رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

للصحيح : « إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأوّل ، فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجدّ أولى » (١).

والموثّق : الجارية يريد أبوها أن يُزوّجها من رجل ، ويريد جدّها أن يُزوّجها من رجل آخر ، فقال : « الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً ، إن لم يكن الأب زوّجها قبله » الحديث (٢).

وفيه وفي الصحيح : قلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً ، فقال : « الجدّ أولى بنكاحها » (٣) دلالةٌ على تقديم اختيار الجدّ على الأب مع التشاحّ ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في التذكرة وعن الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر (٤).

( وإن اقترنا ثبت عقد الجدّ ) إجماعاً ، كما في التذكرة والروضة وعن الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر والغنية (٥) ؛ للنصوص المستفيضة الدالّة على أولويّته (٦) ، وخصوص الصحيح الأول.

وعُلّلا مع ما مرّ بأنّ ولاية الجدّ أقوى ؛ لثبوت ولايته على الأب‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ / ١١٩٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ / ١٥٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح ب ١١ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ / ١١٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ / ١٥٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ / ١٥٦١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح ب ١١ ح ١.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٩٤ ، الانتصار : ١٢٢ ، الخلاف ٤ : ٢٦٩ ، المبسوط ٤ : ١٧٦ ، السرائر ٢ : ٥٦١.

(٥) التذكرة ٢ : ٥٩٤ ، الروضة ٥ : ١٤٩ ، الانتصار : ١٢١ ، الخلاف ٤ : ٢٦٩ ، المبسوط ٤ : ١٧٦ ، السرائر ٢ : ٥٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح ب ١١.

٨١

على تقدير نقصه بجنون ونحوه ، بخلاف العكس.

وفي صلوح مثل هذه القوّة مرجّحاً يستدلّ به على الترجيح تأمّل.

وفي تعدّي الحكم إلى الجدّ مع جدّ الأب وهكذا صاعداً وجه ؛ نظراً إلى العلّة ، والأقوى : العدم ، وفاقاً للروضة ؛ لخروجه عن مورد النص ، واستوائهما في إطلاق الجدّ حقيقةً والأب كذلك ، أو مجازاً (١). فلا وجه للترجيح إلاّ العلّة ، وعرفت أنّها له غير صالحة.

( وتثبت ولايتهما ) أي الجدّ والأب ( على البالغ مع فساد عقله ) بسفه أو جنون مطلقاً ( ذكراً كان أو أُنثى ) إجماعاً فيما إذا اتّصل الفساد بالصغر ؛ لاستصحاب الولاية.

وفي المتجدّد أيضاً على قول قوي ، كما في التذكرة (٢) ، وظاهره الإجماع عليه ، وعن التحرير (٣) ، وهو ظاهر المتن كما يأتي ؛ لذاتية ولايتهما ، وإناطتها بإشفاقهما ، وتضرّرهما بما يتضرّر به الولد. ومرجعه إلى أولويّة ولايتهما على ولاية الحاكم.

وقيل : بل وليّه الحاكم ؛ لزوال ولايتهما ، ولا دليل على عودها (٤) .. ومرجعه إلى أصالة بقاء انقطاع الولاية.

ويعارَض بمثله في ولاية الحاكم ، فهما من جهة الأصل متساويان ، ويترجّحان عليه بما ذكرناه.

والأحوط : موافقة الحاكم لهما ، وموافقتهما له.

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٥٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٠٠.

(٣) التحرير ٢ : ٨.

(٤) قال به البحراني في الحدائق ٢٣ : ٢٣٦.

٨٢

( و ) حيث ثبتت الولاية عليه فـ ( لا خيار له لو أفاق ) إجماعاً ، كما في المسالك (١) ؛ للأصل.

( والثيّب ) المنكوحة بالتزويج ( تزوّج نفسها ) باختيارها ( ولا ولاية عليها للأب ولا لغيره ) مطلقاً ، إجماعاً منّا ، كما في الانتصار والتذكرة (٢) ؛ للأصل ، والعمومات ، والصحاح المستفيضة :

منها الصحيحان : « هي أملك بنفسها ، تولّي أمرها من شاءت إذا كان كُفواً ، بعد أن تكون قد نكحت رجلاً قبله » (٣).

ومنها الصحيح : « الثيّب أمرها إليها » (٤).

فالقول بثبوت الولاية عليها كالبكر كما في ظاهر العماني (٥) ضعيف ، مع أنّه لا مستند له.

نعم ، يستحبّ لها موافقة وليّها ، كما سيأتي.

( و ) يتفرّع عليه ما ( لو زوّجها ) أبوها أو جدّها ( من غير إذنها ) فإنّه ( وقف ) على المختار ( على إجازتها ) فهو فضولي.

