مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

العالم والوافد

٣٦١
٣٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

[امتحان قبول]

روي بالإسناد الصحيح أن وافدا وفد على عالم من علماء آل (١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، فلما نظر الوافد إليه رأى (٣) رجلا جسمه لا يشبه اسمه : فسلم عليه ، فرد السلام ، فأطال الوافد الوقوف ، وأطال العالم السكوت.

فقال الوافد : إن لكل طالب حاجة.

فقال العالم : ولكل حديث (٤) جواب.

فقال الوافد : صدقت ، لأن الله تعالى يقول : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧]. فعلم العالم أن الوافد يريد منه علما.

فقال : إن العلم بحر عميق.

فقال : ولكل بحر سفينة ينجو بها راكبها.

قال العالم : وما سفينة بحر العلوم؟

فقال الوافد : المعرفة.

فقال العالم : المعرفة اسم أم رسوم (٥)؟

فقال الوافد : اسم ورسوم.

[النفس]

فقال العالم : كم رسوم المعرفة؟

__________________

(١) في (ج) : أمة. مصحفة.

(٢) العالم (الإمام القاسم) والوافد ولده (محمد بن القاسم)

(٣) في (أ) و (ب) : نظر.

(٤) في (أ) و (ب) : كلام.

(٥) في (أ) و (ب) : أو رسم.

٣٦٣

قال الوافد : تعرف نفسك ، وتعرف ربك ، وتعرف دينك ، وتعرف دنياك ، وتعرف آخرتك ، فإذا عرفت ذلك فلا حاجة لك إلى غيرك.

قال العالم : كيف تعرف نفسك؟

فقال الوافد : أعرف حدثها ، وأعرف ضعفها ، وأعرف فاقتها ، وأعرف عجزها ، فأجهدها في طاعة ربها ، وأحملها على الخوف لخالقها ، كي أرى خوفها ، واحتمال الأذى (١) ، وأروضها وأحثها على الطلب لما فيه نجاتها ، وأصرفها من الكذب إلى الصدق ، ومن الطمع إلى الورع ، ومن الشك إلى اليقين ، ومن الشرك إلى الإخلاص ، وأخرجها من محبوبها في الدنيا ، وأريضها في السفر (٢) حتى تنال كرامة الله تعالى في الآخرة.

[معرفة الله]

قال العالم : وكيف (٣) تعرف ربك؟

قال الوافد : أعرفه بما عرّف به نفسه من الوحدانية ، ولا أشبهه (٤) بشيء من البرية ، لا يحد بالحدود ، ولا يوصف بالصفات ، إذ هو سبحانه وتعالى خالق كل صفة وموصوف.

[الدين]

قال العالم : وكيف (٥) تعرف دينك؟

قال : الوافد أعرفه بالشريعة التي سنها الرسول (٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) في (ج) : واحتمالها للأذى.

(٢) في (ج) : وأربطها في الفقر. ولعلها مصحفة.

(٣) في (ج) : فكيف.

(٤) في (أ) : ولا يشبهه شيء.

(٥) في (ج) : فكيف.

(٦) في (ج) : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمحكم من التنزيل وشهاد علانية العقول ، وهي على ـ

٣٦٤

وصدّقها المحكم من التنزيل ، وشهدت لها قرائن العقول. وهي على ثلاثة وجوه : قول وعمل واعتقاد ، وسبيلها واضح ، وطالبها رابح ، قد بهر (١) دليلها ، وشهد لها بالصدق من ذوي العلم عقولها ، فقد كفونا مئونة الطلب بهذا الاحتجاج ، وقطعوا عنا علائق الاعوجاج ، حتى ما بقي في ذلك شك ولا اختلاج. فقصدت (٢) عند ذلك بينة صحيحة حتى عرفت (٣) الأصل والفرع ، وبحثت بغائص عقلي (٤) ، فوجدت ذلك واضحا مبيّنا ، وفي كتبهم مشروحا معيّنا ، كلاما مبرهنا ، قد حملوا صلوات الله عليهم عبء ذلك وثقله ، وأوضحوا فرع ذلك وأصله ، حافظين فيه الأمانة ، مجتنبين الغش والخيانة ، قد شيدوا بنيانه ، وعظموا سلطانه ، وأثبتوا في العقول برهانه ، فليس لأحد من بعدهم مطلب ، ولا لمسترشد من دونهم مذهب ، ولا عاقل في غير مذهبهم يرغب.

