رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

المتقدّم (١) ، ولا قائل بالفرق ، مع إشعار المرويّ في تفسير العيّاشي (٢) باتّحاده مع الدائم.

ولذا قطع الأصحاب بالجواز حينئذ ، بل في التبيان والسرائر والتذكرة والمسالك الإجماع على صحّة العقد مع الإذن (٣) ، وهو ظاهر في الإجماع على الحلّ ، فتأمّل. فلا وجه لتعميم المنع ، كما يوجد في كلام بعض المتأخّرين (٤).

( ولو بادر ) فعقد عليها من دون إذن الحرّة ( كان العقد باطلاً ) أذنت بعد ذلك أم لا ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في المبسوط وظاهر التبيان والسرائر (٥) ؛ وهو الحجّة فيه ، لا الأخبار الحاكمة به كالحسن المتقدّم لعدم العموم فيها ، وإنّما غايتها الإطلاق المنصرف إلى ما عرفت من الغالب ، وهو عدم الإذن ، ولا ريب في بطلانه حينئذ ، نعم ، هي صالحة للتأييد.

ويتقوّى البطلان على القول بالمنع عن نكاحه الأمة مطلقاً بناءً على ما تقدّم تحقيقه في نكاح ابنتي الأخ والأخت على العمّة والخالة من أنّ كلّ ما فيه معصية الله سبحانه بمعنى : عدم الرخصة فيه منه تعالى فهو باطل (٦) ، كما استفيد من الأخبار المشار إليها ثمّة (٧). وما نحن فيه منه ؛ بناءً على عدم الرخصة فيه ؛ لاشتراطها في الآية والأخبار بما لا وجود له في‌

__________________

(١) في ص ٢١٦.

(٢) تقدّم في ص ٢١٥.

(٣) التبيان ٣ : ١٧٠ ، السرائر ٢ : ٥٤٦ ، التذكرة ٢ : ٦٤١ ، المسالك ١ : ٤٨٥.

(٤) انظر الحدائق ٢٣ : ٥٧٠.

(٥) المبسوط ٤ : ٢١٥ ، التبيان ٣ : ١٧٠ ، السرائر ٢ : ٥٤٦.

(٦) راجع ص ١٨٥.

(٧) راجع ص ١٨٥.

٢٢١

محلّ الفرض.

( وقيل : كان للحرّة الخيرة بين إجازته ) أي عقد الأمة ( وفسخه ) نسب إلى الشيخين وابن البرّاج وسلاّر وابن حمزة (١) ، واختاره الشهيدان في المسالك واللمعة (٢). إلحاقاً له بالفضولي ؛ لعموم بعض أدلّته ، وليس مثله قياساً.

إلاّ أنّه يضعّف بما قدّمناه من الأدلّة ، ولولاها لكان القول به في غاية الجودة ، كما اخترناه في نكاح ابنتي الأخ والأُخت على العمّة والخالة.

( وفي رواية ) سماعة عن مولانا الصادق عليه‌السلام : في رجل تزوّج أمة على حرّة ، فقال : « إن شاءت الحرّة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها » (٣) ومقتضاها : أنّ الحرّة ( لها أن تفسخ عقد نفسها ) دون عقد الأمة ضدّ القول الثاني.

( و ) أجاب عنها الماتن : بأنّ ( في الرواية ضعف ).

وليس كذلك ؛ إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه ، إلاّ سماعة ، وهو موثّق ، بل قيل بوثاقته (٤) ، ومع ذلك روى عنه الحسن بن محبوب بوساطة يحيى اللَّحّام الثقة ، كما عن النجاشي والخلاصة (٥) وهو ممّن حكى الكشّي على صحّة رواياتهم إجماع العصابة (٦) ، فالسند في غاية الاعتبار‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٠٦ ، الطوسي في النهاية : ٤٥٩ ابن البرّاج في المهذب ٢ : ١٨٨ ، الديلمي في المراسم : ١٥٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٤.

(٢) المسالك ١ : ٤٨٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٩٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ / ١٤١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥١١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٧ ح ٣.

(٤) انظر رجال النجاشي : ١٩٣ / ٥١٧.

(٥) النجاشي : ٤٤٥ / ١٢٠٢ ، الخلاصة : ١٨٢.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

٢٢٢

والقوّة.

والأولى الجواب عنها بعدم معارضتها لما تقدّم من الأدلّة ، ومنها الأخبار المتقدّمة ؛ لدلالتها على البطلان ولو في الجملة ، إذ ظاهر الموثّقة إطلاق صحّة نكاح الأمة.

هذا ، مع مخالفته الأُصول المقتضية لبقاء لزوم عقد الحرّة وحرمة وطء الأمة قبل العقد عليها ، وما هذا شأنه لا يمكن الاعتماد إليه ، وإن نسب إلى المتقدّم ذكرهم في بيان القيل.

