مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

فيا عجبا كل العجب كيف ركن إلى ما ذمّ (١) مختبره؟! وكيف استفرغه الفرح بجمع ما هو شاخص عنه؟! وكيف تعقبه الأسف على فوات ما لا يدوم له؟! وكيف يثق بما ينفد على ما يبقى؟! وكيف يغفل ـ بما هو فيه من النصب لمؤاتاة (٢) دنياه ـ ما يلقى؟! مع علمه ويقينه بأنه لا يبلغ منها غاية إلا دعته إلى غايات ، فمتى إن لم يرفض (٣) الدنيا يستريح من حاجة فيها تدعو إلى حاجات؟! ومتى يقضي شغلا إذا هو فرغ منه فقضاه؟! عرض له أكبر منه فطلبه وابتغاه.

ففكروا رحمكم الله وانظروا ، تعلموا إن شاء الله وتبصروا ، أنه ليس لكم من سراء دنياكم ، وإن طالت صحبتها إياكم ، (٤) إلا كطرف العيون ، فهي للجاهل المغبون ، من ذي دناءة أو لوم ، أو فاجر عميّ ملعون ، قد صارت الدنيا كلها له ، فليس يأخذ أحد منها إلا فضله ، فقدرته ـ وإن لؤم (٥) ودنا ، وكان فاجرا معلنا ، على كثير من كرائم النساء ، ونفيس المراكب والكساء ـ قدرة الأبرار ، وأبناء الأحرار.

والدنيا أعانكم الله فيما خلا ، وإذ (٦) كانت تضرب لفساد أهلها مثلا ، وإنما كان يمسخ أهلها وأنسها ، فمسخت الدنيا اليوم نفسها ، فلم نترك ـ والله المستعان ـ من ذكرنا لها زينة ولا بهجة ، وعادت الدنيا كلها غرقا ولجة ، فأمورها اليوم كلها عجائب ، وكل أهلها في مكالبتها فمغتر دائب.

وقد بلغني أن عيسى بن مريم صلى الله عليه ، كان يقول لمن يحضره ولحوارييه : (بحق أقول لكم أنه لا يصلح حبّ ربّين ، وما جعل الله لرجل في جوفه من قلبين ، لا

__________________

(١) في (ب) : ما دام (مصحفة).

(٢) في (ب) : تمؤيات. وفي (د) : مؤمات. مهملات بلا نقط إلا أن الكمبيوتر لا يستطيع كتابة المهمل.

والمواتاة : المطاوعة.

(٣) في (ب) : كم من فض (مصفحة).

(٤) في (ب) : إناكم. مصحفة.

(٥) في (أ) : لأم.

(٦) في (ب) و (د) : وإذا كانت تضرب فساد.

٣٤١

يصلح حب الله وحب الدنيا في قلب ، كما لا تصلح العبادة إلا لرب) ، (١) وكان يقول صلى الله عليه (بحق أقول لكم : إن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، وكذلك فحب الله ـ ولا قوة إلا بالله ـ فعاصم لأهله من كل سيئة) (٢).

أفيرجو من آثر الدنيا؟! على الله أن يكون مع ذلك لله وليا ، هيهات هيهات أطال من آثر الدنيا ، عنان عمله الغي والهوى ، فجمحت به نوازغ الغي المردي ، وعتت به مطايا الهوى المضل المغوي ، حتى أحلته دار الندامة ولات حين مندم ، ثم أسلمته من الحيرة إلى شر مسلم ، فما ينكشف عنه قناع غرة ، ولا يتيقظ من نوم سكرة ، رانت على قلبه بوادر أعمال السيئة ، وفتن دهره المضلة المعمية ، فقاده أهل الدنيا ، وأعنق (٣) به قائد الهوى ، ومنّته نفسه بالاغترار طول البقاء ، وأسرعت الغفلة في أيامه بالفناء ، وكذبته نفسه في أي (٤). حين وأوان ، وفي أي حال ـ رحمكم الله ـ ومكان ، حين لا رجعة ينالها ، ولا إقالة يقالها ، وعند معاينته الأهوال ، وما لم يخطر له ببال ، من هتك ستور السوءات ، وهو في حال أحوج الحاجات ، إلى ما كان تركه فقرا وبلاء ، وغيره هو الخفض والغناء : (يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨) [غافر: ١٨]. (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥) [النور : ٢٤ ـ ٢٥]. يوم خافته رجال فمدحهم الله وزكّاهم ، وأحسن على مخافتهم له ثوابهم وجزاهم ، فقال سبحانه فيهم ، وفي حسن ثنائه ـ بمخافتهم له ـ عليهم : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ

__________________

(١) نص الإنجيل هكذا : (لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر ، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر ، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال). إنجيل متى الإصحاح السادس / ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) نص الإنجيل هكذا : (وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة ، تفرق الناس في العطب والهلاك ، لأن محبة المال أصل لكل الشرور ، الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة). رسالة بولس الأولى إلى شيموثاوس / ٩ ١٠.

(٣) أعنقه : أخذه بعنقه ، والمعنقة : قلادة توضع في عنق الكلب.

(٤) سقط من (أ) : أي.

٣٤٢

وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٨) [النور : ٣٧ ـ ٣٨]. ويقول سبحانه : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨) [الأنعام : ١٥٨]. ويقول سبحانه : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) [الشعراء : ٨٨ ـ ٩١]. (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) [المطففين : ٦]. (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) (١٠٦) [الأنبياء : ١٠٦].

