مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

ورضي عنهم وأرضاهم ، (١) أولئك الذين لا يشقى جليسهم ، ولا ترد دعوتهم ، يدورون مع الحق حيثما (٢) دار ، والأرض بهم رحيمة ، والجبار عنهم (٣) راض ، جعلهم الله بركة أرضه ، ورحمة على عباده ، فطوبى لهم وحسن مآب.

[الصادق المجتهد]

قال الوافد : صف لي الصادق المجتهد؟

قال العالم : هو الذي لا يعجز عن الاجتهاد فيما يقربه إلى الله ، في تحريكه وسكونه ، وكلامه وقعوده وقيامه ، ثم يجعل اجتهاده من جميع جوارحه ، (٤) ثم يجعل تحريك لسانه ، واستماع أذنه ، وبطش يده ، ومشي رجله ، وأخذه وعطاه ، ونومه ويقظته ، وجميع ما يكون منه في ليله ونهاره ، يصدق بعضه بعضا ، (ثم يجعل طعامه وشرابه ، ولباسه ، وجوعه وعطشه ، وقيامه وقعوده ، وشبعه وريّه ، يوافق بعضه بعضا) (٥) ويجعل جميع ذلك صدقا منه ، وقصدا إلى ما يوافق إرادته ، وليكن ذلك من خالص قلبه ، فإن فعل ذلك كان صادقا في إرادته وعبادته ، فإن (٦) الصادق المحب المستمر في الطاعات ، (٧) ينبذ الدنيا وراء ظهره ، فيظمأ (٨) نهاره ، ويسهر ليله ، ويترك شهوته ، (٩) ويخالف هواه ، ويقصر أمله ، ويقرب أجله ، ويخلص عمله من الآفات والتخاليط ، ويرتعد بدنه من خوف الله ، وقد ترك (١٠) الدنيا عنه ، لما عرف مكرها وخاف مضرتها ،

__________________

(١) في (ب) : وأرضاهم واصطفاهم.

(٢) في (أ) : أينما.

(٣) في (ب) : عليهم.

(٤) في (ب) : الجوارح وصدق تكلفه.

(٥) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٦) في (ب) : من عبادته. وفي (أ) : وإن.

(٧) في (ب) : الطاعة.

(٨) في (ب) : ويظمأ.

(٩) في (ب) : شهواته.

(١٠) في (ب) : عزف. وأشار إلى نسخة أخرى (رفض).

٤٤١

لم ينظر إليها بقلبه ، ولم (١) يمش إليها بقدمه ، ولم يبطش فيها بيده ، حذرا من شرها وفتنتها ، (٢) فهو هارب بنفسه حذرا من أهلها ، فقلبه غير غافل عن الله ، ومداوم على ذكره ، (٣) وقد عزل عن نفسه كل شغل يشغله (٤) عن الله ، وأقبل على قلبه ، فعمره بذكر ربه ، وجعل ذلك صافيا خالصا لله ، فهو خائف وجل مرعوب (٥) من عذابه ، هارب من الدنيا وأهلها ، محافظ على عمله ، قائم على نيته ، (٦) فبذلك يهتدي الضالّ ، ويسلك الطريق ، ويستجيب الله دعاءه ، ويملكه الله من قصور الجنة ، ويزوجه من حور العين ، ويخدمه الولدان ، فطوبى له (٧) وحسن مآب.

[الاخلاص]

قال الوافد : صف لي الإخلاص؟

قال العالم : إن (٨) مثل نور الإخلاص مثل نور الشمس ، لو غطى نور (٩) الشمس أدنى الغيم والغبار ، (١٠) تكدر من ضوئها على مقدار ذلك الغبار ، وإن كانت عين الشمس في ذاتها صحيحة ، ذلك (١١) مثل الصفا والإخلاص. وكذلك كل عمل يكون

__________________

(١) في (أ) : ولا.

(٢) في (أ) : شر قذرها وفتنتها.

(٣) في (ب) : الذكر.

(٤) في (أ) : فقد عزل نفسه عن كل شغله عن الله.

(٥) سقط من (أ) : مرعوب.

(٦) في (أ) : بنية.

(٧) في (ب) : لهم.

(٨) سقط من (أ) : إن.

(٩) في (ب) : عين.

(١٠) سقط من (ب) : الغبار.

(١١) في (أ) : كذلك.

٤٤٢

أصله لله خاصة فهو له خالص ، ثم ربما شابه شيء من الدنس والكدر ، (١) فأحبط عليه عمله.

فالآفات التي تحبط العمل سبع :

أولهن : الكبر.

والثاني : الحسد.

والثالث : الحرص.

والرابع : الرياء.

والخامس : العجب.

والسادس : الشهوة.

والسابع : البخل.

فما دخل على المؤمن من هؤلاء فقد نقص عمله وإيمانه. ومثل ذلك مثل (٢) الثوب الجديد الأبيض ، يصيبه شيء من الدنس والغبار ، فيذهب من نوره وصفائه وبهائه بقدر ذلك الغبار والدنس ، وإن كان الثوب في الأصل جديدا لا عيب فيه. كذلك مثل الإنسان في صلاته يكون في طهارته (٣) محكما ، (وفي ركوعه وسجوده محكما ، فظاهره طاهر ، وباطنه محشو من الآفات والتخاليط ، فمن خلط فقد اغتر واستعبده الهوى ، وزين له شيطانه ، وخيلت إليه نفسه الكذب صدقا ، والباطل حقا) ، (٤) ولم يستحق اسم الإخلاص ، ولو أن مؤمنا (٥) بلغ من كرامته عند الله أن يطير في الهوى ، لم يزده (٦) ذلك إلا شدة وخوفا واجتهادا ، وما ازداد إلا خشية ، ولا ازداد إلا عبادة وهيبة ، وما

__________________

(١) في (ب) : الدنس فهو الكدر ، وأحبط.