كلّ ذا إذا تزوّج الأمة على الحرّة.

( ولو ) انعكس الفرض فـ ( أدخل الحرّة على الأمة جاز ) ولزم ، مع علم الحرّة بأنّ تحته أمة ؛ إجماعاً ونصوصاً (١).

( و ) لكن ( للحرّة الخيار ) في فسخ عقد نفسها وإمضائه ( إن لم تعلم ) بذلك ؛ إجماعاً ، وللخبر الآتي.

دون عقد الأمة ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الخلاف (٢) ، وعدم الخلاف في السرائر (٣) ؛ لأصالة بقاء اللزوم ، واندفاع الضرر بتخيّرها في فسخ عقد نفسها.

وللخبر : عن رجل كانت عنده امرأة وليدة ، فتزوّج حرّة ولم يُعلمها أنّ له امرأة وليدة ، فقال : « إن شاءت الحرّة أقامت ، وإن شاءت لم تقم » الحديث (٤) ؛ لإشعاره باختصاص اختيارها بين الإقامة وعدمها بالنسبة إلى‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦.

(٢) الخلاف ٤ : ٣١٨.

(٣) السرائر ٢ : ٥٤٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٤٥ / ١٤١٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥١١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٧ ح ١.

٢٢٣

عقد نفسها لا مطلقاً.

فظهر ضعف القول المحكيّ عن التبيان بتخيّرها في فسخ عقد الأمة أيضاً (١).

وضعف الخبر لو كان بالشهرة والأصل منجبر ، مع أنّه بطريق موثّق عن سماعة في البحار مرويّ (٢).

( ولو جمع بينهما في ) العقد كأن زوّجه رجل ابنته وأمته في ( عقد ) واحد ، أو يزوّجه ابنته وأمة غيره بالوكالة كذلك ، أو بالعكس ، أو يزوّجهما منه بها كذلك ( صحّ عقد الحرّة ) والأمة إذا علمت بها ورضيت ، ومع عدمهما اختصّ الصحّة بعقد الحرّة ( دون الأمة ).

وظاهر العبارة البطلان مطلقاً ، وفاقاً لجماعة من الأعيان (٣).

للصحيح : عن رجل تزوّج امرأة حرّة وأمتين مملوكتين في عقد واحد ، قال : « أمّا الحرة فنكاحها جائز ، وإن كان سمّى لها مهراً فهو لها ؛ وأمّا المملوكتان فنكاحهما في عقد مع الحرّة باطل ، يفرّق بينهما » (٤).

وللنظر فيه مجال ؛ لاحتمال الورود مورد الغالب ، الذي لا يتحقّق فيه إذن. ولعلّه لذا اختار شيخنا في المسالك إلحاق عقد الأمة بالفضولي وجعله أقوى (٥) ، مع تصريحه بالخبر ، إلاّ أنّه لم يُجب عنه ، فلعلّه ناظر إلى‌

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٤٢ وهو في التبيان ٣ : ١٧٠.

(٢) بحار الأنوار ١٠٠ : ٣٤٣ / ٢٨.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٤٥٩ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٨٨ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٤٧.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٦ / ١٢٦٤ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ / ١٤١٤ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٨ ح ١.

(٥) المسالك ١ : ٤٨٥.

٢٢٤

ما قلناه.

وزاد في المختلف فألحق عقد الحرّة بالفضولي أيضاً ؛ معلّلاً بأنّ العقد واحد ، وهو متزلزل ، ولا أولويّة (١). وليس في النصّ حجّة عليه ؛ لأنّ غاية ما يستفاد منه صحّة عقد الحرّة ، وذلك لا ينافي التزلزل. لكن الإنصاف تبادر اللزوم منه.

ولا ريب في البطلان على القول بالمنع مطلقاً ؛ لما قدّمناه من عدم الرخصة الموجب للبطلان (٢).

( الخامسة : لا يحلّ العقد على ذات البعل ) إجماعاً.

لاستلزام تحريم التعريض بالخطبة في العدّة الرجعيّة كما يأتي تحريمه بطريق أولى.

ولقوله تعالى : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ) (٣) ففي الحديث : « هنّ ذوات الأزواج » (٤).

إلاّ بعد مفارقته وانقضاء العدّة إن كانت ذات عدّة ، رجعيّة كانت ، أو بائنة ، أو عدّة وفاة ؛ بالإجماع والنصوص.

( و ) لكن ( لا تحرم به ) مؤبداً مع الجهل وعدم الدخول إجماعاً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، عدا ما سيأتي من إطلاق بعض الأخبار الآتية (٥) المقيّد بما عداهما إجماعاً ، والتفاتاً إلى عدم التحريم معهما بالعقد‌

__________________

(١) المختلف : ٥٢٩.

