عليا يخطب يقول : سلوني فو الله لا سألتم عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل ، أم في جبل. المستدرك ٢ / ٣٨٣ (٣٣٤٢) ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٠١ ، الكامل لابن عدي ٢ / ٤٣٦ (٥٤٨) ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٤ (٥٦٦) ، والمزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٧٢ (٤٠٨٩) ، كنز العمال ١ / ٢٢٨ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ عن علي عليه‌السلام.

وأخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم ١ / ١١٤ ، والمحب الطبري في الرياض ٢ / ١٩٨ ، وهو في تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٢٤ ، والإتقان ٢ / ٣١٩ ، وفتح الباري ٨ / ٤٨٥ ، وعمدة القاري ٩ / ١٦٧. باختلاف يسير.

وهو في نهج البلاغة بلفظ : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. الخطبة / ١٨٩.

وبلفظ : فاسألوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي فئة وتضل فئة ، إلا أنبأتكم بناعقها ، وقائدها ، وسائقها ، ومناخ ركابها ، ومحط رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلا ، ومن يموت منهم موتا ، ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور ، وحوازب الخطوب ، لأطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسئولين. الخطبة / ٩٣.

وعن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمني ألف باب من الحلال والحرام مما كان ومما هو كائن ، إلى يوم القيامة كل باب منها يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب حتى علمت المنايا والبلايا ، وفصل الخطاب. الاختصاص للشيخ المفيد / ٢٨٣. بحار الأنوار للمجلسي ٧ / ٢٨١.

٢١٣

يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥) [يونس : ٣٥]. والإمامة لا تكون إلا في موضع الطهر ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وجوهر النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأمر بمودتهم بعد نهيه عن مودة من حاده ، وليس يخالف الحق إلا أهل العناد لله ولرسوله ، والبغي والحسد والجهالة ، ممن لا رويّة له من المرجئة ، والقدرية ، والنواصب ، وجميع الخوارج ، ممن خالفنا أو حاد عن الحق ، وقال برأيه ، وقد فسرنا في كتابنا هذا ما يدخل على من خالفنا ما يستدل بدونه من نصح لنفسه ، وترك المحاباة على ما سبق إلى قلبه ، فمن فهم بعض ما وصفنا ، دلّه على كثير مما يريد وبالله نستعين ، وعليه نتوكل وإليه نفوض أمورنا مستسلمين له ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وأهله وسلم.

[الوصية]

وسألت : عن الوصية؟

فاعلم أن الله تبارك وتعالى أوصى العباد بوصايا ، وأرسل الرسل بوصايا ، وأوصى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله بوصايا ، منها ظاهرة ثبتت بها الحجج على من سمعها وعقلها ، ومنها وصايا خاصة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله ، وليست للناس إلا أن يشاء علي أن يعلمها ، فضيلة من الله لعلي.

من ذلك قول الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...) [النساء : ١] الآية ، والثانية (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] ، و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٣٥] ، وقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ١٨] ، وقوله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ...) [النساء : ١٧٦] الآية. وقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] ، وقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (١) [الحج : ١] ، وقوله : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠] ، يعني خيرا : مالا. ثم نسخ ما (١) جعل الله للوالدين من الوصية بالميراث ، وجعل ما بقي للأقربين ممن لا

__________________

(١) في المخطوط : بما. ولعل الصواب ما أثبت.

٢١٤

يرث ، وقال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨] ، وقال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ...) إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ) (١٠٤) [آل عمران : ١٠٤] ، (١) ثم خبرهم فقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ...) [آل عمران : ١١٠] الآية. وقال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ ...) [الحج : ٤١] الآية.

ومن ذلك وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا ، قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ...) إلى قوله : (تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ) [الشورى : ١٣] ، (٢) وقول الله تبارك وتعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ ...) [البقرة : ١٣٢] الآية (٣). وقال رسول الله صلى الله عليه : (المهدي ـ في بديّ دولتهم وسماه باسمه واسم أبيه ـ اسمه باسمي ، واسم أبيه باسم أبي ، (٤) سخي على المال ، شديد على العمال ، رحيم بالمساكين) (٥).

__________________

(١) الآية (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

(٢) الآية (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ...).

(٣) الآية (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).

(٤) عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، زاد في حديث فطر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

أخرجه أبو دواد ٤ / ١٠٦ (٤٢٨٢) ، والطبراني في الأوسط ٢ / ١٣٥ (١٢٥٥) ، والكبير ١٠ / ١٣٥ (١٠٢٢٢) ، وفي بغية الباحث عن زوائد الحارث ٢ / ٧٨٣ (٧٨٨) ، وابن حبان ١٥ / ٢٣٦ (٦٨٢٤).

(٥) أخرج الحاكم في مستدركه ٤ / ٥٥٨ ، وابن ماجة في أبواب الفتن في باب خروج المهدي من سننه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يكون في أمتي المهدي إن قصر سبع ، وإلا فتسع ، فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط ، تؤتي الأرض أكلها ولا تدخر منهم شيئا ، والمال يومئذ كدوس ، فيقوم الرجل فيقول : يا مهدي أعطني. فيقول : خذ.