(٢) سقط من (ب) : عمله. وفي (أ) : كمثل.

(٣) في (أ) : إن كان في الطهارة.

(٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٥) في (ب) : رجلا بلغ من كراماته.

(٦) في (أ) : يزدد.

٤٤٣

جعل الله للخالص (١) إلى الرخصة سبيلا ، فمن كان لله أعرف ، فهو له (٢) أخوف ، فينبغي لمن أراد الإخلاص في عمله ، ألا تسكن روعته ، ويكون خائفا وجلا حزينا ، وهذا (٣) إذا كان الخوف والحزن وافقهما القبول من الله عزوجل (٤). لأن الخوف والحزن ينوران الإخلاص ويزينانه ، (٥) وكل عمل لم يكن يوجل عليه القلب فقد حفت (٦) به الآفات من حيث لا يشعر ، لأن لأعمال الطاعات ، آفات مختلفات ، ليس يعرفها كل (٧) مطيع ، وذلك أن المطيع ربما هاج منه (٨) العجب والرياء والفخر والأمان ، من غير أن يعلم بها ، فلا يغفل المخلص عن ذلك ، في ليله ونهاره ، وحركته وسكونه ، وذلك مما يدخل عليه من تمويه (٩) النفس وتلبيس الهوى.

قال الوافد : صف لي صحيح (١٠) الإرادة؟

قال العالم : إذا علم الله من قلبك صحة الإرادة ، وإخلاص العمل ، أوصلك إلى الخير ، (١١) وهدى قلبك ، ويسر أمرك ، وجمع شملك ، (١٢) وهوّن عليك الصعوبة ، وقمع عنك الشهوات ، وبغّض إليك الدنيا ، وبصّرك عيوبها وأدواءها (١٣) حتى تعافها ، وإذا عرف الله منك الصدق والاجتهاد ، وعلم أنك لا تختار عليه غيره ، قبل الله سعيك ،

__________________

(١) في (ب) : واجتهادا في العبادة ، وما ازداد عند الله خشية إلا ازداد عند الله عبادة وهيبة. وأشار في (ب) بنسخة أخرى : للمخلص.

(٢) في (ب) : لله.

(٣) سقط من (ب) : هذا.

(٤) في (أ) : عن الله عزوجل قبول.

(٥) في (ب) : لأن الخوف والحزن معدنان للصفاء ومخ الإخلاص.

(٦) سقط من (أ) : حفت.

(٧) في (ب) : إلا كل. ولعل (إلا). زيادة.

(٨) في (ب) : أن الطاعة ربما هاج من صاحبها.

(٩) في (ب) : أهوية.

(١٠) سقط من (أ) : صحيح.

(١١) في (ب) : الخيرات.

(١٢) سقط من (أ) : جمع شملك.

(١٣) سقط من (أ) : وأدواءها.

٤٤٤

وشكر عملك ، وصار اجتهادك تلذذا وحلاوة ، فإذا رآك الله تعمل على الحلاوة ولا تتوانى ، ولا تختار عليه الدنيا ، ولا تتبع هواك ، ولا تطلب شهوتك ، قبل الله منك عملك ، ونثر عليك من صفاء بره ، ونشر عليك من محزون رحمته ، وكثّر عليك من عطائه ، ومنحك من خزائن جوده ، وجزيل مواهبه ومعونته ، ما تقر به عينك ، وما إذا رأيته زادك اجتهادا وخوفا وعزما ، ونضّر أثر ذلك عليك ، وأورث قلبك النور والتقى والهدى ، والشبع من الدنيا ، وأغناك عمن دونه ، وأعطاك من عطائه ، ما لم يحسن أن تتمنى قبل ذلك ، والله كريم يقبل اليسير ، ويعطي عليه الثواب الكثير (١).

قال الوافد : كيف أخلص العمل؟

قال العالم : إنك لا تدرك إخلاص العلم إلا بالعزم ، ومن كمال العزم (٢) قلة التسويف ، ولزوم الصدق ، وتمام النية ، ومن تمام النية إخلاص العمل ، ومن إخلاص العمل الصدق ، ومن الصدق نقاوة القلب ، ومن تمام نقاوة القلب ستة عشر خصلة بعضها على أثر بعض ، وهي درجات الصالحين :

أولها : الإنابة إلى الله سبحانه.

ـ وترك التزين من نفسك ، وترك التصنع للناس ، وترك الحسد.

ـ ورفض (٣) الشهوات.

ـ والزهد في الحطام.

ـ والتجافي عن دار الغرور.

ـ والاستعداد للموت.

__________________

(١) في (أ) : فتعرف زوالها وانتقالها ، فتحرص في التزود منها للآخرة ، فعند ذلك يشكر الله سعيك ، وتجد لإخلاصك واجتهادك حلاوة ، فإذا رآك الله تعمل ولا توانى ولا تختار على طاعته الدنيا ، قبل الله منك عملك ، ونشر خزائن جوده وجزيل مواهبه ما تقر به عينك ، والله كريم يقبل اليسير ويعطي ويجازي بالجزيل.

(٢) سقط من (ب) : ومن كمال العزم.

(٣) في (أ) : وترك.

٤٤٥

ـ والانقطاع عن الناس.

ـ والإقبال إلى الله تعالى.

ـ والاتصال بالذكر.

ـ وحسن الخلق.

ـ والرأفة بالمسلمين.

ـ والإنس بالله في الخلوات.

ـ والتشوق (١) إلى الله.

ـ والمحبة لأولياء الله والمحبة له.

ـ والرضاء بالمقادير التي من عند الله.

ـ ثم اليقين فإن الله يعطي العبد على قدر يقينه.

[الحياة الطيبة]

قال الوافد : صف لي الحياة الطيبة؟

قال العالم : اعلم أن الحياة الطيبة لا تدركها إلا بخمسة أشياء :

ـ أولها : العقل.