و‌ ( أمّا البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها ) إجماعاً إذا لم يكن لها الوليّان ، أو كانا غير مستجمعين لشرائط الولاية ، حكاه جماعة (٦).

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٥٢.

(٢) الانتصار : ١١٩ ، التذكرة ٢ : ٥٨٦.

(٣) الأول : الفقيه ٣ : ٢٥١ / ١١٩٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٨ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ٢.

الثاني : التهذيب ٧ : ٣٨٤ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ١٢.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٤ / ٨ ، قرب الإسناد : ٣٦١ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٤ أبواب عقد النكاح ب ٥ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٥٤٠.

(٦) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٥٢ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٢١٠.

٨٣

وفي المشهور مطلقاً (١) ( ولو كان أبوها حيّاً ) أو جدّها مطلقاً ، دائماً كان التزويج أم متعةً ، رضي به الأبوان أم كرها ، بل عليه الإجماع في الانتصار وعن الناصريّات (٢) ، وبخصوص المتعة عن بعض الأصحاب (٣).

للنصوص المستفيضة ، الخاصّية والعاميّة ، المنجبر قصور أسانيد بعضها بالشهرة العظيمة ، ولا سيّما في المتعة ، وهي ما بين عامّة لنوعي التزويج ، ومختصّة بالمتعة ، المستنبط منها حكم الدوام منه بالأولويّة.

فمن القسم الأول : الصحيح : « المرأة التي ملكت نفسها ، غير السفيهة ولا المولّى عليها ، أنّ تزويجها بغير وليٍّ جائز » (٤).

والاستثناء أمارة العموم اللغوي في المستثنى منه ، كما حقّقناه في الأُصول ، مضافاً إلى إفادته بنفسه العموم العرفي.

والقول ـ : بأنّ التقييد بعدم كونها مولّى عليها يمنع احتمال إرادة من لم يكن لها وليٌّ شرعي من المالكة نفسها ، واحتمال كونها مولّى عليها في التزويج ، فلا يشملها القيد (٥) الموجب للحكم (٦) فرع كون المراد من الولاية فيه : الولاية في التزويج ، أو الأعمّ منه ومن التصرّف في المال.

وهو مقطوع بفساده جزماً ؛ لحزازة العبارة على هذا التقدير ؛ إذ ليس الحاصل منه إلاّ أنّ التي لا وليّ لها في التزويج ويجوز تزويجها بغير ولي‌

__________________

(١) وادّعى في السرائر ( ٢ : ٥٦١ ) أنّه مذهب أكثر الأصحاب. منه رحمه‌الله.

(٢) الانتصار : ١١٩ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠.

(٣) وهو الحلي في السرائر ( ٢ : ٥٦٢ ). منه رحمه‌الله.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥١ / ١١٩٧ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ / ١٥٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٧ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ١.

(٥) أي غير المولّى عليها. منه رحمه‌الله.

(٦) أي التزويج بغير إذن الأب. منه رحمه‌الله.

٨٤

يجوز تزويجها بغير ولي ؛ ومنزّه عن مثله كلام الإمام ، الذي هو إمام الكلام ، فتأمّل جدّاً.

ومنه الصحيح : « تُستأمر البكر وغيرها ، ولا تُنكَح إلاّ بأمرها » (١).

والنهي هنا مستلزم للاشتراط ، بضميمة عدم القائل بالتحريم مع الصحّة ، وبشهادة السياق المسوّي بين البكر وبين الثيّب ، وبها تندفع الأجوبة الأُخر التي أُوردت على الخبر ، كحمل النهي في حقّها على الفضيلة ؛ وعدم دلالتها على الاستقلال ، بناءً على أنّ غايتها اعتبار إذنها في الجملة ، مضافاً إلى أنّ الأصل مع عدم دليل على الشركة كما ستقف عليه (٢) كافٍ في إثبات الاستقلال ، وأصالة بقاء الولاية منقطعة بثبوت الولاية للبالغة ولو في الجملة ، وليست عبارة تقبل الدخول والخروج بالضرورة.

هذا ، مضافاً إلى أنّ قوله عليه‌السلام في آخر الخبر : « ولا تُنكَح إلاّ بأمرها » ظاهرٌ في استقلالها بالإذن ؛ لمكان الحصر ، وإرجاعه إلى غير البكر لا وجه له ، سيّما مع كون أصل العنوان في كلامه عليه‌السلام إنّما هو البكر ، وإنّما ذكر غيرها تبعاً لها كما لا يخفى ، فتأمّل جدّاً.

ومنه الصحيح : « الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها » (٣).

