مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

قال العالم : صاحب اليقين يعلم أن العلم متصل بالنية ، فكلما خطر (١) خاطر في قلبه ، علم أن الله قد علمه فيلحقه الخوف ، ويبادر (٢) بالتوبة قبل أن يعمل الذنب ، فتوبته مقبولة ، وذنبه غير مكتوب ، وإنما يكتب ذنبه لو أصر عليه ولم يتب منه.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الإخلاص في الدين ، وهو في القول والعمل والاعتقاد ، قول خير ، وعمل خير ، واعتقاد خير ، أما سمعت ما قال الله تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [الزمر : ٣].

قال الوافد : بيّن لي ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : هو أن يعلم العبد أنه بين يدي الله (٣) عزوجل ، يراه ويسمع كلامه ، ويعلم ما في نفسه ، فيجعله (٤) أمله ، وتكون الطاعة عمله ، ولا يغيب عن مشاهدته ، ولا يزول إلى معاندته ، زالت (٥) الدنيا من عينه ، وتعلقت الآخرة في قلبه ، فقيامه طاعة ، وقوله نفاعة ، وكلامه ذكر (٦) ، وسكوته فكر ، قد قطع قوله بعمله ، وقطع أمله بأجله ، وخرج من الشك إلى اليقين ، فقلبه (٧) وجل ، ودمعه عجل ، وصوته ضعيف ، وكلامه لطيف ، وثقله خفيف ، وحركته إحسان ، وتقلبه إيمان ، وسكوته أمان.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : حب الحق ، وبغض الباطل ، وحب من أطاع الله قريبا كان أو بعيدا ،

__________________

(١) في (ب) : يخطر.

(٢) في (أ) و (ج) : ويسارع.

(٣) في (ب) : يدى سيده.

(٤) في (أ) و (ج) : ويجعله.

(٥) في (ب) : قلّت.

(٦) في (ج) : نفقه. وسقط من (أ) و (ج) : وكلامه ذكر.

(٧) في (ب) : فقلبه متعلق بحب الآخرة ، وجسده مسجون في الدنيا ، أحب الأشياء إليه الخروج من الدنيا إلى الآخرة. فقلبه وجل.

٣٨١

وبغض من عصى الله قريبا كان أو بعيدا (١) ، فإن حب الباطل يدخل النار ، وحب من أحب الله قريبا كان أو بعيدا يدخل الجنة.

قال الوافد : كيف أحب من أطاع الله قريبا كان أو بعيدا؟

قال العالم : يسوؤك ما يسوؤه ، ويضرك ما يضره (٢) ، ويسرك ما يسره ، وتدخل السرور عليه ، فإن كان أعلم منك تعلمت منه ، وإن كنت أعلم منه فعلّمه ، وحفظته في محضره ومغيبه ، وواسيته وأعنته ، ورعيت صحبته ، وجعلت ذلك لله وفي الله ، ولا يكون في ذلك منّ ولا أذى.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الحياء من الله.

قال الوافد : بيّنه لي؟

قال العالم : ذلك على ثلاثة وجوه :

أولهن : أن يعلم العبد أن طاعة الله عليه واجبة ، وأن رزقه على الله ، أفلا يستحيي العبد من الله أن يراه حريصا على رزقه ، كسلانا عن طاعة ربه ، يمن على قوم أجسادهم (٣) معافاة ، وعقولهم ثابتة ، وقلوبهم آمنة ، ونفوسهم طيبة ، قد أحسن الله إليهم (٤) ، فلا ينظرون إلى شيء من قدرة الله ، ولا إلى نعمه عليهم فيشكرون ، ولا إلى من كان من قبلهم فيعتبرون ، ولا إلى ذنوبهم فيستغفرون ، ولا إلى ما وعدهم الله في الآخرة فيحذرون ، أفلا يستحيي من آمن بالله أن يراه الله مع أولئك مقيما ، لا بثا ساكنا ومؤانسا ، حاضرا مجالسا.

وأما الثاني (٥) : فإن الله أعطى وقضى يعطي وهو راض ، أفلا يستحيي العبد أن

__________________

(١) وفي (أ) : مثله. غير أنه قال : ومن أحب من أحب الله قريبا كان أو بعيدا.

(٢) سقط من (أ) و (ب) : ويضرك ما يضره.

(٣) في (أ) و (ج) : أجسامهم.

(٤) في (ج) : بهم.

(٥) في (أ) و (ب) : الثانية.

٣٨٢

يرضى يرضى ربه عند عطاه ، ولا يرضى برضاه عند القضاء ، كما يرضى برضاه عند العطاء.

وأما الثالث (١) : فإن الله يرضى لعبده الجنة ، ويأمره بالعمل الصالح لما يصلح له من الخير ، فيعمل العبد ما لا يرضى الله له ، ويكره ما يرضى الله له من الخير ، ولا يترك (٢) المعاصي والشرور ولا يرضى برضى (٣) الله له ، ويكون له ولد يحبه ويريد (٤) له الدنيا ، وربما قبضه الله إليه وهو له ولي ، أفلا يرضى العبد برضى الله كما رضي أولا بعطائه ، وهو يعلم أن موت ولي الله خير له من حياته في هذه الدنيا الفانية ، المحشوة هموما وغموما ونغصا وغصصا وآفاتا وشرورا.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : وراء ذلك الاستقامة. أما سمعت قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٣) [الأحقاف : ١٣] (٥).

قال الوافد : بيّن لي ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الاستقامة هي : أن ترى الدنيا قيامة ، فلا تلتفت فيها (٦) إلى كرامة ، ولا تبالي فيها بالملامة ، والاستقامة تؤدي صاحبها إلى السلامة ، والمستقيم صادق ، وبالحق ناطق ، عمله (٧) في خضوع ، وقلبه في خشوع ، وروحه في رجوع ، وسروره في نزوع (٨) ،

__________________

(١) في (أ) و (ب) : الثالثة.