فرحم الله امرأ ، أحسن لنفسه نظرا ، فرفع عن الوناء (١) ذيله ، واغتنم من الله سبحانه تمهيله ، فحسر (٢) عن ذراع ، وشمر بإجماع (٣) ، وانتبه عن وسن غفلة الغافلين وإن لم يشعروا ، وتيقظ من نوم جهل الجاهلين وإن لم (٤) يسهروا ، فعلم أن من رحمة الله بنا ، وحسن معونته لنا على أنفسنا ، أن جعلنا نسقم ونتغير ونبتلى ، بمثل ما يرى من تغيّر أحوال الدنيا ، في فناء ليلها ونهارها ، وما يغتذى به في برها وبحارها ، من كل مأكول ، أو لباس نسج معمول ، أو غير ذلك من ألوان فتونها ، وما سخر الله من ضروب ماء عيونها ، فنبهنا بذلك كله ، وبما أرانا من تغيره وتبدّله ، من قصر مدة آجالنا ، وعلى أنه لا بقاء ولا دوام لنا ، ولو جعلنا ندوم أبدا أو نبقى ، لما جعل بين الدنيا والآخرة فرقا ، ولكان من عتا الخليق (٥) ببقائه بادعاء أخبث الدعوى ، ولما امتنع من العاتين ممتنع من سهو ولا هوى.

__________________

(١) الوناء : الفتور.

(٢) في (أ) و (ب) و (ج) : فحشر. والحسر : التشمير.

(٣) بإجماع : بعزم.

(٤) سقط من (ب) : لم.

(٥) في (ب) و (د) : لخليق. من اسم كان ، والخليق خبره.

٣٤٣

[النفس]

ولكنه سبحانه عرّفنا أنفسنا وفناها ، وألهم كل نفس منها فجورها وتقواها ، فجعل فجورها غيا وتقواها هدى ، وجعلنا تبارك وتعالى نموت ونفنى ، لنستدل بالموت وتصاريف طبائع الخلق ، على حكمة تدبيره لنا في الفطرة والصنع ، وليدعونا خوف الفناء ، إلى طلب حياة البقاء ، وجعلنا (١) تبارك وتعالى من جزءين اثنين نفس وجسد ثم ألف بينهما بلطيف تدبيره ، وأحكم تركيبهما بأحسن تصويره ، فجعلهما بعد تباينهما شخصا واحدا مكملا ، وجعل لبقائه وأيام حياته مدة وأجلا ، ثم أمره بعد كموله فيه ، برشده وحضّه عليه.

فإن نفسه سمعت له وأطاعت ، وأجابت إلى ما دعا إليه فسارعت ، رشد عند الله واهتدى ، وفاز من الله بثوابه غدا ، وإن نفسه عصته والتوت عليه وأبت ، ما دعي إليه من الرشد فغوت ، ولم تعتصم بالله ، ولم تذكر (٢) رحمة من الله ، ضل عند الله فعطب ، (٣) وهلك في القيامة وعذّب ، فنفس المرء إذا لم ترشد (٤) له فشر صاحب ، ودعاة إلى كل هلكة ومعايب ، لأنها لو لا عصمة الله لها في خطاياها أبدا كرارة ، ولصاحبها إلى ما حرم الله أمّارة ، كما قال يوسف صلى الله عليه : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٣) [يوسف : ٥٣]. وكما قال شعيب صلى الله عليه في توفيق الله ومعونته له على عبادته ، وحسن نظره وعصمته ، ولما كان عليه من رعاية حق الله وأمره من إرادته (٥) : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨) [هود : ٨٨].

فمن خالف نفسه في خطاياها ، ومال مع الحق عليها ، لم يضرره لها هوى ولا أمر ،

__________________

(١) في (ب) و (د) : وخلقنا.

(٢) في (ب) و (ج) : يعتصم. وفي (ب) و (ج) و (د) : تذكرة.

(٣) العطب : الهلاك.

(٤) في (أ) و (ج) : يرشد. وسقط من (أ) : له.

(٥) سقط من (أ) : ولما كان عليه من دعائه حق الله وأمره من إرادته.

٣٤٤

ولم (١) يدخل عليه منها خطأ ولا ضرر ، ومن قبل عن نفسه ما تأمره به من سوء ، كانت نفسه له أعدى من كل عدوّ.

وقد بلغني أن بعض الصالحين كان يقول : محاربة المرء لنفسه بمخالفته ، (٢) يثبت فيها طلب ثواب الله وطاعته.

[الصبر]

واعلم أنه ليس يسلك سبيل مرضات الله إلا من أيده الله بروح الهدى ، وأن ليس يوصل إلى سبيل مرضاته جل ثناؤه بالمنى ، دون أن يحمل النفس عليها ، ويصبر لأمر الله وحكمه فيها ، كما قال الله سبحانه : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (١٢٣) [النساء : ١٢٣]. وقال سبحانه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) [البقرة : ٢١٤]. ويقول سبحانه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢) [آل عمران : ١٤٢]. وفي مثل ذلك من ابتلاء القائلين ، ما يقول رب العالمين : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٣) [العنكبوت : ١ ـ ٣].

[التقوى]

فتأهبوا رحمكم للبلوى ، وانتهوا إلى ما أمرتم به من التقوى ، ونقّوا قلوبكم من دنس الدنيا وإيثارها على الله كيما تنقى ، وطيبوها بالبر والتقوى وكونوا مع من برّ

__________________

(١) في (ب) و (د) : ولا يضرها هوى ولا أمر ، ولا ...

(٢) في (ب) و (د) : لمخالفتها ينبت. وفي (ج) : بمخالفة.

٣٤٥

واتقى ، فمتى ما تكونوا مع أولئك ، تنجوا بإذن الله من المهالك ، ويكن (١) الله جل ثناؤه معكم كما قال لقوم يسمعون : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) [النحل : ١٢٨].

[التفكير]

واعلموا وليكم الله أن من أبواب التقوى ومفاتحها ، وأقوى ما تقوّى به من رشد بإذن الله على قبول نصائحها ، حسن الفكر في الدنيا وفنائها ، وتقلّب سرّائها وضرائها ، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة ، ومن دونهم من الخلق جميعا عامة ، فإنكم رحمكم الله إن تفكرتم ـ فتروا ، بعين الفكر وتبصروا ـ تعلموا أنهم جميعا منها وإن اختلفت أحوالهم في السراء والضراء ، في مضامير بأقدار أحوالهم فيها من السعادة والشقاء.

