رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١) والنصوص المستفيضة ، المصرّحة بعدم الفرق بين الدائم والمنقطع والوطء بملك اليمين.

ففي الصحيح أو الحسن : في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بانت ، إله أن يتزوّج بأُختها؟ قال : فقال : « إذا برئت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أُختها » قال : وسُئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ثم وطئ الأُخرى ، قال : « إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأُخرى » الحديث (٢).

وفي الصحيح : الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى ، فينقضي الأجل بينهما ، هل له أن ينكح أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب : « لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها » (٣).

( وكذا ) تحرم جمعاً لا عيناً ( بنت أُخت الزوجة وبنت أخيها ) وإن نزلتا ، ( فإن أذنت إحداهما ) أي الخالة أو العمّة ـ ( صحّ ) على الأصحّ الأشهر ، بل المجمع عليه ، كما عن الانتصار والناصريّات والخلاف والغنية وفي الروضة والتذكرة ونهج الحق للعلاّمة رحمه‌الله ـ (٤) ، وحكاه الشهيد رحمه‌الله ـ (٥)

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٨٦ / ١٢٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٩ / ٦١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٠ أبواب العدد ب ٤٨ ح ٢ ، وأورد ذيله في الكافي ٥ : ٤٣٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ / ١٢١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٩ ؛ بتفاوت.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٧ / ١٢٠٩ ، الإستبصار ٣ : ١٧٠ / ٦٢٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٧ ح ١.

(٤) الانتصار : ١١٦ ، لم نعثر عليه في الناصريات ولكن حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٣٥ وهو موجود في جوابات المسائل الموصليّة الثانية ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ٢٣٨ ، الخلاف ٤ : ٢٩٦ ، لم نعثر عليه في الغنية ولكنه حكاه عنه أيضاً في كشف اللثام ٢ : ٣٥ ، الروضة ٥ : ١٨١ ، التذكرة ٢ : ٦٣٨ ، نهج الحق : ٥٢٢.

(٥) لم نعثر عليه ولا على الحاكي عنه.

١٨١

وغيره (١) أيضاً.

للنصوص المستفيضة ، مضافاً إلى الآية في طرف الجواز مع الإذن.

ففي الموثّقين : « لا يتزوّج على الخالة والعمّة ابنة الأخ وابنة الأُخت بغير إذنهما » (٢).

وفي الصحيح المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : « لا تنكح الجارية على عمّتها ولا على خالتها إلاّ بإذن العمّة والخالة ، ولا بأس أن تنكح العمّة والخالة على بنت أخيها وبنت أُختها » (٣).

والمرويّ في علل الصدوق رحمه‌الله ـ : « إنّما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تزويج المرأة على عمّتها وخالتها ؛ إجلالاً للعمّة والخالة ، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس » (٤).

ونحوها خبران يأتيان قريباً.

وهي كالصحاح الآتية حجّة على القديمَين المجوِّزين له مطلقاً (٥).

وحجّتهما. من الأصل ، وعموم الآية ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٦)

__________________

(١) انظر التنقيح الرائع ٣ : ٥٩ ، المهذب البارع ٣ : ٢٥١ ، كشف اللثام ٢ : ٣٥.

(٢) الأول : رواه في الاستبصار ٣ : ١٧٧ / ٦٤١ ؛ وأمّا الثاني : فلم نعثر عليه بهذا النص ، وما وجدناه هكذا : « لا تزوّج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمّة ولا على الخالة إلاّ بإذنهما » الحديث. انظر الكافي ٥ : ٤٢٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٦٠ / ١٢٣٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ١.

(٣) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٠٥ / ٢٥٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٩٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ١٣.

(٤) علل الشرائع : ٤٩٩ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ١٠.

(٥) كما حكاه عنهما في المختلف : ٥٢٧.

(٦) النساء : ٢٤.

١٨٢

مخصّصة بها.

وعلى المقنع المحرِّم (١) كذلك. وحجّته من الصحاح المطلقة للتحريم إمّا مقيّدة بها ، أو محمولة على التقيّة ؛ لكونه مجمعاً عليه بين علماء الإسلام كافّة عدا الإماميّة.

وفي اختصاص الحكم بتحريم الجمع بينهما بالزوجيّة ، فلا يحرم الجمع بالوطء بملك اليمين ؛ أو العموم له. وجهان الأشهر : الأول ؛ للأصل ، والعمومات ، واختصاص المانعة عن الجمع بالأول.

ومنه يظهر وجه عدم اعتبار استئذان العمّة والخالة الحرّتين في إدخال البنتين المملوكتين عليهما بالملك.