[الدنيا]

قال العالم : فكيف عرفت (٥) دنياك؟

قال الوافد : عرفت (٦) فناها وتقلّبها ، وغدرها وخدائعها فحذرتها (٧) ، ونظرت وميزت ، فإذا الدنيا تغر طالبها ، وتقتل صاحبها ، تفرق ما جمع ، وتغير ما صنع ، فعرفت أنها تفعل بي مثل ما فعلت بالأولين.

__________________

ـ ثلاثة وجوه واعتقادها وسبيلها.

(١) في (ج) : تميز.

(٢) في (ج) : ميل ولا. وفي (أ) و (ب) : فقصدت رغبة بذلك بنية. تصحيف.

(٣) في (ج) : عرف.

(٤) في (أ) : وتجلت بغائص. وفي (ب) : وبحثت بغامض. وسقطت الجملة من (ج) : وما أثبت تلفيق من (أ) و (ب).

(٥) في (أ) و (ج) : تعرف.

(٦) في (ج) : أعرف.

(٧) في (ج) : في غرورها وخدعها وخزيتها. مصحفة.

٣٦٥

[الآخرة]

قال [العالم] : فكيف عرفت آخرتك (١)؟

قال الوافد : عرفت أنها (٢) دار باقية فيها الحساب والعقاب ، والمجازاة والثواب ، يبلغ أمدها ، ويطول أبدها ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، فمن كان في أصحاب الجنة فشاب لا يكبر ، وغني لا يفتقر ، وقادر لا يعجز ، وعزيز لا يذل ، وحي لا يموت ، في دار قرار (٣) ونعيم مقيم ، وسرور وقصور ، وأبكار (٤) راضية ، وقطوف دانية ، وأنهار جارية ، وملك لا تحد سعته (٥) ، ونعيم لا تحصى صفته. ومن كان من أهل النار فحمل ثقيل ، ومقام طويل ، وبكاء وعويل ، وخشوع ضفيف ، وقلب حفيف (٦) ، في دار جهد وبلية ، وغم (٧) ورزية ، وضيق لا يتسع ، وعذاب لا ينقطع ، حيث السلاسل والأغلال ، والقيود والأكبال ، والضرب والنكال ، والصياح والأعوال ، وأكل الزقوم ، وشراب الحميم ، ولفحات السموم ، وظهور المكتوم ، ولباس القطران ، وزفرات النيران ، والخزي والهوان ، داخلها محسور ، وواردها مضرور ، وساكنها مدحور ، وصاحبها مقهور ، واللابث فيها مهجور.

[الجنة والنار]

قال العالم : كيف يصنع من وعد بهذين الدارين؟

__________________

(١) في (أ) و (ج) : الآخرة.

(٢) في (أ) : منتقلة. وفي (ب) : منقلبة. تصحيف.

(٣) في (ج) : القرار في نعيم وسرور.

(٤) في (ج) : وحور.

(٥) في (ج) : وملك لا يزول.

(٦) في (أ) و (ب) : وخشع ضفيف. وفي (أ) و (ب) : وخشع ضعيف وقلب خفيف. ولعلها مصحفة. وفي (ج) : وخشوع ضعيف وقلب خفيف. وما أثبت اجتهاد ولعله الصواب ، والضفف والحفف : الضيق والشدة. وقد تكون خشوع ضعيف وقلب خفيف ، من الضعف والخفة.

(٧) في (ج) : وهم وغم.

٣٦٦

قال الوافد : ينبغي لمن وعد بهذين الدارين أن ينظر إليهما ، ويتصور ما وعد الله فيهما لأهلهما ، ثم ينظر إلى الجنة وقصورها ، وما وصف الله فيها من النعيم المقيم ، والفواكه والأزواج من الحور الحسان ، والأكاليل والتيجان ، والأنهار الجارية ، والأثمار الدانية ، والسرر المصفوفة ، والزرابي المبثوثة ، وأسبابها ولباسها ، وفراشها وحجراتها ، وطعامها وشرابها ، ونعيمها ودوام ذلك فيها ، فيخاف أن لا يكون من أهلها ، فهنالك تتتابع زفراته ، وتكثر حسراته ، وتفيض عبراته ، ويطيع ربه ويعصي هواه ، ويترك دنياه ، ويطلب آخرته ، ويعلم يقينا أن إلى الله مصيره (١).

[معارف الحكماء]

قال : فلما انتهى الكلام منهما إلى هذا الحد ، وعلم العالم أنه ذو فطنة ونباهة ونبالة ، ونظر وتمييز ، ورغبة (٢) في طلب العلم (٣) سأله لينظر معرفته.