وقد ينبغي لمن سلك سبيل مرضات الله وآثرها ، وعظّمها بما عظمها الله به من رضوانه فوقّرها ، أن يتحفظ من نفسه فيها ، ويجمع كل أشغاله ولا قوة إلا بالله إليها ، فإنه لو تفرغ لخدمة بعض ملوك الدنيا ، لحقّ عليه الاجتهاد في بلوغ الغاية القصوى ، فكيف بمالك الملوك إذا برز لعبادته ، ونابذ في الله عدوه من الجن والإنس بمحاربته ، فليتحرّز ـ من سلك سبيل ولاية الله ومرضاته ، ومن يريد القيام بما أوجب الله عليه من فرض حقه وطاعته ـ من السقط والخلل ، وليستيقظ من الغفلة والزلل ، وليتيقظ وليعرف قدر ما يعرض لأهل ذلك من البلوى والفتنة ، وما ينصب له (٢) وفيه من المباينة ، وعلم بلواها وفتنها فيجوز (٣) في مواطن العزم والشدة ، ولا يصبر عند نزول البلوى المؤكدة ، فإن ذلك ، إذا كان منه كذلك ، فليس له به حول ، ولا لمن صار إليه إلى الله به وصول ، وإنما وصفت لكم هذا فيها ، (٤) لكيلا يقدم مقدم عليها ، إلا بعد

__________________

(١) في (ب) و (د) : ويكون.

(٢) في المخطوطات : من الفتن والبلوى. وما أثبت اجتهاد. وفي (ب) : له به فيه.

(٣) ولعلها : يخور. والله أعلم.

(٤) في (ب) و (د) : منها.

٣٤٦

علمه بهذا منها ، وفهمه لهذا (١) من الخبر عنها ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تم نصف الكتاب

واعلموا أن القلوب كالآنية المصدوعة ، فيما (٢) تنازع إليه من غرائزها المطبوعة ، فإن لم يرهم (٣) مصدوعها ، لم يصح مطبوعها ، على بنية اعتداله ، فيما فطرها الله عليه من كماله ، فزمّوها (٤) بالعلم بكتاب الله وتنزيله ، والوقوف على محكم تأويله ، ففي ذلك لها تقويم وتعديل ، وهداية ونور ودليل ، على منهاج خالص الطريق المساير (٥) لها في حب الله وطاعته ، وما أوجب الله على العباد من أثرته وعبادته ، وبكتاب الله يتجلى عن القلوب ظلم الحيرة ، وبلطيف النظر فيه يدرك حقائق العلم أهل البصيرة ، وبسبل (٦) الله فيه المطرقة ، تكون هدايات المتقين في الثقة ، من نيل (٧) الغايات القصوى ، وبلوغ الدرجات (٨) العلى.

وقد زعم بعض أهل الحيرة والنقص ، ومن لا يعرف عين النجاة والتخلص ، أن الإلطاف في النظر ، يدعو صاحبه إلى الخيلاء والبطر ، وإنما يكون ذلك كذلك عند من يريده للترؤس ، لا لما فيه وما جعله الله عليه من حياة الأنفس ، فانفوا مثل هذا عن ضمائركم ، وسدوا ثلمة عيبه في (٩) سرائركم.

واعلموا أن البحر لا يجاز يقينا بتّا إلا بمعبر ، وأنه يحتاج الشجاع المحارب السلاح

__________________

(١) في (د) : بهذا.

(٢) في (أ) و (ج) : لما.

(٣) في (ب) و (ج) و (د) : ترهم صدوعها.

(٤) في (ب) و (د) : كمالها. وزموها : شدوها.

(٥) في (ب) و (د) : المستأثر.

(٦) في (ب) و (د) : العلم والبصير. وفي (أ) : وسبيل.

(٧) في (أ) و (ج) : هدايات اليقين في الثقة. وفي (ب) و (د) : هدايات اليقين والثقة. وما أثبت فهو مما نقله الشهيد حميد. من كتاب سياسية النفس في ترجمة الإمام القاسم في الحدائق الوردية ١ / ١٢. وفي (ب) و (د) : في حمل الغايات (مصحفة).

(٨) في (ب) و (د) : درجات.

(٩) في (أ) و (ج) : من.

٣٤٧

في الحرب فكيف بالعيّ المغتر ، فلا يتعاط أحد سبيل التقوى ، وما قرن الله بها من التمحيص والبلوى ، إلا وقد تحصّن بالعلم والبصر والنظر ، (١) الذي ميز الله به بين أهل الخير والشر ، فلا تدعوا ـ رحمكم الله ـ حسن النظر في الأمور ، والاستضاءة في ظلمها بما جعل الله في العلم من النور.

واعلموا أن من أبواب ذلك ومفاتيحه ، وأضوأ ضياء نوره ومصابيحه ، إخلاص العمل لله ، وصدق التوكل على الله ، وسبب الطريق إليها ، وعون من أراد مما (٢) فيها ، (حسن الفكر في الدنيا وفنائها ، وتقلب سرّائها وضرائها ، وفي حال جميع من فيها من ملوك الأمم خاصة ، ومن دونهم من الخلق جميعا عامة ، فإنكم إن تفكرتم فتروا ، بعين الفكر وتبصروا ، أنهم جميعا منها وإن اختلفت حالهم [في السراء والضراء ، في مضامير بأقدار أحوالهم] فيها من السعادة والشقاء) ، (٣) فقد غشيهم من همومها كأمثال الجبال ، ورمت بهم (٤) من غمومها في مثل لجج البحار ، فالملك في شغل من ملكه ، والمملوك في سطوة مالكه ، والمكثر من إكثاره ، والمقلّ من إقلاله.

