مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

[أذكار وأدعية الوضوء والصلاة]

وسنقول إن شاء الله بعد الذي حددنا في الوضوء والصلاة ، ما يستحب أن يقال به من الذكر والتسبيح والأبواب المسماة.

يستحب أن يقال إذا أخذ في الوضوء وابتدائه ، وقبل أن يدخل في شيء من قسمه وأجزائه : باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فإذا فرغت من الوضوء كله ، ومن غسل ما أمر الله بغسله ، فقل : الله أكبر كبيرا ، اللهم لك الحمد فيما هديت من هذا إليه ، وفيما قويتنا من هذا برحمتك عليه ، اللهم اجعلني من التوابين المتطهرين إنك رءوف رحيم.

فإذا قمت إن شاء الله للصلاة ، قلت في الافتتاح لها قبل التكبير والقراءة : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. فإذا فرغت إن شاء الله من هذا الافتتاح ، لكل صلاة تصليها من صلوات النهار والليل والاصباح ، كبّرت ساعة ابتدأت في مكانك ، وقرأت حينئذ ما تيسر من قرآنك ، غير محدود لك في شيء من القرآن بحد ، ولا مقصود بك عن سورة كلها إلى قصد ، لقول الله جل ثناؤه [في البيان ، (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل : ٢٠] (١).

وما قلنا به منه ، فإنما أخذناه من الكتاب وقلنا عنه ، لقول الله جل ثناؤه فيه ، عند دلالته برحمته وفضله عليه ، عند ذكره تبارك وتعالى وما أمر به فيها ، من الافتتاح والتكبير قبل القراءة التي أمر الانسان بها : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) [الإسراء : ١١٠ ـ ١١١]. فأمره سبحانه كما ترى ، إذا قام للصلاة وانتصب قبل أن يقرأ ، أن يقول بافتتاحه لصلاته ، وما استدللنا عليه بتبيينه ودلالته ، ثم أمره بالتكبير ودلالاته. فإذا فرغ من قول ما ذكرنا في الافتتاح ، وكان [في] ذلك ـ إن شاء الله ـ لمن تفهمه أوضح

__________________

(١) ما بين المركنين اجتهاد مني ولعله الصواب ، وإنما سقط سهوا من النساخ.

٥٤١

الايضاح ، لأن الله سبحانه قال لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله. قل ثم كبّر ، (١) فالأمر بالقول قبل أن يكبر ، فإذا كبّر فحينئذ دخل في الصلاة ، وفيما أمر من القراءة ، والافتتاح كما ترى قبل التكبير ، ثم القراءة بعد بما تيسر من التنزيل ، فإذا قرأ من القرآن في صلاته بقليل أو كثير ، بعد الافتتاح وما بعده من التكبير ، فقد أدى ما أمر به من القراءة ، قل أو كثر في الصلاة.

ومن لم يفتتح ويكبر ، ويقرأ ما تيسر من القرآن فقد قصر فيما أمر ، وعليه أن يعود حتى يأتمر لله في ذلك كله بأمره ، ويصير فيه أجمع إلى ما أمر الله به ، والحمد لله الذي به هدى من اهتدى ، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما اختلف فيه من الهدى ، وحسبنا الله وبدلائله من كل دليل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

[السكون والخشوع في الصلاة]

وعلى من ائتمر في الصلاة لله بأمر [ه] ، تسكين أطرافه وخفض بصره ، وترك الالتفات فيها والتلعب ، (٢) والخشوع فيما هو فيه بها من القيام والتّنصّب ، (٣) فإنه منتصب فيها بين يدي الله فعليه فيها الخشوع والتذلل والترتيل فيها جهده بالقراءة ، فإنه بلغني أن الله سبحانه قال لموسى في التوراة : (يا موسى قم بين يدي مقام العبد الذليل ، يا موسى إذا قرأت التوراة فاقرأها بصوت حزين). (٤) جعلنا الله وإياك من المطيعين ، وفيما أمرنا وإياك به من الصلاة له من الخاشعين ، فإنه يقول سبحانه : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) [البقرة : ٤٣]. ويقول سبحانه : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥) [البقرة : ٤٥].

__________________

(١) في المخطوطات : ثم كبّره. ولعل الصواب حذف الضمير.

(٢) في المخطوطتين : والتلفت. وما أثبت اجتهاد.

(٣) في المحطوطتين : والمنتصب. وما أثبت اجتهاد.

(٤) لم أقف على هذه الرواية في التوراة.

٥٤٢

[شروط الإمام]

وعلى كل مؤمن صلى ، أن لا يصلي مع من لا يتولى ، ولا يتخذه في صلاته له سترا ، لأن الله لم يجعل له زكاة ولا طهرا ، (١) وليس لأحد أن يستتر بغير طاهر ، من كل ما يستتر به ساتر ، وإذا فسد أن يصلي للدنس والنجس إلى قبلة أو حجر ، فكيف يجوز أن يصلي خلف ظالم أو فاجر؟! وهو أدنس من القبلة والحجر دنسا! وأنجس مما نجس نجسا ، وكيف يؤتم ويقدم ، من يتعدى ويفجر ويظلم؟ وهو عند الله مهان ملعون ، ولله بتعدّيه وظلمه عدو مبين ، والتقدمة والإمامة ، تشريف وكرامة ، وصلاته ووضوءه وطهارته غير مقبولة ، والمغفرة من الله بجرمه ما أقام عليه غير مأمولة ، لأنه يقول سبحانه : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧) [المائدة : ٢٧] ، وإذا لم يتقبل منه وضوءه فليس من المتطهرين.

