رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

خلافاً للإسكافي (١) ، فاكتفى بالوَجُور (٢) ؛ لأنّ الغاية المطلوبة إنّما هو إنبات اللحم واشتداد العظم ، كما هو ظاهر الفحاوى وصريح الخبر : « وَجُور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (٣).

وفيه : منع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصّة ؛ لاحتمال كون الرضاع والمصّ من الثدي له مدخليّة في نشر الحرمة ، كما أنّ للولادة أو الحمل مدخليّة بالإجماع والمعتبرة ، وإنكاره مكابرة. وليست العلّة بنفس الإنبات منصوصة ، وغاية ما يستفاد من المعتبرة نشر الإنبات الحاصل من ارتضاع الثدي خاصّة.

نعم ، ذلك يناسب القياس المستنبط العلّة ، الذي هو حجّة عند الإسكافي ، وفاسد بالضرورة من مذهب الشيعة.

والخبر مع ضعفه بالإرسال محمولٌ على التقيّة ؛ لنسبته في المسالك إلى جماعة من العامّة (٤) ، معارَض بصريح الصحيحة : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (٥).

ولا ينافيه التقييد بالسنة ، إلاّ بتقدير عدم احتمال جريان ما قيل من التوجيه وإن بَعُدَ من قراءة : « سنّه » بتشديد النون والإضافة إلى ضمير راجع إلى الإرضاع ، والمراد : الحولين.

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ٥١٨.

(٢) الوَجُور : الدواء يصبّ في الحلق المصباح المنير : ٦٤٨.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠٨ / ١٤٨٥ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٧ ح ٣.

(٤) المسالك ١ : ٤٦٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٠٧ / ١٤٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٥ ، الإستبصار ٣ : ١٩٨ / ٧١٨ ، الوسائل ٢٠ : ٣٧٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٢ ح ١٣.

١٤١

ونحوه الكلام في الصحيحين (١) ، ونحوهما (٢) : « لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » بجعل الحولين ظرفاً للرضاع لا المدّة المرعيّة ، مع أنّ خروج بعض القيود بالدليل لا يوجب خروج الباقي.

ويعضد ما ذكرنا الحسنان ، بل الصحيحان المرويّان في الكافي.

في أحدهما : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مَكُّوك (٣) فأسقته جاريتي ، فقال : أوجِعْ امرأتك ، وعليك بجاريتك » (٤).

وفي الثاني : عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت زوجها لتحرم عليه ، قال : « أمسَكَها وأوجَع ظهرها » (٥).

وهما بترك الاستفصال عامّان للرجل والجارية الصغيرين دون الحولين. ولو نشر الوَجُور لخصّ بقاء الزوجيّة فيهما بما إذا وقع الوَجُور بعدهما ، فتأمّل.

( وأن لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة ) والمأكول والمشروب في الزمانية خاصّة (٦) ، دون العدديّة ، فيمنع فيها الفصل برضاع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٧ / ١٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٧ / ٧١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٧ / ١٤٧٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٦ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٧ / ١٤٧٧ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٧ أبواب الرضاع ب ٥ ح ١٠.

(٣) المَكُّوك : طاسٌ يشرب به ، وفي المحكم : أعلاه ضيّق ووسطه واسع تهذيب اللغة ٩ : ٤٦٨ ، لسان العرب ١٠ : ٤٩١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٥ / ٥ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٣ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٧ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٧ ح ٢.

(٦) بلا خلاف فيه أجده ، وصرّح باعتبار عدم الفصل بالمأكول والمشروب أيضاً في

١٤٢

غير المرضعة خاصّة.

كلّ ذلك للأصل ، والتبادر ، مع التصريح بعدم الفصل بالرضاع في العدديّة في الموثّقة المتقدّمة (١) في رضاع اليوم والليلة ، وإطلاقها يقتضي حصول الفصل بمسمّاه ولو قلّ. إلاّ أنّ حمله على الفرد الأكمل للتبادر والسياق يقتضي العدم ، وفاقاً للتذكرة (٢) ، وخلافاً للقواعد والمسالك والروضة (٣).

وهل يشترط في التوالي اتّحاد المرضعة أم يكفي اتّحاد الفحل؟

ظاهر الموثّقة والصحاح المتقدّمة قريباً : الأول ، وعليه الإجماع عن الغنية والخلاف والتذكرة (٤) ، فلو ارتضع من امرأة خمساً كاملة مثلاً ثم ارتضع من الأُخرى ، ثم أكمل منها أو من الأُولى أو ثالثة تمام العدد أو الزمان ، لم ينشر الحرمة ، خلافاً للعامّة.