[أحوال الخلق في الدنيا]

ولن يحاط بوصف أحزانها ، وأوجاع غموم سكانها ، ويحق (٥) بذلك منزل سريع زواله ، قليل ما تمتع بالراحة فيه نزّاله ، بأساؤه أبدا فيه متداركة ، ونجاة أهله فيه مهلكة ، وغمومهم فيه متراكبة ، وهمومهم به مكتسبة ، فلا الغني يخلو من غم الجمع

__________________

(١) في (أ) : والبصر. وفي (ب) و (د) : والنضر. والوجه ما أثبته.

(٢) في (ب) و (د) : أرادها.

(٣) هذه الفقرة قد سبقت بعد قوله : واعلموا وليكم الله أن من أبواب التقوى. ولعلها مكررة. وهنا في جميع المخطوطات : سقط ما بين المركنين سهوا من الخطاط ، فأثبته اجتهادا مني ، ويدل على سقوطه وجوده في الفقرة السابقة.

(٤) في (أ) : ورمتهم.

(٥) في (ب) و (د) : يحق (مصحفة).

٣٤٨

وكدّه ، ولا الفقير ينجو من الكد فيه بجهده ، يسعى الغني فيه خوفا من العدم ، ويكد الفقير طلبا للمغنم ، فجدة الغني فيه فقر ، ومغنم الفقير منه خسر ، يخاطرون لذلك في أهوال البحور ، ويركبون لطلبه كل باب من أبواب الفجور ، فأقرب ما يكونون (١) من السرور به ، أقرب ما يكونون (٢) من الغم بسلبه.

فكم في الدنيا من غريق في لجج البحار؟! وكم فيها ولها من مبتلى بقتل أو أسار؟! وكم لطالبها ، وإفراطه في حبها ، من ميت غريب ناء عن الولد والأوطان ، بين غتم (٣) لا يعرفونه ، وطماطم (٤) من السودان ينكرونه ، لم يبكه هنالك ولده ولا قرباه ، ولم تأسف عليه كما أسف عليها دنياه ، بل تخلّوا جميعا منه ، وأعرضوا سريعا عنه ، فورثوه غير حامدين له فيما جمع ، وأسلموه إذ مات لما عمل وصنع ، ولعل قائلا منهم أن يقول : ما كان أفحش حرصه وإيعاثه ، (٥) أو قائلا منهم يقول : ما أقل أو ما أكثر تراثه ، تلعبا بذكره ، وتفكها في أمره.

فأعرضوا هذا ـ رحمكم الله ـ على قلوبكم لأن ينجلي لكم إن شاء الله ما فيها عن الدنيا من العمى ، وانظروا إلى من زالت عنه القدرة من أبناء الملوك والعظماء ، كيف صاروا إلى الضعة بعد الرفعة ، والضيق بعد مضطربهم من السعة ، بل انظروا بعد هذا كله ، إلى من كان هذا أكثر شغله ، ألم تروا غلطهم في مسالكهم ، ومرتطمهم في مهالكهم ، فاعتبروا بهم قبل أن تغرقوا في بحرهم ، وتقعوا في مهالك أمرهم ، وآثروا سبيل أحباء الله على كل سبيل ، واستدلوا بما كان لهم على سبيلهم من دليل ، فإن سبيلهم فيه ، وعونهم كان عليه ، ما خالط فكرهم ، وأحيوا به في الفكر ذكرهم ، من نعيم الآخرة الدائم المقيم ، وما أعد الله لمن حادّه من العذاب الأليم.

ففكروا ـ رحمكم الله ـ كما فكروا ، تبصروا إن شاء الله من فضل سبيلهم ما

__________________

(١) في (ب) و (د) : ما يكون. وسقط من (ب) : من.

(٢) في (ب) و (د) : ما يكون.

(٣) الأغتم : من لا يفصح شيئا ، جمعه : غتم.

(٤) الطماطم : جمع طمطم. وهو الذي في لسانه عجمة.

(٥) إيعاثه : إفساده.

٣٤٩

أبصروا ، وفوّضوا أموركم في ذلك كلها إلى الله ، واعتصموا في ذلك كله بالله ، فلا تدعوا فيه يقظة الجدّ والاجتهاد ، بعد التوكل على الله ربكم فيه والاعتماد ، وابذلوا لله فيه كل جهد ، وأخلصوا له منكم في كل قصد ، فإنكم إن تفعلوا ـ ذلك له ، (١) وتقصدوا فيه ما يجب فعله ـ تولاكم الله فيه فعصمكم ، وكفاكم به مهمكم ، ولا تحدثوا أنفسكم بعد أن يمن الله عليكم بهذه النعمة ، وبعد الدخول منكم في هذه السبيل المكرمة ، بالخروج ما بقيتم منها ، ولا بالإعراض أبدا ما حييتم عنها ، ولكن وطّنوا نفوسكم على احتمال صعاب الأمور فيها ، ولا تخافوا ـ ولا قوة إلا بالله ـ تخويف من خوّفكم عليها.

واعلموا أنه لن يكون أحد في فعله خلصانيا (٢) ، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله وليا ، إلا بعزمه على طاعة الله وإقدامه ، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه ، فاعزموا على التقوى عزم من يوقن بفضلها ، تكونوا بإذن الله من أوليائها وأهلها ، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله ، تكونوا من السابقين بالتقوى إلى الله ، فقد نبهكم الله لها وأيقظكم ، وأمركم بما تعملون منها فوعظكم.