(٢) راجع ص ٢٢٠.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٣٢ / ٨١ ، الوسائل ٢١ : ١٥١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٥ ح ٩.

(٥) في ص ٢٢٥.

٢٢٥

في العدّة المستلزم لعدمه معهما هنا ؛ بناءً على اتّحاد طريق المسألتين :

وأمّا مع عدم أحدهما فإشكال ، والمحكيّ عن الأكثر العدم هنا أيضاً ؛ للأصل ، واختصاص المحرّم بذات العدّة ، فلا يتعدّى إليه.

وفيه : استلزامه الثبوت هنا بطريق أولى ؛ لأنّ علاقة الزوجيّة من علاقة الاعتداد أقوى.

والاستشكال فيه بتوقّف الأولويّة على ثبوت علّيّة الزوجيّة ، وهي غير ثابتة ؛ لاحتمال اختصاص المعتدّة بمزيد علّة اقتضت الحرمة (١). مدفوعٌ بمخالفة الاحتمال للظاهر ، مع جريانه في كلّ أولويّة.

هذا ، مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة ، كالموثّق : « التي تتزوّج ولها زوج ، يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان » (٢).

والرضوي : « ومن تزوّج امرأة لها زوج ، دخل بها أو لم يدخل بها ، أو زنى بها ، لم تحلّ له أبداً » (٣).

وهما وإن عمّا صورتي الجهل والعلم ، إلاّ أنّهما مقيّدان بالثاني ؛ للإجماع ، وما تقدّم ، وظاهر الصحيح : من تزوّج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم ، فطلّقها الأول أو مات عنها ، ثم علم الآخر ، أيراجعها؟ قال : « لا ، حتى ينقضي عدّتها » (٤).

ونحوه المرفوع : « إنّ الرجل إذا تزوّج امرأة وعلم أنّ لها زوجاً ، فرّق‌

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ١٦٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٠٥ / ١٢٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٣ ، المستدرك ١٤ : ٣٩٣ ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٧٧ / ١٩١٥ ، الإستبصار ٣ : ١٨٨ / ٦٨٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

٢٢٦

بينهما ولم تحلّ له أبداً » (١) بناءً على ظهور كون قوله عليه‌السلام : « وعلم » إلى آخره ، جزء الشرط ، المستلزم فقده عدم التحريم.

وهما وإن عمّا بحسب المفهوم في الحلّ مع الجهل صورتي الدخول وعدمه ، إلاّ أنّه خصّ منه الأول ؛ للموثق : في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها ، فتزوّجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها ، قال : « تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة ، وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً » (٢).

ونحوه خبر آخر ، بزيادة قوله : « ولها المهر بما استحلّ من فرجها » (٣).

وأمّا مع عدمهما وهو صورة العلم والدخول فلا خلاف في التحريم المؤبّد ، وإليه أشار بقوله :

( نعم ، لو زنى بها حرمت ، وكذا ) لو زنى بها ( في ) العدّة ( الرجعيّة ) خلاف يعرف ، كما صرّح به جماعة (٤) ، بل عليه الإجماع منّا في الانتصار والغنية ، وعن الحلّي وفخر المحقّقين (٥).

للرضوي الصريح فيه كما مرّ ، وفي موضع آخر منه أيضاً : « ومن زنى بذات بعل ، محصناً كان أو غير محصن ، ثم طلّقها زوجها أو مات عنها ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ / ١٢٧٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٠٨ / ١٢٧٩ ، الإستبصار ٣ : ١٨٨ / ٦٨٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٥٥ / ١٦٩٨ ، التهذيب ٧ : ٤٨٨ / ١٩٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٩٠ / ٦٨٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ٦.

(٤) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٤٤ وصاحب الحدائق ٢٣ : ٥٨٠.

(٥) الانتصار : ١٠٧ لم نعثر عليه في الغنية ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٢٥ ، راجع إيضاح الفوائد ٣ : ٧١.

٢٢٧

وأراد الذي زنى بها أن يتزوجها ، لم تحلّ له أبداً » (١).

وعن بعض متأخري الأصحاب أنّه قال : روي : أنّ من زنى بامرأة لها بعل أو في عدّة رجعية ، حرمت عليه ولم تحلّ له أبداً (٢).

وهو ينادي بوجود الرواية فيه بخصوصه ، كما هو ظاهر الانتصار (٣) وجماعة من الأصحاب (٤).

هذا ، مضافاً إلى جريان ما تقدّم من الأدلّة هنا ، بل بطريق أولى ، فلا وجه لتردّد بعض من تأخّر تبعاً للماتن في الشرائع (٥) في المسألة (٦).

