رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

ولكنّه أوفق بالأُصول المقرّرة على تقدير القول بحرّية الولد ؛ لكونه معدّاً لمصالح المسلمين ، والمقام منها.

والأول أوفق على القول بالرقّية ، كما هو مختار القائل ، لكنّه يتوقّف إمّا على عدم اعتبار كون العبد تحت الشدّة أو وجودها ، أو عدم وجود المستحقّ أصلاً ، وأمّا على القول باعتباره مع ترفّه الولد ووجود المستحقّ فمشكل قطعاً. ولا بأس بالمصير إلى الثاني حينئذٍ إن لم يكن إحداث قول.

( ولو تزوّجت الحرّة عبداً مع العلم ) منها بالرقّية والحرمة مع عدم الإذن والإجازة ( فلا مهر لها ) مع عدم الدخول قطعاً ، وكذا معه ؛ إذ لا مهر لبغيّ ، وللخبر « أيّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها » (١).

( وولدها رقّ ) لمولى العبد ؛ إذ لا نسب مع الزناء.

وفي ثبوت الحدّ وجهان.

( ومع الجهل ) منها بالأمرين أو بأحدهما ( يكون الولد حرّا ) تبعاً لأشرف الأبوين ، مع عدم المانع من جهة الجهل كما مضى.

( ولا يلزمها قيمة الولد ) للأصل ، واختصاص المثبت من النصّ والفتوى بصورة العكس.

( ويلزم العبد ) مع الدخول في مقابل البضع المحترم ( مهرها ) المثل دون المسمّى ( إن لم يكن مأذوناً ) من المولى ؛ لفساد العقد ( فيتبع به إذا أُعتق ) ومع الإجازة فالمسمّى قطعاً هنا ، وفي السابق أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٩ / ٧ ، الفقيه ٣ : ٢٨٥ / ١٣٥٦ ، التهذيب ٧ : ٣٥٢ / ١٤٣٥ ، الوسائل ٢١ : ١١٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ٣.

٣٨١

وفي سقوط الحدّ إن أوجبناه فيه ولحوق الولد معها ، وجهان ، مبنيان على أنّها هل هي كاشفة عن الصحة؟ كما هو الأشهر الأظهر ، أم ناقلة من حينها؟

والحكم بحريّة الولد هنا هو المشهور بين الأصحاب.

خلافاً للمحكيّ عن المفيد ، فحكم بالرقّية مطلقاً (١) ولو هنا (٢) ؛ للخبر : في رجل دبّر غلاماً له ، فأبِق الغلام ، فمضى إلى قوم فتزوّج منهم ولم يعلمهم أنه عبد ، فوُلد له أولاد وكسب مالاً ومات مولاه الذي دبّره ، فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد فطالبوا العبد فما ترى؟ فقال : « العبد وولده لورثة الميّت » قلت : أليس قد دبّر العبد؟ قال : « إنّه لمّا أبَق هدم تدبيره ورجع رقّاً » (٣).

وفي سنده جهالة ، فليس فيه حجّة ، مضافاً إلى معارضته لما مرّ من إطلاق المستفيضة الدالّة على تبعيّة الولد للحرّية في أب كانت أم أُمّ (٤) بالضرورة ، المعتضدة بالشهرة هنا وثمّة ، المؤيّدة بفحوى المعتبرة الدالّة على حرّية الولد في صورة عكس المسألة (٥) ، فتأمّل.

ومع ذلك ، فليس نصّاً في حرّية الزوجة ، فيحتمل الحمل على تزويجه بالأمة ، ويكون تخصيص الأولاد فيه بمولى العبد دون مولى الأمة مبنيّاً على ما مضى من اختصاصهم بمن لم يأذن وحرمان الآذن (٦) ، فتأمّل.

__________________

(١) المقنعة : ٥٠٧.

(٢) أي في صورة جهل الحرّة. منه رحمه‌الله.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٣ / ١٤٣٧ ، الوسائل ٢١ : ١١٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٨ ح ١.

(٤) راجع ص ٣٦٤.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ١٢١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠.

(٦) راجع ص ٣٦٢.

٣٨٢

( ولو تسافح المملوكان فلا مهر ) للأصل ، وانتفاء المخرج عنه هنا ؛ لاختصاصه بغيره ، وانتفاء ما يوجب التعدية.

( والولد رقّ لمولى الأمة ) اتّفاقاً هنا كما حكي (١) ؛ لأنّه نماؤها مع انتفاء النسب عن الزاني ، مضافاً إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة (٢) الناصّة بالحكم في تزويج الأمة المدّعية للحرّية أو فحواها إن اختصّت بتزويجها من الحرّ كما هو المتبادر منها ، لكن الاستناد إليها هنا يتوقّف عليه ثمّة.

