مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) [التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥]. فجعله الله لأعدائه ولمن لم يقبله وعمي عنه رجسا وتبارا ، كما قال سبحانه : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) [الإسراء : ٨٢].

(لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢) [فصلت : ٤١ ـ ٤٢]. فكتاب الله إمام لكل مهتد من خلق الله رشيد ، أعزّه الله (١) عن الوهن والتداحض فلا يتصلان به أبدا ، ومنعه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ حفّه بالنور والهدى ، فنوره وهداه مقيمان أبدا معه ، مضيئان مشرقان لمن قبله عن الله وسمعه ، ساطع فيه نور شمسهما ، (٢) بيّن هداه ونوره لملتمسهما ، لا يميلان بمتبع لهما عن قصده ، ولا يمنعان من طلب رشدهما عن رشده ، بل يدلانه على المراشد المرشدة ، ويقصدان به الأمور المعدة ، (٣) التي لا يشقى أبدا معها ، ولا يضل أبدا من اتبعها ، فرحم الله امرأ نظر فيه فرأى سعادته ورشده وهداه ، فجانب شقوته وغيّه ورداه ، قبل أن يقول في يوم القيامة مع القائلين : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) (١٠٦) [المؤمنون : ١٠٦]. فضلال من ترك كتاب الله لا يغبى ، (٤) إلا على من لم يهبه الله عقلا ولبّا ، كتاب نزله (٥) الله الرحيم الأعلى ، برحمته من فوق السماوات العلى ، فأقر في أرضه قراره ، وبثّ في عباده أنواره ، فنوره ظاهر لا يخفى ، وضياءه زاهر لا يطفأ ، مشرق (٦) نوره بالهدى يتلألأ ، كما قال سبحانه تبارك وتعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣٢) [التوبة : ٣٢]. فأبى الله سبحانه إلا تمامه فتم ، وخاصم (٧)

__________________

(١) سقط من (ب) و (ج) : الله. وفي (أ) و (د) : الله من.

(٢) في (ب) و (ج) و (ه) : شمسها (مصفحة).

(٣) في (ب) و (ج) : المستعدة (مصفحة).

(٤) لا يغبى : لا يخفى.

(٥) سقط من (ج) : كتاب. وفي (ج) : أنزله.

(٦) في (ب) و (ج) و (ه) : نوره مشرق (زيادة).

(٧) في (ب) و (ج) : إلا إتمامه. وفي (ب) : من خاصم (مصفحة).

٢١

به من هدي لرشده من خلقه فخصم ، برهانه منير مضيء ، وتبيانه مسفر جلي ، فهو من إسفاره وتبيانه ، وهداه ونوره وبرهانه ، كما قال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)) [النساء : ١٧٤ ـ ١٧٥].

فمن اعتصم بنور كتاب الله وبرهانه ، واتبع ما فيه من أموره وتبيانه ، أدخله الله كما قال سبحانه مدخلا كريما ، وهداه به كما وعد صراطا مستقيما ، ومن أبصر به واهتدى ، لم يعم بعده أبدا ، ومن عمي عنه فلم (١) ير هداه ، وتورط من غيّه ورداه ، في بحور ذات لجّ من الجهالات ، وتخبط في غور لجج من الضلالات ، لا يخرج من تورط فيها من ضيق غورها ، ولا ينجو غريق بحورها ، من نار (٢) تبوبها ، وحيرات سهوبها (٣) ، فلا صريخ له (٤) فيها ينقذه من تبّ ، ولا هاد (٥) يهديه منها في سهب ، فهو في (٦) لج بحورها في تبوب ، ومن ضلالات غورها في سهوب ، متحيّر بين هلكة وثبور ، وضلال حيرة في ظلمة (٧) وبحور ، موصول ضلاله وعماه ، بما هو فيه من عاجلته ودنياه ، بعمى من الآخرة لا يبيد ، (٨) بل له فيها البقاء أبدا والتخليد ، كما قال سبحانه : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)) [الإسراء : ٧٢] ، فمن لم يستدل على أمر دنياه وآخرته بكتاب الله فلن (٩) يصيب عليه أبدا دليلا ، ومن لم

__________________

(١) في (ج) : فلن.

(٢) في (أ) : من ثارات تبوبها (مصفحة) والتّبوب : المهلكة. وفي (ج) : من نارات ، وحيران. وفي (د) : ثارات تنوبهما وحيران.

(٣) السهوب : الفلوات.

(٤) سقط من (ج) : له. والصريح : المنقذ.

(٥) في (ج) : تبب. وفي (أ) و (د) : ولا هادي له.

(٦) سقط من (ج) و (د) : في.

(٧) سقط من (أ) : ظلمة و.

(٨) في (ب) : لا تبديل (مصفحة).

(٩) في (أ) : فلم.