ودعوى الأولويّة هنا ممنوعة ؛ بناءً على عدم استحقاقهما الاستمتاع. وأولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما في صورة العكس ، فتأمّل.

( ولا كذا لو أدخل العمّة أو الخالة على بنت الأخ أو الأُخت ) فيحلّ الجمع هنا مطلقاً وإن كرهتهما البنتان ، على الأظهر الأشهر ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل وعموم الكتاب.

وللخبرين مضافاً إلى ما تقدّم في أحدهما : « لا تزوّج ابنة الأُخت على خالتها إلاّ بإذنها ، وتزوّج الخالة على ابنة الأُخت بغير إذنها » (٣).

وفي الثاني : عن امرأة تزوّج على عمّتها وخالتها ، قال : « لا بأس » وقال : « تزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأُخت ، ولا تزوّج بنت الأخ‌

__________________

(١) المقنع : ١١٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٢ / ١٣٦٥ ، الإستبصار ٣ : ١٧٧ / ٦٤٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ٦.

١٨٣

والأُخت على العمّة والخالة إلاّ برضاء منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل » (١).

وقصور السند منجبر بالأصل وموافقة الكتاب والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع ، فأطلق المنع هنا أيضاً (٢).

وهو ضعيف جدّاً ، ويدفعه صريحاً مضافاً إلى ما تقدّم الصحيح : « لأتزوّج المرأة على خالتها ، وتزوّج الخالة على ابنة أُختها » (٣) ولا قائل بالفرق.

ونحوه الصحيح المرويّ عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : « لا تنكح ابنة الأُخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أُختها ، ولا تنكح ابنة الأخ على عمّتها ، وتنكح العمّة على ابنة أخيها » (٤).

ولا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أُخت ، أم لا ، وفاقاً للأكثر ؛ للأصل ، وإطلاق النصوص.

وعن العلاّمة : اشتراط العلم (٥).

ومستنده غير واضح ، والنصوص باعتبار إذنهما مختصّة بالصورة الأُولى.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٣ / ١٣٦٨ ، الإستبصار ٣ : ١٧٧ / ٦٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٢٨ وهو في المقنع : ١١٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٦٠ / ١٢٣٧ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٠٦ / ٢٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ٩.

(٤) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٠٥ / ٢٥٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٩٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣٠ ح ١٢.

(٥) القواعد ٢ : ١٧.

١٨٤

( ولو كان عنده العمّة أو الخالة ، فبادر بالعقد على بنت الأخ أو الأُخت ) بدون إذنهما ( كان العقد باطلاً ) إذا لم يأذنا إجماعاً ، وكذا مع الإذن عند المصنّف وغيره (١).

إمّا للنهي عنه ، المقتضي للفساد. وفيه منع.

أو للحكم بالبطلان في الخبر المتقدّم.

وهو مع الضعف يحتمل البطلان بدوام عدم الإذن كما هو الغالب ، فيحمل إطلاق الخبر عليه ، ولا ينافي الصحّة بطروّه ، وقد ورد الحكم بالبطلان في تزويج العبد بدون إذن السيّد ، مع التصريح بالصحّة مع الإذن.

أو لاحتياج الحكم بصحّة مثل هذا العقد المنهيّ عنه إلى دليل ، من خصوص أو عموم ، وليس ؛ إذ لا نصّ ولا إجماع.

وفيه منع ؛ لوجود العموم من الأمر بالوفاء بالعقود (٢) ، التي هذا منها.

وتوهّم التناقض بين الأمر بالوفاء به والنهي عنه ، مدفوعٌ بتغاير المحلّ فيهما ، فهو في الأول استمرار العقد ، وفي الثاني إيقاعه ، ولا تلازم بينهما ، مضافاً إلى كثرة نظائره في الشريعة ، كالنهي عن العقد الذي يترتّب عليه المفاسد ، مع الإجماع على الصحّة ولزوم الوفاء به بعد الوقوع.

نعم ، ربما يستدلّ عليه بأنّه في عقده عاصٍ لله سبحانه فيفسد عقده ؛ لما ورد في بعض المعتبرة كالصحيح أو الحسن (٣) ونحوه (٤) في تزويج‌

__________________

(١) المصنف هنا وفي الشرائع ٢ : ٢٨٨ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ١٤٣.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ / ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ / ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣١ ، الوسائل ٢١ : ١١٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ٢.

١٨٥

العبد بدون إذن سيّده ، حيث حكم بصحّته بعد رضاء السيّد ؛ معلّلاً بعدم معصيته لله سبحانه ، وفيه دلالة على الفساد حيث يقع في معصية الله سبحانه.