( الثالث : أن يكون ) الرضاع الناشر مطلقاً (٥) بتمامه ( في الحولين ) اللذين ابتداؤهما من انفصال تمام الولد إلى الجزء الأخير من الشهر الرابع والعشرين ، إن ابتدأ في أول الهلال ، وإلاّ يحسب الثلاثة والعشرون هلاليّة ، ويتمّ المنكسر من الشهر الخامس والعشرين ، كما في سائر الآجال.

__________________

الزمانية شيخنا في المسالك ( ١ : ٤٦٨ ) وسبطه في شرح الكتاب ( نهاية المرام ١ : ١١٢ ) وغيرهما من الأصحاب من غير نقل خلاف ، بل بعدمه صرّح في المفاتيح ( ٢ : ٢٣٧ ) فتأمّل منه عفي عنه وعن والديه.

(١) في ص ١٣٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٠.

(٣) القواعد ٢ : ١٠ ، المسالك ١ : ٤٦٨ ، الروضة البهية ٥ : ١٦٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩ ، الخلاف ٥ : ١٠٠ ، التذكرة ٢ : ٦٢.

(٥) أي أيّ الأقسام الثلاثة كان. منه رحمه‌الله.

١٤٣

ويكفي في حصول الشرط تمام الجزء الأخير من الرضاع بتمام مثله من الحولين ، فالمراد : عدم وقوع شي‌ء من الرضاع بعد تمامهما ، واعتباره مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدّعى عليه الإجماع كما يأتي ؛ للنصوص :

منها الخبر : « لإرضاع بعد فطام » قال : قلت : وما الفطام؟ قال : « الحولين اللذين قال الله عزّ وجلّ » (١) (٢).

وضعفه بسهل على الأشهر سهل ، بل صحيح على الأظهر عند بعض (٣) ، ومع ذلك بالإجماع معتضد.

ويستفاد منه حصول التحريم بالرضاع في الحولين مطلقاً ولو فطم قبلهما ، وعدمه به بعدهما مطلقاً ولو لم يفطم ؛ لتفسيره الفطام الذي لم ينشر معه الرضاع بمضيّ الحولين ، فلا عبرة بما عداه إن حصل ، كما لا عبرة بالرضاع بعده ولو لم يحصل الفطام اللغوي ؛ لحصول الشرعي ، الذي هو المعيار.

والأمران مقطوع بهما في كلامهم بل عن الشهيد الإجماع على الثاني (٤) عدا العماني في الأول (٥) ؛ لإطلاقه عدم الرضاع بعد الفطام ، الشامل لمثل هذا الفطام (٦) ؛ تبعاً للأخبار : كالحسن : « لإرضاع بعد فطام » (٧).

والخبر المصحّح في كلام بعض (٨) : « الرضاع قبل الحولين قبل أن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ٣ بتفاوت يسير ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٩٨ / ٧١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٥.

(٣) كما في رجال الشيخ : ٤١٦.

(٤) على ما حكاه عنه في الكفاية : ١٥٩.

(٥) كما حكاه عنه في المختلف : ٥١٩.

(٦) أي قبل الحولين. منه رحمه‌الله.

(٧) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٢.

(٨) نهاية المرام ١ : ١١٢.

١٤٤

يفطم » (١).

وهو ضعيف ؛ لحمل إطلاقهما على الخبر المتقدّم المفسّر لهما ، فيحمل : « قبل أن يفطم » في الرواية الثانية على كونه تأكيداً لقبل الحولين ، مفسّراً له ، ولا مانع من حمل كلامه عليه ، فلا خلاف.

والإسكافي في الثاني (٢) ، فصرّح بالنشر بالرضاع بعدهما بلا فطام يفصلهما (٣) ؛ لإطلاق مفهوم نحو الحسن المتقدّم.

وخصوص الموثّق : « الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم يحرّم » (٤).

وضعف الأول ظاهر بعد ما تقدّم.

والموثّق غير مكافئ له بوجه ، مع حمله في كلام شيخ الطائفة على التقية (٥) ، مع احتماله لمحامل غير بعيدة منافية للدلالة ، كتخصيص الحولين بولد المرضعة والفطام بالمرتضع ، أي الرضاع بعد حولي ولد المرضعة قبل أن يفطم المرتضع ويتمّ حولاه ينشر الحرمة ، كما عليه مشهور الطائفة ، وسيأتي إليه الإشارة (٦).

( وهو ) أي الرضاع قبل الحولين ـ ( يراعى في المرتضع ) بمعنى : وقوعه قبل حولية ، إجماعاً كما في القواعد والمسالك (٧) ، وعن جماعة عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٤.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٥١٩.

(٣) أي الحولين والرضاع. منه رحمه‌الله.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٠٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٧ : ٣١٨ / ١٣١٤ ، الإستبصار ٣ : ١٩٨ / ٧١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٦ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٣١٨.

(٦) في ص ١٤٦.