وإذا لم يكن متطهرا ولا زكيا نقيا ، فليس لأحد أن يصلي معه ولا يكون [به] في صلاته مقتديا ، وقد وضعنا لهذا في كتاب الطهارة ، حججا فيها منه بيان وإثارة ، وفيه إن شاء الله ما شفى وكفى ، لمن كان للحق من نفسه منصفا (٢).

وفي القيام في الأمر المفروض الصلوات ، لا فيما يتقرب به إلى الله من النوافل المتطوعات ، ما يقول جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) [البقرة : ٢٣٩]. (٣) يعني : سبحانه : من الخوف فكنتم آمنين : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢٣٨) [البقرة : ٢٣٨]. وفي الافتتاح للصلاة والتكبير ، وفي التخفيت من المخافتة بالصلاة والتجهير ، بعد افتتاحها وتكبيرتها الأولى ، ما يقول فيها سبحانه لمن صلى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠) [الإسراء : ١١٠]. يقول سبحانه اطلب من القول بين الإخفات والجهر قبيلا ، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه في الصلاة ، بالواسط بين الجهر والاخفات من القراءة ،

__________________

(١) في المخطوطتين : ولا طهارة. ولعل الصواب ما أثبت.

(٢) قد سبق للإمام أيضا أن ذكر كتاب الطهارة وعسى الله أن يمن به كاملا.

(٣) الآية المشار إليها قوله سبحانه بعد قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) ـ ... إلخ ـ (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

٥٤٣

اختيارا منه سبحانه في الأشياء للأوساط ، على التقصير فيها والإفراط ، لأن الاخفات فيها شبيه بالسر والضمير المكتوم ، والاجهار الفاحش من الأصوات شبيه بالتنكير المذموم.

ألا تسمع لما ذكر الله سبحانه من قصص حكمة لقمان ، وما نزل الله لرضاه بها منها في منزل القرآن ، إذ يقول لابنه ، فيما يأمره به : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٢) [لقمان : ١٢]. فلما كان رفع الصوت في غير الصلاة من التنكير ، كان في الصلاة أفحش وأنكر ، وفيما أمر الله به منها أكبر.

وفي ركوع الصلاة وسجودها ، بعد الذي قدمناه من حدودها ، ما يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) [الحج : ٧٧].

وفيما قلنا من تسكين الأطراف فيها ، وما أمر الله به من الخشوع والإقبال عليها ، ما يقول سبحانه : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) [المؤمنون : ١ ـ ٢]. ومن يشك في أن من الخشوع في الصلاة تسكين العيون وغضها؟ وكذلك تسكين الأيدي وحفظها ، فذلك من الخشوع فيها ، ومن الإقبال عليها ، وما قلنا في ذلك ومن دلائله ، ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ، من أنه قال : (ما بال رجال يرفعون أيديهم إلى السماء في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس ، لئن لم ينتهوا ليفعلن الله بهم وليفعلن) ، (١) لا يجهل ذلك من رواتهم إلا متجاهل. فأمر الصلاة كلها والحمد لله ، سكون وخشوع لله.

ثم قال تبارك وتعالى في تسبيح ركوعها ، بعد الذي بيّنه وفصّله من أمر خشوعها ، أمرا منه بيّنا ، وحكما متقنا ، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) [الواقعة : ٧٤ ، ٩٦ ، الحاقة : ٥٢]. فوقّفنا سبحانه من التسبيح على صراط مستقيم. ثم قال سبحانه في تسبيح السجود ، بقول ظاهر بيّن محدود : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى : ١] ، دلالة

__________________

(١) رواه الإمام الهادي في الأحكام ١ / ٩٢. وأخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد (مخطوط) ، ومسلم (٦٥١) ، وأبو داود (١٤٨) ، والنسائي (٣٢٧) و (٩٩٨) ، وأحمد (٢٠١١٩).

٥٤٤

منه لكل من صلى ، على ما يقول عند الركوع والسجود في صلاته ، رحمة منه وتخييرا وتوفيقا لهم بدلالته ، فيسبح للركوع سبحان الله العظيم ، القليل من التسبيح بذلك في الأداء كالكثير ، فمن زاد واستكثر فقد استكثر من الخير ، وله في الاكثار منه بإكثاره الثواب الكثير ، ومن اقتصر وأقل ، كان مؤديا لما حمّل ، من التسبيح لله في صلاته ، ومستدلا عن الله فيه بدلالاته. وتسبيح السجود بعد الركوع : فسبحان الله الأعلى ، فمن سبح بذلك في سجوده أجزأه مكثرا أو مقلا.