قال العالم : من أين؟

قال الوافد : من فوق الأرض ومن تحت السماء.

قال العالم : كم لك؟

قال : كذا وكذا سنة.

قال له العالم : ما ترى؟

قال : أرى أرضا وسماء ، وما بينهما.

قال : فما ترى في السماء؟

قال : أرى شمسا تحرق ، وقمرا يشرق ، ونجوما تزهر ، وماء يمطر (٤) ، ورياحا تذري ،

__________________

(١) في (ج) : المصير.

(٢) سقط من (أ) و (ب) : ورغبة. وفي (ج) : ورغب. ولعلها مصحفة ، وما أثبت اجتهاد.

(٣) في (ج) : طلب مسألته.

(٤) في (ج) : ونجوما تظهر ، وماء يهبط.

٣٦٧

وسحابا يجري ، وطيرا يهوي ، وليلا ونهارا ، وأياما مختلفة (١).

قال العالم : فما ترى في الأرض؟

قال الوافد : أرى برا وبحارا (٢) ، وسهولا وأوعارا (٣) ، وترابا وأحجارا ، وأثمارا وأشجارا(٤) ، وأنهارا وقرارا (٥).

قال العالم : فكم الدنيا؟

قال الوافد : ليل ونهار.

قال العالم : فكم الخلق؟

قال : ذكر وأنثى.

قال العالم : فكم الناس؟

قال الوافد : الناس أربعة : واحد فيه خير وشر ، والثاني شر بلا خير ، والثالث خير بلا شر ، والرابع لا خير فيه ولا شر.

قال العالم : فكم الناس وما هم بعد ذلك؟

قال الوافد : نبل وسفل ، فلا النبل لهم قدر عند السفل ، ولا السفل لهم قدر عند النبل.

قال العالم : فكم الكلام؟

قال الوافد : أربعة : خطاب ، وجواب ، وخطأ ، وصواب.

قال العالم : ففيم (٦) العجب؟

قال الوافد : في سبعة.

__________________

(١) في (ج) : ونهارا وآيات البريات.

(٢) في (ب) : وبحرا. وفي (ج) : وأبحارا.

(٣) سقط من (ب) : وأوعارا. وفي (أ) : وسهولا وجبالا.

(٤) سقط من (ج) : وأشجارا.

(٥) سقط من (أ) و (ب) : وقرارا.

(٦) في (ج) : فيمن.

٣٦٨

قال العالم : من هم؟

قال الوافد : عبد عرف الله وعصاه ، وعرف (١) الشيطان وأطاعه ، وعرف الدنيا فجمع لها ، وذكر الموت فطابت نفسه ، وعرف الآخرة فبغضها ، وعرف الجنة فلم يرغب إليها ، وعرف النار فلم يرهبها.

[الإيمان]

قال العالم : فما خير الأشياء؟

قال الوافد : خير الأشياء الإيمان بالله ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين.

قال العالم : كم شهود الإيمان؟

قال الوافد : أربعة شهود : محكم الكتاب ، ومحكم السنة ، وحجة العقول ، وإجماع الأمة.

قال العالم : وما هو؟

قال الوافد : عمل ، وقول ، واعتقاد.

قال العالم : وكيف (٢) ذلك؟

فقال الوافد : قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان.

قال العالم : فما ضد الصدق؟

قال : ضده (٣) الكذب.

قال : فما ضد العمل؟

قال : ضده النفاق.

__________________

(١) في (ج) : ومن عرف. وبقية الجمل مصدرة بمن.

(٢) في (ج) : فكيف.

(٣) في (أ) و (ب) : لم يذكر (ضده) في الجمل الثلاث.

٣٦٩

قال : فما ضد الاعتقاد؟

قال : ضده التشبيه.

قال العالم : فما أعظم الأشياء؟

قال : معرفة الله على الحقيقة (١) ، وهي : التوحيد والتعديل ، والتصديق ، وذكر الله على كل حال ، في الليل والنهار.

قال العالم : فما أفضل الأشياء؟

قال الوافد : أفضل الأشياء : طلب العلم من العلماء ، حتى يعرف الطالب الحق فيعمل به ، فمن زهر (٢) مصباح الهدى في قلبه أخلص العمل والنية الصادقة لربه ، وأنطقه الله بالحكمة.

قال العالم : فما أخبث الأشياء؟

قال الوافد : الجهل. لأن بالجهل (٣) الهلاك والعطب ، وأن الجاهل إذا أراد أن يصلح شيئا أفسده بجهله وقلة علمه ، وهو يجلب جميع الآفات ، ويتولد منه الكبر والطمع والحسد ، والحرص والشهوة والبخل والسخرية (٤).