ـ ثم المعرفة.

ـ ثم اليقين.

ـ ثم العلم.

ـ ثم (٢) الغنى بما عند الله.

__________________

(١) في (ب) : والشوق إليه.

(٢) في (أ) : الواو في جميعها بدل ثم.

٤٤٦

فهذه الحياة الطيبة. فإذا أردتها (١) فعليك بهذه الخصال ، فلك في ذلك كفاية. وإذا أردت أن تكون من أهل الصدق في الحياة الطيبة ، فابدأ بنفي العادة الخبيثة ، وألبس (٢) نفسك الصبر والخلق الحسن ، (وأزل عن قلبك الذكر الرديء ، ولا تشغل قلبك بغير ذكر الله وطاعته ، وأمت حرارة الشهوة من نفسك ، وليكن الموت عندك أحب إليك من الحياة ، فإن الصالحين من قبلك تعاهدوا (٣) قلوبهم بالحزن الطويل ، والجهد الثقيل ، يريدون بذلك رضى ربهم ، والتقرب إليه ، فإن أحببت أن تسلك طريقهم ، وتقفو آثارهم ، فحول) (٤) نفسك عن الدنيا وزهرتها ، وأدّب نفسك بالجوع ، وأذلها بالفقر ، وأنّبها (٥) بقرب الأجل ، وأبصر بعينيك إلى عرصة القيامة ، حتى كأنك تحاسب فيها ، فحاسب نفسك قبل ورودك إليها ، واقطع نيتك عن كل شغل يشغلك عن الله ، وتأدب بآداب الصالحين (٦) من قبلك ، رموا بقلوبهم نحو خالقهم (وكلما تحولت قلوبهم إلى غيره ، حملوا عليها بالزجر ، ورجعوا إلى مقامهم ، وقصدوا بأبدانهم نحو قلوبهم ، جهدا منهم ، وأيأسوا أنفسهم عن الدنيا وراحتها) ، (٧) وعوّدوا قلوبهم الجهد وكدّوها في طاعة خالقهم ، (٨) حتى عرف الله منهم الصدق فآتاهم الفرج واليسر (٩) من عنده ، وصرف عنهم العادة الردية الخبيثة (١٠).

(فإذا أردت أن تكون مثلهم فغمض عينيك عن الدنيا ، وأختم أذنيك عن أقاويل

__________________

(١) في (ب) : أردت أن تنالها فعليك بمنازعة النفس ومعاداتها ، ومخالفة الهوى فإن في ذلك كفاية.

(٢) في (ب) : فإذا أردت. وفي (أ) : في طلب الحياة. وفي (ب) : فإنك تنفي العادة. وفي (ب) : ولبّس.

(٣) في (ب) : تناسوا. لعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد ، والله أعلم بالصواب.

(٤) سقط ما بين القوسين من (أ). وبدلا منه هذه الفقرة : واترك الذكر الرديء ، ولا تشغل نفسك بغير طاعة وحول.

(٥) في (أ) : وأدبها بالفقر. وفي (ب) : وموتها بقرب.

(٦) في (أ) : وحاسب نفسك قبل ورودك الحساب ، في الموقف العظيم ، فذلك أدب الصالحين.

(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٨) في (أ) : الله.

(٩) في (ب) : فعند ما عرف الله منهم الصدق والثبات أثابهم بالفرح والسرور.

(١٠) سقط من (ب) : الخبيثة.

٤٤٧

أهلها ، واصرف قلبك عن زهرات بهجتها) ، (١) فانقطع إلى ربك ، وأعمر قلبك بذكره ، واستعمل لسانك في شكره ، واجعل قلبك مملوءا من محبته ، وتلذذ بطاعته ، (٢) فإنه يغنيك عن الخلق ، ويهون عليك الصعوبة ، ويخفف عنك (٣) المئونة ، وتصير حرا عن عبودية الدنيا إذا أوصلت حبلك بحبل الله (٤) عزوجل ، (وتسلم من الأشغال ، وتصبح منير القلب ، كثير الذكر ، لذيذ المناجاة ، حريصا على الطاعات ، قليل الزلل والخطأ ، قليل الغفلة ، حسن الفعال ، صافي الذكر ، قليل الكلام والفضول ، واسع الصدر ، خلوتك مع الله لا تزول ، وأنسك بالله ، لا تستوحش إن كنت في القفرة ، ويكثر يقينك في قلبك ، فبدنك مطيع ، ولسانك ذاكر ، وكلامك حق ، وعملك زين ، وسعيك مشكور ، وكل شيء منك نور ، وكل حركة وسكون منك محمود ، قد أعد الله لك النعيم ، في جنة النعيم.

[المتقي العارف]

قال الوافد : صف لي المتقي العارف؟

قال العالم : إن من صفات المتقي العارف ، أن يكون غذاؤه ذكر الله ، ورأس ماله اليقين بالله ، ومطيته الهيبة من الله ، ولباسه التقوى ، وتحريكه التفويض لأمر الله ، وعزمه التسليم إلى الله ، وخوفه التعظيم لله ، وهو محبوس في سجن الرهبة ، مقيد بالحياء ، متنعم بالمناجاة ، قد أمرضه الشوق ، وأشغفه الحب ، فهو مستأنس بطبيبه ، ممكّن (٥) بحبيبه ، وله) (٦) ورع ، لا يشوبه طمع ، ويقين لا يشوبه طلب ، وانتباه لا تشوبه غفلة ، وذكر لا يشوبه نسيان ، وعزم لا يشوبه تواني ، وتعب لا يشوبه عجز ، وعلم لا يشوبه جهل ،

__________________

(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٢) سقط من (أ) : وتلذذ بطاعته.

(٣) في (ب) : عليك.