(٢) في (أ) و (ب) : ولا يرتكب.

(٣) في (أ) : ولا يرضى ما رضي الله له. وفي (ج) : ويرضى ما لا يرضى له.

(٤) في (ب) : ويريده للدنيا.

(٥) في (ب) : أكمل الآية بقوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ...) [الآية من سورة فصلت / ٣٠].

(٦) سقط من (أ) و (ب) : فيها.

(٧) في (أ) و (ج) : وبالإخلاص ناطق. وفي (أ) و (ج) : وعمله.

(٨) في (ب) : وسره يردع. وأشار إلى نسخة ب (بدوع).

٣٨٣

وجسمه سقيم ، وقلبه سليم ، مقيم بلا التفات ، مداوم على المراقبات ، ملازم (١) للأمر ، مدمن على الزجر ، طالب للأجر ، تارك للهوى ، مقيم على الوفاء ، حريص على التقى ، مجتهد في (٢) الصفاء ، ليله قائم ، ونهاره صائم ، إلف مؤالف ، صابر عاكف ، تام الصحبة ، دائم المحبة ، مجيب ، غير مريب ، مفوض ، غير متعرض (٣) ، مطيع ، غير مريع (٤) ، طالب راهب ، مسلم مستسلم ، مقر لا منكر ، محتقر لا محتقر ، متواضع غير مستكبر ، مقبل غير مدبر.

وعلامة (٥) المستقيم أن يستقيم به كل معوج ، ويسلك به خير منهج ، ويكون عالما(٦) يهتدى به ، ودليلا يقتدى به ، ولا يكون (٧) م (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١) [الحج : ١١].

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : أما علمت أن الدنيا شدة ورخاء.

قال : بلى.

قال : فليكن حالك في الشدة كحالك في الرخاء.

قال : بيّن لي ذلك يرحمك الله؟

قال : أليس في الرخاء حساب ، والشدة ثواب؟

قال : بلى.

__________________

(١) في (ج) بدوام على. وفي (أ) و (ج) : ملازم على الأمر.

(٢) في (ج) : على.

(٣) في (ب) : معرض غير متعرض. وفي (ج) : معوض غير متعوض. ولعلهما مصحفتان. لأن المعنى أنه مفوض أمره إلى ربه غير متعرض لجدل ومسألة.

(٤) في (أ) : بديع. وفي (ج) : مذيع. والمريع : المتوقف اللابث. والمعنى أنه ممتثل غير ممتنع.

(٥) في (أ) و (ب) : علامة.

(٦) في (أ) : عليما.

(٧) في (أ) : ولا يكن.

٣٨٤

قال : أيهما أحب (١) إليك الثواب أم الحساب؟

قال : بل الثواب.

قال : أما علمت أنك في وقت الشدة ترجو الرخاء ، وفي وقت الرخاء تخاف الشدة ، وذلك قوله عزوجل : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٦) [الشرح : ٦]. فتعرّف حد الشدة فتكون راجيا ، وتعرّف حد الرخاء فتكون خائفا (٢) ، لأن الرخاء والشدة يعتقبان ، فاستعد للحالين (٣) جميعا. ولست أعني لك شدة الدنيا ولا رخاءها ، إنما عنيت بذلك الآخرة ، لأن (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) (٤).

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الرضى بالقضاء ، والصبر على البلاء ، والشكر على العطاء.

[دلائل الحكمة والرحمة]

قال الوافد : وكيف يكون (٥) الشكر؟

قال العالم : الشكر على سبعة أشياء.

قال : وما هي؟

قال : الخلق ، والملك (٦) ، والرزق ، والعافية ، والعلم ، والقدم (١) ، والقدرة. فتنظر إلى

__________________

(١) في (أ) : أحسن. مصحفة.

(٢) في (ب) : راجيا للرخاء ، وتعرف حد الرخاء فتكون خائفا للشدة. وفي (ج) : مثلها. إلا قوله : خائفا عن الشدة. ويبدو أنها زيادة.

(٣) في (ج) : فالشدة والرخاء يعتقبان. وفي (أ) : فاعتد للحالين. وفي (ج) : فاعتد إلى الحالين.

(٤) في (ج) : الدنيا سجن المؤمنين وجنة الكافرين. والحديث : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. أخرجه مسلم في باب الزهد رقم (٥٢٥٦). والترمذي برقم (٢٢٤٦). وابن ماجة برقم (٤١٠٣). وأحمد برقم (٩٨٩٨). وغيرهم.

(٥) في (ج) : وما الشكر؟

(٦) في (أ) و (ب) : والملكة.

٣٨٥

ثبات عقلك ، وتمام خلقك (٢) ، فتحمد الله العظيم على ذلك كثيرا.

ثم تنظر إلى الملك كم من ذي روح (٣) غيره له مالك ، والله مالك كل شيء ، وأنت لا مالك لك ، فتحمد الله على ذلك كثيرا. ثم تنظر إلى مالك وولدك وطعامك وشرابك ، ولباسك ونومك وإيقاظك ، وتنظر (٤) إلى اختلاف الليل والنهار ، كيف يقربان البعيد ، ويبليان الجديد. ثم تنظر (٥) إلى العافية ، وإلى كل شيء تخافه على نفسك في ليلك ونهارك ، مما تراه ومما لا تراه! فتعلم أنه لا يدفع ذلك ولا يصرفه ، ولا يكفيك ما ترى وما لا ترى ، (٦) إلا الله سبحانه وتعالى ، فتحمد الله على ذلك كثيرا.