قال العالم : فما أقبح الأشياء؟

قال الوافد : اللهو ، والغيبة ، والنميمة ، والخيانة ، والكذب ، والزنا ، والرياء ، وحب المدح ، وحب الفاسق ، وصحبة المنافق ، والتهمة وسوء الظن (٥).

قال العالم : فما أدنس الأشياء؟

قال الوافد : السؤال للناس ، ومقاربة الأنجاس ، والثقة بكل الناس ، ومفارقة الأكياس.

__________________

(١) في (ج) : حقيقته.

(٢) في (ب) : فمتى. وفي (ج) : فمن أظهر.

(٣) في (ج) : في الجهل.

(٤) في (أ) و (ب) : والسخريا.

(٥) في (ج) : الخلق.

٣٧٠

قال العالم : فما أنفع الأشياء؟

قال الوافد : حسنة تكون بعشر (١) أمثالها.

قال العالم : وما هي (٢) هذه الحسنة؟

قال الوافد : تطعم أخاك المؤمن من جوع ، أو تكسوه من عري ، أو تقضي عنه دينا ، أو تفرج عنه غما ، أو تكشف عنه هما ، فمن فعل هذا لأخيه المؤمن جاء يوم القيامة ولوجهه نور يضيء كنور القمر ، وتتلقاه الملائكة بالبشارة (٣) ، وتدخله الجنة آمنا ، وأعطاه الله من الثواب ما لا يصفه واصف ، ولا يحيط بمعرفته عارف.

قال العالم : فما أضرّ الأشياء؟

قال الوافد : سيئة تتبعها سيئة ، ولا يكون عليها ندامة ، ولا يرجع صاحبها إلى توبة.

قال العالم : فما أطيب الأشياء؟

قال الوافد : العافية مع المعرفة ، ووضع الأشياء في مواضعها ، وفي مجالسة العلماء ، ومدارسة الحكماء ، وحضور مجالس الذكر ، والتفكر في الصنع ، والمبادرة في أعمال البر ، وإصلاح ذات البين ، والتجهيز للرحلة ، والاستعداد للموت.

قال العالم : فما أهول الأشياء وأعظمها فزعا؟

قال الوافد : إذا نفخ في الصور ، وبعثر ما في القبور ، واجتمعت الخلائق إلى الموقف (٤) المتضايق ، فهنالك الفزع العظيم ، والخطب الجسيم ، كل إنسان يقول : نفسي نفسي ، لا يسأل ذلك اليوم والد عن ولده ، ولا أخ عن أخيه ، كل نفس بما كسبت رهينة.

__________________

(١) في (أ) : تكون بها عشرة. وفي (ج) : يكون بها عشر.

(٢) سقط من (ج) : هي.

(٣) في (ج) : بالمسرة.

(٤) في (ج) : للموقف.

٣٧١

[نجاح الوافد في الامتحان]

قال : فلما انتهى الكلام بالعالم والوافد إلى هذا الحد (١) عرف العالم أن الوافد حسن المعرفة ، جيّد الفطنة ، رصين الدين ، صحيح اليقين ، متين الورع ، كثير الفزع ، أقبل عليه العالم بوجهه وقال : أيها الوافد الصالح ، والتاجر الرابح ، والخليل الصالح الناصح : اسأل عما بدا لك يرحمك الله.

[سؤال وجواب]

فقال الوافد : أيها العالم الحكيم الناطق ، والبر الشفيق الصادق ، انشر علي من مكنون حكمتك علما ، وزدني من نوادر معرفتك ما أزداد به فهما ، فلعل الرّين الذي على قلبي أن يخلص ببركتك ، وينجلي عني بجود صحبتك (٢).

قال العالم : جرّ (٣) لك الصلاح ، ووفّق لك الفلاح ، ويسّر (٤) لك النجاح ، وعليك بستة (٥) أشياء فالزمها واعمل بها ، واحرص فيها وحافظ عليها.

[معرفة الله]

قال الوافد : وما هي بيّنها لي يرحمك الله؟

قال العالم : أولها المعرفة بالمعروف فهو الله عزوجل ، والإيمان به ، والإسلام ، والطاعة ، والعلم ، والعمل. ثم تعرف المعرفة ما هي إذا صرت عارفا ، رددت (٦) المعرفة

__________________

(١) في (ج) : الكلام فيهما إلى هاهنا عرف.