ولا يلحق به الزناء بذات العدّة البائنة وعدّة الوفاة ، ولا بذات البعل : الموطوءة بشبهة ، ولا الموطوءة بالملك ؛ للأصل في غير موضع الوفاق ، مع عدم الصارف عنه في المذكورات ؛ لاختصاصه بغيرهن (٧).

وفيه نظر ؛ لجريان بعض ما تقدّم هنا ، كالأولويّة الواضحة الدلالة في ذات العِدد المزبورة (٨) ؛ بناءً على ما يأتي من حصول التحريم بالعقد عليها فيها.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٧٨ ، المستدرك ١٤ : ٣٨٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١١ ح ٨.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الانتصار : ١٠٧.

(٤) جامع المقاصد ١٢ : ٣١٤ ، السبزواري في الكفاية : ١٦٦.

(٥) الشرائع ٢ : ٢٩٢.

(٦) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ١٥.

(٧) وإلى ما ذكرنا يشير كلام الفاضل في التحرير ( ٢ : ١٤ ) فإنّه قال : ولو زنى بذات عدّة بائنة ذو عدّة وفاة ، فالوجه أنّه لا تحرم عليه ؛ عملاً بالأصل. وليس لأصحابنا في ذلك نصّ ، وعلى ما قلناه من التنبيه يحتمل التحريم مع العلم ؛ لأنّا قد بيّنا ثبوته مع العقد ، فمع التجرّد عنه أولى ، وهو الأقرب ، انتهى. وهو كما ترى نصٌّ فيما ذكرنا ، ومع ذلك فقد اختاره أيضاً. منه رحمه‌الله.

(٨) أي الوفاة والبائن ووطء الشبهة. منه رحمه‌الله.

٢٢٨

( السادسة : من تزوّج امرأة ) دائماً أو منقطعاً ( في عدّتها ) بائنة كانت أو رجعيّة ، أو عدّة وفاة ، أو عدّة شبهة ، فيما قطع به الأصحاب ؛ لإطلاق الأدلّة ( جاهلاً ) بالعدّة ، أو التحريم ، أو بهما معاً ؛ للصحيح الآتي وغيره (١). ( فالعقد فاسد ) بالضرورة ، وصرّحت به بعض الأخبار الآتية.

( و ) لكن لا تحرم عليه إلاّ فيما ( لو دخل ) بها قبلاً كان أو دبراً ، في العدّة أم خارجها ؛ لإطلاق الأخبار كالنصوص ، وربما اشترط في الدخول وقوعه في العدّة ، وهو ضعيف في الجملة ، فإنّها حينئذٍ ( حرمت ) عليه ( مؤبّداً ) إجماعاً فيهما.

للمعتبرة ، منها الصحيح : « إذا تزوّج الرجل المرأة في عدّتها ودخل بها ، لم تحلّ له أبداً ، عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل بها حلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر » (٢).

والصحيح : عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة ، أهي ممّا لا تحلّ له أبداً؟ فقال : « لا ، أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها ، وقد يُعذَر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك » فقلت : بأيّ الجهالتين أعذر : بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه؟ أم بجهالته أنّها في عدّة؟ فقال : « إحدى الجهالتين أهون من الأُخرى ، الجهالة بأنّ الله تعالى حرّم ذلك عليه ، وذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها » فقلت : فهو في الأُخرى معذور؟ قال : « نعم ، إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها » فقلت : فإن كان أحدهما متعمّداً والآخر بجهالة؟ فقال : « الذي تعمّد لا يحلّ له أن‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٠ : ٤٤٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ / ١٢٧٦ ، الإستبصار ٣ : ١٨٧ / ٦٧٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٢.

٢٢٩

يرجع إلى صاحبه أبداً » (١).

وإطلاقه الحلّ مع الجهالة مقيّدٌ بعدم الدخول ، كما استفيد من سابقه.

( ولحق به الولد ) مع الإمكان بلا إشكال ؛ لأنّه وطء شبهة يلحق به النسب ، مع إمكان كونه منه بأن تأتي به لأقلّ الحمل فما زاد إلى أقصاه من حين الوطء.

وبه صرّح في الخبر : في المرأة تتزوّج في عدّتها ، قال : « يفرّق بينهما ، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً ، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأول » (٢).

( ولها المهر ) إن جهلت ( بوطء الشبهة ) الموجب له.