(٤) في (ب) : خالقك.

(٥) هكذا رسم الكلمة ولم يتضح لي معناها.

(٦) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٤٤٨

ورجاء لا يشوبه غرّة ، ودعاء لا يشوبه فترة ، وتفكر لا يشوبه توهّم ، وتوحيد لا يشوبه تشبيه ، وتصديق لا يشوبه تكذيب ، وتعديل لا يشوبه تجوير. فهذه صفة المتقي (١) العارف.

فعليك بهذه الطريقة فالزمها ، وأقبل عليها بقولك (٢) وفعلك ، (وحركتك وسكونك ، وبصرك وظاهرك وباطنك ، ونظرك وتمييزك ، فإن الخير والبركة بحذاريفها لمن سلك هذه الطريقة.

واعلم أنك إذا صدقت عليها نيتك ، وعلم الله منك المجهود في ذلك ، نصرك عليها وظفّرك بها) ، (٣) فمن صبر على هذه الصفة أربعين يوما لا يشوب عمله بالكدرة والتخاليط والآفات ، (٤) اتقد في قلبه مصباح النور ، وانفتح له عينا قلبه ، (٥) فيبصر بهما إلى جميع الدنيا والآخرة ، فيعرف (٦) (عند ذلك مصائب الدنيا ، ومصائب الآخرة ، فيصبر على مصائب الدنيا ، ويخاف من مصائب الآخرة ، لأن مصائب الدنيا نعم ، ومصائب الآخرة نقم ، فإذا ميز بينهما واعتبر ، أقبل على خيرهما عاقبة ، وعمل لآخرته بطيبة من نفسه ، وانتبه واطمأن ، وعرف أن الآخرة خير من الدنيا ، وتحصّن بذكر الله في دنياه ، وعمل لعقباه) (٧) ، فطوبى له وحسن مآب.

قال الوافد : فما يجب عليه بعد ذلك؟

قال العالم : يجب عليه أن يدعو عباد الله إلى الله ، ويعرّفهم أنهم من ربهم ، فيرغبهم

__________________

(١) في (أ) : المؤمن.

(٢) في (أ) : واعمل بها.

(٣) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٤) في (أ) : فمن داوم عليها أربعين يوما.

(٥) هذا معنى حديث ، أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا في صحيفته / ٣٨٤ ، والقضاعي في مسند الشهاب ١ / ٢٨٥ (٤٦٦) ، والسيوطي في الدرر المنتثرة ١ / ٣٧٣ ، بلفظ : من أخلص لله أربعين يوما تفجرت الحكمة من قلبه على لسانه. وقد أورده كثير من المحدثين في كتب الموضوعات من الحديث.

(٦) في (ب) : فيبصر بنورهما. وفي (أ) : فيعرف (مصائبهما ويميز بينهما ، فإذا عرف أن الآخرة خير من الدنيا ، عمل للآخرة وترك الدنيا).

(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين. وفي (أ) : فطوبى لهم. مصحفة.

٤٤٩

ويردهم إلى مولاهم من بعد هربهم منه ، (١) ويحبب إليهم خالقهم ، ويعلمهم شرائع دينه ، ويعرفهم آلاء الله ومنّه ونعمه ، ويلقنهم الشكر ، ويرغبهم بالذكر في طاعته ، ويحذرهم معصيته ، (٢) ويريهم تقصيرهم ، ويخوفهم هجوم الموت عليهم ، ويعلمهم التوبة ، ويدلهم على الله ، (٣) ويعلمهم التوحيد حتى يوحدوا الله ويصدقوه ويعدلوه ، وينشر العلم فنشره غنيمة ، وذلك فعل الأنبياء والصالحين ، ولو سكت العالم هلك العالم والمتعلم جميعا.

ومثل العالم والمتعلم مثل نور الشمس ونور العينين.

افهم لو أن رجلا بصير العينين بقي في بيت مظلم قد سدّ (٤) عليه بابه ، وهو لا يهتدي إلى شيء فيه مخرجه ، أليس يكون متحيرا لا ينتفع ببصر عينيه (٥) ما دام البيت مظلما ، حتى إذا فتح عليه الباب ، وخرج ورأى ضوء الشمس ، انتفع ببصر عينيه عند ضوء الشمس. كذلك المتعلم يكون في بيت الجهل موثقا عليه بابه ، لا يهتدي إلى الخروج حتى يفتح عليه العالم العارف ، (٦) لأن المتعلم يستضيء بنور العالم ، ويهتدي إلى منار طرقه ، (٧) ويخرج من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، فعند ذلك يكون علمه (٨) خالصا من الآفات ، وإنما الجاهل (٩) مثل المكفوف البصر لا ينتفع أبدا بضوء النهار ، والليل والنهار في الظلمة (١٠) عليه سواء. كذلك الجاهل لا يعرف ما هو فيه من ظلمة الجهل

__________________

(١) في (أ) : ويعرفهم ويرغبهم إلى مولاهم ، ويحبب.

(٢) في (أ) : شرائع دينهم ، ويحذرهم معصية ربهم ، ويريهم.

(٣) سقط من (أ) : ويدلهم على الله.

(٤) في (ب) : فسد.

(٥) في (ب) : فيه محتارا. وفي (أ) : ببصره.

(٦) في (أ) : بابه حتى يفتح باب العلم فيتعلم ، لأن.

(٧) في (أ) : المتعلم يهتدي بنور العالم ويخرج.

(٨) في (أ) : عملا.

(٩) في (ب) : فإنما مثل الجاهل مثل.

(١٠) سقط من (ب) : في الظلمة.

٤٥٠

وعمى القلب ، فلا (١) يميز بين الحق والباطل ، والجهل داء وشين ، لا يداويه غير العلم.