ثم تنظر إلى المصائب التي تصيب الناس في أبدانهم المركبة عليهم ، فتعلم أن في تركيبك مثل ما في تركيبهم ، فتحمد الله الذي ستر عليك ما (٧) ظهر على غيرك من العلل والآفات.

ثم تنظر إلى من كان من (٨) قبلك وإلى من هو كائن من بعدك في دنياك وآخرتك.

ثم تنظر إلى القدم فتعلم أن الله قديم لم يزل ولا يزول.

ثم تنظر (٩) إلى القادر فتعلم أن الله قادر لا بقدرة غيره ، سبحانه وتعالى عما يقولون(١٠) علوا كبيرا.

__________________

(١) سقط من (أ) : القدم.

(٢) في (أ) : عقلك. تصحيف.

(٣) في (ب) : الملكة فكم. وفي (أ) و (ج) : من زوج. مصحفة.

(٤) في (ب) : وانظر.

(٥) في (ب) : ويخلقان الجديد. وفي (أ) : ثم انظر.

(٦) في (ج) : تراه. في الموضعين.

(٧) في (أ) : مثل تركيبهم. وفي (ب) : مثل في تركيبهم. تصحيف. وفي (أ) : فنحمد الله على ذلك الذي.

يبدو أنها زيادة. وفي جميع المخطوطات : مما. ولعلها : كما أثبت.

(٨) سقط من (أ) : من.

(٩) في (أ) : انظر.

(١٠) سقط من (أ) : عما يقولون.

٣٨٦

ثم تنظر إلى العلم فتعلم أن الله قد علم ما هو كائن قبل أن يكون.

ثم تنظر إلى ما سخر لك الله من جميع الخلق (١) ، وذرأ وبرأ من السماء التي زينها بالكواكب والشمس والقمر ، وأجرى ذلك لمنافع الخلق. وما جعل من (٢) الرياح والسحاب ، وما جعل (٣) في الأرض من الحيوان المسخر المجبور المقهور المنقاد إلى المنافع ، فتحمد الله على ذلك كثيرا.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الصبر على قضاء الله سبحانه ، فما جاء من عند الله حمدت الله عليه ، ولم تسخط ذلك وسلمت الأمر (٤) لله ، ورضيت بقضاء الله وحمدت الله على ذلك كثيرا.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : تنظر بعد ذلك إلى نفسك ، وتعلم أن الله خلق الإنسان من نطفة تقع في رحم مظلم ، فتقيم (٥) في الرحم (سبعة أيام ، ثم ترجع دما فيكون ذلك الدم علقة) (٦) أربعين يوما ، ثم يجعلها الله مضغة ذكرا أو أنثى ، فيكون فيه الروح لسبعة وسبعين يوما ، ثم يخلق الله له (٧) العروق والعظام والعصب ، ثم يصيره الله تعالى بعد ذلك لتمام مائتين وسبعين يوما ، وذلك ستة آلاف وأربع مائة وثمانون ساعة (٨) ، فجميع حمل الولد لتمام

__________________

(١) في (أ) : جميع خلق الله.

(٢) في (ب) : لمنافعك. وفي (أ) و (ج) : جعل في.

(٣) في (أ) و (ج) : جعل من ذلك في الأرض.

(٤) في (أ) : لأمر الله. وفي (ب) : لأمر ربك.

(٥) في (أ) و (ب) : تقيم.

(٦) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(٧) سقط من (ب) و (ج) : له.

(٨) في (أ) : أربعة آلاف ومائة وثلاثين وخمسين. وفي (ب) و (ج) : أربعة آلاف ومائة واثنين وخمسين. ولعله سهو من النساخ ، والصواب ما اثبت لأن (٢٧٠ يوما* ٢٤ ساعة ٦٤٨٠). وقد بيّن ذلك الإمام بعد.

٣٨٧

حمل أمه كاملة (١) أشهره وأيامه وساعاته (٢).

فأشهره تسعة أشهر ، كل شهر ثلاثون يوما ، وأيامه مائتان وسبعون يوما ، وساعاته ستة آلاف وأربع مائة وثمانون ساعة ، فهذه أيام الولد كاملة ، أشهره وأيامه وساعاته.

وفي تركيبه الحرارة والبرودة ، واليبوسة واللين. فالدم حار ليّن ، والمرّة الصفراء حارة يابسة ، والمرّة السوداء باردة يابسة ، والبلغم بارد رطب.

وتركيب الإنسان اثنا عشر وصلة (٣) ، وله مائتان وثمانية وسبعون عظما (٤) ، وله ثلاث مائة وستون عرقا ، فالعروق تسقي الجسد ، والعظام تمسكها ، والعصب واللحم (٥) يشدها.

__________________

(١) في (ب) : فجميع ذلك حمل الولد لتمام حمل أمه كاملة. وفي (ج) : فجميع حمل الولد التمام حمل أمه كاملة.

(٢) لأن العملية الحسابية تنتج هذا :

٩* ٣٠ ٢٧٠* ٢٤ ٦٤٨٠.

(٣) في (أ) : وصلا. وفي (ب) : فصلا.

(٤) في جميع المخطوطات : مائتان وثمانية وأربعون عظما. وهو تصحيف والصحيح ما أثبت بعملية حسابية :

(٥) سقط من (ج) : واللحم.

٣٨٨

ولكل يد أحد وأربعون عظما ، فللكف (١) من ذلك خمسة وثلاثون عظما ، وللساعد عظمان ، وللعضد عظم ، وللتراقي ثلاثة أعظم ، وكذلك اليد الأخرى (٢) ، وللرّجل ثلاثة وأربعون عظما ، للقدم من ذلك خمسة وثلاثون عظما ، وللساق عظمان ، وللركبة ثلاثة أعظم (٣) ، وللورك عظمان ، وكذلك الرّجل الأخرى.