( وكذا ) الحكم ( لو زنى بها ) أي بالأمة المملوكة للغير ـ ( الحرّ ) من دون إشكال. إلاّ في نفي المهر ، فقد قيل بثبوت العُقر (٣) هنا (٤) ؛ لفحوى الصحيح المتقدّم في إثبات العُشر أو نصفه على مَن وطئ المحلّلة له في وجوه الاستمتاعات دون الوطء (٥) ؛ إذ ثبوت أحد الأمرين ثمّة مستلزم لثبوته هنا بطريق أولى.

وفيه ما مرّ من الإشكال من عدم التصريح فيه بعلم الأمة بالحرمة (٦) ، فلعلّ العُقْر للجهالة.

والأجود الاستدلال عليه بفحوى ما مرّ من الصحيح الصريح في ثبوت العُقْر على متزوّج الأمة المدّعية للحرّية (٧) ، الظاهر في جهل الزوج وعلم‌

__________________

(١) قال صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٧٧ : أمّا أنّ الوَلد رقّ لمولى الأمة فمقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم أنه لا خلاف فيه.

(٢) راجع ص ٣٧٤.

(٣) العُقر : وهو دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ، ثم كثر ذلك حتى استعمل في المهر مجمع البحرين ٣ : ٤١٠.

(٤) قال به صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٧٨.

(٥) راجع ص ٣٦٩.

(٦) انظر ص ٣٦٩.

(٧) راجع ص ٣٧٣.

٣٨٣

الأمة ، وثبوت المهر ثمّة يستلزم ثبوته هنا بطريق أولى كما لا يخفى ، فالأحوط إعطاء العُقْر أو استرضاء مولى الأمة بصلح ونحوه.

( ولو اشترى الحرّ ) المتزوّج بأمة بين شريكين بإذنهما ( نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده ).

لامتناع عقد الإنسان على أمته لنفسه مطلقاً ابتداءً واستدامةً ، الملازم لبطلان العقد بالإضافة إلى حصّته المنتقلة إليه بالشراء ، ويلزمه البطلان بالإضافة إلى الجميع ؛ لعدم تبعّض العقد ، وانتفاء الكلّ بانتفاء الجزء.

وللموثّق : عن رجلين بينهما أمة ، فزوّجاها من رجل ، ثم إنّ الرجل اشترى بعض السهمين ، قال : « حرمت عليه باشترائه إيّاها ؛ وذلك أنّ بيعها طلاقها ، إلاّ أن يشتريها جميعاً » (١).

ومع بطلان العقد رأساً يحرم الوطء مطلقاً جدّاً ؛ لاستلزامه التصرّف في ملك الغير بدون إذنه ، وهو محرّم قطعاً.

( ولو ) حصل الإذن بأن ( أمضى الشريك ) الآخر المالك ( العقد لم يحلّ ) على الأشهر الأظهر أيضاً ؛ لأنّ العقد إن كان بطل بالشراء كما هو الظاهر فكيف يصير بالرضاء صحيحاً؟! وإن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه ؛ لوقوعه أولاً به ولم يتجدّد له ملك فلا يقف على إجازته ، ومع ذلك يعضده إطلاق النصّ السابق.

فخلاف الطوسي والقاضي هنا حيث حكما بالحلّ مع الإمضاء (٢) ضعيف جدّاً ، لا وجه له أصلاً ، ولذا حُمِل عبارتهما على ما يؤول إلى‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٥ / ١٣٥٥ ، الوسائل ٢١ : ١٥٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الطوسي في النهاية : ٤٨٠ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢١٩.

٣٨٤

المختار (١) تفادياً من فتواهما بما لا وجه له رأساً ، وهو حسن وإن كان بالإضافة إلى عبارتهما بعيداً.

كلّ ذا إذا وقع الرضاء بالوطء بإمضاء العقد السابق.

( و ) أمّا مع وقوعه ( بالتحليل ) المتجدّد فقولان ، أشهرهما كما حكي (٢) التسوية بينه وبين ما مضى في المنع.

للموثّق السابق ، الحاصر لوجه الحلّ بعد بطلان العقد المحكوم به فيه في شرائها جميعاً.

ولأصالة عصمة الفروج ، إلاّ مع ثبوت الحلّ بوجه شرعي ، وليس إلاّ الانفراد بأحد أمرين : العقد أو الملك ، لا الملفق منهما ؛ إمّا (٣) لظهور الآية ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٤) في منع الجمع ، أو لاحتمالها له ولمنع الخلوّ ؛ إذ مع الأول الآية ناصّة في التحريم هنا ، وعلى الثاني وإن لم تكن ناصّة ولا ظاهرة إلاّ أنّها ليست ناهضة لتخصيص أصالة الحرمة ؛ لاحتمال إرادة المنع من الجمع بالضرورة ، وليست ظاهرة في إرادة المنع من الخلوّ ليصحّ التخصيص.

فأصالة الحرمة باقية بحالها ، سليمة عمّا يصلح للمعارضة ؛ إذ ليس إلاّ الآية ، وقد عرفت ما فيها من المناقشة ؛ أو استصحاب الحلّية السابقة ، وهي منقطعة بالشراء بإجماع الطائفة ، وإلاّ لما احتيج إلى إمضاء أو تحليل بالمرّة.