(٧) القواعد ٢ : ١٠ ، المسالك ١ : ٤٦٩.

١٤٥

الخلاف والغنية (١) ؛ للنصوص المتقدّمة.

( دون ولد المرضعة ) فينشر الحرمة ولو وقع الرضاع قبل حولي المرتضع بعد حولية ( على الأصحّ ) الأشهر ، وفاقاً للحلّي والفاضلين والشهيدين (٢) ، وكثير من المتأخّرين (٣) ، بل عليه الإجماع عن بعض (٤). لعموم الأدلّة على نشر الرضاع للحرمة من الكتاب والسنّة ، الشاملة لمثل المسألة ، المؤيّدة بأصالة بقاء الحرمة السابقة على المناكحة ، ولا قاطع مخرج عنها من الأدلّة ؛ للشكّ في دخول مثلها في النصوص المتقدّمة لو لم يدّع عدمه للتبادر والسياق كما وقع في كلام جماعة (٥).

وعلى تقدير تسليم الظهور بالعموم لو كان فهو غير كافٍ في تخصيص عموم الأدلّة القطعيّة ؛ إذ المناط فيه قوة الدلالة ، بل قطعيّتها ، كما يشعر بها كلام جماعة ، وهي في النصوص منتفية بالضرورة ، فتخصيصها به جرأة عظيمة.

نعم ، في الموثّق الموقوف إلى ابن بكير : سأله ابن فضّال في المسجد ، فقال : ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين ، ثم أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتى تمّت السنتان ، أيفسد ذلك بينهما؟ فقال‌

__________________

(١) الخلاف ٥ : ١٠٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٢) الحلّي في السرائر ٢ : ٥١٩ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٣ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٠ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٥ : ١٦٣.

(٣) كفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٤٨ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٥٠ ، السبزواري في الكفاية : ١٥٩.

(٤) راجع السرائر ٢ : ٥١٩.

(٥) منهم المحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد ١٢ : ٢٢٢ ، والمسالك ١ : ٤٦٩.

١٤٦

لا يفسد ذلك بينهما ؛ لأنّه لإرضاع بعد فطام ، وإنّما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لإرضاع بعد فطام » أي أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حدّ اللبن ، ولا يفسد بينه وبين مَن شرب من لبنه (١).

وهو وإن كان نصّاً ، إلاّ أنّ مرجعه إلى اجتهاد ابن بكير المردود بما قدّمناه ، ومعارضتِه بتفسير الكليني والصدوق : لـ « لإرضاع بعد فطام » بما يوافق المشهور (٢) ، وترجيحهما على مثله ظاهر.

فظهر ضعف اعتباره في ولد المرضعة أيضاً ، كما عن جماعة ، منهم : ابن زهرة (٣). ودعواه الإجماع عليه بمصير معظم الأصحاب على خلافه موهونة ، مع معارضتها بحكاية الإجماع على خلافه ، المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة.

( الرابع : أن يكون اللبن ) الناشر ( لفحل واحد ).

ولاعتبار هذا الشرط وجهان :

أحدهما وهو المناسب للمقام وسائر الشروط المتقدّمة ـ : اعتباره لثبوت أصل التحريم بين الرضيع والمرضع وصاحب اللبن ، ولا خلاف فيه بيننا ، بل عليه الإجماع منّا في التذكرة (٤) ؛ وعليه دلّت الموثّقة (٥) في رضاع اليوم والليلة.

فلو ارتضع من امرأة بعض العدد من لبن فحل ، ومنها بعينها تمامه‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣١٧ / ١٣١١ ، الإستبصار ٣ : ١٩٧ / ٧١٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٥ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٥ ح ٦.

(٢) الكليني في الكافي ٥ : ٤٤٤ ، الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٠٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٢١.

(٥) المتقدمة في ص ١٣٤.

١٤٧

من لبن فحل آخر بعد تزويجها منه ومفارقتها الأول ، لم ينشر حرمة أصلاً ، فتحلّ له المرضعة وصاحبا اللبن إن كان أُنثى. ويفرض المثال لو استقلّ الولد بالمأكول أو اللبن المَوجُور في فيه ولو منها على ما تقدّم في المدّة المتخلّلة بين الرضاعين ، بحيث لا يفصل بينهما برضاع أجنبيّة. ولا قَدْحَ بمثله (١) في حصول التحريم بالرضعات كما مرّ.

والثاني وهو المقصود من العبارة والمتداول في كلام الطائفة ، الذي صار محلّ النزاع والمشاجرة بين الخاصّة والعامّة ـ : اعتباره لحرمة أحد المرتضعين على الآخر ، بعد حصولها لأحدهما مع المرضعة وصاحب لبنه.

( فيحرم الصبيّان ) أحدهما على الآخر كحرمتهما على المرضعة والفحل إذا كانا ( يرتضعان بلبن ) فحل ( واحد ) بلا كلام ( ولو اختلف المرضعتان ).