وللصلب ثمانية عشر فقارا ، (٤) ولكل جنب تسعة أضلع ، وللرقبة ثمانية أعظم ، وللرأس ستة وثلاثون عظما ، وللأسنان من ذلك اثنان وثلاثون عظما. وطول الأمعاء سبعة أذرع.

فسبحان خالق الإنسان (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [الزمر : ٦]!!!!

حتى إذا حان (٥) أوان خروجه من بطن أمه إلى الأرض (٦) ، لم يقدر أحد على إخراجه أبدا ، ولو اجتمعت الإنس والجن ما أحسنوا ذلك ، فسبحان من (٧) أخرجه سويا لا يعرف أحدا ، ولا يسأل رزقا قد أوجد الله له (٨) رزقه في صدر أمه لبنا يغذوه به لضعفه وقلة بطشه.

حتى إذا جلّ عظمه ، وكثر (٩) لحمه ، وقطع سنه ، وطحن ضرسه ، وبطشت يده ، ومشى على قدميه ، وعرف (١٠) أن الله خالقه ، وأنه الذي أفضل عليه (١١) رزقه في بطن

__________________

(١) في (أ) و (ج) : فالكف. وفي (ب) : الكف. وما أثبت اجتهاد.

(٢) سقط من (ج) : وكذلك اليد الأخرى.

(٣) في (ج) : عظام.

(٤) في (ب) : فقارة.

(٥) في (ج) : جاء.

(٦) سقط من (ب) : إلى الأرض.

(٧) في (أ) : ما أحسنوا في ذلك. في (ج) : فسبحان الذي.

(٨) في (ج) : وجعل الله رزقه.

(٩) في (ج) : وكبر.

(١٠) في (ج) : وعلم.

(١١) في (ج) : وأنه أوصل إليه.

٣٨٩

أمه ، وبعد خروجه في (١) مهده ، نسي ذلك كله وجحده ، وجعل (٢) يطلب رزقه من مخلوق مثله ،!!! (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) [عبس : ١٧]. أما (٣) علم أن الذي رزقه في ضعفه هو الذي (٤) يرزقه في وقت قوته؟! أما سمع ما قال الله تعالى في كتابه لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (١٣٢) [طه : ١٣٢]. أما سمعت قول الله تعالى حيث أقسم في كتابه فقال عز من قائل : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) [الذاريات : ٢٢ ـ ٢٣].

أما سمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها) (٥) ، وقال : (لو أن أحدكم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت)(٦). وقيل لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام يا أمير المؤمنين : (من أين يأتي الرزق إلى الإنسان؟ قال : من حيث يأتيه الموت) (٧).

قال الوافد : أيها العالم الحكيم أخبرني ما أفضل ما أعطي العبد؟

__________________

(١) في (ج) : من.

(٢) في (أ) و (ب) : ورجع.

(٣) في (ج) : وما.

(٤) في (ب) : هو رزقه. وفي (ج) : هو يرزقه.

(٥) أخرجه الإمام أبو طالب في أماليه / ٢٩٢. ورواه السيوطي في الجامع الصغير برقم (٢٢٧٣). وقال أخرجه أبو نعيم. وأخرجه ابن ماجة بلفظ (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطل ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم). ابن ماجة ٢ / ٧٢٥ (٢١٤٤) ، وابن حبان ٨ / ٣٢ (٣٢٣٩) ، و ٨ / ٣٣ (٣٢٤١) ، والحاكم ٢ / ٤ (٢١٣٤) ، و ٢ / ٥ (٢١٣٥) ، و ٤ / ٣٦١ (٧٩٢٤) ، والبيهقي ٥ / ٢٦٤ (١٠١٨٤) ، و ٥ / ٢٦٥ (١٠١٨٥) ، والمنتقى من السنن المسندة ١٤٤ / ٥٥٦ ، وأبو يعلى ١١ / ٤٦١ (٦٥٨٣) ، والطبراني في الكبير ٨ / ١١٦ (٧٦٩٤) بلفظ : إن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ....

(٦) رواه السيوطي في الجامع الصغير برقم (٤٧٠١). وقال : أخرجه أبو نعيم.

(٧) ورد بلفظ : قيل له عليه‌السلام : لو سد على رجل باب بيته وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال عليه‌السلام : من حيث يأتيه أجله. نهج البلاغة ٤ / ٨٣ المختارات من كلماته.

٣٩٠

قال : العقل الذي يعرف (١) به نعمة الله ويعينه على شكرها ، وقام بخلاف الهوى ، حتى عرف الحق من الباطل ، والضر من النفع ، والحسن من القبيح.

قال الوافد : فما وراء ذلك يرحمك الله؟

قال العالم : الإيمان ، وحقيقة (٢) الإيمان : الإخلاص وصدق النية ، حتى إذا عملت عملا صالحا لم تحب أن تذكره ، وتعظّم من أجل عملك ، ولا تطلب ثواب عملك إلا من الله ، فهذا هو إخلاص عملك ، فإن عملت عملا وأحببت أن تذكر وتعظّم من أجله (٣) ، فقد تعجلت ثوابه من غير الله ، ولم يبق لآخرتك منه شيء.