والمراد بالمعصية : عدم امتثال ما تعلّق به النهي عنه بخصوصه أو عمومه ، لا ما يلازمها ، كتزويج العبد بدون إذن السيّد ، فإنّه لم يقع عنه النهي بخصوصه ، إلاّ أنّه يلازم عصيان الأمر بامتثاله له عقلاً ، فليس في نكاحه معصية الله سبحانه بالمعنى المتقدّم ، نعم ، يلازم المعصية ، التي هي الخروج عن الأمر بالإطاعة ، ولم يجعل عليه‌السلام مثل هذه المعصية مناطاً لفساد التزويج ، بل الأوّل ، وما نحن فيه منه ؛ لحصول المعصية بنفس العقد ؛ للنهي عنه بخصوصه ، فيفسد لحصول مناطه.

وقال عليه‌السلام في بعضها بعد التعليل المتقدّم : « إنّ ذلك » أي تزويج العبد بلا إذن « ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه » ولا ريب أنّ ما نحن فيه منها في تعلّق النهي بنفسها ، وحصول المعصية بعدم امتثاله فيها ، التي هي مناط الفساد.

( و ) من هنا يظهر فساد ما ( قيل : تتخيّر العمّة والخالة بين الفسخ ) لعقد نفسهما ( والإمضاء ) له ولعقد البنتين ( أو ) إمضاء عقد أنفسهما خاصّة و ( فسخ عقدها ) أي البنت خاصّة (١).

مضافاً إلى ضعف دليله ؛ لمنافاة تخيّرهما في فسخ عقد نفسهما للأصل اللازم الاتّباع. ورفع الجمع المنهي عنه بلا رضا يحصل بفساد الطارئ في نفسه أو فسخهما له.

__________________

(١) قال به الشيخان في المقنعة : ٥٠٥ والنهاية : ٤٥٩ ، وسلاّر في المراسم : ١٥٠.

١٨٦

وأضعف منه القول بفساد الطارئ وتزلزل الأول (١) ؛ لاستلزام فساده عدم الوجه في تزلزله ؛ إذ المقتضي له وثبوت الفسخ لهما هو الجمع المرتفع بفساد الثاني. وربما قيل بتزلزله ولزوم الأوّل (٢) ؛ للأصل فيه ، وإلحاق الأول (٣) بالفضولي.

وبما قرّرنا يظهر الجواب عنه.

ومراعاة الاحتياط في أمثال المقام أولى ؛ لإمكان تطرّق القدح إلى ما قدّمناه في وجه الاستدلال بالمعتبرة (٤) من توجيه المعصية بعدم امتثال النهي ؛ لوجود مثلها في العبد ، لورود النهي عن تزويجه بخصوصه في الصحيح ، فكيف يقال : إنّه ما عصى الله تعالى؟!

فظهر أنّ المراد من المعصية غير ما ذكر ، والظاهر أنّ المراد بها هنا : مخالفة الإذن في نفس العقد من حيث هو هو ، فيصحّ إطلاق عدم معصية العبد لله سبحانه في تزويجه بدون إذن سيّده ؛ لكونه بنفسه مأذوناً فيه له منه تعالى ولغيره ، غاية الأمر توقّفه على إذن السيّد ، وحيث لم يتحقّق يصدق عليه أنّه عصاه ، أي خالف إذنه.

وحينئذٍ تكون تلك المعتبرة بالدلالة على الصحّة هنا أقرب ، من حيث مشابهته لتزويج العبد في عدم مخالفته (٥) لإذنه سبحانه ؛ إذ تزويج ابنة الأخ مثلاً مأذون فيه من حيث إنّه تزويج ، كما أنّ تزويج العبد من حيث إنّه تزويج مأذون فيه منه سبحانه ، ولكن المانع وهو اعتبار إذن السيّد‌

__________________

(١) انظر السرائر ٢ : ٥٤٥.

(٢) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٠.

(٣) أي الثاني. منه رحمه‌الله.

(٤) راجع ص ١٨٥.

(٥) أي التزويج. منه رحمه‌الله.

١٨٧

والمرأة طارٍ ، وذلك لا ينافي حصول الإذن في نفس التزويج من حيث هو منه سبحانه.

ولا كذلك تزويج المرأة في العدّة ؛ لعدم الإذن منه فيه بنفسه بالمرّة ، فالمراد بـ : « أشباهه » ما لم يأذن الله في أصله.