والمراد بوليّ الأمر هنا : وليّها في المال ، كما يستفاد من المعتبرة (٤) ، مع أنّه على غيره يستلزم حزازة العبارة بنحو ما مرّ إليه الإشارة ، وليس الأب‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨٠ / ١٥٣٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ١٠.

(٢) راجع ص ٨٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٩٢ / ١٥٧٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨ ح ٢.

(٤) الوسائل ٢١ : ٣١٥ أبواب المهور ب ٥٢.

٨٥

وليّ أمرها ، بل هي الوليّ إجماعاً ، فتكون عقدة النكاح بيدها.

ومنه الخبر : « إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع وتشتري ، وتعتق ، وتشهد ، وتعطي من مالها ما شاءت ، فإنّ أمرها جائز ، تزوج إن شاءت بغير إذن وليّها » الحديث (١).

وظاهر الجُمَل كونها مفسِّرة ، ولا داعي لجعلها خبراً ثانياً ، مع أنّه على هذا التقدير يستلزم الحزازة المتقدّمة ؛ إذ مقتضاها على ذلك : أنّه إذا كانت المرأة مالكة أمرها أي تتزوّج من شاءت فإنّ أمرها في التزويج جائز ، فتأمّل.

مضافاً إلى لزوم إلغاء الجُمَل على هذا التقدير ؛ لتوقّف مالكيّة أمرها عليها ، فمقتضاها داخل في مالكيّة الأمر ، فتكرارها لغو خالٍ عن الفائدة ، فلا يمكن حمله على الثيّبة ، فيقتضي حينئذٍ دوران ولاية التزويج مدار ولاية التصرّف في المال ، كما فهمه الأصحاب ، وأفصح عنه الخبر المتقدّم.

وحيث ظهر دلالتها على المراد بمالكه الأمر ، وأنّه من حيث التصرّف في المال لا غير ، ظهر بمعونته وجه دلالة الخبرين :

في أحدهما : « الجارية [ البكر ] التي لها أب لا تتزوّج إلاّ بإذن أبيها » وقال : « إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت من شاءت » (٢) ولا ينافيه صدره ؛ لإطلاقه ، فيجب حمله على الصغيرة ، فهو كالعام المخصّص.

وفي الثاني وهو موثّق ـ : « تتزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٨ / ١٥٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٤ / ٨٤٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩١ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٠ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ٧ وما بين المعقوفين من المصدر.

٨٦

لأمرها ، فإن شاءت جعلت وليّاً » (١).

ومنه الخبر : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٢) وهو نصّ في المطلوب ، وقصور السند بجهالة الراوي بما قدّمناه منجبر.

ومنه العامّي : « الأيِّم أحقّ بنفسها من وليّها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صُماتُها » (٣).

والأحقّيّة واعتبار الاستئذان مع ما قدّمناه من الدليل القاطع للشركة يدفع عنه المناقشة بعدم الدلالة على استقلال البكر البالغة.

ونحوه الآخر : إنّ جارية بكراً جاءت إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : إنّ أبي زوّجني من ابن أخٍ له ليرفع خسيسته ، وأنا له كارهة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أجيزي ما صنع أبوك » فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : « فاذهبي فانكحي من شئت » فقالت : لا رغبة لي عمّا صنع أبي ، ولكن أردت أن اعلم الناس أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شي‌ء » (٤).

وأمرها بنكاحها من شاءت صريح في الاستقلال ، وقصور السند فيه كغيره المضاهي له فيه منجبرٌ بالشهرة العظيمة والمؤيّدات القويّة التي ذكرناها مع غيرها من الأدلّة في رسالة مفردة في المسألة.

ومن القسم الثاني : الأخبار الكثيرة المستفيضة جدّاً.

فمنها : الخبر بعد أن سُئل عليه‌السلام عن المتعة بالبكر مع أبويها قال‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٢ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٠ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٨٠ / ١٥٣٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٧ / ٦٦ ، سنن النسائي ٦ : ٨٤ ، الموطّأ ٢ : ٥٢٤ / ٤ ، والأيّم : الذي لا زوج له من الرجال والنساء مجمع البحرين ٦ : ١٥.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١١٨ ، بتفاوت.

٨٧

« لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب » (١).

ولا تعارض بمثل الصحيح : « العذراء التي لها أب لا تتزوّج متعةً إلاّ بإذن أبيها » (٢).

لعدم مكافأته للمستفيضة عدداً ودلالة ، وقبول الأصحاب لها فتوًى وعملاً ، فيحمل النهي على الكراهة ، كما يشعر به بعض تلك المستفيضة ، مع وقوع التصريح بها في بعضها (٣) ، المشعر بل الظاهر في الكراهة الاصطلاحيّة ، بضميمة تعليلها فيه بالعار على الأهل ، لا النهي عنه في الشريعة.