(٢) في (أ) و (ب) : صحبتك علما. لعلها زيادة سهو.

(٣) في (ج) : أخر.

(٤) في (أ) : وتيسر.

(٥) في جميع المخطوطات : بسبعة. ولعل الصواب ستة. تأمل.

(٦) في (ج) : وزدت.

٣٧٢

إلى المعرفة فلحقت من المعرفة ما قدرت عليه. ثم تعرف الإيمان ما هو وكيف هو؟ حتى إذا صرت مؤمنا أسلمت للذي آمنت به ، حتى إذا صرت مسلما احتجت أن تطيع للذي أسلمت له (١) ، حتى إذا صرت مطيعا احتجت إلى علم تطيع به ، وتعرف العلم ما هو وكيف هو ، حتى إذا صرت عالما احتجت أن تعمل بما علمت ، ثم تعرف العمل ما هو وكيف هو وما ثمرته ، وإلى ما يوصلك وما عائدة نفعه.

قال الوافد : أيها العالم بيّن لي المعرفة ما هي وكيف هي؟

قال العالم : أما ما هي فإصابة الأشياء بأعيانها ، ووضعها في مواضعها ، ومعرفتها على حقائقها ، وأما كيف هي فإصابة المعاني ، فما من شيء إلا له معنى يرجع إليه ، فإصابة الأشياء بالنظر والتفكر والتمييز والسمع والبصر ، وإصابة المعاني بالتفكر والاعتبار والعقل (٢).

قال الوافد : فما معرفة الله تعالى؟

قال العالم : هو أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد ، لا تدركه الأبصار ولا يحويه مكان ، ولا يحيط به علم ، ولا يتوهمه جنان ، ولا يحويه الفوق ولا التحت ، ولا الخلف ولا الأمام ، ولا اليمين ولا الشمال (٣) ، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لا يعلم كيف هو إلا هو. فتعرفه بهذه المعرفة ، فما توهمه قلبك فربك بخلافه عزوجل ، وذلك قوله في محكم كتابه العزيز لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) [الإخلاص : ١ ـ ٤]. فتقول كما أمرت ، وتعمل كما قلت ، وتشهد بما علمت ، وتعمل كما شهدت ، أن الله الواحد القهار الملك الجبار المحيي المميت الحي الذي لا يموت ، خالق كل شيء (ومالك كل شيء ، الكائن قبل كل شيء ، الباقي بعد فناء كل

__________________

(١) في (ج) : إليه.

(٢) ذكر هنا الحواس التي تدرك الأشياء الحسية ، وذكر ما يدرك به المعاني ، فلعل ذكر النظر والتفكر والتمييز فيما يدرك به الأشياء الحسية زيادة من الناسخ. والله أعلم

(٣) في (أ) و (ب) : اليسار.

٣٧٣

شيء ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١١) [الشورى : ١١] (١)). وهو على كل شيء قدير ، فهذه معرفة الله تعالى بالذكر (٢).

وأما المعرفة بالتفكر والنظر بالقلوب ، والتمييز بالألباب ، فهي في عظيم قدرة الله تعالى وارتفاعه ، وعلوه وبقائه ، ونفاذ أمره ، وبيان حكمته ، وإحاطة علمه ، وكثرة خلقه ، وسعة رزقه ، وقرب رحمته ، وجود كرمه ، وكريم تطوله ، وبيان حكمه ، وحسن رأفته ، وجميل ستره ، وطيب عافيته ، فلله الحمد على ذلك كثيرا.

[الإيمان]

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الإيمان بالله والإقرار به ، وبما جاءت به الرسل من عند الله تعالى ، وتؤمن(٣) جوارحك حتى لا تستعملها في شيء مما يكرهه منك خالقها ، فتكون قد أمنتها من عذاب النار. ومن الإيمان أن يأمن الناس من يدك ولسانك وظنون قلبك ، فإذا فعلت ذلك فأنت مؤمن. ومن الإيمان الرضى بالقضاء ، والشكر على العطاء ، والصبر على البلاء. ومن الإيمان المحافظة على الفرائض والسنن ، والقيام (٤) بالنوافل والفضائل.

ومن الإيمان تعلم أن الله حق ، وقوله حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والبعث حق ، والثواب حق ، والحشر حق ، والقيامة حق ، والعرض حق ، والحساب حق ، وأن الله على كل شيء قدير ، وأنك منتقل من هذه الدار الفانية إلى الآخرة الباقية. مسئول عن أعمالك ، موقوف على فعالك وأقوالك ، وإقلالك وإكثارك (٥) ، وإعلانك وإسرارك ،

__________________

(١) سقط ما بين القوسين من (أ). ومن (ج) : سقطت الآية فقط.