٢٢

ينج به من خبوت (١) الحيرة والجهالة ، ويحيى بروحه من موت العمى والضلالة ، لم يزل لسبيل الجهل سالكا ، وبموت العمى والضلال (٢) هالكا ؛ لأن الله جعله روحا من موت الضلالة محييا ، وضياء من ظلم الجهالة منيرا مصحيا ، (٣) فمن أحياه الله بروحه فهو الحيّ الرضي ، وما كان فيه من حق فهو المصحي المضيء ، لا تلتبس به الأغاليظ ، ولا تشوبه الأخاليط ، فهو النقي المحض ، والجديد أبدا الغضّ ، لا يخلق جدّته تكرار ، ولا يدخل محضه الأكدار ، بل نقي من (٤) ذلك كله فصفى ، فأغنى بمنّ الله وكفى ، فليس معه إلى غيره حاجة ولا فاقة ، ولا يغلب حجته من ملحد فيه لدد (٥) ولا مشاقّة.

بل حججه الحجج الغوالب ، وشهب نوره فالشهب الثواقب ، التي لا يخبو أبدا ضوء (٦) نورها ، ولا يخرب أبدا عمارة معمورها ، فيخبو بخبوّها ، نور ضوّها ، ويخرب لو خربت لخرابها ، (٧) نعمة الله وهّابها ، (٨) ، فيكون خرابها تغييرا (٩) لها ولنعمة الله فيها ، ولما جعله من (١٠) هداه مضموما إليها.

ولن يغير الله نعمة كما قال عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١] ، ولن يلتبس شيء من هدى الله عليهم أبدا إلا بتلبيسهم ، كما قال سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٥٣) [الأنفال : ٥٣].

__________________

(١) في (أ) و (د) : خبوب الحيرة. وفي (ج) : حياة الحيرة. وفي (ب) : حيرة ، والخبوت : ما اتسع من بطون الأرض.

(٢) في (ب) : والضلالة.

(٣) في (ب) و (د) : مضحيا.

(٤) في (ج) و (د) و (ب) : الإكثار (مصفحة). وسقط من (أ) و (د) : من ذلك. ومن (ب) : من.

(٥) اللدد : الخصومة.

(٦) سقط من (ج) : ضوء.

(٧) في (د) : بخرابها.

(٨) في (أ) : وبرهانها. وفي (ج) : جعائها.

(٩) في (ج) : خربها تعديد الهاء (مصفحة).

(١٠) في (ب) و (ه) : في.

٢٣

وفي التلبيس عليهم بتلبيسهم ، وما وكلهم الله إليه في ذلك من أنفسهم ، ما يقول الرحمن الرحيم : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) [الأنعام : ٨ ـ ٩].

وفي كتاب الله وترافده ، وتشابهه (١) في البيان وتشاهده ، ما يقول سبحانه فيه ، وفيما جعله من ذلك عليه : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣) [الزمر : ٢٣].

فهل بعد هذه الآية وبيانها لملحد ـ أنصف نفسه ـ في كتاب الله من حيرة في شك أو إلحاد؟! لو لم يسمع فيه غيرها ، إذا (٢) هو فهم تفسيرها ، فكيف بما ثنّى (٣) الله في الحجة لذلك من المثاني ، وكرّر على ذلك من شواهد البرهان ، التي فيها من الحجة والتبيين والإتقان ، (٤) ما هو أحق من كل رؤية وعيان ، فليسمع سامع لتقرير الله سبحانه لعباده ، على الشهادة له (٥) بتنزيله لكتابه ، إذ يقول سبحانه فيهم لمن أنكر أنه تنزيل من رب العالمين: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٣) [هود : ١٣]. فأمرهم (٦) تبارك وتعالى في ذلك بالحشد لأوليائهم ، ولكل من قدروا عليه في ذلك من أعدائهم ، ممن أنكر من القرآن ما أنكروا ، وكفر بالله كما كفروا ، فلم (٧) يستجب له في ذلك مجيب ، أحمق

__________________

(١) في (د) : تشاهده ، تشابهه في البينات.

(٢) في (ج) : إذ.

(٣) في (ب) و (ه) : نبأ.

(٤) في (د) : والإيقان.

(٥) سقط من (ب) و (ه) : له.

(٦) في (ب) : فأمرهم في ذلك. زيادة.

(٧) في (ب) و (ج) و (د) : فلم يستجب في ذلك له مجيب.

٢٤

منهم ولا لبيب ، وانحسروا (١) عن الجواب له قاصرين ، وغلبوا بمنّ الله صاغرين ، ولو وجدوا على ذلك قوة ، (٢) لأجابوا فيه ـ مسرعين ـ الدعوة ، ولو كان (٣) ما جاء به بشريا ، لكان بعضهم عليه قويا ، لتشابه البشر ، في القول والنظر ، (٤) والهيئات والصور.

ولعلم (٥) الله بعجزهم عن أن يأتوا بسورة واحدة من سوره ، أو بشيء مما جعله فيه من هداه ونوره ، ما يقول أرحم الراحمين ، لرسوله وللمؤمنين : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) [هود : ١٤] ، فهل بعد هذا من تقرير أو برهان أو تبصير لقوم يعقلون؟!

ومن ذلك ومثله ، ما يقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى أهله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [الإسراء : ٨٧] (٦) ، فكفى بهذا ومثله وبأقل أضعاف منه والحمد لله تعريفا وتقريرا (٧).