فإن قال قائل : قال الله : (سَبِّحِ) ولم يقل في صلاتك ، وهذا غير ما استدللت به من دلالاتك؟!

قيل : فلا يخلو هذا من أن يكون أمر به في الفريضة أو النافلة ، لما فيه من ذكر الله بهذه المقالة ، لما فيها لقائلها من الفضل المبين ، ففي ذلك ما قلنا أدل الدلائل باليقين ، إن كان في النافلة يقال ما تدرك به وتنال؟ ولما فيه من ذكر الله ذي الجلال ، وكان تسبيحه بذلك للنافلة من الاكبار له والاعظام ، فالفريضة الواجبة أولى ، إذا كان ذكر الله بها أفضل فضلا ، وكانت الصلاة إنما فرضت لذكره ، ولما فيها من إجلال أمره ، وقد قال الله في الصلوات نفسها ، وما جعله الله من ذكره بها : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) [النساء : ١٠٣]. فأمر سبحانه بذكره بعدها ، كما أمر بذكره فيها ومعها. وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٢] ، فكفى بهذا وبغيره من أمثاله في كتاب الله على ما قلنا دليلا ، والحمد لله كثيرا ، على ما نوّر من أموره تنويرا.

فأما ما يذكر عن عمر من أنه كان يقول : سبحان ربي العظيم الأعلى ، فلست أرى ـ والله أسأل التوفيق ـ أن يسبّح به (١) من صلى ، لأنه قد يقول مثل هذا ويفعله ، من يجحد الاسلام ويعطله ، ممن يثبت مع الله إلها آخر ، وإلهين وأكثر ، ثم يزعم أن الله لا شريك له أعظم وأكبر من الخلق من الشركاء ، فيقول : ربي الأعظم الأعلى ، هو الذي

__________________

(١) في المخطوطتين : بربه. ولعله تصحيف وما أثبت أولى.

٥٤٥

خلق الأرض والسماء ، وهو إلهنا الأكبر الذي لا يرى ، ولنا آلهة سواه أخرى ، لا تخلق شيئا ولا تنسى ، كما يخلق ربنا الأعلى ، وإنما نعبدهم معه ، لنتقرب بعبادتهم عنده ، وليكونوا شفعاء ، في حياتنا هذه الدنيا ، ولا يوقنون ببعث ولا حساب ، ولا بمرجع إلى عقاب ولا ثواب ، كما قال جل ثناؤه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥ ، الزمر : ٣٨]. وقال سبحانه لرسوله : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٣٨) [الزمر : ٣٨]. وقال : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الزمر : ٣].

وأما التكبير في كل ركوع وسجود ، قبل ما سنذكره إن شاء الله من التشهد ، (١) فتقول كلما ركعت ، أو خفضت أو رفعت : الله أكبر ، فإذا أنت كبّرت وقلّلت بعد أو كثّرت ، فقد أديت في التكبير ما [به] أمرت ، وذلك فهو ـ إن شاء الله ـ من الخشوع ، إلا في رفعك لرأسك ـ ولا قوة إلا بالله ـ من الركوع ، فإنك تقول : سمع الله لمن حمده ، وتأويلها : قبل الله ممن شكره فعبده.

وأما ما جاء في التشهد والذكر والدعاء ، من القعود في كل ركعتين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وما يلزم كل مصل في صلاته من القعود ، بعد الفراغ من كل ما فيها من السجود ، فمن دلائل ذلك وعلمه ، وما دل الله به عليه من حكمه ، قوله سبحانه لرسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيمن كذب بها وتولى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى) (١٠) [العلق : ٩ ـ ١٠]. ثم قص ـ سبحانه ـ من ذكره ، وما وعد من النكال في خلافه لأمره ، فيما نزل في هذه السورة من وحيه ، وما ذكر سبحانه عن الصلاة من نهيه ، ثم قال سبحانه لرسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (CS () ٩١ (] العلق : ١٩]. وقال تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٨) [الشرح : ٧ ـ ٨]. فمن الاقتراب ، والرغبة والانتصاب ، القعود بعد الفراغ في كل صلاة ، للطلب إلى الله والرغب والمناجاة ، ومن ذلك ما جاء

__________________

(١) لعل هنا سقطا.

٥٤٦

من التشهد ، وهي الشهادة لله بالتوحيد من كل موحّد ، والشهادة للرسول صلى الله عليه ، بما جعل الله من الرسالة فيه ، والذكر بعد لله بما حضر ، والدعاء لله بما تهيأ وتيسر ، فأي ذلك مما قال به قائل ، أو سأل الله به في صلاته سائل ، أدى ما يلزمه ويجب ، ونقول ـ إن شاء الله ـ في ذلك بما يستحب ، مما ذكر عمن مضى ، وكل ذلك وإن اختلف فيه فهو لله رضى.

فمن ذلك ما جاء (١) عن زيد بن علي صلوات الله عليه ، وأيضا ما ذكره عن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه ، بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلها لله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، (٢) ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله ، بما يمكن ، ويحضر مما يستحسن ، من قول كريم ، أو ثناء أو تعظيم.