هذا ، مضافاً إلى دلالته بمفهوم القيد المعتبر عرفاً ، فيعتبر شرعاً على عدم المنع عن التزويج دائماً ، وهو مع أنّه لا يقول به الخصم نافعٌ أيضاً ، وتمام الأدلّة في الرسالة.

ولذا ( قيل ) وهم المشهور كما عرفت ـ : إنّ ( لها الانفراد بالعقد ) مطلقاً ( دائماً كان أو منقطعاً ).

( وقيل ) وهو الحلبيان (٤) ـ : أمر ( العقد مشترك بينها وبين الأب ) مطلقاً والجدّ.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٥٤ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٣ : ١٤٥ / ٥٢٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣ أبواب المتعة ب ١١ ح ٦ ، القَشبِ : وهو من لا خير فيه من الرجال مجمع البحرين ٢ : ١٤٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٩٣ / ١٣٩٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٤ / ١٠٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤٥ / ٥٢٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٥ أبواب المتعة ب ١١ ح ١٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٦٢ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٥٥ / ١١٠٢ ، الإستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٤ أبواب المتعة ب ١١ ح ١٠.

(٤) أبو الصلاح في الكافي : ٢٩٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

٨٨

للجمع بين ما تقدّم وما يأتي من الأخبار.

والموثّق : استشار عبد الرحمن الكاظم عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال : « افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها نصيباً » واستشاره عليه‌السلام خالد بن داود في تزويج ابنته عليَّ بن جعفر ، فقال : « افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فإنّ لها في نفسها حظّا » (١).

ولو لا أنّ له فعلاً لاستحال أمره به ، ولو لا ثبوت حقّها لم يعتبر إذنها.

مضافاً إلى دلالة لفظي الحظّ والنصيب بالمنطوق على ثبوت الولاية لها ، وبالمفهوم على ثبوتها له ؛ إذ لا قائل بغيره ، فلا يمكن حملها على الصغيرة أو الثيّب ؛ للاتّفاق على عدم المشاركة فيهما ، فتعيّن المدّعى.

وفي الجميع نظر ؛ لعدم قبول بعض أخبار الطرفين المصرح باستقلال أحد الشخصين الجمع المزبور.

مضافاً إلى عدم الشاهد عليه ، وكونه فرع التكافؤ وعدم المرجّح لأحد الطرفين. وكلاهما ممنوع ؛ لفقد الشاهد. والموثّق على تقدير تماميّته دليلٌ آخر لا شاهد. ووجود المرجّح من الصراحة ، والاعتضاد بالشهرة العظيمة ، والإجماعات المنقولة ، وإطلاقات الكتاب والسنّة في تزويج النسوة والاعتبار بعقودهن ، وغير ذلك ممّا ذكر في الرسالة في الأخبار الأوّلة.

هذا ، مضافاً إلى اقتضاء الجمع المصير إلى الشركة بينها وبين الأب خاصّة كما نقل قولاً سادساً في المسألة ، ونسب إلى المفيد رحمه‌الله (٢) ـ

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٩ / ١٥٣٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٤ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) نسبه إليه في المسالك ١ : ٤٤٩.

٨٩

وذلك لاختصاص ما دلّ على اعتبار إذن الولي بالأب خاصّة (١).

كذا اعترض عليه بعض الأصحاب (٢).

ويمكن دفعه باستلزام دلالتها على ثبوت ولاية الأب دلالتها على ثبوت ولاية الجدّ بفحوى الخطاب ؛ بناءً على أضعفيّة ولاية الأب ، كما يستفاد من الأخبار المجمع عليها (٣) ، المرجّحة لاختيار الجدّ على اختيار الأب ، والمقدِّمة لعقده على عقده مع المقارنة ؛ مضافاً إلى أصالة بقاء الولاية ، الخالية عن المعارض ، بعد الجمع بين أخبار المسألة.

ومنه يظهر ضعف القول السادس ودليله وإن قيل بمتانته نظراً إلى الجمع بين الأدلّة (٤).

والموثّق وإن كان حجّة إلاّ أنّه لا يعارض الصحيح ، فضلاً عن الصحاح ، مع اعتضادها بظواهر غيرها وما مرّ من المعاضدات ، مع ضعف الدلالة على الوجه الأول ؛ لحسن الأمر بتزويج الثيّب ، والحال أنّه ليس له معها فعل.

وكذا على الثاني ؛ لدلالته بالمفهوم الضعيف ، وعلى تقديره يحتمل الحظّ والنصيب الندبي لا الوجوبي ، ولتأكّده مع الباكرة جعل مع الثيّب كالعدم.