وحينئذ ، فالزوج هنا ليس بعاصٍ له تعالى ، وإنّما خالف إذن الزوجة ، فهو عاصٍ لها من حيث عدم وقوع التزويج بإذنها ، والرجل مأمور بإطاعتها في ذلك ، وقد جعل عليه‌السلام عدم معصية الله تعالى بالمعنى المزبور مع انتفاء المانع وجهاً للحكم بالصحّة ، وقد حصلا هنا ، فيصحّ. هذا ، مضافاً إلى عموم الأمر بالوفاء بالعقود.

فالقول الأخير في غاية القوّة ، ولكن مراعاة الاحتياط أولى بالنكاح مرّة أُخرى بعد الرضاء من الطرفين ، والطلاق إن لم ترض به البنتان ؛ احتياطاً في الفروج ، وإن لم يمكن فالعمل على الأخير ؛ لقوّة أدلّته.

( وفي تحريم المصاهرة بوطء الشبهة تردّد ، أشبهه : أنّه لا تحرم ) وفاقاً للحلّي (١) ؛ للأصل ، والعمومات من الآيات والروايات ، واختصاص المحرّم منهما بالنكاح الصحيح.

خلافاً للأكثر ، بل عن المبسوط : عدم الخلاف فيه (٢) ، وفي التذكرة : الإجماع عليه ، وفيه : عن ابن المنذر نسبته إلى علماء الأمصار ، وعدّ منهم أصحاب النصّ ، وهم الإماميّة (٣).

وهو الأظهر ؛ إذ الإجماع المحكيّ في حكم الخبر الصحيح ، وهو‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٣٥.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٠٨.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٣١.

١٨٨

حجّة ، سيّما مع اعتضاده بفتوى الأكثر ، بل ودعوى عدم الخلاف ، ومشاركة الشبهة للصحيح في أغلب الأحكام المورثة للمظنّة القويّة.

والأصل معارَض بمثلها في جانب الحرمة ، والعمومات مخصّصة بذلك.

وربما يستدلّ للمختار أيضاً بعموم قوله سبحانه ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١) بناءً على كون النكاح حقيقة لغويّة في الوطء ، على الأشهر الأظهر ، كما مرّ ، فيستصحب إلى ثبوت الناقل ، ولم يثبت إلاّ في المتشرّعة ؛ لاختصاص ما تقدّم من الإجماعات المنقولة في صدر الكتاب (٢) بها ، فالأصل يقتضي حمله في الآية على الوطء ، فتأمّل.

ثم لو قلنا بحصول النشر بالزناء وجب القطع بحصوله هنا ؛ لكونه بطريق أولى.

( أمّا الزناء فلا تحرم الزانية ) على الزاني بها وغيره بعد التوبة إجماعاً ، وقبلها أيضاً مع كراهة على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والمبسوط في خصوص الحلّ على الزاني بها ، ونسب توقّفه على التوبة إلى أحمد وقتادة (٣).

للأصل ، وعموم الكتاب والسنّة ، والتعليل بأنّه لا يحرّم الحرام الحلال في الصحاح المستفيضة وغيرها (٤) وخصوص المستفيضة ، منها الخبران‌ :

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) راجع ص ٧.

(٣) الخلاف ٤ : ٣٠٠ ، المبسوط ٤ : ٢٠٢.

(٤) الوسائل ٢٠ : ٤٢٣ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦.

١٨٩

أحدهما : الصحيح : « أيّما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوّجها حلالاً ، قال : « أوّله سفاح وآخره نكاح ، فمثله كمثل النخلة ، أصاب الرجل من ثمرها حراماً ، ثم اشتراها بعد ، فكانت له حلالاً » (١).

والصحيح المروي في قرب الإسناد : عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرجل المسلم ، قال : « نعم ، وما يمنعه؟! ولكن إذا فعل فليحصن بابه » (٢).

والخبران ، في أحدهما : « نساء أهل المدينة فواسق » قلت : فأتزوّج منهن؟ قال : « نعم » (٣).

وفي الآخر : عن الرجل يتزوّج الفاجرة متعة ، قال : « نعم ، لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه » (٤).

وفي آخر : عن رجل أعجبته امرأة ، فسأل عنها ، فإذا الثناء (٥) عليها بشي‌ء من الفجور ، فقال : « لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ١٣٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١١ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) قرب الإسناد : ١٦٦ / ٦٠٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٥٢ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٣ : ١٤٣ / ٥١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٢ ح ٣ ؛ وفي الجميع : نساء أهل المدينة ، قال : فواسق ..

