مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) - ج ٢

المؤلف:

القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام


المحقق: عبدالكريم أحمد جدبان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الحكمة اليمانية للتجارة والتوكيلات العامة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

١٣٢ ـ [وسألت : عن الدعاء في الصلاة]؟

وأما الدعاء في المكتوبة في أمر الدنيا والآخرة فجائز حسن ، وهو في : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) [الفاتحة] ، فهذا كله دعاء.

١٣٣ ـ [وسألت : عن سجود السهو في الصلاة]؟

والسجود في السهو للصلاة في الزيادة والنقصان فهو بعد التسليم ، وما كان قبل التسليم من زيادة في ركوع أو سجود فهو زيادة يحتاج فيها ولها ، إلى ما ذكر الله من السجود في مثلها (١).

١٣٤ ـ [وسألت : عن الجمع بين الصلوات]؟

ولا بأس بالجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ودخول وقت العصر في آخر وقت الظهر لمن جمع ، ووقت المغرب والعشاء لمن جمع فقبل غروب الشفق ، إن أراد ذلك مريده.

١٣٥ ـ [وسألت : عن النافلة بعد صلاة الفجر]؟

ومن صلى الصبح سبح بعد صلاته ، ولم يصل بينه وبين طلوع الشمس.

١٣٦ ـ [وسألت : عن التسليم ورفع اليدين في الصلاة]؟

والتسليم من الصلاة عن اليمين والشمال ، ورفع اليدين فقد اختلفت فيه الأقاويل ،

__________________

ـ عبرية؟ فقال : نعم. فقلت ما معناها عندكم؟ قال : اجعلني كذلك. وهذا المعنى نفسه هو الذي أورده صاحب اللسان عند ما قال : معنى آمين : كذلك يكون. ثم سألني عن سبب السؤال فأخبرته عن كلام الإمام القاسم عن آمين ، وأنها عبرية فألح إلحاحا شديدا على تسحيل هذا الكلام في الإذاعة فرفضت. خشية الوقيعة بين المسلمين ، واستغلال اليهود لمثل هذه الخلافات لإشعال الفتن بين المسلمين. عام ١٩٩٨ م ، وأشهد لله أيضا أني سمعت بأذني الرئيس الإسرائيلي إسحاق رابين وهو في البيت الأبيض بأمريكا يوقع اتفاق سلام مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ، سمعته بعد التوقيع يقول : آمين آمين آمين ، ثلاث مرات. عبر التلفزيون.

(١) لعل الإمام قصد هنا أنه يجب على من فعل شيئا من ذلك أن يسجد سجدتي السهو.

٦٠١

وإن أحب ذلك إلينا أن يسكنا تسكين غيرهما ، لأن تسكينهما هو خشوعهما ، وكذلك تسكين العين فهو لها خشوع.

١٣٧ ـ [وسألت : عن الوضوء والقراءة في صلاة الجنازة]؟

ويجزي في الوضوء مرة مرة ، ويقرأ في الصلاة على الجنائز في التكبيرة (١) الأولى ، وما بعد ذلك فيدعا.

١٣٨ ـ [وسألت : عن الحجامة هل يجب منها الغسل ، وعن غسل السنة]؟

وليس يجب الغسل من الحجامة ، ولكن من احتجم توضأ. ويغتسل للجمعة ، والرواح إلى عرفة ، والعيدين ، وكل ذلك من السنة.

١٣٩ ـ [وسألت : عن الوضوء لكل فريضة]؟

ومن صلى صلاة فثبت في مقعده ، ولم يخرج من مسجده ، صلى ما بعدها من صلاته بوضوئه. وإن أكثر الاشتغال ، والإدبار والإقبال ، كان أحب إلينا له [أن] يجدد وضوءه ، وكذلك بلغنا أن عليا صلوات الله عليه ورضوانه كان يفعل ، يجدد وضوءه لكل صلاة من الفريضة.

١٤٠ ـ [وسألت : عن أفضل الحج]؟

والإقران أفضل من الإفراد والتمتع بالعمرة إلى الحج ، ولا يقرن بين العمرة والحج إلا من ساق هديا ، ومن قرن طاف طوافين ، وسعى سعيين ، ولم يحل عن عمرته ، حتى يحل من حجته ، والإفراد للحج أفضل ـ والله أعلم ـ من التمتع بالعمرة إلى الحج ، لأن. حجة عراقية أو مدنية ، أفضل من حجة مكية ، والإهلال إذا طال ، أفضل منه إذا قصر لطول الإحرام.

١٤١ ـ [وسألت : عن التلبية والهدي]؟

وتقطع التلبية في الحج إذا رميت جمرة العقبة ، وأفضل الهدي ما وقف بعرفة ، وإن قلت حتى أشتري من منى أجزأ المتمتع.

__________________

(١) في المخطوط : الركعة. وظنن فوقها بما أثبت وهو الصواب.

٦٠٢

١٤٢ ـ [وسألت : عن الضحية ، وصيام عرفة والدعاء]؟

والضحية واجبة على كل ذي يسار وجده ممن حج أو لم يحج ، وصيام يوم عرفة أفضل من إفطاره ، والدعاء في الصيام أقرب إلى الإجابة من الإفطار.