فالقول بالتسوية والمنع مطلقاً متّجه لولا ورود ( رواية ) مرويّة في الكتب الثلاثة صحيحة صريحة في الإباحة بالتحليل : عن جارية بين رجلين‌

__________________

(١) انظر النهاية ونكتها ٢ : ٣٥٠.

(٢) نسبه إلى المشهور في ملاذ الأخيار ١٣ : ٣٩٨ ، وإلى الأكثر في المسالك ١ : ٥١٢ ونهاية المرام ١ : ٢٨٠.

(٣) علّة لنفي الملفّق. منه رحمه‌الله.

(٤) المؤمنون : ٦.

٣٨٥

دبّراها ، ثم أحلّ أحدهما فرجها لشريكه ، قال : « هي له حلال » (١).

وهي وإن اختصّ موردها بغير المقام ، إلاّ أنّ في ذيلها تعليل الحكم بما ظاهره العموم له ، مع أنّ الظاهر عدم القائل بالفرق بينهما.

وليس ( فيها ضعف ) كما ذكره المصنّف وجماعة (٢) ؛ إذ ليس في سندها غير الحسن بن محبوب ، وهو ثقة مجمع على تصحيح رواياته ، عن عليّ بن رئاب ، عن محمّد بن قيس ، وكلاهما ثقتان.

نعم ، رواها الشيخ في أول كتاب النكاح عن محمّد بن مسلم (٣) ، بطريق فيه عليّ بن الحسن بن فضّال ، وليس فيه ضعف ، بل هو موثّق ، ولكن المصنّف دأبه عدّ مثله ضعيفاً كما مرّ مراراً ، فليس في شي‌ء من طرقها ضعف بالمعنى المصطلح.

فالقول بمضمونها متّجه جدّاً ، يُخَصّ بها ما تقدّم من الأصل والإطلاق ظاهراً ، وفاقاً للحلّي (٤) وجماعة ، منهم : شيخنا الشهيد في اللمعة (٥).

إلاّ أنّ اعتضادهما بالشهرة يوجب عدم مكافأة النصّ لهما ، فالاحتياط : المنع ، وإن كان في تعيّنه نظر ؛ نظراً إلى ظهور أنّ الباعث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٢ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٩٠ / ١٣٨٠ ، التهذيب ٨ : ٢٠٣ / ٧١٧ ، الوسائل ٢١ : ١٤٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤١ ح ١.

(٢) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ١٦٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ١٤٤ ، وابن فهد في المهذب ٣ : ٣٣٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٤٥ / ١٠٦٧ ، الوسائل ٢١ : ١٤٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤١ ح ١.

(٤) السرائر ٢ : ٦٠٣.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٣٢١.

٣٨٦

للمشهور توهّمهم ضعف الرواية ، كما يفصح عنهم عباراتهم المشعرة بأنّه مع الصحة يصار إليه وأنّ المانع إنّما هو الضعف ، فتأمّل.

وعُلِّل الجواز مضافاً إلى الرواية بأنّها قبل التحليل محرّمة ، وإنّما حلّت به ، فالسبب واحد (١).

وفيه : أنّه حينئذٍ يكون تمام السبب لا السبب التامّ في الإباحة ؛ ضرورة أنّ التحليل مختصّ بحصّة الشريك لا بالجميع ، وتحقّق المسبَّب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير سبباً تامّاً. اللهم إلاّ أن يريد من اتّحاد السبب الاتّحاد بحسب الملكيّة وإن اختلف جهتاها ، من حيث إنّ إحداهما ناشئة من الملكيّة الحقيقيّة ، والأُخرى من التحليل والإباحة التي بمنزلتها لأنّها تمليك منفعة ، فيكون حلّ جميعها بالملك ، فهو أحد الأمرين المعتبر في إباحة الوطء انفراد أحدهما كما مضى. لكنّه متوقّف على عدم كون التحليل عقداً ، وما مضى في وجه الاستدلال بأصالة الحرمة مبنيّ على خلافه ، وسيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء الله تعالى.

( وكذا ) يحرم عليه وطؤها ( لو كان بعضها ) أي الأمة المملوك نصفها لزوجها أو غيره ـ ( حرّا ).

لأنّ الجزء لا يستباح بملك البعض ولا بالعقد الدائم اتّفاقاً ؛ لتبعّض السبب ، ولا بالمنقطع ؛ لذلك ، ولا بالتحليل ؛ لأنّ المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعاً ، وإنّما يقع من المولى خاصّة.

وللصحيح الصريح في ذلك ، وقد مضى صدره ، وفيه بعد ذلك ـ : « وأيّهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرّا من قبل الذي مات ونصفها‌

__________________

(١) انظر الروضة ٥ : ٣٢٣.