وفيما برّأ الله كتابه من الاختلاف والتناقض ، وما خصّه به (٨) من الحكمة والبعد من التداحض ، (٩) ما يقول سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٨٢) [النساء : ٨٢] ، فهو الذي برّأه الله من كل تناقض واختلاف وطهره تطهيرا ، فلم ينظر بعين قلب مبصرة ، ولا تمييز نفس زكية (١٠) مطهرة ، من خفي عنه أن تنزيل الكتاب ، لا يمكن أن يكون من غير رب الأرباب ، لعجز كل من سوى

__________________

(١) الانحسار : الانكشاف. والمراد هنا : العجز.

(٢) في (أ) و (د) : حجة.

(٣) في (ب) و (ه) ، ولكان ما جاء به بشريا (مصحفة). وفي (ج) : لو كان من جاء به بشرا.

(٤) في (ج) : والبطر.

(٥) في (ب) و (ه) : لعلم.

(٦) في (ب) و (ه) : وكفى.

(٧) في (ب) و (ه) : لله تقريرا وتعريفا.

(٨) في (ج) : الله.

(٩) التداحض : البطلان.

(١٠) سقط من (ج) : زكية.

٢٥

الله عن أن يأتي من آياته بأية ، ولو عني بذلك وفيه (١) بكل جهد وعناية ، لامتناع ذلك وعوزه (٢) وارتفاعه عن ذلك وعزه ، (٣) عن أن ينال نائل (٤) ذلك أبدا منه ، وأن يصاب أبدا إلا بالله وعنه.

فو الله ما ينال ذلك في ظاهره وعليّه ، وبيّنه الذي لا يخفى وجليّه ، فكيف بما فيه من الأسرار والخفايا؟! وما خبّئ فيه لأولياء (٥) الله من الخبايا؟!

كيف بما في حواميمه؟! من غرائب حكمه ، وما في طواسينه ، من عجائب مكنونه ، وما في (ق) ، و (طه) ، و (يس) ، من علم جمّ للمتعلمين ، (٦) وفي كهيعص وألم والذاريات ، (٧) من أسرار العلوم الخفيات ، وما في المرسلات والنازعات ، من جزم (٨) أنباء جامعات ، لا يحيط بعلمها المكنون ، إلا كل مخصوص به مأمون ، فسر ما نزل الله سبحانه من الكتاب ، فخفيّ على كل مستهزئ لعّاب.

وأسراره برحمة الله لأوليائه فعلانية ، وأموره لهم فظاهرة بادية ، فهو الظاهر الجلي المجهور ، والباطن الخفي المستور ، وهو (٩) بمنّ الله المصون المبذول ، والجزم (١٠) الذي لا يدخل شيئا (١١) منه هذر ولا فضول ، بل قرنت (١٢) فيه لأهله مجامع كلمه ، وسهّلت به لهم مسامع حكمه ، فقرعت من قلوبهم مقارع ، ووقعت من أسماعهم مواقع ، لا يقعها

__________________

(١) سقط من (ب) : بذلك و. وفي (ج) : ولو عني بذلك بكل وجهة وعناية.

(٢) في (د) : بامتناع. وفي (ب) : وغوره. وفي (ه) : وغيورة (كلاهما مصحفة).

(٣) في جميع المخطوطات : عن ذلك وارتفاعه ، وما أثبت فهو اجتهاد. والله أعلم. وفي (د) و (ه) : وعسره.

(٤) في (ب) و (ه) : قائل (مصفحة).

(٥) في (أ) : لأوليائه الله. وفي (د) : وما خبىء فيه لأولياء الله الخبايا.

(٦) في (أ) و (د) : للعالمين.

(٧) في (ج) و (د) : والرايات. وفي (ب) : والربات. مصحفة.

(٨) في (ب) و (ه) : حزم.

(٩) في (أ) : فهو.

(١٠) في (ب) والحرم.

(١١) في (أ) و (د) : شيء.

(١٢) في (د) : قربت.

٢٦

من غيرها عندهم واقع ، ولا يسمع بمثل تفسيرها أبدا منهم (١) سامع ، فمن أبى ذلك ، وأنكره أن يكون كذلك ، فليأت بمثل سورة كبيرة ، من سوره (٢) أو صغيرة ، فلن يفعل ولو أجلب بالخلق كلهم أبدا ، ولن يزداد بذلك لو كان كذلك من أن يأتي بمثلها إلا بعدا ، كما قال الله سبحانه : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢٤) [البقرة : ٢٣ ـ ٢٤].

وفي الكتاب والقرآن ، وما جعل الله فيه من البيان ، ما يقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [القيامة : ١٦ ـ ١٩]. فما على الله تبارك وتعالى بيانه ، فلن تضل عنه أبدا حجته ولا برهانه.

وفي تعجب مستمعة الجن به ، (٣) وما سمعوا عند استماعهم (٤) له من عجبه ، ما يقول سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) (١) [الجن : ١] ، فجعله تبارك وتعالى لهم عجبا معجبا(٥).