[المناجاة]

قال الوافد : فما تقول في المناجاة؟

قال العالم : لا تكون المناجاة ، إلا على (٤) الرجاء والمصافاة ، بقلب سليم من الآفات ، والظنون والغيبات ، ثم تقول : إلهي إن لم أكن لحقك راعيا ، لم أكن لغيرك داعيا ، وإن لم أكن في طاعتك مسابقا ، لم أكن لأعدائك مطابقا ، وإن لم أكن لك عابدا ، لم أكن لآياتك معاندا ، وإن لم أكن لحبك واجدا ، لم أكن لغيرك ساجدا ، وإن لم أكن إلى الخيرات مسارعا ، لم أكن لباب الخطيئات (٥) قارعا ، وإن لم أكن لحدودك (٦) حافظا ، لم أكن بكلام السوء لافظا (٧) ، وإن لم أكن في الصلاة خاشعا ، لم أكن لأعدائك خاضعا ، وإن لم أكن في سبيلك مجاهدا ، لم أكن لدليلك جاحدا.

__________________

(١) في (ب) : عرفك نعمة الله وأعانك.

(٢) سقط من (أ) : الإيمان وحقيقة.

(٣) في (ب) : أجل ذلك.

(٤) في (ج) : مع.

(٥) في (ج) : الخطايا.

(٦) في (أ) : للحدود.

(٧) في (ج) : ناطقا.

٣٩١

إلهي كيف يصافيك من لا يأتيك؟! وكيف يرجوك من لا يتقرب إليك؟! أنا المتخلف عن أقراني ، أنا الضعيف في أركاني ، أنا الفريد بحفرتي (١) عن إخواني ، أنا الذي لم أحقق إيماني ، سيدي قد أتيتك بفاقتي ، وجئت إليك لما عدمت طاقتي ، أنت العالم بجرمي ، المطلع على ظلمي ، المحصي لخطيئتي ، الشاهد على طويتي ، الناظر لي (٢) في خلوتي.

إلهي كسدت بضاعتي ، وخسرت تجارتي ، ولم اتزود من حياتي ، وقد أتيتك وقد قربت(٣) وفاتي.

إلهي إن لم تقبلني فأين الملجأ ، وإن رددتني (٤) فأين المنجى ، وإن لم تغفر لي فأين الملتجا؟!!! من (٥) للعبد إلا مولاه؟! ذهبت أيامي ، وبقيت آثامي ، فلا تذل مقامي ، ولا تحجب عني أمامي ، يا من ابتدأني بفضله (٦) ، وأكرمني بتطوله.

ما الحيلة أعضائي ذليلة ، ما الحيلة أحزاني طويلة ، ما الحيلة حسناتي قليلة ، ما الحيلة وليس لي وسيلة.

لا حيلة لي (٧) غير الرجوع ، والتضرع والخضوع ، والإقبال والإياب ، وتعفير الوجه في التراب ، والتذلل عند الباب ، وقراءة آيات الكتاب ، والسجود لرب الأرباب ، وترك الاشتغال بالأشغال ، والإقبال على مقدّر الأرزاق والآجال ، وترك المعارضة ، ورفض المناقضة ، وحنين وحرقات ، وأنين وزفرات ، وسهر دائم ، وليل قائم ، ونهار صائم ، وقلب هائم ، ووعظ لائم ، فرار ، بلا قرار (٨) ، فراق كل محبوب ، والبين عن كل

__________________

(١) في (أ) : بحرقتي. وفي (ب) : بحرفتي.

(٢) في (ج) : على كربتي. وفي (ج) : الناظر إلي.

(٣) في (أ) : قاربت.

(٤) في (أ) و (ج) : تردني.

(٥) سقط من (أ) و (ب) : وإن لم تغفر لي فأين المتلجا. وفي (أ) و (ج) : أما.

(٦) في (ج) : بتفضيله.

(٧) سقط من (ج) : لي.

(٨) في (أ) : قرار بلا قرار. وفي (ب) : ودار بلا قرار. ويبدو أن هاهنا جملة ساقطة.

٣٩٢

منسوب (١).

الحيلة ترك الاستراحة ، في طلب الراحة ، ودوام النياحة ، مع القيام على السياحة ، وترك الخطايا ، واستعداد المطايا.

الحيلة أن تخضع حتى تسمع ، ويخاف القلب ويخشع ، وتعبر العين وتدمع ، اقرع الباب ، يأتيك (٢) الجواب.

قال الوافد : قد (٣) سمعت لذيذ المناجاة ، كيف أصنع في داء (٤) قد تمكن في قلبي حتى أقلعه وأحسمه؟

قال العالم : من أوجعته علته ، أظهر عند الطبيب زلته ، وأبدى إليه شكيته ، من عدم مراده ، قلق فؤاده ، ومن قلق فؤاده ، بان منه رقاده ، (٥) ارفع خواطر القلب إلى الرب ، فهو يجلي الكرب ، ويغفر الذنب ، ارفع حوائجك إلى ربك ، كما ترجوه لغفران ذنبك ، اكتب قصة الاعتذار ، بقلم الافتقار ، امش إلى باب الجبار ، بقدم الاضطرار ، في وقت الأسحار ، وارفع يديك بالاستغفار.

[البكاء]

قال الوافد : فما تقول في البكاء؟

قال العالم : لأن تبكي وأنت سليم ، خير من أنت تبكي وأنت سقيم ، وفي النار مقيم بين أطباق الجحيم ، والشيطان لك قرين خصيم (٦).

__________________

(١) في (أ) و (ج) : مسلوب.

(٢) في (ب) : تسمع.

(٣) في (ج) : لقد.

(٤) في (أ) : كيف في داء قد تمكن في قلبي حتى أقلعه واحشمه. وفي (ج) : كيف يصنع ذلك وقد. وفي (ب) : حتى أقطعه وأحسمه. ولعل في ذلك تصحيفا.

(٥) في (ب) : بان رقاده. وفي (ج) : بان من رقاده.

(٦) في (ج) : وخصيم.