٣٨٧

مدبّراً » قلت : أرأيت الثاني منهما أن يمسّها ، إله ذلك؟ قال : « لا ، إلاّ أن يثبت عتقها ويتزوّجها برضاء منها متى ما أراد » قلت له : أليس صار نصفها حرّا وقد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال : « بلى » قلت : فإن هي جعلت مولاها في حلّ من فرجها؟ قال : « لا يجوز ذلك له » قلت : لِمَ لا يجوز لها ذلك؟ وكيف أجزت للّذي له نصفها حين أحلّ فرجها لشريكه فيها؟ قال : « لأنّ الحرّة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلّه ، ولكن لها من نفسها يوم وللّذي دبرها يوم ، فإن أحبّ أن يتزوّجها متعة بشي‌ء في ذلك اليوم الذي تملك فيه نفسها فليتمتّع منها بشي‌ء قلّ أو كثر » (١).

( ولو هايأها مولاها ، ففي جواز العقد منه عليها متعةً في زمانها تردّدٌ ) ينشأ من صريح ما مضى من الصحيح ، ومن لزوم تبعيض السبب ، فإنّها لم تخرج بالمهاياة عن كون المولى مالكاً للبعض ، على أنّ منافع البضع لا يتعلّق بها المهايأة ، وإلاّ يحلّ لها المتعة بغيره في أيّامها ، وهو باطل اتّفاقاً ، كما حكي في كلام المسالك وسبطه (٢) ؛ ومنشأه واضح.

ولكن ذلك اجتهاد في مقابلة النصّ الصحيح الصريح.

فالقول بالجواز متعيّن ، وفاقاً للطوسي والقاضي (٣) وجماعة (٤) ..

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٢ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ١٤٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤١ ح ١ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٢) المسالك ١ : ٥١٣ ، وسبطه في نهاية المرام ١ : ٢٨٣.

(٣) الطوسي في النهاية : ٤٩٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢١٩.

(٤) منهم السبزواري في الكفاية : ١٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٤٦ ، ومال إليه في نهاية المرام ١ : ٢٨٣.

٣٨٨

فقول المصنّف : ( أشبهه المنع ) في حيّز المنع وإن كان أشهر لابتنائه على ضعف الخبر ، ولا وجه له كما مرّ ، ولكن الاحتياط لا يترك على حال.

ومقتضى الأصل المتقدّم ، كالاتّفاق المحكيّ ، واختصاص النصّ بجواز التمتّع في أيّامها بالمولى خاصّة : اختصاص الجواز به ، وإجراء المنع في غيره من دون تردّد ؛ لانتفاء مقتضيه ، فلا وجه لإطلاق التردّد في جواز العقد عليها ، حتى ما إذا كان العاقد غير المولى كما هو ظاهر العبارة ، إلاّ أن تُخصّ به.

( ويستحبّ ) على الأشهر ( لمن زوّج عبده أمته أن يعطيها شيئاً ) من ماله أو مال العبد ، ليكون بصورة المهر ؛ جبراً لقلبها ، ورفعاً لمنزلة العبد عندها.

وللصحيحين : عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : « يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها شيئاً من قبله أو من مولاه ، ولا بُدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك » (١).

خلافاً للشيخين والحلبي والقاضي وابن حمزة ، فأوجبوا الإعطاء (٢) ؛ عملاً بظاهر الأمر ، ولئلاّ يلزم خلوّ النكاح عن المهر في العقد والدخول‌

__________________

(١) الأول في : الفقيه ٣ : ٢٨٤ / ١٣٥٤ ، الوسائل ٢١ : ١٤٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٣ ح ١.

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٥ / ١٤١٥ ، الوسائل ٢١ : ١٤٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥٠٧ ، الطوسي في النهاية : ٤٧٨ ، الحلبي في الكافي : ٢٩٧ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢١٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٦.

٣٨٩

معاً.

وضُعّف بأنّ المهر يستحقّه المولى ؛ إذ هو عوض البضع المملوك له ، ولا يُعقل استحقاقه شيئاً على نفسه وإن كان الدفع من العبد على ما تضمّنته الرواية ؛ لأنّ ما بيده ملك للمولى (١).

ويمكن تطرّق القدح إليه أولاً : بابتنائه على كون ذلك مهراً ، ومن المحتمل بل الظاهر المعترف به جماعة (٢) ، ومنهم المضعّف كونه عطيّة محضة مندوباً إليها ؛ جبراً لقلب الأمة ، ورفعاً للعبد عندها منزلةً ، فيكون الأمر به تعبّداً محضاً يلزم المصير إليه بعد ورود النصّ المعتبر به جدّاً.

وثانياً : بابتنائه على عدم مالكيّة المملوك ، وهو محلّ كلام ، وإن كان أقوى.

وثالثاً : بكونه اجتهاداً صرفاً في مقابلة النصّ ، فتأمّل.

وكيف كان ، فلا ريب أنّه أحوط.

ثم المستفاد من النصّ أنّه يكفي في تزويج عبده لأمته مجرّد اللفظ الدالّ على الإذن فيه ، ولا يشترط قبول العبد ولا المولى لفظاً.

ولا يقدح تسميته فيه كغيره نكاحاً ، وهو يتوقّف على العقد.