(٤) التهذيب ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩٠ ، الإستبصار ٣ : ١٤٣ / ٥١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٢ ح ٤.

(٥) قال المجلسي رحمه‌الله في ملاذ الأخيار ١٢ : ١٨٣ : الثناء والثنية وصف بمدح أو ذم ، أو هو خاص بالمدح ، كذا في القاموس ( ٤ : ٣١١ ). أقول : وعلى الثاني يكون على التهكّم ، أو المراد في أثناء الثناء. وفي بعض النسخ « الثناء » بتقديم النون على الثاء ، وذكر اللغويون قاطبة أنّه مثل الثناء ، إلاّ أنّه في الخير والشر جميعاً. انتهى.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٣١ / ١٣٦٣ ، الإستبصار ٣ : ١٦٨ / ٦١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٢ ح ٢.

١٩٠

وقصور الأسانيد منجبر بالشهرة. خلافاً للحلبي ، فمنع منه مطلقاً (١) ؛ لظاهر ( حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

ورُدّ بالنسخ بقوله ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (٣) تارةً ، وبالحمل على الكراهة أُخرى (٤) ، وهو أقوى ؛ للإجماع على عدم حرمة تزويج الزاني مع تحريمه في الآية ، فهو قرينة على إرادته تعالى منه الكراهة ، ووحدة السياق توجب جريانها في الزانية ؛ مع أنّ المستفاد من المعتبرة ورود الآية في المشهورات بالزناء لا مطلق الزانية.

ففي الصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) (٥) فقال : « كنّ نسوة مشهورات بالزناء ورجال مشهورون بالزناء قد عرفوا بذلك ، والناس اليوم بتلك المنزلة ، فمن أُقيم عليه حدّ زناء أو شهر به لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة » (٦).

ونحوه خبران آخران (٧) ، إلاّ أنّ في أحدهما بدل : « لم ينبغ » ‌

__________________

(١) انظر الكافي في الفقه : ٢٨٦.

(٢) النور : ٣.

(٣) النور : ٣٢.

(٤) لم نعثر عليه ولكن حكاه في المفاتيح ٢ : ٢٥٤ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٨.

(٥) النور : ٣.

(٦) الكافي ٥ : ٣٥٤ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٣ ح ٢ ؛ بتفاوت.

(٧) الأول في : الكافي ٥ : ٣٥٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٦ / ١٢١٧ ، التهذيب ٧ : ٤٠٦ / ١٦٢٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٣ ح ٢.

الثاني في : الكافي ٥ : ٣٥٥ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٣ ح ٣.

١٩١

« لا تزوّجوه » ولذا قيل باختصاص التحريم بالمشهورات (١).

وهو ضعيف ؛ لشهادة هذه الأخبار بالكراهة من وجهين : لفظة : « لم ينبغ » الظاهرة فيها ، والتصريح فيها ، والتصريح فيها باتّحاد حكم الزانية والزاني ؛ مع أنّه فيه الكراهة بالإجماع ، فكذا فيها.

ونحوها في هذه القرينة الصحيح : « لا تتزوّج المرأة المعلنة بالزناء ، ولا يزوّج الرجل المعلن بالزناء ، إلاّ أن يعرف منهما التوبة » (٢).

ولذا صحّ الحمل على الكراهة في الصحيح : عن المرأة الحسناء الفاجرة ، هل تحلّ للرجل أن يتمتّع منها؟ فقال : « إذا كانت مشهورة بالزناء فلا يتمتّع منها ولا ينكحها » (٣).

والصحيح المضمر : عن رجل فجر بامرأة ، ثم أراد بَعدُ أن يتزوّجها ، فقال : « إذا تابت حلّ له نكاحها » قلت : كيف يعرف توبتها؟ قال : « يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام ، فإذا امتنعت واستغفرت ربّها عرف توبتها » (٤) ونحو الموثّق (٥).

وبمضمونهما أفتى الشيخان (٦).

__________________

(١) المفاتيح ٢ : ٢٥٥.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥٦ / ١٢١٦ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ١٣٤٧ ، الإستبصار ٣ : ١٦٨ / ٦١٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٣ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٤ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٥٢ / ١٠٨٧ ، الإستبصار ٣ : ١٤٢ / ٥١٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٨ أبواب المتعة ب ٨ ح ٤ ؛ بتفاوت.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٤ / ١٢٥٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ١٣٤٨ ، الإستبصار ٣ : ١٦٨ / ٦١٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١١ ح ٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ١٣٤٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١١ ح ٤.

(٦) المفيد في المقنعة : ٥٠٤ ، الطوسي في النهاية : ٤٥٨.