وهذا القول وإن ضعف باعتبارٍ إلاّ أنّ اعتباره أحوط ( فلا ينفرد أحدهما به ) بل يستأمر كلّ منهما الآخر.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٢٧٥ أبواب عقد النكاح ب ٦.

(٢) المسالك ١ : ٤٤٩ ، الحدائق ٢٣ : ٢١٢.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح ب ١١.

(٤) المسالك ١ : ٤٥٢.

٩٠

( وقيل ) وهو الصدوق والشيخ في النهاية (١) وجماعة (٢) ـ : إنّ ( أمرها إلى الأب ) والجدّ بالانفراد ( وليس لها معه أمر ) للأصلين : بقاء الولاية وبقاء الحرمة ، والصحاح المستفيضة وغيرها.

ففي الصحيح : « لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن آبائهنّ » (٣).

وفيه أوّلاً : عدم الصراحة باحتمال الندب ، أو الإخبار عن المتعارف ، أو الحرمة في الصور الغالبة المستلزمة للمهالك العظيمة التي يجب حمل إطلاقه عليها. وليس فيه إحداث قول سابع ؛ لتخصيص المنع بها دون النادرة ، فلو فرض عدم ترتّب المفاسد على التزويج بغير إذن الوليّ حلّ وصحّ ، والكلّ متّفقون عليه ، كالآية (٤) ، والأخبار الناهية عن إلقاء النفس في التهلكة (٥) ، المعتضدة بالاعتبار.

ومثل هذا الجواب جارٍ في غيره من الأخبار المانعة عن تزويجهنّ بغير الولي (٦).

وثانياً : باحتمال تبعيضيّة « من » المنافية للاستدلال ؛ لاحتمال الحمل حينئذٍ على الصغيرة الباكرة.

ولزوم إلغاء القيد بالأبكار بناءً على ثبوت حكمه لغيره ، كالثيّب‌

__________________

(١) الصدوق في الهداية : ٦٨ ، النهاية : ٤٦٥.

(٢) منهم : ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه في المختلف : ٥٣٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩٣ ، صاحب الحدائق ٢٣ : ٢١١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ / ١١٩٠ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ / ١٥٣١ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٥ / ٨٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٥.

(٤) البقرة : ١٩٥.

(٥) الوسائل ١٦ : ٢٠٣ ، ٢٢٠ أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ب ٢٤ ، ٢٧.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٢٧٥ أبواب عقد النكاح ب ٦.

٩١

الصغيرة مدفوعٌ بوروده مورد الغالب ، فلا عبرة بمفهومه ، كسائر المفاهيم التي هي حجّة.

مضافاً إلى ثبوت النقض بها ، بل وبالبالغة الثيّبة إذا كانت مجنونة أو سفيهة ، على تقدير البيانيّة أيضاً ، فما هو الجواب عنه هنا فهو الجواب عنه هناك.

وفي الصحيح : عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، إلها مع أبيها أمر؟ قال : « ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب » (١).

وبمعناه أخبار كثيرة (٢) ، ولكن ليست صريحة في الحرمة ، فضلاً عن الشرطية ، فتحمل على ما قدّمناه من الاستحباب ، أو الحرمة في الصورة المذكورة.

ومثل الجواب يجري في الصحيح : « لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر ، وقد يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب » (٣).

ويزيد الضعف فيه باحتمال الحمل على التقيّة كما قيل (٤) أو حمل الجارية فيه على الصغيرة ، ولا ينافيه الحكم باستئمار الأجانب لها عدا الأب بناءً على أنّها ليست محلّه ؛ وذلك للمنع من أنّها ليست محلّه مطلقاً ، بل عدم كونها محلّه مخصوصٌ بحال الصغر ، وذلك لا ينافي استئمارها بمعنى‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٤ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ / ١٥٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧١ أبواب عقد النكاح ب ٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٦٧ أبواب عقد النكاح ب ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ / ١٥٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٥ / ٨٤٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٣ أبواب عقد النكاح ب ٤ ح ٣ ؛ وفيها : وقال ، بدل : وقد.

(٤) قال به في روضة المتقين ٨ : ١٣٤.

٩٢

الصبر إلى حين بلوغها.

والحاصل : أنّ المراد أنّه يجب على كلّ أحد استئمار الصغيرة ولو بالصبر إلى بلوغ الرتبة ، دون الأب ، فلا يجب عليه هذا الاستئمار ، بل يُزوّجها حين الصغر من دون صبر إلى البلوغ.

وفي الصحيح : « لا ينقض النكاح غير الأب » (١).