والعلم شفاء وزين ، لا يدخل معه داء ولا شين ، وليس العلم علم اللسان ، المعلق على ظاهر الإنسان ، الخالي عن القلب ، وإنما (٢) مثله كمثل شبكة الصياد التي ينثر عليها الحب للطير ، وليس يريد بذلك منفعة (٣) الطير ، ولكنه يريد أن يصطادها بذلك الحب المنثور على الشبكة.

كذلك عالم (٤) السوء لا يريد بعلمه رضى الله ، ولكن (٥) يريد رضى نفسه ومنفعتها ، وقد جعل هذا علمه شبكة ، (٦) ليصطاد حطام الدنيا ، وإنما العلم المنجي علم القلوب المنيرة الصافية الخائفة القانعة باليسير ، السليمة من الآفات والتخاليط ، (٧) (وليس العالم من قد أسكره حب الدنيا ، وإنما العالم الذي يعمل للآخرة الباقية ، فهو منتظر للنزول والانتقال ، مشغول يخاف أن يفاجئه الموت بحال من الأحوال ، فقلبه محزون ، وشره مأمون ، يجول بقلبه في الجنة أحيانا ، وفي النار أحيانا ، يخاف أن يكون من أصحاب النار ، ولا يكون من أصحاب الجنة ، فليس له همة غير تفتيش الآفات ، وكثرة الذكر في كل حركة وسكون) ، (٨) وكثرة الذكر لله في الحركة والسكون.

[الغافل المتواني]

قال الوافد : صف لي عمل الغافل المتواني؟

__________________

(١) في (ب) : ولا.

(٢) في (ب) : إنما هذا مثله.

(٣) في (ب) : مرافقة الطير ولا منفعتها.

(٤) في (ب) : العالم.

(٥) في (ب) : ولكنه.

(٦) في (أ) : نفسه ونفاعتها ليصطاد.

(٧) في (ب) : السالمة من. وسقط من (أ) : والتخاليط.

(٨) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٤٥١

قال العالم : مثل (١) عمله كمثل الصوف المندوف ، تراه عظيما (٢) كثيرا ، فإذا وزنته وجدته قليلا ، (٣) كذلك الغافل الجاهل المتواني ، (٤) يسر بكثرة عدد أعماله ، وليس يعرف إخلاصها ، وهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج ، ويذكر (٥) ويعبد ولا نور لعلمه ولا تزكية ، (٦) ولا إخلاص في قلبه ، وكيف ينال البركة والنور وهو غافل ساه؟! إن قام في الصلاة قام فيها بجسده ، وغفل عنها بقلبه ، (٧) وإن صام تكلم بالرفث والغيبة والكذب ، وإن زكى ماله كانت زكاته كأنها مغرم يخرجها لا تطيب بها نفسه ، (٨) وهو مع ذلك رافع رأسه ، شامخ بأنفه ، (٩) متطاول على الناس ، يتمنى على ربه الدرجات العلى ، وليس معه من الدين قطمير ، (١٠) ولا معه سكينة تمنعه من كثير ما يهوى ، ولا له قوة يكظم بها (١١) غيظه ، ولا حلم يحجزه ، ولا ورع يكفه (ويرده ، ولا له إصابة في كثير مما يدخل عليه من الشبهات) ، (١٢) ثم إذا حركته وجدته قليل العقل ، أعمى القلب ، متزينا في نفسه ، متصنعا للناس ، (١٣) يرائي بأعماله وهو لا يعلم ، (وهو متكبر في عبادته ، ويعلو على الناس وهو) (١٤) يزعم أنه مخلص ، ويزعم أنه متواضع ، ثم تراه

__________________

(١) في (ب) : مثل عمل الغافل المتواني مثل.

(٢) سقط من (أ) : عظيما.

(٣) في (ب) : وزنته لا يقوم في الوزن.

(٤) في (ب) : كذلك الجاهل الغافل يسر.

(٥) سقط من (أ) : ويزكي. وسقط من (أ) : ويذكر.

(٦) سقط من (أ) : ولا نور لعلمه ولا تزكية.

(٧) في (أ) : في قلبه بل هو ساه في صلاته ، يقوم فيها بجسده ويغفل عنها بقلبه.

(٨) في (ب) : لا تطيب نفسه بإخراجها.

(٩) سقط من (أ) : شامخ بأنفه.

(١٠) في (ب) : فإذا حركته لم تر معه من العبادة الخالصة قدر قطمير.

(١١) سقط من (أ) : بها.

(١٢) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(١٣) في (أ) : متصنعا يرائي الناس بأعماله. وفي (ب) مرآئي. بدل يرائي. ولفقت النص من الجميع.

(١٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٤٥٢

حريصا راغبا ، (١) مكبا على الدنيا ، وهو يزعم أنه مأجور على ذلك ، قد (٢) ارتفع بعمله فوق الخلائق من عجبه به ، (٣) وربما تراه يتكلم بكلام الخائفين ، حتى إذا جربته وحدثته (٤) وجدته جاهلا غافلا ، فلا يرضى من الخوف بأن يذم نفسه ، وربما يعتبر ويتفكر ولا ينفعه ذلك ، لأن ذلك لا ينفعه مع غفلته ، ولعله يظن أنه من التوابين منذ دهر طويل ، ولعل عنده من الروايات والأخبار ما ليس عند أحد من الناس ، ثم ليس هو يعرف من عمله إلا الشبهة والكدرة ، والزيادة والنقصان ، (٥) ولا يميز بين شيء من ذلك ، فإنه لو جمع فهمه ونظر إلى نفسه ، لعرف خطاياه ، ثم لو نظر في مطعمه وملبسه وكسبه وحرصه على دنياه لعرف سوء حاله ، ولو حفظ على نفسه سعي بدنه وجوارحه ، وكثرة ما يخرج من لسانه ، لتبيّن له ما يرد عليه في يوم واحد ، ولعلم جراحة دينه ، ثم لو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه ، لترك دنياه وعمل لآخرته ، ولكان حريصا على طلب الخير ، والحذر على نفسه من سوء الحساب وكثرة الأهوال (٦).