وإيجابُه إعطاءَ شي‌ء وهو ينافي الإباحة ، كالصحيح الصريح في منع تحليل السيّد لعبده أمته (٣).

لأنّ قوله : « يجزئه » ظاهر في الاكتفاء بالإيجاب ، وأظهر منه الصحيح‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ٣١٧.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ١٤٦ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٠٩ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٣٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٤٣ / ١٠٦٢ ، الإستبصار ٣ : ١٣٧ / ٤٩٥ ، الوسائل ٢١ : ١٣٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٣ ح ٢.

٣٩٠

عن قول الله عزّ وجلّ ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (١) قال : « هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ، ثم يمسّها ، فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح » (٢).

ونحوه الموثّق : في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة ، فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه نكاحاً أو يجزئه أن يقول : قد أنكحتك فلاناً ويعطي من قبله شيئا [ أ ] ومن قبل العبد؟ قال : « نعم ، ولو مدّ ، وقد رأيته يعطي الدراهم » (٣).

والإعطاء إمّا على التعبّد أو الاستحباب.

هذا ، مضافاً إلى أنّ رفعه بيد المولى ، والنكاح الحقيقي ليس كذلك ؛ إذ رفعه بيد الزوج.

وأنّ العبد ليس له أهليّة الملك ، فلا وجه لقبوله ، والمولى بيده الإيجاب ، والجهتان (٤) ملكه ، فلا ثمرة لتعليقه ملكاً بملك ، نعم ، يعتبر رضاه بالفعل ، وهو يحصل بالإباحة الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية.

والصحيح محمول على التقيّة ، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

لكن الاحتياط بل اللازم عدم العدول في الإيجاب عمّا في النصّ‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) الكافي ٥ : ٤٨١ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ / ١٤١٧ ، الوسائل ٢١ : ١٤٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٥ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٦ / ١٤١٦ ، الوسائل ٢١ : ١٤٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٣ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) أي الإيجاب والقبول. منه رحمه‌الله.

٣٩١

من لفظ « أنكحتك » وفاقاً للعلاّمة (١) ، وخلافاً للحلبي ، فاكتفى بكلّ ما يدلّ على الإباحة (٢).

وقيل : يعتبر القبول من العبد ؛ إمّا لأنّه عقد ، أو لأنّ الإباحة منحصرة في العقد أو التمليك ، وكلاهما يتوقّف على القبول (٣).

وربما قيل : يعتبر قبول المولى ؛ لأنّه الوليّ ، كما يعتبر منه الإيجاب (٤).

واعتبارهما أولى وأحوط ؛ لاشتهار كون ذلك عقداً بين أصحابنا ، واعتضدته الأُصول المرعيّة في الفروج وإن خالفتها ظواهر النصوص السابقة.

( ولو مات المولى ) المزوِّج أحدهما من الآخر ( كان للورثة الخيار في الإجازة والفسخ ) لانتقالهما إليهم ، فيكون أمرهما بيدهم كالمورِّث ، ولثبوت ذلك لكلّ من يتلقّى الملك وإن لم يكن وارثاً ، فالوارث أولى.

( ولا خيار للأمة ) ولا للعبد قطعاً ؛ لفقد المقتضي ، مع أنّه لا خلاف فيه كالسابق.

وفي الصحيح : في رجل زوّج أُمّ ولد له عبداً له ، ثم مات السيّد ، قال : « لا خيار لها على العبد ، هي مملوكة للورثة » (٥).

( ثم ) الكلام في ( الطوارئ ) ومفسدات نكاح المماليك ، وهي‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) السرائر ٢ : ٦٠٠.

(٣) قال به فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٤٦.

(٤) انظر النهاية ونكتها ٢ : ٣٤٦.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٠٦ / ٧٢٨ ، الوسائل ٢١ : ١٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٣٩٢

( ثلاثة : العتق ، والبيع ، والطلاق ) :

( أمّا العتق : فإذا أُعتقت الأمة ) التي قد زوّجها مولاها قبل العتق كملاً ( تخيّرت في فسخ نكاحها ) مطلقاً كان العتق قبل الدخول أم بعده إذا كانت تحت عبد ، إجماعاً من المسلمين كما حكاه جماعة (١) ، والنصوص به من الطرفين مستفيضة :

منها الصحيح : عن المملوكة تكون تحت العبد ثم تُعتَق ، فقال : « تخيّر ، فإن شاءت قامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته » (٢).

( و ) كذا لها الفسخ ( إن كان زوجها حرّا على الأظهر ) الأشهر ، سيّما إذا كانت مكرهة واستمرّ.

لإطلاق الخبر بل الصحيح كما اشتهر ـ : « أيّما امرأة أُعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته » (٣).

وخصوص المعتبرة ، منها المرسل كالموثّق : في رجل حرّ نكح أمة مملوكة ، ثم اعتقت قبل أن يطلّقها ، قال : « هي أملك ببضعها » (٤).