(٢) في (أ) و (ب) : فهذه معرفته بالتفكر.

(٣) في (ج) : واتق في جوارحك.

(٤) في (ج) : والمبادرة.

(٥) سقط من (أ) و (ج) : وإقلالك وإكثارك.

٣٧٤

فتجد ما فعلت قد أحضر إليك. وأنت اليوم في دار المهلة ، ومكان الفسحة ، فلا تذهب أيامك سدى ، واعمل فيها بطاعة ربك (١) ، وعلق قلبك في ملكوت إلهك ، واجعل دليلك القرآن ، وقرينك الأحزان ، وفعلك الإحسان ، وطعامك الفكر ، وحديثك الذكر ، وحليتك الصبر ، وقرينك الفكر (٢) ، وهمك الحساب ، وسعيك الثواب ، وجليسك الكتاب ، وأملك الرجاء ، وسريرتك الوفاء ، وسيرتك الحياء ، وفاقتك الرحمة ، وعملك الطاعة ، وطلبك النجاة ، وسؤالك المغفرة ، وسبيلك الرضى ، وخوفك العقاب ، ورغبتك الثواب ، وخلقك العفاف ، وعزيمتك الكفاف ، فمن سلك هذه الطريق سبق ، ومن تكلم بمثل هذه صدق ، وهي عروة فمن تعلق بها استوثق ، والحمد لله رب العالمين.

[الإسلام]

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الإسلام ، وهو أن تسلم للذي آمنت به. ومن الإسلام أن تسلم كليتك(٣) إلى أعمال الطاعات ، فإذا بلغت ذلك سلمت من العقاب (٤) ، وسلم الخلق منك ، ويكون إسلامك بالظاهر والباطن ، حتى لا يخالف قولك فعلك ولا فعلك يخالف قولك ، فيكون ظاهرك باطنك ، وباطنك ظاهرك ، وتكون موقنا بالوحدانية ، مقرا بالربوبية ، معترفا بالعبودية ، مجللا بالعظمة ، هائبا للجلالة ، فرحا بالمكروه (٥) ، محبا

__________________

(١) في (أ) و (ب) : الله.

(٢) في (أ) : إلهك ، وطعامك الذكر ، وخليلك الصبر ، وقرينك الذكر ، وهمك الحساب. وفي (ج) : إلهك ، واجعل دليلك الإيمان ، وقرينك التفكر ، وهمك الحساب.

(٣) سقط من (ج) : كليتك إلى.

(٤) في (ج) : النار.

(٥) في (أ) و (ب) : بالملكة. وفي (ج) : بالسكون. ولعلها مصحفة. وما اثبت أشار إليه في (ب) : بنسخة. ولعله الصواب.

٣٧٥

للطاعة ، طالبا للرضى (١) ، خائفا للبعث ، راغبا في الجزاء (٢) ...

راهبا للعذاب ، مؤديا للشكر ، مداوما على الذكر ، معتصما بالصبر ، عاملا بالفكر، فهذا عمل الباطن.

وأما عمل (٣) الظاهر : فالاجتهاد في أداء الفرائض والسنن والفضائل (٤) والنوافل ، منها الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقراءة القرآن.

ومن السنن الختان ، وصلاة العيدين ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبطين، وقص الشارب ، والسواك.

ومن الفضائل صيام رجب ، وشعبان ، والأيام البيض ، ويوم عاشوراء ، ويوم عرفة (٥) والاثنين والخميس.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : وراء ذلك المواصلة والمعاونة والمؤاساة والمؤاخاة في الله ، والمحبة (٦) لأولياء الله تعالى ، والبغضة (٧) لأعداء الله ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، ورحمة اليتيم ، ومعاونة الضعيف ، وتعليم الأولاد وتأديبهم ، وإنصاف الزوجة فيما تسألك عنه وهي ناظرة إليك ، والعناية في تعليمها ، والأمر لها فيما لا بد لها منه ، والنهي لها عما لا حاجة لها إليه (٨) ، ولزومها لمنزلها ، وطول الحجاب ، وتصفيد (٩) الأبواب ، وتعليم الحكمة

__________________

(١) في (أ) و (ب) : للجزاء.

(٢) في (أ) و (ب) : للجزاء.

(٣) سقط من (أ) : عمل.

(٤) سقط من (أ) : الفضائل.