١٤٣ ـ [وسألت : عن ما يبطل الوضوء]؟

وكل ما سال أو قطر من الدم ففيه الوضوء ، وليس في مس الإبط ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، والقيء والقلس ، وضوء ، وما جاء من الوضوء من ما مسته النار فليس للنار ، وإنما أحسبه ـ والله أعلم ـ للأكل والاشتغال ، ولا نحب للجنب أن يتعوذ بشيء من القرآن ، لما في ذلك لتنزيل الله من الإجلال.

١٤٤ ـ [وسألت : عن قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٦ ـ ٧]؟

فهي البر والأمور المرتضاة ، ومنها زكاة الأموال ، وصالح عمل العمال ، الذين يعملون لله ، ويسعون في مرضات الله.

١٤٥ ـ [وسألت عن : (الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣]؟

وأما قوله : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣) [النور : ٣] ، النكاح هاهنا قد يكون المسيس والمجامعة ، ويكون العقد والملك والتزويج الذي جعله الله طاعة.

وأما قوله : (لا يَنْكِحُها) هو لا يأتيها ، ولا يرتكب سخط الله فيها ، إلا مشرك من المشركين بالله ، أو زان مثلها عند الله ، وهذا كله كما قال الله سبحانه.

١٤٦ ـ [وسألت : عن قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣]؟

وأما قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الحرث هو : المزدرع الذي جعله الله في النساء والنماء ، (أَنَّى شِئْتُمْ) هو متى أردتم ، لأن العرب كانت تزعم أن إتيان النساء وهن حوامل أو مرضعات حرام ، خوفا للفساد.

١٤٧ ـ وسألت عن قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً

٦٠٣

وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢) [الأنعام : ٢]؟

خلقه سبحانه لهم من طين ، فهو خلقه لأبيهم آدم صلى الله عليه ، لأن ما كان نسلا منه فمخلوق مما خلق منه ، (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) [الأنعام : ٢] الأجل المقضي هو الموت والوفاة ، والأجل المسمى عنده هو أجل يوم الحساب والمجازاة.

١٤٨ ـ وسألت : عن الأرواح بعد مفارقتها الأبدان أحية أم ميتة؟

أرواح المؤمنين إذا فارقت أبدانها في نعيم وكرامة ، وأرواح الظالمين إذا فارقت أبدانها في خزي وندامة ، حتى ترد الأرواح إلى أبدانها في يوم البعث والقيامة.

فإذا جاء ذلك فهو التخليد والدوام الذي ليس له فناء ولا زوال ، ولا له عن أهله براح ولا انتقال.

١٤٩ ـ وسألت عن قوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) [الإسراء : ٥٦ ـ ٥٧]؟

الذين كانت العرب تدعوهم ملائكة الله ، وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، كما قال الله سبحانه : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) [النحل : ٥٧]. والملائكة هم الذين كانت العرب تدعو ، والملائكة الذين كانوا يدعون فهم الذين يبتغون الوسيلة إلى الله ، ويرجون من الله الرضوان والرحمة.

١٥٠ ـ وسألت عن قوله : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢) [الكهف : ١٢]؟

يقول سبحانه بعثنا أهل الكهف بعد طول نومهم في كهفهم لنعلم أي الحزبين ، أحصى لما لبثوا في كهفهم مقيمين ، أهم أم من علم لبثهم من الملائكة هم الحزبان ، (١) وهم في العلم والمكث مختلفان.

١٥١ ـ وسألت عن : (وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) [الطور : ١ ـ ٦]؟

__________________

(١) في المخطوط : لبثهم من الملائكة لبثهم في كهفهم. ولعلها زيادة سهو من النساخ.

٦٠٤

الطور هو : طور سيناء ، وقد ذكره الله في غير مكان ، والبلد الأمين ، فأقسم بهما ، لما هو أعلم به سبحانه من أمرهما.

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) (٣) هو : ما نزله الله من كتبه ، وكتب في رق وغيره.

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (٤) [الطور : ٤] هو : بيت الله الذي يعمر أبدا بذكر الله ، وبالوافدين في كل حين إلى الله ، كما قال سبحانه لإبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما ، (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥) [البقرة : ١٢٥].

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (٥) [الطور : ٥] هو : السماء.

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٦) [الطور : ٦] هو : البحر الأعظم. المسجور : فهو المحبوس على حدوده ومنتهاه ، فليس يجوز حدا من حدوده ولا يتعداه.

١٥٢ ـ وسألت : عن قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤) [التوبة : ١١٤]؟

فإن الأواه المتأوه هو الرحيم ، والحليم هو اللبيب الحكيم.

١٥٣ ـ وسألت : عن قوله سبحانه : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ...) (٢٢) [محمد : ٢٢] الآية؟

فتأويل (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) ، هو لعلكم أنتم أيها المدعون من كنتم ، وتأويل (تَوَلَّيْتُمْ) هو أدبرتم عن الإجابة ، والقبول والإنابة ، (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، بقتل بعضكم لبعض ، فتقطعوا الأرحام ، إذا لم تجيبوا الإسلام ، لأن من لم يجبه أفسد في أرض الله إذ لم يتبع حكمه ، ففجر في دين الله وقطع رحمه ، ومن أجابه أصلح ووصل ، إذا سمع عن الله وقبل ، ولم يتول ولم يدبر ، فلم يفسد ولم يفجر.

١٥٤ ـ وسألت عن تأويل : (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) [آل عمران : ١٦٧] ، أو قلت : ما معنى (أَوِ ادْفَعُوا)؟

فتأويل (قاتِلُوا) يعني : كونوا بقتالكم لله مطيعين ، أو ادفعوا فكونوا بقتالكم عن أنفسكم وحرمكم مدافعين ، إن لم تكونوا لله مجيبين ، وفي ثوابه على القتال لعدوه راغبين.