والتشهد والذكر في كل ركعتين من كل صلاة ، كالتشهد والذكر عند الفراغ من جميع حدودها المسماة ، من القيام والافتتاح والتكبير والاقتراء (٣) والركوع ، والتسبيح وذكر الله والخشوع ، وإذا أمر الله بالذكر والدعاء في غير الصلاة ووكّده ، فأمره سبحانه بذلك في الصلاة أقرب إليه وأوكد عنده (٤).

وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ما يقول تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٢]. ويقول سبحانه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [الإسراء : ١١٠]. ويقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله :.

وفيما يقول تبارك وتعالى في الجلوس والمقعد ، بعد الصلاة للذكر والتشهد : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) [النساء : ١٠٣] ، فأمرهم بذكره

__________________

(١) في المخطوطتين : ما جاء به. لعلها زيادة.

(٢) تشهد الإمام زيد في مجموعه / ١٠٧ ، وفي آمالي أحمد بن عيسى رأب الصدع ١ / ٣١١ (٤٦٧).

(٣) يعني : القراءة.

(٤) في المخطوطتين : وأوكد عنده ، في الذكر والدعاء ، ويبدو أنها زيادة سهو من النساخ.

٥٤٧

في القعود كما أمرهم إذا كانوا ركعا وسجودا ، وفرض الصلاة الأول فإنما كان ركعتين بما كان فيهما من القيام والركوع والسجود ، فأقر فرضهما كله على ما كان عليه من الركوع والسجود والقعود ، وزيد فيها ، ومنها وعليها ، في كل أربع ركعتين آخرتين ، ولذلك لزم القعود في كل ركعتين. وسنذكر ـ إن شاء الله ـ التشهد للآخرتين ، فيما جاء عن النبي صلى الله عليه ، من القول عنده وبه وفيه.

باب التقصير

وقلنا : تقصر الصلاة للمسافر ، من كل بر وفاجر ، لأن فرضهما المقدم كان في السفر والحضر على ركعتين ، وقبلنا ذلك وأخذنا به لما فهمناه منه عن كتاب الله المبين ، ولم نأخذ ذلك عن روايتهم ، وإن كانوا قد رووه ، ولم نقبله عنهم ـ والحمد لله ـ وإن رأوه ، قال الله لا شريك له فيما قلنا فيه من ذلك بعينه ، وفيما فهمنا عن الله بالكتاب من تبيينه ، فيه نفسه لرسوله ، صلى الله عليه وأهله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ـ والضرب هو : المسافرة إليها ـ (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (١٠١) [النساء : ١٠١] ، فأبان في هذه الآية نفسها قصرها في السفر تبيينا ، ودل على أن فرضها فيه ركعتان ، وأنهما عليهم كلما ضربوا في الأرض ثابتتان ، قصرها في هذه الآية إنما هو تنصيفها إذا كانوا في حرب مع الإمام ، أو مجمّعين جميعا منه في مقام ، ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا ...) [النساء : ١٠٢]. يقول سبحانه : فإذا أتموا ركعة وسجدوها ، فلتأت الطائفة الأخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية بعدها ، وكل طائفة من الطائفتين فقد قصرت صلاتها عن أن تتمها ، إذ (١) لم تصل مع الرسول صلى الله عليه إلا بعضها ، فهذا هو التقصير

__________________

(١) في المخطوطتين : إذا. وما أثبت اجتهاد.

٥٤٨

لما (١) لم يكونوا يقصرون ، فإذا أمنوا أتموا مع الإمام ركعتين ركعتين كما كانوا يتمون. وفي ذلك ما يقول سبحانه : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (٢٣٩) [البقرة : ٢٣٩]. يقول سبحانه أتموا مع رسولكم إذا أمنتم ولا تقصروا ، فالاتمام بالإمام هو ما به أمروا ، فكانت صلاتهم الظهر والعصر ركعتين كما ترى في السفر ، وكان الأمر على ما قلنا في الإمامة من القصر ، وأقرت الصلاة على ركعتين في السفر ، وزيد عليها فأتمت أربعا (٢) في الحضر ، فليس لفاجر ولا بر ، سافر في خير أو شر ، (٣) أن يزيد على صلاته في سفره ، ولا ينقص منها في حضره ، ومن زاد على [ما] فرض عليه من الصلاة في السفر فعليه أن يعود لصلاته ، كما لو زاد على صلاة الحضر لفسدت عليه الصلاة فأعادها لزيادته.

فالتقصير إنما هو كما قلنا مع الإمام ، ركعتان في السفر فهما أتم التمام ، وكذلك كان فرضهما في كل سفر وحضر ، ثم لم يكن التقصير فيها إلا بما قلنا من القصر ، وليس يجوز أن يقال : قصرت الصلاة إلا على ما قلنا ، ولا وجه للتقصير فيها إلا من طريق ما تأولنا ، وإنما يقال في الصلاة زيد عليها ، ولا يقال بشيء من التقصير فيها ، لأنه إذا قيل فيها قصرت الصلاة إلا بما ذكرنا ، كان كأنه خلاف لما في كتابه مما أمرنا ، من الركعتين اللتين كانتا في الحضر والسفر ، صليتا لله فرضا فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر ، (٤) وكان ذلك كله لله رضى فيما نقص من ذلك كله أو زاد ، لزم فيه كله أن يعاد.