وفي معناه خبران آخران (٥) قصور سندهما كالأول إن كان منجبر‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١٣ ، وانظر جامع المقاصد ١٣ : ١٠١ ، ونهاية المرام ١ : ٢٨٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥٢ / ١٦٨٦ ، التهذيب ٧ : ٣٤٣ / ١٤٠٢ ، الوسائل ٢١ : ١٦٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٢ ح ٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤١ / ١٣٩٤ ، الوسائل ٢١ : ١٦٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٢ ح ٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٤٢ / ١٣٩٩ ، الوسائل ٢١ : ١٦٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٢ ح ١١.

(٥) الأول في : التهذيب ٧ : ٣٤٢ / ١٤٠٠ ، الوسائل ٢١ : ١٦٤ أبواب نكاح العبيد

٣٩٣

بعمل الأعيان ، مع عدم معارض لها في المقام ، عدا الأصل ، الذي يجب الخروج عنه بهذه الأخبار في المضمار.

فما في الشرائع وعن المبسوط والخلاف من نفي الخيار (١) ضعيف جدّاً.

وظاهر إطلاق الأخبار كأصالة بقاء الخيار عدم الفوريّة ، إلاّ أنّها متّفق عليها بين الجماعة كما حكاه طائفة (٢) ؛ وهو الحجّة فيه إن تمّ ، لا ما قيل من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن (٣) ، كيف؟! وفوريّة الخيار على خلاف الأصل ، وأصالة بقاء الزوجيّة ولزوم المناكحة بالعتق منقطعة ، فينعكس الأصل ويصير مقتضياً لبقاء الخيار وعدم الفوريّة.

وربما استُدِلّ (٤) عليها ببعض الروايات العاميّة (٥) ، من حيث اشتمالها على تعليق الخيار على العتق بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.

والمناقشة فيه مع ضعفه واضحة ، لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب.

__________________

والإماء ب ٥٢ ح ١٢. الثاني في : التهذيب ٧ : ٣٤٢ / ١٤٠١ ، الوسائل ٢١ : ١٦٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٢ ح ١٣.

(١) الشرائع ٢ : ٣١١ ، المبسوط ٤ : ٢٥٨ ، الخلاف ٤ : ٣٥٤ ، وقد حكاه عنهما في التنقيح ٣ : ١٤٧.

(٢) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٨٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٥٠.

(٣) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١٣ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٨٦.

(٤) التنقيح الرائع ٣ : ١٤٩ ، جامع المقاصد ١٣ : ١٠٢.

(٥) سنن البيهقي ٧ : ٢٢١ ، ٢٢٢.

٣٩٤

ولو أخّرت الفسخ لجهلها بالعتق أو الخيار ، فالظاهر عدم سقوطه كما قطع به الأصحاب ؛ للأصل.

وفي الجهل بالفوريّة وجهان ، ولعلّ الأقرب عدم السقوط ؛ لما مرّ.

وكذا لو نسيت أحدها.

والظاهر أنّه يُقبَل دعواها الجهل أو النسيان مع اليمين بشرط الإمكان في حقّها ؛ لأنّ ذلك لا يعرف إلاّ من قبلها ، وأصالة الجهل مستصحبة جدّاً ، فتأمّل.

ولو أُعتق بعض الأمة فلا خيار ؛ لتعلّق الحكم في النصّ بحكم التبادر على كمال العتق ، فيقتصر فيما خالف الأصل على مورده.

ولو كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال ، وليس للمولى هنا تولّي الاختيار. وللزوج الوطء قبله ؛ لبقاء الزوجيّة ما لم تفسخ ، وكذا القول قبل اختيارها وهي كاملة ، حيث لا ينافي الفوريّة ، كما لو لم تعلم بالعتق.

واستثنى جماعة (١) تبعاً للعلاّمة (٢) صورة واحدة ، وهي ما إذا كانت لشخص جارية قيمتها ثلث ماله ، وهو يملك ثلثاً آخر ، فزوّجها بثلث آخر ، ثم أعتقها في مرض الموت قبل الدخول ، فإنّه حينئذٍ لا يثبت لها خيار ؛ لأنّ الفسخ من جانب الزوجة قبل الدخول مسقط للمهر ، فإذا سقط انحصرت التركة فيها وفي الثلث الآخر ، فلم ينفذ العتق في جميعها ، بل يبطل فيما زاد على ثلث التركة ، وحينئذٍ يبطل خيارها ؛ لأنّ الخيار إنّما هو مع عتقها كملاً‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١٤ ، واستحسنه في نهاية المرام ١ : ٢٨٧ والكفاية : ١٧٣.

(٢) القواعد ٢ : ٢٨.

٣٩٥

كما مضى ، فيكون ثبوته مؤدّياً إلى عدم ثبوته ، وهو دور ، فتعيّن الحكم بانتفاء الخيار حينئذ.

وهو حسن إن أوصى بالعتق أو نجّزه وقلنا إنّ المنجّزات كالوصايا تحسب من الثلث ، كما هو الأشهر.