وللخبرين (٣) ، أحدهما الموثّق : عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها ، قال : « يفرّق بينهما ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ، ويفرّق بينهما ، ولا تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن دخل بها فلا شي‌ء لها من مهرها ». وهو كفتوى الأصحاب صريحٌ في اشتراط الدخول في استحقاق المهر ، وفي رواية : عدم الاشتراط واستحقاقها النصف (٤) ، وهو شاذّ لا يُعبَأ به.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ / ١٢٧٤ ، الإستبصار ٣ : ١٨٦ / ٦٧٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠١ / ١٤٤١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٩ / ١٢٨٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ١٤.

(٣) الأوّل في : الكافي ٥ : ٤٢٧ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٨ / ١٢٨١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٧.

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٢٨ / ٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٨.

(٤) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٠٨ / ٢٦٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٢١.

٢٣٠

وهل المراد به المسمّى ، أم المثل؟

قولان ، أقواهما : الثاني ؛ لتوقّف الأول على صحّة العقد المنفيّة هنا ، فتعيّن المثل ؛ لأنّه عوض البضع. وربما كان في الموثّق المتقدّم إشعارٌ بالأول ، فتأمّل.

( و ) يجب عليها أن ( تُتِمّ العدّة للأول ، وتستأنف ) عدّة ( أُخرى للثاني ) في قول مشهور ، بل عليه الوفاق كما عن بعض الأصحاب (١).

لتعدّد السبب ، المقتضي لتعدّد المسبّب.

وللمعتبرة المستفيضة ، منها الموثّق : المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها ، فتضع وتتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، فقال : « إن كان الذي يتزوّجها دخل بها فُرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبداً ، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأول ، واستقبلت عدّة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها ، فرّق بينهما ، وأتمّت ما بقي من عدّتها ، وهو خاطب من الخطّاب » (٢).

ونحوه الموثّق الآخر (٣) ، والحسن (٤) ، وما يقرب من الصحيح المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر (٥).

__________________

(١) قال صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ١٧١ بعد نسبة هذا القول إلى الأكثر : وقيل : يجزئ عدة واحدة .. ولم نعرف قائله.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٧ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٠٧ / ١٢٧٧ ، الإستبصار ٣ : ١٨٧ / ٦٨٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٨ / ٨ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٧ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ / ١٢٧٣ ، الإستبصار ٣ : ١٨٦ / ٦٧٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٦.

(٥) قرب الإسناد : ٢٤٩ / ٩٨٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٢٠.

٢٣١

( وقيل : ) وهو الإسكافي كما حكي (١) ( تجزئ عدّة واحدة ) منهما.

للمعتبرة ، منها الصحيح : في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها ، قال : « يفرّق بينهما ، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً » (٢).

وحملها على عدم الدخول بها بعيدٌ عن سياقها ، كحملها على صورة الدخول والعلم ؛ بناءً على أنّه لا عدّة للزناء. ويمكن الحمل على الوحدة في المقدار ، لا الاكتفاء بالواحدة.

ولو لا الشهرة المرجّحة لحُمِلَت الأخبار المتقدّمة على التقيّة ؛ للخبرين :

في أحدهما : قال زرارة : وذلك أنّ الناس قالوا : تعتدّ عدّتين ، من كلّ واحد عدّة ، فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام وقال : « تعتدّ ثلاثة قروء وتحلّ للرجال » (٣).

وفي الثاني : في امرأة نعي إليها زوجها ، فتزوّجت ، ثم قدم الزوج الأول فطلّقها ، وطلّقها الآخر ، قال : فقال : إبراهيم النخعي : عليها أن تعتدّ عدّتين ، فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : « عليها عدّة واحدة » (٤).

ولكنّهما ضعيفان ؛ لوجود موسى بن بكر في الأول ، والإرسال مع القطع في الثاني.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٦١٩ ، والمهذب البارع ٣ : ٢٨٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٠٨ / ١٢٧٨ ، الإستبصار ٣ : ١٨٨ / ٦٨١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٣ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ١١.

(٣) الكافي ٦ : ١٥٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٥٦ / ١٧٠١ ، التهذيب ٧ : ٤٨٩ / ١٩٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٦ ح ٧ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ١٥١ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٤ أبواب العدد ب ٣٨ ح ٢.

٢٣٢

ولا ريب أنّ الأول أحوط ، بل ربما حُمِلَ الأخبار الأخيرة على التقيّة.

( ولو كان ) في تزويجها ( عالماً ) بالأمرين معاً ( حرمت ) عليه ( ب ) مجرّد ( العقد ) ولو خلا عن الدخول إجماعاً ونصوصاً ، منها : الصحيحان المتقدّمان (١) وغيرهما (٢).

ولا يلحق به الولد ؛ إذ لا حرمة لمائه.

وليس لها مهر مع علمها مطلقاً (٣) ، وإلاّ فلها المثل مع الدخول ؛ لما مرّ.