والقنوت فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال : القنوت ثلاث

__________________

(١) في المخطوط : ما لم. ولعل الصواب ما أثبت.

(٢) في المخطوطتين : أربع.

(٣) في المخطوطتين : وشر. ولعل الصواب ما أثبت.

(٤) عن عائشة قالت : إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت في السفر وأتمت في الحضر. أخرجه البخاري برقم (٣٣٧) ، ومسلم (١١٠٥) ، والنسائي (٤٤٩) ، وأبو داود (١٠١٣) ، وأحمد (٢٤٧٧٦) ، ومالك (٣٠٤) ، والدارمي (١٤٧٠).

٥٤٩

كثلاث المغرب ، (١) ولسنا نضيق على المصلي بما قرأ فيهن ، وقد ذكر عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه : (قرأ في الركعة الأولة الحمد ، وسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية الحمد لله ، وقل يا أيها الكافرون. وفي الثالثة الحمد وقل هو الله أحد) (٢). وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه : (كان يقنت بتسع (٣) سور بعد الركوع) ، (٤) ويستحب له أن لا يدعو في القنوت إلا بآية من كتاب الله ، وكذلك أيضا في قنوت الصبح مثل قول الله سبحانه : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...) [البقرة : ٢٨٦]. إلى آخر السورة ، ومثل قوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) [البقرة : ٢٠١]. ثم كبر وخر ساجدا وسجد سجدتين ، وتشهد ثم سلم تسليمتين ، عن يمينه وعن يساره.

تم الكتاب وربنا المحمود وله الكبرياء والجود ، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وأهله وسلم تسليما ..

* * *

__________________

(١) في المخطوط : كثلاث العشاء. ولعله سهو من النساخ. بدليل ما أخرج الدارقطني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب.

(٢) رواه الإمام الهادي عن علي عليه‌السلام الأحكام ١ / ١٠٢. وأخرجه عن علي المؤيد بالله في شرح التجريد. (مخطوط)

(٣) في المخطوطة : بسبع. ولعلها تصحفت. والرواية المخرجة تؤكد التصحيف.

(٤) عن علي قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوتر بثلاث يقرأ فيهن بتسع سور من المفصل ، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن قل هو الله أحد. أخرجه الترمذي برقم (٤٢٢) ، وأحمد (٦٤٠).

٥٥٠

مسائل القاسم

٥٥١
٥٥٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم

قال محمد بن القاسم رحمة الله عليه :

١ ـ سألت : أبي القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام عن من نام ساجدا في صلاة نافلة قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا في نافلة أو فريضة؟

فقال : من نام في صلاته نوما كثيرا أو قليلا ، أو خفيفا أو ثقيلا ، يلتبس بعقله ويوقن به ، عاد لوضوئه وصلاته.

٢ ـ وسألته : عمن صلى أمام القبلة بصلاة الإمام؟

فقال : من فعل ذلك فليس في شيء من صلاة الإمام ، إنما يكون إماما لمن يؤمه بالاستقدام ، وأن يكون إن كان واحدا قائما على اليمين لا على اليسار ، وذكر أن الوليد بن يزيد (١) قدم المدينة وهو ولي العهد بعد هشام ، فصلى في داره وصلى أهل المدينة في المسجد بصلاته ، فأنكر الناس ذلك من فعله ، وكان الوليد يجعل على دار مروان خصيا يكبر بتكبيره الناس. وذكر أن عبد العزيز بن مروان (٢) كان يصلي بأهل الإسكندرية على ظهر المسجد ، ويصلي الناس أسفل في المسجد بصلاته ، فأنكر ذلك عليه بعض العلماء ، وقرأ : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) [آل عمران : ١٣٧] ، يريد أن ذلك خلاف السنة الماضية.

وسمعته رحمة الله عليه يقول : لا بأس أن يتيمم الذي لا يجد الماء ثم يأخذ المصحف ، أو يقرأ حزبه من القرآن ، لأن الله جعل التيمم لمن لم يجد الماء طهورا في

__________________

(١) الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان أبو العباس ، ولد سنة (٨٨ ه‍) ، ولي الخلافة سنة (١٢٥ ه‍) بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك ، كان مشهورا بالإلحاد ، متظاهرا بالعناد ، فبويع ليزيد بن الوليد بن عبد الملك ، فنادى بخلع الوليد ، ثم قتله جماعة من أصحاب يزيد بن الوليد ونصب رأسه في الجامع الأموي بدمشق سنة (١٢٦ ه‍).

(٢) عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، أمير مصر ، ولد بالمدينة وولي مصر لأبيه سنة (٦٥ ه‍) ، وتوفي سنة (٨٥ ه‍) وهو والد الخليفة عمر بن عبد العزيز العادل الزاهد.