( ولا يحرم ) أحدهما على الآخر على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع في التذكرة وعن الحلّي (٢) وظاهر غيرهما (٣) ( لو رضع كلّ واحد من لبن فحل ) غير فحل الآخر ( وإن اتّحدت المرضعة ) فيكفي الاخوة من جهة الأُبوّة ، ولا يكفي من جهة الأُمومة.

للمعتبرة ، كالصحيح : عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام ، أيحلّ له أن يتزوّج أُختها لأُمّها من الرضاعة؟ فقال : « إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ ، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس » (٤).

__________________

(١) أي بمثل استقلال الولد.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٢١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٥٣.

(٣) انظر جامع المقاصد ١٢ : ٢٢٣ والمسالك ١ : ٤٦٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤٣ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٣٢١ / ١٣٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٠١ / ٧٢٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ٣.

١٤٨

والموثّق : عن غلام رضع من امرأة ، أيحلّ له أن يتزوّج أُختها لأبيها من الرضاعة؟ فقال : « لا ، قد رضعا جميعاً من لبن فحل واحد » قال : قلت : فيتزوّج أُختها لأُمّها من الرضاعة؟ قال : « لا بأس بذلك ، إنّ أُختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس » (١).

وهما مع اعتبار سندهما يستلزمان المدّعى (٢) وصريحان فيه ، ومع ذلك معتضدان بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة والمخالفة للعامّة ، كما يظهر من الحلّي والمسالك والتذكرة (٣) ، وبما دلّ (٤) على اعتبار اتّحاد الفحل بالمعنى الأول (٥) ؛ بناءً على دلالته على عدم حصول البنوّة من جهة الأُمومة خاصّة ، فعدم حصول الاخوّة من جهتها بطريق أولى. ولا بُعدَ في جعله دليلاً ، كما يوجد في كلام جماعة. ونحوه ما دلّ على عدم اعتبار ما خلا عن نكاح.

وبالصحيح بل هو دليل آخر برأسه على الصحيح ـ : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (٦) فقال : « إنّ الله تعالى خلق آدم من الماء العذب ، وخلق زوجته من سنخه ، فبرأها من أسفل أضلاعه ، فجرى بذلك الضلع سبب ونسب ، ثم زوّجها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ / ١٣٢١ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٠ / ٧٢٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٨٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ٢.

(٢) من حرمة أحد المرتضعين على الآخر. منه رحمه‌الله.

(٣) الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٣ ، المسالك ١ : ٤٦٩ ، التذكرة ٢ : ٦٢١.

(٤) كالموثقة المتقدمة في ص ١٣٤.

(٥) أي اعتباره لثبوت أصل التحريم بين الرضيع والمرضع وصاحب اللبن.

(٦) الفرقان : ٥٤.

١٤٩

إيّاه ، فجرى بسبب ذلك بينهما صِهر ، وذلك قول الله عزّ وجلّ ( نَسَباً وَصِهْراً ) فالنسب يا أخا بني عجل ما كان بسبب الرجال ، والصهر ما كان من سبب النساء » قال : قلت له : أرأيت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » فسِّر لي ذلك ، فقال : « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها وَلَد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام ، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وإنّما هو من سبب ناحية الصهر رضاعٌ ولا يحرّم شيئاً ، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرّم » (١).

وهو كما ترى ظاهرٌ في المختار ، بناءً على كون الظاهر كون : « واحداً بعد واحد » مفعولاً لـ : « أرضعت » و : « من غلام أو جارية » ، بياناً لهما ، ولا يحتمل الحاليّة عن الفحلين ؛ لأمرين :

أحدهما : أنّه لا يستفاد منه حينئذٍ شي‌ء زائد عمّا استفيد قبله ، فيكون تأكيداً ، وما ذكرناه تأسيس ، فهو أولى.

وثانيهما : استلزام ذلك إمّا تقدير المفعول ، وهو خلاف الأصل ، أو جعله مدخول الجار ، وهو خلاف الظاهر ، أو جعله (٢) زائداً ، وهو كالأول (٣) ، فتعيّن ما ذكرناه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٢ / ٩ ، وأورد ذيله في الوسائل ٢٠ : ٣٨٨ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) أي : الجار.

(٣) أي خلاف الأصل. منه رحمه‌الله.

١٥٠

ولا ينافيه وقوعه تفسيراً للرضاع المحرّم ؛ بناءً على تصريحه بعدم النشر مع تعدّد الفحل ، الظاهر في عدمه مطلقاً ، حتى بين الرضيع والمرضع وصاحب اللبن ؛ لاحتمال كونه تفسيراً للرضاع المحرّم كلّياً تحريماً عامّاً ، حتى لأحد الرضيعين على الآخر ، لا أصل التحريم ولو كان جزئياً حتى ينافي ذلك.