(٥) سقط من (أ) و (ب) : ويوم عاشوراء ، ويوم عرفة.

(٦) في (أ) و (ب) : والحب.

(٧) في (أ) و (ب) : والبغض.

(٨) في (ج) : فيما لا حاجة لها فيه.

(٩) في (أ) : وتصفية الأبواب. وفي (ب) : وتصفية الأثواب. وفي (ج) : وتفصيل الأبواب. ولعلها مصحفة ـ

٣٧٦

والصواب ، مع لزوم العفاف ، والرضى بالكفاف ، والصيانة لها عن التبرج في الفرج (١) والأبواب ، والتشرف إلى أهل الفحش والارتياب ، ومنع الداخلات إلى دار المسلمات ، ممن لا يشاركهن في الدين والأحساب ، فأولئك هاتكات الستور ، ومبيحات كل محظور ، والناقلات الكلام الزور ، الجالبات للفحشاء والفجور ، والمبغضات للنعمة ، والمدخلات على المسلمات التهمة ، والمفرقات للألفة ، والداعيات للكشفة.

ولقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : أحب إلي أن أجد في منزلي مائة لص يسرقونه أهون علي من أن أجد فيه عجوزا لا أعرفها. (٢) ومن ذلك إنصاف الخادم (٣) فيما لا يقدر عليه ، والنهي له عن ما لا حاجة له فيه ، والرفق به فيما لا يقدر عليه به ، والنظر له فيما لا يدري ، (وصيانة الدابة فيما تحتاج إليه ، والرفق بها فيما لا تقدر عليه) (٤) ، فهذا الأمر بالمعروف.

وأما النهي عن المنكر : فمن المنكر القول السيئ ، والقول بالفواحش ، والكذب (٥).

ومن الفعل : القتل ، والربا ، والزنا.

ومن النية : الرياء ، والكبر ، والحسد ، والبغضاء ، والشحناء ، والفحشاء.

ومن الفعل : أخذ أموال الناس سرا وجهرا ، ومن القول الغيبة ، والنميمة ، وشهادة الزور. فهذا من النهي عن المنكر.

__________________

ـ كلها. وأشار في هامش (ب) : إلى ما أثبت ، ولعله الصواب. والتصفيد هو : الغلق.

(١) في (أ) و (ب) : اللهوج. وفي (ج) : العوج. ولعلها مصحفة كلها. ولعل الصواب ما أثبت ، مع العلم أن اللهوج في لهجة بعض أهل اليمن تعني النوافذ ، إلا أني لم أقف عليها في معاجم اللغة بهذا المعنى.

(٢) لم أقف على هذه الرواية.

(٣) في (أ) : الخادم المملوك.

(٤) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ب).

(٥) في (أ) و (ب) : فعل الشرور ، والقول السيئ. وفي (ج) : الفعل السيئ ، وقول الفواحش. ولفقت النص من الجميع. وسقط من (أ) و (ب) : الكذب. وزاد : الغدر والتيه.

٣٧٧

[مراتب العرفان]

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : تطيع الله الذي أسلمت له.

قال الوافد : وما هي الطاعة بيّنها لي ـ يرحمك الله تعالى ـ حتى أعرفها وأعمل بها؟

قال العالم : الطاعة اتباعك لما أمرك الله به ، واجتنابك لما نهاك الله عنه ، وذلك على وجهين : شيء قد علمته ، وشيء لم تعلمه.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : اجتناب ما نهاك الله عنه ، وهو على وجهين : شيء قد عرفته ، وشيء لم تعرفه ، فتعرف ما لك وما عليك ، فيما نهاك الله عنه ، فعليك بما قد علمت به ، التوبة (١) والرجوع والإنابة والتضرع ، ولك في ذلك المغفرة. (٢) فإنك إذا خفت ربك تبت إليه ، وتعرف الخوف ما هو وكيف هو.

قال الوافد : ما هو يرحمك الله؟

قال العالم : أما ما هو فمعرفة الذنب ، وشهادة الرب. وأما كيف هو : فوجل القلب ، ودمع (٣) العين. فإن لم تكن كذلك فلست بخائف فيما قد علمت. وأما الذي لم تعلمه فعليك منه الرهبة والتقوى ، فإذا اتقيت الله لم يجدك حيث نهاك ، وإذا خفته لم يفقدك حيث أمرك ، فإن الله يراك ، ويعلم سرك ونجواك ، ويسمع كلامك ، فهنالك ترهبه وتخافه حتى كأنك تراه.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : وراء ذلك التقوى.