٥٥٣

الصلاة وهن من الفرائض الواجبات.

٣ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٢٣) [المعارج : ٢٣]؟

فقال : دائمون هو : متعاهدون مدايمون ، لا يصلون بعضا ويتركون بعضا ، وقد قدم الله ذلك فرضا ، وجعل الصلاة كتابا موقوتا ، عددا وسجودا وقياما وقعودا ، فمن لم يداوم على ذلك كله ، ويضع كل شيء من ذلك موضعه ، فليس على صلاته بدائم ، ولا

بفرض فيها بقائم.

٤ ـ وسألته : هل يتوضئ للصلاة في شيء من المساجد؟

فقال : لا يتوضئ في شيء منها في تور ولا طست (١) ولا غيرهما ، ولقد بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر (٢) رأى رجلا يتمضمض ثم مج في المسجد فنهاه عن ذلك ، فقال : إنه يفعل فيه ما هو أشد من هذا ، النخامة وغيرها. فقال القاسم : هذا ما لا يجوز.

وبلغني أن هشام بن عبد الملك بن مروان (٣) دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلي فيه ، فذكر أنه على غير وضوء ، فأتي بتور فيه ماء وطست فتوضأ في المسجد ، فأنكر الناس ذلك يومئذ وعظّموه.

٥ ـ وسألته : عمن يترك الأعمال يوم الجمعة وفيها ، من الرجال والنساء تعظيما لها؟

فقال : لقد بلغني أن بعض الصحابة كان يكره ذلك ، لما فيه من التشبه باليهود في ترك الأعمال يوم السبت.

__________________

(١) التور والطست : إناءان من الآنية.

(٢) القاسم بن محمد بن أبي بكر أحد فقهاء المدينة الكبار ، ولد فيها سنة (٣٧ ه‍) ، وتوفي بقديد (بين مكة والمدينة) سنة (١٠٧ ه‍) ، روى عن عمته عائشة أم المؤمنين.

(٣) هشام بن عبد الملك بن مروان ولد في دمشق سنة (٧١ ه‍) ، وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة (١٠٥ ه‍) ، كان طاغية جبارا وهو الذي خرج عليه الإمام الأعظم زيد بن علي عليهما‌السلام سنة (١٢٢ ه‍) واستشهد الإمام زيد في (٢٥) من شهر محرم من تلك السنة ، وتوفي هشام سنة (١٢٥ ه‍).

٥٥٤

ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب عاتب رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا عن التعجيل للجمعة ، فقال : أهذه الساعة؟ فقال الرجل : كنت في السوق. وهذا خلاف ترك الأعمال فيها تعظيما لها.

٦ ـ وسألته : رحمة الله عليه هل تصلى نافلة أربعا معا لا يسلم في الثانيتين منها؟

فقال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى إلا الوتر ، وتأخير الوتر لمن نوى القيام إلى آخر الليل أفضل من تعجيله ، ومن لم ينو القيام عجله وكان ذلك خيرا له.

٧ ـ وسألته : رحمة الله عليه عن الرجل يكون في العمل فيستمر فيه ثم يصلي كذلك؟

فقال : لا بأس بذلك إن شاء الله. وسمعته رضي الله عنه يقول : لا بأس بالدعاء في السجود.

٨ ـ وسألته : رضي الله عنه عن العبد والخصي يؤمان الناس في الصلاة؟

فقال : لا بأس بذلك ، إذا ثبت لهما اسم الإيمان وحكمه.

وسمعته رحمة الله عليه يقول : كان الميسر فيما بلغني وفيما يذكر في الجاهلية أربعة أشياء : فاثنان منها على وجه التّألّه والعبادة وهما الأنصاب والأزلام ، واثنان من الباطل وهما الخمر والقمار ، فالخمر والميسر اليوم في الإسلام أكثر من أن يحصى ، منه اللعب بالحمام ، وكذلك كل ما ماثله في المقامرة من الأمثال.

وقد بلغني أن أهل الجاهلية يتراهنون ليلة البدر أيهما يسبق الشمس أو القمر ، قال : وكانوا يتبايعون الجزور بالمائة درهم ثم يجزرونها أجزاء ويتساهمون على تلك الأجزاء ، فأيهم ما خرج سهمه أوّلا ، أخذ أفضل الأجزاء فضلا ، ثم الذي يليه كذلك ، وأخذ آخرهم شر تلك الأجزاء والقسوم ، وكان عليه ثمن تلك الجزور.

قال : والأزلام ثلاثة قداح أحدهما : أن افعل ، وفي الآخر : لا تفعل. والمغفل : القدح الثالث ليس فيه شيء ، فإن خرج الذي فيه : أن افعل فعل ، وإن خرج : ألا تفعل لم يفعل ، وإن خرج : الغفل أعاد فضرب.

٩ ـ وسألته : عمن يصلي وحده بين الصفوف؟

٥٥٥

فقال : بئس ما صنع وصله الصفوف أفضل ، وليس يجب عليه إعادة صلاته وإن فعل.