[المتوكل]

قال الوافد : صف لي المتوكل الواثق بربه؟

قال العالم : عجبا لمن يثق بالمخلوق ولا يثق بالخالق ، ومن (٧) يهتم بالرزق وقد

__________________

(١) في (ب) : متواضع للناس. وفي (أ) : وأنت تراه حريصا مكبا.

(٢) في (ب) : وقد.

(٣) سقط من (ب) : به.

(٤) سقط من (أ) : وحدثته.

(٥) في (ب) : والنقصان ، ولا المضرة ولا المنفعة. لعلها زائدة.

(٦) في (أ) : حتى إذا جربته وجدته لا يعتبر ولا يفكر ولا يخاف ولا يحذر ، يدخل في عمله الشبهة والكذب والزيادة والنقصان ، ولا يميز بين ذلك ، ولا يعرف خطاياه ، ولو عرف غفلته وزلله في دنياه ، لكان حريصا على طلب الخير والنجاة ، ويحذر على نفسه سوء الحساب وكثرة الأهوال ، ولو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه لعمل للآخرة وترك الدنيا.

(٧) في (أ) : وهو.

٤٥٣

ضمن به الرازق ، (١) ثق بكفاية الله واعتمد عليه ، ورد أمورك وأحوالك كلها إليه ، (٢) من لم يثق بضمان مولاه ، وكله إلى خدمة دنياه ، (٣) إن الله تعالى يقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦]. ما أعجب أمرك! تأمن ما دهيت ، وتحزن على ما (٤) كفيت ، ولا تشكر على ما أعطيت.

إلى كم تأسى على المفقود؟! وقد ضمن الرزق الملك المعبود ، إلى كم الحزن على القوت؟! وقد ضمن القوت الحي الذي لا يموت ، الرزق مقسوم ، وطالبه مغموم ، والحريص فيه مهموم ، (٥) ومن جعل بطاعة الله اشتغاله ، كفاه الله (٦) في الدارين أشغاله ، من وكل أموره إلى (٧) مولاه ، لم يكله إلى أحد سواه ، وأغناه وكفاه ، وأعطاه وآواه ، ومن اعتصم بالله وقاه ، ومن استعاذ به أنجاه ، (٨) ومن أمّل إفضاله ، لم يحرمه نواله ، ومن توكل على الوهاب ، لم يخضع لأبناء التراب ، من عرف الله بالصدق ، ساق إليه الرزق (٩) من أيقن أن الله هو المتفضل ، (١٠) لم يكن إلى غيره متوسل ، (١١) من علم أن الله هو الجواد ، سخا بما في يده وجاد ، من عرف أن الله هو المعطي ، لم يعصه أبدا ولا يخطي (من عرف أن الله هو الجواد ، لم يطلب من غيره المراد ، من تيقن أن الله خالق العباد

__________________

(١) في (ب) : له الرزق.

(٢) في (أ) : أمرك إليه ، وأحوالك كلها لديه.

(٣) في (أ) : بضمان الله وكله الله إلى خدمة الدنيا.

(٤) في (أ) : ما أعجل أمرك. وفي (ب) : أمورك. وفي (ب) : تأمن ما رهبت. وفي (ب) : لما كفيت.

(٥) في (ب) : مغموم ، والحريص فيه مهموم.

(٦) في (ب) : جهل بالمولى اشتغاله ، كفاه الموفى .....

(٧) في (ب) : على.

(٨) في (أ) : اعتصم به. وسقط من (ب) : ومن استعاذ به أنجاه.

(٩) في (ب) : عرف أن الله متكفل بالرزق ، ساق إليه أسباب الرزق.

(١٠) في (ب) : من أقر أن الله متفضل.

(١١) في (ب) : على غيره متوكل. ومتوسل خبر كان منصوب على لغة ربيعة.

٤٥٤

ومالك البلاد ، لم يعلق بغيره الفؤاد) (١).

أتظن أن من غذاك في الصغر؟ ينساك في الكبر! الذي رفع عنك المئونة وأنت طفل، يأتيك برزقك وأنت كهل ، الذي رزقك وأنت مغيّب جنين ، كيف لا يرزقك وأنت تضرع وتستكين؟! هو سبحانه يرزق من جحده ، فكيف يضيع من وحّده؟! يرزق (٢) الدودة في الصخرة الصماء والطير في الأوكار ، والحيتان في البحار ، والوحوش في القفار ، فكيف يضيع من يذكره (٣) في الليل والنهار ، ويسبحه بالعشي والإبكار ، ويرزق (٤) الجنة والناس ، إلى انقطاع الأنفاس ، عجبا لمن يرفع حوائجه إلى المخلوقين!!

ولا يطلبها من (٥) عند رب العالمين ، عجبا ممن يسأل (٦) حوائجه من ضعيف لا يسجد له أحد!! ولا يسألها ممن يسجد له كل أحد!! (عجبا ممن يتذلل لمحتاج فقير!! ولا يتذلل للغني الكبير!!) ، (٧) عجبا لمن يخضع ويتضعضع للعبد الفقير المحتاج الضرير!! ولا يخضع ويتضعضع للملك القدير!! (٨) الذي يعطي الكثير ، ويكشف العسير ، ويغني الفقير ، (٩) وهو على كل شيء قدير.

من اتقى الله جعل له من أمره مخرجا ، ومن دعاه بيّن له منهجا وفرجا ، أجملوا في الطلب ، (١٠) فما من حكمه مهرب ، من أجمل في الطلب ، أتاه الرزق بلا تعب ، إذا

__________________

(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٢) في (أ) : فكيف من يدعوه ويوحده. وفي (أ) : وهو سبحانه يرزق.