وما ربما يستفاد من ظاهر العلاّمة من اشتراط وقوع التزويج في المرض كالعتق في الاستثناء غير ظاهر الوجه أصلاً كما لا يخفى ، وبعدم الفرق بينه وبين الوقوع في الصحّة صرّح جماعة من أصحابنا (١).

( ولا خيرة للعبد إذا أُعتق ) للأصل ، واختصاص النصّ المثبت لها بالأمة المعتقة ، دون العكس.

وقياسه على الأول مع فساده عندنا غير صحيح هنا ؛ لثبوت الفارق بثبوت تخلّص العبد بالطلاق ، دون الأمة ، فليس لها دفع الضرر والتخلّص منه إلاّ بالفسخ والفراق ، فتأمّل.

فالقول المحكيّ عن الإسكافي بثبوت الخيار له مطلقاً قياساً على الأمة (٢) ضعيف جدّاً ، كضعف المحكيّ عن ابن حمزة من الموافقة له في صورة وقوع التزويج من العبد على الكراهة (٣) ، وربما أشعر باختياره عبارة العلاّمة (٤) ، ولعلّه لا يخلو عن قوّة بشرط استمرار الكراهة إلى حال الاختيار ، ولعلّه مراد ابن حمزة والعلاّمة.

( و ) كذا ( لا ) خيار ( لزوجته ) مطلقاً ( وإن كانت حرّة ) لما‌

__________________

(١) كالمحقّق والشهيد الثانيين في جامع المقاصد ١٣ : ١٠٣ والمسالك ١ : ٥١٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥٦٩.

(٣) الوسيلة : ٣٠٥ ٣٠٦.

(٤) المختلف : ٥٦٩.

٣٩٦

مضى.

وللصحيح : قلت : فللحرّة الخيار عليه إذا أُعتق؟ قال : « [ لا ] قد رضيت به وهو مملوك ، فهو على نكاحه الأول » (١).

ولأنّها قد رضيته عبداً فبأن ترضاه حرّا أولى ، وبه وقع التصريح في بعض أخبارنا : في رجل زوّج أُمّ ولد له من عبد ، فأُعتق العبد بعد ما دخل بها ، يكون لها الخيار؟ قال : « لا ، قد تزوّجته عبداً ورضيت به ، فهو حين صار حرّا أحقّ أن ترضى به » (٢).

( و ) كما تتخيّر الأمة بعتقها فيما مضى ( كذا تتخيّر الأمة لو كانا ) أي هي وزوجها ـ ( لمالك ) واحد أو مالكين مطلقاً بالتشريك كان أم لا ـ ( فأُعتقا ) معاً ، مقارناً كان عتقهما أم لا ، بشرط عدم ما ينافي الفوريّة قطعاً ، ( أو أُعتقت ) هي خاصّة دونه ، بلا خلاف فيهما.

مضافاً إلى الصحيح في الثاني : عن الرجل ينكح عبده أمته ثم أعتقها ، تخيّر فيه أم لا؟ قال : « نعم ، تخيّر فيه إذا أُعتقت » (٣) وما مضى من الإطلاقات أو العموم فيهما.

ولا ريب في الحكم في الأول (٤) مطلقاً على المختار. والصحيح الدالّ بانقطاع نكاح المملوكين لمعتقهما بالعتق (٥) ، شاذٌّ نادر.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٠٦ / ٧٢٦ ، الوسائل ٢١ : ١٦٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٤ ح ١ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٤٣ / ١٤٠٥ ، الوسائل ٢١ : ١٦٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨٦ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٤٣ / ١٤٠٤ ، الوسائل ٢١ : ١٦١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٢ ح ١.

(٤) وهو صورة عتقهما معاً. منه رحمه‌الله.

(٥) وقد تقدمت مصادره في الهامش (١) أعلاه.

٣٩٧

ويشكل على القول باختصاص الخيرة لها بصورة ما إذا كانت تحت عبد لا مطلقاً ، فيما إذا أُعتقا معاً متقارنين أو أُعتق العبد أولاً ؛ لاستلزام ثبوت الخيار لها هنا ثبوته للأمة وهي تحت حرّ ، وهو خلاف ما مضى ، فالجمع بين الحكمين ثمّة وهنا كما فعله الماتن في الشرائع ، وحكي عن الفاضل في التحرير (١) غريب جدّاً.

( و ) اعلم أنّه من الأُصول المسلّمة : أنّه لا ( يجوز ) تزويج الرجل بأمته بمهر مطلقاً ، إلاّ في صورة واحدة ، وهي ( أن يتزوّجها ، ويجعل العتق ) منه لمجموعها ( صداقها ) فيقول : قد تزوّجتك وأعتقتك ، وجعلت مهرك عتقك.

والمستند في الاستثناء : إجماع أصحابنا ، وبه استفاض أخبارنا (٢) ، بل ربما ادُّعي تواترها (٣) ؛ وبهما يظهر الجواب عمّا قيل : إنّه كيف يتزوّج جاريته ، وكيف يتحقّق الإيجاب والقبول وهي مملوكة (٤)؟! وما قيل من أنّ المهر يجب أن يكون متحقّقاً قبل العقد ، وليس كذلك مع تقديم التزويج كما هو المشهور ، وأنّه يلوح منه الدور ، فإنّ العقد لا يتحقّق إلاّ بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقّق إلاّ بعد العقد (٥).