[الموت]

والموت رحمكم الله فقد أبان النداء ، وداعيه فغير مفتر في الدعاء ، يختطف ـ ملحّا دائبا ـ النفوس ، ويميت الكبير والصغير المنفوس ، لا يغفل غافلا وإن غفل ، ولا يؤخر مؤملا لما أمّل ، بل يكذب الآمال ، ويقطع الآجال ، ويفرق بين الأجساد والأرواح ، وفي (٣) أي مساء يأتي أو صباح ، بل في كل حالة وساعة ، فكم من بلية أو منيّة فجّاعة ، تمنع من روح الأنفاس ، وتقطع إلف الإناس ، (٤) قد رأيناها عيانا ، وعلمناها إيقانا.

__________________

(١) في (ب) و (د) : ذلك كله له.

(٢) الخلصاني : خالص المودة. أنظر لسان العرب.

(٣) في (ب) و (ج) : ففي.

(٤) من الأنس. ولعلها الإيناس.

٣٥٠

وإذا وطّنتم أنفسكم إن شاء الله على سلوك هذه السبيل ، وهداكم الله إليها بما جعل الله في فضلها لأهلها من الدليل ، فارضوا بالله فيها بدلا من الدنيا ، واقصدوا قصد وجوه البر والتقوى ، واعملوا عمل من يوقن بحصاد مزدرعه وزكائه ، (١) وثقوا من الله فيما عملتم من ذلك بحسن جزائه ، إذ تحملتم له ولأمره طلب الرضى ، وفارقتم لوجهه أهل الدنيا ، وحرّمتم على أنفسكم عارض شهواتها عند اشتهائه ، وآثرتم ما أعد الله من الخيرات الباقيات لأوليائه.

واعلموا أنكم إذا أمتّم عارض شهواتكم لله ، فقد طبتم وزكيتم وأشبهتم المصطفين من عباد الله ، وفي غد ما يقول لكم ملائكة رب العالمين : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (٧٣) [الزمر : ٧٣].

واعلموا أنكم إذا رفضتم غرور زينة الدنيا ، فكأنكم بقلوبكم في السماوات العلى ، فاجعلوا القيامة لكم (٢) غرضا ترمونه بصالح الأعمال ، ولا تقتدوا (٣) في ذلك بمنتهى سبيل الأخيار فتكونوا بعرض ملال ، يحط من كبار (٤) الأعمال إلى صغارها ، ومن تفضيلها إلى احتقارها ، ولكن تناولوا طرفا من الصيام ، وطرفا في (٥) الليل من القيام ، وتفهّموا ما تتلون فيه من أجزاء القرآن ، وسبحوا لله واذكروه في آناء الليل وأطراف النهار ، فإنه يقول سبحانه: (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٢]. ويقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤) [المزمل : ١ ـ ٤]. ويقول سبحانه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) [الإسراء: ٧٩].

__________________

(١) زكائه : نموّه.

(٢) سقط من (أ) و (ج) : لكم.

(٣) في (ب) و (د) : ولا سدلوا بذلك (مصحفة). ومعنى العبارة : الحض على التوغل في العبادة برفق فلا يأخذ المرء نفسه بمثل عمل الأخيار خشية الملل.

(٤) في (ب) و (د) : هلاك (مصحفة). وفي (ب) و (د) : كبائر.

(٥) في (ب) و (ج) و (د) : من.

٣٥١

[جوهر الدين]

واعلموا أن شهوة الشراب والطعام ، (١) والنوم عن التهجد والقيام ، أوقع سرورا (٢) للنفس ، وادعى لما في طبائع الأنفس ، من الظمأ والصيام ، ومن التهجد والقيام ، ولن يملك امرؤ ضبط نفسه وفكرته ، ويقوى على ما يفوز به في آخرته ، حتى يقوى على ترك شهوته ، ويؤثر محبة الله على محبته ، وكما لا يضبط صعاب الخيل إلا بثقيل اللّجم ، فكذلك لا يقوى على النفس إلا بمنعها من كثير من شهواتها في المشرب والمطعم.

وإذا صمتم فليكن مع صيامكم من المطعم والمشرب ، صيام عن التكبر والعجب ، فإنهما ينتجان الفتنة ويوقدان نار الغضب ، واجعلوا أفكاركم ، وصفاء أذهانكم ، في الله ومحل أوليائه ، وفي التماس (٣) منازل أحبائه ، ولا ينال (٤) ذلك إلا بكلفة متكلفة ، يتقدمها متقدّم معرفة.

واعلموا أنه لن يعرفها أحد حق معرفتها ، إلا خف عليه ما يستثقله الجاهلون من كلفتها ، فلا تطلبوا التقوى طلب الجاهل بطلبته ، المغترّ بسوء التقدير عن نيل بغيبته ، جهلا بما بينه وبينها ، وما جعل له من العلاج دونها ، فيقل صبركم ، ويعسر عليكم فيها أمركم. ولكن اعرفوا منها ما قصدتم له ، وسلكتم إلى الله عزوجل فيها سبيله ، فإن غلبت عليكم الغفلة فيها ، أو فترتم بخطيئة عن النهوض إليها ، فهيجوا قلوبكم عليها ، وادعوا أنفسكم إليها ، بأصوات الأحزان ، والبكاء إما بأنفسكم وإما بغيركم من القرآن ، فإن القرآن نور وعبرة لمن اعتبر ، والبكاء والأحزان تذكرة لمن تذكّر.

فإن تعسر عليكم في مطالبكم من التقوى مطلب ، أو ضاق عليكم من مذاهبكم مذهب ، فخذوا في غيره مما يقربكم ، ويتسع لكم به من مذهبكم ، ولا تطلبوا الله في كثرة الركوع والسجود ، دون تحقيق الإخلاص لله من قلوبكم باعتماد (٥) قصد من

__________________

(١) في جميع المخطوطات شهوة الطعام والشراب ، ولعلها مقلوبة.

(٢) في (ب) و (د) : بشرور النفس (مصحفة).

(٣) في (أ) و (ج) : وفي اليأس من منازل. مصحفة.