وهو مع احتمال كون النقض فيه بمعنى المنع ، فيحمل على الاستحباب محمولٌ على التقيّة كما قيل (٢) أو على الصغيرة كما هو الأقرب ولا عموم فيه فضلاً عن الخصوص الشامل للبالغة ، بل عمومه لا قائل به منّا ؛ لارتفاع الولاية عن الثيّبة عندنا ، خلافاً لمن خالفنا.

ومثله الكلام في الحسن في الجارية يُزوّجها أبوها بغير رضاء منها ، قال : « ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة » (٣) لاحتمال الجارية : الصغيرة ، مع احتماله المحامل المتقدّمة.

ومن العجب استدلال بعض الأصحاب (٤) لهذا القول بالصحيح المانع من تزويج العذراء متعة (٥) ، الدالّ بمفهومه المعتبر كما تقدّم على جواز تزويجها بالدوام ، وإن هو إلاّ غفلة واضحة ، مضافاً إلى ما عرفت من كونه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٢ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧٩ / ١٥٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٥ / ٨٤٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٢ أبواب عقد النكاح ب ٤ ح ١.

(٢) انظر روضة المتقين ٨ : ١٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٨١ / ١٥٣٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٥ أبواب عقد النكاح ب ٩ ح ٧.

(٤) الاستبصار ٣ : ١٤٥.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٣ / ١٣٩٤ ، التهذيب ٧ : ٢٥٤ / ١٠٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤٥ / ٥٢٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٥ أبواب المتعة ب ١١ ح ١٢.

٩٣

من أوضح الأدلّة لاستقلال الباكرة البالغة بعد ثبوت أنّ النهي فيه عن المتعة للكراهة.

وتمام أدلّة هذا القول مع الأجوبة مذكورٌ في الرسالة ، فعليك بالمراجعة.

( ومن الأصحاب من أذن لها في ) تزويج ( المتعة دون الدائم ) وهو شيخنا في التهذيبين ، وظاهر شيخنا في المقنعة (١) ؛ عملاً بأخبار المتعة ، وأخبار استقلال البالغة في الجملة (٢) ، ومنع الدوام من حيث كونه أشدّ ، ومن الجمع بين تلك الأخبار بحملها على المتعة ، ومقابلها ممّا دلّ على استقلال الأب خاصّة بحمله على الدوام. وضعف الجميع ظاهر بالضرورة ؛ لفساد الجمع بعدم الشاهد عليه بالمرّة ، مع إباء أخبار المتعة عنه ؛ لما عرفت من الأولوية ؛ بناءً على ما في المتعة من الغضاضة والشناعة الغير اللائقة بأرباب المروءة ، ولذا كره أو نهي عنه في المعتبرة (٣). ولا كذلك الدوام.

ومنعها بأنّ الدائم لكثرة توابعه من النفقة والميراث وغيرهما أهمّ من المتعة غير جيّد ؛ لعدم مقاومة مثل ذلك للغضاضة والعار ، مع جريان مثله في المتعة أيضاً مع الاشتراط على قول جماعة (٤).

وبالجملة : الأولويّة واضحة ، وإنكارها مكابرة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ ، المقنعة : ٥١٠.

(٢) الوسائل ٢١ : ٣٢ أبواب المتعة ب ١١.

(٣) الوسائل ٢١ : ٢٢ أبواب المتعة ب ٥.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٥٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٢٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٨.

٩٤

( ومنهم من عكس ) فجوّز الدوام دون المتعة جمعاً ، مضافاً إلى الصحيح المتقدّم (١) المانع عن تزويجهنّ متعةً ، الدالّ بمفهومه المعتبر عرفاً وشرعاً على جوازه دائماً.

وهذا القول مع مجهوليّة قائله ؛ إذ لم ينقله إلاّ المصنّف ، وقد سُئل عنه فلم يجبه ضعيفٌ بأخبار المتعة الصريحة ، المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة ، سيّما في خصوص جواز المتعة. ولا يعارض شيئاً من ذلك الصحيح ، مع ما عرفت من حمل النهي فيه على الكراهة.

( و ) حيث ظهر لك مقدوحيّة أدلّة الأقوال الأربعة أو الخمسة ، ظهر لك أنّ القول ( الأول أولى ) وإن كان الأحوط المصير إلى التشريك إن لم يكن في ارتكابه خلاف الاحتياط ، وهو الهادي إلى مسلك النجاة.

وكلّ ذلك إذا أراد الوليّ تزويجها من كفو.