٣٩٣

واعلم أنك دخلت الدنيا عند خروجك من بطن أمك باكيا عابسا ، فاجهد (١) أن تخرج منها ضاحكا مستأنسا ، لأن تبكي وأنت في الطريق ، خير من أن تبكي وأنت في وسط الحريق ، البكاء مع السلامة ، خير من البكاء مع الملامة ، اليوم ينفعك (٢) البكاء لو بكيت ندما ، وغدا لا ينفعك (٣) البكاء لو بكيت دما ، البكاء قبل المعاينة ، خير من البكاء يوم المباينة (٤) ، ابك لضعف فاقتك ، ابك لقلة طاقتك ، ابك لكثرة معاصيك ، ابك لعظم مساويك ، ابك لإفلاسك ، ابك لعدم إيناسك ، ابك لقلة عملك (٥) ، ابك لقلة حيلتك ، ابك لعدم (٦) وسيلتك ، ابك لكثرة وزرك ، ابك لثقل ظهرك ، ابك لفساد أمرك ، ابك لظلام قبرك ، ابك لقسوة قلبك ، ابك لخبث سرك ، ابك لمضي دهرك ، ابك لكشف سترك ، ابك لساعة موتك ، ابك لانقطاع حياتك ، ابك لغربتك في لحدك ، ابك لتوديع دارك ، ابك لتوقع قرارك ، ابك اليوم بوارك (٧) ، ابك لاستقبال أهوالك.

قال الوافد : كيف أصنع إذا لم أستطع البكاء ولم تدمع العين؟!

قال العالم : ما جمدت (٨) العيون إلا بقساوة القلوب (٩) ، وما قست القلوب إلا من كثرة الذنوب ، وما كثرة الذنوب إلا برضى للعيوب ، وما وقع الرضى بالعيوب إلا بعد

__________________

(١) في (ب) و (ج) : فاجتهد.

(٢) في (ج) : لا ينفع.

(٣) في (ج) : لا ينفع.

(٤) في (ج) : المعاينة. وفي (ب) : قبل المعاتبة ، خير من البكاء عند المعاتبة.

(٥) في (أ) و (ج) : عمرك.

(٦) في (أ) و (ج) : لعظم. مصحفة.

(٧) سقط من (ج) : ابك ليوم بوارك.

(٨) في (أ) : ما جمدت العين إلا من قساوة القلب ، ما قسى القلب إلا من كثيرة الذنب ، وما كثر الذنب إلا بالرضاء وبالعيوب. وفي (ج) : ما جمد العين إلا بقساوة القلب ، وما قساوة القلب إلا بكثرة الذنوب ، وما كثرة الذنوب إلا برضاء العيوب ، وما رضاء العيوب إلا بكثرة الذنوب. وفي (ب) : وما كثرة الذنوب إلا بالإصغاء إلى العيوب. ولفقت النص من الجميع.

(٩) في (ب) : العيون إلا من قساوة القلوب.

٣٩٤

الاجتراء على علام الغيوب ، جمود العين ، من وجود الرين. وقال في ذلك (١) :

تزوّد من حياتك للممات

ولا تغترّ في طول الحياة

أترقد والمنايا طارقات

كأنك قد أمنت من البيات

أتضحك أيها العاصي وتلهو

ونار الله تسعر (٢) للعصات

أتضحك يا سفيه ولست تدري

بأي بشارة يأتيك آت

فيا قلبي فلم تزدد رجوعا

وتعرض عن عظات ذوي العظات (٣)

ثم قال : أتبغي (٤) صفاء الفؤاد ، مع بقاء المراد ، تضيع الأصول ، وترتكب الفضول ، ثم تطمع بالوصول (٥) ، وأنت لا تتبع ما جاء به الرسول ، أتطلب الزاد ، (٦) مع كثرة الرقاد ، وقلة الاجتهاد ، أتطلب (٧) المساعدة مع قلة المجاهدة ، إن (٨) هذا من علامات المباعدة!!! لن تنال الأماني إلا بترك الفاني ، لا بالكسل والتواني ، أسهر (٩) العيون ، تصبح غير مغبون ، لن تنال الجنان ، (١٠) إلا بصفاء الجنان ، وخالص الإيمان ، وقراءة القرآن ، وتوحيد الرحمن ، وإطعام الطعام ، ورحمة الأيتام ، وكثرة الصيام (١١) ، وطول القيام ، من

__________________

(١) في (أ) : وجود الدين. وفي (ج) : قلة الدين. وفي (ب) : وقال في ذلك شعرا. وفي (ج) : وقال في ذلك يقول بعد الصلاة على الرسول.

(٢) في (ج) : تضرم.

(٣) في (أ) : وأعرض عن عضات ذوي العضات. وفي (ب) : وتعرض عن نكير ذوي العضات. وفي (ج) : وأعرض عن عصاة ذوي العصات.

(٤) في (ج) : تبتغي.

(٥) في (ب) : في الوصول.

(٦) في (أ) و (ج) : تطلب. وفي (ب) : المراد.

(٧) في (ج) : تطلب.

(٨) سقط من (ب) : إن.

(٩) في (ب) : تسهر.

(١٠) في (ب) : غرف الجنان. وفي (أ) : ريح.

(١١) في (أ) و (ج) : وكثرة القيام ، وطول الصيام.

٣٩٥

طالت مناجاته ارتفعت درجاته ، وقلّت في القيامة (١) فزعاته.

[عناصر الإيمان]

قال الوافد : بما ينال العبد جنة الخلود؟

قال العالم : بحفظ الحدود ، وبذل المجهود ، وطاعة المعبود ، والوفاء بالعهود ، وكثرة الركوع والسجود. من أراد الأمان ، فليخلص الإيمان ، ويفعل الإحسان ، ويقرأ القرآن. لن ينال جنة النعيم ، إلا من جاء بقلب (٢) سليم ، لن تنال من الله المزيد ، إلا بصدق (٣) التوحيد ، وكثرة التمجيد (٤) للواحد الحميد ، من أراد البر ، لم (٥) يكتسب الوزر ، من أراد العطاء ، صبر على الأذى (٦) والبلاء.