(٤) في (ب) و (ج) : ولن.

(٥) في (أ) و (ج) : باعتماد وقصد.

٣٥٢

ضمائرها معمود ، فإنما يراد بذلك كله وفيه ، الوصول بتعظيم الله إليه (١).

وألطفوا نفي الهمّ عنكم ، وقطع أسباب الغم دونكم ، فإنهما يفسدان الأعمال ، ويورثان الملال ، ويفلان (٢) عزائم الجد ، ويشغلان عن سلوك القصد ، وإن عرض في نفوسكم ، أو خطر بقلوبكم ، بعض خواطر النفس (٣) الدواعي إلى غير البر والتقوى فاحذروا أن يغلب عليكم فيه ، ما يوعّر عليكم سبيل ما قصدتم إليه ، وانفوا ما عرض لكم من ذلك كله من أمر الله بما ينفيه ، ففي ذلك ولا قوة إلا بالله ما تقوون عليه ، وانفوا الهمّ عنكم فيه برجاء الفرج وتأميله ، وبما رأيتم من تغيير أمر الدنيا وتبديله.

واعلموا أن الفرج والسهل بعد الهم والوعر ، والراحة واليسر بعد النصب والعسر ، كما قال الله تبارك وتعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٦) [الشرح : ٥ ـ ٦]. وقال الرسول عليه‌السلام ، فيما قد نقلته العوام : (اشتدي أزمة تنفرجي) (٤). واستعدوا الصمت عمّا لا يعنيكم ، فإن ذلك إذا غلب عليكم ، جلا عنكم بإذن الله ما في قلوبكم من العمى ، وإن عين القلب لا تبصر إلا في الضياء وبعد الجلى ، وجلاء القلب صمته عما لا يعنيه ، ونظره فيما له من الله وعليه ، والمرآة ذات الصدى ، لا تري إلا بعد أن تجلى ، وكذلك فلن يصل أحد إلى أن يخلص حبا لله (٥) وارتضائه ، والسرور بما أعد في دار البقاء لأوليائه ، والعجب بما أراه الله من عظمته ، إلا بعد الجلاء للقلب من درن (٦) خطيئته ، ولا يقتصر أحد في سلوك هذه السبيل على ترك الطعام ، وإدمان قراءة القرآن ، دون أن يخلط ذلك بالنظر إلى ما عند (٧) الله بقلبه ، ويتفهم في ما

__________________

(١) في (ب) و (د) : الله بأسبابه (مصحفة).

(٢) في جميع المخطوطات : ويقلان. ولعل الصواب ما أثبت. لأن العزائم تفل ولا تقل.

(٣) في (ب) و (د) : الفتن.

(٤) رواه الإمام الهادي في الأحكام ٢ / ٣٦. والسيوطي في الجامع الصغير برقم (١٠٤٧) وقال رواه الديلمي في الفردوس. والسيوطي أيضا في الدرر المنتثرة في حرف الهمزة.

(٥) في (ب) و (ج) و (د) : حب الله.

(٦) في جميع المخطوطات : دون ، وهي مصحفة عن درن ، والله أعلم.

(٧) في (ب) : ما أعد.

٣٥٣

يقرأ كل (١) ما أمر الله به ، فإنه لا غنم لمن جعل ما هو فيه من صيامه ، ليس إلا تركه لما ترك من طعامه ، ولا من جعل قراءته بالتلاوة شغلا ، ومن فهمه لما فيه عن الله بدلا.

وصحبوا الراسخين في العلم ، فإن فيهم عصمة لمعتصم ، واقتفوا وفقكم الله صلاح آثارهم ، وانفوا الوحشة عنكم (٢) بصحبتهم واختيارهم.

ومن سلك هذه السبيل المكرمة الخالصة ، فعارضه فيها من الوساوس المغوية ، ما يوعر عليه سبيلا ، أو يدخل قلبه من فترة دخيلا ، فليذكر أنه في مسلك سبيل أولياء الله الذين اصطفى ، (٣) وأنهم باحتمال ما هم فيه من المئونة استحقوا عند الله المنزلة والزلفى ، وبها وصلوا إلى ثواب الله الأكرم ، ومحل أوليائه الأعظم.

[مثل طالب الدنيا وطالب الآخرة]

ثم ليقس نفسه فيه ، وفيما يرجو من جزاء الله عليه ، بمن يغوص في لجّ البحر ، لابتغاء الدر ، وهو يوغل في حفر (٤) المعادن لابتغاء الذهب ، ويسير له في آفاق الأرض بجهد الطلب ، وينصب نفسه لمقاساة الملك الزائل ، ويقاتل عليه وفيه كل بطل منازل. ومن يطلب ما لا يفنى ويزول ، ولا يغيّره مغيّر من البلاء فيحول ، من الملك الباقي السرمدي ، والنيل الدائم الأبدي ، أيهما أولى بالصبر على التعب ، والاجتهاد بصدق الطلب ، فقد يعلم أنه لا أحد أخسر في صفقته ، ولا أفحش في الحمق من حمقته ، (٥) ممن اعتاض زائلا بمقيم ، وبؤسا ـ إن كان عاجلا ـ بنعيم ، فأشعروا انفسكم هذا وذكره ، يسهل عليكم ما وعّرت الوساوس أمره.

وإن عرض لكم سوء تفكير ، وشنع عليكم حالا من حال الخير ، يشغل بوسواسه

__________________

(١) في (ب) و (د) : ويتفهم في كل ما يقرؤه.

(٢) سقط من (ب) و (د) : عنكم.

(٣) في (ب) و (د) : اصطفاهم.

(٤) في (ب) و (د) : خفي.

(٥) سقط من (ب) سهوا : ولا أفحش في الحمق من حمقته.