وأخرج أحمد في المسند ٣ / ٣٧ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا ـ

٢١٥

والشريطة فيمن لم يشبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسمه في غير وقت دولتهم ، من كان من العترة ، فيه العلم ، والجهاد ، والعدل ، وأداء الأمانات ، فإذا كملت هذه الشريطة في رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه ، وهي أكمل الدرجات في كتاب الله ، في رجل من أهل بيت الطهارة والصفوة ، وجب على أهل بيته وعلى أهل الإسلام اتباعه وتقدمته ، ومعاونته على البر والتقوى.

فإن زعم زاعم أنه لا يصلح أن يكون الإمام إلا واحد ، فإن النبوة أعظم قدرا عند الله من الإمام ، قال الله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) [يس : ١٤] ، وقال لموسى وهارون : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) [طه : ٤٣] ، وكان إبراهيم وإسماعيل ولوط في زمن واحد يدعون إلى الله ، فإذا استقام أن يكون الداعي إلى الله من الرسل في زمن واحد اثنين (١) وثلاثة ، فذلك فيما دون النبوة أجوز.

تم ذلك والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد المختار ، وآله الأطهار ، المنتجبين الأبرار ، المصطفين الأخيار ، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

* * *

__________________

ـ وظلما ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحا ، فقال له رجل : ما صحاحا؟ قال : بالسوية بين الناس ، قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله ، حتى يأمر مناديا فينادي فيقول : من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول : ائت السدان ـ يعني الخازن ـ فيقول : إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا ، فيقول : أحث ......

(١) في المخطوط : اثنان.

٢١٦

إمامة

علي بن أبي طالب

٢١٧
٢١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

سئل القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه عن إثبات الإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه؟

فقال : إنما وجب على الناس طاعة علي وتقديمه ، لفضل علي في دين الله ، وسوابقه في جهاد أعداء الله ، التي لم يبلغ مثلها ـ ممن كان مع النبي صلى الله عليه جميعا ـ بالغ ، ولم يكن يلحق به (١) من جميع أصحابه لاحق ، مع قرابته القريبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفضله في العلم والفقه عن الله ، فإذا كانت فضائله في الجهاد مما لا ينكرها منكر ، وكان فضل علمه على ما لا يدفعه دافع ، عالم ولا جاهل إلا أحمق مكابر ، وكان له من القرابة الخاصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ليس لغيره ، مع ما جاء من تتابع الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتواتره في إجلاله لعلي وإشارته إليه ، وما قال من الأقاويل فيه ، ومن الدلالة على فضله ما لم يقل مثله في غيره.

وجب على الناس تقديم علي بالإمامة وتفضيله ، وكان من قدّم غيره عليه فقد قدم المفضول على الفاضل ، وخالف في ذلك الصواب الذي دل الله (٢) عليه ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وأهله وسلم ، (٣) وبلّغ من فهم ما لله من الحكم الرشيد العادل ، بتقديم المقدّم وتأخير المؤخّر ، مع خلاف أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدلالة على علي وفضله ، ووضع الأمر في غير معدنه وأهله ، تم والحمد لله كثيرا بكرة وأصيلا.

قال الإمام الهادي في الأحكام : حدثني أبي ، عن أبيه ، أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أفرض هي من الله؟

__________________

(١) في (ب) و (ج) : يلحق به ولم يكن من.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : الله.

(٣) سقط من (أ) : وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وأهله وسلم.

٢١٩

فقال : كذلك نقول وكذلك يقول العلماء من آل الرسول عليه وعلى آله السلام ، قولا واحدا لا يختلفون فيه. لسبقه إلى الإيمان بالله ، ولما كان عليه من العلم بأحكام الله ، وأعلم العباد بالله أخشاهم لله. كما قال الله سبحانه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (٢٨) [فاطر : ٢٨] ، فأخشاهم أهداهم ، وأهداهم أتقاهم ، وقد قال الله سبحانه : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥) [يونس : ٣٥] ، وقال تبارك وتعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١٢) [الواقعة : ١٠ ـ ١٢]. فأسبق المؤمنين إلى ربه ، أولاهم جميعا به ، وأدناهم إليه ، وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ، أولاهم بالإمامة في دين الله ، وهذا بيّن والحمد لله لكل مرتاد طالب ، في علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه ، لا يجهله إلا متجاهل جائر ، ولا ينكر الحق فيه إلا ألدّ مكابر.

حدثني أبي ، عن أبيه ، أنه سئل عن من حارب أمير المؤمنين؟ وعمن تخلف عنه في حربه فلم يكن معه ولا عليه؟

فقال : من حاربه فهو حرب لله ولرسوله ، ومن قعد عنه بغير إذنه ، فضال هالك في دينه.

وحدثني أبي ، عن أبيه ، أنه سئل عمن يشتم أمير المؤمنين ، أو قذفه استخفافا بالفضل وأهله ، وجهلا بما جعل الله لأمير المؤمنين عليه‌السلام من فضله؟

فقال : يحكم عليه الإمام بما يرى ويكون بشتمه إياه فاسقا كافرا ، فإذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام واعتقدها ، وقال في كل الأمور سرا وعلانية بها ، وجب عليه التفضيل والاعتقاد ، والقول بإمامة الحسن والحسين الإمامين الطاهرين ، سبطي الرسول المفضلين ، اللذين أشار إليهما الرسول ، ودل عليهما ، وافترض الله سبحانه حبهما ، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما ، حين يقول لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ، ويقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩)

٢٢٠