وقال رحمة الله عليه : ومن خرج مسافرا من أهله حتى تستتر عنه بيوت قريته ، ثم أقام لانتظار أصحابه وبعض حاجته ، إنه يقصر صلاته في مقامه قصر المسافر في سفره.

١٠ ـ وسألته : عن السجود على كور العمامة؟

فقال : لا بأس به إذا سجد على بعض جبهته.

١١ ـ وسألته : هل يجوز للرجل يصلي ومعه جلد فارة مسك؟

فقال : لا ، إلا أن تكون ذكية غير ميتة ، لأنها دابة تحيى وتموت ، وهي شبيهة بالثعلب ، وقد كانت منها دابة لمحمد بن القاسم وقعت عندنا وصارت إلينا ، ثم ماتت بعد مقام طويل ، وأخذ منها مسك كثير غير قليل.

١٢ ـ وسألته : عن ثوب يصيب ناحية منه بول أيغسل الثوب كله ، أم تغسل الناحية التي أصابها البول منه؟

فقال : إن علمت الناحية وعرفت ، غسلت وحدها واكتفي بذلك ، وإن لم تعرف الناحية غسل الثوب كله بالماء.

١٣ ـ وسألته : هل ينقش في الخواتيم شيء من القرآن؟

فقال : القرآن خير ما ينقش فيها وفي غيرها ، ولا بأس بنقش القرآن فيها ، وقد كان نقش خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محمد رسول الله. وهذا من القرآن.

وقال في مسح الأذنين يمسح ظاهرهما وباطنهما.

١٤ ـ وسألته : عن تخليل اللحية بالماء؟

فقال : تخلل اللحية وتغسل مع الوجه غسلا ، ويفرع عليها الماء كما يفرع عليه إفراغا.

١٥ ـ وسألته : هل على النساء تكبير أيام التشريق بعد الصلاة؟

فقال : عليهن التكبير كما على الرجال.

٥٥٦

١٦ ـ وسألته : عمن قرأ سجدة من القرآن فسجد ، هل يكبر حين يسجد وحين يرفع؟

فقال : يفعل وذلك أفضل لما فيه من ذكر الله ، وما يفعل من غيره في الصلاة كلها لله.

١٧ ـ وسألته : عن الصلاة في السراويل والرداء؟

فقال : لا بأس إن شاء الله.

وسمعته رضي الله عنه يقول : لا بأس بالصلاة في الإزار والعمامة.

١٨ ـ وسألته : عن الرجل يكتب العلم وفيه ذكر الله ، والرسالة هل يكتب في ذلك بسم الله الرحمن الرحيم وهو جنب؟

فقال : لا يكتب شيئا من القرآن. وبسم الله الرحمن الرحيم لا شك من القرآن في ذلك.

١٩ ـ وسألته : عن الصلاة تحت السقايف في المسجد الحرام؟

فقال : التقدم إلى البيت والدنو منه أفضل ، إلا أن يخشى من الشمس ـ إن ظهر لها عينا أو لها (١) ـ ضررا.

٢٠ ـ وسألته : عن من صلى والناس يطوفون حول البيت فيمرون عليه بين يديه؟

فقال : لا بأس عليه في ذلك.

٢١ ـ وسألته : عن غسل الجمعة أواجب هو؟

فقال : غسل الجمعة من السنة ومن الأمر بالمعروف ، وليس وجوبه وجوب الفرائض.

٢٢ ـ وسألته : عن من نسي التشهد مع إمام يؤمه؟

فقال : يتشهد إذا سلم الإمام ، ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم.

٢٣ ـ وسألته : عن مسافر شغل في جهازه لسفره حتى خرج ـ وقد صليت

__________________

(١) كذا في المخطوط ، ولعل : أولها ، زائدة.

٥٥٧

العصر ـ من قريته ، وتوارت عنه بيوت أهله وقريته؟

فقال : يصلي العصر ركعتين.

٢٤ ـ وسألته : عن من يحول خاتمه في أصابعه ليحصي (١) به صلاته وطوافه بالبيت؟

فقال : لا بأس بذلك ، وهو من المحافظة عليهما وحسن العناية بهما إن شاء الله.

٢٥ ـ وسألته : عن من ألصق قرطاسا بدواء على صدغيه لصداع يجده ، أينزعه عند الوضوء؟

فقال : إن كان يخاف أن يضره فليمر عليه الماء ، وإن كان شيئا لا يخاف ضره فلينزعه ، وكذلك الجراح والكسر.

٢٦ ـ وسألته : عن الرجل يصلي بعد الوتر؟

فقال : لا بأس بذلك إن بدا له.

٢٧ ـ وسألته : عن التكبير أيام التشريق في المجالس؟

فقال : التكبير وذكر الله حسن في كل مكان وعلى كل حال ، والتكبير لازم في أيام التشريق خلف الطواف.

٢٨ ـ وسألته : رحمة الله عليه عن من كان في طريق فيه اللصوص والخوف ، هل يجوز أن يخفف صلاته؟

فقال : ربّ تخفيف لا ينقص الصلاة فذلك جائز له ، وربّ تخفيف ينقصها ، فما كان من ذلك فلا يجوز له أن يفعله.