٣٥٤

ضمائر قلوبكم ، فميزوا بين ذلك وبين ما عرض بصحيح عقولكم ، ولا ترضوا من أنفسكم فيه بغير صحيح أموركم ، فإن أخون الناس لنفسه ، وأجهلهم بيومه وأمسه ، من رضي بتشبيه العلانية ، وأنكر صدق السريرة الباطنة.

واعلموا أنكم إن رضيتم ، أو خضعتم في ذلك وأغضيتم ، فتنكم فيه عدوكم ، وسبى بغروره فيه عقولكم ، فاعتصموا بالله عن سبياته ، واستدفعوه لا شريك له لبلياته ، فإنه عزوجل غاية الاعتصام ، واقصدوا قصد ما برزتم له بالتمام ، فإن كل من نكل (١) عن بغيته ، بعد أن أنصب نفسه في طلبته ، أسوأ في ذلك حالا ، ممن لم ينصب فيها اشتغالا.

واذكروا ما وعدتم من النعيم الدائم المقيم ، وما أوجب الله لمن لم يجب دعاءه من العذاب الهائل الأليم ، ثم (٢) اسألوا الله فيما اعتصمتم به بنفي غمكم ، واكتفوا بمعونة الله فيه يقلّ همكم.

[التوبة]

ومن عثر في هذه السبيل بعد سلوكه لها فلا يقطع من الله رجاه ، ولا ييأس مما أعد الله لكل من أخطأ خطاه ، من رحمته التي وهب منها أفضل الموهبة ، وجعلها للخاطئين عند الخطيئة في قبول التوبة ، فإن الله تبارك وتعالى لم يقم للتائبين منهاجا ، ولم يجعل لكل نفس تائبة إليه من العقوبة إخراجا ، إلا لما أحب من بسط (٣) العفو والمغفرة ، وتعريف مكان حلمه بالعفو بعد المقدرة ، فإن أنتم زللتم عن طاعته ، فلا تزولوا (٤) عن طلب عفوه ومغفرته ، فإنه يبلغكم بسعيكم في طلب عفوه ، منازل (٥) الساعين في طلب ثوابه ، وكما أن الله تفضّل من ثوابه بأكثر من عمل العاملين ، فكذلك تفضل بالعفو

__________________

(١) أي : رجع.

(٢) في (ب) و (ج) و (د) : واسألوا.

(٣) في (ب) و (د) : لمن. وفي (ب) : يسقط (مصحفة).

(٤) في (ب) : ترون (مصحفة).

(٥) في (أ) و (ج) : منال : (ولعلها مصفحة).

٣٥٥

على من أناب إليه من الخاطئين ، وكما أن طالب الضالة محبّ لوجودها وأدائها ، والطبيب محب لإبراء المرضى إذا عالجها من أدوائها ، فكذلك الله تبارك وتعالى يحب توبة من دعاه إلى الإنابة من المذنبين ، ولذلك مدح سبحانه إنابة من أناب إليه من المنيبين (١).

[حذر النفس والهوى]

واعلموا أن من سقط في البحر ، وألقى بيده في لجج الغمر ، (٢) ، ولم يتحرك في طلب الحياة ، لم يطمع له يقينا بتّا بنجاة. ومن وطّن نفسه على الهلكة ، يئس من أن يدركه الله بنجاته المدركة ، ومن يئس من الأسباب المنجية ، لم يتب من قبيح سيئة ، ومن يحسن ظنه بربه ، (٣) لا يعدم حسن الجزاء في ظنه به ، (٤) ومن يسوء ظنه بالله وفيه ، فلا يعرف إحسانه إليه ، ولا يستوجب منه ثوابا ، ولا يأمن له ـ إن عقل ـ عقابا ، وثواب الله على حسن ظنّ من عبده به ، عوض من جزائه له على حسن عمله.

فالحذر الحذر فإن المنفعة في الحذر عظيمة ، والاستعانة بمعرفتها حصن وغنيمة ، فاستعينوا بالحذر والتيقّظ عن الغفلة ، وما ليس بمأمون أن يعارضكم من الملالة.

واعلموا أن الأنفس تؤثر حب الخفض (٥) والراحات ، وكل ما كان لها فيه (٦) من عاجل سرور وفرحات ، بغلبة غالبة لها عليها ، وصغوّ مصغ شديد إليها ، فإن أهملتم أنفسكم أغارت غارة السبع في شهواتها ، وملكتها الغفلة فخالفتكم في أكثر حالاتها ، وإن انتبهتم وحذرتم ، قويتم على بلوغ ما طلبتم ، وإن ونيتم وقصرتم ، وعميتم عما بصّرتم ، غلبت عليكم غوالب الحيرة والهوى ، وأسلمكم الله إلى ما آثرتم عليه من غير

__________________

(١) في (ب) و (د) : المتقين.

(٢) الغمر : الماء الكثير.

(٣) في جميع المخطوطات : (بالله). وما أثبت اجتهاد مني. لأنه أوفق لسجع الإمام وأسلوبه. والله أعلم.

(٤) سقط من (ب) و (د) : به.

(٥) الخفض : الدّعة.

(٦) سقط من (ب) و (د) : فيه.

٣٥٦

التقوى ، ألم تسمعوا لقول الله تعالى ، فيمن غلب عليه العمى ، وجانب سبيل الهدى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٣) [الجاثية : ٢٣]. فلما اتبعوا أهواءهم أعماهم ، ولما آثروا تقواهم هداهم ، ألم يسمعوا قول الله تبارك وتعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (١٧) [محمد : ١٦ ـ ١٧].

فليكن حذر الهوى من شأنكم الأكبر ، والهرب بالجد من حظكم الأوفر.

فإنه بلغني أن بعض الصالحين كان يقول : النار تلحق ذا الخطو البطيء ، وحديقة العاجز لا تعرى (١) عن الشوك والحلافي ، (٢) فكذلك قلوب أهل التقوى إن غلب عليها الوناء والعجز والغفلة ، غلب عليها الخطأ والفساد وهي عنه ذاهلة.