لن تنال شهوات الآخرة إلا بترك شهوات الدنيا ، (لن (٧) تنال النعيم ، إلا بترك النعيم ، لن (٨) تنال معانقة الحور ، إلا بصلاح الأمور) (٩) ، ومجانبة الشرور ، ورفض المحذور ، لن (١٠) ينال الشفاعة ، إلا من قام لأخيه المؤمن بالنفاعة ، وحافظ على صلاة الجماعة ، وأطعم الأيتام في المجاعة ، من أحب الشرب من حوض الرسول ، فليترك كلام الفضول ، وتثبّت فيما يقول ، فإنه لا بد مسئول.

__________________

(١) سقط من (ب) : في القيامة.

(٢) في (ج) : من أتى الله بقلب.

(٣) في (ج) : ينال من الله المزيد إلا من يصدق بالتوحيد.

(٤) في (ب) : التحميد.

(٥) في (ج) : فلا.

(٦) سقط من (ب) : الأذى.

(٧) في (ب) : لا تنال.

(٨) في (ب) : لا تنال.

(٩) سقط ما بين القوسين من (أ).

(١٠) في (ب) : لا ينال.

٣٩٦

قال الوافد : صف لي الحياء؟

قال العالم : من عمل بالرياء فقد (١) منه الحياء ، وحجب منه الضياء ، وتكدرت (٢) عليه الدنيا ، وعاش في الناس (٣) يهوديا ، وحشر يوم القيامة مجوسيا.

قال الوافد : كيف أنال حلاوة الطاعة؟

قال العالم : لا تدرك الحلاوة ، إلا بإدمان الفكر في التلاوة ، ولا تنال حقائق المعاني إلا بترك الأماني ، ولا يتمكن في قلبك الخوف والوجل ، إلا برفض الدنيا وقصر الأمل ، وإخلاص العمل ، وهجران (٤) الكسل.

[الورع]

قال الوافد : صف لي محض الورع؟

قال العالم : لن (٥) تنال الورع ، إلا بكثرة الخوف والفزع ، واختيار الجوع على الشبع ، وترك الشهوات والطمع ، [فإن فعلت زكى لبك] (٦) ، وصفا عند ذلك قلبك ، ونلت لذيذ (٧) السهر والقيام ، وقربت من ذي الجلال والإكرام ، وملكت نفسك ، ووافقت أنسك، ورضي عنك الرب ، وغفر لك الذنب.

واعلم أنك لا تنال من الله البرّ والسلامة ، إلا بالصبر والاستقامة ، ولا تنال حقائق الرجاء ، إلا بالانقطاع إلى الله والالتجاء ، ولا تنال الكرم والتّفضّل ، إلا بالندم

__________________

(١) في (ج) : برياء. وفي (ب) : بعد.

(٢) في (ج) : وتنكرت.

(٣) في (ج) : الدنيا.

(٤) في (أ) و (ج) : وترك.

(٥) في (ب) : لا.

(٦) الجملة زيادة مني لاستقامة المعنى ، وصحة العطف ، واتساق أسلوب الإمام.

(٧) في (ب) : لذة.

٣٩٧

والتذلل (١) ، ولا تنال الراحة ، إلا بترك الراحة وكثرة البكاء والنياحة (٢) ، ولا تنال الولاية ، إلا بالحراسة والعناية (٣) ، ولا تنال مجاورة الأبرار في دار القرار ، إلا بترك الأوزار ، ولا يخشع القلب ويلين ، إلا بتفكر وتبيين ، ولا تنال الخوف ، (٤) إلا بترك عسى وسوف ، ولا تنال الاتصال ، إلا بإهمال الاشتغال (٥) ، ولا ينقى القلب ، مع بقاء شيء من الذنب ، ولا تدرك صفاء الفهم ، وفي قلبك من الدنيا همّ (٦) ، ولا يزول عنك الهم ، ما دام (٧) لك في الدنيا خصم ، من أنفق مما يحب ، فهو حقا المحب ، من ترك ما كان يألف (٨) ، دخل الجنة وثوابه مضاعف ، من عمل بما أقول ، شفع له الرسول ، من عمل بغير ما أقول ، لم يكن عمله مقبول (٩) ، من لم يندم على معصيته ، أخذته زبانية النار بناصيته (١٠) ، من قصر في الطاعات ، حرم الصالحات ، من نافس في الخيرات ، ارتقى في أعلا الدرجات (١١) ، من اغتر بالليل فجع بالنهار ، ومن سها بالنهار فجع بالليل ، من ركب الظن ، غبن أيّ غبن ، من ركب فرس الأماني ، عثر في ميدان التواني ، التاجر برأس (١٢) مال غيره مفلس.

__________________

(١) في (ب) : والتبذل.

(٢) في (ب) : ولا تنال الراحة إلا بكثرة البكاء والنياحة. وفي (ج) : ولا تنال الراحة في الآخرة إلا بترك الراحة في الدنيا وكثرة ....

(٣) في (ب) : ولا تنال الولاية إلا بالمحافظة والرعاية. وفي (ج) : ولا تنال الرئاسة إلا بالحراسة والعناية.

ولعل فيها تصحيفا.

(٤) في (ج) : بالتفكر والتبيين. وفي (أ) و (ج) : ولا تأمن الخوف.

(٥) في (أ) و (ج) : الفضل إلا بإهمال الشغل.