وأيّ عجب أعظم ، أو حكمة أحكم ، أو كتاب أعلى وأعزّ ، وأحفظ من كل ضلال وأحرز ، لمن (٦) كان من أهله ، أو منّ عليه (٧) بتقبله ، عند من يفهم أو يعقل ، أو يفرق بين الأمور فيفصل ، من حكمة الله في تنزيله ووحيه ، وما جعل فيه من ضلال عدوه وهدى وليّه ، وهو أمر من أمور الله واحد ، يضل به الضال ويرشد عنه الراشد ، فهو ضلال لمن ضل عنه ، وهدى ورشد لن قبل منه ، ونجاة لمن اتقى ورحمة وبركة ،

__________________

(١) في (ب) : مثل. وفي (أ) و (ب) و (ج) و (ه) : تفسيرها منهم أبدا سامع.

(٢) في (أ) و (ب) و (ج) و (ه) : من سوره كلها أو صغيره.

(٣) في (ج) : وفي عجب مستمعة. وفي (ب) تعجب سمعة. وسقط من (د) : به.

(٤) في (ج) : استماعه لهم.

(٥) سقط من (أ) و (د) : معجبا.

(٦) في (ب) و (ه) : ولمن.

(٧) سقط من (ج) : عليه.

٢٧

وخزي على (١) من تعدى ونقمة وهلكة ، كما قال سبحانه : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) [البقرة : ١ ـ ٣].

وفي بركة (٢) كتاب الله وما أمر به (٣) من تدبره ، وما وهب لأولي الألباب من الذكر به ، (٤) ما يقول سبحانه : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩) [ص : ٢٩].

فنحمد الله رب الأرباب ، على ما وهب من الهدى بما نزّل من الكتاب ، ونسأله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها ، (٥) وأن يمتعنا فيه بما وهب لنا (٦) من هداها ، وأن يجعلنا له إذا قرئ من المستمعين بالإنصات ، وأن ينفعنا بما نزل فيه من الآيات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، عليه توكلنا وهو رب العرش الكريم.

تم المديح الكبير ، بمنّ الله العالم القدير.

وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وعلى آله الطيبين ، وسلم تسليما كثيرا.

* * *

__________________

(١) سقط من (ج) : على.

(٢) في (د) : وفي تركه. وفي (ه) : وفي بركه (كلاهما مصحفة).

(٣) سقط من (ج) : به.

(٤) في (ج) : من التذكر به.

(٥) في (ب) و (د) و (ه) : هدانا.

(٦) في (ب) و (ج) و (د) : يمتعها. وفي (ه) : يمنعنا. وفي (أ) و (ج) : لها.

٢٨

مديح القرآن الصغير

٢٩
٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الهدى فيما نزل من كتابه مكمّلا ، ونزل برحمته للعباد منه بيانا كريما مفصّلا ، فيه لمن استغنى به أغنى الغنى ، ولمن اجتنى ثمرات هداه أكرم مجتنى ، لا يجتوي عن (١) جناه أبدا مجتو ، ولا يدوى (٢) مع شفائه أبدا مدو ، نور أعين القلوب المبصرة ، وحياة ألباب النفوس المطهرة ، إلف فكر (٣) كل حكيم ، وسكن نفس (٤) كل كريم ، وقصص الأنباء (٥) الصادقة ، ونبأ الأمثال المتحققة ، ويقين (٦) شكوك حيرة أولي الألباب ، وخير (٧) ما صحب من الأصحاب ، سر أسرار (٨) الحكمة ، ومفتاح كل نجاة ورحمة ، قول أرحم الراحمين ، وتنزيل (٩) رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فأي منزّل سبحانه ونازل وتنزيل ، لقد جل سبحانه وتنزيله عن كل تمثيل ، وطهر وتقدس ـ إذ وليه بنفسه ، ونزل به روح قدسه ـ عن قذف الشياطين وأكاذيبها ، وافتراء مردة الآدميين وألاعيبها ، فأحكم عن خطل (١٠) الوهن والتداحض ، وأكرم عن زلل الاختلاف والتناقض ، فجعل بآياته مترافدا ، وبضياء بيناته (١١) متشاهدا ، غير متكاذب الأخبار ، ولا متضايق الأنوار ، بل ضحيان النور،

__________________

(١) في (أ) : لا يجتوي عن جفاه أبد مجتوي. و (ج) : لا يحتوي على جنابه أبدا محتو. و (ب) لا يحتوي عن حياته أبدا محتو. و (ه) : لا يحوي عن جنائه أبدا محتو.

لا يجتوي : أي لا يكرهه ولا يعافه أو لا يصيبه داء ، يقال رجل جوي الجوف ، أي : دوي الجوف. وجوي الطعام كرهه ، ولم يوافقه. لسان العرب ، مادة (جوا).

(٢) ولا يدوي أي : لا يمرض ، ولا يصيبه داء ، يقال رجل دوى ودو أي : مريض ، راجع لسان العرب مادة (دوا).

(٣) (أ) و (د) : فكرة.

(٤) (ب) : سكن من كل (مصحفة).

(٥) (ب) و (ه) : الأنبياء.

(٦) في (ب) و (ج) و (ه) : ونفي شكوك حيرة الارتياب.

(٧) في (ج) : وخبرة.

(٨) في (ب) و (ه) : سرائر.

(٩) في (ب) و (ه) : وتنزيل من رب (زيادة).

(١٠) الخطل : الاضطراب ، والكلام الفاسد الكثير.

(١١) في (ب) و (ه) : مترادفا. (مصحفة). وفي (أ) : وبضياء تبيانه.