٦٠٥

١٥٥ ـ وسألت عن قوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا ...) [المائدة : ٩٣] الآية؟

يقول الله سبحانه ليس على من اتقى وآمن جناح ، يعني : إثما فيما أكل وطعم من طيبات الأطعمة ، التي ليست عند الله بمحرمة ، لأن من المؤمنين من كان يترك أكل بعض الطيبات زهادة في الدنيا ، والتماسا في ذلك لما يحب الله ويرضى ، وممن ذكر بذلك عثمان بن مظعون (١) ، كان فيما بلغنا قد حرم على نفسه أكل اللحوم ، فنهاه الله وغيره من المؤمنين عن تحريم ما لم يحرم من المطاعم الطيبة ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٨٧) [المائدة : ٨٧] ، فأخبرهم سبحانه وغيرهم من الأتقياء البررة ، أنها لمن آمن به في الدنيا خالصة في الآخرة ، فقال سبحانه : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الأعراف : ٣٢].

١٥٦ ـ وسألت عن قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة : ١٠٥]؟

إنما قال سبحانه للذين قالوا : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [المائدة : ١٠٤] من دينهم ، وأكثروا الاتباع لدين غيرهم ، عليكم بأنفسكم خاصة ، فليس يضركم إذا اهتديتم ضلال من اعتقد ضلالة ، كان أبا أو غيره لأن كل امرئ إنما يحاسب بما عمله وماله ، فإن اهتدى نجا سالما ، وإن ضل هلك ظالما ، لأنه (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) [النجم : ٣٨ ـ ٣٩].

١٥٧ ـ وسألت : [عن] (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٤ ـ ١٩٥]؟

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) فهو من دونه سبحانه كذبا وافتعالا ، وقد

__________________

(١) سبق تخريج القصة.

٦٠٦

يكون تأويل «من دونه» : أنهم دونه كبرياء وجلالا.

والذين كانوا يعبدون فهم من عبدوا من الملائكة المقربين ، ومن كانوا يعبدون من دونه من الآدميين ، ومن عبد من الناس أحدا من الشياطين ، هؤلاء كلهم فهم عباد أمثالهم ، وقد عبدوا من عبدوا من العباد ، ما كانوا يعبدون من الأصنام ، والتماثيل والأوثان (١) ، التي ليس لها أرجل ولا أيدي ولا أعين ولا أسماع ، ولا عندها لأحد عبدها أو لم يعبدها ضر ولا انتفاع ، وفي الأصنام ما يقول الرحمن ، له الكبرياء والجلال : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] ، وما ذكر من غير ذلك عند ذكرها ، وليس شيء من ذلك كله لها ، فكيف يعبدونها مع زوال ذلك كله عنها ، وهو أفضل في ذلك كله منها ، إلا لفعلهم الفاسد المدخول ، بالمكابرة لحجة العقول.

١٥٨ ـ وسألت عن قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) [المائدة : ١٠٩]؟

ومسألة الرسل من الله عن ما أجيبوا في يوم البعث ، فمسألة عن الله ذات حقيقة وحكمة ورحمة بريّة من كل جهل وعبث ، وإنما هي تقرير لهم ولأممهم وتعريف وتوقيف ، وإبانة أنه لا يأخذ أممهم إلا بجرمهم لأنه هو الله الرحيم الرءوف ، وأنه علام ما خفي عن الرسل من غيرهم ، فيما كان من الجواب لهم في حسناتهم وذنوبهم.

١٥٩ ـ وسألت : عن قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس : ٩٤]؟

ليس قوله سبحانه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) أنه فيه ، ولا أنه يشك في شيء مما نزله الله إليه ، ولكنه تنزيه له من ذلك كله ، وتثبيت ليقينه ولتفضله فيه على غيره ، ألا ترى أنه يقال لمن كان موقنا يقينا صادقا ، وكان فيما اعتقده منه كله معتقدا عقدا محقا ، إن كنت يا هذا في شك من (٢) أمرك ، فتثبّت فيه بغيرك ، فيغضب على من قال له ذلك

__________________

(١) لعل في هذه الجمل سقطا أو تصحيفا.

(٢) في المخطوط : مما. ولعل الصواب ما أثبت.

٦٠٧

ليقينه ، كان موقنا بذلك في دنياه أو دينه ، وقد يكون من أسباب اليقين لغيره برسالته ، وما نزله الله عليه من حكمه وآياته ، ما في أيدي أهل كتب الله من ذكره ، وهدايته في دينه وأمره ، فقال سبحانه : (فَإِنْ كُنْتَ) ولم يقل إن كان غيرك ممن آمن أو لم يؤمن في شك أو ارتياب ، فاسأل عن أمرك أهل الكتاب.