فيكون المراد : أنّ الرضاع الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي الذي يحرم تحريم النسب من الجانبين مطلقاً ، حتى بين المرتضعين هو الرضاع الذي يتّحد مع الفحل ، وأمّا إذا تعدّد فلا يحرم ذلك التحريم العام ، وإن حرم الجزئي بين الرضيع والمرضع وصاحب اللبن بقدر ما وجد فيه من علّة التحريم ، أعني : ما يستفاد من الصدر والذيل ، وهو الشباهة بالنسب ، الناشئة من جهة الفحل خاصّة دون المرضعة ؛ لبعدها عنها ، وقربها من الشباهة بالمصاهرة.

ثم على تقدير تسليم ما ذكر من الاحتمال (١) ، فهو يدلّ على المختار أيضاً ؛ بفحوى الخطاب الذي تقدّمت إليه الإشارة (٢) ، وعموم التعليل في الذيل لما ذكر لما نحن فيه ؛ لصدق كون الاخوّة إنّما هي من ناحية المصاهرة لا النسبيّة ، التي جُعلت مناطاً لنشر الرضاع للحرمة.

وبهذه الأدلّة يخصَّص عموم الكتاب والسنّة إن كان دلالتها على الشمول لمثل المقام واضحة.

فخلاف الطبرسي (٣) ضعيف ، وليس عليه دلالة في الخبر : قال مولانا‌

__________________

(١) من كون المراد إثبات اتّحاد الفحل بالمعنى الأول. منه رحمه‌الله.

(٢) في ص ١٤٩.

(٣) كما في مجمع البيان ٢ : ٢٨.

١٥١

الرضا عليه‌السلام : « ما يقول أصحابك في الرضاع؟ » قال : قلت : كانوا يقولون : اللبن للفحل ، حتى جاءتهم الرواية عنك : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فرجعوا إلى قولك ، قال : فقال لي : « وذلك أنّ أمير المؤمنين سألني عنها ، فقال : اشرح لي : اللبن للفحل ، وأنا أكره الكلام ، فقال لي : كما أنت حتى أسألك عنها ، ما قلتَ في رجل كانت له أُمّهات أولاد شتّى ، فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً ، أليس كلّ شي‌ء من ولد ذلك الرجل من أُمّهات الأولاد الشتّى محرّم على ذلك الغلام؟ » قال : « قلت : بلى » فقال لي أبو الحسن عليه‌السلام « ما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل ولا يحرّم من قبل الأُمّهات؟! وإنّما حرّم الله تعالى من قبل الأُمّهات وإن كان لبن الفحل أيضاً يحرّم » (١).

إذا هو مع قصور سنده بجهالة الراوي لا يستفاد منه سوى تحريم أولاد المرضعة نسباً على المرتضع ، وليس من محلّ البحث في شي‌ء ، وعلى تقدير كونه منه فحمله على التقيّة كما صرّح به جماعة (٢) متعيّن.

فالعجب كلّ العجب ممّن جعل الحمل منعكساً ، فحمل ما تقدّم على التقيّة (٣). ولو احتيط كان أجود.

( ويستحب ) للمسترضع المختار ( أن يتخيّر للرضاع : المسلمة ) فيكره الكافرة مطلقاً ، حتى الكتابيّة.

لفحوى الحسنة : « إنّ اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ / ١٣٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٠ / ٧٢٥ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) منهم المجلسي في ملاذ الأخيار ١٢ : ١٦٣ وصاحب الوسائل ٢٠ : ٣٩١.

(٣) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٣٦.

١٥٢

ولد الزناء » (١).

ولما علم من المعتبرة كالتجربة أنّ الرضاع يؤثّر في الطباع والحال ، ففي الموثّق : « انظروا مَن ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبّ عليه » (٢).

( الوضيئة ) ؛ لما تقدّم ، والصحيح : « عليكم بالوضّاء من الظؤورة ، فإنّ اللبن يعدي » (٣).

ونحوه القوي : « استرضع لولدك بلبن الحِسان ، وإيّاك والقباح ، فإنّ اللبن قد يعدي » (٤).

( العفيفة ) الكريمة الأصل ؛ لما ذكر من استحباب اختيارهما في النكاح (٥) ، فكذا هنا.

للمرويّ في قرب الإسناد : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : تخيّروا للرضاع كما تخيّرون للنكاح ، فإنّ الرضاع يغيّر الطباع » (٦).

( العاقلة ) ؛ للحسن أو الصحيح : « لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن » يعني إلى الظئر « في الرعونة والحمق » (٧)

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٢ / ١١٤٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٢ ؛ بتفاوت.