__________________

(١) في (ب) : علمت بالتوبة. وفي (ج) : علمت التوبة.

(٢) في (أ) و (ج) : المعرفة. مصحفة.

(٣) في (ب) : ودموع.

٣٧٨

قال الوافد : وما التقوى؟

قال العالم : تحفظ (١) لسانك وعينك ويدك ورجلك وفرجك (٢) وظنون قلبك ، فلا تنظر بعينك (٣) إلى ما لا يحل لك ، فإن النظرة الواحدة تزرع في القلب الشهوة ، وهي سهم من سهام (٤) إبليس ، وتحفظ لسانك عن الكلام فيما لا يعنيك ، فإن اللسان سبع إذا أطلقته أكلك ، وهلاكك في طرف لسانك ، فلا تقل ما لا يحل لك ، ولا تمدد يدك إلى ما لا يحل لك ، فإن لم تفعل فما اتقيت الله تعالى ، وإن فعلت فقد اتقيت (٥) ، ولك في ذلك المغفرة والرحمة وذلك قوله سبحانه : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) [طه : ٨٢].

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : القيام بما أمرك الله به ، حتى تعرف عملك ، وتضع كل شيء منه (٦) في موضعه ، وتعرف خطأه وصوابه ، ويكون ذلك العمل تابعا للعلم مطابقا له ، ويكون فيه الرغبة واليقين والإخلاص والمحبة والحياء والاستقامة ، وتعرف الرجاء ما هو ، وكيف هو ، ومن ترجو.

قال الوافد : بيّن لي ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : هو أن يكون رجاؤك الله في كل أمورك ، لدنياك وآخرتك ، ولا يكون رجاؤك للخلق (٧) أكثر من رجائك للخالق (٨) ، فتحبط عملك ، ويبطل أجرك ، فإن الله

__________________

(١) سقط من (أ) و (ب) : تحفظ.

(٢) سقط من (ب) و (ج) : ورجلك. وسقط من (أ) : وفرجك.

(٣) سقط من (أ) : بعينك.

(٤) في (ب) و (ج) : أسهم.

(٥) سقط من (أ) و (ب) و (ج) : وإن فعلت فقد اتقيت. إلا أنه أشار إليه في (ب) : بنسخة. ولعله الصواب.

(٦) سقط من (أ) : منه. وفي (ج) : منك.

(٧) في (ج) : للناس.

(٨) في (أ) : الله. وفي (ج) : لله.

٣٧٩

تعالى يقول وقوله الحق : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) [الكهف : ١١٠]. فتقوم بما (١) أمرك الله به ظاهرا وباطنا ، فيصح ظاهرك وباطنك ، فإن الظاهر الجلي ، يدل على الباطن الخفي. ويكون قلبك متعلقا بذكر من ناصيتك بيده ، ورزقك عليه ، ورجاؤك له (٢) وشدتك وعافيتك وبلواك ومحياك ومماتك ودنياك وآخرتك ، وترجوه للشدة كما ترجوه للرخاء ، وترجوه للآخرة كما ترجوه للدنيا ، وتخافه كما تخاف الفقر (٣).

قال الوافد : فما وراء لك يرحمك الله؟

قال العالم : الرغبة ، تعرفها (٤) ما هي وكيف هي؟

قال الوافد : بيّنها لي يرحمك الله تعالى؟

قال العالم : إن الرغبة في التطوع بعد الوفاء بما أمرك الله به ، فإنك إذا رغبت ازددت إلى الخير خيرا ، وإن لم ترغب لم تزدد وأنت متطوع ولست براغب. وأما كيف هي : فالتضرع عند الدعاء ، فإنك إذا رغبت تضرعت ، وإذا لم ترغب كان دعاؤك بلا رغبة ، وذلك قوله عزوجل : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥٥) [الأعراف : ٥٥]. فمن خاف تضرع ، ورحمه‌الله وأجابه (٥).

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : وراء ذلك اليقين.

قال الوافد : وما هو اليقين؟

قال العالم : صاحب اليقين ذنبه لا يكتب ، وتوبته لا تحجب.

قال الوافد : بيّن لي ذلك؟

__________________

(١) في (ب) : فتعمل بما. وفي (ج) : فتقوم كما.

(٢) سقط من (ج) : له. وفي (أ) : عنده.

(٣) في (ج) : وتخاف ربك كما تخاف من الموت والفقر.

(٤) في (ج) : تعرف.

(٥) سقط من (أ) : وأجابه.

٣٨٠