(٦) في (أ) و (ج) : ولا يدرك صفاء الفهم من في قلبه من الدنيا هم. وفي (ب) : غم. بدل هم.

(٧) في (ب) : ما كان.

(٨) في (ج) : ما كان مالكا. مصحفة.

(٩) في (ب) : من عمل بخلاف ما يقول ، لم يكن عمله مقبولا. وفي (أ) و (ج) : لم يكن عمله مقبول. وهو مقتضى قاعدة الإمام في السجع. بيد أنه لا وجه له في العربية اللهم إلا إن قلنا : مقبول. على إرادة الوقف.

(١٠) في (أ) : المعصية ، أخذته زبانية النار بناصية. وفي (ب) : معصية ، أخذته الزبانية بناصيته.

(١١) في (ب) : ارتقى في الدرجات. وفي (ج) : ارتقى الدرجات.

(١٢) سقط من (ج) : برأس.

٣٩٨

[جهاد النفس]

قال الوافد : كيف المجاهدة؟

قال العالم : المجاهدة في المباعدة والوحدة ، والصبر على المحنة والشدة ، من لا عبادة له لا زاد له ، ومن لا زاد له لا عقبى له ، اقرع الباب ، يأتيك الجواب ، من أمّل العظيم ، وهب له الجسيم ، من أراد الجود ، أدام (١) السجود ، من لا سجود له لا جود له ، من لا ندامة له لا كرامة له ، من لا خير فيه ، لا خير عنده ، خير البضاعة الطاعة ، من عمل (٢) بالطاعة ، نجا من فزعات الساعة ، لا بد من سهر الأسحار ، وقيام الليل وصيام النهار ، إذا أردت الجنة فاسجد وتضرع ، واظمأ وتجوّع ، واسهر وتطوع (٣) ، وتذلل وتخشع ، وتفرد وتوحد واخضع وتجرد ، تنل (٤) فضل الواحد الأحد ، اترك الآثام تأمن الصّولة ، واعمل صالحا تكن لك (٥) الدولة ، واهجر الجرائم ، تصل وأنت سالم. من أكثر النحيب ، لم يكن عليه رقيب ، وما دعا إلا أجيب ، وكان له من كل (٦) خير نصيب ، من رغب إلى الله أعطاه ، ومن اكتفى به كفاه ، ومن استغنى به أغناه ، ومن لجأ إليه آواه.

قال الوافد : كيف أكون ذاكرا وأنا لا أسلم من الغفلة؟

قال العالم : لا تقع العلة ، إلا فيمن أكثر الغفلة ، من غفل ، وقع في الزلل ، إذا أردت السعادة ، فودع الوسادة ، وجالس أهل الزهادة ، وأكثر العبادة.

عجبا ممن (٧) يستريح وقد تاب (٨) ، ويلهو وقد شاب ، ما (٩) كان في الله تلفه ، كان

__________________

(١) في (أ) : دوام على السجود. وفي (ب) : طلبه في السجود.

(٢) في (ب) : اختار.

(٣) في (أ) و (ب) : وتفزع.

(٤) في (ج) : إذا أردت أن تنال فضل ....

(٥) في (ج) : تكن صاحب.

(٦) سقط من (أ) و (ب) : كل.

(٧) في (أ) : لمن.

(٨) في (ج) : وقد بان وباله.

(٩) في (أ) : من كان. وفي (ج) : وجميع ما كان.

٣٩٩

على الله خلفه (١) ، اجتهد تجد ، وأخلص تخلص ، اتبع الرسول ، وأبشر بالوصول ، من اتصل ، وصل ، ومن ترك الجدال ، نال خير (٢) منال ، وكفي الشدة والأهوال ، من خالف هواه ، كانت الجنة مأواه (٣) ، ومن ندم ، أكرم.

قال الوافد : فما (٤) حيلة من دنا من الباب ، فمنعه الحجّاب ، فلم يصل إلى (٥) الأحباب؟

قال العالم : حيلته ملازمة القلق والاكتئاب ، والحزن والانتحاب ، والفرق والانتداب ، حتى (٦) يأذن له الاحباب ، ويفتح (٧) له الباب ، إذا أردت في الجنة الوقوف ، فأكثر (٨) في المساجد العكوف ، فإنك تأمن من كل مخوف. كم من متردد لا يؤذن له؟! وطارق لا يفتح له (٩) ، (وكم من مصروف مطرود ، مهان مردود) (١٠) ، وكم من مظهر انتحابه ، وهو لا يفتح له بابه ، وكم من طامع في ثوابه ، هو من أهل عذابه (١١).

قال الوافد : فكيف (١٢) الوصول؟

قال العالم : تصل الليل بالنهار ، وتتضرع (١٣) في غسق الأسحار ، وتسبح بالعشي والإبكار ، وتتعود الندم والاستغفار ، لعل الله يخفف عنك ثقل الأوزار ، ويحرّم

__________________

(١) في (ب) : خلفه ، لا يضيع طالبه ولا يخيب آمله. يبدو أنها زيادة.

(٢) في (ب) : كل.

(٣) في (أ) و (ب) : الهوى ، دخل جنة المأوى.

(٤) في (أ) و (ب) : ما.

(٥) سقط من (أ) : إلى.

(٦) في (ب) : إلى أن.

(٧) في (ج) : ويفتحوا.

(٨) في (أ) : أكثرت. وفي (ب) : أكثر.

(٩) في (ج) : بابه.

(١٠) سقط ما بين القوسين من (أ) و (ج).

(١١) في (أ) : وهو آمن. وفي (ج) : هو من.

(١٢) في (أ) و (ب) : كيف.

(١٣) في (أ) و (ب) : وتضرع.

٤٠٠