وفي إلحاق مدّة الاستبراء بالعدّة ، فتحرم بوطئها فيها ، وجهان ، أجودهما : العدم ؛ للأصل ، وعدم تبادرها من العدّة المطلقة في الأخبار.

وكذا الوجهان في العقد عليها مع الوفاة المجهولة ظاهراً للمرأة خاصّة قبل العدّة ، مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر ، أو الدخول مع الجهل.

قيل : والأقوى عدم التحريم ؛ لانتفاء المقتضي له وهو كونها معتدّة ، أو مزوّجة سواء كانت المدّة المتخلّلة بين الوفاة والعدّة بقدرها ، أم أزيد ، أم أنقص ، وسواء وقع العقد أو الدخول في المدّة الزائدة عنها ، أم لا ؛ لأنّ العدّة إنّما تكون بعد العلم بالوفاة أو ما في معناه ، وإن طال الزمان (٤).

وفيه مناقشة ؛ لأنّه لو تزوّجها بعد هذا الزمان في زمان العدّة لاقتضى التحريم البتّة ، ففيه أولى ؛ لأنّه أقرب إلى زمان الزوجيّة.

والمناقشة في هذه الأولويّة كما في سابقتها ممنوعة ، فالتحريم لا يخلو عن قوّة ، مع أنّه أحوط البتّة.

__________________

(١) في ص ٢٢٧ ٢٢٨.

(٢) انظر الوسائل ٢٠ : ٤٤٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧.

(٣) أي دخل بها أم لم يدخل. منه رحمه‌الله.

(٤) قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية ٥ : ١٩٩.

٢٣٣

( ولو تزوّج ) حال كونه ( مُحرِماً ) بفرض أو نفل ، بحجّ أو عمرة ، بعد إفساده أو قبله ، له أو لغيره ( عالماً ) بالحرمة ( حرمت ) المعقود عليها أبداً مطلقاً ( وإن لم يدخل ) بها ، إجماعاً كما في المسالك ، وعن الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة (١).

لإطلاق الخبرين (٢) أحدهما موثّق ـ : « إنّ المحرم إذا تزوّج وهو محرم فرّق بينهما ، ثم لا يتعاودان أبداً » وخصوص المفصّل الآتي ، المقيَّد به إطلاقهما.

( ولو كان جاهلاً ) بها ( فسد ) العقد ، إجماعاً ؛ للصحاح المستفيضة : في أحدها : عن محرم تزوّج ، قال : « نكاحه باطل » (٣).

وفي آخر : « ليس للمحرم أن يتزوّج [ ولا يزوِّج ] ، فإن تزوّج أو زوّج مُحلاًّ فتزويجه باطل » (٤).

( و ) لكن ( لم تحرم ) عليه مطلقاً ( ولو دخل ) بها ، على الأشهر‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٨٧ ، الانتصار : ٩٧ ، الخلاف ٢ : ٣١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، المنتهي ٢ : ٨٠٨ ، التذكرة ١ : ٣٤٢.

(٢) الأول في : الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٩ / ١١٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٩ أبواب تروك الإحرام ب ١٥ ح ١. الثاني في : التهذيب ٥ : ٣٢٩ / ١١٣٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ١٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٢٣٤

الأظهر ، بل عليه الإجماع في التذكرة والمنتهى (١).

للأصل ، ومفهوم الخبر : « والمحرم إذا تزوّج وهو يعلم أنّه حرام عليه لا تحلّ له أبداً » (٢).

وليس في سنده سوى المثنّى ، وقد روى عنه ابن أبي نصر ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، فلا ضير في اشتراكه.

مضافاً إلى اعتضاده بالأصل ، والشهرة ، والإجماعات المنقولة ، ونحوها من الرواية المرويّة عن الحسين بن سعيد في كتابه.

خلافاً للمحكيّ عن المقنع وسلاّر ، فحكما بالتحريم هنا أيضاً مطلقاً (٣) ؛ لإطلاق الخبرين المتقدّمين ، وهما مع قصور سنديهما مقيّدان بالخبرين المفصّلين.

وللخلاف والكافي والغنية والسرائر والوسيلة والإيضاح ، فحرّموها مع الدخول هنا (٤) لا مطلقاً (٥) ؛ ومستنده غير واضح ، سوى الإلحاق بذات العدّة ، وهو قياس لا نقول به ؛ ودعوى الإجماع عليه في الخلاف بمصير الأكثر ، ودعوى الإجماع على الخلاف موهونة.

ثم المعتبر في العقد المحرِّم صحّته لولا الإحرام ، فلا عبرة بالفاسد ؛ للأصل ، وانصراف إطلاق الأدلّة إلى الأول.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٤٣ ، المنتهى ٢ : ٨٠٩.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ / ١٢٧٢ ، الإستبصار ٣ : ١٨٥ / ٦٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٩١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣١ ح ١.

(٣) المقنع : ١٠٩ ، سلاّر في المراسم : ١٤٩.

(٤) أي في صورة الجهل. منه رحمه‌الله.

(٥) الخلاف ٢ : ٣١٧ ، الكافي في الفقه : ٢٨٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، السرائر ١ : ٥٤٧ ، الوسيلة : ٢٩٣ ، الإيضاح ٣ : ٧٣.

٢٣٥

خلافاً للمحكيّ عن التحرير ، فاعتبره مع اعتقاد صحّته (١) ؛ ومستنده غير واضح.

ولو انعكس فرض المسألة ، فتزوّج المُحلّ المحرمة ، فالأصل الإباحة ، ولا معارض لها من الأدلّة ، وهو المشهور بين الطائفة.

وربما حكي القول بالحرمة عن الخلاف ، مدّعياً فيه الوفاق ؛ مستدلاًّ به ، وبالاحتياط ، والأخبار (٢). ولم نقف عليها ، ودعوى الوفاق غير واضحة ، والاحتياط ليس بحجّة.

ولا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقاً إجماعاً ؛ للأصل ، ولا معارض ؛ مع أنّ الحرام لا يُفسِد الحلال كما في المستفيضة (٣).

( السابعة : من لاط بغلام ) أو رجل ( فأوقبه ) ولو بإدخال بعض الحشفة ؛ لصدق الإيقاب عليه ، مع تأمّل في انصرافه إليه ، إلاّ أنّ الاتّفاق في الظاهر واقع عليه ( حرمت عليه أُمّ الغلام ) والرجل وإن علت ( وبنته ) وإن نزلت ، من ذكر وأُنثى ، من النسب اتّفاقاً ، ومن الرضاع على الأقوى.

ومستند تحريم العاليات والسافلات هو الاتّفاق كما في المسالك (٤) ، مضافاً إلى الاستقراء.

( وأُخته ) دون بناتها اتّفاقاً ؛ لعدم صدق الاسم عليها.

وأصل الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدّعى عليه الإجماع في كلام جماعة منهم ، كالإنتصار والخلاف والغنية والتذكرة والمسالك وشرح‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٤.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٢٢.

(٣) انظر الوسائل ٢٠ : ٤٢٨ ، ٤٣٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٨ ، ٩.

(٤) المسالك ١ : ٤٨٧.

٢٣٦

الكتاب للسيّد (١) وغيرهم (٢).

وعليه دلّت المعتبرة.

ففي المرسل كالصحيح : في الرجل يعبث بالغلام ، قال : « إذا أوقب حرمت عليه أُخته وابنته » (٣).

ونحوه المرسل كالحسن ، بل الصحيح (٤) ، والضعيف المنجبر بالعمل في الأُخت خاصّة (٥).

وفي الموثّق في رجل لعب بغلام ، هل تحلّ له امّه؟ قال : « إن كان ثقب فلا » (٦).

وليس في سنده سوى الحسن بن فضّال ، وهو موثّق ، وإبراهيم بن عمر ، وهو ثقة على الأظهر ، وتضعيف ابن الغضائري له (٧) ضعيفٌ معارَضٌ بتوثيق النجاشي له (٨) ، المقدّم عليه عند التعارض ، مع أنّه روى هنا حمّاد ابن عيسى ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه فلا وجه لتضعيف الخبر.

وهذه الأخبار كما ترى نصٌّ في بلوغ الواطئ ؛ للفظ : « الرجل » ‌

__________________

(١) الانتصار : ١٠٧ ، الخلاف ٤ : ٣٠٨ ، لم نعثر عليه في الغنية ، التذكرة ٢ : ٦٣٣ ، المسالك ١ : ٤٨٧ ، نهاية المرام ١ : ١٧٣.

(٢) انظر مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٤٢ ، والحدائق ٢٣ : ٤٤٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١٠ / ١٢٨٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٥ ح ٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٧ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٥ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤١٧ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٥ ح ٤.

(٦) التهذيب ٧ : ٣١٠ / ١٢٨٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٥ ح ٧.

(٧) رجال العلاّمة : ٦ / ١٥.

(٨) النجاشي : ٢٠ / ٢٦.

٢٣٧

مضافاً إلى أنّه الأغلب فيه والمتبادر ، كتبادر حياة المفعول وغلبتها ، فيقتصر في الخروج عن الأصل المقتضي للإباحة على القدر المتبادر منها ، فلا وجه لإلحاق الواطئ الصغير والموطوء الميّت بالبالغ والحي. نعم ، الأحوط ذلك.