( و ) أمّا ( لو عضلها الوليّ ) ومنعها عن ذلك أو مطلقاً مع رغبتها فيه ( سقط اعتبار رضاه إجماعاً ) منّا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، مع الأدلّة القاطعة النافية للعسر والحرج عن الملّة السهلة السمحة.

ومنه يظهر أنّ في حكمه الغيبة المنقطعة ، التي يحصل معها المشقّة العظيمة (٣) ، على ما حكي عن الخلاف (٤) ، وارتضاه كثير من الأصحاب (٥).

__________________

(١) في ص ٨٨.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٧٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٦٥.

(٣) وفي نسخة : الشديدة.

(٤) الخلاف ٤ : ٢٧٨.

(٥) كالعلامة في التذكرة ٢ : ٦٠١ ، والسبزواري في الكفاية : ١٥٦ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٢٣٢.

٩٥

( ولو زوّج الصغيرة غيرُ الأب والجدّ ، توقّف على رضاها عند البلوغ ) إجماعاً ؛ لعدم الولاية له ، فيلحق بالفضولي. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى (١).

وفي الصحيح المقطوع : رجل مات وترك أخوين وابنة ، والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج الابنة من ابنه ، ثم مات أبو الابن المزوّج ، فلمّا أن مات قال الآخر : أخي لم يزوّج ابنه ، فزوّج الجارية من ابنه ، فقيل للجارية : أيّ الزوجين أحبّ إليك ، الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر ، ثم إنّ الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابنٌ أكبر من الابن المزوّج ، فقال للجارية : اختاري أيّهما أحبّ إليك ، الزوج الأول أو الزوج الآخر ، فقال : « الرواية فيها أنّها للزوج الأخير ؛ وذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها » (٢).

وهو كما ترى نصّ في الباب.

( وكذا ) الحكم في ( الصغير ) لعموم الدليل ، وعدم القائل بالفرق.

( وللمولى أن يزوِّج المملوكة له ، صغيرة ) كانت ( أو كبيرة ، بكراً ) كانت ( أو ثيّباً ، عاقلةً ) كانت ( أو مجنونةً ، ولا خيرة لها ، وكذا ) الكلام في ( العبد ) المملوك له ؛ لأنّه المالك لمنافعهما.

إجماعاً ، فتوًى ودليلاً ، كتاباً وسنّةً ، قال عزّ وجلّ ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣). وقال ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٤).

__________________

(١) في ص ١١٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ / ١٥٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨ ح ١.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) النحل : ٧٥.

٩٦

والنصوص بهما مستفيضة ، بل متواترة.

ففي الحسن : عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّدة ، فقال : « ذلك إلى سيّده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما » (١).

والنصوص المعتبرة بمعناه مستفيضة ، يأتي ذكرها في تضاعيف الباب.

وفي الخبرين : عن الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها ، قال : « يحرم ذلك عليها ، وهو زناء » (٢).

وليس له الولاية على المبعّض بمعنى إجباره عليه ، وإن كانت له عليه بمعنى عدم استقلاله به بدون إذنه ، إجماعاً كما في التذكرة (٣).

وللوليّ تزويج أمة المولّى عليه وعبده مطلقاً (٤) ، إذا كانت فيه مصلحة ؛ لفحوى الخطاب ، خلافاً لبعض العامّة (٥). ولا يكون له فسخه بعد الكمال ، كسائر تصرّفاته في أمواله.

( ولا يزوّج الوصيّ ) للأب أو الجدّ صغيري الموصي مطلقاً ، على الأشهر كما في المسالك (٦) ، وهو الأظهر ؛ لأصالتي عدم الولاية وعدم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ / ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

(٢) الأول : الكافي ٥ : ٤٧٩ / ١ ، الوسائل ٢١ : ١٢٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ٢.

الثاني : الكافي ٥ : ٤٧٩ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ١٢٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٩٠.

(٤) أي صبياً كان المولّى عليه أم بنتاً. منه رحمه‌الله.

(٥) المجموع ١٦ : ١٤٧.

(٦) المسالك ١ : ٤٥٣.

٩٧

انتقالها مع انقطاعها بموت الموصي ، والنصوص الحاصرة لها في الأب خاصّة (١).

ومفهوم الصحيحين في تزويج الصبي للصبية ـ : « إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز » (٢).

وخصوص الصحيح المتقدّم (٣) ، وإن قصر بالإرسال ؛ لانجباره بالشهرة بين الأصحاب.

وقيل : نعم مطلقاً ، كما في المختلف وعن المبسوط (٤) ؛ للصحاح : في الذي بيده عقدة النكاح : « هو الأب والأخ والموصى إليه » (٥) وزيد في جملة منها : « والذي يجوز أمره في مال المرأة يبتاع ويشتري ».