(٣) في (ب) : يضيعك مع الذكر في .....

(٤) في (أ) : هو سبحانه يرزق.

(٥) في (أ) : سقط : من.

(٦) في (أ) : يطلب.

(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

(٨) في (أ) : لعبد حقير ولا. وفي (أ) : للعلي الكبير وهو.

(٩) سقط من (أ) : ويغني الفقير.

(١٠) إشارة الحديث. أخرجه ابن ماجة ٢ / ٧٢٥ (٢١٤٤) ، ومالك ٢ / ٩٠١ (١٦٠١) ، وابن حبان ٨ / ٣٢ (٣٢٣٩) ، والحاكم ٢ / ٤ (٢١٣٤) ، والبيهقي ٥ / ٢٦٤ (١٠١٨٣) ، وأبو يعلى (١١ / ٤٦١ (٦٥٨٣) ، والطبراني في الكبير ٨ / ١٦٦ (٧٦٩٤) ، وابن الجارود في المنتقى / ١٤٤ (٥٥٦) ، والقضاعي في مسند ـ

٤٥٥

أحرزت رزق غد ، فمن يضمن لك بالحياة (١) إلى غد.

لما رأيت الناس يسألون كل معجب ، نزهت نفسي عنهم وجعلت حوائجي إلى الرب(٢).

قال الشاعر :

فلا تجزع إذا (٣) أعسرت يوما

فقد أيسرت في الدهر الطويل

ولا تيأس فإن اليأس كفر

لعل الله يغني عن قليل

ولا تظن بربك ظن سوء

فإن الله أولى بالجميل

وقال غيره :

لقد علمت وما الإشفاق (٦) من خلقي

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى إليه (٧) فيعنيني تطلبه

ولو كففت (٤) أتاني لا يعنّيني

لا خير في طمع يدني إلى طبع

ورغفة (٥) من قليل العيش تكفيني

[التائب والتوبة]

قال الوافد : ما شرائط التائب وأوصافه؟

قال العالم : شرائطه (٨) : المحبة والطاعة ، والإقبال ...

__________________

الشهاب ١ / ٤١٦ (٧١٦).

(١) في (ب) : فمن يأتيك بالحياة.

(٢) في (ب) : وجعل. وفي (أ) : عنكم وجعلت أحواجي إلى الله.

(٣) في (أ) : وإن.

(٤) في (ب) : جلست.

(٥) في (ب) : وعفة.

(٦) في (ب) : الإسراف.

(٧) في (ب) : له.

(٨) في (ب) : شروط. وفي (أ) : في أوصافه. وفي (ب) : شروطه.

٤٥٦

والضراعة (١) من أراد الحبيب؟ جاء بقلب منيب ، من اعترف؟ أقر بما اقترف ، واعتذر وأنصف ، وبادر وعطف ، وتاب وأكثر الانتحاب ، وعمل بالصواب ، وتبع (٢) آيات الكتاب.

أين التوبة؟ يا صاحب الحوبة ، أين الاستغفار؟ يا أهل الإصرار ، أين الوجل؟ يا أهل الزلل ، أين الضراعة؟ يا أهل الطاعة ، (٣) توبوا وأنيبوا ، ولا تسوّفوا فتخيبوا (٤) واعتذروا واستغفروا وازدجروا ، وتذللوا واعترفوا (٥) واعتبروا ، واخضعوا وانكسروا ، (٦) واصبروا على الطاعة ، تدركوا الفوز والنفاعة ، ارغبوا وتقربوا ، واندموا (٧) على المعاصي ولا تصروا ، (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١) [النور : ٣١].

أين المؤمنون؟ (٨) أين الموحدون؟ أين (الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) [التوبة : ١١٢] (٩). كيف ينامون ولا يشتاقون؟! (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [آل عمران : ١٣٣] (١٠). قصورها من الذهب والجوهر ، والياقوت الأخضر ، فيها الحور الحسان ، والأكاليل والتيجان ، تجري من تحتها الأنهار ، لباس أهلها الحرير والسندس والعبقري ، (أين الراغبون؟ أين المجتهدون؟ هذه دار لا تخرب ولا يفنى شبابها ، ولا تبلى ثيابها) ، (١١) هذه دار

__________________

(١) في (أ) : والتضرع.

(٢) في (ب) : واتبع المحكم من آيات.

(٣) في (ب) : الإضاعة.

(٤) في (ب) : ولا تسرفوا. وفي (أ) : لا تسوفوا واعتذروا.

(٥) سقط من (أ) : واعترفوا.

(٦) سقط من (أ) : واخضعوا وانكسروا.

(٧) في (أ) : اندموا.

(٨) سقط من (ب) : أين المؤمنون.

(٩) في (ب) : أين الحامدون؟ أين العارفون؟ أين المقتصدون؟ أين الطالبون؟ أين المشتاقون؟

(١٠) في (أ) : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ...) الآية.

(١١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.

٤٥٧

المجتهدين (١) ما هم عنها بمخرجين ، دار أهلها لا يشقون ، ولا يفتقرون ولا يحزنون ، ولا يمرضون (٢) ولا يموتون ، ولا يهرمون ولا يحتاجون.