(٢) الكافي ٦ : ٤٤ / ١٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٦ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٨ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤ / ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٧ / ١٤٧٩ ، التهذيب ٨ : ١١٠ / ٣٧٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٤٤ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ١١٠ / ٣٧٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٩ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٤٧ أبواب مقدمات النكاح ب ١٣.

(٦) قرب الإسناد : ٩٣ / ٣١٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٨ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٨ ح ٦.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٣٠٧ / ١٤٨١ ، التهذيب ٨ : ١١٠ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٨ ح ٢ ، الرعونة : الحمق. الصحاح ٥ : ٢١٢٤.

١٥٣

ونحوه غيره ، كالمرويّ في العلل مثله (١) ، بزيادة : « العمشاء » (٢).

( ولو اضطرّ إلى ) إحداهنّ ولو كانت ( الكافرة ، استرضع الذميّةّ ) وانتفت حينئذٍ الكراهة ؛ للمعتبرة ، منها : الحسن المتقدّم ، والموثّق : هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهوديّة والنصرانية والمشركة؟ قال : « لا بأس » (٣).

ولكن لا يسترضع المجوسيّة ، بل استرضع الكتابيّة ؛ للحسنة : عن مظاءرة المجوسيّة ، فقال : « لا ، ولكن أهل الكتاب » (٤) ونحوها الصحيحان الآتيان.

( ويمنعها ) مع الاسترضاع ( من شرب الخمر ولحم الخنزير ).

للصحيح : « لا يسترضع الصبي المجوسيّة ، ويسترضع اليهوديّة والنصرانية ، ولا يشربن الخمر ، ويمنعن من ذلك » (٥) ، ونحوه الموثّق (٦) وغيره (٧).

__________________

(١) لم نعثر عليه في العلل وهو مروي في عيون الأخبار ٢ : ٣٣ / ٦٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٧ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٨ ح ٤.

(٢) العَمَش في العين : ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها مجمع البحرين ٤ : ١٤٣.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٤٢ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٦ : ٤٤ / ١٤ ، بتفاوت يسير ، التهذيب ٨ : ١١٠ / ٣٧٤ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٤ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٤٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٥.

(٧) قرب الإسناد : ٢٧٥ ، ١٠٩٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٧.

١٥٤

ثمّ ليس في هذه الأخبار أكثر من جواز استرضاع الكافرة ، ولا ينافي ذلك الكراهة الثابتة بما قدّمناه من الأدلّة ، فالتأمّل فيها لإطلاق نفي البأس عن استرضاع ما عدا المجوسيّة غير جيّد.

( ويكره تمكينها من حَمْل الولد إلى منزلها ).

للصحيح : عن رجل دفع ولده إلى ضئرٍ يهوديّة أو مجوسيّة ، ترضعه في بيتها ، أو ترضعه في بيته؟ قال : « ترضعه لك اليهوديّة والنصرانيّة ، وتمنعها من شرب الخمر وما لا يحلّ ، مثل : لحم الخنزير ، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن ، والزانية لا ترضع ولدك ، فإنّه لا يحلّ لك ، والمجوسيّة لا ترضع ولدك إلاّ أن تضطرّ إليها » (١).

( و ) منه يظهر أنّه ( يكره استرضاع المجوسيّة ) أشدّ كراهية ، إلاّ عند الضرورة ، بل ظاهره كغيره التحريم ، ولو لا الأصل المعتضد باتّفاقهم لكان متعيّناً.

( و ) نحوه استرضاع ( مَن لبنها عن زناء ) بل مرّ في الحسن (٢) أشدّيّته من الأول.

( و ) لكن ( في رواية ) مرويّة بعدّة طرق معتبرة : أنّه ( إذا أحلّها مولاها طاب لبنها ) وزال بذلك كراهة استرضاعها ، كالحسن : في المرأة تكون لها الخادمة قد فجرت تحتاج إلى لبنها ، قال : « مرها فلتحلّلها يطيب اللبن » (٣).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٨ / ١٤٨٢ ، التهذيب ٨ : ١١٦ / ٤٠١ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٥ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٦ ح ٦.

(٢) راجع ص ١٥٣.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧٠ ، الوسائل ٢١ : ٤٦٣ أبواب أحكام الأولاد ب ٧٥ ح ٣.

١٥٥

وقد نسبها المصنّف في الشرائع إلى الشذوذ (١) ، وعلّل في الشرح بإعراض الأصحاب عنها ؛ لمنافاتها القاعدة ؛ لأنّ إحلال ما مضى من الزناء لا يرفع إثمه ولا يدفع حكمه ، فكيف يطيب لبنه؟! واعترضه بأنّه استبعاد محض في مقابلة النصوص الكثيرة الخالية عن المعارض (٢).