١٩٢

ولا ريب أنّ مراعاة التوبة مطلقاً أحوط ، وإن كان القول بإطلاق الجواز مع الكراهة الشديدة في المشهورات أظهر ، إلاّ أنّه يجب تحصينهنّ قطعاً ، وفي بعض الأخبار المتقدّمة دلالة عليه ، وفيها الصحيح (١).

( و ) كذا ( لا ) تحرم ( الزوجة ) الزانية ( وإن أصرّت على الأشبه ) وفاقاً للمشهور ؛ للأصل ، والنصوص ، منها ما مرّ (٢).

ومنها الموثّق : « لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني إذا كانت تزني وإن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شي‌ء » (٣).

خلافاً للمفيد والديلمي ، فتحرم مع الإصرار ؛ لفوات فائدة التناسل معه ؛ لاختلاط النسب (٤).

ورُدّ بأنّ النسب لاحقٌ بالفراش ، والزاني لا نسب له ، ولا حرمة لمائه (٥).

وهو حسن ، مع أنّه لو تمّ لوجب اطّراد الحكم في مطلق الزناء من دون تخصيص بالإصرار.

وعلى القولين ، فالزوجيّة باقية إجماعاً ، كما عن المبسوط (٦).

( وهل ينشر حرمة المصاهرة ) فتحرم المزني بها على أبي الزاني وأولاده ، وأُمّها وابنتها عيناً وأُختها جمعاً؟

__________________

(١) راجع ص ١٨٩.

(٢) في ص ١٨٩ ١٩٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣١ / ١٣٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٢ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٠٤ ، الديلمي في المراسم : ١٤٩.

(٥) جامع المقاصد ١٢ : ٣١٦.

(٦) المبسوط ٤ : ٢٠٢.

١٩٣

( قيل : نعم ) هو الشيخ والقاضي وابن زهرة وابن حمزة (١).

لصدق أُمّ النساء والربائب على أُمّها وابنتها ؛ لصدق الإضافة بأدنى الملابسة.

وفيه : أنّ غايته صحّة الاستعمال ، وهو أعمّ من الحقيقة ، والعبرة بها لا بمطلقه.

وللصحاح المستفيضة :

كالصحيح : في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوّج ابنتها؟

قال : « إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها ، وإن كان جماع فلا يتزوّج ابنتها ، وليتزوّج هي » (٢).

والصحيح : عن الرجل يفجر بالمرأة ، يتزوّج ابنتها؟ قال : « لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمّها لم تحرم عليه التي عنده » (٣).

والصحيح : عن رجل باشر امرأة وقبّل ، غير أنّه لم يفض إليها ، ثم تزوّج ابنتها ، فقال : « إذا لم يكن أفضى إلى الأُمّ فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها » (٤).

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٠٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٨٣ ، وحكاه عن ابن زهرة في المختلف : ٥٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٦ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١٦٧ / ٦٠٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٣ ؛ بتفاوت.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٢٩ / ١٣٥٢ وفيه : ثم فجر بابنتها أو أُختها ، الاستبصار ٣ : ١٦٥ / ٦٠٣ وفيه : ثم فجر بأُمّها أو أُختها ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٧ وفيه : ثم فجر بابنتها أو أُختها.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٢.

١٩٤

ونحوها الصحيحان (١) ، لكن في الأُمّ والبنت الرضاعيّين للمزني بها. وليست نصّاً في الحرمة ، فيحتمل الكراهة ، أو الحمل على التقيّة ؛ لكونه المشهور بين العامّة كما يفهم من التذكرة (٢) ومنهم : أصحاب أبي حنيفة ، المشتهر رأيه في الأزمنة السابقة.

وبالأخير يجاب عمّا هو صريح في التحريم ، كالصحيح (٣).

والخبر ، وفيه محمّد بن الفضيل المشترك بين الثقة وغيره ، وفيه مع ذلك الاشتمال على ما ظاهر أكثر الأصحاب الاتّفاق على خلافه ؛ ونحوه في قصور السند رواية أُخرى لعليّ بن جعفر.

وفي الأوّل : « إذا فجر الرجل بالمرأة لم يحلّ له ابنتها » (٤).

وفي الثاني : عن رجل زنى بامرأة ، هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : « لا » (٥).