٣١

فيحان الأمور ، سيحان (١) الأنهار بالحياة المنجية ، واسع الأعطان (٢) والأفنية ، ساطع النور(٣) والبرهان ، جامع الفصل (٤) والبيان ، فأنواره بضيائه زاهرة ، وأسراره لأوليائه ظاهرة ، فما إن يواري (٥) عن أهله الذين استودعوا علمه من سرائر سريرة ، (٦) ولا يدع ما وضح من توره في قلوبهم من مشكلة (٧) حيرة ، بعزائم حكماته (٨) المنزلة ، ودلائل آياته المفصّلة (٩).

فسبحان من جاد به طولا ، وجعل سببه به موصولا. لقد أجلّ سبحانه به (١٠) المنة على العباد ، ودلهم به (١١) تبارك وتعالى على كل رشاد ، فجاد لهم سبحانه بما لا تجود به نفس وإن عظم جودها ، وكبر (١٢) في الجود بالعطايا (١٣) المحمودة محمودها ، لقد (١٤). جاد لهم منه بكنوز لا تبلى ، وأعطاهم به عطيّة لا يجد لها واجد وإن جهد (١٥) ، فبذل لهم به منه كنز الكنوز ، ودلهم به على كل نجاة وفوز ،

__________________

(١) في (ج) : صخيان. وفي (أ) و (ب) و (ج) : صحيان. (وكلاها مصفحة) ، وقد تكون من الصحو الذي هو ذهاب الغيم. وضحيان من الضحو أي مضيء. وفي (ج) : تنحان. (مصحفة) : ومعنى فيحان من الفيح : الواسع المنتشر. وسيحان : جاري.

(٢) (ج) : الأعطاف ، وفي (ه) : الأعطفان (مصحفة).

والأعطان : جمع عطن ، وهي مبارك الإبل ، وهو تعبير عن علومه الواسعة ، والأفنية : جميع فناء ، وهو ما اتسع من أمام الدار.

(٣) في (ب) : الأنوار.

(٤) في (أ) و (د) : الفضل. (مصحفة).

(٥) (أ) : تواري. وفي (ه) : توالي. (مصفحة).

(٦) سقط من (ب) و (ج) : سريرة. وفي (ه) : سرائر سره.

(٧) في (أ) : لمشكلة ، وسقط من (ب) : من.

(٨) في (د) : حكمات.

(٩) في (ج) : المتصلة.

(١٠) سقط من (ب) و (ه) : به.

(١١) في (ب) و (ه) : عباده. وسقط من (ب) و (ج) و (ه) : به.

(١٢) في (أ) : وكثر.

(١٣) في (د) : بالعضايا الموجودة المحمودة.

(١٤) في (ج) : فقد.

(١٥) في (أ) و (د) : جهل (مصفحة).

٣٢

فتح لهم أبواب الجنان ، وهداهم به (١) سبيل الرضوان ، ونبأهم فيه عن نبأ السماوات العلى ، وما مهد تحتهن من الأرضين السفلى ، وما فتق من (٢) الأجواء ، بين الأرض والسماء ، وعن خلق الملائكة والجن والإنس فقد نبأهم ، وعن كل علم كريم مكنون فقد به أتاهم ، قصّ (٣) به عليهم أخبار القرون الماضية ، وأخبرهم (٤) فيه بمن أهلك بذنبه من الأمم العاتية ، فكل عجيب من الأشياء ، أو قصة كريمة من قصص الأنبياء ، فقد أوصل فيه علمها إليكم ، وأورد عجيب نبأها به (٥) عليكم.

[وصية الإمام بالقرآن]

فعلى كتاب ربكم هداكم الله فاقتصروا ، وبه (٦) فهو ذو العبرة فاعتبروا ، ففيه نوافع العلم ، وجوامع الكلم ، التي (٧) يستدل بقليلها على كثير من ملتبس قال وقيل ، ويستشفى من علمها بتفسير أدنى ما فيها من (٨) دليل.

فسبيل قصده فاسلكوا ، وبه ما بقيتم فتمسكوا ، فهو ذروة الذرى ، وبصر من لا يرى ، وعروة الله الوثقى ، وروح من أرواح الهدى ، سماويّ أحله الله برحمته أرضه ، وأحكم به في العباد فرضه ، فلا يوصل إلى الخيرات أبدا (٩) إلا به ، ولا تكشف الظلمات إلا بثواقب شهبه ، من صحبه صحب سماويا لا يجهل ، وهاديا إلى كل خير لا يضل ، ومؤنسا لقرنائه(١٠) لا يملّ ، وسليما (١١) لمن صحبه لا يغلّ ،

__________________

(١) سقط من (ب) : به.

(٢) في (ب) : في.

(٣) في (أ) : قد به أنبائهم. وفي (ب) و (ه) : وقص.

(٤) في (ب) و (ج) و (ه) : وخبرهم.

(٥) في (ب) و (د) : بيانها به ، وفي (ب) : نبائها عليكم.

(٦) في (ب) : واقصروا به.

(٧) في (أ) ، (ب) ، (د) ، (ه) : الذي.

(٨) سقط من (ب) : من.