وهو حسن ، إلاّ أنّ دعواه إعراض الأصحاب عنها المشعرة بالإجماع تلحقها بالشواذّ وإن خلت عن المعارض ، فيجب طرحها ، أو حملها على ما إذا كانت الأمة قد تزوّجت بدون إذن مولاها ، فإنّ الأولى له إجازة العقد ليطيب اللبن ، كما فعله بعض الأصحاب (٣). وهو وإن بَعُد غايته إلاّ أنّه أولى من طرحها.

( وهنا مسائل ) ثلاث :

( الأُولى : إذا أُكملت الشرائط ) المعتبرة في تحريم الرضاع ( صارت المرضعة أُمّا ) للرضيع ( وصاحب اللبن أباً ) له ، وآباؤهما مطلقاً (٤) أجداداً وجدّات.

( و ) كذا ( أُختها ) كأُخت الوالدات للفحل ولها ( خالة ) وإخوتها كإخوة الوالدات لهما أخوالاً ، وإخوة صاحب اللبن وأخواته كإخوة آبائه وآبائها وأخواتهما أعماماً وعمّات.

( وبنتها ) وابنها كابن الفحل وابنته ( أُختاً ) وإخوة.

فيحرم الرضيع وفروعه خاصّة على الجميع مطلقاً ولو انتسبوا إلى‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٨٤.

(٢) المسالك ١ : ٤٧٠.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٨.

(٤) أي من نسبٍ أو رضاع. منه رحمه‌الله.

١٥٦

المرضعة وبعلها بالرضاع ، بشرط اتّحاد فحلهم وفحلهما ، ويأتي على قول الطبرسي التحريم مطلقاً (١) فالأعمام والعمّات ، كالأخوال والخالات مثلاً للأبوين الرضاعيين ، يحرمون على الرضيع ولو انتسبوا إليهما من غير نسب ، مع الشرط المتقدّم أو مطلقاً.

خلافاً للقواعد والمحقّق الثاني ، فنفيا التحريم في المنتسبات إليهما بالرضاع مطلقاً (٢) ؛ لعدم اتّحاد الفحل بين الرضيع والنسوة المزبورات (٣).

وفيه نظر ؛ إذ اشتراط اتّحاد الفحل إنّما هو في حصول البنوّة والأُخوّة لا مطلقاً ، كما دلّت عليه الروايات المتقدّمة (٤) ، المعتبرة ، الصريحة في حرمة الخالة الرضاعيّة للمرضعة من طرف الفحل ؛ معلّلاً بحصول اتّحاده لها وللخالة.

ولو كان المراد من الاتّحاد ما ذكراه لما كان للتعليل كالحكم بسببه وجه ؛ لعدم اتّحاد فحلي الرضيع والخالة الرضاعيّة ، وإن هي إلاّ غفلة واضحة تردّها الأخبار المزبورة ، كإطلاقات كلام الأصحاب ، بل صريحهم في المسألة.

( و ) كما يحرم عليهم مطلقاً كذا ( يحرم ) الجميع ، ومنهم : ( أولاد صاحب اللبن ) مطلقاً ( ولادةً ورضاعاً على المرتضع ) وفروعه.

( و ) كذا ( أولاد المرضِعة ولادةً ) إجماعاً ( لا رضاعاً ) على الأشهر الأظهر ، إلاّ على قول الطبرسي الذي مرّ ، فيحرم عليه أولادها مطلقاً.

__________________

(١) كما في مجمع البيان ٢ : ٢٨.

(٢) أي مع الشرط وعدمه. منه رحمه‌الله.

(٣) القواعد ٢ : ١٣ ، جامع المقاصد ١٢ : ٢٥٨.

(٤) في ص ١٤٨ ١٤٩.

١٥٧

( الثانية ) : المستفاد من النصوص المعتبرة بعد أن ضُمّ إليها أصالة الإباحة أنّه لا يحرم من الرضاع إلاّ ما يحرم من جهة النسب ، وليس المحرّم من جهته إلاّ من صدق عليه عنوانات النسوة السبع المذكورات في الآية (١) ، كالامومة والبنتيّة والأُختيّة ونحوها.

لا أُمّ الأخ والأُخت ، ولا أُمّ ولد الولد ، ولا جدّة الولد ، ولا أُخت الولد ، فلا يحرمن في الرضاع إذا كنّ أجنبيّات وإن حرمن في النسب تارةً وبالمصاهرة اخرى ؛ لعدم صدق العنوانات في الآية عليهنّ حينئذ ، فهنّ عن القاعدة خارجات ، لا داخلات يحتاج إلى استثنائهن ، كما عن التذكرة (٢).