فلا تتكلوا على ما سلف من أعمالكم ، فتضيعوا فيما تستأنفون من بقية آجالكم ، واجعلوا على فكركم من عقولكم رقيبا ، كيلا تجول (٣) بكم فيما جعله الله ذنبا ، وكذلك فاجعلوا على ألسنتكم (٤) لكيلا تنطق بما يسخطه ، وعلى أسماعكم وأبصاركم لكي تفرغ لما يحبه ، وزنوا ـ فيما بينكم وبين الله ـ جميع أموركم ، وارفضوا الفضول فيها من فعلكم وقولكم ، واقتصروا على بغيتكم تستريحوا ، وتفرّغوا لها تنجوا به وتفلحوا.

[الاخلاص]

واعلموا أن الزّراع الحكيم لا يثق في نفسه بسلامة ما بذر من زرعه فيه ، حتى يستودعه الخزائن فتؤويه ، فلا تثقوا بعملكم قبل الورود عليه.

واعلموا أن ما يعرض من الآفات ، ويدخل على أهله من الغفلات ، في طلب

__________________

(١) في (ب) و (د) : لا تعدا عن.

(٢) الحلافي : نبت أطرافه محددة. كأنها : أطراف سعف النخل والخوص.

(٣) في (ب) : يجول بينكم. مصحفة.

(٤) أي : اجعلوا رقيبا.

٣٥٧

الآخرة أكثر منها في طلب الدنيا ، وذلك لفتن الشيطان بحب المدح والرياء ، واستشعار الكبر والخيلاء ، وغير ذلك من معاريض مكره وكيده ، وما يقاسى فيه من الاخلاص وشدائده ، فإن لم تحترسوا منها ، وتحتجبوا بالله عنها ، عارضتكم فيها الهلكة والتلف ، ثم لم يكن في أيديكم إلا الحسرة والأسف.

فعليكم بقراءة الكتب الدّالة على حكم الله وعجائب قدرته ، ولا تقرءوا ما قرأتموه منها للتزين في أعين الناس بقراءته ، وانفوا عنكم تثاقل التلهية ، بذكاء الفكر والنية ، وإذا أعطيتم فاشكروا ، وإن فرحتم فاذكروا ، وإن ابتليتم فاصبروا.

واعلموا أن الصلوات ، ليست بطرب الأصوات ، ولكنها بالباطن الظاهر ، والفكر المنير الزاهر ، والنية الصادقة ، والضمائر المحققة ، فاستعملوا ضمائركم بصحيح الاستعمال ، ولا تميلوا إلى ظاهر المراءاة باللسان ، تكن أعمالكم مطيبة زاكية ، وضمائركم لله خالصة نقية ، (١) ولن يكون الانسان في فعله خلصانيا ، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله وليا ، إلا بإخلاصه لصلاته وصيامه ، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه ، فأطيعوا الله (٢) ما استطعتم ، وأخلصوا له الطاعة إذا أطعتم ، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله ، تكونوا من السابقين دون غيركم إلى تعظيم الله ، فقد نبهكم (٣) الله لها فأيقظكم ، وأمركم بما تعملون منها فوعظكم. فالعجل العجل والحذر الحذر! والنجا النجا! والوحاء الوحاء! فقد حدانا (٤) الرسول على رفض الدنيا وأجهر (٥) ، وحرّك إلى قبول أمر الله فيها فاستنفر ، (٦) كل نفس سوية مفكرة ، ذات عين صحيحة جلية مبصرة ، فما لأحد من عذر ولا علة ، في وناء ولا تقصير ولا غفلة.

فهل من مستجيب لله في ذلك مدّكر؟! وهل من رائح إلى الله أو مبتكر؟! منيب

__________________

(١) في (ب) و (د) : نقية صادقة. زيادة.

(٢) سقط من (ب) : الله.

(٣) في (ب) و (د) : وقد.

(٤) الوحاء : العجلة والسرعة. والحدو : سوق الإبل والغناء لها. والمراد هنا الحض والحث.

(٥) في (ب) و (د) : وأجهد (مصحفة).

(٦) في (ب) و (د) : فاستفزّوا لكل.

٣٥٨

إلى الله مستسلم ، ومتعلق بحبل الله معتصم ، فقد أرانا الله من معايب الدنيا ومساويها ما أراه ، ففاز من بادر إلى الله في الإجابة برفضها إذ دعاه ، فوجل من الله وأشفق ، وسارع إلى الله فسبق ، ولم يأخذ منها إلا ما طاب لله وزكا ، ولم يختر على ما جعل الله من الحياة فيها سخطا من الله وهلكا ، ولم يغترر بما (١) أمده الله به من ماله وبنيه ، وبما ظاهره الله من آلائه ونعمه إليه ، فإنه يقول سبحانه : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٢) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٦٢]. ويقول سبحانه : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) (٧٤) [المؤمنون : ٧٣ ـ ٧٤]. ويقول سبحانه : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩) [الزمر : ٥٤ ـ ٥٩]. ويقول سبحانه : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (٤٧) [الشورى : ٤٧] ، فكفى بتذكير الله عزوجل وأمره فيما ذكرنا به وأمرنا من كل أمر وتذكير ، فأسعدكم الله بقبول تذكيره ، وأيدكم في ذلك بتوفيقه وتبصيره ،

__________________

(١) في (ب) : تعتدوا (مصحفة).

٣٥٩

وبلّغكم الله برحمته صالح أعمالكم ، ونستودع الله لنا ولكم ، ولجميع أحوالكم (١).

تم كتاب سياسة النفس والحمد لله كثيرا.

وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ونعم المولى ونعم النصير.

* * *

__________________

(١) في (ب) و (ج) : إخوانكم.

٣٦٠