١٦٠ ـ وسألت عن قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ...) [المائدة : ١٠٦] الآية (١)؟

(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) هو الشهادة بينكم في قضاياهم وموارثيهم عند نزول الموت وحضوره ، عند ما يكون في ذلك للميت من أموره ، أن يستشهدوا عند الموت شهيدين من أنفسهم ، أو آخرين من غيرهم ، إن لم يحضر مسلمان عند الموت من غيرهم ، لأنه ربما حضر الموت الرجل المسلم ، في السفر أو غيره وليس عنده إلا كافر أو مجرم ، فيضطر إلى شهادتهما ، وإن هو لم يرض بهما ، فإذا كانا معروفين في دينهما بالتحرج من الزور والظلم ، استشهدا على الوصية وغيرها (٢) إذا لم يظفر بمسلم ، (فَإِنْ عُثِرَ) [المائدة : ١٠٧] وهو : ظهر على أنهما آثمان ، وأنهما ليسا بصادقين فيما عليه يشهدان ، حبسا بعد صلاة من الصلوات ، وحبسهما وقفهما فأقسما في وقت مما ذكر الله من الأوقات ، و (إِنِ ارْتَبْتُمْ) [المائدة : ١٠٦] هو : ظننتم أنهما كذبا ، فزادا أو نقصا ، فليحلفان بالله لا نشتري بشهادتنا وقولنا ثمنا ، ولا نشهد بغير الحق لأحد ولو كان ذا قربى ، ولئن فعلنا فكتمنا شهادتنا (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (١٠٦) [المائدة : ١٠٦] ، يريد : إنا إذا لمن الظالمين ، وفيما في الشهادة من الظلم ، بالإخفاء لها (٣) في الكتم ، ما يقول الله سبحانه : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] ، فإن استحق أنهما

__________________

(١) تكملة الآية (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ، فَإِنْ عُثِرَ ...) [المائدة / ١٠٦ ١٠٧].

(٢) في المخطوط : وغيرهما. ولعلها كما أثبت.

(٣) في المخطوط : لهم. لعلها مصحفة ، والصواب ما أثبت.

٦٠٨

كاذبان ، حلف من المظلومين آخران.

١٦١ ـ وسألت يرحمك الله عن قول الله سبحانه : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٨٥) [طه : ٨٥]؟

فقال : فتنهم في بلوى الله لهم من بعد موسى ، بما كان من العمل فيهم ، وإضلال السامري لهم ، فهو بدعائه إياهم إلى ما قالوا به من العجل ، أن يقولوا (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) [طه : ٨٨] ، وبما ألقى من القبضة التي أخذها من أثر الرسول ، فنبذها في جوف العجل فخار ، فكان لهم في ذلك من الفتنة ما كان ، وكان قولهم في ذلك ، ولما رأوا منه في العجل بما (١) قالوا ، فلما سمعوا صوت خواره ضلوا به ، كما ضلوا إذ (٢) قالوا فيه بما قالوا.

١٦٢ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ ...) إلى قوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢]؟

فقال : الأذن من الله في هذا الموضع هو التخلية ، والاستطاعة التي جعلها الله في السامري والتقوية ، وليس بإذن من الله ولا رضى.

١٦٣ ـ وسألت عن قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) [البقرة : ٦ ـ ٧]؟

فقال : الختم من الله على قلوبهم وعلى سمعهم وما جعل على أبصارهم من الغشاوة كالران الذي قال الله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤) [المطففين : ١٤] ، والختم فهو الإقفال وهو الطبع ، فمعنى هذه كله واحد فيهم ، وهو بما وجب من لعنة الله عليهم.

١٦٤ ـ وسألت عن قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [الأنعام : ٢٥]؟

فقال : والأكنة هي الحجب ، وهي مثل الطبع والختم.

__________________

(١) في المخطوط : إنما. ولعلها مصحفة.

(٢) في المخطوط : إن. ولعلها مصحفة ، وفي فقرات الجواب خلل من سقط أو تصحيف.

٦٠٩

١٦٥ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (١٦٣) [الصافات : ١٦٢ ـ ١٦٣]؟

فقال : تقول الملائكة ما أنتم عليه بغالبين ، ولا إليه بجارّين ، (١) إلا من هو صال الجحيم ، يقول لا يحببكم إليه ، ولا يرضى قولكم فيه ، إلا من هو أهل النار والعذاب الأليم.

١٦٦ ـ وسألت عن قوله : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة : ٤١]؟

فقال : ومن يرد الله فتنته من بريته ابتلاه أو إضلاله أو إخزاءه ، ممن (٢) شاقه وعصاه ، فلن تملك له من الله في ذلك شيئا ، والملك في ذلك والقدرة لله وحده.

(لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) يريد سبحانه : أنه لم يرد تزكية قلوبهم ولا تطييبها بما هم عليه من معصيته ، لأنه إنما يطيّب ويزكي قلوب أهل طاعته ، فأما من لم يرد توبته ولا أمره ، (٣) فليس يزكي قلبه ولا يطهره.

١٦٧ ـ وسألت : عن قول الله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [التكوير : ٢٦ ـ ٢٩]؟

فقال : ولذلك ما يشاء الاستقامة ، إلا وقد شاءها الله قبله ، ورضيها فيما نزل تبارك وتعالى وقواه عليها ، ودله جل جلاله إليها.

١٦٨ ـ وسألت : هل يصح الحديث الذي جاء أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (الأئمة من قريش) (٤)؟

__________________

(١) في المخطوط : بمجبورين. ولعل الصواب ما أثبت.

(٢) في المخطوط : فيمن. ولعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد.

(٣) في المخطوط : يرد أمره ولا توبته. ولعلها مقلوبة ، وما أثبت اجتهاد.