(٩) سقط من (ب) : أبدا.

(١٠) (أ) و (ج) : لقربائه.

(١١) (ج) و (د) : وسلما.

٣٣

ونصيحا لمن ناصحه لا يغشّ ، وأنيسا لمن آنسه (١) لا يوحش ، وحبيبا لمن حابّه لا يبغض ، ومقبلا على من أقبل عليه لا يعرض ، يأمر بالبر والتقوى ، وينهى عن المنكر والأسواء ، لا يكذب أبدا حديثا ، ولا يخذل من أوليائه مستغيثا ، إن وعد وعدا أنجزه ، أو تعزّز به أحد أعزه ، (٢) لا تهن لأوليائه معه حجة ، ولا تبلى له ما بقي أبدا بهجه ، ولا يخلقه كرّ ولا ترداد ، ولا يلمّ به وهن ولا فساد ، ولا يعي به وإن لكن (٣) لسان ، ولا يشبه فرقانه فرقان ، ومن قبل ما صحب (٤) الروح الأمين ، والملائكة المقربين ، فكان لهم هاديا ومبينا ، وازدادوا به من الله يقينا.

فاتخذوه هاديا ودليلا ، واجعلوا سبيله لكم إلى الله سبيلا ، حافظوا (٥) عليه ولا ترفضوه ، واتخذوه حبيبا ولا تبغضوه ، فإنه لا يحب (٦) أبدا له مبغضا ، ولا يقبل على من كان عنه معرضا ، ولا يهدى إليه من عاداه ، ومن تعامى عنه أعماه ، ولا (٧) يبصر ضياءه إلا من تأمّله ، ولا يعطي هداه إلا أهله ، من ضل عنه أضله ، يقلّد (٨) جهله من جهله ، إن أدبر عنه أدبر ، أو أقبل عليه بصّر.

جعله الله يتلوّن في ذلك بألوان ، ويتفنن فيه على أفنان ، فهو الهادي المضل ، وهو (٩) المدبر المقبل ، وهو المسمع المصم ، وهو المهين (١٠) المكرم ، وهو المعطي المانع ، وهو القريب الشاسع ، (١١) وهو السر المكتوم ، وهو العلانية المعلوم ، فمرّة يهدي إليه (١٢) من اصطفاه ، ومرّة يضل من أبى قبول هداه ، ومرّة يقبل على من أقبل إليه ، ومرة يدبر عن من التوى في الهدى عليه ، ومرّة يسمع من استمع منه ،

__________________

(١) (ب) و (ج) و (ه) : وآنسه.

(٢) (ج) : عزه.

(٣) لكن : لا يقيم العربية لعجمة في لسانه.

(٤) ما صحب : أي صحب ، وما : مؤكدة أو محسنة ، كثيرا ما ترد في كلام الإمام.

(٥) في (ب) و (ه) : وحافظوا.

(٦) في (ج) : فإنه لا يحب إقباله مبغضا (مصحفة).

(٧) سقط من (أ) و (ج). و (د) : الواو.

(٨) في (ج) : يقدر (مصحفة).

(٩) في (ب) و (ه) : المفصل (مصفحة). وسقط من (ب) و (ه) : وهو.

(١٠) في (ب) و (ه) : والمهين المكرم.

(١١) الشاسع : البعيد.

(١٢) سقط من (ج) : إليه.

٣٤

ومرّة يصم (١) من أعرض عنه ، ومرّة يهين الأعداء ، ومرّة يكرم الأولياء ، يعطي من قبل عطاه ، ويمنع من أبى قبول هداه ، يقرب لمن ارتضاه ، ويشسع عمن سخط قضاه ، يعلن لأوليائه ويظهر ، ويكتتم (٢) عن أعدائه ويستر ، (٣) نور هدى على نور ، وفرقان بين البرّ والفجور ، أرشد زاجر وآمر ، وأعدل مقسط ومعذّر ، (٤) يوقظ بزجره النّوماء ، ويعظ بأمره الحكماء ، ويحيي بروحه الموتى ، ولا يزيد من مات عنه إلا موتا ، يعدل أبدا ولا يجور ، وكل أمره فقدر مقدور ، ظاهره ضياء وبهجة ، وباطنه غور ولجّة ، لا (٥) يملك حسن أنواره ، ولا يدرك باطن (٦) أغواره ، فمن ظهر لظاهر مناظره ، رأى أعاجيبه في موارده ومصادره ، ومن(٧) بطن لمستبطنه ، رأى مكنون محاسنه ، من غرائب علمه ، وأطائب حكمه ، لباب كل لباب، وفصل كل خطاب ، وحكمه (٨) من حكم رب الأرباب ، اكتفى به منه في هداه لأوليائه ، واصطفى به من خصّه الله سبحانه باصطفائه ، فمصابيح الهدى (٩) به ، تزهر واهجة ، وسبل (١٠) التقوى به إلى الله تلوح ناهجة ، (١١) يحتاج إليه ولا يحتاج ، سراجه أبدا بنوره وهّاج ، يعلّم ولا يعلّم ، ويقوّم ولا يقوّم ، فهو المهيمن الأمين ، والفاصل المبين ، والكتاب الكريم ، والذكر الحكيم ، والرضى المقنع ، والمنادي المسمع ، والضياء الأضوى ، والحبل الأقوى ، والطود (١٢) الأعلى ، الذي يعلو فلا (١٣) يعلى ، ولا يؤتى لسورة من سوره ...