ونحو هذه الصور ما لو أرضعت زوجتك ولد ولدها ذكراً كان الولد أو أُنثى فإنّ هذا الرضيع يصير ولدك بالرضاع بعد أن كان ولد ولدك بالنسب ، فتصير زوجتك المرضعة جدّة ولدك ، وجدّة الولد محرّمة عليك للنسب أو المصاهرة ، ولكن هنا لا تحرم الزوجة ؛ لأنّ تحريم جدّة الولد ليس منحصراً في النسب ، ولا من حيث إنّها جدّة.

وكذا لو أرضعت ولد ولدها من غيرك ، فإنّ الرضيع يصير ولدك بالرضاع وإن لم يكن له إليك انتساب قبله ، وتصير زوجتك جدّة ولدك ، ولا تحرم بذلك كما قرّرنا.

وممّا ذُكِر ينقدح وجه القدح في المحكيّ عن شذوذٍ من الأصحاب من القول بالنشر في نحو هذه الصور (٣) ؛ بناءً على حرمة المذكورات بالنسب في بعض الفروض ، فيشملهنّ عموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٦١٤.

(٣) كما في كفاية الأحكام : ١٦١.

١٥٨

من النسب » (١).

إذا المراد بالمحرّمات من النسب النسوة السبع المعدودات في الآية ، وليست النسوة المفروضات في الصور نظراء إحداهن ؛ لعدم صدق عنوانهنّ عليهنّ ، وحرمتهنّ بالنسب في بعض الفروض ليس إلاّ لصدق الأُمومة والبنتية مثلاً عليهنّ ، فيدور التحريم مدار صدق العنوانات المزبورة عليهنّ ، المفقود فيهنّ في الصور المزبورة.

مضافاً إلى استلزام ما ذُكِر حرمة أُخت الرضاعيّة على أخيه ؛ لحرمتها بالنسب في الجملة. ولا ريب في فساده بالبديهة ؛ لدلالة المعتبرة (٢) واتّفاق الطائفة على عدم حرمتها من النسب عليه ، فعدمها من الرضاع أولى ؛ مضافاً إلى ورود النصّ بالعدم فيه أيضاً (٣).

وربما يتوهّم الاستدلال لهذا القول بالتعليل لتحريم أولاد المرضعة على أبي المرتضع بـ : « أنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك » الآتي في بعض الصحاح (٤) في هذه المسألة. قيل : وهو يعطي التعميم ، ويوجب تحريم من تصير بمنزلة محرم (٥).

وهو مع معارضته بالمعتبرة المتقدّمة (٦) ، الحاصرة للمحرّمات الرضاعيّة في نظائر السبع المعدودات في الآية فيه : أنّه ليس المستفاد من التعليل إلاّ كون منزلة الولديّة ضارّة ، وليس فيه ما يوجب التخطّي إلى تحريم من هو بمنزلة الأخ والولد مثلاً إلاّ بطريق القياس المستنبط العلّة ،

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٣٧١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١.

(٢) راجع الوسائل ٢٠ : ٣٦٨ أبواب ما يحرم بالنسب ب ٦.

(٣) راجع الوسائل ٢٠ : ٣٦٨ أبواب ما يحرم بالنسب ب ٦.

(٤) انظر ص ١٦٠.

(٥) قال به المحقق الداماد في ضوابط الرضاع ( كلمات المحققين ) : ١٣.

(٦) في ص ١٢٦ ١٢٧.

١٥٩

التي ليس فيها حجّة.

ولذا أنّ أكثر الأصحاب كالفاضلين والشهيدين (١) ، وغيرهم (٢) ، والمحكيّ عن الشيخ في كتبه وابن حمزة والحلّي (٣) خصّوا التعليل بمورده بعد أن عملوا به ، فقالوا :

( لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادةً ورضاعاً ) وأولاد المرضعة ولادةً لا رضاعاً ؛ ( لأنّهم ) صاروا ( في حكم ولده ).

للصحيح في الأول : عن امرأة أرضعت لي صبيّاً ، هل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي : « ما أجود ما سألت ، من هنا يؤتى أن يقول الناس : حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا لبن الفحل لا غير » فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعته لي ، هي ابنة غيرها ، فقال : « لو كنّ عشراً متفرّقات ما حلّ لك شي‌ء منهن » (٤).

والصحيحين في الثاني ، في أحدهما : امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب : « لا يجوز ذلك ؛ لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك » (٥).

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٥ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ١٠ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٥ : ١٦٩.

(٢) انظر المفاتيح ٣ : ٢٣٦ والكفاية : ١٦٠.

(٣) حكاه عن الشيخ في التنقيح الرائع ٣ : ٥١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٤١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ / ١٣٢٠ ، الإستبصار ٣ : ١٩٩ / ٧٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ١٠.

(٥) الأول في : الفقيه ٣ : ٣٠٦ / ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢١ / ١٣٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٠١ / ٧٢٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٦ ح ١.

١٦٠