(٤) رواه في الجامع الكافي في باب الإمامة ، وهو في مسند الإمام زيد بن علي عليه‌السلام بلفظ : وسألت زيد بن علي عليه‌السلام عن الإمامة؟ فقال : هي في جميع قريش .... الروض النضير ٥ / ١٨ ، وأخرجه ـ

٦١٠

فقال : الأئمة كذلك كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام منهم ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولده وذريته فمن قريش لا من غيرهم.

١٦٩ ـ وسألت : عن قوله سبحانه : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] من هؤلاء؟

فقال : هم هوازن ، وهم أشد الناس بأسا ، وقد قالوا : فارس والروم ، وقالوا : بنوا حنيفة (١).

١٧٠ ـ وسألت : ما تفسير الحديث الذي روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية) (٢)؟

فقال : المرجئة الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ، وغير ذلك من الأقاويل المختلفة لهم ما قد عرفت ، القدرية فهم المجبرة.

١٧١ ـ وسألت : عن قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]؟

فقال : أولو الأمر أمراء السرايا ، وعلماء القبائل ، وحلماء العشائر ، والحكماء الذين يأمرون بالمعروف والهدى ، وينهون عن الردى ، لما أمروا بما أمر به رب العالمين. وأبرار آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلماؤهم ، وهم فولاة الأمر منهم ، لما فضلهم الله به على غيرهم ، من قرابة رسول الله ، ومشاركتهم لأهل البر فيه ، فلهم من القرابة

__________________

ـ الحاكم ٤ / ٨٥ (٦٩٦٢) ، وأحمد ٤ / ٤٢١ (١٩٧٩٢) ، والبيهقي في الكبرى ٣ / ١٢١ (٥٠٨١) ، وأبو يعلى ٦ / ٣٢١ (٣٦٤٤) ، والطبراني في الكبير ١ / ٢٦٠ (٤٢٥) ، والطيالسي / ١٢٥ (٩٢٦).

(١) أخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي عن عكرمة ، وسعيد بن جبير في قوله تعالى (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) قال : هوازن يوم حنين.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية السابقة قال : فارس والروم. وأخرج الفريابي ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : هوازن وبني حنيفة. روى كل ذلك السيوطي في الدر المنثور ٧ / ٥٢٠.

(٢) سبق تخريجه.

٦١١

ما ليس لغيرهم ، وهم شركاء الأبرار في برهم (١).

١٧٢ ـ وسألت : هل ذهب من القرآن شيء وما يروى في المعوذتين (٢)؟

فقال : المعوذتان من القرآن ، وقال وكيف يذهب من القرآن شيء وقد قال الله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩] ، وقال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢) [البروج : ٢١ ـ ٢٢].

١٧٣ ـ وسألت : عن أي سورة نزلت أوّل ما نزل من القرآن ، وما نزل بمكة ، وما نزل بالمدينة ، وما آخر ما نزل من القرآن؟

فقال : يقولون : أول ما نزل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] ، وآخر ما نزل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [النصر : ١] ، وقد قيل : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١] آخر آية (٣).

١٧٤ ـ وسألت : عن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : (أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)؟ (٤)

فقال : يقول أنت تكفيني ما كان كفى موسى في قومه عند مخرجه عنه ، وكذلك أنت فيما خلفتك عليه بعد مخرجي من أمتي ، ودار هجرتي ، وإنما قال هذا في مخرجه إلى تبوك.

١٧٥ ـ وسألت : عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من كنت مولاه

__________________

(١) روى أن أولي الأمر هم أهل البيت الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ١٨٩ ، ٢٠٢ ، وفرات الكوفي في تفسيره ١ / ١٠٨ (١٠٤ ، ١١٢) ، والمفيد في أماليه / ٣٤٩ ، والطوسي في أماليه / ١٢٢ ، ١٨٨ ، والكليني في الكافي ١ / ٢٨٦.

(٢) أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنهما ليستا من كتاب الله ، إنما أمر النبي أن يتعوذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار : لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة ، وقد صحح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قرأ بهما في الصلاة ، وأثبتتا في المصحف. الدر المنثور ٨ / ٦٨٣.

(٣) وللإمام رأي آخر في أول ما نزل أنه الفاتحة. انظر مديح القرآن.

(٤) سبق تخريجه.

٦١٢

فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه)؟ (١).

فقال : تأويله من كنت ناصره فعلي ناصره ، وذلك أن المولى في لسان العرب هو النصير.

١٧٦ ـ وسألت : عن قول الله عزوجل : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح : ١٨]؟

فقال : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) فكل مؤمن زكي ، بايعه مصطفى عند الله رضي ، بايعه تحت الشجرة ، فقد رضي الله عنه كما قال لا شريك له.

١٧٧ ـ وسألت : عن قوله سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣]؟

فقال : إكمال الله لدينهم : فإسلامهم ، ما فصل الله لهم في كتابه من حلالهم وحرامهم ، وذلك بعد إكمال الله لا شريك (٢) له في تحريمه وتحليله ، وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في حجة الوداع ، والحج آخر ما نزلت فريضته.

١٧٨ ـ وسألت : ما الذي ادعت فاطمة رضي الله عنها في فدك ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهبه لها في حياته ، وشهد لها علي وأم أيمن وما ادعا أبو بكر (٣)؟

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) في المخطوط : لا يشرك. ولعلها مصحفة.

(٣) أخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة سلام الله عليها فأعطاها فدكا ، قال : وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة سلام الله عليها فدكا. الدر المنثور ٥ / ٢٧٣ ، ٢٧٤.