ونحوه الكلام في الحسن الآمر بالتفريق (٦) ، مع ما فيه من تكذيبه عليه‌السلام

__________________

(١) الأول في : الكافي ٥ : ٤١٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٣١ / ١٣٦٠ ، الإستبصار ٣ : ١٦٧ / ٦١١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٧ أبواب ما يحرم المصاهرة ب ٧ ح ١. الثاني في : الكافي ٥ : ٤١٦ / ذ ح ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٣١ / ١٣٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٦٧ / ٦١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٧ ح ٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٨٢ / ١١٩٤ ، الإستبصار ٣ : ١٦٣ / ٥٩٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٢٩ / ١٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٨٢ / ١١٩٥ ، الاستبصار ٣ : ١٦٣ / ٥٩٤ ، قرب الإسناد : ١٠٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٩ ح ٢.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٦ / ٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٥.

١٩٥

مَن ادّعى عدم الزناء بل مجرّد التقبيل.

وبالأول أيضاً يجاب عن الحسن : عن رجل اشترى جارية ولم يمسّها ، فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشرين سنة أن يقع عليها ، فوقع عليها ، فما ترى فيه؟ فقال : « أثم الغلام ، وأثمت امّه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » (١).

مع معارضته كالخبر : في الرجل يكون له الجارية ، فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجدّ ، أو الرجل يزني بالمرأة ، فهل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال : « لا ، إنّما ذلك إذا تزوّجها الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضرّه ؛ لأنّ الحرام لا يفسد الحلال ؛ وكذلك الجارية » (٢) بما سيأتي.

وبالجملة : تخصيص ما سيأتي من الأدلّة بمثل هذه الأخبار لعلّه لا يخلو عن مناقشة ، وصحّة دعوى الشهرة على ذلك غير معلومة.

كلّ ذلك ( إن كان ) الزناء ( سابقاً ) على العقد ( ولا ينشر إذا كان لاحقاً ) للعقد والدخول إجماعاً ؛ للأصل ، واختصاص المحرّم على تقديره بالسبق ، وللنصوص المستفيضة ، منها : بعض الصحاح المتقدّمة (٣).

والصحيح : في رجل تزوّج جارية ، فدخل بها ، ثم ابتلي ففجر بأمّها ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٨ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤ ح ٢ وفيهما : وهو ابن عشر سنين ..

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٠ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ / ١١٩٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٤ / ٥٩٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤ ح ٣ ؛ بتفاوت.

(٣) راجع ص ١٩٤.

١٩٦

أتحرم عليه امرأته؟ قال : « لا ؛ لأنّه لا يحرّم الحلال الحرام » (١).

والصحيح : في رجل زنى بأمّ امرأته أو بنتها أو أُختها ، فقال : « لا يحرّم ذلك عليه امرأته » ثم قال : « ما حرّم حرامٌ قط حلالاً » (٢).

والحسن : الرجل يصيب من أُخت امرأته حراماً ، أيحرّم ذلك عليه امرأته؟ فقال : « إنّ الحرام لا يفسد الحلال ، [ والحلال ] يصلح به الحرام » (٣).

ونحوها أخبار كثيرة ، متضمّنة للحكم مع التعليل المذكور (٤) ، ومقتضاه كإطلاق أكثرها عدم الفرق بين الدخول بالزوجة وعدمه ، كما هو الأشهر الأظهر.

خلافاً للإسكافي ، فخصّ عدم النشر بالأوّل (٥) ؛ لظاهر الخبر : « إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها ؛ وإن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوّج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأُمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأُمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها ، وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا » (٦).

وهو ضعيف ؛ لشذوذه ، وقد ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٨ ، الإستبصار ٣ : ١٦٧ / ٦٠٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٢ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٦ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٩ ، الإستبصار ٣ : ١٦٧ / ٦١٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٦٣ / ١٢٥٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٥ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الوسائل ٢٠ : ٤٢٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨.

(٥) كما حكاه عنه في المختلف : ٥٢٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٢٩ / ١٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ح ٨.

١٩٧

على خلافه (١) ، وهو الأصحّ.

بل ( و ) لا يبعد أن يكون ( الوجه : أنّه لا ينشر ) مطلقاً ، حتى إذا كان سابقاً ، وفاقاً لشيخنا المفيد والمرتضى والصدوق في المقنع والشيخ في التبيان في خصوص تحريم أُمّ المزني بها وابنتها وسلاّر والعلاّمة في الإرشاد (٢).

بل ظاهر التذكرة : كون القول به مشهوراً بين الأصحاب ، فإنّه نسب الأول إلى البعض ، وهذا إلى جماعة (٣).

وعن صريح المرتضى في الطبريّات : الإجماع عليه (٤) ، وهو ظاهر السرائر في حرمة الأُمّ والبنت وإن خصّ موردها ؛ لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل. وأمّا في حرمة المزني بها على أبي الزاني وابنه ، فظاهره كونه مذهب الأكثر ، وأنّ المخالف هو الشيخ في كتبه (٥).