مندفع بمنع اعتبار تقديمه ، بل يكفي مقارنته للعقد ، وهو هنا كذلك ؛ وبمنع توقّف العقد على المهر وإن استلزمه ، وإذا جاز العقد على الأمة وهي صالحة لأنّ تكون مهراً لغيرها جاز جعلها أو فكّ ملكها مهراً‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣١١ ، التحرير ٢ : ٢٤.

(٢) الوسائل ٢١ : ٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١.

(٣) جامع المقاصد ١٣ : ١١٨.

(٤ و ٥) النهاية ونكتها ٢ : ٣٩٣.

٣٩٨

لنفسها ؛ مع أنّ ذلك كلّه في مقابلة النصّ الصحيح ، فلا يسمع ، وحيث اختصّ بنا أنكره مخالفونا ، وجعلوه من خصائص نبيّنا سلام الله عليه.

( ويشترط ) في صحة هذا التزويج على الأشهر ( تقديم لفظ التزويج في العقد ) على العتق كما عبرنا في المثال.

لئلاّ تعتق ، فلا تصلح لجعل عتقها مهراً.

ولأنّها بالعتق لو قُدّم تملك أمرها ، فلا يصحّ تزويجها بدون رضاها.

وللخبرين ، أحدهما الصحيح : عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت مهرك عتقك ، فقال : « عتقت وهي بالخيار ، إن شاءت تزوّجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوّجته فليعطها شيئاً ، فإن قال : قد تزوّجتك وجعلت مهرك عتقك ، فإنّ النكاح واقع بينهما ولا يعطيها شيئاً » (١) ، وهو مرويّ في قرب الإسناد كذلك ، إلاّ أنّه بدل. النكاح واقع : « كان النكاح واجباً » (٢).

وفي الجميع نظر ، أمّا فيما عدا الخبر فبعدم لزوم العتق ومالكيّة الأمر إلاّ بعد انقضاء تمام الصيغة المشتملة على الأمرين ، وبعده كما يلزم العتق ومالكيّة الأمر كذا يلزم الموجب لهما وهو النكاح ؛ لمساواتهما في الاندراج تحت الصيغة التي يترتّب على تمامها لزوم الأول.

وأمّا فيه فلاحتمال استناد المنع فيه إلى عدم التصريح بلفظ التزويج المعتبر التصريح به عند الكلّ كما قيل (٣) لا تقديم العتق ، وهو غير المتنازع ؛ مع معارضتهما لما سيأتي من الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠١ / ٧٠٩ ، ٧١٠ ، الإستبصار ٣ : ٢١٠ / ٧٥٩ ، ٧٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٩٨ ، ٩٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٢ ح ١ ، ٢.

(٢) قرب الإسناد : ٢٥١ / ٩٩٣.

(٣) انظر روضة المتقين ٨ : ٢٤٦ والوسائل ٢١ : ٩٩.

٣٩٩

( وقيل : ) هو الشيخان (١) ـ ( يشترط تقديم العتق ) على التزويج ، فيقول : أعتقتك وتزوّجتك وجعلت صداقك عتقك ؛ استناداً إلى بطلان تزويج المولى بأمته.

ويضعّف بما مرّ في الجواب عمّا عدا الخبر في القول الأشهر ، وبأنّه يستلزم عدم جواز جعل العتق مهراً ؛ لأنّه لو حكم بوقوعه بأول الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المتأخّر ؛ مع أنّ ذيل الصحيحة المتقدّم صريح في الجواز.

فإذاً الأظهر جواز الأمرين وفاقاً لأكثر المتأخّرين ؛ أمّا البدأة بالتزويج فللصحيح المتقدّم ؛ وأمّا العكس فللعمومات ، وظواهر المعتبرة المستفيضة ، منها الحسن : « إذا قال الرجل لأمته : أعتقتك وأتزوجك وجُعِل صداقك عتقك ، فهو جائز » (٢) ونحوه الحسن الآخر (٣) والموثّق (٤) والخبر (٥).

ولو احتيط بالأشهر كان أجود ؛ لقوّة الشبهة فيه ؛ لاعتضاد خلاف الاحتمال المتقدّم في الصحيح المبنيّ عليه الاستدلال للمشهور بفهمهم ، وإن لم يكن له في نفسه ظهور ، إلاّ بمعونة المفهوم في الذيل ، المضعَّف اعتباره فيه باحتمال تعلّقه بخصوص التزويج ؛ بناءً على الاحتمال المتقدّم ،

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٤٩ ، الطوسي في الخلاف ٤ : ٢٦٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٦ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٥ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٩٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٠١ / ٧٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٩ / ٧٥٧ ، الوسائل ٢١ : ٩٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١ ح ٦.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٦ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٠٢ / ٧١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢١١ / ٧٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٩٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١ ح ٤.

٤٠٠