ورواه الهيثمي عن أبي سعيد. مجمع الزوائد ٧ / ٤٩. وقال رواه الطبراني.

وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٢ / ٢٢٨ وصححه. والمتقي الهندي في كنز العمال ٢ / ١٥٨ وقال : أخرجه الحاكم في تاريخه ، وابن النجار.

وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب ١ / ١٥٩ (٩٥). ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ٣٤١. ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ / ٨٤٢. وأخرجه أبو يعلى ٢ / ٣٣٤ (١٠٧٥).

وقصة مطالبة الزهراء أبا بكر في فدك ومجيء الزهراء بعلي وأم أيمن شاهدين لها. رواها البلاذري في ـ

٦١٣

فقال : ادعت فاطمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهب فدكا لها في حياته ، وشهد لها به مؤمنان علي وأم أيمن.

١٧٩ ـ وسألته : عن معنى خصومة علي والعباس إلى أبي بكر ثم إلى عمر فيما قد روي عنهما (١)؟

فقال : ليس هذا بشيء ولا يصح ولا يلتفت إليه ، قد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع إلى علي بغلته وفرسه ورمحه ودرعه وعمامته.

١٨٠ ـ وسألته : هل كان أبو بكر وعمر في بعث أسامة بن زيد وكيف هذا (٢)؟

فقال : قد كانا جميعا في جيشه وبعثه.

١٨١ ـ وسألته : كيف كان يأتي الوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فقال : كان إذا نظر إلى جبريل في أول نظرة يصيبه ما يصيبه ، فأما الوحي من القرآن فإنما يقرأه (٣) عليه ، فيأخذه من فيه لأن الله يقول : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) [الأعلى: ٦] ، وقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) ، أي : كريما شريفا.

١٨٢ ـ وسألته : ما ترى في شهادة أهل الخلاف وذبائحهم من المرجئة والمشبهة ، والفساق وشربة الخمور ، وفي أسواق العامة؟

فقال : أما ذبائح أهل الملة كلهم فتؤكل ، إلا من كان لا ينفي عن الله التشبيه ، فإني لا أحب أن تؤكل ذبيحته ، وشهاداتهم إذا كانوا أهل ورع وأمانة ، وإن كانوا أهل الخلاف فيجوز ، إلا أنه قد ذكر أن الخطابية هم صنف من الروافض يتقارضون الشهادة فيما بينهم (٤) ، فإن كانوا كما يذكر عنهم ، فلا تجوز شهادتهم ولا نعمة عين.

__________________

ـ فتوح البلدان / ٣٤ ٣٥.

(١) أخرج القصة المزعومة ، البخاري ٦ / ٢٤٧٤ (٦٣٤٧) ، وأحمد ١ / ٦٠ (٤٢٥).

(٢) أجمع أهل السير والأخبار على أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة. راجع طبقات ابن سعد ، تاريخي الطبري ، وابن الأثير ، وسيرة دحلان ، والحلبية عند ذكر سرية أسامة.

(٣) في المخطوط : يقرأوه. ولعلها مصحفة.

(٤) الخطابية : جماعة تنسب إلى أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي ، وكان يدعي أن جعفر ـ

٦١٤

١٨٣ ـ وسألته : أين موضع الجنة والنار يوم القيامة؟

فقال : خلقت الجنة والنار ، وهما في غير سماء ولا أرض ، ولو لم يخلقا لم يكن يقال : آخرة أنها قد خلت مع الدنيا (١).

١٨٤ ـ وسألته : هل يصح ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (في ثقيف كذاب وميتم)(٢) ، وهل يصح ما قيل في المختار إنه تنبأ؟

وقال : ليس يصح في المختار ما يقولون ، وقد كانت له أفعال وأيادي محمودة ، وقد دعا له جميع آل محمد الرجال والنساء ، حين بعث إليهم برأس عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه.

١٨٥ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) [النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧] ومن هم؟

فقال : أهل العلم والفقه ، وقال وأهل الذكر : من نزّل عليه كتبه من بني إسرائيل(٣).

١٨٦ ـ وسألته : ما معنى ما قالوا في اللوح والقلم؟

فقال : واللوح المحفوظ فهو علم الله الذي قد أحاط بجميع ما كان وما يكون ، ليس هنالك لوح ولا قلم.

__________________

ـ الصادق جعله قيّمه ووصيه من بعده ، وعلمه اسم الله الأعظم ، ثم ادعا النبوة ثم الرسالة ثم أنه من الملائكة.

والخطابية اتباعه يعتقدون نبوته وأحلوا المحارم وتركوا الفرائض ، وقالوا من سأله أخوه ليشهد له على مخالفيه فليصدقه ويشهد له فإن ذلك فرض عليه واجب ، وهذا معنى قول الإمام يتقارضون الشهادة.

فرق الشيعة / ٤٢ للنوبختي.

(١) العبارة غير واضحة المعنى. إلا إذا كانت كلمة (خلت) تصحفت من خلقت.

(٢) الحديث أخرجه الترمذي ٤ / ٤٩٩ (٢٢٢٠) ، وأحمد ٢ / ٢٦ (٤٧٩٠) ، وأبو يعلى ١٠ / ١٢٥ (٥٧٥٣) ، والطبراني في الكبير ٢٤ / ١٠١ (٢٧٣) ، والطيالسي / ٢٢٨ (١٦٤١) ، جميعهم بلفظ : إن في ثقيف كذابا ومبيرا.