قيل (١) : وإنّما تحرم المذكورات مع سبق الوطء على العقد عليهن ، فلو انعكس لم تحرم ؛ للأصل ، وعموم : « إنّ الحرام لا يحرّم الحلال » (٢) فيحمل إطلاق الأخبار عليه ، مع تبادره منه دون غيره.

نعم ، في المرسل كالحسن ، بل كالصحيح على الصحيح : في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : « إذا أوقبه حرمت عليه » (٣).

لكنّه لا يعارض الأصل المتّفق عليه ، فليحمل بما يؤول إليه.

لكن عن ابن سعيد في الجامع : انفساخ نكاح المرأة بالإيقاب (٤). وهو ظاهر في عموم التحريم ، كإطلاق المتن ، والمقنعة (٥) ، وجماعة (٦) ، وصريح النهاية ، قال : ومن فجر بغلام فأوقب ، حرم عليه العقد على امّه وأُخته وبنته على جميع الأحوال (٧).

وعن الإسكافي : التصريح بالتحريم هنا بعد العقد قبل الوطء.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٠٣.

(٢) المتقدم في ص ٢٣٦.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٨ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٥ ح ٢.

(٤) الجامع للشرائع : ٤٢٨.

(٥) المقنعة : ٥٠١.

(٦) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٣١٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٨٧.

(٧) النهاية : ٤٥٣.

٢٣٨

فالمسألة محلّ إشكال ؛ لظاهر الخبر المعتبر سنداً ، المعتضد بإطلاق الأخبار المتقدّمة جدّاً ؛ للتأمّل في عدم تبادر المقام منه ، ويتوجّه حينئذٍ تخصيص الأصل والعموم بهما ، مع تخصيصهما بهما في الجملة إجماعاً ، فالاحتياط فيه لازم.

وعلى عدم التحريم ، قيل : الظاهر عدم الفرق بين مفارقة من سبق عقدها بعد الفعل وعدمه ، فيجوز له تجديد نكاحها بعده ، مع احتمال عدمه ؛ لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد (١). انتهى.

والاحتمال قوي ، يساعده الإطلاقات المخصَّص بها الأصل والعموم المتقدّم ، فوجه الظهور غير واضح ، إلاّ ما ربما يتوهّم من عدم تبادر مثله من الإطلاق ، وفيه نظر.

ثم إنّه لا يحرم على المفعول بسببه شي‌ءٌ عندنا ؛ للأصل ، والعموم المتقدّم (٢) ، وظهور عدم شمول النصوص له.

وحكى الشيخ عن بعض الأصحاب تعدّي التحريم إليه أيضاً (٣) ؛ ولعلّه لاحتمال الضمير لكلّ من الفاعل والمفعول ، ولذا كان التجنّب أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لضعف الاحتمال ، ودعوى الإجماع على العدم في صريح التذكرة وظاهر الروضة (٤).

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٠٣.

(٢) أي عموم قولهم : « إنّ الحرام لا يحرّم الحلال » منه رحمه‌الله.

(٣) لم نعثر عليه ، نعم حكى السيّد صاحب المدارك عن بعض الأصحاب في نهاية المرام ١ : ١٧٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٣ ، الروضة ٥ : ٢٠٤.

٢٣٩

( السبب الرابع ) من أسباب التحريم ( استيفاء العدد ) عَدَد الزوجات ، وعَدَد الطلاق.

أمّا الأول : فـ ( إذا استكمل الحرّ أربعاً : ) من النسوة ( بالغبطة ) أي الدوام ، من قولهم : أغبَطَتْ عليه الحمّى ، أي دامت ، وأغبَطَت السماء : إذا دام مطرها ـ ( حرم عليه ما زاد ) عليهن ، إجماعاً من المسلمين كافّة ، كما حكاه جماعة (١).

للنصوص المستفيضة ، بل المتواترة الآتي بعضها. ففي الصحيح : « لا يجمع ماءه في خمس » (٢).

وفي الحسن : في رجل تزوّج خمساً في عقد واحد ، قال : « يخلّي سبيل أيّهنّ شاء ، ويمسك الأربع » (٣).

وفي العيون فيما كتبه مولانا الرضا عليه‌السلام إلى المأمون ـ : « لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر » (٤) ، وروى في الخصال عن الأعمش ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام مثله (٥) ، وروى في تحف العقول مرسلاً (٦).

وفي المرويّ في تفسير العيّاشي ، عن منصور بن حازم ، عنه عليه‌السلام

__________________

(١) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ٦٣٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٨ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٦١٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ / ١٢٣٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٦٥ / ١٢٦٠ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ / ١٢٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٢ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) عيون الأخبار ٢ : ١٢٠ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٢ ح ٣.

(٥) الخصال : ٦٠٣ / ٩.

(٦) تحف العقول : ٣١٤.

٢٤٠