وفي التذكرة : نَسبَته العامّة إلى عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس (٦).

ويدلّ عليه مضافاً الى التعليل بأنّ الحرام لا يحرّم الحلال في الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدّمة (٧) العمومات من الكتاب والسنّة ، واستصحاب حلّية العقد السابقة ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، منها‌

__________________

(١) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٤١.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥٠٤ ، المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩ ، المقنع : ١٠٨ ، التبيان ٣ : ١٦٠ ، سلاّر في المراسم : ١٤٩ ، الإرشاد ٢ : ٢١.

(٣) التذكرة ٢ : ٦٣١.

(٤) لم نعثر عليه في الطبريات ، ولكن ظاهر الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩ دعوى الإجماع عليه.

(٥) السرائر ٢ : ٥٢٣ ٥٢٤.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٣٢.

(٧) في ص ١٨٩.

١٩٨

الصحاح المستفيضة.

في أحدها : رجل فجر بامرأة ، يتزوّج بابنتها؟ قال : « نعم يا سعيد ، إنّ الحرام لا يفسد الحلال » (١).

وفي الثاني : عن رجل يفجر بالمرأة [ وهي ] جارية قوم آخرين ، ثم اشترى ابنتها ، أيحلّ له ذلك؟ قال : « لا يحرّم الحرام الحلال » ورجل فجر بامرأة حراماً ، أيتزوّج ابنتها؟ قال : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٢).

وفي الثالث : عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه ، فوقع ، فقال : « أثمت وأثم ابنها ، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له : أمسكها ، فإنّ الحلال لا يفسده الحرام » (٣).

وفي الرابع : رجل فجر بامرأة ، أتحلّ له ابنتها؟ قال : « نعم » (٤).

ونحوها الصحيح إلى ابن أبي عمير ، عن هشام بن عيسى (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢٩ / ١٣٥٤ ، الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٧١ / ١٨٨٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ١٢ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٣ / ١١٩٧ ، الإستبصار ٣ : ١٦٤ / ٥٩٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٢٨ / ١٣٥٠ ، الإستبصار ٣ : ١٦٥ / ٦٠١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ١٠.

(٥) لن نعثر عليها بهذا السند ، بل لم نَرَ في معاجم الرجال راوياً قد روى عنه ابن أبي عمير بهذا الاسم. نعم ، وجدناها مروية في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٩٣ / ٢٢٠ ، المستدرك ١٤ : ٣٨١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ١ عن النضر وأحمد بن محمد وعبد الكريم جميعاً ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن سعيد بن يسار ...

١٩٩

ومنها : الموثّقان (١) ، في أحدهما : عن رجل تزوّج امرأة سفاحاً ، هل تحلّ له ابنتها؟ قال : « نعم ، إنّ الحرام لا يحرّم الحلال ».

ومنها : الأخبار المنجبر قصور أسانيدها بالأُصول ، والعمومات ، وفتوى معظم الأخيار ، ومخالفة ما عليه أكثر الفجّار.

في أحدها : عن الرجل يأتي المرأة حراماً ، أيتزوّجها؟ قال : « نعم ، وأُمّها وابنتها » (٢).

والجواب عنها تارةً بحمل الفجور والإتيان فيها على نحو القبلة واللمس دون الدخول (٣). وأُخرى بحمل المسئول على حلّيتهنّ على زوجات له قبل الدخول بأمّهاتهنّ مثلاً (٤).

مدفوعٌ أوّلاً : بمخالفتهما الظاهر ، ولا سيّما الأول ، وقد وقع مثله في أكثر الأخبار المتقدّمة وفهموا منه الدخول ؛ مع منافاة الثاني لأكثرها المتضمّن للفظ التزويج ، الظاهر في المستقبل.

وثانياً : بمنافاتهما التعليل المصرّح به فيها ، مع تأيّده بالحصر المستفاد من بعض الأخبار ، كرواية زرارة الضعيفة بموسى بن بكر على الأشهر ،

__________________

(١) الأول في : التهذيب ٧ : ٣٢٨ / ١٣٥١ ، الإستبصار ٣ : ١٦٥ / ٦٠٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ١١. الثاني في : قرب الإسناد : ٩٧ / ٣٢٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ذح ١١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٢٦ / ١٣٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٦٥ / ٦٠٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٦٦ ، المختلف : ٥٢٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٢٨ ، الاستبصار ٣ : ١٦٥.

٢٠٠