(٣) وسبق له أن أهل الذكر هم أهل البيت.

٦١٥

١٨٧ ـ وسألته : هل يخرج من دخل النار بعد مدخله فيها؟

فقال : لا يخرج منها من دخلها ، ولا يدخلها من المؤمنين الأبرار أحد ، والله محمود، لأن الله ذكر أن من دخلها خالد (١) فيها ، ولم يذكر خروج أحد.

١٨٨ ـ وسألته : هل أوصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين في الخلافة ، وهل أكرهه القوم على بيعتهم؟

فقال : قد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يكون في أمته من بعده في كتاب الجفر ، من الملوك إلى نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه (٢) ، وبما يكون في أمته من الاختلاف ، ووصف كتاب الجفر ، وذكر أنه تقطّع وذهب وقد كان صار إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة (٣) ، ونسخته عند آل محمد يتوارثونه ، وأما أمر القوم فقد عرفته ، وما كان من تخليطهم والله المستعان.

١٨٩ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) [الرعد: ٤]؟

فقال : قطعة مالحة وقطعة لينة ، وقطعة أعدى (٤) ، وقطعة تسقى ، وقطعة جمال ، وقطعة عمران ، وقطعة خراب ، بعضها إلى جنب بعض متجاورات ، ثم وصف فوضع كفه في الأرض ، ثم رفعها ووضع أيضا إلى جنب الموضع الذي كان وضعه أولا (٥).

١٩٠ ـ وسألته : عن عيسى عليه‌السلام؟

وقد تعلم أرشدك الله أنه قد مات من قبل عيسى كثير ممن كذبه ، ومات بعده

__________________

(١) في المخطوط : خالدا. مصحفة ، لأنها خبر أن.

(٢) أخرجه أبو داود ٤ / ١١٧ (٤٣٢٤) ، وأحمد ٢ / ٤٠٦ (٩٢٥٩) ، وابن حبان ١٥ / ٢٣٣ (٦٨٢١) ، والطيالسي / ٣٣٥ (٢٥٧٥) ، وإسحاق بن راهويه في المسند ١ / ١٢٤ (٤٣).

(٣) عبد الله بن محمد (ابن الحنيفة) بن علي بن أبي طالب ، أبو هاشم ، أحد زعماء العلويين في العصر المرواني ، كان يبث الدعاة سرا في الناس ينفرهم عن بني أمية ويدعوهم إلى بني هاشم ، فعلم سليمان بن عبد الملك بخبره فدس له من سقاه السم في الشام.

(٤) لم يتبين لي معنى هذه الكلمة.

(٥) يعني : أنه يشير بيده إلى قطع الأرض المتجاورات.

٦١٦

كثير فكيف يؤمن به ، ولم يحضر رجعته صلى الله عليه ، ومن لم يدرك دهره. وحديث رجعته فما قد جاءت به الأخبار من أنه صلى الله عليه يرجع إلى الدنيا ، نازلا من السماء ، فيحتج الله سبحانه على خلقه بما أبلغهم أولا ، ولرسوله محمد من الحق ، ويحتج لمحمد صلى الله عليه بما أبلغ قومه فيه من الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه ، من آيات الله وكتابه ، ويأمرهم باتباع محمد صلى الله عليه ويبين لهم ما حرفوا من كتب الله في محمد صلى الله عليه ، والسلطان سلطان آل محمد (١) صلى الله عليه وعليهم وسلم.

وقالت المعتزلة : إنه لا يرجع إلى الدنيا وإنه توفاه الله ، وتأولوا فيه قول الله لا شريك له : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧] ، وقوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥].

وقال : من خالفهم تأويل : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) تسليمه له غير مجروح ، ولا مكلوم ولا مصلوب ، كما قال الذين لا يؤمنون إنه صلب وقتل ، كذبهم الله تبارك وتعالى فقال : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء : ١٥٧] ، وأي القولين قيل ، واحتج به محتج ، فليس فيه بحمد الله ريعان (٢) ولا حرج ، ولا تستكثر من الله تبارك وتعالى أي ذلك ما كان ، لأن الله تبارك وتعالى ذو الحكمة والبيان.

١٩١ ـ وسألته : عن قول الله لا شريك له : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) [طه : ٥]؟

فقال : هو ملك وعلا ، وكذلك تقول العرب فيمن ملك بلدا ، وغلب ملكه فيه : إنه قد استوى عليه ، إذ ملك وغلب فيه ، وليس يتوهم ما ذكر الله من ذلك استواء مقعد ، ولا مشابهة في القعود بين الله وبين أحد ، وكذلك : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] ، فهو علوّه عليها ، ونفاذ أمره وخلقه وصنعه فيها.

١٩٢ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧]،

__________________

(١) يعني : سلطان المهدي عليه‌السلام.

(٢) الريعان : الاضطراب.

٦١٧

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥]؟

فقال : العرش ـ رحمك الله ـ والكرسي فإنهما ملك الله وسلطانه ، كما العرش والكرسي مقعد كل ملك ومكانه ، وليس يتوهم من آمن بالله أن ما ذكر الله سبحانه من كرسيه وعرشه ككراسي خلقه وعروشهم ، التي كانت تكون مقاعد لهم في ملكهم ، (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) وكان ملك الله على الماء ، إذ ليس إلا الماء ، كما ملكه اليوم على الأرض والسماء ، وعلى جميع ما فيهما من الأشياء.