ولاشتمالها على الأخ ، وعدم دلالتها على الجدّ ، وندرة القائل بإطلاقها ، بل وعدمه ؛ لتنزيل كلامه على القول الثالث في كلام بعض الأصحاب (٦) ، قصرت عن المقاومة لما قدّمنا من الأُصول المعتضدة بالشهرة المحكيّة والصحاح المستفيضة بالعموميّة والخصوصيّة ، فيحمل الموصى إليه فيها على الجدّ أو الإمام ، أو تحمل على استحباب إطاعتها له ، كحملها عليه بالإضافة إلى الأخ.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨.

(٢) الأول : التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٨.

الثاني التهذيب ٧ : ٣٨٨ / ١٥٥٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٢ أبواب عقد النكاح ب ١٢ ح ١.

(٣) في ص ٩٦.

(٤) المختلف : ٥٤٠ ، المبسوط ٤ : ٦٠.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨ ح ٣ ، ٤.

(٦) البحراني في الحدائق ٢٣ : ٢٤٤.

٩٨

والتحقيق أن يقال : إنّ لكلّ من هذه الصحاح والصحاح المتقدّمة وجه رجحان ومرجوحيّة ، بقوة الدلالة ، ومخالفة الشهرة ، والاشتمال على ما لا يقول بها الطائفة ، في هذه ؛ وبمقابل الأُمور المزبورة في السابقة ، وحيث لا مرجّح فليتوقّف ، ومقتضاه المصير إلى القول الأول ؛ التفاتاً إلى الأُصول المتقدّمة.

ومنه ينقدح وجه القدح في القول بالتفصيل : باختيار الأول مع إطلاق الوصيّة من دون تنصيص بالولاية في التزويج ، واختيار الثاني مع عدمه والتنصيص ، كما عن الخلاف (١).

ويزيد القدح فيه بعدم الدليل عليه في البين ، واستلزامه الخروج عن إطلاق أخبار الطرفين ، والجمع بينهما بذلك فرع وجود شاهد عليه ، وعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) الآية (٢) ، مخصوص بمورده ، وهو التوصية للوالدين والأقربين لمن ترك خيراً ؛ لاشتماله على الضمير الموجب له.

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ، كاستثناء صورة خاصّة من إطلاق المنع ، أشار إليها بقوله : ( إلاّ من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة ).

لضعف ما قيل (٣) في توجيهه من الضرورة ، مع عدم توقّع زوال العذر ، وخوف المرض ، أو الوقوع في الزناء ، ولذا ثبت الولاية عليه للحاكم مع عدم ثبوتها له على الصغير ؛ لاندفاع جميع ما ذكر بولاية الحاكم ، كاندفاعه بولايته فيمن بلغ صحيح العقل ثم فسد.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٥٤.

(٢) البقرة : ١٨١.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ١٥.

٩٩

نعم ، ربما أمكن ذلك مع عدم إمكان الوصول إليه ، ولكن لا يستلزم ذلك ثبوت الولاية للوصيّ على الإطلاق.

( وكذا الحاكم ) أي الإمام العادل ، أو منصوبة خصوصاً أو عموماً ، ومنه : الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، فلا يزوّج الصغيرين مطلقاً (١) في المشهور ، والبالغَين فاسدَي العقل مع وجود الجدّ والأب إجماعاً ؛ لما تقدّم من الأدلّة ؛ لإطلاق المنع في الوصي.

ويزوّجهما مع فقدهما مع الغبطة إجماعاً ؛ لأنّه وليّهما في المال فيتولّى نكاحهما.

وللصحيح : « ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو وليّ أمرها » (٢) ولا قائل بالفرق.

والنبويّ : « السلطان وليّ من لا وليّ له » (٣) ويلحق به نوّابه ؛ لعموم أدلّة النيابة.

مضافاً إلى مسيس الحاجة إلى ولايته ، وهو كالخبرين يتناول الصغيرين ، فمنع ولايته عنهما في المشهور غير واضح ، إلاّ أن يكون إجماع ، وفيه نظر.

وظاهر تشبيه المتن الحاكم بالوصيّ بقولٍ مطلق حصرُ ولايته فيمن بلغ فاسد العقل ، لا غير ، ومنه (٤) : البالغ رشيداً ، والفاسد عقله طارئاً ، فلا ولاية له عليه أبداً ، وهو وإن خالف المشهور في صورة وجود الأولين‌

__________________

(١) وجد الأب والجدّ أم لا. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٩٢ / ١٥٧٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٢ أبواب عقد النكاح ب ٨ ح ٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٩ / ٢٠٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٥ / ١٨٧٩ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣٧.

(٤) أي ومن الغير.

١٠٠