٢٩ ـ وسألته : عن من تمضمض فأدخل إصبعه في فمه يدلك بها أسنانه ، أيعيد إصبعه تلك في ما يتوضئ من الماء؟

فقال : لا بأس بذلك.

٣٠ ـ وسألته : رحمة الله عليه عن القراءة بالألحان للقرآن؟

__________________

(١) في المخطوط : ليحص.

٥٥٨

فقال : أما لحن طرب أو عبث فلا يقرأ به ، ولكن يقرأ بالحنين والأحزان ، وقد ذكر أن الله أوحى إلى موسى بن عمران صلى الله عليه : يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الذليل ، وإذا قرأت التوراة فاقرأها بصوت حزين (١).

٣١ ـ وسألته : عن أجرة المعلمين للغلمان ، على ما يتعلمون منهم من القرآن؟

فقال : كل من أدركنا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن فقهاء المدينة ، فكلهم لا يرى به بأسا.

٣٢ ـ وسألته : رحمة الله عليه هل تجهر النساء بالتكبير في أيام التشريق؟

فقال : لا يجهرن ولا يرفعن أصواتهن ، ويكون تكبيرهن قدر ما يسمعن أنفسهن.

٣٣ ـ وسألته : عن المرأة يطول بها الدم كم تترك الصلاة؟

فقال : قدر أيام أقراءها التي عرفتها ، ثم تغتسل وتوضئ لكل صلاة ـ إن شاء الله ـ تصليها.

٣٤ ـ وسألته : هل يستنجي أحد وفي شماله خاتم فيه ذكر الله؟

فقال : ترك ذلك أفضل ، وأحب إلي ألا يفعل.

قلت فيحرك المتوضّئ خاتمه عند الوضوء ليصل الماء إلى ما تحته.

فقال : يحركه أبلغ في طهارته.

٣٥ ـ وسألت : أبي رحمة الله عليه عن من يحك جسده ، ويدخل يده نحو صدره وهو في الصلاة؟

فقال : يسكن الأطراف كلها أمثل ، وإن حكه شيء أو آذاه نحّاه.

٣٦ ـ وسألته : عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه هل زوج ابنته عمر بن الخطاب(٢)؟

__________________

(١) لم أقف على هذه الرواية في التوراة.

(٢) زواج عمر بأم كلثوم بنت الإمام علي عليه‌السلام ذكره المؤرخون ذكر المسلمات من السنة والشيعة ، قال السيد العلام مجد الدين المؤيدي في ترجمة أم كلثوم بنت علي : تزوجها عمر ، وفي قصة العقد ـ

٥٥٩

فقال : خبر من الأخبار قد ذكر ، ولا يدرى ما حقيقته.

٣٧ ـ وسألته : عن ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فريضة من الله كالفرائض؟

فقال : موالاة علي بن أبي طالب أكبر الفرائض ، واجبة من الله ورسوله على كل مسلم.

٣٨ ـ وسألته : عن قول الله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة : ٢١٣]؟

فقال : لا تكون أمة واحدة وفيهم نبي أو وصي.

٣٩ ـ وسألته : عن العقل في الإنسان أطبع هو أم مستفاد؟

فقال : هو الحفظ والفكر ، وأصل العقل فطرة وخلقة.

٤٠ ـ وسألته : عن من كان أول الناس إسلاما مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فقال : علي بن أبي طالب ، (١) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدبه ، وكان في حجره وهو السابق إلى الله والمقرب (٢).

٤١ ـ وسألته : عن وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان ، وعن تراثه؟

__________________

ـ أخبار متضاربة ، أما التزويج فقد وقع بلا ريب ، وقد كان اعتذر أمير المؤمنين عليه‌السلام بصغرها وكبره ، ثم رضي بعد ذلك قطعا ، وإن لقول بعدم رضاه فيه من الفضاضة وانتهاك الحرمة ، ونقص الدين والمروءة أعظم وأطم من عدم الكفاءة المدعاة. لوامع الأنوار ٣ / ٢٢٠.

(١) أقول : كون الإمام علي عليه‌السلام أول الناس إسلاما من أشهر الأحداث الكبرى في الإسلام بإجماع المحدثين والمفسرين والمؤرخين الإسلاميين على مختلف مذاهبهم ومشاربهم ، غاية ما يعتذر به أهل السنة ممن قدم أبا بكر على الإمام علي في الإسلام أنه يقول : صحيح أن عليا أسلم قبل أبي بكر ، ولكن علي من الصبيان ، وأبو بكر من الرجال ، ولا يعتد بإسلام الصبيان. ولدينا جواب شافي على هذه الشبهة ، وليس هذا موطن ذكرها. ارجع إن شئت إلى المناظرة الشهيرة بين المأمون العباس وأحد القائلين بتلك الشبهة. مفاد حجة المأمون أن الله لا يمكن أن يدعو من لا يعقل ويخاطب من لا يفهم لقبح ذلك. وارجع إن شئت المزيد إلى ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر / الجزء الأول.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).

٥٦٠