__________________

(١) في (ب) : يصم عن من.

(٢) في (ب) : ويكتم.

(٣) في (أ) و (ج) : ويستتر.

(٤) في (أ) و (ج) و (د) : ومقدر.

(٥) في (أ) و (د) : لا تملك.

(٦) في (ب) : من بطن.

(٧) في (ب) : من بطن.

(٨) في (د) : وحكمة.

(٩) في (ب) : الهداية (مصحفة).

(١٠) في (ب) : وسبيل.

(١١) في (ب) : باهجة. وفي (ج) : ماهجة. (كلاهما مصحفة). وناهجة : واضحة بينة.

(١٢) الطود : الجبل.

(١٣) في (ج) : ولا.

٣٥

(١) أبدا بمثل ولا نظير ، ولا يوجد فيه اختلاف في خبر ولا حكم ولا تقدير ، فصل كل خطاب ، وأصل كل صواب.

فجعلنا الله وإياكم من أهله ، وعصمنا وإياكم بحبله ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد النبي وأهله وسلم تسليما.

وبعد : فإنا لمّا رأينا ـ فيه من جوامع الهدى واليقين ، وكان الهدى واليقين به مقدّمة معتصم (٢) كل دين ـ علمنا متيقنين ، وأيقنّا مستيقنين ، أن لن نصيب رشدا ، ولن ننال (٣) مطلوب هدى ، إلا به وعن تفسيره ، وبما نوّر الله (٤) القلوب به من تنويره ، فنظرنا عند ذلك (٥) فيه ، واستعنا بالله عليه ، فوجدناه بمنّ الله لكل علم من الهدى ينبوعا ، ورأينا به كل خير في الهدى مجموعا ، فلا خير في الحياة الدنيا كخيره ، ولا يهتدى لأحكام (٦) الله بغيره ، من طلب الهدى في غيره لم يجده أبدا ، ومن طلبه به وجد فيه أفضل الهدى ، فقصدنا قصده ، والتمسنا رشده ، فأيّ رشد فيه وجدنا؟! وإلى أيّ قصد منه (٧) قصدنا؟! تالله (٨) ما غابت عنه من الهدى غائبة ، ولا خابت لطالب فيه خائبة ، لقد كشف ستور الأغطية ، وأظهر مكنون سرّ الأخفية ، فأوجد مطلوب ملتمسها ، وأبان ملتبس مقتبسها.

__________________

(١) في (أ) : لسورة منه أبدا ، وفي (ج) : من سوره بمثل.

(٢) سقط من (ج) : به. وفي (ج) معظم (مصحفة).

(٣) في (ب) و (ه) : أن لا. وفي جميع المخطوطات : يصيب (مصحفة) والصواب ما أثبته. وفي (ج) : ولا ننال. وفي (ب) و (د) : ولن ينال.

(٤) في (أ) و (ج) و (د) : وبما نور الله به القلوب من تنويره.

(٥) في (أ) و (ج) و (د) : تلك.

(٦) في (أ) و (ج) : ولا تهتدي لأحكام الله بغيره ، وفي (ب) و (ه) : ولا يهتدي الأحكام بغيره.

(٧) في (ج) : فيه.

(٨) في (أ) و (ج) و (د) و (ه) : بالله (مهملة) ، إلا أن الكمبيوتر لا يثبت المهملة. وفي (ب) : بالله. ، ولعل الصواب ما أثبت.

٣٦

[السياسة المنحرفة تحرّف القرآن]

على ما بلي (١) به قديما من تلبيس ملوك الجبابرة ، وأتباعها من علماء العوّام المتحيّرة،(٢) في توجيهها له على أهوائها وتصريفه ، (٣) وتأويلها له بخطئها على (٤) تحريفه ، حتى عطّل فيهم قضاؤه ، وبدّلت لديهم أسماؤه ، فسمّيت الإساءة فيه إحسانا ، والكفر بالله إيمانا ، والهدى فيه عندهم ضلالا ، وعلماء أهله به (٥) جهالا ، ونور حكمه ظلما ، وبصر ضيائه عمى ، بل حتى كادت أن تجعل فاؤه ألفا ، وألفه للجهل بالله فاءا ، تلبيسا على الطالب المرتاد ، (٦) وضلالة من العامة عن (٧) الرشاد ، فنعوذ بالله من عماية العمين ، والحمد لله رب العالمين.

فلو لا ما أبدى الله سبحانه من كتابه وحججه ، وأذكى سبحانه من تنوير (٨) سرجه ، لأباد حججه ـ بتظاهرهم ـ المبطلون ، ولأطفأ سرجه الظلمة الذين لا يعقلون ، ولكن الله سبحانه أبى له أن يطفى ، وجعله سراجا لأوليائه أبدا (٩) لا يخفى ، ولذلك ما يقول سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣٢) [التوبة : ٣٢].