أيها الخاطئون العاصون ، أيها المفسدون ، (٣) أيها المذنبون ، مالكم لا تتوبون؟! مالكم لا ترجعون؟! (مالكم لا تخافون؟ أمعكم صبر على النار؟ ألكم في ذلك اعتذار) ، ألا (٤) تخافون نار الجحيم؟! وشراب الحميم؟! وطعام الزقوم؟! ولباس القطران؟! ألا إن جهنم حرها لا يبرد ، وعذابها لا ينفذ ، ولهبها (٥) لا يخمد ، إلى كم هذه الغفلة؟! (كم تنقضون العهود؟ كم تعدّون الحدود؟) (٦) كم تعصون المعبود ، ارجعوا إلى الله في وقت المهل ، قبل أن (٧) ينقطع الأجل ويرفع العمل ، فإن الله يقبل التوبة ، ويمحو (٨) الحوبة. التوبة تمحو عظائم الذنوب ، وتقرب العبد إلى علام الغيوب ، توبوا إلى الله قبل أن يغلق الباب ، ويحصل الحساب ، ويقع العذاب ، احذروا الله ، خافوا الله ، (٩) راقبوا الله ، بادروا بالتوبة قبل الندم ، قبل زلة القدم ، قبل الأخذ بالكظم (١٠).

تب أيها العاصي ، قبل أن تصبح من رحمة الله قاصي ، قبل الأخذ بالنواصي ، ارجعوا إلى الله بالقلوب ، من (١١) قبل أن يكون الباب محجوب ، (١٢) أي أهل التوحيد ،

__________________

(١) سقط من (ب) : هذه دار المجتهدين.

(٢) سقط من (ب) : ولا يحزنون ولا يمرضون.

(٣) سقط من (ب) : أيها العاصون أيها المفسدون.

(٤) سقط من (أ) : ما بين القوسين. وفي (ب) : أما تخافون.

(٥) في (ب) : وجمرها.

(٦) سقط من (ب) : ما بين القوسين.

(٧) سقط من (أ) : أن.

(٨) في (ب) : ويكفر.

(٩) في (ب) : ويحضر الحساب. وفي (ب) : العقاب. وسقط من (أ) : خافوا الله.

(١٠) سقط من (أ) : قبل الأخذ بالكظم. والكظم : مخرج النّفس.

(١١) سقط من (ب) : من.

(١٢) قاصي ومحجوب خير لتصبح وليكون على لغة ربيعة. (كذا في المخطوطة) وقد سبق له مثال ووجه في اللغة. وفي (ب) : أين أهل. مصحفة.

٤٥٨

تقربوا إلى الملك الحميد ، (١) تنجوا من العذاب الشديد ، يا أهل القرآن تقربوا بالقرآن ، إلى الملك الديان ، تنجوا به من عذاب النيران ، هو الشفيع فيكم ، هو الرفيق لكم ، هو الشاهد عليكم ، هو الدليل ، هو السبيل ، هو الحجة ، هو المحجة ، اعرضوا أعمالكم عليه ، وردّوا (٢) أقوالكم إليه ، أكثروا قراءته بالليل والنهار ، وفي وقت الأسحار ، فإن الملائكة معكم (٣) عند قراءته قعود ، وعلى ما تنطقون به (٤) شهود.

لا تخسروا الميزان ، لا تحلفوا الأيمان ، لا تذكروا البهتان ، لا تبخسوا المكيال ، لا تشيبوا (٥) الأعمال ، لا تصحبوا الأنذال ، لا تضيعوا الصلاة ، لا تغلّوا الزكاة ، لا تحلوا المحرمات ، لا تؤذوا الجيران ، لا تطيعوا الشيطان.

أيها المضيعون للصلوات ، توبوا إلى المطلع على أعمالكم (٦) في الخلوات ، أيها الخائن بالعين والفؤاد ، تب إلى الملك الجواد ، قبل أن يسلط عليك ملائكة غلاظ شداد.

أيها المؤذي للجيران ، تب إلى الملك الديان ، قبل سرابيل القطران (٧).

أيها المانعون للزكوات ، توبوا إلى الله (قبل نزول النقمات والسطوات. أيها المتبعون للشهوات ، توبوا إلى الله) من اكتساب السيئات ، وتضرعوا إليه بالدعوات.

يا صاحب الكذب والزور ، تب إلى الله قبل الويل والثبور. أيها الباهت المغتاب ، تب إلى الملك الوهاب ، قبل أن تذوق (٨) أليم العقاب. أيها الحالف بالأيمان ، تب إلى الله

__________________

(١) في (ب) : تقربوا بالتوحيد إلى الملك المجيد.

(٢) في (أ) : ردوا.

(٣) سقط من (ب) : معكم.

(٤) سقط من (أ) : به.

(٥) في (ب) : لا تسيئوا.

(٦) في (ب) : عليكم.

(٧) في (ب) : إلى الله قبل أن تلبس سرابيل.

(٨) سقط من (ب) : ما بين القوسين سهوا. وفي (أ) : اكتساب الشبهات. وفي (ب) : وتضرعوا إلى الله.

وفي (ب) : إلى الله الواحد الوهاب. وفي (ب) : تذوقوا.

٤٥٩

قبل نزول (١) النيران.

وقال في ذلك :

اسلفت من عمرك ما قد مضى

منهمكا (٢) في غمرات الخطر

حتى إذا القوة زالت وقد

أقعدك العجز وحل الفشل (٣)

نبت إلينا في صدار (٤) الحيا

مستعجما فيك فنون ٥ الخجل

فأنت (٥) عندي بمحل الرضى

وقد غفرنا لك كل الزلل

وقال آخر :

إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا

ولم ترض مخلوقا فما شئت فاصنع

وقال غيره :

إذا أمسى وسادي من تراب

وبت مجاور الرب الرحيم

فهنأني أصحابي وقالوا

لك البشرى قدمت عني

[صفات التائب]

قال الوافد : صف لي هيئة التائب؟

قال العالم : هيئة التائب ، العزم على أن لا يعود ، إلى عصيان المعبود ، ويأسف (٦)

__________________

(١) في (ب) : قبل أن تزور.

(٢) في (ب) : عمرك أيام كأنك في.

(٣) في (ب) : الكسل.

(٤) في (ب) : صدور.

(٥) في (أ) : أنت.

(٦) في (ب) : ويأسف.

٤٦٠