وتأويل : (كُرْسِيُّهُ) إنما هو : وسع ملكه السماوات والأرض ، ووسعه لهما ، إحاطته بهما ، وقدرته عليهما ، وعلى كل ما فيهما.

١٩٣ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١]؟

فقال : ليس يتوهم عاقل أن احتجاب الله بإرخاء ستر ولا بإغلاق ، ولكنه كما قال سبحانه لعجز الأبصار عن دركه بالرؤية والعيان ، إذ يقول سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ، وهذا فهو أحجب الحجب ، وما لا يكون إلا الله تبارك وتعالى.

١٩٤ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) [الأنبياء : ٦٩] هل كان ذلك من الله للنار كلاما؟

فقال : هو مثل قول الله سبحانه : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) [النحل : ٤٠] ، يخبر سبحانه أنه لا يمتنع عليه إذا أمر أمر ولا كون(١). وكذلك قوله : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) ، إنما هو ما صيّره الله فيها من النجاة والتسليم ، كما قال سبحانه : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) [العنكبوت : ٢٤].

١٩٥ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ

__________________

(١) في المخطوط : عليه إذا أمرا أو لا كونا. وما أثبت اجتهاد.

٦١٨

عَلِيمٌ) (٢٢٧) [البقرة : ٢٢٦ ـ ٢٢٧]؟

فقال : المولي الحالف بالله أو ببعض الأيمان ألا يقرب أهله ، فأنظره الله أربعة أشهر وأجّله ، فإن فاء والفيء أن يرجع إلى مداناة أهله ، كان ذلك له ، وكان الله غفورا رحيما فيما أخطأ به على نفسه من اليمين ، وإن مضى لحاجته ، لم يكن له إضرار بزوجته ، فإن عزم على فراقها ، فإن الله سبحانه كما قال : (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، ولم يذكر الله في الإيلاء كفارة ، ولكنه قال : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

١٩٦ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه ، وجل عن كل شأن شأنه : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (١٠٨) [طه : ١٠٨]؟

فقال : خشوعها سكونها ، وأما الهمس فهو حس الأقدام ، الذي ليس معه صوت ولا كلام ، لما يدخل قلوبهم من الرعب والخوف والفزع ، ولما عاينوا عند ظهور آيات الله في القيامة من الأمر الهائل المستفظع.

١٩٧ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) (٦٢) [الرحمن : ٦٢]؟ هاتان أخراوان بعد الجنتين المذكورتين ، وهذه الجنان كلها فهي في الجنة ، غير أنها مواضع تنعيم مرتبة ، والجنة تجمع هذه الجنان كلها.

١٩٨ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [النور : ٤]؟

فقال : يرمون يقذفون المحصنات بأن ينسبوا إليهن ، الفاحشة التي لا تكون منهن ، فأخبر الله سبحانه أن من قال فيهن ، رميا لهن وكذبا عليهن ، ثم لم يأت بشهود أربعة ، وجب عليه الحد ثمانين جلدة ، وسقطت منه العدالة ، ولم تجز له شهادة ، إلا أن يحدث له توبة.

١٩٩ ـ وسألته : عن قول الله لا شريك له : (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (٧٣) [مريم : ٧٣]؟

فقال : الندي : المجلس ، وكذلك الندي والنادي ، ولذلك قال الله في لوط صلى الله عليه حين قال لقومه : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [العنكبوت : ٢٩] ، يعني بالنادي: المجلس.

٢٠٠ ـ وسألته : [عن] (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨) [مريم : ٩٨]؟

٦١٩

فقال : الركز هو : الحس.

٢٠١ ـ وسألته : عن قول الله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥) [الأنبياء : ٣٥]؟

فقال : في هذا ونحوه الاختبار ، بالخير (١) والشر ، والخير ما يكون من الله ليس من أفعال العباد ، الخير من ذلك : الخصب ، وكثرة الأمطار ، وصحة الزمان ، ورخص الأسعار ، وقلة الأمراض ، وطول الأعمار ، وكثرة الأولاد ، وسعة الرزق ، وزيادة الثمار. والشر أفعال أخر : كالخوف والجوع ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فطوبى للصابرين كما قال الله سبحانه : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (١٥٧) [البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٧].

٢٠٢ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣)) [الأحزاب : ٣٣]؟

فقال : الرجس الفعل الردي النجس من المعاصي والأدناس ، والأسفاه (٢) التي تكون في بعض الناس ، فأمر الله سبحانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر أهل بيته بتقواه وطاعته ، وترك الرجس من جميع معصيته ، بما أذهب عنهم من كل رجس أو دنس ، وبعّدهم به من كل معصية ونجس ، وطهرهم كما قال الله سبحانه : (تَطْهِيراً) ، وجعل لهم بما نزل فيهم من هذه الآية ذكرا عليا وشرفا كبيرا (٣).

٢٠٣ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) [البقرة : ٢٢٨]؟

فهو ما جعل الله في الأرحام من طمثهن وحملهن ، لأن ينقطع به ما بين الأزواج وبينهن إذا كان من أزواجهن ، فينقطع بينهم الميراث والرجعة ، وربما كرهت المرأة من

__________________

(١) في المخطوط : والخير. ولعل ما أثبت هو الصواب.

(٢) الأسفاه : جمع سفه.

(٣) سبق تخريج الآية.

٦٢٠