ولعلنا ولا قوة إلا بالله العلي الكبير ، وبالله (١٠) نستعين على ما هممنا به لكتابه من التفسير (١١) ، أن نضع مما علّمنا الله فيه طرفا ، وأن نصف فيه من وصف الحق وصفا ،

__________________

(١) في (ب) : ما تلي ، وفي (ج) : ما ما تلي (كلاهما مصحفة).

(٢) في (د) و (ه) : والمتجبرة.

(٣) ـ في (ب) و (ه) : وتصريفها. وفي (ج) : وصرفها (مصحفة).

(٤) في (ب) : عن.

(٥) سقط من (أ) : و (د) : به.

(٦) المرتاد : الطالب مأخوذ من الرّود : الطلب.

(٧) في (أ) : على ، وفي (ب) : العامة والرشاد.

(٨) في (د) : وإذ كان (مصحفة). والإذكاء : الإشعال. وفي (ب) : منور.

(٩) سقط من (ب) : أبدا.

(١٠) في (أ) : العلي العظيم الكبير ، وفي (ب) و (د) و (ه) : العلي العظيم. وفي (ج) : وبه.

(١١) يا ليته أتم ذلك التفسير الذي همّ به إذا لأغنى المكتبة القرآنية ولكنه رحمه‌الله ورضي عنه أخذ في تفسير القرآن من السور القصار فما بلغ إلا سورة الضحى. وإن كان يوجد من تفسيره لآيات متفرقة ـ

٣٧

نبين عنه بما (١) يحضرنا فيه الله من التبيين ، ونعتمد فيه على ما نزّله (٢) الله به من هذا اللسان العربي (٣) المبين ، فإن الله جعله مفتاح علمه ، ودليل من التمسه على حكمه ، فلا يفتح أبدا إلا بمفاتيحه ، ولا تكشف (٤) ظلمه إن عرضت في فهمه إلا بمصابيحه ، فعنه فاستمعوا ، وبه وفيه فانتفعوا ، واعلموا أنّا لن نضع من ذلك إلا قليلا وإن أكثرنا ، وأنّا وإن بلغنا من (٥) تفسيره كل مبلغ فلن نمسك عنه (٦) إلا وقد قصّرنا ، وإن لكل تفسير منه تفسيرا ، وإن قلّ تفسيره (٧) كثيرا ، ولكل باب منه أبواب ، وكل سبب فقد تصله الأسباب ، إلا أنا سنقول في ذلك بما يحضرنا الله فهمه ، وما نسأل الله أن يهبنا في كتابه علمه.

ونبدأ من تفسير كتاب الله بما نرجو أن يكون الله به بدأ ، من تفسير السورة التي أمر نبيّه أن يسأله فيها الهدى ، وسماها عوام هذه الأمة فاتحة الكتاب والفرقان ، وقال بعضهم : اسمها أمّ (٨) القرآن ، وذلك مما (٩) يدل من يستدل ، على أنها أول ما نزل ، لا كما يقول بعض جهلة العوامّ بغير ما دليل ولا برهان ، أن (١٠) أول ما نزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢) [العلق : ١ ـ ٢].

__________________

ـ شيء كثير.

(١) في (أ) : نبين عنه بما يحضرنا الله من التبيين ، وفي (ج) : نبين عنه بما يخطرنا فيه من التبيين ، وفي (ب) و (ه) : نتبين عنه ما يحضرنا فيه الله.

(٢) في (ب) و (ج) : ما نزل.

(٣) في (أ) و (د) : العربي العزيز المبين.

(٤) في (د) : ولا يكشف ظلمة.

(٥) في (أ) : أبلغنا سقط من (أ) : من.

(٦) في (ب) : منه.

(٧) سقط من (ب) : وإن قل تفسيره. وفي (ج) : وإن أقل تفسيره كثير. وفي (ه) : وإن أقل تفسيره كثيرا.

(٨) في (ب) : أول.

(٩) في (ب) و (ه) : ما.

(١٠) في (ب) و (ه) : بأن.

٣٨

ألا ترى كيف يقول : اقرأ ما يقريك ، باسم (١) ربك الذي نزل عليك ، فأخبر جلّ ثناؤه أن قد نزّل عليه قبلها ، الاسم الذي أمره (٢) أن يقرأ به فيها ولها ، وأن يقدمه في القراءة عليها ، ثم يصير بعد القراءة به (٣) إليها.

ألا ترى أنه لو كان ما قد قرأ ، هو ما أمر عليه‌السلام أن يقرأ ، لكان إنما أمر بفعل تامّ مفعول ، وقول (٤) قد تقدم مقول. وإنما اسم ربه الذي أمر أن يقرأ به بسم الله الرحمن الرحيم، الذي قدّم به (٥) في صدر كل سورة عند أول كل تعليم.

والحمد لله وحده ، وصلواته على سيدنا محمد النبي وعلى آله ، تم المديح الصغير ، بمنّ الله اللطيف الخبير.

* * *

__________________

(١) سقط من (أ) و (د) : ما يقريك. وفي (د) : اسم.

(٢) في (ب) : أمر.

(٣) سقط من (ب) : به.

(٤) في (ب) : قول.

(٥) في (أ) : به صدر. وفي (ب) : له في كل صدر. وفي (ج) و (ه) : له في صدر.

٣٩
٤٠